وضع داكن
25-04-2024
Logo
الدرس : 7 - سورة يس - تفسير الآيات 77-83 ، إبداع الله عز وجل في كل شيء خلقه
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.

 

الله جلّ جلاله حضّ الإنسان على التفكر في خلقه:

 

أيها الأخوة الأكارم؛ مع الدرس السابع والأخير من سورة يس، ومع الآية السابعة والسبعين.

 يقول الله جلّ جلاله في أواخر سورة يس: ﴿أَوَلَمْ يَرَ الْإِنْسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ (77)﴾ هذه الصيغة في علم البلاغة هي استفهام إنكاري، والإنسان إذا عُرِّفَ بـ (ال) فهذا تعريف الجنس أي أيّ إنسان، ومعنى ذلك أن أي إنسان مزود بقوى إدراكية تعينه على معرفة خالقه ومربيه من خلال الآيات التي بثها في الكون، ﴿أولم ير الإنسان﴾ وكلمة يرى هذه تعني العلم، رأيت العلم نافعاً، رأيت الفقر موجعاً، هذه الرؤية تعني العلم، فكأن الله جلّ جلاله يحض الإنسان على أن يرى، يرى ماذا؟ يرى عظمة الله من خلال خلقه، ويرى ضعفه، ﴿أولم ير الإنسان أنا خلقناه من نطفة﴾ كلكم يعلم أن النطاف جمع نطفة، تزيد في اللقاء الزوجي عن ثلاثمئة مليون حوين، وأنَّ كل نطفة أو كل حوين إنْ هو إلا خلية لها رأس، ولها عنق، ولها ذيل، وأما هذه النطفة أو هذا الحوين أو هذه الخلية عليها مورثات فيها معلومات تزيد عن خمسة آلاف مليون معلومة مبرمجة، تسهم هذه المعلومات في تشكيل الإنسان بأدق تفاصيله مع برنامج زمني دقيق دقيق، فعلى كل إن شاء الإنسان أن يغوص في التفاصيل التي عرفها العلماء أو أن يبقى في الكليات، في كلا الطريقين هناك طريق موصل إلى الله عز وجل.

 

إعجاز خلق الله جلّ جلاله في خلق الإنسان من نطفة:

 

 ﴿أَوَلَمْ يَرَ الْإِنْسانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ نُطْفَةٍ﴾ أي ماء مهين، ومعنى مهين أي يستحي به الإنسان، وثلاثمئة مليون حوين يُخْلَق الإنسان من حوين واحد، وهذا الحوين يدخل إلى البويضة، وكما ذكرت في الدرس الماضي في رأسه مادة نبيلة مغلفة بغشاء رقيق، إذا اصطدم هذا الحوين بجدار البويضة تمزق الغشاء وساهم هذا السائل النبيل في إذابة جدار البويضة، فإذا دخل الحوين إلى البويضة وتمّ التلقيح بدأ الانقسام، ولا تزال البويضة في الأنبوب الواصل بين المبيض والرحم، تنقسم الخلية الملقحة إلى عشرة آلاف جزيء من دون أن يزداد حجمها، لأنه لو ازداد حجمها لتعثرت في طريقها إلى الرحم. 

يد من تصنع هذا؟ يد من صممت؟ ويد من نفذت؟ وهذه البويضة أحياناً الله عز وجل قال:

﴿ أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيمًا إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ (50)﴾

[ سورة الشورى ]

أي هذا الحوين لا يستطيع الدخول إلى البويضة إذاً الرجل عقيماً، من يستطيع أن يتدخل في مثل هذه الحالات؟ قد يكون العقيم ملكاً ولا يستطيع أن يُنْجب، وينفق الأموال الخيالية الفلكية ليكون منجباً فلا يستطيع. 

 

خلق الإنسان من آيات الله الدالة على عظمته:

 

﴿يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ (49) أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيمًا(50)﴾ فهذا هو خلق الله عز وجل، أما كلمة يرى فالإنسان إن لم يقرأ هو يرى بعينيه، إن لم ير خلقه ير خلق ابنه، وير خلق من حوله، فهذه آية كبرى من آيات الله الدالة على عظمته، وفي آيات أخرى يقول الله عز وجل:

﴿ فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ مِمَّ خُلِقَ (5) خُلِقَ مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ (6) يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ (7) إِنَّهُ عَلَى رَجْعِهِ لَقَادِرٌ (8)﴾

[ سورة الطارق ]

أي إذا قرأ أحدكم علم الجنين أو علم الأجنة، لا يملك إلا أن يقشعر جلده، وأن تنهمر دموعه لعظم الآيات التي يراها في خلق الإنسان، بالغة العظمة، بالغة الدقة، بالغة التعقيد لدرجة أنه لابد من يد حكيمة هي أحكم ما تكون، قديرة هي أقدر ما تكون، عليمة هي أعلم ما تكون، تُسَيِّرُ هذا الجنين في بطن أمه ليكتمل خلقه في تسعة أشهر وعشرة أيام، على كل لا مجال للتفاصيل الدقيقة لكن من أراد أن يزداد علماً بهذا الموضوع فليرجع إلى الكتب التي تتحدث عن علم الأجنة. 

 

الإنسان المتكبر إنسان جاهل ومنقطع عن الله عز وجل:


الإنسان مادام نطفة خرج من عورة ودخل إلى عورة ثم خرج من عورة، والماء مهين، والحوين الصغير لا يرى بالعين المجردة، يُرى بالمجهر، والبويضة في المرأة هي أكبر خلية في النوع البشري ومع ذلك صغيرة جداً، فهذا الخلق يجب أن يُوْرِث الإنسان الشعور بالعبودية لله عز وجل، فالإنسان كلما ازداد علماً كلما ازداد طاعة لله عز وجل، وإكباراً لخالقه، المتكبر جاهل، هذا الإنسان هذه بدايته، حينما أصبح شاباً أو أصبح كهلاً ونال بعض الشهادات بدأ يناقش، ويجادل، ويخاصم، ويدّعي الفهم، ويدّعي العلم، ويطرح نظريات، ويقول مقولات، ولا يؤمن إلا بما يرى، ويتهم كل ما لم يره بأنه غيبيات، فهذا الإنسان وهذه بدايته، وهذا أصله، وهذا ضعفه.

 

الذي لا نبصره ليس أقل عظمة من الذي نبصره:  


كيف إذا أصبح الإنسان يافعاً أو راشداً أو كهلاً يخاصم ربه ويقول: أنا لا أؤمن إلا بما أرى، أنا واقعي، هذا الدين شيء خيالي، شيء مغيّب، هذا خصيم مبين، ربنا عز وجل قال:

﴿ فَلَا أُقْسِمُ بِمَا تُبْصِرُونَ (38) وَمَا لَا تُبْصِرُونَ (39)﴾

[  سورة الحاقة  ]

الآن هناك كتب فيها صور بالمجهر الإلكتروني عن خلق الإنسان، عن الكريات الحمراء، عن شبكية العين، عن الأذن، عن الحواس، المنظر لا يصدق لعظمته، هذا كله لم نكن نبصره من قبل، فربنا عز وجل حينما قال: ﴿فَلَا أُقْسِمُ بِمَا تُبْصِرُونَ (38) وَمَا لَا تُبْصِرُونَ (39)﴾ معناه الذي لا نبصره ليس أقل عظمة من الذي نبصره، هذه العين لها عتبة، لكن هناك أشياء لا تراها العين، الآن نراها بالمجاهر الإلكترونية التي تكبر الشيء من أربعين إلى خمسين ألف مرة وبعض الصور أربعمئة ألف مرة تكبرها، أي ترى الثقب في الجلد، أو مسام الجلد وكأنه كهوف، ترى الشعر وكأنه غابات، ترى الكريات الحمراء وكأنها أقراص، ترى شبكية العين وكأنها نبات كثيف جداً ينمو إلى جانب بعضه بعضاً، فالشيء الذي نراه في هذه الصور لا يُصَدق فهذا معنى قوله: ﴿فَلَا أُقْسِمُ بِمَا تُبْصِرُونَ (38) وَمَا لَا تُبْصِرُونَ (39)﴾ .

 

خلق الله عز وجل الحواس لتتناسب مع حاجة الإنسان:

 

الله عز وجل قال:

﴿ إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ (49)﴾

[ سورة القمر ]

الحواس لها قدر تتناسب مع حاجاتك، أما لو اشتدت الرؤية لرأيت كأس الماء الصافي يغلي بالكائنات الحية، إذا الإنسان وجد قشة تعاف نفسه عن شرب كأس الماء، فلو زاد الله عز وجل القدرة الإبصارية في الإنسان فرأى الكائنات الحية أي كما يقولون: أشد الناس تعقيماً في الصاد الموصد عليه بالميليمتر كذا جرثوم وكذا كائن حي بعد التعقيم، فالعالم الذي لا نشاهده ليس أقل عظمة من العالم الذي نشاهده، وعلى كل لا يُلقى من المعلومات في المساجد إلا النذر اليسير، الأشياء الواضحة الجلية، أما دقة المعلومات إذا رجعتم إلى الأصول إلى مظان هذه الكتب ترون العجب العجاب. 

على كل بالشكل الظاهر: نقطة ماء أصبحت إنساناً سوياً له دماغ، وله أعصاب، أعصاب حس، وأعصاب حركة، وله قلب، وأربعة تجاويف، ودسامات، وشرايين، وأوردة، وله جهاز تنقية، وله جهاز هضم، وله جهاز عظمي، وله جهاز عضلي، وله غدد صماء، ولا تزال هذه الغدد أسراراً يجهلها الإنسان. 

 

 إبداع الله عز وجل ظهر بالإنسان ومع ذلك فهو يدّعي ما ليس له:


مركز توازن السوائل لو اختل لاحتجت إلى أن تقبع إلى جانب صنبور الماء طوال الليل والنهار، ولاحتجت إلى إفراغ هذا السائل أي تعطلت حياتك، مركز التوازن الحراري أحياناً يختل، 40 درجة تصبح حرارة الإنسان مستمرة إلى أن يموت، يوجد أجهزة بالإنسان، مراكز ضبط تحار بها العقول، مركز ضبط بلازما الدم، لو كلور الصوديوم ازداد في الدم فوق ثمانية بالألف لمات الإنسان، لو قلّ عن سبعة بالألف مات الإنسان، جهاز الكليتين هو الذي يضبط هذه النسب، لو تعطل جهاز ضبط النسب لمات الإنسان، بالكبد يوجد هرمون التجلط وهرمون التميع، من إفراز هذين الهرمونين بشكل متوازن نرى الدم بهذه الميوعة الصحية، فلو أن هرمون التجلط زادت نسبته لأصبح الدم وحلاً في الأوعية ولمات الإنسان، ولو زاد هرمون التميع لسال دم الإنسان من جرح بسيط وانتهت حياته، الصفائح الدموية، الكريات البيضاء، عوالم الجسم عوالم لا تنتهي. فهذا المخلوق المعتنى به، إبداع الله عز وجل ظهر بالإنسان وهذا الإنسان يخاصم ربه؟! يدّعي ما ليس له، يدّعي أنه فعّال، يدّعي في أوروبا أنه إله هذا العصر، ﴿فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ (77)﴾ .

 

الإنسان الكافر يتوهم أن الله لا يحيي الإنسان بعد موته:


رجل جاء إلى النبي عليه الصلاة والسلام وفي يده عظمة بالية، فربنا عز وجل أنزل في هذه الحادثة قرآناً قال: ﴿وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ﴾ لو أنه تذكر خلقه لما ضرب هذا المثل، متى ضرب هذا المثل؟ عندما نسي خلقه، والناس نيام إذا ماتوا انتبهوا، فالإنسان قبل أن يأتي ملك الموت، وقبل أن يندم، ولات ساعة مندم، ليذكر قبل ألا ينفعه التذكر، ﴿وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ (78)﴾ من؟ هذا الإنسان الكافر توهم أن هذه العظمة، أن هذه القطعة من العظم البالية التي تُفتّ باليد، من يحييها؟ فجاء الجواب من قبل الله عز وجل: ﴿قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ﴾ أنشأ الشيء، صنعه لأول مرة ابتداء وإبداعاً. 

 

خلق الإنسان خلق تام لم يطرأ عليه أي تعديل:

 

الإنسان حينما خلق، خلقه الله عز وجل، هل طرأ عليه تعديل؟ منذ أن خُلِق كان خلقه كمالاً مطلقاً، الإنسان حينما يصنع الآلات يضيف، ويحذف، ويقوي هذه الناحية، ويتدارك هذه الناحية في العام القادم، ويختصر هذه الناحية، ويضع الأجهزة لهذه الناحية، ولا أدل على ذلك من أن كل آلة صنعها الإنسان يجري عليها تطويراً وتعديلاً إلى ما شاء الله، الإنسان مادام تتنامى خبرته، ويتنامى علمه وخبرته يُعدّل مصنوعاته، لكن الله عز وجل علمه قديم، وخبرته قديمة، فخلق الإنسان خلق تام لم يطرأ عليه أي تعديل، ﴿قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ﴾ .

 

خلق الله للإنسان معجز وبأحسن تقويم:  


لا أدري ماذا أقول؟ الإنسان إذا تحرك لولا جهاز التوازن لوقع على الأرض، من صمم هذا الجهاز؟ ثلاث قنوات نصف دائرية فيها سائل، فيها أشعار، فإذا مال الإنسان يميناً أو شمالاً فإن السائل ارتفع عند الميل، ولامس الأشعار، فشعر الإنسان أن توازنه قد اختل، يعطي أمراً للعضلات بالتقلص أو الانبساط حتى يستعيد توازنه، من صمم هذا الجهاز؟ الله جلّ جلاله، الأصوات حينما يسمعها الإنسان يعرف جهتها، وإذا عرف جهتها تكيف معها، وهذا من دقة خلق الإنسان. 

 

آيات الله الدالة على عظمته:

 

العين لها بحث طويل، الأذن لها بحث طويل، كيف يفرّق الإنسان بين الصوت والنغم؟ هذه الذاكرة السمعية من صممها، كيف الآن تعرف فلاناً على الهاتف؟ يقول لك: عرفتني؟ تجيبه: نعم أنت فلان، عندك أكثر من ألف أو ألفي صوت بذاكرتك السمعية كلما سمعت صوتاً تذكرته، وقلت: هذا فلان. 

وهناك الذاكرة الشمية، آلاف الروائح والطعوم تعرفها، تقول: هذا الطعام فيه المادة الفلانية.  

وهناك ذاكرة الصور وذاكرة الأرقام وذاكرة الأسماء، الذاكرة وحدها علم قائم بذاته.  

هذه القشرة الدماغية سمكها 2 ميليمتر، فيها أربعة عشر مليار خلية، فيها ألياف عصبية طولها ألف كيلومتر، فيها من خمسين إلى مئة مركز تقوم بأدق الأعمال، أعمال التفكر، والتدبر، والمحاكمة، والاستقراء، والاستنتاج، والتصور، والتخيل، والتذكر، أعلى ما في الإنسان هذه القشرة الدماغية فيها تلافيف متعرجة، المساحة قليلة، والسطوح كثيرة بهذه الطريقة، هذا الإنسان من صممه؟ من صمم هذا الدماغ؟

الإنسان لو شاهد شيئاً مخيفاً، هذه الصورة تنتقل إلى الشبكية وهو الإحساس، حتى هذه الساعة كيف تصبح الأحاسيس مدركات؟ لا أحد يدري، صورة انطبعت على الشبكية خطاً أسود طويلاً أي أفعى، الإنسان لماذا ينفعل؟ لماذا يصيح؟ لماذا يخاف؟ كيف تحوّل هذا الإحساس إلى إدراك في الدماغ؟ وإذا تمّ هذا الإدراك ما الذي حصل؟ لماذا اصفرّ لونه؟ ولماذا خفق قلبه؟ ولماذا تسارعت أنفاسه؟ ولماذا أفرز كبده المواد السكرية الاستثنائية؟ من أعطاه هذا الأمر؟ إنسان رأى أفعى في بستان لماذا ينفعل؟ لأنه انتقل من إحساس إلى إدراك، أدرك أنها أفعى، ما الذي حدث؟ الدماغ عن طريق مركز اتصال بين نظام الأعصاب ونظام الهرمونات.  

الغدد لها نظام، ولها جنود، ولها تسلسل، ولها ملكة، إنها الغدة النخامية، والأعصاب لها نظام، ولها مراكز، ولها تسلسل، ولها ملك إنه الدماغ، الغدة النخامية ملكة الجهاز الهرموني، والدماغ ملك الجهاز العصبي، فهذا الملك أدرك الخطر، أرسل إلى الغدة النخامية أمراً عاماً أن هناك خطراً، عليك أن تتصرفي أيتها الملكة، الغدة النخامية أرسلت أمراً هرمونياً - أمراً كيماوياً- إلى الكظر، الكظر أعطى أربعة أوامر، أمر إلى الأوعية بالتضييق، تجد الخائف اصفر لونه، لأن الخائف ليس بحاجة إلى تورد الوجنتين بل بحاجة إلى سلامته، لذلك هذا الدم الذي يسهم في توريد الجلد يُوَفر للعضلات، من أعطى هذا الأمر فوراً لكل الأوعية بالتضيق؟ ضاقت الأوعية، من أعطى الأمر للقلب؟ القلب كما تعلمون له مركز كهربائي ذاتي يضخ ثمانين ضخة بالدقيقة، أما أن ترتفع هذه الضربات إلى مئة وثمانين ضربة فهذا يحتاج إلى أمر خارج القلب، من الدماغ، الدماغ مركز الإدراك، فالإنسان إذا خاف أسرع قلبه من أجل ماذا؟ من أجل أن يُسْرع الدم في الأوعية ليصل إلى العضلات، وازداد وجيب رئتيه، ولو فحصنا دمه لوجدنا فيه كمية كبيرة من السكر، هذا النظام من صممه؟ نظام الوقاية، من جعل بالعظام أعصاب حس، فإذا أصيبت العظام بكسر، الألم الشديد يسهم في أربعة أخماس العلاج؟ الله جلّ جلاله.  

من جعل الطحال معملاً لكريات الدم الحمراء؟ الإنسان وهو في بطن أمه قبل أن يتشكل عظمه تشكلاً نهائياً يحتاج إلى دم، من يصنع الدم؟ معمل دم مؤقت هو الطحال، فإذا نما عظم الجنين، وفي عظم الجنين نقي العظام، وفي نقي العظام معامل كريات الدم الحمراء، فإذا نمت العظام توقف الطحال عن صنع الكريات الحمراء، وبدأ نقي العظام بتصنيع الكريات، انقلب الطحال إلى معمل احتياط، وإلى مقبرة لكريات الدم الحمراء، ومعنى مقبرة تُحلل إلى عواملها الأولى، وترسل تارة إلى الكبد لتُكوِّن الصفراء، وتارة إلى نقي العظام، الحديد يذهب إلى هناك ليُعاد تصنيعه، ويبقى الطحال مخزناً للدم، يُصْرف في حالات النزيف، وارتفاع الحرارة، وما شاكل ذلك، هذا الطحال عالم قائم بذاته، يمكن أن يُكتب عنه أطروحة دكتوراه، الطحال لوحده!.  

البنكرياس: الذي معه مرض سكر يعاني كثيراً، البنكرياس يفرز مادة الأنسولين يجعل السكر يحترق في الجسم بدرجة 37 درجة، مع أن السكر يحتاج لمئة درجة ليحترق فيها، أما في الجسم فالسكر يحترق احتراقاً تاماً في درجة 37 درجة، هذا الإنسان صنع من؟ ﴿أولم ير الإنسان أنا خلقناه من نطفة﴾ أي معقول نطفة حوين لا يُرى بالعين يُرى بالمجهر فيه هذه البرمجة؟! هذه الأجهزة الدقيقة؟!

العصب البصري تسعمئة ألف ليف عصبي، لكل عصب غمد، من أجل نقاء الصورة، ماذا أقول لكم؟ الجمجمة، الدماغ، المفاصل، العظام، المعامل، الأجهزة، الحواس الخمس، كل حاسة العلم حتى الآن ما وصل لشيء فيها، وصل إلى لمسات.  

 

كيفية تفريق الأذن بين الضجيج وبين النغم:


لكن مثلاً الآن الإنسان لو سمع شيئاً يسحق تحت باب يكاد يخرج من جلده هذا اسمه: الضجيج، فإذا سمع صوت شلال يطرب له، هذا اسمه: نغم. كيف تفرق الأذن بين الضجيج وبين النغم؟ لا أحد يدري.

 

آيات الله الدالة على عظمته في خلقنا:


﴿وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ﴾ لو أنه ذكر خلقه لما ضرب هذا المثل، لآمن بالله عز وجل. إذاً ماذا نستنبط نحن؟ يجب أن نذكر كيف خُلِقنا؟ نذكر أجهزتنا، نذكر آيات الله الدالة على عظمته في خلقنا، ربنا عز وجل يقول:

﴿ سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (53)﴾

[ سورة فصلت  ]

وفي آية ثانية:

﴿ وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ (21)﴾

[ سورة الذاريات  ]

أقرب شيء إليك جسمك، فالإنسان كلما تحرك، السعال مثلاً ما هو السعال؟ الآن العقبة الكبرى التي تقف أمام الأطباء في زرع الرئتين هي أن الرئة المزروعة صاحبها لا يسعل، ما معنى السعال؟ معناه أن هناك أهداباً في الرغامى، في القصبة الهوائية تتحرك نحو الأعلى، تدفع كل شيء نحو الأعلى، فإذا دخل شيء للرئة غريب عن طبيعتها الإنسان يسعل حتى يخرج هذا القشع، فإذا زُرِعت رئة، توصيل أعصاب السعال فوق طاقة العلماء، فالإنسان إذا لم يسعل يموت، تصبح رئتيه كلها إنتانات، إذا دخلت قطرة ماء، الإنسان يسعل حتى يخرج كل شيء إلى خارج الرئة، وماء قليل في الرئة قد يميت الإنسان، من جعل هذه الأهداب المتحركة نحو الأعلى؟ الله عز وجل. 

بالمناسبة الدخان النيكوتين بالدخان يشل هذه الأهداب، كل إنسان يدخن، أهداب الرئة تصاب بالشلل، لها أثر سلبي على حركته. 

هذا لسان المزمار، شرطي مرور يعمل ثمانين سنة بلا كلل وبلا ملل وأنت نائم، يزداد اللعاب بفمك، الدماغ يأخذ إشارة، الدماغ يعطي أمراً وأنت نائم بتصغير الفتحة، يفتح المري وتغلق القصبة الهوائية ويمر اللعاب في المعدة، صُنْعُ مَنْ هذا؟ الله جلّ جلاله.

وأنت نائم يزداد الضغط على جسمك، الجهاز العظمي وما فوقه من عضلات له وزن ضاغط على ما تحته، هذه العضلات إذا ضُغِطت ضاقت لمعة الأوعية الدموية، يقول لك: نمّلت رجلي، اخضرت، ماذا يعني الاخضرار والتنميل؟ أي التروية ضَعُفت، هذه اللمعة انضغطت فقَلَّت حركة الدم في الأوعية فشعر الإنسان بهذا التنميل، وأنت نائم يوجد مراكز ضغط بالعضلات تشعر بالضغط تُعْلم الدماغ، الدماغ يعطي أمراً للعضلات وأنت نائم بالتقليب، الله قال: 

﴿ وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقَاظًا وَهُمْ رُقُودٌ وَنُقَلِّبُهُمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَذَاتَ الشِّمَالِ وَكَلْبُهُمْ بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ بِالْوَصِيدِ لَوِ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِرَارًا وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْبًا (18)﴾

[ سورة الكهف ]

وهذه من آيات الله، لولا تقلب الإنسان في النوم لتسلّخ جلده، لذلك الذي معه سبات دائم أول علاج له التقليب هكذا يقول له الطبيب، وإلا هذه الأوعية التي ضاقت لمعتها يقل الدم فيها فتصاب النسج اللحمية بالموات، وتموت هذه النسج، الإنسان كلما فكر بجسمه يشعر بضعفه وافتقاره إلى الله عز وجل، وعِظَم فضل الله عليه، فيأخذ حجمه الطبيعي. 

 

خالق الكون لا حدود لعلمه:

 

﴿أَوَلَمْ يَرَ الْإِنْسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ (77) وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ (78) قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ (79)﴾ ألا تشعر أن خالق الكون علمه مطلق؟ ﴿بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ﴾ .

 

البعوضة أصغر كائن من آيات الله الدالة على عظمته:

 

هل الإنسان فقط دقيق؟ أي مخلوق، البعوضة لها ثلاثة قلوب، البعوضة لها جهاز رادار، ولها جهاز تخدير، ولها جهاز تمييع، والبعوضة ترف أجنحتها أربعة آلاف رفة في الثانية الواحدة إلى مستوى الطنين، وأرجلها لها مخالب ولها محاجم، أي خلقها تام كامل، جهاز تخدير حينما تمتص دم الإنسان لا يشعر إلا بعد أن تطير، والبعوضة معها جهاز تحليل، أخوان ينامان على فراش واحد، هناك دم تحبه ودم لا تحبه، تتجه في الليل إلى جبين أحدهما بجهاز الرادار وتحلل الدم، وتميعه، وتخدر الملدوغ، ثم تطير:

﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا مَا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَيَقُولُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلًا يُضِلُّ بِهِ كَثِيرًا وَيَهْدِي بِهِ كَثِيرًا وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفَاسِقِينَ (26)﴾

[ سورة البقرة ]

الحشرات، الذبابة يقولون: لا يوجد طائرة ترقى إلى مستواها في المناورة في الهواء، يمكن للذبابة أن تحط على السقف، سقوط نحو الأعلى، تُنَاور بزوايا حادة، تكون ماشية بأعلى سرعة فوراً تأخذ زاوية حادة بجهة معاكسة، لو درسنا حركة الذبابة في الفضاء شيء لا يصدق! 

 

صنعة الله المتقنة في خلق العنكبوت:


العنكبوت يخرج منها سائل خيط، هذا الخيط لو سُحِب الفولاذ بقطر هذا الخيط لكان أضعف من خيط العنكبوت الفولاذ، الفولاذ أمتن معدن يتحمل قوى الشد، بيت العنكبوت آية من آيات الله، عندها سائل لزج، خيط لزج وخيط متين، فبيتها مصنوع من خيوط متينة مثل الأساسات، وخيوط لزجة من أجل صيد الحشرات، والقرآن يَذكر أن التي تنسج البيت هي أنثى: 

﴿ مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاءَ كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتًا وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ (41)﴾

[ سورة العنكبوت ]

والعلم الحديث أثبت ذلك أن العنكبوت النساجة هي الأنثى وليس الذكر، ليس الإنسان فقط كامل الخلق، ما من مخلوق إلا وكامل. 

 

الحوت خلق الله التام:

 

الحيتان في البحار، الحوت وزنه 150 طن، فيه زيت 90 برميلاً، يقول لك: زيت كبد الحوت 90 برميل، اللحم 50 طناً، الدهن 50 طناً، وجبة طعامه أربعة أطنان، وسط إذا أراد أن يعمل ريجيم، أربعة أطنان، رضعته الواحدة 300 كيلو غرام، ثلاث رضعات 1000 كيلو غرام باليوم يرضع الحوت، البعوضة بهذا الصغر والحوت بهذا الكبر كله خلق تام، هذا معنى قول الله عز وجل: 

﴿ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَوَاتٍ طِبَاقًا مَا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِنْ تَفَاوُتٍ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِنْ فُطُورٍ (3)﴾

[ سورة الملك ]

 

الله عز وجل إتقانه متقن بينما عجز الإنسان في إتقان صناعته:

 

لا تفاوت في إتقان الصنعة، البعوضة متقنة، والذبابة متقنة، والحوت متقن، والحصان متقن، والصقر عنده قوة إبصار ثمانية أمثال الإنسان، هذا الصقر، وبعض الكلاب عندها قوة شم تزيد عن حاسة الإنسان بمليون ضعف، يكفي أن تعطي هذا الكلب شيئاً من أدوات القاتل إلى أن يصل إليه من الرائحة فقط، لا يزال العلم في بداياته، أجمل كلمة قرأتها لعالم قال: "لم تبتل بعد أقدامنا ببحر المعرفة" ، لازلنا في البدايات. 

عالم النبات، عالم الحيوان، عالم الأسماك، عالم الأطيار، قرأت في مجلة عن الطيران مقدمة قال: إن أرقى طائرة صُنِعت حتى الآن لا ترقى إلى مستوى الطائر، حتى في الأسماك الغواصات كلها تحاول تقليد السمك، ﴿قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ (79)﴾ ليس فقط في الإنسان، الإنسان يتقن شيئاً ويهمل أشياء كثيرة هذه من عادته، يقول لك: هذه اعتنيت فيها، يتقن شيئاً ويهمل أشياء، لكن ربنا عز وجل إتقانه مطلق. 

 

الإعجاز في خلق النبات:

 

﴿وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ (79) الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ نَارًا فَإِذَا أَنْتُمْ مِنْهُ تُوقِدُونَ (80)﴾ قرأت أنه في الحياة العربية في الجاهلية كان هناك نباتان خضراوان رطبان إذا احتكا ببعضهما أورثت ناراً، فهذه الآية تُفسر بادئ ذي بدء على أبسط تفسير، أن الله عز وجل جعل في الجزيرة نباتين خضراوين رطبين إذا احتكا ببعضهما أشعلا النار فكان العرب يستخدمون هذين النباتين في إشعال النار، لكن هذا المعنى يتناسب مع الذين عاصروا هذا النبات، لكن كلما تقدم العلم ألقى ضوءاً كاشفاً على بعض الآيات، ﴿الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ نَارًا﴾ .

 

صنعة الله المتقنة في النبات:

 

يوجد عملية تتم بالنبات الأخضر، شيء من أعجب العجائب، هذا النبات الأخضر فيه مادة اسمها اليخضور هي سرّ لونه الأخضر، إذا جاءها ضوء ولاسيما أشعة الشمس تحوّلت هذا المادة إلى مفاعل حراري من أضخم المفاعلات، ومعنى مُفاعل حراري أي يشطر الماء شطرين، ما الماء؟ الماء مادة مشتعلة جداً الأوكسجين، ومادة مُعِينة على الاشتعال وهي الهيدروجين، أي الماء نار، مادة مشتعلة ومادة معينة على الاشتعال، هذا هو الماء، فشطر الماء يحتاج إلى طاقة بخارية تعادل تسخين الماء 2500 درجة، هذه الطاقة البخارية بإمكانها أن تشطر جزيء ماء. 

اليخضور حينما تصيبه أشعة الشمس يصبح مفاعلاً حرارياً يشطر الماء الذي في الورقة إلى أوكسجين وإلى هيدروجين، النبات يمتص من الهواء غاز الفحم ثاني أكسيد الكربون يمتصه، يتفاعل غاز الفحم مع الهيدروجين مع ثمانية عشر معدناً تذوب مع الماء الذي يمتصه النبات من التربة فيشكل ما يسمى النسغ النازل - النسغ الصاعد ماء ومعادن- يقول لك: هذه التربة بحاجة إلى حديد، إلى منغنيز، إلى فوسفات، هي كلها أسمدة، المعادن أسمدة، فالنبات يمتص الماء مع المعادن، اليخضور يشطر ماء الورقة إلى هيدروجين وإلى أوكسجين، الهيدروجين يتفاعل مع غاز الفحم الممتص من الهواء ومع المعادن ويشكل النسغ النازل، وهذا يشكل كل أغذية الإنسان، بدءاً من القمح والشعير والحمص والحبوب إلى الخضراوات إلى الفواكه إلى الأزهار، هذا هو النبات لهذه الطريقة، فالنبات يطرح الأوكسجين، الجلوس تحت النبات منعش، أعظم النباتات طرحاً للأوكسجين هو الصنوبر، إذا الإنسان معه ضيق صدر وجلس في غابة صنوبر يحس براحة كبيرة كما لو وُضِعت على فمه كمامة أوكسجين، فالنبات يطلق الأوكسجين ويمتص غاز الفحم بعكس الإنسان، الإنسان يستنشق الأوكسجين ويطرح غاز الفحم من أجل التوازن. 

 

الورقة في النبات هي أعظم معمل صنعه الله عز وجل:


هذا النبات يقوم بعملية، والله أنا هكذا أعتقد، أن أعظم معمل صنعه الإنسان- وهكذا قرأت- لا يرقى إلى مستوى الورقة الخضراء..اليخضور ما هذا السر؟ أصابه الضوء صار مفاعلاً حرارياً، شطر الماء في الورقة إلى أوكسجين وإلى هيدروجين، طرح الأوكسجين حقق التوازن في الجو، نحن نأخذ الأوكسجين ونطرح غاز الفحم، النبات بعكسنا يأخذ غاز الفحم ويطرح الأوكسجين، صار هناك توازن، وغاز الفحم مع الهيدروجين مع الثمانية عشر معدناً المذابة في الماء تسهم في صناعة كل الغذاء للبشر، الخضراوات بأنواعها، الفواكه بأنواعها، حتى هذا النسغ النازل يصنع الجذر، يصنع الساق والأوراق والأزهار والثمار، فأنا لا أعرف أنه يوجد سائل يصنعه الإنسان ثم يحقنه يصير صاجاً، ومرة حديداً، ومرة خشباً، ومرة إسفنجاً، ومرة بلاستيك، من غير المعقول سائل واحد تحقِنُهُ يصير كل مرة مادة مستقلة عن الأخرى، هذا النسغ النازل، يُسهم في صناعة الجذور، والجذع، والأغصان، والأوراق، والأزهار، والثمار في كل نبات، فربنا عز وجل في هذه الآية أشار إلى اليخضور، قال:﴿الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ نَارًا فَإِذَا أَنْتُمْ مِنْهُ تُوقِدُونَ (80)﴾ .

 

أحدث نظرية للبترول:


 بعضهم قال: إن هذه الطاقة التي أودعها الله في الأرض، النفط أساسه غابات عملاقة تشكلت في العصور المطيرة، أحدث نظرية للبترول غابات عملاقة تشكلت في عصور مطيرة، ودفنت تحت الأرض، وحللت فكانت البترول، أساسه اليخضور، أي كلمة الشجر الأخضر لولا هذه الورقة الخضراء لما كان هذا النبات، تجد نبتة صغيرة زرعتها أنت، أحياناً بذرة خيار تزرعها بعد أربعين يوماً تجدها طولها أصبح مترين ونصف وثخن جذعها حوالي ثلاثة سنتمتر، ومجموع خضري كبير جداً، من أين جاء كل هذا؟ من الأوراق، الأوراق معمل يصنع الجذع، يصنع الساق، يصنع الأوراق، يصنع الثمار، فربنا عز وجل أشار بهذه الآية إلى هذه المادة العجيبة التي لولاها لما كان النبات على وجه الأرض إطلاقاً، ﴿الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ نَارًا فَإِذَا أَنْتُمْ مِنْهُ تُوقِدُونَ (80)﴾ القرآن الكريم حمّال أوجه، ممكن نفهم الآية على أساس أن هذه الآية إشارة إلى هذا البترول الذي صنع عن طريق الأوراق الخضراء، وقد قيل: إن كل شيء يحترق هو تخزين للطاقة الشمسية في الأساس، فاليخضور لولا هذه الطاقة الشمسية لما شطر الماء، فكأن هذا الخشب فيه جزء من الطاقة الشمسية، ﴿الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ نَارًا فَإِذَا أَنْتُمْ مِنْهُ تُوقِدُونَ (80)﴾ الشجر نفسه كان أخضر، كان أساسه الماء ثم أصبح يابساً فجعلته وقوداً، أو أن هذا الشجر أصبح بترولاً خاماً، ﴿فَإِذَا أَنْتُمْ مِنْهُ تُوقِدُونَ﴾ أو أن هذا الشجر لولا هذا اليخضور لما كان، أو أن هذين النباتين الخضراوين الرطبين إذا احتكا ببعضهما أورثا ناراً، هذا المعنى الأول الذي كتبه المفسرون. 

 

قدرة الله عز وجل في إعادة الخلق مرة ثانية:

 

﴿أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ﴾ يوم القيامة، أي البدء أهون أم الإعادة؟ الإعادة أهون، فالإنسان حينما يُنكر البعث، يُنكر يوم القيامة، على أي شيء يعتمد؟ الذي خلق هذا الكون بسماواته وأرضه يا ترى أليس قادراً على أن يعيد خلقه مرة ثانية؟ ربنا قال: ﴿بَلَى وَهُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ﴾ خلّاق صيغة مبالغة أي كثير الخلق عدداً، وكثير الخلق نوعاً، وكثيره كمَّاً، ﴿إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (82)﴾ الإنسان حياته مبنية على أن الإنسان فقير وضعيف يقوى بأشياء خارجة عنه، الإنسان يتصل الآن ببلد بعيد بالهاتف فهو ضعيف، صوته لا يصل إلى هذا البلد، لكن يُكَمل ضعفه بشيء خارج عنه هكذا طبيعة الإنسان. الإنسان أحياناً يكسر شيئاً بآلة، يقطع شيئاً بسكين لأنه ضعيف يكمل ضعفه بشيء خارج عنه، لكن الإله العظيم شأنه غير هذا الشأن يكفي إذا أراد شيئاً أن يقول له: كن فيكون وانتهى الأمر. 

 

إرادة الله متعلقة بالحكمة المطلقة وحكمته متعلقة بالخير المطلق:

 

لذلك إذا أراد الله شيئاً وقع، كل ما أراده الله وقع، وكل ما وقع أراده الله، عكس بعضهم أو يكملون بعضهم، كل شيء أراده الله وقع، وكل شيء وقع أراده الله، وإرادة الله متعلقة بالحكمة المطلقة، وحكمته متعلقة بالخير المطلق، لذلك ورد بالحديث القدسي:  عن أبي ذر الغفاري  قال اللهُ تعالَى:

(( يا عبادي! إنِّي حرَّمتُ الظُّلمَ على نفسي وجعلتُه مُحرَّمًا فلا تَظالموا، يا عبادي! إنَّكم تُخطِئون باللَّيلِ والنَّهارِ وأنا أغفِرُ الذُّنوبَ جميعًا ولا أُبالي فاستغفروني أغفِرْ لكم، يا عبادي! كلُّكم جائعٌ إلَّا من أطعمتُ فاستطعِموني أُطعِمْكم، يا عبادي! لم يبلُغْ ضُرٌّكم أن تضُرُّوني ولم يبلُغْ نفعُكم أن تنفعوني، يا عبادي! لو أنَّ أوَّلَكم وآخرَكم وجِنَّكم وإِنسَكم اجتمعوا وكانوا على أفجرِ قلبِ رجلٍ منكم لم يُنقِصْ ذلك من مُلكي مثقالَ ذرَّةٍ، ويا عبادي! لو أنَّ أوَّلَكم وآخرَكم وجِنَّكم وإنسَكم اجتمَعوا في صعيدٍ واحدٍ فسألوني جميعًا فأعطيتُ كلَّ إنسانٍ منهم مسألتَه لم يُنقِصْ ذلك ممَّا عندي إلَّا كما يُنقِصِ المَخيطُ إذا غُمِس في البحرِ، يا عبادي! إنَّما هي أعمالُكم تُرَدُّ إليكم، فمن وجد خيرًا فليحمَدْني ومن وجد غيرَ ذلك فلا يلومَنَّ إلَّا نفسَه . ))

[ حلية الأولياء: خلاصة حكم المحدث : صحيح ثابت ]

عطائي كلام كن فيكون، وأخذي كلام.

 

أوجه التفاسير لكلمة ملكوت:


﴿إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (82) فَسُبْحَانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (83)﴾ ..أوجه التفاسير لكلمة ملكوت الملك التام، أوضح لكم ذلك؛ أنت في الدنيا قد تملك بيتاً ولا تنتفع به، باسمك البيت معك ورقة طابو لكن مؤجره، وأجرته رمزية، والمستأجر يحميه القانون، يحميه هو وأهله من بعده، فهذا ملك ناقص، لأنك لا تنتفع منه، وقد تنتفع ببيت ولا تملكه، في قلق مستمر، إذا تعدّل قانون الإيجار تصبح بالطريق، وقد تملك رقبة البيت وتنتفع به لكن معرض لقانون الاستملاك، يظهر أمامك شارع يستملكونه منك، ما هو الملك التام؟ أن تملك الشيء رقبة ومنفعة ومصيراً، فإذا قلنا: الله عز وجل ملك أو بيده ملكوت كل شيء أي ملك الله عز وجل للكون ملك تام خلقاً وتصرفاً ومصيراً:

﴿ قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (26)﴾

[ سورة أل عمران ]

الإنسان لا يملك شيئاً، عينه فجأة يتعطل مركز الرؤية بالدماغ لم يعد باستطاعته أن يرى، من منا يملك عينه؟ من يملك سمعه؟ من يملك عقله؟ يكون بأعلى درجة من الوقار والهيبة يختل شيئاً بعقله يصير مكانه بمستشفى الأمراض العقلية، أهله خافوا منه ابتعدوا عنه.

 

الإنسان لا يملك شيئاً كل شيء بيد الخالق سبحانه:

 

الإنسان لا يملك شيئاً، من يملك قلبه؟ من يملك انتظام نمو الخلايا؟ يكون شخصاً بأعلى درجات الصحة، فجأة اختلّ نمو الخلايا بجسمه يقول لك: والله لم يعش كثيراً، من يملك كبده ألا يتوقف عن العمل؟ من يملك كليتيه لا يتوقفان عن العمل؟ من منا يملك طحاله؟ لا يوجد عضو من أعضاء الإنسان إلا يسبب وفاته لو تعطل، فالإنسان لا يملك شيئاً، ﴿فَسُبْحَانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ﴾ قال بعض المفسرين: الملك ملك الأجسام والملكوت ملك الأرواح، لكن أوجه التفاسير الملكوت الملك التام، أي أعلى درجات الملك هي ملك الله لخلقه خلقاً وتصرفاً ومصيراً.

والحمد لله رب العالمين

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور