وضع داكن
25-04-2024
Logo
الدرس : 18 - سورة النمل - تفسير الآيات 82 - 93 المعجزات خرق العادات - الجنة مقام وهي محض فضل والنار محض عدل.
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا، إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.

 أيها الإخوة الأكارم مع الدرس الثامن عشر من سورة النمل.


العاقل يتلافى أن تنطبق عليه إحدى العقوبات لأن العقاب أليم والمصير محتوم:


 وصلنا في الدرس الماضي إلى قوله تعالى: 

﴿  وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الْأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ النَّاسَ كَانُوا بِآيَاتِنَا لَا يُوقِنُونَ(82)﴾

[  سورة النمل ]

 في الآية الكريمة كما يقول بعضُهم مركزُ ثِقل، هذا المركز هو أن يقع القولُ عليهم، أي أن ربنا سبحانه وتعالى له سنن وله قواعد وله ثوابت وله قوانين، أحياناً تنطبق هذه السُّنة على فلان أو على علان، أو على هذه الأمة أو على هذه الفئة أو على هذه القبيلة أو على هذه القرية أو على هذه المدينة، عندئذ يستحقُّون العذاب، فالإنسان المفكِّر العاقل لا يصل مع الله إلى درجةٍ أن يقع القولُ عليه، أو أن تُطبَّق عليه بعض المواد، بعض السنن وبعض القواعد، والإنسان في حياته الدنيا يجتهد أن لا تنطبق عليه إحدى مواد قانون العقوبات، دائماً العاقل يتلافى أن تنطبق عليه إحدى مواد قانون العقوبات، لأن العقاب أليم، والعذاب أليم، والمصير محتوم، فالذي أتمنى أن أنقله إليكم قولُه تعالى: ﴿وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ﴾ .

 قال تعالى:

﴿ أُوحِيَ إِلَى نُوحٍ أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلا مَنْ قَدْ آمَنَ فَلَا تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ(36)﴾

[ سورة هود ]

 أي ذكَّرناهم وذكَّرناهم وبيَّنا لهم ووضَّحنا لهم، وفصَّلنا، وأرسلنا الآيات، وأرسلنا المصائبَ وأرسلنا التَّذكير، أناسٌ دعوهم وأناسٌ ذكَّروهم. 


الله عز وجل لا يأخذ الإنسان إلا باستحقاق:


﴿ فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ(44)﴾

[ سورة الأنعام ]

 المواطن الذكي يجهد في تجارته وبيعه وشرائه وفي حرفته وفي نشاطه ونزُهاته أن لا تنطبق عليه إحدى قوانين العقوبات الصارمة، فالقضية كبيرةٌ جدّاً في تعامل الإنسان مع الإنسان، يتحاشى أن تنطبق عليه إحدى هذه المواد، ستَّ عشرة سنة و ثماني عشرة سنة، عشرون، فكيف مع خالق السماوات والأرض؟ كيف مع الله الذي لا إله إلا هو، الذي بيده كل شيء، إليه يرجع الأمرُ كلُّه، بيده ملكوت كل شيء؟

﴿وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ﴾ أي أن الله عز وجل لا يأخذ الإنسان إلا باستحقاق، 

﴿ إِذْ أَنتُم بِالْعُدْوَةِ الدُّنْيَا وَهُم بِالْعُدْوَةِ الْقُصْوَىٰ وَالرَّكْبُ أَسْفَلَ مِنكُمْ ۚ وَلَوْ تَوَاعَدتُّمْ لَاخْتَلَفْتُمْ فِي الْمِيعَادِ ۙ وَلَٰكِن لِّيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْرًا كَانَ مَفْعُولًا لِّيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَن بَيِّنَةٍ وَيَحْيَىٰ مَنْ حَيَّ عَن بَيِّنَةٍ ۗ وَإِنَّ اللَّهَ لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ (42)﴾

[ سورة الأنفال ]

الحياة والإكرام بأسباب، والهلاك بأسباب، لذلك النبيُّ عليه الصلاة والسلام كان يدعو الله فيقول:

((  مَنْ كَانَتْ لَهُ إِلَى اللَّهِ حَاجَةٌ أَوْ إِلَى أَحَدٍ مِنْ بَنِي آدَمَ فَلْيَتَوَضَّأْ فَلْيُحْسِنْ الْوُضُوءَ ثُمَّ لِيُصَلِّ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ لِيُثْنِ عَلَى اللَّهِ وَلْيُصَلِّ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ لِيَقُلْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ الْحَلِيمُ الْكَرِيمُ سُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ أَسْأَلُكَ مُوجِبَاتِ رَحْمَتِكَ وَعَزَائِمَ مَغْفِرَتِكَ وَالْغَنِيمَةَ مِنْ كُلِّ بِرٍّ وَالسَّلامَةَ مِنْ كُلِّ إِثْمٍ لا تَدَعْ لِي ذَنْباً إِلا غَفَرْتَهُ وَلا هَمّاً إِلا فَرَّجْتَهُ وَلا حَاجَةً هِيَ لَكَ رِضاً إِلا قَضَيْتَهَا يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ  ))

[  رواه الترمذي عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بسند ضعيف جداً  ]

 ماذا قال عليه الصلاة والسلام لبعض أصحابه؟ 

((  عَنْ رَبِيعَةُ بْنُ كَعْبٍ الْأَسْلَمِيُّ قَالَ: كُنْتُ أَبِيتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَتَيْتُهُ بِوَضُوئِهِ وَحَاجَتِهِ فَقَالَ لِي:  سَلْ فَقُلْتُ أَسْأَلُكَ مُرَافَقَتَكَ فِي الْجَنَّةِ قَالَ أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ قُلْتُ هُوَ ذَاكَ قَالَ فَأَعِنِّي عَلَى نَفْسِكَ بِكَثْرَةِ السُّجُودِ   ))

[  رواه مسلم عَنْ رَبِيعَةُ بْنُ كَعْبٍ الْأَسْلَمِيُّ  ]


الجنة ليست مكاناً بل هي مقامٌ و لو أنها مكانٌ لدخلها كلُّ إنسان ولو كان مسيئاً:


 كنتُ أضرب هذا المثل، الملِكُ بإمكانه أن يسكن ابنه في أجمل قصر، وأن يعطيَه أجمل سيارة وأفخم طائرة وأغلى يختٍ، فهل بإمكان الملِك أن يجعل ابنه أستاذاً في الجامعة؟ نقول له: لا، هذه عليك لا عليه، ادرُس ونَلْ هذه الشهادة وأنا أفعل ذلك بعدها، يعني هناك شيء لا يتم إلا بجهد الإنسان، والجنة ليست مكاناً بل هي مقامٌ، ولو أنها مكانٌ لدخلها كلُّ إنسان، ولو كان مسيئاً، ولو أن النعيم في الجنة نعيمٌ ماديٌّ بحتٌ؛ طعام و شراب ليس غير، لدخلها كلُّ إنسان، ولكن الجنة مقام، بإمكانك أن تدخل إلى الجامعة، إذا كان الإنسان لا يقرأ ولا يكتب، الباب مفتوح، و الممرَّاتُ سالكة، وقاعة المحاضرات مفتوحة، ولك أن تجلس في أول مقعد، لكن هذا المقعد صف رابع رياضيات، صف رابع حقوق، صف رابع آداب أو ماجِستير أو دكتوراه، هذا المقعد لطالب درس سنوات طويلة جدّاً حتى استحقَّ أن يجلس في هذا المكان، حتى يفهم على هذا المدرِّس، وحتى يتفاعل معه، وحتى يستفيد من علمه، فقاعة المحاضرات مثلاً ليست مكاناً ولكنها مقامٌ لمن نال الثانوية، والصفَّ الأول والصف الثاني والرابع، والآن إذا جلس في هذا المكان وجاء الأستاذ وملأ السُّبورةَ سِيناً وعيناً وجيماً وجيب وتجيب، يستمتع ويستغرق، أما إذا أتيتَ بإنسان لا يقرأ ولا يكتب ووضعتْه في أول صف لا يستفيد شيئاً، فهذا المقعد في هذه القاعة؛ قاعة المحاضرات مكانٌ أم مقامٌ؟ مقام والجنة مقامٌ، ولو كانت مكاناً لدخلها كلُّ الناس، فلذلك النبيُّ الكريم قال لأصحابه: (فَأَعِنِّي عَلَى نَفْسِكَ بِكَثْرَةِ السُّجُودِ)


العاقل لا يُوصِل نفسَه مع الله إلى طريق مسدود:


 هناك جزء لا يستطيع أحد أن يفعله عنك؛ هو أن تتعرَّف إلى الله عز وجل، هو أن تصلِّي، هو أن تصوم، لذلك بعضُ العوام يقول: سقوط الصلاةَ، من جاء بهذا، إذاً كل إنسان يهمل الصلاة عند موته تُدفَع عنه صدقةٌ بسقوط الصلاة وسقوط الصيام وسقوط الحجِّ وانتهى الأمرُ، قال تعالى: 

﴿  وَأَنْ لَيْسَ لِلإِنْسَانِ إِلا مَا سَعَى(39)﴾

[ سورة النجم ]

 هذه الآية اعتمد عليها الإمام الشافعي، وجعلها أصلاً في أنه لا أحد يفعل عن أحد شيئاً، فلذلك قال تعالى: ﴿وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ﴾ أي دائماً العاقل لا يُوصِل نفسَه مع الله إلى طريق مسدود، لا يوصل نفسه مع الله إلى أن تنطبق عليه إحدى السنن.

 الإنسانُ في حياته الدنيوية أحياناً يقع في مخالفة ينص عليها القانون، فيستنجد بأقرب الناس له، ويكون إنسان له مكانة كبرى يقول: لا، هذه لا أستطيعها كُتِب الضبطُ، والمادة صريحةٌ والقانون ثابتٌ ولا مجال إطلاقاً، فأقربُ الناس له يتخلَّى عنه، وأقوى الناس يتخلى عنه، القضية صريحة، أنت ارتكبتَ المخالفة تنطبق عليك هذه المادة، والمادة صريحة والضبطُ واضح، ويصعب سحب الضبطِ، هذا في تعاملك مع بني البشر، فكيف مع الله عز وجل؟ 


على الإنسان أن يدرس القواعد القطعية الثابتة في تعامل الله مع عباده:


 الذي أتمنَّاه عليكم أن الإنسانَ يجب أن يدرس هذا القرآن، ويجب أن يدرس السنن الإلهية، القواعد القطعية الثابتة في تعامل الله مع عباده، ولْيجْهد أن لا يصل مع الله إلى أن تنطبق عليه إحدى هذه المواد، مثلاً: وهذا المثل أضربه كثيراً، إنسانٌ قتل وأُحيل إلى قاضي التحقيق، الجريمة ثابتة، وأُحيل لمحكمة الجنايات فحكمت عليه المحكمةُ بالقتل، بالإعدام، القرار رُفِع إلى محكمة النقض، ومحكمة النقض درست القرار ووجدتْ أن الأدلة صحيحة والحكم صحيح، فصدَّقتْه ورئيس الجمهورية صدَّق، وعُيِّن موعدٌ لتنفيذ حكم الإعدام، فهذا الذي أوصل نفسَه إلى أن تنطبق عليه إحدى مواد قانون العقوبات، قبل تنفيذ الحكم، إن شاء أن يضحك، وإن شاء أن يبكي، وأن يدعو وأن لا يدعو، وأن يترجَّى وأن لا يترجَّى، كلُّه سواء، فلا بدَّ من تنفيذ هذا الحكم، أي أنه أوصل نفسه إلى طريق مسدود، وربُّنا عزَّ وجل يقول: ﴿وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ﴾ أي قولي الثابت، وسُنَّتي الثابتة، والقاعدة المطلقة انطبقت عليهم، قال تعالى: ﴿وَأُوحِيَ إِلَى نُوحٍ أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلا مَنْ قَدْ آمَنَ﴾ انتهى، وقال تعالى:

﴿  وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيراً(16)﴾

[ سورة الإسراء ]

هذا الذي أتمناه أن يكون في علمكم.


آخرُ الآية التالية ينعطف على أوَّلها فيفسِّرها:


﴿وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ﴾ ما هو القول؟ آخرُ الآية ينعطف على أوَّلها فيفسِّرها، قال تعالى: ﴿أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الْأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ النَّاسَ كَانُوا بِآيَاتِنَا لَا يُوقِنُونَ﴾ متى وقع القولُ عليهم؟ حينما لم يؤمنوا بآياتنا، وحينما لم يوقنوا بآياتنا، وحينما استقرُّوا على أن لا يؤمنوا، والإنسانُ أحياناً قد لا يؤمن، لكن في نِيته أن يؤمن، قد لا يؤمن وهو متحفِّظٌ، وقد لا يؤمن وهو في تردُّد، لكن أحياناً يأخذ قراراً.


أجمع المفسرون أن المقصود بكلمة (آياتنا) ليست آيات القرآن الكريم:


 قال لي شخصٌ: ذهبتُ إلى البادية لأشتري بضاعة، صوف؛ وكنتُ جاهلاً حتى بقواعد الدين، فتلاعبْتُ بالميزان -هكذا قال لي- هذا الأعرابي شعر أن هناك فارقٌ كبير بين الوزن الذي ذكره له، وبين حقيقة هذه الكمِّية، فنبَّهه وحذَّره، وبعد أن غادرتُ المكانَ نشأ صراعٌ في نفسي، لماذا فعلت هذا؟ أأعود وأوضِّح له حقيقة الأمر وأطلب منه السماح، أم أمضي في سبيلي، ماذا أفعل؟ بقيتُ في صراع دقيق وعميق من مكان بيع هذه البضاعة إلى قرية قُرب دوما، في هذا المكان قلتُ لا بأس، وما أن قلتُ هذه الكلمة، حتى وجدت نفسي في الطريق وسط بركةٍ من الدِّماء، وقع حادثٌ والبضاعة تلاشت وتبعثرتْ ووقعت جريحاً.

 أنا أدركتُ من هذه القصة أن الإنسان مادام في أخذ وردٍّ وما دام متحفِّزاً وما دام في تردُّدٍ فإن الله عز وجل يعطيه مُهلةً، أما إذا أخذ قراراً، أما إذا استقرَّ على شيء لا يرضي الله عز وجل، أما إذا ركب رأسَه، أما إذا قال: وماذا سيكون؟ ليكُن ما يكون، فهذا وقع القول عليهم وانتهى، قال تعالى: 

﴿أَنَّ النَّاسَ كَانُوا بِآيَاتِنَا لَا يُوقِنُونَ﴾ أيَّةُ آيةٍ هذه؟ أجمع المفسرون على أنها ليست آيات القرآن الكريم، مطلق الآيات، الشمسُ آية، والقمر آيةٌ، وابنُك آية، والزوجة آيةٌ، كأسُ الماء آية، وكأس الحليب آية، والبيضة آية، وقطعة اللحم آية، والأزهار آية، والأشجار آية، والثمار آية، كلُّ شيء حولك آية، ينطق بكلمة التوحيد، فلذلك لمَّا يتجاهل الإنسان هذه الآيات ويعمى عنها أو لا يعبأُ بها أو يسخر منها، ويستقر على هذه الحال ويقول: فلْيكُن ما يكون، أنا أعرف هذه الدنيا، وما سوى الدنيا خيالٌ في خيالٍ، هؤلاء الماديُّون هكذا أفكارُهم، يقولون: عِشْ لحظتك، عِش في اللحظة التي أنت فيها، اِكسب المالَ دون أن تدقِّق، حرام حلال، والكلمة الشائعة كلمةُ إبليس: "حلالٌ على الشَّاطر"، هذه كلمةُ إبليس، حلالٌ إذا كان الشيءُ حلالاً فقط، فلذلك الإنسانُ تكلِّمه هذه الدابَّةُ أخرجناها لهم من الأرض. 


هناك آيات خارقة للعادات وآيات من ضمن قوانين الكون:


 قال تعالى: 

﴿تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ النَّاسَ كَانُوا بِآيَاتِنَا لَا يُوقِنُونَ﴾ لماذا خلق اللهُ هذا الكون؟ بهذه العظَمة؟ وبهذا الإعجاز؟ ولماذا سخَّره لنا؟ أتحبّ أن تعرف كيف خُلِقت؟ اُنظرْ إلى خلق ابنك، أتحب أن تعرف كيف يبدأ اللهُ الخلقَ؟ انظُر إلى دورة النبات، بذرة، وأحياناً الغرام الواحد فيه أربعمئة بذرة، البذرة فيها محفظة غذاء، رُشيم، والرُشيم لو كبَّرناه، نجد فيه سُوَيقاً وجُذَيراً، وفيه معلومات تقريباً بآلاف الملايين، هذا النبات عملاق، وهذا النباتُ مقزَّم، وهذا النباتُ باكوري، وهذا النبات يتأثَّر بالرطوبة والحرارة والبرودة، النباتُ كائنٌ حيٌّ له طبعٌ معيَّن، فكلُّ هذه المعلومات مودعةٌ في هذا البذرة، أتحبُّ أن ترى كيف يبدأ اللهٌ الخلقَ؟ انظُرْ إلى دورة النبات، بذرةٌ ينمو فيها هذا الرُشيم، ويأخذ غذاءه من هذه المحفظة إلى أن يملك جُذيْراً صغيراً مع أشعار ماصَّة إلى أن يستطيع أن يأخذ حاجته من التربة، عندئذ يستغني عن هذه المحفظة، وتكون قد انتهت أساساً، ينمو ويتبع الضوءَ والحرارة، ثم يُورِق، ثم يُزهِر، ثم يثمِر، ثم يصبح هشيماً تذروه الرياح، هذه دورة النبات، كلُّ شيء حولك آية، هذا الإنسان الجاهل الذي يمرُّ على هذه الآيات دون أن يعقلها ودون أن يقف عندها، إنسانٌ ضيَّع عمرَه سُدًى.

 إذاً: قوله تعالى: ﴿وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الْأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ النَّاسَ كَانُوا بِآيَاتِنَا﴾ عندنا آيات خارقة للعادات، وهناك آيات من ضمن قوانين الكون، فنزول المطر آيةٌ، لكنَّ الأمطار ليست خرقاً للعادات، وهبوب الرياح آية، والبحرُ آية، الجبالُ آيةٌ، والينابيعُ آيةٌ، والأنهار آيةٌ، والماءُ العذبُ الفراتٌ آيةٌ، والملح الأُجاج آية، هذه آياتٌ وفق مقتضى القوانين والسُّنن، أمَّا خروج الناقة من الجبل، هذه آيةٌ أيضاً. 


الآية التالية أساسها خرقٌ للعادات:


﴿ إِلَىٰ ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا ۗ قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَٰهٍ غَيْرُهُ ۖ قَدْ جَاءَتْكُم بَيِّنَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ ۖ هَٰذِهِ نَاقَةُ اللَّهِ لَكُمْ آيَةً ۖ فَذَرُوهَا تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللَّهِ ۖ وَلَا تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ(73)﴾

[ سورة الأعراف ]

 لكن هذه الآية أساسها خرقٌ للعادات، وأن يصبح البحرُ طريقاً يبَساً هذه آية، ولكن أساسُها خرقٌ للعادات، أن يكون السيِّدُ المسيحُ من دون أبٍ هذه آيةٌ، ولكن أساسها أنَّها خرقٌ للعادات، فهناك الآيات التي هي وِفقَ العادات، وآيات تُعدُّ خرقاً للعادات، إذا كذَّب الإنسانُ بالآيات المألوفة وربَّما كان الكونُ بحالته الراهنة، بحالته التي هي وفق السنن أبلغُ في الموعظة والاستنباط ممَّا لو كان في حالة أخرى، لذلك قيل: "حسبكم الكون معجزة" هذه الآياتُ الصارخة الدالة على عظمة الله إذا لم يعبأ بها الناس، وما فكَّروا فيها وتجاهلوها وعدُّوها شيئاً من عاداتهم، يأتي الليلُ، ويأتي النهارُ، وتشرق الشمسُ، وتغيب الشمس، يأتي الصَّيفُ، ويأتي الربيع والخريف والشِّتاءُ، تظهر هذه النباتات في الربيع، والأشجار المثمرة تعطي هذه الثمار اليانعة، نشتريها ونأكلها، شيءٌ طبيعيٌّ مألوف، ونشرب هذا الماء العذبَ كأنه شيءٌ مألوفٌ جدّاً، هذا الماء كان ملحاً أُجاجاً فكيف أصبح عذباً فراتاً؟ 

 هذا الذي يشرب الماء ويأكل ويتنزَّه ويستمتع بالطبيعة ويقول: اليوم ليلة قمر وهذه أيام زهر، الاستمتاع بالطبيعة من دون التأمُّل بالذي أوجدها، بالذي أبدعها، بالذي خلقها، بالذي كوَّنها، بهذا الإله العظيم، هذا هو الجهلُ بعينه، فإذا بلغ الإنسان هذا المستوى إن هم كالأنعام، وربُّنا عز وجل قال:

﴿  أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلا كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلا (44)﴾

[ سورة الفرقان ]


وصف لمن تستهلكه الحياة وهو كالآلة ثم يأتي الموت عليه فيخسر كل شيء:


 قال تعالى: 

﴿ مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا ۚ بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ ۚ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (5)﴾

[  سورة الجمعة  ]

 وقال تعالى:

﴿ وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ ۖ وَإِن يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ ۖ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُّسَنَّدَةٌ ۖ يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ ۚ هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ ۚ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ ۖ أَنَّىٰ يُؤْفَكُونَ (4)﴾

[  سورة المنافقون  ]

 وقال تعالى:

﴿  كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُسْتَنْفِرَةٌ(50)﴾

[ سورة المدثر ]

 الله عز وجل يقول: خلقت لك السماوات والأرض ولم أعيَ بخلقهن أفيعييني رغيفٌ أسوقه لك كلَّ حين، لي عليك فريضة ولك عليَّ رزق، فإذا خالفتني في فريضتي لم أخالفك في رزقك وعِزَّتي وجلالي إن لم ترض بِما قسَمْتُهُ لك، فلأُسلِطَنَّ عليك الدنيا تركضُ ركْض الوحش في البريّة، ثمَّ لا ينالك منها إلا ما قسمْتُهُ لك منها ولا أُبالي، وكنتَ عندي مَذْموماً. 

 قال تعالى: ﴿كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُسْتَنْفِرَةٌ﴾ الحياةُ استهلكتْه، وهو قطعةٌ في آلة يعمل بلا هدف ليلاً ونهاراً، ويجمع الأموالَ فإذا جاء الموتُ خسر كلَّ شيء في ثانية واحدة. 


الحديث الذي تحدِّثهم إياه الدابة أن الناسَ انغمسوا إلى قمَّة رأسهم بالشهوات:


 إذاً إذا كفر الناسُ ولم يوقنوا بآيات اللهِ الدالَّة على عظمته عندئذٍ لا بدَّ لهم من آيات تُعدُّ خرقاً لقوانين الكون ﴿أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الْأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ النَّاسَ كَانُوا بِآيَاتِنَا﴾ بآياتنا الطبيعية ﴿لَا يُوقِنُونَ﴾ .

 أمَّا حديث الدابة فليس في كتاب الله ما يعطي تفصيلات لهذه الآية، هذه الآيةُ عدَّها العلماءُ من أشراط الساعة، وهناك أحاديث كثيرةٌ فيها تفصيلات لهذه الدابة ولكنَّها أحاديث ضعيفة، لذلك معظم المفسِّرين ترفَّعوا عن أن يوردوا هذه الأحاديث الضعيفة المتعلِّقة بهذه الدابَّة، وعلى كلٍّ هذه الدابة حينما تظهر -إذا كتب اللهُ لنا عمُراً- نرى ما هي الدابة، وإلا فعلمُها عند ربي. قال تعالى:

﴿وَإِذَا وَقَعَ الْقَولُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الْأَرْضِ﴾ الدابة من الأرض، ومن للتبعيض، أي أن مكوِّناتِها من الأرض، وهذه الدابة تكلِّمهم وتحدِّثهم، وحديثهم ﴿أَنَّ النَّاسَ كَانُوا بِآيَاتِنَا لَا يُوقِنُونَ﴾ أي الحديث الذي تحدِّثهم هذه الدابة أن الناسَ انغمسوا إلى قمَّة رأسهم بالشهوات، وفي الحديث:

((  إِذَا كَانَ أُمَرَاؤُكُمْ خِيَارَكُمْ وَأَغْنِيَاؤُكُمْ سُمَحَاءَكُمْ وَأُمُورُكُمْ شُورَى بَيْنَكُمْ فَظَهْرُ الأَرْضِ خَيْرٌ لَكُمْ مِنْ بَطْنِهَا وَإِذَا كَانَ أُمَرَاؤُكُمْ شِرَارَكُمْ وَأَغْنِيَاؤُكُمْ بُخَلَاءَكُمْ وَأُمُورُكُمْ إِلَى نِسَائِكُمْ فَبَطْنُ الأَرْضِ خَيْرٌ لَكُمْ مِنْ ظَهْرِهَا. ))

[  رواه الترمذي عَنْ أبي هريرة بسند ضعيف ]


ذكر من السنة الشريفة لبعض علامات قيام الساعة:


 إذاً هناك أزمانٌ صعبة، يوم يذوب قلب المؤمن في جوفه مما يرى ولا يستطيع أن يغيِّرَ، قال عليه الصلاة و السلام: 

(( كيف بكمْ أيُّها النَّاسُ إذا طَغى نِساؤُكم، وفسَقَ فِتيانُكم؟ قالوا: يا رسولَ اللهِ، إنَّ هذا لَكائنٌ؟ قال: نعمْ، وأشَدُّ منه، كيف بكم إذا تَركتُمُ الأمْرَ بالمعروفِ والنَّهيَ عن المُنكَرِ؟ قالوا: يا رسولَ اللهِ، إنَّ هذا لَكائنٌ؟ قال: نعمْ، وأشَدُّ منه، كيف بكم إذا رأيتُمُ المُنكَرَ مَعروفًا والمعروفَ مُنكَرًا؟ ))

[ الطبراني في الأوسط وفيه ضعف ]

 كيف بكم إذا ضُيِّعت الأمانةُ؟ إذا ضُيِّعت الأمانة فانتظر الساعة، أحاديث الساعة كثيرة، قال عليه الصلاة و السلام: 

((  يوم يكون المطرُ قيظاً والولدُ غيظاً ويفيض اللِّئامُ فيضاً ويغيض الكرامُ غيضاً  ))

[  رواه ابن أبي الدنيا عن أبي هريرة وهو ضعيف ]

 فانتظر الساعة، قَالَ:

((  أَخْبِرْنِي عَنْ السَّاعَةِ قَالَ مَا الْمَسْئُولُ عَنْهَا بِأَعْلَمَ مِنْ السَّائِلِ قَالَ فَأَخْبِرْنِي عَنْ أَمَارَتِهَا قَالَ أَنْ تَلِدَ الأَمَةُ رَبَّتَهَا وَأَنْ تَرَى الْحُفَاةَ الْعُرَاةَ الْعَالَةَ رِعَاءَ الشَّاءِ يَتَطَاوَلُونَ فِي الْبُنْيَانِ  ))

[  رواه مسلم ]

 من علامات قيام الساعة أن يكثر الشجرُ، ويقلَّ الثمرُ، ويعُقُّ الرجلُ أباه، ويبرُّ صديقَه، تجدُه مع أصدقائه في منتهى اللُّطف، ومع والديه في منتهى العنف والقسوة، هذه من علامات الساعة، فلذلك حينما ينغمس الناسُ في شهواتهم ولا يرون إلا الشهوات ويسعوْن لها سعياً حثيثاً، وحينما تشغل هذه الشَّهوات كلَّ ساحة نفوسهم، وحينما تصبح قيمة الإنسان ما عنده من مالٍ، كما قال سيِّدُنا عليٌّ: "يأتي على الناس زمانٌ قيمةُ المرء متاعُه"، يستمدُّ شخصيتَه من بيته وأثاث بيته ومن ثيابه ومن مركبته فقط، قيمته الاجتماعية فيما يملك، لا فيما يعمل من الصالحات، لا فيما يعلم، فيما يملك، هذه كلُّها من علامات الساعة، فإذا بلغوا هذا المستوى انجرفوا نحو المادة، والمادةُ أعمتْ أبصارَهم، استحوذت على قلوبهم، ما رأوا غيرَ المادة، وفعلوا كلَّ شيء من أجل شهواتهم، وداسوا بأقدامهم على قِيَمهم، باعوا دينَهم بعرضٍ من الدنيا قليل، باعوا القيم التي جاء بها الإسلام بأبخس الأثمان، فعندئذٍ وقع القولُ عليهم، وعندئذ: ﴿أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الْأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ النَّاسَ كَانُوا بِآيَاتِنَا لَا يُوقِنُونَ﴾ .


فطرتُك السليمة تقتضي أن تؤمن فإن لم تؤمن فأنت قد خالفتَ الفطرةَ وتكلّفتَ ما لا تطيق:


﴿ وَيَوْمَ نَحْشُرُ مِن كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجًا مِّمَّن يُكَذِّبُ بِآيَاتِنَا فَهُمْ يُوزَعُونَ (83)﴾

[ سورة النمل ]

 الفوجُ الجماعةُ، ﴿مِمَّنْ يُكَذِّبُ بِآيَاتِنَا فَهُمْ يُوزَعُونَ﴾ أي هناك حاجزٌ يُوقَفون ويُسأَلون لماذا كذَّبتم؟ لذلك اللهُ عزَّ وجل يقول في حقِّ هؤلاء حينما يخاطبون ربَّهم:

﴿  ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلا أَنْ قَالُوا وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ (23)﴾

[ سورة الأنعام ]

 يقول اللهُ عز وجل:

﴿  انْظُرْ كَيْفَ كَذَبُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ(24)﴾

[ سورة الأنعام ]

 فطرتُك السليمة تقتضي أن تؤمن، فإذا لم تؤمن فأنت قد خالفتَ الفطرةَ، أنتَ تكلّفتَ ما لا تطيق. 


وقوف العتاة والمضللين يوم القيامة ليُسألوا هل فهمتم فحوى كتاب الله تعالى:


 قال تعالى: 

﴿وَيَوْمَ نَحْشُرُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجاً﴾ يبدو أن هؤلاء المكذِّبين، هؤلاء العُتاة، هؤلاء المُضلِّلين، هؤلاء الذين أرادوا أن يطفئوا نورَ الله بأفواههم، هؤلاء الذين تزعَّموا حملةً ضدَّ الدين، هؤلاء ﴿وَيَوْمَ نَحْشُرُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجاً مِمَّنْ يُكَذِّبُ بِآيَاتِنَا فَهُمْ يُوزَعُونَ﴾ يُوقفون ليُسألوا. 

﴿  حَتَّى إِذَا جَاءُوا قَالَ أَكَذَّبْتُمْ بِآيَاتِي وَلَمْ تُحِيطُوا بِهَا عِلْماً أَمْ مَاذَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ(84)﴾

[ سورة النمل ]

 لا أدري كيف أمثِّل هذه المثل، أيُعقل أن يأتيَك كتابٌ، أو أن تأتيك رسالةٌ مختومة قبل أن تفتحها، وقبل أن تقرأها، وقبل أن تعرف من المرسِل، وقبل أن تعرف فحوى هذه الرسالة، وهي مُغلَقة، ومختومة، لا تعرف لا فحواها ولا مرسِلَها، تقول: هذه كذبٌ، هذا الموقف هل هو منطقي، أيفعله عاقلٌ على وجه الأرض؟ هذا الكتابُ القرآن الكريم، خطاب الله لهذا الإنسان، قبل أن تقرأه، وقبل أن تفهمه، وقبل أن تعقلَه، وقبل أن تسأل عنه أهلَ الذِّكر، وقبل أن تفهم تأويلَه، وقبل أن ترى مراد الله منه، وقبل أن تقف عند أحكامه، وعند وعده، وعند وعيده، وعند بشائره، وعند إنذاراته، وعند آياته، وعند أخباره، وعند جنَّته وعند ناره، قبل أن تقرأ كلَّ شيء تقول: هذا أساطير الأولين، هذه مغيَّباتٌ، هذا ما وراء الطبيعة، أريد الواقع وأريد الشيءَ الملموس، أريد أن أحيا بكلِّ جوارحي وبكلِّ حاجاتي وبكلِّ شهواتي، هذا كلام الناس، هذه مغيِّباتٌ، دعْك منها. 


الشيءُ الذي لا يُحتمَل أن يكذِّب الإنسانُ ويستخِفَّ ويسخر وهو لا يعلم:


 الشيء الذي أتألَّم منه أنَّ كثيراً من الناس قبل أن يستوعبوا الدِّين، وقبل أن يفهموا هذا الكلامَ العظيم، وقبل أن يقفوا عند سُنة سيد المرسلين، يكذِّبون بهذا الدين، أو يتعلَّقون بالخلافيات، يعني أشياء صغيرةٌ جدّاً لا تقدِّم ولا تؤخِّر، وليست عقباتٍ في طريق الإيمان يتعلَّقون بها، وينفخون فيها، ويكبِّرونها، وينقسمون، ويتحزَّبون، ويتناقشون، ويتصارعون، ويتَّهم بعضُهم بعضاً بالكفر، من أجل قشور في الأشياء الفرعية جدّاً، قبل أن تدخل في هذه الخلافيات، وفي هذه الجزئيات، وفي هذه الفرعيات اِفهمْ لُبَّ الدين، واعكف على هذا القرآن، وتعلَّمْ آياته، وافهمْ مرادَ الله منه، وتعلَّم سنةَ النبيِّ، وادرُس العقيدةَ الصحيحة، هذا العملُ مقدَّمٌ على البحث في الخلافيات، وكثيراً ما ترى مسلماً ما قولك بهذا الموضوع؟ أنت لم ترَ من الإسلام شيئاً يستحقُّ المناقشة إلا هذا الموضوع، هل درستَ صلب الدين؟ وجوهر الدين؟ وهل درستَ هذا الكتاب الكريم؟ ما توافر عليه، هذا هو الشيءُ الذي لا يُحتمَل، أن يكذِّب الإنسانُ أو أن يستخِفَّ أو أن يسخر وهو لا يعلم، تماماً كما لو جاءك خطابٌ مُغلَقٌ قبل أن تفتحه، وقبل أن تقرأ مَنْ المرسِل؟ وقبل أن ترى التوقيع، وقبل أن ترى فحوى الرسالة، تقول: هذا كلام فارغ، هذا الذي لا يقرأ القرآن ولا يفهمه ويترفَّع عنه ويقول: هذا كلام الأوَّلين لا يصلُح لهذا الزمان، نحن في زمن العلم، وزمن التَّقدُّم والحضارة، زمن الكمبيوتر، زمن التصنيع والآلة، هذا كلام للصحراء، هكذا يقول بعضُ المسلمين المتفرنِجين المستغربين طبعاً، هؤلاء يوم القيامة يُقال لهم: 

﴿أَكَذَّبْتُمْ بِآيَاتِي وَلَمْ تُحِيطُوا بِهَا عِلْماً أَمْ مَاذَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ لماذا كذَّبتم؟ أدرستم وتحقَّقتم وتأمَّلتم ودقَّقتم وبحثتم ورأيتم الأدلة. 


على الإنسان أن يسألْ نفسَه: أنا ماذا أعمل في الدنيا ؟ وماذا قدَّمتُ لله عز وجل ؟


 قال تعالى: 

﴿أَكَذَّبْتُمْ بِآيَاتِي وَلَمْ تُحِيطُوا بِهَا عِلْماً أَمْ مَاذَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ ما العمل الذي كان عندكم مُفضَّلاً على هذا العمل؟ إذا أرسلنا طالباً للدراسة إلى دولة أجنبية، ووعدناه بمنصب رفيع جدّاً وبدخلٍ خياليٍّ، فلما سألناه ماذا كنتَ تعمل؟ قال لك: أنا لستُ متفرِّغاً للدراسة، إذاً أنت فارغٌ لماذا؟ ما هو العمل الذي فضَّلتَه على الدراسة وأنت مبعوثٌ للدراسة؟ 

﴿أَمْ مَاذَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ كلمةٌ دقيقة جدّاً، قال تعالى: ﴿أَمْ مَاذَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ اسألْ نفسَك هذا السؤالَ، أنا ماذا أعمل في الدنيا؟ قد تعمل عملاً لا طائل منه، ولا فائدةَ منه، أنا في الدنيا ماذا أعمل؟ ماذا قدَّمتُ لله عز وجل؟ ماذا أعددت للقاء الله عز وجل؟ وهو يقول لك: لقد رزقتُك أولاداً وعلَّمتك صنعةً ورُزِقت منها رزقاً وفيراً، ماذا فعلتَ؟ هذه الليالي الطويلة في الشتاء في ماذا أمضيتها؟ في لعبة النرد، في متابعة المسلسلات، ماذا فعلتَ في هذه السهرات الطويلة؟ ماذا فعلتَ في هذه الأيام الطويلة؟ ماذا فعلتَ في الصيف؟ ماذا فعلتَ في الشتاء؟ وماذا فعلت في الربيع؟ وماذا فعلت في الخريف؟ ماذا فعلت بزوجتك؟ لماذا لم توَجِهها إلى الله عز وجل؟ ولِمَاذا تركتَها وشأنَها هكذا تفعل ما تشاء وتفتن الناسَ في الطريق؟ وابنتُك لماذا لم تمنعها من هذا العمل؟ أتحبُّ أن تقف الابنةُ يوم القيامة وتقول: يا رب لا أدخل النارَ حتى يدخل أبي قبلي. 


الدينُ فيه حقائق خطيرة جدّاً لأن مصير الإنسان في الدين:


﴿أَمْ مَاذَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ ماذا تفعل، تعلَّمتَ الطبَّ، لماذا تعلَّمت الطبَّ؟ أخدمتَ به المسلمين ونصحتهم؟ تعلَّمت المحاماة؟ أدافعت عن المظلوم فيهم؟ كنت موظَّفاً هل خدمتَ الناسَ؟ كنت بائعاً أنصحتهم في بضاعتك؟ كنت عالماً أبذلتَ علمك أم كتمتَه؟ ماذا فعلتَ؟ هذا سؤالٌ دقيق، ماذا فعلتَ في حقِّ الله عز وجل؟ مَن أعطيت لله ومن منعتَ لله؟ هذا أخطرُ سؤالٍ: 

(( عن عبد الله بن المسور: أن رجلا أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا رسول الله علمني من غرائب العلم قال: "ما فعلت في رأس العلم فتطلب الغرائب؟" قال: وما رأس العلم؟ قال: "هل عرفت الرب؟" قال: نعم، قال: "فما صنعت في حقه؟" قال: ما شاء الله. قال: "عرفت الموت؟" قال: نعم، قال: "ما أعددت له؟" قال: ما شاء الله. قال: "انطلق فاحكم هاهنا ثم تعال أعلمك من غرائب العلم ." ))

[ سنن النسائي ]

بعض اللَّفتات الحلوة، قضية طُرَف، لأن من الناس من يريد درساً ممتِعاً، فيه طُرَفٌ، يقول والله استمتعنا كثيراً بهذا الدرس، والدين ليس طُرفاً، الدين حقائق تُبكِي، قال تعالى:

﴿  أَفَمِنْ هَذَا الْحَدِيثِ تَعْجَبُونَ(59) وَتَضْحَكُونَ وَلا تَبْكُونَ(60) وَأَنْتُمْ سَامِدُونَ(61) فَاسْجُدُوا لِلَّهِ وَاعْبُدُوا(62)﴾

[ سورة النجم ]

 الدينُ فيه حقائق خطيرة جدّاً، مصيرك في الدين، فلذلك هذا الأعرابي قال: (يا رسول الله علِّمني من غرائب العلم) ، فقال عليه الصلاة والسلام ـ و قد عرف أنه إنسان تافهٌ ـ قال: (ما فعلت في رأس العلم فتطلب الغرائب؟" قال: وما رأس العلم؟ قال: "هل عرفت الرب؟) ، أعرفتَ الآمرَ؟ أعرفت الخالقَ؟ أعرفت الموجِدَ؟ أعرفت المسَّيِّرَ؟ أعرفت المكوِّن؟ أعرفت المنظِّم؟ أعرفت هذا الربَّ الرحيم؟ أعرفت حكمتَه؟ أعرفت علمه؟ أعرفت قدرته؟ أعرفت عدالته؟ (قال: ما فعلت في رأس العلم فتطلب الغرائب؟" قال: وما رأس العلم؟ قال: "هل عرفت الرب؟ قال: نعم، قال: "فما صنعت في حقه؟" قال: ما شاء الله) ماذا فعلت؟ 


لا بدَّ من عمل عظيم يعِدُّه الإنسان لساعة لقاء ربه:


﴿أَمْ مَاذَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ واللهِ هذه الآية تكفينا، ماذا كنت تعمل في الدنيا؟ أنشأتَ بيتاً فخماً وزيِّنته بأحدث زينة، هذه مهمَّتُك؟ تاجرتَ تجارة رابحةً وحصَّلت منها الملايين، هكذا، أنا بعثتك إلى الدنيا لهذا الهدف فقط؟ أن تجمع المالَ؟ أن تعيش فقيراً لتموت غنيّاً؟ ﴿أَمْ مَاذَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ قال: هل عرفت الموت؟ قال: ما شاء الله، قال: وماذا أعددتَ له؟ سؤالان؛ إذا قلتَ لي عرفتُ اللهَ، أقول لك ماذا صنعت في حقِّه؟ ماذا أعطيت؟ ماذا بذلت من أجله؟ ماذا أعطيت وماذا منعتَ؟ من صادقت ومَن عاديت؟ من وصلت ومن قطعتَ؟ في أيِّ مكان حضرت؟ هل حضرت مجالس العلم؟ هل تعلَّمت كتاب الله؟ هل كنت وقَّافاً عند حدود الله؟ وإذا قلت لي عرفت الموت، أقول لك: ما أعددت للموت؟ لا بدَّ من عمل عظيم تعِدُّه لهذه الساعة، يا ربي لقد فعلتُ كذا وكذا من أجلك، لذلك قال تعالى: 

﴿  وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ (22( إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ(23)﴾

[ سورة القيامة ]

 تنظر إلى الله عز وجل، وجوه متألِّقة، وقال تعالى:

﴿  وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ عَلَيْهَا غَبَرَةٌ(40) تَرْهَقُهَا قَتَرَةٌ(41) أُولَئِكَ هُمُ الْكَفَرَةُ الْفَجَرَةُ(42)  ﴾

[ سورة عبس ]


حكم اللهِ قطعيٌّ لا يقبل المراجعة ولا الاستئناف ولا النقض:


 وقع القول عليهم بما ظلموا، استحقوا العقابَ، صدر حكمٌ قطعي، وحكمُ الله عز وجل لا يقبل المراجعة ولا الاستئنافَ ولا النقض، هناك آيةٌ تؤكِّد ذلك: 

﴿ أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا ۚ وَاللَّهُ يَحْكُمُ لَا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ ۚ وَهُوَ سَرِيعُ الْحِسَابِ (41)﴾

[ سورة الرعد ]

 أما قاضي الاستئناف يحكم، ويقول: باسم الشعب السوري قررنا ما يلي، ويأتي مَن حُكِم عليه بهذا الحكم ويرفع استدعاءً لمحكمة النقض ويُنقَض هذا الحكمُ، لكن ﴿وَاللَّهُ يَحْكُمُ لا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ﴾ حكم اللهِ قطعيٌّ، قال تعالى:

﴿  وَوَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ بِمَا ظَلَمُوا فَهُمْ لَا يَنْطِقُونَ(85)﴾

[ سورة النمل ]

 أحيانا سكوت المتَّهم أبلغ من كلامه، يسكت ﴿وَوَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ بِمَا ظَلَمُوا فَهُمْ لَا يَنْطِقُونَ﴾ الآن جاء السببُ، لماذا كنتم عن آياتي غافلين؟ 


من آيات الله عز وجل أنه جعل النهار معاشاً والليل سكناً:


﴿ أَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا اللَّيْلَ لِيَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهَارَ مُبْصِراً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ(86)﴾

[ سورة النمل ]

 هذا الليل، قال تعالى:

﴿ فَالِقُ الْإِصْبَاحِ وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَنًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْبَانًا ۚ ذَٰلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ(96)﴾

[ سورة الأنعام ]

 قال تعالى:

﴿  وَجَعَلْنَا النَّهَارَ مَعَاشاً(11)﴾

[ سورة النبأ ]

 النهار معاش والليل سكنٌ، آية الليل والنهار، مَن جعل هذه الأرض تدور حول نفسها؟ ومن خلق الشمسَ؟ ولو أُلقِيت الأرضُ في الشمس لتبخَّرتْ في ثانية واحدة، في جوف الشمس حرارةٌ تزيد عن عشرين مليون درجة، وفي سطحها ستة آلاف درجة، وطول ألسنة اللَّهب مليون كيلو متراً، وعمر هذه الشمس منذ خمسة آلاف مليون عاماً، ويُحتمَل أن تستمرَّ في هذا الوهْج والحرارة إلى خمسين مليون سنة قادمة، لا تخبو وهذا الوقود لا ينفد، وهذه الطاقة لا تنتهي، فمَن يُمدُّها باستمرار؟ شمس وأرض تدور حول نفسها ليلاً ونهاراً، ولو دارت بشكل مغاير لما كانت هناك حياة، لأن مستوى الدوران مع مستوى دورتها حول الشمس، ولبقي الليلُ دائماً والنهار دائماً، بالنهار ثلاثمئة وخمسون درجة، وفي الليل مئتان وخمسون تحت الصفر، فلا حياة، ولو أنها هكذا تدور بمحور عمودي مع مستوى الدوران، لما وجدت الفصولُ الأربعة، ولا النباتات، فمن جعل هذا المحورَ مائلاً؟ فصار ثمَّة أشعة عمودية هنا، ومائلة هنا، هنا صيف، وهنا شتاء، وانعكستْ الآية هنا شتاء وهنا صيف، من جعل هذه الفصول تتبدَّل؟ هذه آية الله عز وجل. 


من يطمئن في الدنيا اطمئناناً ساذجاً أبلهَاً لا بدَّ من أن يفزع يوم القيامة:


 قال تعالى: 

﴿أَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا اللَّيْلَ لِيَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهَارَ مُبْصِراً﴾ الليل سكنٌ، والأعصابُ ترتاح، من نظَّم آلية النوم أساساً؟ تجد سيارةً قيمتها ثلاثة ملايين، أربعة ملايين محطمة، نام سائقها، والنومُ سلطان، تتباعد الخلايا العصبية، فالسيّالة تنقطع نام الإنسان، فإذا نام وهو يقود السيارةَ، يُذهِب السيارة ويذهِب نفسَه معها، مَن جعل هذا النومَ ترتاح أعصابُك به؟ اُدخُلْ إلى غابة في الليل ترتعد فرائصك خوفاً، في النهار شيءٌ مُؤنِسٌ، والنهار مؤنِس، والليل مُخيف فيه ظلام وفيه مجهول، وراء كل أكمة تخاف، في النهار ترتاح، والنبيُّ الكريم يقول:

((  سبحان الله ! أين الليل إذا جاء النهارُ؟ ))

[ شرح الجامع الصغير  ]

 في الليل خائف، والطريق موحش، الشمس أشرقت، دخل الأُنسُ إلى قلبك، هذه آية من آيات الله عز وجل، قال تعالى: 

﴿أَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا اللَّيْلَ لِيَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهَارَ مُبْصِراً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ﴾ هذه آيات دالَّة على عظمة الله عزَّ وجل.

﴿  وَيَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَفَزِعَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ وَكُلٌّ أَتَوْهُ دَاخِرِينَ(87)﴾

[ سورة النمل ]

 لا بدَّ من أن تفزع، إما أن تفزع في الدنيا فربُّنا يوم القيامة يستثنيك من الفزع الأكبر، وإما أن تطمئن في الدنيا ولا بدَّ من أن يفزع هذا الذي اطمأنَّ في الدنيا اطمئناناً ساذجاً، أو اطمئناناً أبلهاً، الذي يطمئن في الدنيا اطمئناناً ساذجاً أو أبلهَاً لا بدَّ من أن يفزع يوم القيامة.


يوم القيامة نفختان في الصور نفخة تصعق ونفخة تحيي:


 ﴿وَيَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ﴾ هناك نفختان؛ نفخة تصعق النفوس، ونفخةٌ تحيي الموتى، يوم القيامة نفختان في الصور؛ نفخة تصعق، ونفخة تحيي، قال تعالى: 

﴿ وَيَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَفَزِعَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ﴾ هؤلاء الذين حُكِم عليهم بالإعدام عندما يُوضع مفتاحُ الباب في القفل عندهم ليُقدَّم لهم الطعامُ ينخلع قلبُهم يظنون أنهم قد جاءوا ليعدموهم، تجد أعصابهم منهارةً، هم جاؤوا ليطعموهم لا ليعدموهم، هذا حالُ أهل النار.

﴿وَيَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَفَزِعَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ﴾ هؤلاء الذين عرفوه في الرخاء، عرفوه وهم شبابٌ، عرفوه وهم في حالة من اليسر، عرفوه في أوْج قوَّتهم، عرفوه في الدنيا، خافوا منه والناس نيام، أطاعوه والناس في المعصية، صلَّوْا في الليل والناس مع من يحبُّون، ألم تقل رابعةُ مرَةً: "يا رب قد أغلقت الملوك أبوابها وآوى كلُّ أليف إلى أليفه، ولم يبقَ إلا بابك"، الناسُ ينامون ويسمرون ويتحدَّثون ويأكلون ويشربون ويتنزَّهون، والمؤمن قلقٌ يخشى أن لا يكون الله عنه راضياً، لا يطمئنُّ المؤمن إلا برضاء الله عز وجل، هذا القلق المقدَّس المستمرُّ، هذا الذي يسمح لك يوم الفزع الأكبر أن تكون مطمئناً، لذلك 

((  وعزتي وجلالي لا أجمع على عبدي خوفين ولا أمنين، إذا خافني في الدنيا أمنته يوم القيامة، وإذا أمنني في الدنيا أخفته يوم القيامة. ))

[  ابن حبان في صحيحه عن أبي هريرة ]

 ومن حاسب نفسه في الدنيا حساباً عسيراً كان حسابُه يوم القيامة يسيراً، ومن حاسب نفسه في الدنيا حساباً يسيراً كان حسابه في الآخرة عسيراً؛ كلمة لا تأبه، ولا تدقِّق؛ هذه كلمة المنافقين، وكلمة الكُسالى، وكلمة السُّذج الأغبياء. 


أدلة من القرآن الكريم على أن الجنة محضُ فضلٍ والنارُ محضُ عدلٍ:


 قال تعالى: 

﴿  فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ(92) عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ(93)﴾

[ سورة الحجر ]

﴿ فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ(7) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ(8)﴾

[ سورة الزلزلة ]

﴿ أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ إِذَا فَرِيقٌ مِّنْهُمْ يَخْشَوْنَ النَّاسَ كَخَشْيَةِ اللَّهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً ۚ وَقَالُوا رَبَّنَا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتَالَ لَوْلَا أَخَّرْتَنَا إِلَىٰ أَجَلٍ قَرِيبٍ ۗ قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ لِّمَنِ اتَّقَىٰ وَلَا تُظْلَمُونَ فَتِيلًا (77)﴾

[ سورة النساء ]

﴿ وَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَٰئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ نَقِيرًا (124)﴾

[ سورة النساء ]

﴿ وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ (47)﴾

[ سورة الأنبياء ]

 عدل، الجنة محضُ فضلٍ والنارُ محضُ عدلٍ. 


الإنسان في الدنيا قد يقوى بجماعته وبمن يلوذ بهم ولكن يوم القيامة يأتي ربَّه فرداً:


﴿وَكُلٌّ أَتَوْهُ دَاخِرِينَ﴾ أي خاضعين، والإنسان في الدنيا قد يقوى بجماعته وبترتيبه وبعشيرته وبأصدقائه وبمن يلوذ بهم، ولكن يوم القيامة يأتي الإنسانُ ربَّه فرداً.

 الآن في القرآن الكريم هناك أشياء رائعة جدّاً، لو إنسانٌ يعاصر النبيَّ عليه الصلاة والسلام وسمع أن الجبال تمرُّ مرَّ السحاب، كيف يصدِّق ذلك؟ الجبل راسخٌ في مكانه، مع أن الجبل يتحرَّك، والآن شيء بديهي جدّاً، الأرض تدور حول نفسها بسرعة تزيد عن ألف وستمئة كيلو متراً في الساعة، والطائرات السياحية للسفر سرعتها ألف في الساعة، ساعتان من دمشق إلى جدة، لا بدَّ لها من أربعة أيام بالسيارة، وأشهر طويلة على الأقدام، فهذه الطائرة تقطع تقريباً تسعمئة إلى ألف كيلو متراً في الساعة، الأرض تدور حول نفسها بسرعة تزيد عن ألف وستمئة كيلو متراً في الساعة، ومعها الجبال طبعاً، أما دورتها حول الشمس فثلاثون كيلو متراً في الثانية، منذ وصلنا وحتى الآن مضى خمسون دقيقة، خمسون ضرب ستين؛ ستة في خمسة: ثلاثون، ثلاثة آلاف ثانية في ثلاثة آلاف ثانية، وفي كل ثانية ثلاثون كيلو متر، ثلاثة آلاف وثلاثة آلاف، ثلاثة آلاف في ثلاثين رقم كبير، الأرض قطعت هذه المسافة منذ أن قلتُ بسم الله الرحمن الرحيم إلى الآن، أبداً، شيء بديهي جدّاً، هذه أشياء بديهية لا داعي للمناقشة، الأرضُ تقطع في الفضاء الخارجي في دورتها حول الشمس في كل ثانية ثلاثين كيلو متراً، خمسين في ثلاثين: الرقم كبيرٌ جدّاً، لذلك اللهُ عز وجل قال:

﴿ وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ ۚ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ ۚ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ (88)﴾

[ سورة النمل ]

 جبل قاسيون واقف، لا، وهي تمرُّ مرَّ السحاب، قال: مر السحاب هذا تشبيه، وجهُ الشبه في انعدام الصوت، محرك صغير لضخِّ المياه يعكِّر على المتنزِّه نزهتَه، طائرة صغيرةٌ تملأ الفضاءَ ضجيجاً وصخباً، وسكانُ المناطق التي هي قُربَ المطارات يُصابون بصممٍ جزئي من أصوات الطائرات، مرور السحاب وهو يحمل سبعة آلاف طناً، دون صوت، يمر بسرعة، حوالي مئة في الساعة، مئة كيلو متراً في الساعة، من هذه السرعة يعرفون مجيء المنخفض، والآن فوق قبرص وفي اتِّجاه الشرق الأوسط، وهكذا. 


إذا قرأت هذه الآية ولم تكن مطَّلعاً على حقيقة الأرض قد تظنُّ أنها من آيات يوم القيامة:


 إذاً اللهُ عز وجل يقول: ﴿وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ﴾ هذه الآياتُ لو فكروا فيها لما وقع القول عليهم، وإذا لم يقع القول عليهم ما أخرج اللهُ لهم دابةً من الأرض تكلمهم، ولمَّا يتعامى الإنسان عن هذه الآيات عندئذٍ الله عز وجل يضطرُّه إلى عذاب أليم، لكن لو أن هذه الآية قرأها الإنسانُ وكان بعيداً عن ذهنه جداً أن الأرضَ كرَةً، وأنها سابحةٌ في الفضاء، وأنها تدور، فجاءت هذه الآية في سياق آيات الآخرة، قال تعالى: ﴿وَيَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَفَزِعَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ وَكُلٌّ أَتَوْهُ دَاخِرِينَ* وَتَرَى الْجِبَالَ﴾ وترى ـ وقتها ـ الجبال، أي إذا أردت أن تقرأ هذه الآية ولم تكن مطَّلعاً على حقيقة الأرض وعلى كُروِيتها وعلى دورتها حول نفسها ولا حول الشمس قد تظنُّ أن هذه الآية من آيات يوم القيامة، قال تعالى:

﴿  وَإِذَا الْجِبَالُ سُيِّرَتْ(3) وَإِذَا الْعِشَارُ عُطِّلَتْ(4) وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ(5)﴾

[ سورة التكوير ]

 إذا اطَّلعتَ على حقائق الكون وعلى كرَوِية الأرض وعلى حركة الأرض وعلى دورتها حول نفسها ترى أن الآيةَ منفصلةٌ عن السياق العام. 


من لطف الله أن الأرض تدور حول نفسها وحول الشمس والسحاب فوقها ولا يوجد صوت:


﴿وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ﴾ أي أن حركة الأرض بلا صوت شيءٌ رائعٌ جدّاً، وصوت الطائرة والقطارُ والباخرة لا يُحتمَل، والسيارة أحياناً، تسافر إلى بلد قريب تشعر بضجيج، وبعد انتهاء السفر بساعتين أو ثلاثة أنت متضايق من دوِيِّ المحرِّك طوال الطريق، فربُّنا لطيف عزَّ وجل، الأرضُ تدور حول نفسها، وتدور حول الشمس، ولها حجمٌ كبير جدّاً، والسحاب فوقها ولا يوجد صوتٌ، بلُطف شديد، قال تعالى: ﴿إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ﴾ الخبير غيرُ العليم، أي يرى ماذا تفعل، ويعلم ماذا تنوي، والغايات الحقيقية والخلفيات، والأهداف البعيدة، والمرامي، والصراعات، والطُّموحات كلُّها يعرفها، قال تعالى:

﴿  مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْهَا وَهُمْ مِنْ فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ(89)﴾

[ سورة النمل ]

 أي كما قال تعالى: ﴿وَلا تُظْلَمُونَ فَتِيلا﴾ في الحديث القدسي عَنْ أَبِي ذَرٍّ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا رَوَى عَنْ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَنَّهُ قَالَ:

(( يَا عِبَادِي، إِنِّي حَرَّمْتُ الظُّلْمَ عَلَى نَفْسِي وَجَعَلْتُهُ بَيْنَكُمْ مُحَرَّمًا، فَلَا تَظَالَمُوا. ))

[ أخرجه مسلم عن أبي ذر  ]


العمل الصالح محفوظ عند الله تعالى ولو كان ذرَّةً:


 قال تعالى: 

﴿مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْهَا﴾ أي حرامٌ أن تطيعه وأن تفعل الصالحات وأن يضيِّع عليك عملَك الصالح، والعمل الصالح محفوظ ولو كان ذرَّةً، قال تعالى:

﴿ وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا ۖ وَإِن كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا ۗ وَكَفَىٰ بِنَا حَاسِبِينَ (47)﴾

[ سورة الأنبياء ]

 مع أنه يوم القيامة يأتيك خيرٌ منها ﴿وَهُمْ مِنْ فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ﴾ لا يوجد خوف، أحياناً يكون عملُك كلُّه نظاميّاً، تأتي قوَّةٌ من أجل ضبط المخالفات، وأصحاب المحلات ترتعد فرائصهم خوفاً، وأنت مطمئنٌّ، وأمورٌك كلُّها منتظمةٌ، فالإنسانُ لما يطمئنُّ وسط الخوف الشديد هذا فوزٌ عظيم. 


اللهُ سبحانه وتعالى زاد مكة المكرمة تشريفاً وتعظيماً حينما نسبها إلى ذاته:


 ﴿وَهُمْ مِنْ فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ﴾ قال تعالى:

﴿  وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ هَلْ تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ(90)﴾

[ سورة النمل  ]

 أي يُلقَوْن في النار على وجوههم ﴿هَلْ تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ هذه أعمالُكم اِدفعوا ثمنَها، وهذه أعمالكم تلقَّوْا حسابها، وكلُّ شيء له ثمنٌ. 

﴿  إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هَذِهِ الْبَلْدَةِ الَّذِي حَرَّمَهَا وَلَهُ كُلُّ شَيْءٍ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ(91)﴾

[ سورة النمل  ]

 طبعاً هي مكة، واللهُ سبحانه وتعالى زاد هذه البلدة مكة المكرمة تشريفاً وتعظيماً حينما نسبها إلى ذاته، قال تعالى: ﴿رَبَّ هَذِهِ الْبَلْدَةِ الَّذِي حَرَّمَهَا﴾ بلدٌ آمنٌ وبلد حرام. 


الإنسان في كل مكان في العالم يحاسب على فعله أما في الحرم المكِّي فيُحاسَب على إرادته:


 قال تعالى: 

﴿  فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ(3) الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ(4)﴾

[ سورة قريش ]

 لذلك الحرم المكَّي يتميَّز عن بقية البلدان في العالم أن الإنسان إذا أراد فيه سوءاً يُحاسَب على إرادته لا على فعله، في أي مكان في العالم تُحاسب على فعلك، أما في الحرم المكِّي، قال تعالى:

﴿ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ الَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ ۚ وَمَن يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُّذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ (25)﴾

[ سورة الحج ]

 من يرد فقط، قال تعالى: ﴿نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ﴾ اللهُ عز وجل جعل هذه البلدةَ محرَّمةً، قال تعالى:

﴿إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هَذِهِ الْبَلْدَةِ الَّذِي حَرَّمَهَا﴾ لكنْ لئلاَّ تظنَّ أنه ربُّ هذه البلدة فقط، وما سواها ليس له، قال:

﴿وَلَهُ كُلُّ شَيْءٍ﴾ له هذه البلدة، وله بلدتُك التي أنت فيها، وأينما ذهبت في العالم كلُّ البلاد له، والإنسانُ قد يتوهَّم أنه ربُّ هذه البلدة فقط، لا، قال تعالى:

﴿إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هَذِهِ الْبَلْدَةِ الَّذِي حَرَّمَهَا وَلَهُ كُلُّ شَيْءٍ﴾ وكلُّ مكان في الأرض له. 


العبادة يجب أن تكون مع غاية الخضوع و الشوق و الإخلاص:


﴿وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ﴾ المستسلمون لأمر الله عز وجل، الخاضعون له، لذلك العبادة: غاية الخضوع ومع غاية الشوق ومع غاية الإخلاص، قال تعالى:

﴿  وَأَنْ أَتْلُوَ الْقُرْآنَ فَمَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَقُلْ إِنَّمَا أَنَا مِنَ الْمُنْذِرِينَ(92)﴾

[ سورة النمل  ]

 أفرده اللهُ بأمرٍ خاصٍّ عناية به ﴿وَأَنْ أَتْلُوَ الْقُرْآنَ﴾ لكنْ هنا في السياق، أن أتلو القرآن على الناس، والدليل قال تعالى: 

﴿فَمَنِ اهْتَدَى﴾ بتلاوتي، وهناك فرق بين أن تتلوَه لنفسك وبين أن تتلوَه على الناس، هنا الآية أن تتلوَه على الناس، القرينة قال تعالى:

﴿فَمَنِ اهْتَدَى﴾ بهذه التلاوة ﴿فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَقُلْ إِنَّمَا أَنَا مِنَ الْمُنْذِرِينَ﴾ .


النبيُّ عليه الصلاة والسلام لا يُحاسَب عن الذين كفروا إنما هو منذِرٌ ومبلِّغٌ:


 النبيُّ عليه الصلاة والسلام لا يُحاسَب عن الذين كفروا، إنما هو منذِرٌ، إنما هو مبلِّغٌ قال تعالى: 

﴿ لَّيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَاءُ ۗ وَمَا تُنفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَلِأَنفُسِكُمْ ۚ وَمَا تُنفِقُونَ إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ ۚ وَمَا تُنفِقُوا مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لَا تُظْلَمُونَ (272)﴾

[ سورة البقرة ]

﴿ إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَاءُ ۚ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ(56)﴾

[ سورة القصص ]

﴿وَأَنْ أَتْلُوَ الْقُرْآنَ فَمَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَقُلْ إِنَّمَا أَنَا مِنَ الْمُنْذِرِينَ﴾ تنتهي مهمَّتي حينما أنذركم، قال تعالى:

﴿  فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ(21) لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُسَيْطِرٍ(22) إِلا مَنْ تَوَلَّى وَكَفَرَ(23) فَيُعَذِّبُهُ اللَّهُ الْعَذَابَ الْأَكْبَرَ(24) إِنَّ إِلَيْنَا إِيَابَهُمْ(25) ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُمْ(26)﴾

[ سورة الغاشية ]


على الإنسان أن يحمد الله عز وجل على كل شيء وعلى خلقه و إمداده و هدايته:


 قال تعالى: 

﴿  وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ سَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ فَتَعْرِفُونَهَا وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ(93)﴾

[ سورة النمل ]

 الحمد لله على خلقه، وعلى إمداده، وعلى هدايته، وعلى كلِّ هذه الآيات، وكلِّ هذه السنن، قال تعالى: 

﴿سَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ فَتَعْرِفُونَهَا﴾ أي إما أن تعلم في الوقت المناسب، أو لا بدَّ من أن تعلم بعد فوات الأوان، قال تعالى: 

﴿وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ﴾ أعمالُنا كلُّها في صحيفةٍ عند الله عزَّ وجل.

والحمد لله رب العالمين 

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور