وضع داكن
29-03-2024
Logo
الدرس : 13 - سورة الشورى - تفسير الآيات 36-43- خصائص مجتمع المؤمنين
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.

 

الدنيا شيء عابر سريع الزوال:


أيها الأخوة الكرام؛ مع الدرس الثالث عشر من سورة الشورى، ومع الآية السادسة والثلاثين وهي قوله تعالى:

﴿ فَمَا أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَمَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى لِلَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ(36) وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ (37) وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (38) وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ (39)﴾

[ سورة الشورى ]

إلى آخر الآيات. 

هذه الآيات أيها الأخوة تحدِّد خصائص المؤمنين؛ المؤمن فرد، والمؤمنون مجتمع، فمجتمع المؤمنين لهم خصائص.

أول شيءٍ أيها الأخوة؛ الله سبحانه وتعالى يخاطب المؤمنين يقول: ﴿فَمَا أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَمَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى لِلَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ﴾ أي الدنيا بمجملها، بكل ما فيها من متع، من شهوات، من مباهج، من حظوظ، من أموال، من نساء، من أطعمة، من بيوت، من بساتين، مما فيها قال: ﴿فَمَا أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَمَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾ المتاع أي شيء مؤقَّت، شيءٌ عابر، شيء سريع الزوال، شيء لا يبقى، لا يستقر.

 

الدنيا بكل ما فيها من متع لا تغني عن الآخرة شيئاً:


الإنسان أحياناً يشتري شيئاً يأكله في الطريق، وقد يشتري قطعة ألماس ثمنها نصف مليون، فهذا الشيء الذي يأكله لدقائق وانتهى الأمر، أكل هذه الشطيرة وانتهى الأمر، أكل هذه الحلوى وانتهى الأمر، بقيت في فمه دقيقة، وكان استمتاعه بها لثانيتين وانتهى الأمر، متاع،  شيءٌ سريع الزوال، شيء لا يستقر، ليس له أثر يبقى.

لكن عندما يشتري الإنسان قطعة ألماس بنصف مليون ليرة، هذه باقية ؛ حجمها، وشكلها، وصفاؤها، وبريقها، وضوءها باقٍ، وقد يتوارثها رجل عن رجل، وامرأة عن امرأة، وجيل عن جيل، من باب التقريب شيءٌ عابر لا يستقر، طارئ ليس له أثر مستمر، وشيءٌ غير باقٍ، قال: الدنيا بمجملها بكل ما فيها؛ من مال، من مُتَع، من بيوت، من بساتين، من قصور، من مركبات، من أماكن عَلِيَّة، من مباهج، هذه كلُّها ﴿فَمَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾ ليست فيها قيمةٌ في ذاتها، شيءٌ طارئ عابر، والدنيا ساعة سريعة الزوال، وشيكة الانتقال، تغر وتضر وتمر، هذا معنى: ﴿فَمَا أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ﴾ .

 

قدرة الإنسان على الاستمتاع بالدنيا محدودة جداً:


إنسان أوتي مالاً عريضاً، كل هذا المال، ماذا يأكل؟ لا يستطيع أن يأكل فوق حجم معدته، على كم سرير ينام؟ على سرير واحد، تكفيه غرفةٌ واحدة، فهذا المال الوفير لا يستطيع أن يستمتع به، القدرة على الاستمتاع بالدنيا محدودة جداً، هذا معنى: ﴿فَمَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾ ، وما أوتيتم من شيءٍ تنكير تحقير ﴿فَمَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾ لحكمةٍ أرادها الله أبى أن يجعلها مكافأةً لأوليائه، وأبى أن يجعل الحرمان منها عقاباً لأعدائه، قد تُعطى الدنيا لمن يحب ولمن لا يحب، تعطى للمؤمن، وتعطى للكافر، ليس في إعطائها أي دليلٍ على أن هذا الإنسان محبوبٌ عند الله، وليس في الحرمان منها أي دليل على أن هذا المحروم منها لا يحبه الله عزَّ وجل، هكذا، ﴿فَمَا أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَمَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى﴾ خيرٌ في ذاته، وأبقى في أمده.

 

مجتمع المؤمنين يقوم على القيَم والمبادئ لا على المتع والحاجات:


﴿لِلَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ﴾ إذاً الجماعة المؤمنة ليس همُّها الدنيا، جماعة المؤمنين، مجتمع المسلمين لا يبني مجده على الدنيا، ولا على المُتَع، ولا على الرفاه، ولا على توفير الحاجات التي عندما يستخدمها الإنسان يشعر أنه فوق البشر، لا، هذه الجماعة المؤمنة مجتمع المؤمنين يقوم على القيَم لا على المتع، يقوم على المبادئ لا على الحاجات، لأن الدنيا بمجملها لا تعدل عند الله جناح بعوضة.

أيعقل أن النبي عليه الصلاة والسلام وأصحابه الكرام الذين اختارهم له، هذا الإنسان العظيم الذي بلغ قمَّة الكمال الإنساني، أيعقل أن ينام في غرفةٍ صغيرة؟ وأن يأكل خشن الطعام؟ وأن يرتدي خشن الثياب؟ وأن تكون حياته بسيطة؟ "ما لي وللدنيا؟!" ، وهؤلاء الذين جاؤوا في آخر الزمان يأكلون ألوان الطعام ويشربون، يتمتَّعون بأجمل البيوت، يركبون أجمل المركبات، عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

(( لَوْ كَانَتِ الدُّنْيَا تَعْدِلُ عِنْدَ اللَّهِ جَنَاحَ بَعُوضَةٍ مَا سَقَى كَافِرًا مِنْهَا شَرْبَةَ مَاءٍ. ))

[ صحيح الترمذي  ]

للإمام عليٌ كرَّم الله وجهه قولٌ فيصلٌ في هذا الموضوع، يقول هذا الإمام الجليل: "فلينظر ناظرٌ بعقله أن الله أكرم محمَّداً أم أهانه حين زوى عنه الدنيا؟ فإن قال: أهانه فلقد كذب، وإن قال: أكرمه فلقد أهان غيره حيث أعطاه الدنيا" .

أي لا يقلِّل من شأنك عند الله أنك فقير، ولا أنك من عامة الناس، ولا أنك ممن إذا حضروا لم يُعرفوا، وإذا غابوا لم يُفتقدوا.

أنا لا أنسى كلمة قالها سيدنا عمر حينما كانت غزوة نهاوند، وكان عدد المسلمين يقلُّ عن الثلاثين ألفاً، وكان عدد جيش الكُفْرِ يزيد عن مئة وثلاثين ألفاً، وكان من قلق هذا الخليفة العظيم على جنوده المسلمين أنه أمضى وقتاً طويلاً يمشي في أسواق المدينة دون أن يجرؤ أحدٌ على أن يكلِّمه من شدة قلقه، ثمَّ جاء رسولٌ من معركة نهاوند، وسأله عمر رضي الله عنه عن واقع المسلمين فقال: مات فلان وفلان، استشهد فلان وفلان وفلان، وذكر له أسماء الذين يعرفهم قال: ومن أيضاً؟  قال: وهناك أناس لا تعرفهم بالاسم، استشهدوا، فما كان من هذا الخليفة الراشد إلا أن قال قولاً: "وما ضرَّهم أني لا أعرفهم إذا كان الله يعرفهم" .

 

الدنيا دار عمل وتكليف والآخرة دار جزاء وتشريف:


لذلك أيها الأخوة؛ مجتمع المؤمنين لا يقوم على الدنيا ؛ لا يقوم على المال، على الترف، على المتع، لا، يقوم على المبادئ، يقوم على أن الدنيا دار عمل وأن الآخرة دار جزاء، يقوم على أن الدنيا دار تكليف والآخرة دار تشريف، يقوم على أن هذه الحياة هي حياةٌ دنيا، أحياناً ننسى معنى الكلمة، حياةٌ دنيا وأن الإنسان مخلوقٌ لحياةٍ عُليا.

(( قالَ اللَّهُ تَبارَكَ وتَعالَى: أعْدَدْتُ لِعِبادِي الصَّالِحِينَ، ما لا عَيْنٌ رَأَتْ، ولا أُذُنٌ سَمِعَتْ، ولا خَطَرَ علَى قَلْبِ بَشَر. قالَ أبو هُرَيْرَةَ: اقْرَؤُوا إنْ شِئْتُمْ: {فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ} [السجدة: 17].  ))

[ متفق عليه ]

 

خصائص المؤمنين:


لذلك نحن الآن مع آيات تصف خصائص المؤمنين، مجتمع مؤمن ما خصائصه؟ يقول لك: مجتمع الكفاية والعدل مثلاً، مجتمع القانون لا المحسوبيات مثلاً، مجتمع تكافؤ الفرص، مجتمع العدل مثلاً، هذه كلمات حديثة، الآن إذا عُدنا إلى كتاب الله ما الأوصاف التي وصف بها جماعة المؤمنين؟ مجتمع مؤمن، أليس لهذا المجتمع خصائص تميِّزه عن بقية المجتمعات؟ الآن مجتمع المؤمنين مجتمع فيه صدق، فيه وفاء، فيه أمانة، فيه إخلاص، ليس فيه غش، ليس هناك حسد، ليس هناك غيبة، ليس هناك نميمة، يوجد تعاون، يوجد تكاتف، يوجد حُب، يوجد إخلاص، يوجد تناصح، يوجد تلاقٍ، يوجد تزاور، يوجد مؤاثرة.

مجتمع الكفَّار مجتمع فيه تباعد، فيه تباغض، فيه حسد، فيه تآمر، فيه احتيال، فيه كراهية، فيه حقد، نحن الآن أمام آياتٍ تصف مجتمع المؤمنين، هذا المجتمع أساسه يقوم على المبادئ لا على المادَّة، يقوم على القيم لا على الحاجات.

 

تفوق الفاسق لا يرفعه عند الله عز وجل:


لذلك يقول الله عزَّ وجل: 

﴿ وَمَا أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَمَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَزِينَتُهَا وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى أَفَلَا تَعْقِلُونَ (60)﴾

[ سورة القصص ]

هذا ينقلنا إلى أن الأجانب حينما تفوَّقوا في الدنيا هذا لا يرفعهم عند الله عزَّ وجل:

﴿ إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالْأَنْعَامُ حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (24) وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلَامِ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (25)﴾

[ سورة يونس  ]

 

متاع الحياة الدنيا قاسم مشترك بين كل الناس:


﴿وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ﴾ في ذاته، ﴿وَأَبْقَى﴾ أمداً، لكن هذا ليس لكل الناس، متاع الدنيا لكل الناس، الدنيا عرضٌ حاضر يأكل منه البر والفاجر، والآخرة وعدٌ صادق يحكم فيه ملكٌ عادل، فمتاع الحياة الدنيا للكفَّار وللمؤمنين، الكافر يأكل والمؤمن يأكل، الكافر يسكن في بيت مريح والمؤمن يسكن في بيت مريح، الكافر يتزوَّج والمؤمن يتزوَّج، الكافر يُنجب والمؤمن ينجب، الكافر يستمتع بالشمس الساطعة والمؤمن كذلك، فمتاع الحياة الدنيا قاسم مشترك بين كل الناس: ﴿فَمَا أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَمَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾ .

 

المؤمن له عطاء خاص يتميز به عن بقية الناس:


لكن الآخرة خالصةٌ للمؤمنين، لذلك قالوا: إن الله يعطي الصحَّة -تجد أحياناً شخصاً ملحداً قوي البنية- إن الله يعطي الصحَّة والذكاء والمال والجمال للكثيرين من خلقه، ولكنه يعطي السكينة بقدرٍ لأصفيائه المؤمنين، المؤمن له عطاءٌ خاص يتميَّز به عن بقية الناس، ﴿وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى لِلَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ﴾ طبعاً إذا لم تتوكَّل على الله فعلى من تتوكَّل؟ 

 

من توكل على الله تكفل الله عز وجل بالدفاع عنه:


مجتمع المؤمنين مجتمع أولاً يطيع الله عزَّ وجل، يقيم فيما بينه منهج الله، من لوازم هذا المجتمع أنه إذا جاءت قوةٌ طاغية يبذل المؤمن ما في وسعه لكنَّه في النهاية يتوكَّل على الله، والله سبحانه وتعالى أخبره أنه يدافع عنه:

﴿ إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ (38)﴾

[  سورة الحج  ]

﴿ إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (160)﴾

[ سورة آل عمران  ]

﴿ وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ رُسُلًا إِلَى قَوْمِهِمْ فَجَاءُوهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَانْتَقَمْنَا مِنَ الَّذِينَ أَجْرَمُوا وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ (47)﴾

[ سورة الروم  ]

هكذا..

﴿ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (55)﴾  

[ سورة النور ]

إذاً التوكُّل على الله من صفات الجماعة المؤمنة، ومن صفات الفرد المؤمن.

 

على كل مؤمن أن يعدّ ما استطاع من قوة وعلى الله الباقي:


لو فرضنا جماعة مؤمنة إمكاناتها محدودة، وعلى أبوابها عدو شرس، ماذا تفعل؟ تطبِّق قوله تعالى:

﴿ وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ (60)﴾

[ سورة الأنفال ]

والفارق بين القوة المُتاحة والقوَّة الكافية يتولاها الله عزَّ وجل، هناك فارق، هذا الكلام يدعو للتفاؤل، هناك من المسلمين من يدعو إلى اليأس يقول لك: يا أخي هناك مسافة حضاريَّة كبيرة بيننا، لو عشنا ألف عامٍ آخر لا نستطيع أن نلحق بهم، هذا كلام غير مقبول لأن الله عزَّ وجل قال:

﴿ الَّذِينَ يَتَرَبَّصُونَ بِكُمْ فَإِنْ كَانَ لَكُمْ فَتْحٌ مِنَ اللَّهِ قَالُوا أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ وَإِنْ كَانَ لِلْكَافِرِينَ نَصِيبٌ قَالُوا أَلَمْ نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ وَنَمْنَعْكُمْ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فَاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا (141)﴾

[ سورة النساء ]

أنت عليك أن تأخذ بكل قوَّةٍ متاحةٍ بين يديك وعلى الله الباقي:

﴿ وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (123)﴾

[  سورة آل عمران  ]

 

المجتمع المؤمن مركز الثقل فيه في الآخرة بعكس المجتمع الفاسق:


إذاً الآية الأولى تبيِّن مركز الثقل في الآخرة، فالمجتمع المؤمن مركز الثقل فيه في الآخرة لا في الدنيا، لكن أهل الدنيا كل إمكاناتهم، وكل مكتسباتهم، وكل إنجازاتهم في الدنيا؛ بناء بنوه، جسر عمَّروه، بيوت أنشؤوها، لكن المجتمع متفسخ، منحل أخلاقياً، فيه تحاسد، فيه تباغض، فيه تدابر، فيه تطاحن، فيه حقد، مجتمع متفتِّت لو كان المظهر جميلاً.

الآن من ذهب إلى بلدٍ غربي يأخذه العجب من شوارعهم العريضة، وحدائقهم الغنَّاء، وأبنيتهم الشاهقة، المواصلات، أماكن البيع والشراء، لكن لو دخلت إلى بيوتهم مرض الإيدز يفتك بهم، الانحراف الأخلاقي لا حدود له، زنى المحارم مُتَفَشٍ بشكل مذهل، ثلاثون بالمئة من حالات الزنى زنى محارم، بين الابن وأمه، والأم وابنها، والأخ وأخيه، والأب وابنته، هذا المجتمع منحل، لذلك مجتمع المؤمنين يقوم على القيَم لا يقوم على المظاهر الماديَّة، المظاهر الماديَّة مقبولة ليس فيها شيء، أما أن نكتفي بالمظاهر الماديَّة فلا يجوز هذا.

 

خصائص المؤمنين الجماعية:


هؤلاء المؤمنون قال: ﴿وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى لِلَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ﴾ من هم المؤمنون؟ ما خصائصهم؟ الآن خصائصهم الجماعيَّة قال:

﴿ وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ (37)﴾

[ سورة الشورى ]

ماذا يُفهم من هذه الكلمة؟ يفهم منها أن الإنسان إذا اجتنب كبائر الإثم فيما بينه وبين الله، والفواحش فيما بين العبد وبين بقية الناس، إذا اجتنب الكبائر فالله سبحانه وتعالى غفورٌ رحيم، أي يتجاوز عن الصغائر، والصغيرة هي العمل الذي تهمُّ به ولا تعمله، من بعض تفسيراتها، والصغيرة هي الذنب الذي لا تصرُ عليه، سريعاً ما تندم على فعله، سريعاً ما تستغفر الله عزَّ وجل، أو حينما تحدِّثك نفسك بمعصيةٍ ولا تفعلها فهذه صغيرة، فما كان في نفس الإنسان من وساوس، من خطرات، من رغبة في معصية معيَّنة ولا يفعلها هذه صغيرة يعفو الله عنها، بدرت منك غلطةٌ لا تقصدها سرعان ما استغفرت الله عليها، أو أعلنت توبتك منها، أو ندمت عليها، هذه صغيرة، لكن لو أنك أصررت على أدق المعاصي فتغدو كبيرة، قيل: "لا كبيرة مع الاستغفار، ولا صغيرة مع الإصرار" .

 

قبول الله عز وجل التوبة عن عباده:


على كل الآية توحي بشيء، أي الله عزَّ وجل غفور رحيم، الله عز وجل يقبل التوبة عن عباده، فإذا قال العبد: يا رب، قال الله: لبيك يا عبدي، عن أبي موسى الأشعري:

(( إنَّ اللَّهَ  عَزَّ وَجَلَّ يَبْسُطُ يَدَهُ باللَّيْلِ لِيَتُوبَ مُسِيءُ النَّهَارِ، وَيَبْسُطُ يَدَهُ بالنَّهَارِ لِيَتُوبَ مُسِيءُ اللَّيْلِ، حتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِن مَغْرِبِهَا. ))

[ صحيح مسلم  ]

((  عن أبي هريرة  رضي الله عنه: ينزِلُ اللَّهُ عزَّ وجلَّ كلَّ ليلةٍ إلى سماءِ الدُّنيا حينَ يبقى ثلُثُ اللَّيلِ الآخرِ فيقولُ: مَن يدعوني فأستجيبَ لَه؟ من يسألُني فأعطيَه؟ من يستغفرُني فأغفرَ لَه؟ ))

[ الاعتقاد للبيهقي: حكم المحدث :صحيح ]

إذاً: ﴿وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ﴾ تعني أن الله سبحانه وتعالى يغفر الزلّات، يغفر الصغائر، الذنب الذي لا تُصِرُّ عليه، الذنب الذي تندم على فعله، الذنب الذي تستغفر الله منه، الذنب الذي لا تقصده، الخطأ، الذنب الذي تحدّثك نفسك به دون أن تفعله، هذه كلُّها صغائر، ربنا عزَّ وجل رفع عن أمة النبي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه.

 

على كل إنسان أن يتجاوز عن أخيه إذا غضب لأن الله عفو رحيم:


﴿ وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ (37)﴾

[ سورة الشورى ]

قد يسأل سائل: ما العلاقة بين الآيتين؟ علاقةٌ متينة، أي أيها المؤمن كما أن الله سبحانه وتعالى تجاوز عنك في الصغائر، أنت إذا غضبت تجاوز عن أخيك المؤمن، كما أن الله عاملك بالمغفرة والعفو والحلم أنت خليفته في الأرض، فإذا وقع تحت يدك إنسان وقد أذنب لا تكن قاسياً، لا تكن حاقداً، لا تكن منتقماً، ﴿وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ﴾ هذا المؤمن، يسترضى المؤمن، يعفو، أُناسٌ كثيرون أمر النبي بقتلهم لأنهم أساؤوا خلال عشرين عاماً لهذا الدين، ولأصحاب رسول الله، وقتَّلوا منهم، وهجوا الإسلام والمسلمين، وفعلوا كل ما يؤذي الله ورسوله، فلمَّا فتح النبي مكَّة عفا عن كل أهل مكَّة قال: اذهبوا فأنتم الطلقاء، إلا بعض النفَر الذين بلغت إساءتهم حداً لا يعقل، هؤلاء حياتهم كلُّها شر، فالنبي أهدر دمهم، يكفي أن تأتي امرأة أحدهم إلى النبي تقول له: "يا رسول الله أنا زوجة فلان أمِّنه أمنك الله" فيعفو عنه، تقول له: "أريد علامةً على ذلك؟" يعطيها عمامته الشريفة، أصحابٌ كرام.

 

علامات المؤمن:


عمير بن وهب قال لصفوان بن أميَّة: "لولا هؤلاء الأولاد الذين أخشى عليهم العَنَت، ولولا ديون ركبتني لذهبت إلى محمَّدٍ وقتلته وأرحتكم منه" ، هذا قول عمير بن وهب لصفوان بن أميَّة زعيم الشِرك في مكَّة، صفوان انتهزها قال له: "يا عمير أولادك هم أولادي ما امتدَّ بهم العمر، وديونك عليّ بلغت ما بلغت، فامضِ لما أردت" .

سقى سيفه سُماً وعلَّقه على كتفه، وركب ناقته، وتوجَّه إلى المدينة ليقتل محمَّداً عليه الصلاة والسلام، رآه سيدنا عمر قال: "هذا عدو الله عمير جاء يريد شراً" ، ساقه للنبي، وكَتفَه بحمَّالة سيفه، جرى حوار لطيف قال له النبي عليه الصلاة والسلام: "ما الذي جاء بك يا عمير؟" قال: "لأفدي أخي أو ابني" ، قال: "وهذا السيف الذي على عاتقك؟" قال: "قاتلها الله من سيوف وهل نفعتنا يوم بدر؟" قال له: "ألم تقل لصفوان: لولا ديون ركبتني وأطفال أخاف عليهم العنت لذهبت وقتلت محمَّداً وأرحتكم منه؟" وقف قال: "أشهد أنك رسول الله لأن هذا الذي جرى بيني وبين صفوان لا يعلمه أحد إلا الله وأنت رسوله" ، وأسلم.

يقول سيدنا عمر: "دخل عمير على رسول الله والخنزير أحبّ إليّ منه وخرج من عنده وهو أحبّ إليّ من بعض أولادي" ، لا يوجد في الإسلام عداوة دائمة، المسلم لا يكره الإنسان الكافر، يكره كفره فقط، يكره انحرافه، أما كإنسان فيحبَّه، لذلك الإنسان إذا رجع إلى الله أصبح أخاك، انتهى الأمر، علامة المؤمن لا يوجد عنده حقد أبداً، وأعدى أعداء المسلمين لو أنه اصطلح مع الله يجب أن تحبَّه من أعماق أعماقك.

﴿وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ﴾ الله عزَّ وجل قال: كما أنني أعفو عنكم، أسامحكم، أتجاوز عن خطاياكم، أغفر لكم، أنتم إذا غضبتم اغفروا، ﴿وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ﴾ فهذا المنتقم إيمانه ضعيف، الجبار الله عزَّ وجل وصف أهل الكفر بأنهم إذا بطشوا بطشوا جبَّارين، لا يرحمون، سيدنا رسول الله في الطائف لا يوجد إساءة وجِّهت إليه أبلغ من هذه الإساءة، جاءهم على قدميه مشياً، ثمانون كيلومتراً على رجليه، والطرُقات إلى الطائف طرقات وعرة جداً، حينما رصفوا طريقاً إلى الطائف قبل سنوات جبال كأنها جُزر، النبي وصل إليهم، ودعاهم إلى الإسلام، وبيَّن لهم، وهداهم إلى سبيل الله، ما كان منهم إلا أن كذَّبوه، وسخروا منه، وأغروا صبيانهم بإيذائه، قال له جبريل: "لو شئت لأطبقت عليهم الجبلين" ، قال:

(( عَنْ عَائِشَةَ   زَوْجَ النَّبِيِّ حَدَّثَتْهُ أَنَّهَا قَالَتْ لِلنَّبِيِّ: هَلْ أَتَى عَلَيْكَ يَوْمٌ كَانَ أَشَدَّ مِنْ يَوْمِ أُحُدٍ؟ قَالَ: «لَقَدْ لَقِيتُ مِنْ قَوْمِكِ مَا لَقِيتُ، وَكَانَ أَشَدَّ مَا لَقِيتُ مِنْهُمْ يَوْمَ الْعَقَبَةِ إِذْ عَرَضْتُ نَفْسِي عَلَى ابْنِ عَبْدِ يَالِيلَ بْنِ عَبْدِ كُلالٍ فَلَمْ يُجِبْنِي إِلَى مَا أَرَدْتُ، فَانْطَلَقْتُ وَأَنَا مَهْمُومٌ عَلَى وَجْهِي فَلَمْ أَسْتَفِقْ إِلا وَأَنَا بِقَرْنِ الثَّعَالِبِ فَرَفَعْتُ رَأْسِي فَإِذَا أَنَا بِسَحَابَةٍ قَدْ أَظَلَّتْنِي فَنَظَرْتُ فَإِذَا فِيهَا جِبْرِيلُ فَنَادَانِي فَقَالَ: إِنَّ اللَّهَ قَدْ سَمِعَ قَوْلَ قَوْمِكَ لَكَ وَمَا رَدُّوا عَلَيْكَ وَقَدْ بَعَثَ إِلَيْكَ مَلَكَ الْجِبَالِ لِتَأْمُرَهُ بِمَا شِئْتَ فِيهِمْ، فَنَادَانِي مَلَكُ الْجِبَالِ فَسَلَّمَ عَلَيَّ ثُمَّ قَالَ: يَا مُحَمَّدُ، فَقَالَ ذَلِكَ فِيمَا شِئْتَ، إِنْ شِئْتَ أَنْ أُطْبِقَ عَلَيْهِمُ الأَخْشَبَيْنِ، فَقَالَ النَّبِيُّ: بَلْ أَرْجُو أَنْ يُخْرِجَ اللَّهُ مِنْ أَصْلابِهِمْ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ وَحْدَهُ لا يُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا». ))

[ صحيح البخاري ]

 

من وصل إلى الله صَغُرَ عنده كل شيء:


إذاً: ﴿وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ﴾ هؤلاء المؤمنون، ليس عندهم حقد، لا يوجد تشفّ، ما يجري في العالم اليوم شيء والله لا يحتمل، الإنسان رخيص جداً، شيء بسيط يقول لك: عشرة آلاف قتيل بيومين قتلوا في إفريقيا، القتل على قدمٍ وساق، هذه من قسوة الإنسان، ومن بُعده عن الله عزَّ وجل، "ما تظنون أني فاعلٌ بكم؟" قالوا: "أخٌ كريم وابن أخٍ كريم" ، قال: اذهبوا فأنتم الطلقاء.

سيدنا يوسف ماذا فعل به إخوته؟ وضعوه في غيابة الجب ليموت، عندما دخلوا عليه قال:

﴿ قَالَ لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (92)﴾

[ سورة يوسف  ]

﴿ وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّوا لَهُ سُجَّدًا وَقَالَ يَا أَبَتِ هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقًّا وَقَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ وَجَاءَ بِكُمْ مِنَ الْبَدْوِ مِنْ بَعْدِ أَنْ نَزَغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِمَا يَشَاءُ إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (100)﴾

[ سورة يوسف  ]

لم يذكر الجُب لئلا يحرجهم، ولئلا يذكِّرهم بجريمتهم، ولئلا يخذلهم، ولم يقل: أنتم مخطئون، قال: ﴿مِنْ بَعْدِ أَنْ نَزَغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي﴾ فالمؤمن عنده عفو، عنده رحمة، صدره واسع جداً، هو حينما وصل إلى الله صَغُرَ عنده كل شيء، من هذا الذي تهجَّم عليه؟ هو إنسان جاهل اعفُ عنه وانتهى الأمر.

 

الإنسان في الدنيا يتعامل تعاملاً واقعياً مع الحياة:


﴿ وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ (37) وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (38)﴾

[  سورة الشورى ]

كنت اليوم في حفل فألقيت كلمة ذكرت فيها مثلاً جديداً أنه لو أن إنساناً يحمل دكتوراه لكن بلا عمل، ثم قرأ في الصحيفة إعلاناً عن شاغر في الجامعة، المؤهِّل هي الشهادة التي يحملها، والأوراق الثبوتيَّة كلها يمكن أن يأتي بها، وهو بلا عمل وينتظر عملاً بفارغ الصبر، وقد قرأ الإعلان في الصحيفة، وشهادته مناسبة، وسِنه مناسب، وجنسيَّته مناسبة، وأوضاعه كلها مناسبة، والمعاش كبير جداً، والمنصب رفيع، يا ترى إذا قرأ الإعلان عصر يوم السبت صباح الأحد ماذا يفعل؟ إلى أي ساعة يبقى في سريره؟ والله يمكن ألا ينام الليل أبداً، فإذا ما أصبحت الساعة الثامنة خرج من البيت ليحصل على هذه الوثائق، ويقدِّم الطلب لينال هذا المنصب الرفيع، الإنسان في الدنيا يتعامل تعاملاً واقعياً.

 

على كل إنسان أن يستجيب لله وللرسول ويلزم جماعة المؤمنين:


الله عزَّ وجل يقول: ﴿وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ﴾ أنت ماذا فعلت؟ الحق واضح كالشمس، تستمع إلى الحق ناصعاً كضوء النهار، أنت ماذا فعلت؟ هل استجبت لله عزَّ وجل؟ هل أجريت تعديلات في بيتك؟ في عملك؟ هل جعلت لنفسك منظومة هذه تجوز وهذه لا تجوز؟ حاسبت نفسك يومياً؟ ماذا فعلت من أجل أن تصل إلى الله؟ هل ابتغيت إليه الوسيلة؟ هل تعرَّفت إليه؟ هل تعرَّفت إلى منهجه؟ هل عملت العمل الصالح الذي يُرضيه؟ هل لزمت جماعة المؤمنين؟ هل تلقَّيت العلم الشرعي؟ هل تعلَّمت القرآن؟ هل علَّمت القرآن؟ هل أمرت بالمعروف؟ ماذا فعلت بزوجتك؟ هل تركتها على انحرافها أم لزمت نصحها وتوجيهها؟ تركت بناتك يفعلن ما يشأن أم ربَّيتهن تربيةً صالحة؟ ﴿وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا﴾ .

 مثل آخر: إنسان لا يوجد لديه بيت وهو بأشد الحاجة إلى بيت، خطب فتاة ومضى على الخطبة سنتان، ولا يوجد بيت، ومعه مبلغ نصف مليون، والبيت مليون فما فوق، لو بلغه أن هناك بيتاً سعره نصف مليون ومناسب، وجاهز للبيع، وفارغ، وتسجيل رسمي، لا ينام هذه الليلة أبداً، لو أن العلاقة مع صاحب هذا البيت وهو في أقصى مكان في الأرض لذهب إليه، هكذا طبيعة الإنسان، هل أدركت أن الدين شيء عظيم جداً؟ هل انطلقت مستجيباً لله ولرسوله؟ إذا أذَّن المؤذِّن ماذا تفعل؟ يناديك هَلُمَّ إلى طاعتي، هَلُمَّ إلى الاتصال بي. 

 

المسلم حركي يتحرَّك لمعرفة الله وتطبيق أوامره:


لذلك: ﴿وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ﴾ الإسلام حركي، الإيمان حركي، ليس هناك إيمان سكوني، إيمان إنسان مضَّطجع في سريره، قابع في بيته، يقول: لا دخل لنا، لا توجع رأسك، ليس هذا هو المسلم، المسلم حركي، يتحرَّك لمعرفة الله، يحضر مجلس علم، ينقل ما تعلَّم إلى الآخرين، كما قال عليه الصلاة والسلام:

(( عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو  : أَنَّ النَّبِيَّ قَالَ: «بَلِّغُوا عَنِّي وَلَوْ آيَةً، وَحَدِّثُوا عَنْ بَنِي إِسْرَائيلَ وَلا حَرَجَ، وَمَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ».  ))

[ صحيح البخاري ]

يحاول أن يهدي أولاده، يهدي زوجته، يهدي إخوانه، جيرانه، زملاءه، من حوله، من فوقه، من دونه، هكذا المؤمن.

 

العمل الصالح أساس وصول الإنسان إلى الله عز وجل:


كما قلت سابقاً: في اللحظة التي يستقر فيها الإيمان في قلب المؤمن يُعبِّر عن ذاته بذاته، عن طريق العمل الصالح، ليس هناك مؤمن مكتوف اليدين، لا يوجد مؤمن سلبي، لا يوجد مؤمن متقوقع، لا يوجد مؤمن انهزامي، المؤمن متحرِّك، المؤمن يطلب العلم، الله عزَّ وجل قال:

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ وَجَاهِدُوا فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (35)﴾

[  سورة المائدة ]

أنت هدفك حِمص، تحتاج إلى وسيلة –سيارة- إذا كنت مصرَّاً على أن تصل إلى هذه المدينة فلابدَّ من أن تبحث عن وسيلة تستقلها إلى حمص، إذا أردت أن تصل إلى الله أنت بحاجة إلى وسيلة، من معاني الوسيلة أن تتعرَّف إليه، من معاني الوسيلة أن تتعرَّف إلى منهجه، من معاني الوسيلة أن تلزم جماعة المؤمنين.

﴿ وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا (28)﴾

[ سورة الكهف ]

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ(119)﴾

[ سورة التوبة  ]

هذه من لوازم الوسيلة، من لوازم الوسيلة العمل الصالح، أن تقدِّم شيئاً، أن تبني حياتك على العطاء لا على الأخذ، تبحث عمن تعلِّمه، عمن تقدِّم له خدمةً، عمن تعينه كي يرضى الله عنك.

 

الاستجابة لأمر الله طريق الإنسان للاتصال بالخالق سبحانه:


﴿وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ﴾ بعد أن استجابوا لربِّهم أصبح الطريق إلى الله سالكاً، ﴿وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ﴾ لن تستطيع أن تتصل بالله إلا إذا استجبت لأمره، حينما تطبِّق أمر الله عزَّ وجل تشعر أن الطريق إلى الله صار سالكاً،

(( عن عبد المطلب: ذَاقَ طَعْمَ الإِيمَانِ مَنْ رَضِيَ بِاللَّهِ رَبًّا، وَبِالإِسْلامِ دِينًا، وَبِمُحَمَّدٍ رَسُولاً. ))

[  صحيح مسلم ]

الاتصال بالله ثمنه طاعة الله.

 

العاقل من استشار غيره في كل عمل يُقْدِمُ عليه:


﴿وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ﴾ هؤلاء المؤمنون ليس عندهم كبر، ولا تسلُّط، ولا استبداد بالرأي، ﴿وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ﴾ لذلك ورد: "ما ندم من استشار، ولا خاب من استخار" ، أنت حينما تستشير ماذا تفعل؟ تستعير عقل أخيك الإنسان، لك أخ، له أربعون سنة خبرات في البيع والشراء، أنت إذا استشرته استعرت كل خبرته بلا مقابل، المؤمن يستشير في كل عمل يُقْدِمُ عليه يسأل أهل الخبرة من المؤمنين.


  عدم استبداد المؤمن برأيه:


هناك معنى أوسع من ذلك؛ المؤمنون ليس بينهم من يستبد برأيه، شاءت حكمة الله أن تجري هذه الحادثة في عهد النبي، ليقف النبي عليه الصلاة والسلام الموقف الكامل من أصحابه، أنزل النبي عليه الصلاة والسلام جيش المسلمين في موقعة بدر في مكانٍ ما، جاءه صحابيٌ جليل اسمه الحُباب بن المنذر -أي هذا الصحابي في أعلى درجات الحب، وفي أعلى درجات الأدب، وفي أعلى درجات الغيرة على المسلمين، جاء النبي عليه الصلاة والسلام وأنا أقول: يقطر أدباً، يقطر تواضعاً- قال:

"يا رسول الله أهذا الموقع وحيٌ أوحاه الله إليك أم هو الرأي والمشورة؟" قال عليه الصلاة والسلام: بل هو الرأي والمشورة ، قال: "يا رسول الله ليس بموقع" ماذا فعل النبي؟ هل غضب منه؟ لا، هل أبعده؟ لا، هل قال: اغرب عن وجهي تجرَّأت علي؟ أبداً، قال له: الرأي والمشورة، قال: "يا رسول الله ليس بموقع" ، لذلك أعطى النبي أمره للجيش أن يستقرَّ في الموقع الذي أشار عليه الحُباب.

لماذا شاء الله أن تقع هذه الحادثة؟ كان من الممكن أن يوحي الله لنبيِّه بالموقع المناسب وحياً عن طريق جبريل، لأن جبريل جاءه آلاف المرَّات بموضوعاتٍ أقل من هذا الموضوع، وكان من الممكن أن يلهمه المكان المناسب، لكن شاءت حكمة الله أن يكون هذا الأمر على ما كان ليقف النبي الموقف الكامل ممن نصحه، ليُعَلِّم النبي أصحابه، وأمَّته من بعده، والدعاة إلى الله من بعده، والأمراء أن المؤمنين بعضهم لبعضٍ نصحة متوادون، أي إذا جاءك إنسان مخلص، ناصح، أصغ إليه، اشكره، أعطه أذناً صاغية، تفهَّم نصيحته، هذه صفات المؤمنين ﴿وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ﴾ استبداد بالرأي لا يوجد، استعلاء لا يوجد، تشنُّج لا يوجد، سيطرة لا توجد، قال له: الخليفة أنت أم هو؟  قال له: هو إذا شاء، انتهى الأمر، ﴿وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ﴾ سيدنا الصديق على جلال عظمته قال لسيدنا عمر: مدَّ يدك لأبايعك قال: أنا؟ غير معقول، يوجد قول لا أذكره الآن لكن بمعنى: والله لأن أُقطَّع إرباً إرباً أهون من أن أكون أميراً على قومٍ فيهم أبو بكر، أنا أكون أميراً؟ قال له: امدد يدك لأبايعك؟ فقال سيدنا عمر: أنت أفضل مني، قال له: بل أنت أقوى مني، قال له: قوتي لك مع فضلك، أنا بخدمتك، هكذا المؤمنون، ﴿وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ﴾ استبداد لا يوجد، تسلط لا يوجد، تشنُّج لا يوجد، أحقاد لا يوجد، هذه صفة جماعة المؤمنين، إذا عزَّ أخوك فهُن أنت، أنت في خدمة إخوانك، "وما ضرَّهم أني لا أعرفهم إذا كان الله يعرفهم؟" أنت جندي تعمل في خدمة الحق، أعرفك الناس أم لم يعرفوك، أرفعك الناس أم لم يرفعوك، أنوَّه الناس بفضلك أم لم ينوِّهوا به، ماذا يعنيك؟ يعنيك أنك تفعل عملاً يرضي الله عزَّ وجل.

 

فوائد الشورى:


إذاً: ﴿وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ﴾ يا إخواننا الكرام؛ الأب يسأل أولاده أحياناً، الشورى لها مجموعة فوائد، أولاً: قد تكون غافلاً عن فكرةٍ تأتيك ممن هو أدنى منك، الإنسان دائماً إذا كان في موقع اتِّخاذ القرار، يكون عليه ضغوط، إذا سأل إنساناً بعيداً عن الضغوط يعطيه رأياً صحيحاً، كل إنسان بموضع اتخاذ القرار عليه ضغوط شديدة، هذه الضغوط أحياناً تبعده عن الحقيقة، فلو أن كل إنسان كان حوله جماعة مستشارين، سيدنا عمر بن عبد العزيز بحث عن أرقى إنسان علماً وورعاً وتُقى اسمه عمر بن مهاجر، قال له: "يا عمر اجلس إلى جانبي وراقب أحكامي، فإذا رأيتني ضللت فأمسكني من تلابيبي، وهُزَّني هزَّاً شديداً، وقل لي: اتق الله يا عمر فإنك ستموت"

استشر يا أخي، قبل أن تقدم على عمل استشر أولي الخبرة من المؤمنين، استشر من هم أعقل منك، من هم أطول منك خبرةً، من هم أكثر منك قرباً من الله عزَّ وجل، لا تفعل شيئاً ارتجالاً، ﴿وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ﴾ الإنسان بأسرته يستشير، إذا كان موظَّفاً في دائرة وحولهُ موظَّفون آخرون عليه أن يستشيرهم، ما قولكم سنفعل كذا؟ قد تأتيك أفكار لم تكن تعرفها. 

أولاً الشورى حقيقيَّة، والشورى أيضاً تؤلِّف القلوب، وتزيل الأحقاد، القلوب تتألَّف، والأحقاد تتلاشى، والآراء تتضافر، هذه الشورى، والمؤمن الصادق يستشير؛ على مستوى أسرته، على مستوى عمله، على مستوى جامعه، لا يقدم، أحياناً يسافر الإنسان يكون السفر ليس فيه خير، اسأل، اسأل من سافر قبله وغادر.

 

العطاء والإنفاق من أبرز صفات المؤمن:


﴿ وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ(38)﴾

[ سورة الشورى ]

 جماعة المؤمنين أساسها العطاء، الإنفاق، أبرز صفة بالمؤمن الإنفاق، ينفق وقته، ينفق ماله، ينفق علمه، ينفق خبرته، أنا مرَّة استشارني أخ كريم بعمل صناعي، فقلت له: والله أنا لا أعرف مدى جدوى هذه الصنعة، استشر من تجد فيه الأهليَّة، قال لي: إنه ذهب إلى أحد الأسواق التي تبيع هذه السلعة، وسأل أصحاب المحلات واحداً واحداً، أكثرهم أشار عليه أن هذه المصلحة ليس فيها نفع إطلاقاً، ولها مشكلات، فجاء إليّ مرَّة ثانية قال لي: هكذا قالوا، قلت له: أعرف واحداً في هذا السوق أعرفه مؤمناً، اذهب إليه واسأله، أعطاه كلاماً آخر قال له: مصلحة جيِّدة جداً، وأرباحها مجزية، وموادِّها الأوليَّة متوافرة، ومشكلاتها قليلة، قلت: سبحان الله! المؤمن نصوح، هذا المؤمن نصحه أما هؤلاء لضعف إيمانهم ظنوه أنه سينافسهم فأبعدوه عن هذه المصلحة، المؤمن نصوح،وهذا ما ورد: "المؤمنون بعضهم لبعض نصحة متوادون ولو ابتعدت منازلهم، والمنافقون بعضهم لبعض غششة متحاسدون ولو اقتربت منازلهم" .

 

ليس من حقّ المسلم أن يخنع ولا أن يذِل:


﴿ وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمْ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ(39) ﴾

[ سورة الشورى  ]

 جماعة مؤمنة فيها ذل، فيها خنوع، فيها ضعف!! لا.

﴿ يَقُولُونَ لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ (8)﴾

[ سورة المنافقون ]

استعن بالله ولا تعجز.

 

صاحب الحق له أن يأخذ حقَّه أو أن يعفو:


﴿وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمْ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ﴾ الإسلام لا يأمرك أن تدير خدِّك الأيسر لمن ضربك على خدِّك الأيمن، يقول لك: ﴿وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمْ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ﴾ فالإسلام أيها الأخوة وسطٌ بين أن تدير خدِّك الأيسر لمن ضربك على خدِّك الأيمن، وبين أن تكيل له الصاع صاعين، الإسلام يقول لك: ﴿وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمْ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ﴾ المسلم حينما يُبغى عليه، ويرضى، ويخضع، ويتطامن، سقطت قيمته بين الناس، الناس يحبون العزيز القوي، فلذلك ليس من حقّ المسلم أن يخنع، ولا أن يذِل، ولا أن يخضع، ﴿وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمْ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ﴾ لكن إذا أراد أن ينتصر ليس له أن يبغي، ولا أن يزيد الصاع صاعين.

﴿ وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ (40)﴾

[ سورة الشورى ]

إخواننا الكرام؛ صاحب الحق له أن يأخذ حقَّه، وهو مخيَّر أن يعفو، أما الذي عليه الحق فيجب أن يؤدِّي الحق، لذلك قالوا: "العدل قَسْرِيّ والعفو والإحسان طَوْعِيّ" ﴿وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ﴾ .

 

من أيقن أن عفوه عن المذنب يصلحه فليعفُ عنه:


لكن دقِّقوا في هذه الآية: ﴿فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ﴾ ما معنى: ﴿وَأَصْلَحَ﴾ هنا؟ أحياناً عفوك عن هذا المذنب يصلحه، إذا أيقنت أنك إذا عفوت عن هذا المُذنب تأخذ بيده إلى الله، سيدنا الرسول اللهمَّ صلِّ عليه، أحد الصحابة اسمه حاطب بن بلتعة ارتكب في العرف الحديث جريمة الخيانة العُظمى، النبي عليه الصلاة والسلام يُزمع فتح مكَّة، هذا الصحابي أرسل رسالة إلى أهل مكَّة يخبرهم فيها أن محمَّداً يريد أن يأتيكم غازياً فخذوا حذركم، هذه الرسالة في كل الأنظمة في العالم، وفي كل أطوار البشريَّة تعدُّ خيانةً عظمى توجب القتل، النبي عليه الصلاة والسلام جاءه الوحي: أن فلاناً قد أرسل رسالةً مع امرأةٍ اسمها فلانة، وهي في طريقها إلى مكَّة، يخبرهم بأن محمداً يزمع أن يغزوكم، أرسل أحد الصحابة أو صحابيين، وعثرا على الرسالة في شعر هذه المرأة في مكان اسمه الروضة بين مكَّة والمدينة، وجيء بالرسالة وقُرئت، وجيء بحاطب، ما كان من عمر إلا أن قال: يا رسول الله دعني أضرب عنق هذا المنافق؟ قال النبي عليه الصلاة والسلام كلمة لو دقَّق الإنسان في مضمونها لذابت نفسه حباً بهذا النبي الكريم، قال له: يا عمر إنه شهد بدراً، أي  النبي عليه الصلاة والسلام لشدَّة وفائه ورحمته ما أراد أن يهدِر عمل هذا الصحابي، قال: يا عمر إنه شهد بدراً، قال: يا حاطب ما حملك على ما فعلت؟ قال: والله يا رسول الله لا كفرت ولا ارتددت، ولكن ليس لي يدٌ عند قريش ولي هناك أموال، فخشيت أن يأخذوا أموالي، وأن يؤذوا أهلي، أردت أن يكون لي عندهم هذه الصنيعة، والله ما كفرت ولا ارتددت، واغفر لي ذنبي يا رسول الله، فقال عليه الصلاة والسلام: إني صدَّقت ما قاله حاطب فصدِّقوه ولا تقولوا فيه إلا خيراً، قال كُتَّاب السيرة: إن عمر بن الخطَّاب نظر إلى الذنب فرآه خيانةً عظمى، لكن النبي عليه الصلاة والسلام نظر إلى صاحب الذنب فرآها لحظة ضعفٍ طارئة، فبدل أن يسحقه مدَّ يده وأنهضه من كبوته، وهذا الصحابي الجليل قام من كبوته، وجدَّد إيمانه، وتألَّق في عهد النبي، وبعثه النبي بعد حين مبعوثاً شخصياً له إلى بعض الملوك، تجاوز.

 

عفو الإنسان عن أخيه يعطيه معونةً على أن يلتزم الحق ويستقيم:


إخواننا الكرام؛ هذه الآية دقيقة جداً: ﴿فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ﴾ أي أحياناً عفوك عن أخيك تعطيه معونةً على أن يلتزم الحق، على أن يستقيم.

أنا أعرف رجلاً-سمعت هذه القصَّة ممن أثق به- عاش في الأربعينات في هذه البلدة، خطيب مسجد من الخطباء اللامعين رأى النبي عليه الصلاة والسلام، قال النبي له في الرؤيا: قل لجارك فلان إنه رفيقي في الجنَّة، جاره سَمَّان، فهذا الخطيب اللامع تأثَّر، طرق باب جاره وقال له: لي عندك كلامٌ قليل، دخل إلى البيت وقال له: لك عندي بشارةٌ من رسول الله، ولكنني والله لن أقولها لك إلا إذا أخبرتني بماذا فعلت.

طبعاً تمنَّع أن يقول، بعد أخذٍ ورد تكَّلم هذا الجار عن العمل الذي فعله واستحق به هذه البشارة من رسول الله، قال: تزوَّجت امرأةً وبعد دخولي بها بخمسة أشهر وجدت بطنها يحمل مولوداً في الشهر الثامن أو التاسع، فعلمت أنها زلَّت قدمها قبل أن أتزوَّجها، قال له: بإمكاني أن أطلِّقها، بإمكاني أن أسحقها، بإمكاني أن أفضحها، لكن شعرت أنني إذا عفوت عنها لعلَّها تتوب توبةً نصوحاً، فجاء بقابلةٍ في الليل وولَّدت له امرأته، وأخذ هذا المولود تحت عباءته، ولمَّا أذَّن الفجر وانتظر حتى أُقيمت الصلاة؛ فلمَّا نوى الإمام الصلاة دخل إلى المسجد ووضع المولود وراء الباب، فلمَّا انتهت الصلاة بكى الطفل الصغير المولود حديثاً، تحلَّق حوله المصلون، وجاء هو كواحد منهم، قال: ما القصَّة؟ قالوا: هناك طفلٌ وراء الباب، قال: أعطوني إياه أنا أكفله، وأعاده إلى أمِّه وسترها ولم يفضحها، فقال النبي عليه الصلاة والسلام لهذا الخطيب: قل لجارك فلان إنه رفيقي في الجنَّة.

 

من عفا عن أخيه شعر بنشوة الظفَرِ على ذاته:


أحياناً الإنسان بعفوه يشتري أخاه، ينقذه، بعفوه يرفعه، بعفوه ينهضه، أما إذا انتقم منه فقد أعان عليه الشيطان، إذا عفا عنه أعانه على الشيطان، ﴿فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ﴾ سيدنا الرسول -اللهمَّ صلِّ عليه- حاطب بن بلتعة ارتكب خيانةً عظمى، يستحقُّ عليها القتل في كل الأنظمة والقوانين، ومع ذلك قال له: لا يا عمر إنه شهد بدراً، فأنت أحياناً يسيء إليك إنسان، تملك أن تصلحه إذا عفوت عنه، قال: ﴿فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ﴾ يزداد عزَّاً، يزداد رفعةً، يزداد تألُّقاً، يزداد قرباً، قال العلماء في هذه الآية: ﴿مَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ﴾ الذي يعفو يصلح نفسه، الذي يعفو يحس بنشوة، يحسُّ أنه انتصر على ذاته، يحسُّ أنه انتصر على شهوة الانتقام، هذه شهوة، من عفا عن أخيه شعر بنشوة الظفَرِ على ذاته وعلى نفسه، شعر بقيمته الإنسانيَّة، لذلك الذي يعفو هو نفسه يصلح نفسه، والذي عفا عنه يصلحه.

 

بطولة المؤمن أن يعفو عمن ظلمه عند قدرته على ذلك:


إذاً: ﴿فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ﴾ الإصلاح للذي تعفو عنه، تنهضه من كبوته، والإصلاح لنفسك بمعنى أنك انتصرت على شهوة الانتقام، ﴿فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ﴾ ما تجرَّع العبد جرعةً أعظم عند الله من غيظٍ كتمه في سبيل الله، قال الله:

﴿ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (134)﴾

[ سورة آل عمران  ]

سهل جداً إذا كنت قوياً وأساء إليك إنسان أن تبطش به وتسحقه سحقاً، ولكن البطولة أن تعفو عنه، البطولة أن تعفو عفو المُقتدر، العفو عند المقدرة.

 

الإسلام دين خُلُق ورحمة:


النبي -اللهمَّ صلِّ عليه- عندما فتح مكَّة -طبعاً التاريخ كلمات نقرؤها أما الوقائع فصعبة كثيراً- كفَّار قريش كادوا للنبي عليه الصلاة والسلام عشرين عاماً، عشرون عاماً قتلاً، وتعذيباً، واغتصاب أموال، وتشهيراً، وهجاء، ثلاثة حروب قادوها ضده، ائتمروا على قتله، ائتمروا على إخراجه، وائتمروا عليه مع اليهود، فلمَّا فتح النبي مكَّة عشرة آلاف سيفٍ متوهِّجة تنتظر كلمةً من فمه الشريف.

والله أيها الأخوة؛ كان بإمكانه أن يلغي وجود قريش كلِّها، وهم عرفوا أنهم تحت رحمة كلمةٍ تخرج من فمه، قال: ما تظنُّون أني فاعلٌ بكم؟ قالوا: أخٌ كريم وابن أخٍ كريم، قال: اذهبوا فأنتم الطلقاء ، عندما دخل مكَّة فاتحاً قال كتَّاب السيرة: كادت ذؤابة عمامته تلامس عنق بعيره تواضعاً لله عزَّ وجل، أبو سفيان عندما رأى منه هذا الموقف قال له: يا بن أخي ما أرحمك! وما أكرمك! وما أوصلك! وما أحلمك!" هذا هو الإسلام، الإسلام كله خُلُق.

 

الإنسان الذي يعفو عن غيره يزداد تألقاً عند الناس وعند الله:


لذلك أيها الأخوة؛ ﴿فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ﴾ الذي يعفو عن أخيه يصلحه، ويأخذ بيده، وينهضه، ويعينه على الشيطان؛ والذي ينتقم من أخيه يسحقه، ويفضحه، ويعين الشيطان عليه، وإذا عفوت عن أخيك أصلحت نفسك، انتصرت على شهوة الانتقام، لذلك الإنسان الذي يعفو يزداد تألُّقاً عند الناس وعند الله، بالمناسبة بعض العلماء قالوا: لا يكون العفو عفواً إلا عن إنسان بالغ في الإساءة إليك ثم أصبح في قبضتك، وبإمكانك أن تسحقه فعفوت عنه، أما الذي يقول: أنا عفوت عنه وهو أقوى منك فهذا كلام فارغ، لذلك العفو عند المقدرة فقط أما إن لم تكن قادراً عليه فاصبر أو لا تصبر هذا الحاضر.

 

من أراد أن يأخذ حقه فعليه أن يأخذه دون أن يزيد عليه:


﴿ وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ (40)﴾

[ سورة الشورى ]

أي إذا أردت أن تأخذ حقَّك يجب أن تأخذ الحق فقط دون أن تزيد عليه، أما سأكيل له الصاع صاعين فهذه لا آية ولا حديث، هذا كلام شيطاني، إذا أردت أن تكيل له الصاع كِل له صاعاً بصاع، ﴿وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا﴾ .

﴿ وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولَئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ (41)﴾

[  سورة الشورى ]

لو أراد أحدهم أن يأخذ حقَّه، قال: ﴿فَأُوْلَئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ﴾ العدل قسري أما العفو فطوعي.

﴿ وَلَمَنْ انتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُوْلَئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ(41)إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ أُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ(42)وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ(43)﴾

[ سورة الشورى ]

 

من كان إيمانه بالله قوياً وتوحيده قوياً فعليه أن يؤمن بالقضاء والقدر:


آخر آية:

﴿ وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ(43)﴾

[ سورة الشورى ]

 إخواننا الكرام؛ أحياناً يأتي القضاء والقدر مباشرةً من الله، مثلاً: شخص وقع ابنه من الشرفة فمات، لمن يتجه الأب؟ سوف يحاكم من؟ ينتقم ممن؟ يقيم دعوى على من؟ لا يوجد أحد، ابنه وقع من الشرفة إلى الأرض فمات، لكن حينما يُدهس سائق سيارة ولداً، بالحالتين الابن مات ولكن مرَّة مات قضاءً وقدراً، ومرَّة مات بفعلٍ بشري، قال: الإنسان عندما يكون إيمانه بالله قوياً جداً، وتوحيده قوياً جداً، لو أن الفعل المؤلم جاءه على يد إنسان فيبقى موحِّداً، يبقى مؤمناً أن الله وحده هو الذي شاء ذلك، لذلك ليس عنده حقدٌ دفين على هذا الذي جرى على يده هذا العمل.

 

من صبر على قضاء الله وقدره فأجره على الله:


الآية الكريمة: ﴿وَلَمَنْ صَبَرَ﴾ على قضاء الله وقدره ﴿وَغَفَرَ﴾ لمن كانت هذه الإساءة على يديه، قال: ﴿إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ﴾  يحتاج إلى إيمان قوي، إلى توحيد قوي، الآية الكريمة:

﴿ يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ (17)﴾

[ سورة لقمان  ]

أما هذه الآية: ﴿وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ﴾

 

من عاقب المذنب أو عفا عنه فعليه أن يرى أن الله وحده هو الذي سمح له أن يفعل هذا:


لذلك المؤمن لو جاءه مكروهٌ على يد إنسان يرى أن الله وحده هو الذي سمح له أن يفعل هذا، تبقى علاقته مع الله، ويقف من هذا الذي ساق الله على يده الشر موقفاً حكيماً، إما أن يعاقبه لمصلحته، وإما أن يعفو عنه ولكن بالحالتين ليس في قلبه حقدٌ عليه. 

إنسان تلقَّى ضربة من العصا هل ألمه من العصا أم من الذي ضرب؟ من الضارب، فإذا صبَّ كل نقمته على العصا يكون جاهلاً، عليه أن يتألَّم ممن ضرب لا من العصا لأنها أداة، وينبغي أن تعلم أن كل البشر الذين يُخافُ منهم إنهم عصيٌّ بيد الله، والدليل:

﴿ مِنْ دُونِهِ فَكِيدُونِي جَمِيعًا ثُمَّ لَا تُنْظِرُونِ (55) إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (56)﴾

[ سورة هود  ]

 

الإيمان الكامل أن تقف موقفاً حكيماً من دون حقد ولا إشراك بالله ممن تلقيت منه الأذى:


الإيمان الكامل حتَّى لو جاءك لا سمح الله شر على يد إنسان، هذا الإنسان لا يستطيع أن يفعل ما فعل إلا بعد أن يأذن الله، وهذا الإنسان سيحاسب، لكن شاءت حكمة الله أن يكون الأذى على يده، إذاً ينبغي أن تقف موقفاً حكيماً من دون حقد، من دون إشراك بالله، مع التوحيد الكامل تقف الموقف الكامل، فإن كانت الحكمة أن تعاقبه لتردعه عن أن يعود لمثلها فلا مانع، لكن بالحالتين لا يوجد حقد، ﴿وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ﴾ .


  آيات تصف جماعة المؤمنين:


إخواننا الكرام؛ هذه الآيات آيات تصف جماعة المؤمنين:

﴿ فَمَا أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَمَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى لِلَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (36) وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ (37) وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (38) وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ (39) وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ (40) وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولَئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ (41) إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (42) وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ (43)﴾

[ سورة الشورى ]

 والحمد لله رب العالمين 

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور