وضع داكن
18-04-2024
Logo
الدرس : 12 - سورة الأحزاب - تفسير الآيات 39 - 48, مهمة الدعاة التبليغ فقط
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا، إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.

 

الدعاة ليس من شأنهم أن يضيفوا عليهم أن يبلِّغوا:

 أيها الأخوة المؤمنون؛ مع الدرس الثاني عشر من سورة الأحزاب.

وصلنا في الدرس الماضي إلى قوله تعالى: ﴿الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلَّا اللَّهَ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا (39)﴾ .

بادئ ذي بدء من قوله تعالى: ﴿الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ﴾ أي أن هؤلاء الدعاة ليس من شأنهم أن يضيفوا، عليهم أن يبلِّغوا، كما قال سيدنا الصديق رضي الله عنه: "إنما أنا متَّبع ولست بمبتدع"، الرسالات، رسالات الله عزَّ وجل توضَّحت وتحدَّدت حينما قال الله عزَّ وجل: 

﴿ حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلَامِ ذَلِكُمْ فِسْقٌ الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِإِثْمٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (3)﴾

[ سورة المائدة ]


  عدد القضايا التي عالجها القرآن والسنَّة والتي نهى عنها القرآن والسنَّة عددٌ تام:

في هذه الآية: ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمْ الإِسْلامَ دِينًا(3)﴾ قال العلماء: التمام شيء، والكمال شيءٌ آخر، التمام عددي، والكمال نوعي، أي أن عدد القضايا التي عالجها القرآن وعالجتها السنَّة عددٌ تام، ما غادر القرآن ولا السنَّة قضيَّةً تتعلَّق بعلاقة الإنسان مع ربِّه وبسعادته في دنياه وأخراه إلا وجاء بها القرآن، أي أنه ليس في القرآن نقص، إن الله أمر بأشياء، ونهى عن أشياء، أمر بأشياء أي سعادة الإنسان في الدنيا والآخرة متوقِّفةٌ على الذي أُمِرَ الإنسان بها، وشقاؤه في الدنيا والآخرة متعلِّقٌ بالذي نُهِيَ عنه، وهناك حكمةٌ مطلقةٌ من أمر الله، وحكمةٌ مطلقةٌ من نهي الله، وهناك حكمةٌ مطلقةٌ مما سَكَتَ عنه الله؛ حكمةٌ في الذي أمر، وحكمةٌ في الذي نهى، وحكمةٌ في الذي سكت، أمركم بأشياء، ونهاكم عن أشياء، وسكت عن أشياء، هذا معنى قوله تعالى: ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي﴾ أي عدد القضايا التي عالجها القرآن والسنَّة عددٌ تام، وعدد القضايا التي نهى عنها القرآن والسنَّة عددٌ تام.

 

مهمة من جاء بعد رسول الله في التبليغ لا في الإضافة ولا في الابتداع:

الآن معالجة القرآن والسنة لموضوعٍ في حياتنا معالجة كاملة، أحياناً بعض الكتب تُفَصِّل في موضوع وتختصر في موضوع، وتوفِّي هذا الموضوع حقَّه ولا توفي هذا الموضوع حقَّه: ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمْ الإِسْلامَ دِينًا(3)﴾ إذاً كل الذين جاؤوا بعد النبي عليه الصلاة والسلام لا يستطيعون أن يضيفوا شيئاً ولا كلمة، إنما أنا متَّبِع ولست بمبتدع، أيَّةُ إضافةٍ أُضيفَت على الدين فهي باطلة، وأي حَذْفٍ حُذِفَ من الدين فهو باطل، وأي تأويلٍ على غير ما أراد الله عزَّ وجل فهو باطل، والدين متى يشوَّه؟ إذا أضيفت إليه إضافات، أو حُذِفت منه أشياء، أو أوِّل على نحوٍ لا يرضي الله عزَّ وجل، هذا الكلام مما يفهم من قوله تعالى: ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمْ الإِسْلامَ دِينًا(3)﴾ فإذا واجهك إنسان برأي، أو بحكمٍ، أو بطريقةٍ، أو بقاعدةٍ، أو بمبدأٍ ليس مغطى في كلام الله عزَّ وجل ولا في سُنَّة النبي لا ينبغي لك أن تقبله، وما حجَّتك؟ لأن الإسلام كامل، ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمْ الإِسْلامَ دِينًا(3)﴾ إذاً كل الذين يأتون بعد رسول الله إلى يوم القيامة تنحصر مهمَّتهم في التبليغ، لا في الإضافة، لا في الزيادة، لا في الابتداع.

 

دعوة الإنسان عليها أن تكون مُنَزَّهَةً عن كل غرضٍ دنيوي:


لذلك كل إنسان أضاف في الدين ما ليس منه فهو مبتدع، والمبتدع ينبغي أن يُحَذَّرَ منه، المبتدع هو الذي يضيف على الدين شيئاً ليس منه، هذا يفهم من قوله تعالى: ﴿الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ﴾ أنت مبلِّغ، حتى إن النبي عليه الصلاة والسلام إذا وقفت أمام قبره الشريف ماذا تقول؟ تقول: "السلام عليكَ يا سيدي يا رسول الله، أشهد أنك أَدَّيْتَ الأمانة، وبلَّغت الرسالة، ونصحت الأمَّة، وكشفت الغُمَّة، وجاهدت في الله حقَّ الجهاد"، ﴿الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ﴾ هؤلاء الذين يبلِّغون رسالات الله وصفهم الله في آياتٍ كثيرة، قال:

﴿ وَجَاءَ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى قَالَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ (20) اتَّبِعُوا مَنْ لَا يَسْأَلُكُمْ أَجْرًا وَهُمْ مُهْتَدُونَ (21)﴾

[ سورة يس  ]

أي يجب أن تكون الدعوة مُنَزَّهَةً عن كل غرضٍ دنيوي.

 

أولو العلم يشهدون عدالة الله عزَّ وجل وكمال رسوله ودعوته وكلامه:

إذا كانت الدعوة متلبِّسَةً بغرضٍ دنيوي فالدعوة عندئذٍ يُشَكُّ في صحَّتها، سيدنا إبراهيم:

﴿ وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ (124)﴾

[ سورة البقرة  ]

متى جعله للناس إماماً؟ بعد أن أتمَّ كلمات الله، أي طاعة الله هي كل شيءٍ قبل أن تدعو إليه، أن تكون مُنَزَّهَاً عن أية مصلحةٍ دنيويَّةٍ هي كل شيءٍ قبل أن تدعو إليه، وعندما قال ربنا عزَّ وجل في آياتٍ أخرى:

﴿ شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (18)﴾

[ سورة آل عمران ]

أي أن أولي العلم يشهدون عدالة الله عزَّ وجل، هذه علامةٌ من علاماتهم:

﴿ قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (108)﴾

[ سورة يوسف ]

يجب أن تشهد للناس بعدالة السماء، بكمال الله، بكمال رسوله، بكمال دعوته، بكمال كلامه: ﴿شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُوْلُوا الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ﴾ .

 

الله عزَّ وجل في كل أمرٍ أمرنا به جاء التعليل بعده:

﴿قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ﴾ دعوة على بصيرة، الأوامر معلَّلة، النواهي معلَّلة، لو حُذِف التعليل من أوامر الله ونواهيه لانقلب الدين إلى طقوس، حركات لا معنى لها، لكن الله عزَّ وجل كل أمرٍ أمرنا به جاء التعليل بعده:

﴿ اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ (45)﴾

[ سورة العنكبوت  ]

وقال:

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (183)﴾

[  سورة البقرة  ]

وقال:

﴿ خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (103)﴾

[ سورة التوبة ]

إذاً هذه: ﴿قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنْ اتَّبَعَنِي﴾ .

وهذه: ﴿قَال يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ(20)اتَّبِعُوا مَنْ لا يَسْأَلُكُمْ أَجْرًا وَهُمْ مُهْتَدُونَ(21)﴾ ، وهذا معنى قول الله عزَّ وجل:

﴿ وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ (124)﴾

[ سورة البقرة ]

إذاً هناك إشاراتٌ في القرآن الكريم.

 

الاستقامة ركنٌ أساسي في الدعوة إلى الله عزَّ وجل:

الاستقامة ركنٌ أساسيٌ في الدعوة إلى الله عزَّ وجل لقوله تعالى:

﴿ فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَنْ تَابَ مَعَكَ وَلَا تَطْغَوْا إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (112)﴾

[ سورة هود ]

إنَّ الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين، أن تقول: يا أخي هذا نبي وأنا لست نبياً، من قال لك ذلك؟ إن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين، لكن هذه الآية فيها دقَّةٌ بالغة، هو أن الله عزَّ وجل حينما وصف هؤلاء الذين يبلِّغون رسالات الله، بماذا وصفهم هنا في هذه الآية؟ بأنهم يخشونه، والحقيقة متى يخشى الإنسان الله؟ إذا رأى أن الأمر كلَّه له، فإذا رأى أن الأمر لله ولغير الله خشي الله وخشي غيره فصار في شرك.

 

حينما تخشى غير الله فهناك نقصٌ في التوحيد:

حينما تخشى غير الله فاعلم علم اليقين أن هذا نقصٌ في توحيدك، والحقيقة يمكن أن تتعلَّم أمر الله، وأن تذكر دقائقه وجزئيَّاته، ولكن تعلُّم أمر الله شيء والتوحيد شيءٌ آخر، التوحيد أن تعرفه، وأمر الله يجب أن تعرفه أيضاً، لكن قد تكون معرفتك بأمر الله أكبر من معرفتك بالله عزَّ وجل، لذلك مع أنك تحمل العلم الشريف تخشى غير الله، وترضي غير الله على حساب دينك، إذاً حينما تخشى غير الله فهناك نقصٌ في التوحيد، وما تعلَّمت العبيد أفضل من التوحيد، بل إن نهاية العلم التوحيد، ودائماً وأبداً أذكر لكم هذا المثال؛ أنت إذا أيقنت أن هذا الطلب لا يوافق عليه إلا فلان من بين آلاف الموظَّفين، وهو المدير العام، ليس لك مصلحةٌ أن تقف على باب إنسانٍ آخر، ولا أن ترجو إنساناً آخر، إذا أيقنت أنه لا يعطيك الموافقة إلا المدير العام مثلاً، إذاً أنت تقطع كل علاقاتك بكل الموظَّفين وتتجه إلى من بيده الأمر، هذا مثل، وأنت إذا أيقنت أن أمرك كلَّه بيد الله لا بيد زيدٍ أو عُبيد قطعت آمالك، وتعلُّقاتك، وطموحاتك، ورجاءك، ورغبتك مما سوى الله، وتوجَّهت إلى الله وحده، إذاً الخوف من غير الله عزَّ وجل، أو عدم الإخلاص لله عزَّ وجل هذه كلها أعراض مرضٍ واحد، وهذا المرض هو الشرك أو نقصٌ في التوحيد، إذاً كلَّما رأيت إنساناً يرضي إنساناً ويعصي خالقاً، يرضي مخلوقاً ويعصي خالقاً، يطيع زيداً على حساب دينه، أو على حساب أمر ربِّه، فاعلم أن هذه الطاعة جاءت بدافع الخوف منه، ولماذا خاف منه؟ لأنه رأى أن له قوةً يبطش أو يعطي بها، إذاً دخل الشرك في الموضوع، فلذلك ليس من السهولة أن تكون موحِّداً، ليس من السهولة ألا ترى إلا الله، ليس من السهولة أن ترى يد الله فوق أيديهم، ليس من السهولة أن ترى:

﴿ وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (123)﴾

[  سورة هود ]

هذا هو الدين، الدين ألا ترى مع الله أحداً، وأن ترى أن المعطي والمانع، والمعز والمذل، والباسط والقابض هو الله وحده.

 

حينما تقف أمام أمر الله فإيمانك بعظمة الله يقتضي أن تسلِّم أمرك له:


لذلك جاءت هذه الآية: ﴿الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ﴾ معنى يبلِّغون أي مهمَّتهم التبليغ، وليس التشريع، وليست الإضافة، ليس لهم إلا أن يبلِّغوا، حتى إن بعضهم قال: "نصائح ثلاثة تُكْتَب على ظفر؛ اتبع لا تبتدع، اتضع لا ترتفع، الورع لا يتسع، اتبع" أنت مع تعليمات خالق الكون، وكما قلت في الدرس الماضي عن قوله تعالى: ﴿وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمْ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ﴾ أنت مهما أُوتيت من عقلٍ راجح، مهما أُوتيت من ذكاءٍ لمّاَح، لا يستطيع عقلك أن يفوق في فهمه، أو يفوق في إدراكه، أو أن يفوق فيما يُشَرِّع تشريع الله عزَّ وجل، أنت مخلوق والله هو الخالق، أنت محدود والله هو اللامحدود، أنت حادث والله هو القديم، أنت جاهل والله هو العليم، فلذلك حينما تقف أمام أمر الله عزَّ وجل، إيمانك بعظمة الله يقتضي أن تسلِّم له.


  الداعية إلى الله حينما يخشى غير الله انتهت دعوته وسقطت:

إذاً: ﴿الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ﴾ وكلمة رسالات جاءت جمعاً، أي هناك عقائد، هناك عبادات، هناك معاملات، هناك آداب، هناك سنن، هناك أخبار؛ أخبار السابقين، أخبار اللاحقين، هناك إيمان بالله، إيمان بالرسل، إيمان بالملائكة، إيمان بالقدر خيره وشرِّه، هناك صلاة، أحكام الصلوات، والصيام، والحج، والزكاة، هناك أحكام البيوع، والطلاق، والزواج، هناك آداب الإسلام، إذاً رسالات: ﴿الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ﴾ لمجرَّد أن تخشى غير الله أُلغيت مهمَّتك، وسقطت دعوتك، وأصبحت على هامش الحياة، لأنه بمجرَّد أن تخشى غير الله سوف ترضي غير الله، بأن تقول كلاماً يرضي غير الله ولا يرضي الله، أو أن تسكت عن شيء يرضي هذا السكوت غير الله ولا يرضي الله، فإذا سكتَّ عن الحق إرضاءً لغير الله، وإذا نطقت بالباطل إرضاءً لغير الله، فماذا بقي من إبلاغ رسالات الله؟ انتهت، هذه صفةٌ مانعةٌ جامعةٌ إذا أُلغيت ألغي الموضوع وانتهى الأمر، فلذلك حينما يخشى الداعية إلى الله غير الله انتهت دعوته، وسقطت دعوته، وانتهى كل شيء.

 

لا ينضبط الإنسان إلا بثلاث حقائق؛ إذا أيقن أن الله موجود وأنه يعلم وأنه سيحاسِب:

﴿الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلَّا اللَّهَ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا (39)﴾ كفى بالله حسيباً، هو سيحاسِب، هو يعلم حقيقة الأمر، يعلم باطن الأمر، يعلم السر، يعلم الجَوهَر، يعلم النوايا، يعلم الأهداف، يعلم الطموحات، يعلم الملابسات، هذا كلُّه يعلمه وسوف يحاسب عليه، لذلك قال بعضهم: الحمد لله على وجود الله، على أن الله موجود، وعلى أن الله يعلم، وعلى أنه سيحاسِب، والحقيقة لا ينضبط الإنسان إلا بثلاث معلومات أو ثلاث حقائق: إذا أيقن أن الله موجود، و إذا أيقن أن الله يعلم، و إذا أيقن أن الله سيحاسِب، هذه جاءت في قوله تعالى:

﴿ وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى (39) وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى (40) ثُمَّ يُجْزَاهُ الْجَزَاءَ الْأَوْفَى (41)﴾

[ سورة النجم  ]

ليس لك إلا ما سعيت، وهذا السعي في علم الله، وسوف تجزاه الجزاء الأوفى، أي في سورة النجم يقول الله عزَّ وجل:

﴿ وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاءُوا بِمَا عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى(31)﴾

[ سورة النجم  ]

 

من لوازم إيمانك بالله أنك تغار على الخلق وتحبُّهم وتهديهم إلى سواء السبيل:

علَّة وجودك في الدنيا أنك مُبْتَلَى، وأنَّك ممتَحَن، وسوف تُجزى بكل عملٍ فعلته، لذلك ورد أن الله عزَّ وجل يقول: "وعزَّتي وجلالي لا أقبض عبدي المؤمن وأنا أحبُّ أن أرحمه إلا ابتليته بكل سيئةٍ كان عملها سقماً في جسده، أو إقتاراً في رزقه، أو مصيبةً في ماله أو ولده حتَّى أبلغ منه مثل الذر، فإذا بقي عليه شيء شدَّدت عليه سكرات الموت حتَّى يلقاني كيوم ولدته أمُّه". 

﴿الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلَّا اللَّهَ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا (39)﴾ توجد نقطة دقيقة هي أن المؤمن كأنه وعاء، إذا امتلأ الوعاء فاض على من حوله، فحينما لا تهتم بأمر الناس، ولا يعنيك أمر دينهم، ولا أمر توبتهم، ولا أمر هدايتهم، تقول: ما لي وللناس؟ معنى ذلك أن الإناء لا يزال فارغاً، أما إذا امتلأ لابدَّ من أن يفيض على الآخرين، مؤمن يرى من حوله في ضلال ولَا يعنيه أمرهم؟! يرى زوجته، أولاده، إخوانه، جيرانه، شريكه في العمل في درب غلط، في طريق الهاوية ويسكت!! من لوازم إيمانك بالله أنك تغار على الخلق،  أنك تحب الخلق، أنك تحاول أن تهديهم إلى سواء السبيل.، الإنسان إذا جلس في مسجد علم وأراد أن يستفيد هو وحده شيئاً، وإذا جلس في مجلس علم وتعلَّم تفسير آيةٍ، أو تفسير حديثٍ، أو أخذ شيئاً من سيرة النبي عليه الصلاة والسلام، إذا أراد أن ينقل هذا الشيء للآخرين فقد فعل شيئاً عظيماً، لأنه ما من صدقةٍ أعظم من كلمة الحق، لأنه من أحياها فكأنه أحيا الناس جميعاً، أي أنت حجمك عند الله بحجم عملك الصالح، وما أحدث رجلٌ أخاً في الله إلا أحدث الله له درجةً في الجنَّة.

 

النبي عليه الصلاة والسلام لا تأخذه في الله لومة لائم ولا يخشى إلا الله:


 قال تعالى:

﴿ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (120)﴾

[ سورة النحل ]

أنت كم إنساناً دللتهم على الله؟ كم إنساناً أخذت بيدهم إلى الله؟ كم إنساناً أقنعتهم بأحقيَّة هذا القرآن؟ كم إنساناً أقنعته بالاستقامة على أمر الله؟ كم إنساناً استطعت أن تجعله يسلك سبيل المؤمنين؟ هذا حجمك عند الله، ﴿الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلَّا اللَّهَ (39)﴾ أي أخوة كرام كثيرون، يأتي هو وحده إلى المسجد، وبعد حين تجد أنه جاء بإخوته، بشركائه، بأصهاره، بأولاد عمِّه، صار مجموعة كبيرة، هذا هو الخير، الخير أن تحبَّ الخير للآخرين. هذه الآية وهذا من عظمة القرآن، الآن فسَّرناها منفصلة عن السياق: ﴿الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلَّا اللَّهَ (39)﴾ أما في السياق، أي هذا النبي عليه الصلاة والسلام لا تأخذه في الله لومة لائم، لا يخشى إلا الله: والله يا عم، لو وضعوا الشمس في يميني، والقمر في يساري على أن أترك هذا الأمر ما تركته حتى يظهره الله، أو أهلك دونه..

 

التبني عادة جاهليَّة تؤدي إلى اختلاط الأنساب وإلى الفساد الاجتماعي:

المنافقون حينما تزوَّج النبي عليه الصلاة والسلام بزوجة متبنَّاه زينب بنت عمَّته، ماذا قالوا؟ يا للعار أيتزوَّج محمدٌ زوجة ابنه زيد؟ أشاعوا هذا، وأرجفوا في المدينة، وقالوا متشفين فجاء الجواب: ﴿مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ﴾ زيد ليس ابنه، زيد متبنَّى، والمتبنى كما قلت لكم في درس سابق ليس هناك دمٌ مشتركٌ بينه وبين إخوته، ليس هو جزءاً من أبيه، ليس هو جزءاً من أمِّه، لذلك هذا المتبنَّى وجوده في الأسرة خطر، كانت عادةً جاهليَّةً، أي هذا ابني، هذا مثل ابني، هذه مثل أختي، هذا كلام يؤدي إلى اختلاط الأنساب، وإلى الفوضى، وإلى الخيانات، وإلى الفساد الاجتماعي، لذلك كل من يقول: هذا ابني، وهو ليس ابنه، أو هذه مثل أختي، أو هذه مثل أمي، هذا كلامٌ لا أساس له من الصحَّة، فلذلك: ﴿مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ﴾ سيدنا محمدٍ له أولاد، ولكن ما قال الله: أبا أحدٍ من صغاركم، قال: ﴿أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ﴾ زيد رجل، محمدٌ ليس أباه، محمدٌ نبي عظيم أكرمه وأعتقه وربَّاه ولكنه ليس أباه.


  محمدٌ أبٌ للصحابة بالمعنى الاجتماعي له عطفه ورعايته ورحمته فهذه أبوَّةٌ معنويَّة:

لذلك  قال ربنا عزَّ وجل: (ادْعُوهُمْ لآبَائِهِمْ﴾ كان يسمَّى من باب الوفاء زيد بن محمَّد، فسمي زيد بن حارثة، ﴿مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ﴾ إذا قلنا: محمدٌ أبٌ للصحابة، لا بالمعنى النسبي، لا بالمعنى البيولوجي إن صحَّ التعبير، بالمعنى الاجتماعي، أي له عطفه، ورعايته، ورحمته، وإشرافه، هذه أبوَّةٌ معنويَّة، أما كأبوة نسب فلا: ﴿مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ﴾ زيد ليس ابنه، ولا غير زيد أساساً، وليست المؤمنات بناته، لو أنَّهنَّ بناته لَحَرُمَ عليه الزواج منهن، لا الرجال أولاده ولا النساء بناته، ولكنه رسول الله وخاتم النبيين، النبي عليه الصلاة والسلام جاء بهذا القرآن العظيم، جاء بهذه الرسالة، هو رسول الله وخاتم النبيين، وليس أبا أحدٍ من رجالكم، وليس أبا أحدٍ من بناتكم، لكن نساء النبي أمَّهات المؤمنين، بمعنى أن الله سبحانه وتعالى حرَّم على نسائه من بعده أن يتزوجهنَّ أحد، حفاظاً على مكانة النبي.

وشيء آخر أن هذه التي عاشت مع رسول الله لا يمكن أن يطيب لها العيش مع من دونه، لذلك حكم الله عزَّ وجل بأنه جعل نساء النبي أمَّهات المؤمنين، بمعنى أنه لا يجوز لمؤمنٍ أن ينكح زوجةً من أزواج النبي من بعده أبداً، إذاً الحكم الشرعي أن النبي عليه الصلاة والسلام ليس أباً لواحدٍ من المؤمنين، إذا قلنا: إنه كالأب فهذا من باب العطف، والرعاية، والإكرام، والرحمة، والشفقة، والاهتمام، ليس غير، أما أن يكون أباً بالمعنى النسبي فهذا ليس صحيحاً، وليس أباً للمؤمنات، والدليل أنه تزوَّج من النساء الكثيرات، ولو كان أباً للمؤمنين لما حُقَّ له الزواج من بناته، لكن نساءه أمَّهات المؤمنين، هذا من باب التقديس، والتعظيم، والصَوْنِ، والحفاظ على مكانته صلَّى الله عليه وسلَّم، ورعايةً لمصالح المؤمنات أمَّهات المؤمنين من بعده.

 

خاتم النبيين أي آخر النبيين ولا نبيَّ بعده وكل من يدَّعي أن بعد النبيِّ نبيَّاً فهو ضالٌ يقيناً:


﴿مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ﴾ أما خاتم النبيين، أي أن هذه الآية أجمع العلماء من دون استثناء، هذا الإجماع الذي يأتي بعد القرآن والسنَّة، عندنا القرآن المصدر الأول، والسنة المصدر الثاني، والإجماع المصدر الثالث، لقول النبي عليه الصلاة والسلام: عن أنس بن مالك:

(( إنَّ اللَّهَ قد أجارَ أمَّتي أن تجتمِعَ علَى ضلالةٍ. ))

[ تخريج كتاب السنة   : خلاصة حكم المحدث : حسن  ]

إِنَّ أُمَّتِي لَا تَجْتَمِعُ عَلَى ضَلَالَةٍ، أجمع العلماء قاطبةً أن معنى هذه الآية أنه خاتم النبيين أي آخر النبيين ولا نبيَّ بعده، وكل فرقةٍ ضالةٍ تدَّعي أن بعد النبيِّ نبيَّاً فهي فرقةٌ ضالةٌ يقيناً، أي يعلِّلون أن الخاتم من الختم، لا، خاتم أي آخر النبيين قولاً واحداً بإجماع العلماء.

 

مخاطبة الله عزَّ وجل الناس بكليَّات الدين وأصوله ومخاطبة المؤمنين بفروعه:


﴿وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا﴾ الآن توجَّه الخطاب إلى المؤمنين فقال الله عزَّ وجل: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا (41)﴾ وتعلمون من قبلُ أن الله عزَّ وجل يخاطب الناس بكليَّات الدين، بأصول الدين، ويخاطب المؤمنين بفروعه، الآن الخطاب للمؤمنين، يا من آمنت بالله، المشكلة أنه إذا آمنت بالله ماذا فعلت؟ نقطة دقيقة جداً، إذا قلت: أنا فكَّرت، فكَّرت، تأمَّلت، تحقَّقت، درست، سهرت الليالي ثمَّ وجدت أن هذه الشمس ساطعة، نقول له: ماذا أضفت؟ ماذا فعلت؟ الشمس ساطعة اعترفت بها أم لم تعترف؟ إن قلت ساطعة هي ساطعة، وإن قلت: ليست ساطعة فهي ساطعة، لكن الإيمان فوائده الكبيرة مما يأتي بعد الإيمان، من التحرُّك نحو الله عزَّ وجل، هذا يؤكِّد أن أحد الأعراب جاء النبي عليه الصلاة والسلام قال: يا نبي الله جئتك لكي تعلِّمني من غرائب العلم، قال: "وماذا صنعت في أصل العلم؟" قال: وما أصل العلم؟ قال:"هل عرفت الرب؟" قال: ما شاء الله، قال: "فماذا صنعت في حقِّه؟". هذا السؤال، أنت تقول: أنا مؤمن بالله، أنا عرفت الله، أنا مؤمن والحمد لله، ماذا صنعت في حقِّ الله؟ ما الموقف الذي يؤكِّد إيمانك؟ هل أعطيت لله؟ هل منعت لله؟ هل وصلت لله؟ هل قطعت في الله؟ هل واليت في الله؟ هل عاديت في الله؟ هل أنفقت في سبيل الله؟ ماذا فعلت؟ ماذا فعلت استناداً لإيمانك بالله؟ قال له: "فماذا صنعت في حقِّه؟" قال له: ما شاء الله، قال له: "هل عرفت الموت؟" قال له: ما شاء الله، قال له: "فماذا أعددت له؟" سؤال آخر خطير، هل منَّا واحدٌ إلا وهو موقنٌ بأنه سيموت؟ السؤال الآن: ماذا أعدَّ للموت؟ ماذا أعدّ لدخول القبر؟ ماذا أعدَّ لأنكر ونكير كما يقولون؟ ماذا أعدَّ ليوم الحساب؟ قال له: يا بشر لا صدقة ولا صيام ولا صلاة فبم تلقى الله إذاً؟

 

أحد أوامر الله عز وجل أن تذكره ذكراً كثيراً:

هناك سؤال دقيق هو: ما الشيء الذي أعددته كي تلقى الله به؟ الإنسان أحياناً يزمع أن يزور شخصاً؛ أنجب مولوداً، أو عقد قِراناً، يقول لك: هل سأذهب بيدي؟ لا يتحمَّل حاله، هل أعددت هديَّةً تقدِّمها بين يدي هذه الزيارة؟ أنت تلقى الواحد الديَّان، عشت سنواتٍ طويلة؛ أكلت، وشربت، وتنعَّمت، وتزوَّجت، وأنجبت، وزوَّجت، وارتقيت، واغتنيت، وفعلت، وتركت، ولكن بعد هذه الرحلة الطويلة حينما تأتي الله عزَّ وجل يوم القيامة، ماذا أعددت لهذا اللقاء؟ ماذا هَيَّأت؟ هل هيأت برَّ الوالدين؟ هل هيَّأت نُصْحَاً للمسلمين؟ تفقُّهاً في كلام الله؟ دعوةً إلى الله؟ رعيت الأرامل؟ عطفت على الأيتام؟ عاونت الناس؟ فماذا أعددت؟ هذا السؤال يا إخوان كبير جداً، هناك حركة يوميَّة هذه تستهلكنا أحياناً، استيقظنا، ذهبنا إلى أعمالنا، كسبنا المال، جئنا إلى البيت، تناولنا طعام الغداء، نمنا، سهرنا، تسامرنا، طرِبنا، ثم نمنا، حياةٌ تمضي إلى أن يأتي الخبر السيئ أن فلاناً انتقل إلى رحمة الله تعالى، هذا شيء طبيعي، ماذا أعددت لله عزَّ وجل؟ ماذا أعددت للقاء الله عز وجل؟ 

 

ليس فحوى الأمر أن تذكر الله بل فحوى الأمر أن تذكر الله ذكراً كثيراً:

لذلك: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا﴾ الآن جاء الأمر، هذه أحد الأوامر: ﴿اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا﴾ ..الآن توجد نقطة في الآية، هي أن الله عزَّ وجل حينما قال: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا(41)﴾ فحوى الأمر ما هو؟ هل فحوى الأمر أن تذكر الله؟ لا، فحوى الأمر أن تذكر الله ذكراً كثيراً، أي إذا كان هناك قصور كلوي وقال لك الطبيب: اشرب كثيراً من الماء، الأمر أن تشرب الماء فقط، أنت تشرب الماء، فشرب الماء حاصل، لكن حينما ألحَّ عليك الطبيب وقال لك: اشرب كثيرا من الماء، الأمر ينصب لا على شرب الماء بل على كثرة شرب الماء، وهذه الفكرة دقيقة، ليس فحوى الأمر أن تشرب الماء، لا، هناك قصور كلوي، لابدَّ من أن تشرب الماء الكثير، لابدَّ من أن تشرب كثيراً، ضع خطاً أحمر تحت كثير، ربنا عزَّ وجل لا يقول: اذكروا الله، يقول: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا (41)﴾ لهذا قيل:  "من أكثر ذكر الله فقد برئ من النفاق"، وقد قيل: "برئ من الكِبر من حمل حاجته بيده"، و: "برئ من الشُح من أدَّى زكاة ماله"، ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا (41)﴾ .

 

اعلم علم اليقين أن كل شيءٍ تقوله محاسبٌ عليه:

قال عليه الصلاة والسلام: عن أبي الدرداء:

(( أَلَا أُنَبِّئُكم بِخَيْرِ أعمالِكُم، وأَزْكاها عِندَ مَلِيكِكُم، وأَرفعِها في دَرَجاتِكُم، وخيرٌ لكم من إِنْفاقِ الذَّهَب والوَرِقِ، وخيرٌ لكم من أن تَلْقَوا عَدُوَّكم، فتَضْرِبوا أعناقَهُم، ويَضْرِبوا أعْناقكُم؟!  قالوا: بَلَى، قال: ذِكْرُ اللهِ. ))

[ هداية الرواة : خلاصة حكم المحدث : إسناده صحيح : أخرجه الترمذي ]

خير أعمالكم اسم تفضيل، والحقيقة في التفسير الدقيق ذكر الله كلمةٌ واسعةٌ جداً، أي إذا تفكَّرت في خلق السماوات والأرض فقد ذكرت الله، وإذا تلوت آيات القرآن الكريم فقد ذكرت الله، وإذا تلوت الحديث الشريف فقد ذكرت الله ، وإذا درست أبواب العلم الشريف فقد ذكرت الله، وإذا قرأت عن سيرة رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم وسيرة أصحابه الأطهار فقد ذكرت الله، وإذا أمرت بالمعروف ونهيت عن المنكر فقد ذكرت الله  وإذا جلست مع أخيك تُذَكِّره بالله فقد ذكرت الله، فهذه واسعةٌ جداً، لك أن تذكره بالاسم المفرد: الله، الله، الله، وكلَّما انقطع نفسك قلت: إلهي أنت مقصودي ورضاك مطلبي، ولك أن تقول: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، هذا ذكر، ولك أن تدعو الله بما شئت من الأدعية، ولك أن تقرأ كلامه، ولك أن تفكِّر في الكون، ولك أن تأمر بالمعروف، وأن تنهى عن المنكر، وأن تطلب العلم، وأن تفهم تفسير القرآن، وهذا مجلس ذكر: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا (41)﴾ ، هكذا قيل "أمرني ربي بتسع خشية الله في السر والعلانية، كلمة العدل في الغضب والرضا، القصد في الفقر والغنى، وأن أصل من قطعني، وأن أعفو عمن ظلمني، وأن أعطي من حرمني، وأن يكون صمتي فكراً، ونطقي ذكراً، ونظري عبرة"، أي اعلم علم اليقين أن كل شيءٍ تقوله محاسبٌ عليه:

﴿ مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ (18)﴾

[ سورة ق  ]

وكل حركة تتحرَّكها مصوَّرة ومسجَّلة، فإذا قاد أحدهم في طريق مراقب بالرادار تجده منضبطاً، يقلل السرعة إلى الثمانين لكيلا يلقطوا لنا صورة، أنت مع إنسان إذا سجَّل عليك شيئاً تخاف منه، إنسان عادي وإذا سجَّل عليك كلمةً قلتها، أو موقفاً فعلته، أو صوَّره لك، وطالبك بالمسؤوليَّة تحسب حساباً، فكيف مع الواحد الديَّان؟ قال: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا (41)﴾ كثيراً، الصلاة ذكر، الدعاء ذكر، الاستغفار ذكر، تلاوة القرآن ذكر، نوِّع، أكثر ونوِّع، وكل شيء له طعم ؛ التفكُّر له طعم، والقرآن له طعم، والحديث له طعم، والاستغفار، والابتهال، والتهجُّد، والدعاء، وتعلُّم العلم، وتعلّم الفقه، وتعلّم السيرة، وتعلّم الآداب الإسلاميَّة، هذا كلُّه ذكر. 


اختار الله بكرةً وأصيلاً لأنهما طرفان للنهار مرتبطان بالنوم فاذكر الله فيهما:


﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا (41) وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا (42)﴾ لماذا اختار الله بكرةً وأصيلاً؟ ﴿وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا (42)﴾ البكرة والأصيل طرفان للنهار مرتبطان بالنوم، أي لا تكن غافلاً، أي اذكر الله عزَّ وجل صباحاً ومساءً، طرفي النهار.

 

التسبيح هو التنزيه والتمجيد:

﴿وَسَبِّحُوهُ﴾ سبحوه بمعنى نزهوه، سبحان الله، التسبيح هو التنزيه والتمجيد، أي نَزِّهُهُ عما لا يليق به، ومَجِّد أسماءه الحسنى وصفاته الفضلى: ﴿بُكْرَةً وَأَصِيلًا﴾ أي كل يوم، ولذلك فالصلوات خمس: عن أبي هريرة:

(( أَرَأَيْتُمْ لَوْ أَنَّ نَهْرًا بِبَابِ أَحَدِكُمْ يَغْتَسِلُ مِنْهُ كُلَّ يَوْمٍ خَمْسَ مَرَّاتٍ هَلْ يَبْقَى مِنْ دَرَنِهِ شَيْءٌ؟ قَالُوا: لا يَبْقَى مِنْ دَرَنِهِ شَيْءٌ، قَالَ: فَذَلِكَ مَثَلُ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ يَمْحُو اللَّهُ بِهِنَّ الْخَطَايَا.))

[  صحيح مسلم ]

قال: ﴿هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ﴾ أنت إذا صلَّيت- للصلاة تعريف- أنت إذا صليت اتصلت بالله عزَّ وجل لتقتبس من نوره، لتقتبس من رحمته، لتقتبس من كتابه، إذا وقفت في الصلاة وقرأت القرآن بعد الفاتحة هذا أمر الله، إذا ركعت خضعت، وإذا سجدت استعنت، وإذا كبَّرتَ كبَّرت، وإذا حَمِدَّتَ حَمَدَّتَ، هذه صلاة العبد.

 

المُصلي لا يغدر ولا يكذب ولا يستعلي ولا يظلم لأنه اصطبغ بصبغة الله:

لكن صلاة الله عزَّ وجل: ﴿هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُم﴾ الحقيقة يمكن نفهم الصلاة ماذا تعني، قال:﴿هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ﴾ أي يُلْقِي في قلبكم نوراً ترون به الحقَّ حقَّاً والباطل باطلاً، يلقي في قلوبكم سكينةً ترتاحون بها، يلقي في قلوبكم مكارم الأخلاق، أي عندك بالصلاة ثلاثة أشياء، الصلاة طهور، والصلاة نور، والصلاة مكارم أخلاق، أي المُصلي لا يغدر، ولا يكذب، ولا يستعلي، ولا يظلم لأنه اصطبغ بصبغة الله عزَّ وجل، قال تعالى:

﴿ صِبْغَةَ اللَّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً وَنَحْنُ لَهُ عَابِدُونَ (138)﴾

[ سورة البقرة ]


المصلي يمتلك رؤية صحيحة وقلباً طاهراً وكاملاً:

المصلي اتصل بالله، والله نور، ألقى الله في قلبه النور:

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (28)﴾

[ سورة الحديد ]

﴿ وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى (124)﴾

[  سورة طه  ]

إذاً المؤمن مستنير بنور الله، اتَّقُوا فِرَاسَةَ الْمُؤْمِنِ فَإِنَّهُ يَنْظُرُ بِنُورِ اللَّهِ، هذه الصلاة، مع النور يوجد شيء آخر، مع النور يوجد اصطباغ بصبغة الله عزَّ وجل، يصلح المؤمن رحيماً، أبعد القلوب من الله القلب القاسي، كلَّما اقتربت من الله عز وجل اصطبغت بالرحمة، بالعدل، بالإنصاف، باللطف، بالشفقة، بالتواضع، وكلُّ مكارم الأخلاق من اتصالك بالله عزَّ وجل، إذاً المصلي يمتلك رؤية صحيحة، وقلباً طاهراً، وقلباً كاملاً.

 

مكارم الأخلاق مخزونةٌ عند الله تعالى فإذا أحبَّ الله عبداً منحه خُلُقاً حسناً:


التخلية قبل التحلية، تُخَلَّى من كل العيوب، ومن كل أدران النفس، ثم يُحلَّى القلب بمكارم الأخلاق، ومكارم الأخلاق مخزونةٌ عند الله تعالى، فإذا أحبَّ الله عبداً منحه خُلُقاً حسناً، إذاً: ﴿هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ﴾ أي يتجلَّى عليكم بالسكينة، مرتاح، المؤمن سعيد بقربه من الله، ومهما ابتغيت السعادة من غير قرب الله عزَّ وجل شقيت وأَشْقَيْت، لا سعادة إلا بالاتصال بالله:

﴿ مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (97)﴾

[ سورة النحل  ]

إذاً: ﴿هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ﴾ الآية مفسَّرة، كيف يصلي عليكم وملائكته؟ قال: ﴿لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ﴾ تصير مستنيراً، صاحب رؤية صحيحة، بصر حديد، ترى حقائق الأمور، ترى دقائقها، ترى مؤدَّاها، ترى نتائجها، ترى سِرَّها.

 

صورة من القرآن الكريم عما أعده الله للمؤمنين في الدنيا والآخرة:

﴿وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا﴾ أنت تتصل بالله ربنا عزَّ وجل يتجلَّى عليكَ بالسكينة فترتاح، يطهِّر قلبك فيصير نظيفاً من كل درن، يحلِّيك بالكمال، وفوق هذا وذاك تملك هذا النور الساطع، ﴿وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا (43)﴾ هذا في الدنيا، أما في الآخرة: ﴿تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلَامٌ﴾ فلا مشكلة، ولا قلق، ولا خوف أبداً: ﴿تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلَامٌ﴾ خالق الكون يمنحهم السلام: ﴿وَأَعَدَّ لَهُمْ أَجْرًا كَرِيمًا﴾ يا الله!

في الدنيا طهارة قلب، وكمال، وسعادة، واستنارة، وعند الهول الأعظم سلام، وبعد هذا الهول الأعظم إكرام إلى الأبد، فهذه الآية: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا (41) وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا (42) هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا (43) تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلَامٌ وَأَعَدَّ لَهُمْ أَجْرًا كَرِيمًا(44)﴾ .

 

للمؤمن مهمّتان؛ مهمَّة التبليغ والتزكية:

﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا﴾ على أمَّتك: ﴿وَمُبَشِّرًا﴾ لمن أطاعك، ﴿وَنَذِيرًا﴾ لمن عصاك، شاهد، ومبشِّر، ونذير، ﴿وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ﴾ إلى معرفة الله، وإلى طاعته، وإلى التقرُّبِ إليه، ﴿وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا)﴾ أي بدعوته تتعرَّف إلى الله، وبصحبته يمتلئُ قلبك من نور الله، إذاً له مهمّتان؛ مهمَّة التبليغ والتزكية، ﴿وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ(103)﴾ وقال: ﴿وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ﴾، المؤمن إذا بشَّره النبي عليه الصلاة والسلام، أو إذا بشَّره القرآن بجنَّةٍ عرضها السماوات والأرض، هذه البِشارة تعني أنها تمتص كل متاعبه.

 

القرآن يبشّر المؤمن بالجنة إذا ثبت على ما هو عليه:

كما قلت لكم من قبل: لو وُعِد‍َ الإنسان بمبلغ كبير سيقبضه بعد عام، في هذا العام هو من أسعد الناس، مع أنه ما قبض من المبلغ شيئاً، لكنه دخل بالوعد القطعي، كل قضاياه تحل، يقول لك: غداً أفعل كذا، أفعل كذا، فالمؤمن حينما يوقن أنه من المبشَّرين بالجنَّة، طبعاً القرآن بشَّره إذا ثبت على ما هو عليه، لا يغيِّر الله ما بقومٍ حتَّى يغيِّروا ما بأنفسهم: ﴿وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ فَضْلًا كَبِيرًا (47)﴾ فضل كبير، الكبير يقول لك: فضل كبير، دائماً لو طفل عمره ثلاث سنوات قال لك: أنا معي مبلغ كبير، كلمة كبير من طفل تعني حجماً صغيراً، أما إذا قال لك إنسان يملك أموالاً طائلة: أنا معي مبلغٌ كبير، أو سأعطيك شيئاً كبيراً، فلذلك هذا وصفٌ دقيق: ﴿وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ فَضْلًا كَبِيرًا (47) وَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ وَدَعْ أَذَاهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا (48)﴾ أي: 

﴿ وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِذْ قَالُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ قُلْ مَنْ أَنْزَلَ الْكِتَابَ الَّذِي جَاءَ بِهِ مُوسَى نُورًا وَهُدًى لِلنَّاسِ تَجْعَلُونَهُ قَرَاطِيسَ تُبْدُونَهَا وَتُخْفُونَ كَثِيرًا وَعُلِّمْتُمْ مَا لَمْ تَعْلَمُوا أَنْتُمْ وَلَا آبَاؤُكُمْ قُلِ اللَّهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ (91)﴾

[ سورة الأنعام ]

 

أنت تطلب من الله الكرامة والله يطلب منك الاستقامة:


إذا أردت أن تكون أقوى الناس فتوكَّل على الله، إذا أردت أن تكون أغنى الناس فكن بما في يدي الله أوثق منك بما في يديك، إذا أردت أن تكون أكرم الناس فاتقِ الله، القضيَّة واضحة كالشمس، ما منَّا واحدٌ إلا ويتمنَّى أن يكون أغنى الناس، وأقوى الناس، وأكرم الناس، فعليه بطاعة الله، أنت تطلب من الله الكرامة وهو يطلب منك الاستقامة، ﴿وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا(71)﴾ فاز فوزاً عظيماً بنصِّ القرآن الكريم، وكفاك على عدوِّك نصراً أنه في معصية الله، أكبر نصر لك أنك في طاعته، وأكبر هزيمة له أنه في معصيته، لأنه: ﴿وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا(71)﴾ وتأتي الآيات بعدها في الدرس القادم آياتٌ فيها أحكام متعلِّقة بالنساء، نشرحها إن شاء الله تعالى في الدرس القادم.

والحمد لله رب العالمين 

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور