وضع داكن
19-04-2024
Logo
الدرس : 16 - سورة النمل - تفسير الآيات 74 - 79 علة تسخير الكون. قانون الاستقامة - مرتبة العلم - حقيقة التوكل على الله.
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا، إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.

 أيها الإخوة المؤمنون، مع الدرس السادس عشر من سورة النمل.


عِلَّة تسخير السماوات والأرض من أجل أن تعلم أنَّ الله يعلم:


 وصلنا في الدرس الماضي إلى قوله تعالى:

﴿  وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَشْكُرُونَ(73) وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَعْلَمُ مَا تُكِنُّ صُدُورُهُمْ وَمَا يُعْلِنُونَ(74) وَمَا مِنْ غَائِبَةٍ فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ(75)﴾

[  سورة النمل ]

 الآيتان الثانية والثالثة مررْنا بهما سريعاً، ونقف عندها قليلاً قال تعالى: 

﴿وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَعْلَمُ مَا تُكِنُّ صُدُورُهُمْ وَمَا يُعْلِنُونَ﴾ الإنسان حينما يشعر أنَّ الله يعلم ينضبط، بل إنَّك إذا علمْت أنّ الله يعلم تستقيم على أمر الله، إذا علمت أن الله بيده كل شيء وهو يعلم، المشكلة هي هذا العلم؛ هل حصل لك أن الله يعلم؟ قال تعالى:  

﴿ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا(12)﴾

[ سورة الطلاق ]

 لو أردْت أن تفهَمَ الآية فهماً دقيقاً لغوِياً، لوجَدْت أنَّ هذه اللام هي لام التَّعليل، وأنَّ عِلَّة تسخير السماوات والأرض من أجل أن تعلم أنَّ الله يعلم.


هذه الآية هي قانون الاسْتِقامة:


 قال تعالى: ﴿ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْماً﴾ هذه الآية دقيقة جدّاً، وكأنَّها قانون الاستقامة، وأنت لن تستقيم إلا إذا شَعَرْت أن معك من يراقبك، لو أنَّ وزيراً نظَّمَ تنظيماً أو أصْدر مرسوماً أو قراراً المواطن متى ينفّذ هذا القانون تنفيذاً حرفيّاً؟ هناك حالتان؛ ولا بدّ من شرطَين إذا توافرا نفّذ هذا الأمر، الشَّرْط الأوّل: أنَّ هذا الوزير الذي أصْدر هذا الأمر يطولهُ عِلْمهُ، فقانون السَّيْر مثلا يمكن أن تكون الساعة الثالثة ليلاً، بأحد أطراف المدينة لا يوجد شرطي، فهذا الذي أصْدرَ قانون السَّيْر لن يطولكَ علمهُ الآن، ولك أن تخالف، أما إذا كان بهذا المكان آلة تصوير تصوّر وتسجِّل ليلاً نهاراً، فلن تخالف، فإن كان علم هذا الآمر يطولك لا تخالف، أما إن كان لا يطُولك فإنَك تُخالف، فلاحِظ أنت أنَّ أكثر الناس إذا شعَرَ أن بهذا المكان لا يوجد موظف، ولا تموين، ولا شرطي، حينها يُخالف، ومتى ينفّذ؟ مادام هناك مندوب لهذا الوزير، أو مندوب لهذا الذي أصْدر هذا القانون، مادام له عَين، قد تكون عيناً بشَرِيَّة، وقد تكون عَيْناً آليّة، ولكن هناك حالة ثانية: لن تستقيم على أمر الله إلا إذا أيْقَنتَ أنَّ هذا الذي يطولك علمهُ تَطولكَ قُدْرتُهُ أيضاً، يَعْلمُ وبإمكانه أن يوقِعَ بك أذًى كبيراً، مِن أرْوَع الآيات هذه الآية، هي قانون الاسْتِقامة، أنت لن تستقيم إلا بِشَرطَين؛ يجب أن توقِنَ أنَّ الذي أمرَكَ بالاستقامة عِلْمهُ يَطُولك، وأنَّ قدرتهُ تطولك، فلو طالكَ عِلْمُه، ولم تَطُلْك قدْرتُهُ، مثلاً شرطيّ سيْر، والمُخالف رتبة عالِيَة جداً في الشرطة، فلا يتجرأ الشرطي أن يكتب المخالفة، أو أنَّه لو كتَبَ لا تُنفَّذ، إذاً إذا شعَرَ هذا السائق أنّ قُدرة هذا الشرطي لا تطولهُ أيضاً يُخالف.


معرفة الآمر والأمر شيئان متلازمان:


 الله تعالى ماذا قال؟ قال تعالى: ﴿اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنْ الأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا﴾ لِتَعلموا شيْئَين؛ ﴿أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْماً﴾ عِلْمُهُ يَطُولنا، وقدرتُهُ تَطولنا، وأنا متأكِّد أنَّ إنساناً عاقلاً فيه ذرَّة عَقل لو قال: كلّ مخالفة لله سأدْفَعُ ثمنها باهظاً؛ لأنّ الله يعلم وهو قدير، يعلمُ مخالفتي وقدير على معاقبتي، فلا بدّ من أن يستقيم على أمر الله، فلكل سيّئة عقاب، ولكلّ حسنةٍ ثواب.

 يا أيّها الإخوة الإنسان بِدافع من حِرْصه على سلامته، ولا أحد إلا ويحْرصُ على وُجوده، وعلى سلامة وُجوده، وعلى كمال وُجوده، وعلى اسْتِمرار وجوده، وكل هذا منوط بالاستقامة، وإذا اسْتَقَمْتَ على أمر الله فلِمَصْلحتك، ماذا تحتاج الاستقامة؟ تحتاج إلى معرفة الأمر والنَّهي، إذاً تعلّم الفقْه حتْمٌ واجب على كلّ مسلم، أن تعرف في هذا الموضوع ماذا يريد الله عز وجل؟ أيَجُوز أن أفعَلَ هذا؟ هل هذا الشيء مُباحٌ أو واجب أو فرض أو مكروه أو محرَم؟ إذاً كيف تستقيم على أمر الله وأنت لا تعرف أمر الله؟ إذاً معرفة أمر الله لا يعْلو عليه شيء، إذا عرفْت الله لا بدّ من أن تعرف أمره.

 أما إذا عرفت أمره قبل أن تعرفهُ تحتال على هذا الأمر، تحتال في دَفْع الزكاة، وتحتال في النَّظر للنِّساء، في كبل شيء تحتال، إذا عرفت الأمر قبل الآمر، وإذا عرفت الآمر قبل أن تعرف الأمر كيف تُطيعُه؟ إذاً معرفة الآمر والأمر شيئان متلازمان، وبعض العلماء اصطلحوا على تسْمِيَّة معرفة الآمر معرفة علم الحقيقة، ومعرفة الأمر علم الشِّريعة، ولا بدّ من معرفة علم الحقيقة وعلم الشريعة.


حَجْمُ خَشْيَتِكَ من الله بِحَجم عِلْمِكَ وكلَّما ازْدَدْتَ عِلْماً ازْدَدْتَ خشيَةً:


 فكلما تعلَمنا شيئاً وأهْمَلنا الطَّرف الثاني وقَعنا في خلل، إذا عرفْت الله من خلال الكون ولم تعرف أمرهُ كيف تستقيم على أمره؟ وإذا عرفْتَ أمره، ولم تعرفه تحتال على أمره، والنبي عليه الصلاة والسلام عرَّف أصحابه بِذات الله في ثلاث عشرة سنة في مكَة، ثمّ جاء التَّشريع، ونحن مُلْزَمون بِمَعرفة الله، ومعرفة أمره، في وقت واحد، فيجب أن تُعمِّق عِلمَكَ على خطَّيْن في آن واحد، إذا تفكَرْت في خلق السماوات والأرض كلّ يوم؛ هذا التَّفَكّر يزيدك معرفةً بالله، ويزيدك معرفة بِعَظَمِتِه، وبأسمائه الحسنى، وبقُدرته، وكلَّما كان حجم معرفتك بالله أكبر كان حجم خَشْيَتِكَ أكبر، والدليل قوله تعالى:

﴿ وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالْأَنْعَامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ كَذَٰلِكَ ۗ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ ۗ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ (28)﴾

[ سورة فاطر ]

 حَجْمُ خَشْيَتِكَ بِحَجم عِلْمِكَ، وكلَّما ازْدَدْتَ عِلْماً ازْدَدْتَ خشيَةً، لذلك قال عليه الصلاة والسلام: 

((  لا بورك لي بطلوع شمس يوم لم أزدد فيه علماً يقربني إلى الله. ))

[ الطبراني في الأوسط بسند ضعيف ]

 اِزْدَدْ علماً تَزْدَدْ حُبّاً، اِزْدَدْ علماً تَزْدَدْ قُرْباً، اِزْدَدْ علماً تَزْدَدْ ورعاً، فالعِلْم هو الأساس، وحركة دون عِلم هي حركة عَشْوائِيَة، خبط عشواء، وحركة غير مُجدِيَة، فالعِلم هو مركز الثِّقل لذلك جعَلهُ الله قيمةً وحيدةً مُرَجِّحةً بين خلقِهِ، قال تعالى: 

﴿  قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الأَلْبَابِ(9)﴾

[ سورة الزمر ]

﴿اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنْ الأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْماً﴾ عليم وقدير، هذا قانون الاستقامة، إذا خالفْتَ أمر الله -أقول لكم وأنا متأكِّد مِن كلامي- لا بدّ من أنَّ هناك خللاً في عِلمك بالله، ولا بدَّ من أن يكون هناك خللاً في عِلمك بِعِلْمِهِ أو قُدرتِهِ أو بعلمه وقدرته معاً، أو بقدرته دون علمه، إذا قال لك أحدهم: لا تدَقِق كثيراً، لا تبالغ بالأمر، فهذه عقيدة زائغة، وإذا قال: الله غفور رحيم، لن يحاسبك، هنا دخل الخلل، اختلت الاستقامة، وأكل المال الحرام بِحُجَة أن له أولاد ومضْطرّ، والناس كلّهم هكذا، ولا بدّ أن يغش، فمال الناس أساساً كلها حرام ويستحقون الغشّ! هكذا يقول هو، فأيُّ خلل في استقامتك أساسه خلل في عقيدتك، لو صحَتْ عقيدتك لصحَّت اسْتِقامتك.


كلّما تحقَّقْت بِعِلم الله بِنَواياك انْضبَطَتْ أُمورك واسْتقامَت سريرتُكَ وعلانيَّتُك:


 يا أيّها الإخوة الأكارم أنت تطلب من الله الكرامة، وهو يطلب منك الاستقامة؛ لأنَّ الاستقامة عَين الكرامة، لما يكون الإنسان مستقيماً على أمر الله كأن تحت مظلة الله عز وجل، وكأنه في حِفظه ورِعايَتِهِ وتوفيقه، فإذا شذَّ عن الاستقامة، كأنَّه خرج من تحت المظلّة، وصار معرَّضاً لحجارة وأمطار وبرد وحر ومضايَقات، إذا خرجت عن الاستقامة خرجت عن مظلة الله عز وجل، لذلك قال تعالى: ﴿وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَشْكُرُونَ * وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَعْلَمُ مَا تُكِنُّ صُدُورُهُمْ وَمَا يُعْلِنُونَ﴾ الله يعلمُ كلّ شيء، فإذا بالَغْتَ في معرفة أنَ الله يعلم، فقد نَجَوْت بِنَفْسِك، وقبل أن تقول كلمةً يعلم نواياك منها، وقبل أن تدعو إلى الله يعلم النوايا، وقبل أن تأمر بالمعروف يعلم النوايا، قبل أن تنْهَ عن المنكر يعلم النوايا، قبل أن تدعو أحداً إلى بيتِك يعلم النوايا، قبل أن تزور فلاناً يعلمُ النوايا، وقبل أن تعطي هذا المبلغ لفلان بالذات يعلم النوايا، قبل أن تمْنع يعلم النوايا، فكلّما تحقَّقْت من عِلم الله لِنَواياك انْضبَطَتْ أُمورك واسْتقامَت سريرتُكَ وعلانيَّتُك.

 الحركة الإيمانية أو نُسمِّيها النمو الإيماني، هناك نموّ اقتِصادي، هذه السنة ربح مئة، السنة التي بعدها مئة وثلاثون، ثمّ مئتان، يقول لك هناك نموّ بالأرباح والدَّخل، فنحن نحرصُ على نموّ دَخلنا وأرباحِنا، ألا ينبغي أن نحرصَ على نموّ إيماننا؟ ألم يقل النبي عليه الصلاة والسلام: 

(( جددوا إيمانكم قيل يا رسول الله وكيف نجدد إيماننا قال أكثروا من قول لا إله إلا الله ))

[ أخرجه أحمد والطبراني وفيه ضعف ]

وقد قيل: ومن لم يكن في زيادة فهو في نقصان، وقد قيل: المغبون من تساوى يوماه.

ضربتُ مثلاً من مدة: رصيف متحرّك وأنت على الرصيف، فإذا نزلْت من على هذا الرصيف ووقفْت في مكانك فأنت واقف أم مقصّر؟ مقصر بالقياس إلى هذا المتحرّك، فإذا كان مجموعة مؤمنين إلى الله طريقهم، وأنت وقفتَ فما ازْداد علمك، ولا عملَكَ، ولا ورعَكَ، ولا شوقكَ، ولا صلاتك، ولا اسْتِقامَتَك فأنت في تقصير، وهذا معنى قولهم: من لم يكن في زِيادة فهو في نقصان.


تكلّم أو اسْكُت فالله تعالى يعلم سرك وعلانيتك:


 ﴿وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَعْلَمُ مَا تُكِنُّ صُدُورُهُمْ وَمَا يُعْلِنُونَ﴾ تكلّم أو اسْكُت فهو يعلم الحالين، إذا جاءت علانِيَتَكَ مُطابقةً لِسَريرتِكَ فهو يعلم، وإن جاءَتْ علانيتَكَ مخالفة فهو يعلم، إن كانت السريرة أطْهر من العلانيَة يعلم، وإن كانت العلانية أطْهر من السريرة يعلم، قال تعالى: ﴿وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَعْلَمُ مَا تُكِنُّ صُدُورُهُمْ وَمَا يُعْلِنُونَ﴾ فحال المراقبة شعور لا يعلمه إلا من مارسهُ، قال تعالى:  

﴿  إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ(14)﴾

[ سورة الفجر ]

 وقال تعالى: 

﴿ لَّا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِن بَعْدُ وَلَا أَن تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ إِلَّا مَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ ۗ وَكَانَ اللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ رَّقِيبًا (52)﴾

[ سورة الأحزاب ]


أيّ شيءٍ غابَ عن عِلمك هو في علم الله وفي كتاب مُسجَّل:


 قال تعالى:

﴿  وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِنْدَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ(46)﴾

[ سورة إبراهيم ]

 إنسانٌ خطَّطَ، له مدير بالمدرسة أراد أن يشكوه للتَّضْييق عليه، ورتَّبَ له ترتيبات كي يُزيحَهُ من منصِبِه، وكتب ورقة وقال: أريد أن أبعث تقريراً للمفتش، التَّقرير صُوِّر، وعند المدير نسْخة منه ﴿وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِنْدَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ﴾ مسجل نسخة ثانية عند الله عز وجل ﴿وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ﴾ فالله عز وجل يعلم، يعلمُ مَكْر الماكرين، ويعلم تَدبير المدَبِّرين، ويعلمُ خداع المخادعين، وتَدْجيل المُدَجِّلين، وكذب الكاذبين، ويعلم صِدْق الصادقين، وإخلاص المخلصين، فكلَّما بالغْت في الحركة يجب أن ينْمُوَ إيمانك في خطَّين في خطّ معرفة الله، وفي خطّ معرفة أمره، معرفة الله كأسمائه الحسنى؛ علمه وقدرته وسمعه وبصرهُ وغير ذلك، ومعرفة أمره الحلال والحرام في كلّ شيءٍ تقريباً، فإذا نَمَتْ معرفتك بالله تعالى، ونمت معرفتك بأمر الله وعرفْت أنَّ الله يعلم وقدير، تجد أنَّك تستقيم على أمره بشَكل طبيعي ودون جهد، ودون مُصارعة، دون مُشادَّة مع نفسك، الأمر واضح. 

﴿وَمَا مِنْ غَائِبَةٍ فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ﴾ أيّ شيءٍ غابَ عن عِلمك هو في علم الله، وفي كتاب مُسجَّل والمُسجّل بِحَسب تفكير البشر أشدّ ثباتاً وأشدُّ قوَّةً، كله مسجل. 


هناك فرق بين الرادع والوازع فالوازع داخلي لكن الرادع خارجي:


﴿ لَّقَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ ۘ سَنَكْتُبُ مَا قَالُوا وَقَتْلَهُمُ الْأَنبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَنَقُولُ ذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ(181)﴾

[ سورة آل عمران ]

الله تعالى قال: ﴿سَنَكْتُبُ مَا قَالُوا﴾ أحياناً يقول إنسان لآخر: هذه مسجلة، سجلناها عليك، أعانك الله، ﴿سَنَكْتُبُ مَا قَالُوا﴾   كتبنا، فالإنسان إذا تكلَّمَ كلاماً فيه تَجاوُز لِعُبوديَّته، وتجاوز في الأدب مع الله عز وجل، وتجاوز لِقَوانين الله، فهذه الكلمة سوفَ تُكْتب، وسوف يدْفعُ ثمنها باهظاً، لذلك عليه الصلاة والسلام قال: 

(( لَا يَسْتَقِيمُ إِيمَانُ عَبْدٍ حَتَّى يَسْتَقِيمَ قَلْبُهُ، وَلَا يَسْتَقِيمُ قَلْبُهُ حَتَّى يَسْتَقِيمَ لِسَانُهُ))

[  أحمد عن أنس بن مالك ]

 وقال: 

(( قال: كُفَّ عليكَ هذا، فقُلتُ: يا نبيَّ اللهِ، إِنَّا لمؤاخَذونَ بما نتَكلَّمُ بِه؟ قال: ثَكلتكَ أمُّكَ يا معاذُ، وَهل يَكبُّ النَّاسَ في النَّارِعلَى وجوهِهِم، أوعلَى مناخرِهم، إلَّا حصائدُ ألسنتِهم.. ))

[ الترمذي عن معاذ بن جبل ]

تكفي هذه.

(( إنَّ الرَّجُلَ لَيتكلَّمُ بالكلمةِ ما يرى بها بأسًا يهوِي بها في النَّارِ سبعينَ خريفًا ))

[ صحيح ابن حبان عن أبي هريرة ]

 قال تعالى: ﴿وَمَا مِنْ غَائِبَةٍ فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ﴾ حكى لي شخص أنَّه تحرك حركة خالف فيها النِّظام بِبَلدٍ أجنبي، اسْتَدعوه وعرضوا عليهِ شريطاً، قال لي: رأيت ِصُورتي ملوّنة على شاشة كبيرة، أين دخلت، وأين خرجت، لماذا خالفت نظام الغابات والسياحة؟ كلّه مُسجّل، آلات تصور، خالف بسيارته صورة سيارته ورقمها كله مسجل، والحقيقة أنَّ ما يبدو للناس من انْضِباط العالم الغربي، هذا ليس انضباطاً ذاتياً بل هو ضبط خارجي، فوسائل الضَّبط راقِيَة جدّاً، وهذا ما سَنُسمِّيه رادِع، أما الإيمان يزرع وازعاً في الإنسان، وشتَّان بين الرادع والوازع، فالوازع داخلي، والرادع خارجي. 

شَخصٌ حدَّثني أنَّ بعض المسابح ذات المِياه المعْدَنِيَّة الاستشفائية، حتى لا يبول الإنسان في المسبح هناك مادَّة كيماوِيَّة تتفاعَل مع البول، وتظهر بقعة بنفْسجِيَّة اللَّون لِمَن فعَلَ هذه الفعلة! وهناك رجل معه جِهاز ضَوئي كشَّاف يُسلَّط عليه، هذا هو الرادِع، أما المؤمن فلا يفعل هذا بِدافِع من خوفه من الله عز وجل، شتَان بين نِّظام الرَّدع ونِّظام الدَّفع الداخلي. 


لا تستقيم حياتنا إلا بالخوف من الله عز وجل:


 الله ماذا قال ؟ قال تعالى:

﴿  إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ(45)﴾

[  سورة العنكبوت ]

 تنهى الإنسان نهْياً ذاتيّاً، أما لمَا قُطِعَت الكهرباء في نيويورْك قبل مجموعة أعوام ارْتُكِبَت مئتا ألف سرقة، فكل هذا الضبط الخارجي، يقول لك: الصالة مراقبة تلفزْيونيّاً، أيْ الواحد إذا استقام لا فضل له، وأغلب محلاَّت البيع فيها مع التَسعيرة مادَة إذا دُفِع ثمن البِضاعة تُلغى، أما إن لم يُدْفع يخرج صوتاً شديداً أثناء خروج الإنسان، أي هذا سارق ألقِ القبض عليه، فينضبط الإنسان، فهل هذا هو الضبط الذي أراده الله عز وجل؟ لا، هذا الضَّبط الخارجي لا قيمة له إطلاقاً، فلو تعطّل هذا الضَّبط لِسَبب أو لآخر تجد انْحِطاطاً ما بعدهُ انْحِطاط، أما الدِّين فَيُنَمِّي الإحساس الأخلاقي، والوازِع الداخلي، وينمِي الانضِباط الذاتي، وتجد الإنسان يخاف من الله، قال له: بعني هذه الشاة وخُذْ ثمنَها؟ فقال له: هي ليْست لي! والقصَة معروفة، ثم قال له: ولكن أين الله؟! هذا الإيمان كلّه؛ أن تقول: إنِّي أخاف الله ربّ العالمين، هناك كثير من المِهَن صاحب المهنة موضع ثقة، فإذا لم يَخَفْ من ربّه يُؤذي إيذاءً كبيراً جدّاً، فلا تستقيم حياتنا إلا بالخوف من الله عز وجل، هذه المعاني التي توضِّح معنى قوله تعالى: ﴿وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَعْلَمُ مَا تُكِنُّ صُدُورُهُمْ وَمَا يُعْلِنُونَ* وَمَا مِنْ غَائِبَةٍ فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ﴾ كله مسجل. 


الله عز وجل وضَّحَ في القرآن الكريم كلّ الموضوعات الخِلافيّة في الكتب السابقة:


 يقول تعالى:

﴿  إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَقُصُّ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَكْثَرَ الَّذِي هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ(76)﴾

[ سورة النمل ]

 بنو إسرائيل اختلفوا في شأن المسيح عليه السلام، وفي شأن طبيعته أهَي ناسوتية؟ أي من بني البشر؟ أم هي إلهية؟ واختلفوا أيضاً في الروح القدس، واختلفوا في السيّد المسيح أَهُوَ ابن الله عز وجل أم نبي كريم؟ واختلفوا في طريقة موتِهِ؛ أَصَلَبُوهُ أم شُبِّه لهم، اختلفوا في قصص كثيرة عن الأنبياء، وجاء القرآن مُهَيْمِناً قال تعالى: 

﴿ وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ ۖ فَاحْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ ۖ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ ۚ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا ۚ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَٰكِن لِّيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ ۖ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ ۚ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ(48)﴾

[ سورة المائدة ]

 مُهَيْمِناً على كلّ الكتب السابقة؛ بِمَعنى أنّ الله عز وجل وضَّحَ في القرآن الكريم كلّ الموضوعات الخِلافيّة في الكتب السابقة، قال تعالى: 

﴿  قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِي الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيّاً(30)﴾

[ سورة مريم ]

 وقال تعالى: 

﴿ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلَا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ ۚ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَىٰ مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِّنْهُ ۖ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ۖ وَلَا تَقُولُوا ثَلَاثَةٌ ۚ انتَهُوا خَيْرًا لَّكُمْ ۚ إِنَّمَا اللَّهُ إِلَٰهٌ وَاحِدٌ ۖ سُبْحَانَهُ أَن يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ ۘ لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ ۗ وَكَفَىٰ بِاللَّهِ وَكِيلًا(171)﴾

[ سورة النساء ]


في كلّ موضوع خِلافي جاءت الآية حَسْماً وفَيْصَلاً للموضوع:


 إذاً كما قال تعالى: ﴿إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَقُصُّ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَكْثَرَ الَّذِي هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ﴾ قال تعالى: 

﴿  وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلا اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِيناً(157) بَل رَّفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ ۚ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا(158)﴾

[ سورة النساء ]

 في كلّ موضوع خِلافي جاءت الآية الكريمة حَسْماً وفَيْصَلاً للموضوع، بنو إسرائيل تقوَّلوا على أنبيائهم تقوُّلاتٍ ما أنزل الله بها من سلطان، سيّدنا إبراهيم أبو الأنبياء هذا النبي العظيم قال: عرضَ زوجته على ملكِ مِصْر على أنَّها أخته! أَيَفْعلُ هذا نبيّ؟‍‍ هكذا قال بنو إسرائيل عن سيّدنا إبراهيم، وبنو إسرائيل قالوا عن سيّدنا لوط أنّه شرب الخمر وزنى بابْنَتَيْه أهذا كلام؟!! قال تعالى: 

﴿  إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ(33)﴾

[ سورة آل عمران ]

 الأنبياء نخْبة النخبة، مُصْطَفَون أخيار، وعِبادٌ مُكْرَمون، 

﴿ لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُم بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ(27) ﴾

وبنو إسرائيل قالوا عن سيدنا داوود أنّه رأى امرأةً رائعة الجمال، فسأل عن زوْجها فإذا هو أحدُ جنودِهِ، فأرْسَلهُ إلى معركةٍ وقال: قدِّموهُ لعلّهُ يُقتَل، وعندهُ تِسْعٌ وتسْعون امرأة، وهذه المئة، هذا نبيّ أم زير نساء؟!!


القرآن الكريم هدى يُبيِّن لك طريق سعادتك في الدنيا والآخرة:


 قال تعالى: ﴿إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَقُصُّ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَكْثَرَ الَّذِي هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ﴾ سيّدنا لوط قالوا زنى بابْنَتَيْه، وإبراهيم كذب، وعرَض زوجته على ملِك مصر على أنَّها أخته، وسيّدنا داوود أحبّ هذه المرأة، وسيّدنا سليمان قطَعَ رؤوس الخيول وقوائِمَها لأنّها ألْهَتْهُ عن الصلاة!! ما ذنبها؟! هو يدربها فقطع رؤوسها وأقدامها، لذا هناك بنْد اسْمُهُ الإسرائيليات في كتب التفسير ما أنزل الله بها من سلطان، تقوّلات على الأنبياءلا ترضي الله عز وجل، وتتناقض مع عِصْمَتِهم، فالأنبياء معصومون، وإن لم يكونوا معصومين، فمن المعْصوم؟ إذا كان هذا النبي المرْسَل الذي يوحَى إليه غير معصوم أَيَكون أحدُ الناس معصوماً؟ وكيف يأمر الله سبحانه وتعالى باتِّباع أنبيائه وهم غير معصومين؟ فكأنَ الله يأمرنا بالمعصِيَة، إذاً هذه القصص كلّها باطلة، ولا أصْل لها، والقرآن الكريم وضَّحَها تماماً فقال تعالى: ﴿إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَقُصُّ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَكْثَرَ الَّذِي هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ﴾ ثمَّ يقول تعالى: 

﴿  وَإِنَّهُ لَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ(77)﴾

[ سورة النمل ]

 الحقيقة الهدى من أجل التشبيه والتوضيح؛ لو أنَّكَ سلَّطْتَ مِصْباحاً كاشفاً على طريق وعِرَة لعرفْتَ الحفرة من الأكمة، من الحيوان المؤذي، من الحيوان النافع، من الثمرة، من الشيء الخطير، فالضَّوء كشَّاف، فالقرآن الكريم هدى يُبيِّن لك طريق سعادتك في الدنيا والآخرة، وفي الزَّواج افْعَل كذا ولا تفْعَل كذا، وفي البيع والشِّراء افعل ولا تفعل، وفي كلّ حركة من حركاتك، وفي كلّ نشاط من نشاطاتك، هناك توجيهات إلهيّة، ربنا عز وجل في كتابه الكريم أخبرنا عن حقائق ووجَّهَ توجيهات، فإذا علمت الحقائق، واتبعت التَّوجيهات فكأنَّك على نور، وربّنا عز وجل في بعض آيات كتاب الله سمَّاهُ نوراً مُبيناً. 


أمرك أن تصلِّي وأن تستقيم فلما اسْتَقمْت واتَّقَيْت شَعَرْت بالسعادة الحاصلة من اتِّصالك بالله:


 قال تعالى:

﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُم بُرْهَانٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَأَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُورًا مُّبِينًا (174)﴾

[ سورة النساء ]

 وهو كلام الله عز وجل، أما رحمة فلها معنى آخر، أنت إذا اتبعت هدى الله في شأن الزَّواج، هناك تعليمات، أوَّل بنْد وعاشِروهنّ بالمعروف؛ كأن تكون رحيماً وحليماً، حلمك ورحمتك وكرمك ومكانتك العلِيّة في البيت، هذه تجعل الزَّوجة تحترمك وتُوَقِّرك وتتفانى في خِدمتك، فينشأ ما يُسمَّى السعادة الزَّوْجِيَّة، هذه السّعادة رحمة من الله عز وجل تنْعم بها أنت، حينما اهْتَدَيْتَ بِهُدى الله سَعِدْتَ بهذه الرحمة، فأيّ توجيهٍ إلهي، كأن يقول لك فلان: البضاعة الفلانية تربح كثيراً، وينصحك أن تشتري منها، فأنت تشتري وتبيع وتربح، هذا المال تنعَّمْتَ فيه، واشْتريْت بيتاً واسعاً، أطْعمْتَ أهلك طعاماً جيداً، وارْتَدَيْت كساءً جيّداً، فهذه النِعَم التي أنت تسْتمتعُ بها بفضل توجيهات هذا الموجّه، فالقرآن الكريم هُدًى ورحمة إذا أعطاك التَّوجيهات ونفَّذْتها تحسّ أنَّ الله عز وجل أكْرمَكَ بهذا الزَّواج، وأنت في التِّجارة اسْتَقَمْت على أمر الله، ما غششت الناس، وما كذبت عليهم، وما ماْطَلْتهم، وما عسَّرْت عليهم، وما أثْنَيْت على بِضاعتك، وهي ليْسَت كذلك، وما ذَممتَ بِضاعة الآخرين، وطبَقْتَ السنَّة في البيع والشِّراء دون كذب أو تدليس أو احْتِيال أو يمين كاذبة، فالناس يثقون بك، ويُقْبِلون عليك، وأصبح لك زبائن كثيرون أحبُّوك وآثروك على أيّ بائعٍ آخر، وربحت منهم ربْحاً جيِّداً،وعشت في بحبوحة، فهذه رحمة رحمك الله بها بعد أن طبَّقْت هُداه طبعاً هذا في الزواج، وفي التِّجارة، وفي علاقتك بالله عز وجل؛ أمرك أن تصلِّي وأمركَ أن تستقيم، فلما اسْتَقمْت وصليْتَ شَعَرْت بهذه السعادة الحاصلة من اتِّصالك بالله عز وجل، هذه رحمة أيضاً.


الحياة الدنيا مليئة بالاتِّجاهات وكلٌّ يدَّعِي أنَّه على حقّ:


 قال تعالى: ﴿وَإِنَّهُ لَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ﴾ أيُّ توْجيهٍ تُنَفِذُهُ يعْقِبُه رحمة، تغضّ بصرك عن محارم الله هذا أمر من الأوامر، هذا توجيه واضح، والإنسان لما يطبَّق هذا الأمر بحزم يجب أن يشعر أنَّ الله سيُكافِئه في البيت، فيتمتَّع بِسَعادة زوْجِيَّة يفتقر لها أُناسٌ كثيرون، لأنّه حينما يعْصي الزَّوج أو الزَّوجة يتولَّى الشيطان التفريق بينهما، فإذا غضَضْت بصرك عن محارم الله يتولّى الرحمن التوفيق بينكما، وتجد مودَّة بالغة، وعلى هذا فقِسْ مع شريكك، إذا كنتَ مستقيماً على أمر الله يحبّك شريكك، وإذا كانت هناك أشياء من وراء ظهره ينْفُرُ منك وتصبح هناك مشاحنات وبعدها تنفكّ الشركة، تضعفان أنتما الاثنان قال تعالى: 

﴿ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ ۖ وَاصْبِرُوا ۚ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ (46)﴾

[ سورة الأنفال ]

 آية دقيقة جداً؛ قال تعالى: ﴿وَإِنَّهُ لَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ﴾ تهتدي بِهَدْي القرآن، ويرحمك الله إذا طبَقْت هذا الهدي، قال تعالى:  

﴿  إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ بِحُكْمِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ(78)﴾

[ سورة النمل ]

 الحياة الدنيا مليئة بالاتِّجاهات، وكلٌّ يدَّعِي أنَّه على حقّ، وما من فئة، وما من مجموعة، وما من كتلة، وما من طائفةٍ، وما من مذهبٍ إلا وهو على حقّ والناس على باطل:  

﴿ مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا ۖ كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ (32)﴾

[ سورة الروم ]

 كلّ إنسان يظن نفسهُ مِحْوَر العالم وأنَّه الوحيد لا يوجد غيره، الله له فقط، فهذه المشاحنات والخِلافات، والأخذ والعطاء، والاتِّهامات السَّريعة، وكلّ إنسان يتَّهِم الآخرين لأَتْفَه الأسباب، وتنشأ عداوات لا مُبرِّرَ لها، ويعْتدّ بِنَفْسِه، ويحتقر الآخرين، ويُعظِّم قدراته إلى أقصى درجة، ويغمط حق الآخرين، إذا كان بالعلم فهو العالم والناس كلّهم جهلة، وإذا كان بالاختراع فهو المخترع، وإذا كان بالتِجارة فهو التاجر، وإذا كان بالصِّناعة هو الصانع، دائماً يضفي على نفسه هالة كبيرة ويحتقر الآخرين، فهذه الخلافات والصِّراعات والمشكلات سَيَضَعُ الله لها حدّاً يوم القيامة.


على الإنسان أن يعتدل ولا يتطرف بأحكامه:


 ﴿إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ بِحُكْمِهِ﴾ أحياناً يقف المحامي ويتكلّم، ويدافع عن خصمه؛ محاضرة بليغة وعظيمة، عريضة مع الأدلّة، والاستنباطات، والاسترحام، والتبريرات، والتخفيفات، فإذا توقّف يتكلّم المحامي الآخر، والقاضي عنده بصيرة، وعنده أدلّة، يُنْهي هذا النِزاع بأن يقول: حَكَمْنا على فلان بالسِّجْن، وهو المذْنب، وينتهي الأمر، قال تعالى: ﴿إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ بِحُكْمِهِ﴾ قد تكون هذه الفئة الضالة، وهذه المحقّة، قد يكون العكس، فأهل التَّصوف هم الدِّين وحده، أهل الفقه هم الدين وحده، وأهل العقائد هم الدِّين وحده، فهذه مبالغة، ولكنّ الدّين فيه جانب عقائدي، وجانب عبادي، وجانب معاملات، وجانب خلقي، فالدِّين كلّ هذه الأشياء، ولا ينصر هذا الدِّين إلا مَنْ أحاطهُ مِن كلّ جوانبه، فإذا كنتَ من علماء التصوف ليس إلا أنت؟ وإذا كنت من علماء الشريعة ليس إلا أنت! وإذا كنت من علماء العقيدة ليس إلا أنت! لا، كلّ هؤلاء يُشَكُّلون محطَّات في الطريق إلى الله عز وجل، وكلّ هؤلاء يشكِّلون أجزاء متكاملة مع بعضهم في الدين. 

إذاً كما قال تعالى: ﴿إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ بِحُكْمِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ﴾ الإنسان لمَّا يتطرّف بأحكامه لا بدَّ له من أن يتراجع في يوم ما، فأنت بالأساس عليك أن تكون معتدلاً. ﴿إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ بِحُكْمِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ﴾


الله عز وجل لا يقْبل للإنسان أن يتوكَّل عليه وهو على باطل:


 قال تعالى:

﴿  فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّكَ عَلَى الْحَقِّ الْمُبِينِ(79) ﴾

[ سورة النمل  ]

 هذا التَوكّل شيءٌ عظيم، والتَّوَكُّل ليس كلمة تقال، أن تقول: توكَّلْت على الله، هذه قد يقولها أيّ إنسان، هذا كأن تقول: ألف مليون! هذه كلمة، أي إنسان يقولها، يقولها أفْقر واحد، فبَيْن أن تلفظها وبين أن تملكها فرْقُ كبير، وبين أن تقول: توكَّلْتُ على الله وقلبك مع زيْد وعُبَيد وفلان وعلان، ومتكئ على مالك وصحّتك ومكانتك، وعلى ابن عمّك وابن خالتك، أَيُّ توكّلٍ هذا؟ هذا كلُّه شِرْكٌ! الله عز وجل ليس عند القول، ولكن عند الشُّعور وعند الحقيقة، ولن تتوكَّل عليه إلا إذا عرفْتهُ، فأنت لن تُكَلِّفَ إنساناً بعمل خطير إلا إذا كان في مستوى هذا العمل، لن تكلّف إنساناً أن يشتري لك ذهَباً، إذا أردت أن تشتري ذهباً لابنتك وأنت تعرف أن هناك ذهباً مزيّفاً، وأسعاراً باهظة، وبائعين أسعارهم غير معقولة، وهناك احتيالات، فالقضية بالعمر لمرة واحدة، فلن تُكلّف من هو ضعيف الخِبْرة في هذا الموضوع، لن تعتمد إلا على الخبير، لن تعتمد إلا على القويّ، لن تعتمد إلا على العالم، لن تعتمد إلا على القدير، فالتَّوكّل يحتاج إلى معرفة سابقة، اِعْرف الله ثمَّ تَوَكَّل عليه، إذا علِمْت أنَّ بيَدِهِ كلّ شيء؛ عليم خبير قدير حكيم محبّ رؤوف رحيم، كيف أنَّ الطفل الصغير وهو في حِجْر أُمِّه مرتاح لا مشكلة عنده، لا يخشى عَدُوّاً، ولا يخشَى مرضاً، ولا يخشى جوعاً، هذا الاسْتِسلام هو حال المؤمن، إلهي أنت مقصودي ورِضاك مطلوبي، 

(( اللهمَّ إني عبدُك وابنُ عبدِك وابنُ أَمَتِك ناصيتي بيدِك ماضٍ فيَّ حكمُك عَدْلٌ فيَّ قضاؤُك أسألُك بكلِّ اسمٍ هو لك سميتَ به نفسَك أو أنزلتَه في كتابِك أو علَّمتَه أحدًا مِنْ خلقِك أو استأثرتَ به في علمِ الغيبِ عندَك أنْ تجعلَ القرآنَ ربيعَ قلبي ونورَ صدري وجلاءَ حُزْني وذَهابَ هَمِّي" ))

[ مسند الإمام أحمد ]

فافعل بي ما تشاء، هذا هو التَّوَكّل، ﴿فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ﴾ ولم لا ﴿إِنَّكَ عَلَى الْحَقِّ الْمُبِينِ﴾ الله عز وجل لا يقْبل من إنسان أن يتوكَّل عليه وهو على باطل، قال تعالى:  

﴿  ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ(55)  ﴾

[ سورة الأعراف ]

 كأنَّه يقول لنا إن اعْتَدَيْتُم فأنا لا أستجيب لكم لأنّي لا أُحبكم، أنا لا أستجيب إلا للمُنصفين، وللمقسِطين، وأنا لا أستجيب إلا للمحسنين، والطاهرين، والمستقيمين، فإذا كنت من المعتدين فلا أستجيب لكم، لأنِّي لا أُحبّكم، إنَّ الله لا يحبّ الكافرين، ولا يحبّ الفاسقين، ولا يحبّ الظالمين.


المؤمن يسْتمدّ قوَّته من حُسْن ظنِّه بالله عز وجل:


 قال تعالى: ﴿فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّكَ عَلَى الْحَقِّ الْمُبِينِ﴾ إذا كنت على الحق المبين توكَّل على الله عز وجل، فلذلك المؤمن يسْتمدّ قوَّته من حُسْن ظنِّه بالله عز وجل، ويعلمُ عِلْمَ اليقين أنَ الله معه وأنَّ الله لن يتخلَّى عنه، ولن يتْركهُ، وأنَّ الله بِرَحمته وحِكمته يحفظ عبده المؤمن، إذاً يتوكل: 

﴿ فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ لِنتَ لَهُمْ ۖ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ ۖ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ ۖ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ (159)﴾

[ سورة آل عمران ]

هناك أشخاص إذا طمأنهُ شخص يطمئنّ ويرتاح، أما إذا كانت هناك آية تطمْئِنه يبقى قلقاً، وهذه مشكلة وهي ضعف في الإيمان خطير، حتى يطمئنك إنسان؟! ألا يكفيك أن يطمئنك الواحد الدَيان؟ قال تعالى: 

﴿ مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً ۖ وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (97)﴾

[  سورة النحل ]

 ألا تكفيك هذه الآية؟ ألا يكفيك قوله تعالى: 

﴿  أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ(21)﴾

[ سورة الجاثية ]


الله بِرَحمته وحِكمته يحفظ عبده المؤمن لأن الله يحبّ المتوكِّلين:


 ألا يكفيك قوله تعالى:

﴿ وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا ۖ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ(48)﴾

[ سورة الطور ]

 ألا يكفيك: 

﴿  قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلانَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلْ الْمُؤْمِنُونَ(51)﴾

[ سورة التوبة ]

ألا يكفيك:

﴿  إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنْ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ(38)﴾

[ سورة الحج ]

 هذه الآيات: 

﴿  إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمْ الرَّحْمَانُ وُدّاً(96)﴾

[ سورة مريم ]

 يكفيك تطمين إنسان؟ إنسان يطمئنك والله الواحد الدَيان لا يطمئنك؟! قال تعالى:

﴿  فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّكَ عَلَى الْحَقِّ الْمُبِينِ(79) إِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى وَلَا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ(80) وَمَا أَنْتَ بِهَادِي الْعُمْيِ عَنْ ضَلَالَتِهِمْ إِنْ تُسْمِعُ إِلَّا مَنْ يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا فَهُمْ مُسْلِمُونَ(81)﴾

[ سورة النمل  ]

 هذه الآيات تحتاج إلى درس آخر إن شاء الله تعالى.

والحمد لله رب العالمين.

 بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد المرسلين، سيدنا محمد المبعوث رحمة للعالمين، اللهم أغننا بالعلم، وزينا بالحلم وأكرمنا بالتقوى، وجمّلنا بالعافية، وطهّر قلوبنا من النفاق، وأعمالنا من الرياء، وألسنتنا من الكذب، وأعيننا من الخيانة، فإنك تعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور، اللهم اجعل جمعنا هذا جمعاً مباركاً مرحوماً، واجعل تفرقنا من بعده نفرقاً معصوماً، ولا تجعل فينا ولا منا ولا معنا شقياً ولا محروماً، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم، والحمد لله رب العالمين. 

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور