وضع داكن
28-03-2024
Logo
الدرس : 4 - سورة الكهف - تفسير الآيات 21 – 31 ، كل عمل له ثمن
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين ، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم ، اللهم علمنا ما ينفعنا ، وانفعنا بما علمتنا ، وزدنا علماً ، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه ، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه ، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه ، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين . 


  علاقة السبب بالمسبب علاقة شكلية :


 أيها الإخوة المؤمنون ؛ مع الدرس الرابع من سورة الكهف .

بسم الله الرحمن الرحيم ، وصلنا في الدرس الماضي إلى قوله تعالى : ﴿ وَكَذَلِكَ أَعْثَرْنَا عَلَيْهِمْ لِيَعْلَمُوا أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَأَنَّ السَّاعَةَ لَا رَيْبَ فِيهَا إِذْ يَتَنَازَعُونَ بَيْنَهُمْ أَمْرَهُمْ فَقَالُوا ابْنُوا عَلَيْهِمْ بُنْيَاناً رَبُّهُمْ أَعْلَمُ بِهِمْ قَالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلَى أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِداً﴾ .. كلمة (أعثرنا) أساسها عثرنا ، وهذا الفعل له استعمال دقيق ؛ تقول : عثرت عليه ، وعثرت به ، عثرت عليه بعد بحث طويل ، وعثرت به صدفة ، أما أعثر فقد نُقل هذا الفعل من صيغة اللازم إلى صيغة المتعدي ، أي إذا بحثت عن الشيء ثم وصلت إليه فقد عثرت عليه ، وإذا وجدته صدفة فقد عثرت به ، فإذا دللت عليه فقد أعثرت عليه ، إذا دُللت جهة أخرى دلتك عليه ، فربنا سبحانه وتعالى يقول : ﴿ وَكَذَلِكَ أَعْثَرْنَا عَلَيْهِمْ ﴾ أي الله سبحانه وتعالى هو الذي خلق الظروف كي يعرف الناس أن في هذه المغارة أناساً مضى على نومهم فيها ثلاثمئة عام ، هذا الموضوع يقودنا إلى موضوع آخر وهو أن الإنسان بحسب العادة لا يألف أن يبقى الإنسان كما هو مدة طويلة ، لكن هذا بحسب العادة ، قد تقول : أن يبقى الإنسان ثلاثمئة عام دون أن يصيب جسده تلف  أو فناء ، هذا ممتنع عادةً ، ولكنه ليس ممتنعاً عقلاً ، لأن الله على كل شيء قدير .

لذلك قال علماء التوحيد : علاقة السبب بالمسبب علاقة شكلية ، بمعنى أن الحكم العادي هو شيئان تلازم وجودهما وعدمهما ، وليس أحدهما علةً كافية لخلق الآخر ، أي الله عز وجل ممكن من دون طعام ولا شراب أن يقي الإنسان التلف والفناء ، فالله عز وجل على كل شيء قدير ، أي دائماً وأبداً هذه عقيدة أهل السنة والجماعة ، أن الأمور تقع عندها لا بها ، ما معنى عندها لا بها ؟ أي الأمر يقع عند وجود الإرادة الإلهية ، لا بالسبب ، السبب وحده غير كافٍ لحصول النتيجة ، لكن هناك ترافقاً شكلياً بين السبب والنتيجة .

أي من لوازم الشبع تناول الطعام ، تناول الطعام سبب لحدوث الشبع ، هذه علاقة سبب بنتيجة ، لكن الحقيقة في علم التوحيد أن الله عز وجل قادر على أن يخلق حالة الشبع من دون طعام ، النار تحرق ، هكذا العادة ، ولكن الله عز وجل قادر على إيجاد نار ملتهبة لا تحرق.

﴿ قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ (69)  ﴾

[ سورة الأنبياء ]

انتهى الأمر .

 

صور الإعجاز في قوله تعالى : وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلَاثَ مِئَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعاً:

 

1 ـ الصورة الأولى : الإعجاز العددي :

لذلك : المعجزة الأولى ، الإعجاز في قوله تعالى : ﴿ وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلَاثَ مِئَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعاً ﴾ هذا إعجاز رياضي .  

2 ـ الصورة الثانية : التقليب ذات اليمين وذات الشمال :

والشيء الثاني : ﴿ وَنُقَلِّبُهُمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَذَاتَ الشِّمَالِ وَكَلْبُهُمْ بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ بِالْوَصِيدِ﴾ .

3 ـ الصورة الثالثة : حفظ الأجسام مدة ثلاثمئة عام :

والإعجاز الثالث هو أن الله عز وجل حفظ هذه الأجسام كما هي عليه ساعة نومها مدة ثلاثمئة عام ، لذلك عندما يسمع الإنسان أن فلانًا الفلاني بقي في قبره سنوات طويلة دون أن يفنى ، قد يكون صالحاً ، قد يكون ولياً لله عز وجل ، فليس شرطاً أن تفنى الأجساد بعد الموت ، هكذا العادة ، ولكن هناك استثناءات ، لأن حصول السبب غير كاف لحدوث النتيجة ، لابد من إرادة الله عز وجل ، إذا أراد الله كانت النتيجة بلا سبب ،  فهذه القصة دليل على أن في الحياة أشياء ممكنة عقلاً ، وهناك أشياء مستحيلة الوقوع ، وهناك واجب الوجود وهو الله سبحانه وتعالى ﴿ وَكَذَلِكَ أَعْثَرْنَا عَلَيْهِمْ لِيَعْلَمُوا أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ ﴾ ..أي إذا وعد الله عز وجل عباده بالبعث بعد الموت فهذا دليل على أن الله على كل شيء قدير . 

 

التمكين في الأرض وعد إلهي محقق الوقوع :


﴿ وَأَنَّ السَّاعَةَ لَا رَيْبَ فِيهَا إِذْ يَتَنَازَعُونَ بَيْنَهُمْ أَمْرَهُمْ فَقَالُوا ﴾ كأن هناك فريقين ، فريق ليس مؤمناً بهم ، وفريق على ملتهم ، ﴿ فَقَالُوا ابْنُوا عَلَيْهِمْ بُنْيَاناً ﴾ .. أي أغلقوا باب الكهف ، وانتهى الأمر . ﴿ قَالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلَى أَمْرِهِمْ ﴾ هؤلاء الذين على دينهم ، وقد مكنوا في الأرض . وفي المناسبة ربنا سبحانه وتعالى يقول :

﴿ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (55) ﴾

[  سورة النور  ]

التمكين في الأرض وعد إلهي محقق الوقوع ، يوجد آية ثانية :

﴿ وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (139) ﴾

[ سورة آل عمران  ]

هذا كلام رب العالمين ، أنتم الأعلون ، الأعلون في عقيدتكم ، عقيدتكم هي الصحيحة ، أنتم على الحق ، أنتم الأعلون ، بالنسبة لكل من فكر في موضوع ما ، أنتم الذين اعتقدتم الحقيقة الصحيحة التي تؤكدها الوقائع اليومية ، أنتم الأعلون ، أعلون في عقيدتكم ، أعلون في أخلاقكم ، أعلون في مكانتكم ، أعلون في سمعتكم . 

 

النهي عن اتخاذ القبور مساجد :


﴿ وَكَذَلِكَ أَعْثَرْنَا عَلَيْهِمْ لِيَعْلَمُوا أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَأَنَّ السَّاعَةَ لَا رَيْبَ فِيهَا إِذْ يَتَنَازَعُونَ بَيْنَهُمْ أَمْرَهُمْ فَقَالُوا ابْنُوا عَلَيْهِمْ بُنْيَاناً رَبُّهُمْ ﴾ هذا الفريق الذي قال : ﴿ ابْنُوا عَلَيْهِمْ بُنْيَاناً ﴾ كأنهم ليسوا على ملتهم ، ﴿أَعْلَمُ بِهِمْ قَالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلَى أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِداً﴾ .

النبي عليه الصلاة والسلام نهى أن تجعل القبور مساجد ، لماذا ؟ لئلا يصلى إليها ، لئلا يُتخذ القبر قبلة للمصلين ، لئلا يُعبد صاحب هذا القبر من دون الله ، لئلا تنشأ وثنية هي في الأصل قبر لرجل صالح ، النبي عليه الصلاة والسلام نهى عن أن تُتخذ قبور الأنبياء والصالحين مساجد ، وفرق بين أن تصلي لله عز وجل ، وأن تصلي للقبر ، لا يمنع إذا دخلت مسجداً فيه قبر لصالح ، ليس القبر في جهة القبلة ، وأنت لا تصلي له ، إنما تصلي لله عز وجل ، فالأمر دقيق ، هناك أناس يؤكدون أن الدخول لمسجد فيه قبر لا يجوز ، لكن الذي لا يجوز أن تصلي لصاحب هذا القبر ، هذا الذي لا يجوز ، أن تتجه إليه ، أن تعظمه من دون الله ، أما إذا كنت متجهاً إلى الله عز وجل  وإذا كنت تصلي لله عز وجل ، فهذا لا يمنع .

 

المسجد مكان العبادة والذكر والدعوة فيه لا تكون إلا لله عز وجل فقط :


 لذلك : ﴿ رَبُّهُمْ أَعْلَمُ بِهِمْ قَالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلَى أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِداً﴾ والحقيقة كلمة (مسجد) لها استعمال دقيق في القرآن ، المسجد المكان الذي يذكر فيه اسم الله عز وجل ، بدليل قوله تعالى :

﴿ وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا (18)  ﴾

[  سورة الجن  ]

من هذه الآية يفهم أنه لا يجوز أن تدعو إلا إلى الله عز وجل ، هذا المنبر منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهذا المكان مكان مقدس ، لا ينبغي أن تطرح فيه قضايا تمس زيداً ، أو عبيداً ، أو جهةً ، أو ملةً ، أو نحلةً ﴿ وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا ﴾ لا ينبغي أن يذكر في المسجد إلا اسم الله عز وجل ، والدليل هذه الآية ، فكلمة مسجد تعني المكان الذي يُذكر فيه اسم الله ، أي هذا اسم نوع ؛ أي مكان على مرّ الدهور والعصور  يُذكر فيه اسم الله هو عند الله مسجد ، هناك ما يؤكد ذلك :

﴿ سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّه هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (1)  ﴾

[  سورة الإسراء ]

لم يكن مسجداً ، ﴿ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى ﴾ هذه لما سيكون ، فالمسجد مكان العبادة ، مكان الذكر . 

 

الاهتمام بجوهر الدين والابتعاد عن الجزئيات :


الآن ننتقل إلى موضوع دقيق : ﴿ سَيَقُولُونَ ثَلَاثَةٌ رَابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سَادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ رَجْماً بِالْغَيْبِ وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِمْ ﴾ .. هذه النقطة في القصة تشير إلى أن الإنسان لا ينبغي أن يقف عند الجزئيات التي لا علاقة لها بمغزى القصة ، دائماً يجب أن تعرف ماذا يريد المتكلم ، يريد أن يؤكد هذا المعنى ، ابقَ في هذا المعنى ، فإذا انحرفت أنت بجزئيات وتفصيلات لا علاقة لها بهذا المعنى فهذا نوع من سوء الفهم ، ونوع من الغفلة عن المغزى الذي هو أساس القصة ، فأن يكونوا ثلاثة ، أو أربعة ، أو خمسة ، أو ستة ، أو سبعة ما المغزى من ذلك ؟ هذه الأرقام لا تقدم ولا تؤخر ، ولا تعمق فهمنا للقصة ، المراد منها أن هؤلاء الفتية آمنوا بربهم ، وزادهم الله هدى ، المراد من هذه القصة ، كن كأصحاب الكهف ، إذا رأوا فساداً عريضاً ، وإعجاب كل ذي رأي برأيه ، وانغماساً في الملذات ، ونفاقاً ، وزيفاً ، واستخفافاً بالقيم الأخلاقية ، إذا رأيت مجتمعاً فاسداً فاعتزله ، وانج بدينك . 

المغزى من هذه القصة : أن تؤمن بعلم الله تعالى .

المغزى من هذه القصة : أن تؤمن بقدرة الله تعالى . 

المغزى من هذه القصة : أن تؤمن بكرامات الأولياء . 

المغزى من هذه القصة : أن يكون هؤلاء أصحاب الكهف في محنتهم ، وفي الحياة الفاسدة التي عاشوا فيها ، وفي لجوئهم إلى الكهف قدوةً لك . 

هناك أشياء كبيرة جداً هي الأهداف الكبرى التي أرادها الله سبحانه وتعالى من هذه القصة ، فكيف ينحرف فهم الناس لهذه القصة إلى وقوع في خلافٍ ، وأخذٍ ، وردٍ ، وتشددٍ ، واستخفافٍ ، ومماحكةٍ ، ونقاشٍ ، وجدالٍ ، في موضوع عددهم ؟ هذا الذي لا يريده الله عز وجل ؛ أن تبقى في الجزئيات ، أن تبقى في القشور ، أن تبقى في السفاسف ، أن تبقى في أشياء لا تقدم ولا تؤخر ، أن تمضي كل وقتك في قشور الدين لا في لبه ، هذا الذي لا يعرف جوهر الدين ينشغل بما حول الدين ، أي طوال حياته يناقش الناس ، ويحاججهم تارةً ، ويسألهم ، ويستفتيهم ، ويرد عليهم ، في أمور خارجية لا تمس جوهر الدين ، ربنا عز وجل في آيات كثيرة أشار إلى جوهر الدين قال تعالى :

﴿ بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ (66)    ﴾

[ سورة الزمر ]

قال :

﴿ وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنْتُ ‎وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا (31)  ﴾

[  سورة مريم  ]

قال :

﴿ قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا (110)  ﴾

[  سورة الكهف ]

هذا جوهر الدين ، دائماً حتى في المركبة يوجد محرك ، ويوجد أشياء تزيينية ، إذا نسيت المحرك ، وصيانته ، احترق وأنت في غفلة عنه ، وترعى ، وتعتني بهذه الأشياء التزيينية ، فأنت لا تعرف حقيقة هذه المركبة ، في الدين أشياء جوهرية ، وأشياء ثانوية ، فإذا أبعد الله عبداً عن الهدى تعلق بالسفاسف ، والنبي عليه الصلاة والسلام يقول :

(( إنَّ اللهَ تعالى يُحِبُّ مَعاليَ الأُمورِ و أَشرافَها و يَكرَهُ سَفْسافَها . ))

[ صحيح الجامع : خلاصة حكم المحدث : صحيح ]

 

إبهام عدد الفتية لعدم الفائدة في الذكر :


﴿ سَيَقُولُونَ ثَلَاثَةٌ رَابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سَادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ رَجْماً بِالْغَيْبِ وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِمْ ﴾ .. عددهم لا يقدم ولا يؤخر ، الله يعلم عدتهم ، كان من الممكن أن يقول الله عز وجل : هم ثمانية ، وانتهى الأمر ، هم سبعة ، هذا تعليم لنا ، درس لنا ، يجب أن تضع يدك على جوهر الأشياء ، على جوهر الدين ، أي إن كنت تاجراً فيجب أن تضع يدك على جوهر التجارة ، هي الربح ، وإن كنت صانعاً فالإتقان ، وإن كنت في موضوع الدين فالاستقامة على أمر الله . 

 

تعاريف جامعة مانعة للدين :


النبي عليه الصلاة والسلام في تعاريف جامعة مانعة ، عَنْ تَمِيمٍ الدَّارِيِّ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :

(( الدِّينُ النَّصِيحَةُ ، قُلْنَا : لِمَنْ ؟ قَالَ : لِلَّهِ ، وَلِكِتَابِهِ ، وَلِرَسُولِهِ ، وَلِأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ ، وَعَامَّتِهِمْ. ))

[ صحيح مسلم ]

تعريف جامع مانع ، أي الدين كله نصيحة ، فإذا تخليت عن النصيحة لست ديِّناً ، انتهى الأمر ، ولو صليت ، وصمت ، وزعمت أنك مسلم ، لمجرد أن تخون إنساناً في نصيحة استنصحك بشيء فأشرت عليه بما لا تفعله لنفسك ، أشرت عليه بخلاف النفع ، خلاف الحقيقة ، خلاف الفائدة ، خلاف الجودة ، إذا أشرت عليه بشيء لا ترضاه لنفسك فلست ديِّناً ، الدين النصيحة ، رأس الدين الورع ، الورع أساس الدين ، من لم يكن له ورع يصده عن معصية الله إذا خلا لم يعبأ الله بشيء من عمله ، رأس الحكمة مخافة الله .

 هذه التعريفات الجامعة والمانعة هي أساس الدين ، الدين المعاملة ، هذا قول ، أي من عامل الناس فلم يظلمهم ، وحدثهم فلم يكذبهم ، ووعدهم فلم يخلفهم ، فهو ممن كملت مروءته ، وظهرت عدالته ، ووجبت أخوته ، وحرمت غيبته ، الدين المعاملة .

قال له : هل حاككته بالدرهم والدينار ؟ قال : لا : قال : هل جاورته ؟ قال : لا ، قال : هل سافرت معه ؟ قال : لا ، قال : أنت لا تعرفه .

 

من سكت الله عنه على الإنسان أن يسكت عنه لأنه لا فائدة منه :


إذا قرأت القرآن فابحث عن هذه التعريفات الجامعة المانعة من أجل أن نفهم هذه الآية ، لا يعنينا أن يكونوا ثلاثة ، أو أربعة ، أو خمسة ، أو ستة ، أو سبعة ، أو ثمانية ، هذا الرقم لا يقدم ولا يؤخر . 

مرة ضربت مثلاً كنت حريصاً على توضيحه ، مدرس أراد أن يعطي طلابه في الثانوية التجارية درساً في أصول التجارة ، فروى لهم قصة عن رجل اشترى محلاً تجارياً في مكان عليه ازدحام شديد ، واختار بضاعةً أساسيةً في حياة الناس ، واختارها من أجود الأنواع ، وجعل سعرها معتدلاً ، وباع نقداً ، وكان لطيفاً ، فربح أرباحاً طائلة ، واشترى بيتاً ، وعاش حياةً كريمةً ، في بحبوحة ويسر ، فأنا أريد أن أنبه هذا الطالب إلى أن أهم ما في التجارة الموقع ، ونوع البضاعة ، وجنس البضاعة ، والسعر المناسب ، والمعاملة الطيبة ، والبيع النقدي ، هذه عناصر ربح في التجارة ، فقال أحد الطلاب لهذا الأستاذ : هذا الذي تحدثنا عنه أهو أبيض أم أسمر اللون ؟ يا أخي لا علاقة لها هذه ، كونه أبيض ، أو أسمر ، طويلاً ، أو قصيرًا ، هذه الجزئيات ليست لها علاقة في القصة ، القصة هادفة ، هدفها أن نعلمك أصول التجارة ، وأن نعلمك أن التجارة قد تربح من خلالها إذا طبقت هذه الشروط ، تقول لي : ما لون هذا التاجر ؟ أين يسكن ؟ ما نوع الثياب التي يرتديها ؟ ما لون الطلاء في دكانه ؟ هذه أشياء جزئيات ليس علاقة بالقصة إطلاقاً .

هذا الذي أريد أن أوضحه لكم لما ربنا عز وجل ذكر أقوال الناس ، واختلافهم في عدد هؤلاء الذين سُموا أهل الكهف ، هو أراد أن يبين هذه الأشياء لا قيمة لها ، لذلك بعد هذا النقاش الطويل لم يذكر ربنا عز وجل عددهم ، ما ذكر لأنه لا جدوى من ذكر العدد ، العبرة أن تكون كهؤلاء الفتية ﴿ إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى ﴾ العبرة أن تعتزل الناس الفسقة كما اعتزل هؤلاء . 

العبرة أن تتكل على الله عز وجل كما اتكل هؤلاء . 

العبرة أن تحب الله أكثر من كل شيء كما أحب الله هؤلاء الفتية . 

العبرة أن يكون هؤلاء الفتية قدوة لك في حياتك . 

لذلك هذا الذي أتمناه عليكم وعلى نفسي ، كلما تَلَونا قصة في كتاب الله أن نقف عند مغزاها . سيدنا يوسف قصة طويلة ، بل هي أطول قصة في القرآن ، ما مغزاها ؟

﴿ لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ وَلِنُعَلِّمَهُ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (21) ﴾

[ سورة يوسف  ]

الفعل فعله ، لا إله إلا هو ، لا معطي إلا الله ، لا مانع إلا الله ، لا معز إلا الله ، لا مذل إلا الله ، لا مغني إلا الله ، لا رافع إلا الله ، لا خافض إلا الله ، هذا هو المغزى ، أما أن نخرج عن فهمنا لهذه القصة لأشياء ؛ يا ترى سيدنا يوسف هل تزوج هذه المرأة التي راودته عن نفسها بعد أن مكنه الله في الأرض ؟ لا أعرف والله ، ولا ينبغي أن أعرف ، ولا أريد أن أعرف ، لأن الذي سكت الله عنه أنا أسكت عنه أيضاً ، لا جدوى منه . 

 

من استنباطات الآية التالية عدم استفتاء أهل الكتاب أو أخذ المعلومات عنهم :


﴿ سَيَقُولُونَ ثَلَاثَةٌ رَابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سَادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ رَجْماً بِالْغَيْبِ وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِمْ مَا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا قَلِيلٌ فَلَا تُمَارِ فِيهِمْ ﴾ لا تجادل فيهم ، لا تخض نقاشاً حول العدد ، بل خض نقاشاً حول المغزى ﴿ فَلَا تُمَارِ فِيهِمْ إِلَّا مِرَاءً ظَاهِراً وَلَا تَسْتَفْتِ فِيهِمْ مِنْهُمْ أَحَداً﴾ .. لذلك : استنبط العلماء من هذه الآية أنه لا ينبغي أن تتوجه إلى أهل الكتاب كي تستفتيهم ، أو أن تأخذ منهم المعلومات ، أن تذهب إلى أهل الكتاب ، إلى كتب أهل الكتاب التي حرفوها لتأخذ منها شيئاً يفيدك في فهم كتاب الله ، لا ، ﴿ فَلَا تُمَارِ فِيهِمْ إِلَّا مِرَاءً ظَاهِراً وَلَا تَسْتَفْتِ فِيهِمْ مِنْهُمْ أَحَداً ﴾ .. وقال بعض العلماء : المنهي عنه المماراة ، معنى المماراة المجادلة ، لا تجادل فيهم ، ﴿ إِلَّا مِرَاءً ظَاهِراً﴾ أيْ إذا سألت عن هذه القصة سؤالاً عابراً ، إما أن تخوض في خلافاتها الشكلية فهذا منهي عنه . 

 

للإنسان الكسب والإرادة ولكن الفعل لا يقع إلا بأمر الله :


﴿ وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَداً * إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ﴾ .. من هنا يُستنبط في علم العقيدة أن الفعل لله ، لك الإرادة ، ولك الكسب ، لكن الفعل لا يقع إلا بأمر الله ، وهذا معنى قوله تعالى :

﴿ فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ (19) ﴾

[ سورة محمد  ]

 

وجوب الذكر بعد النسيان لأن النسيان من طبيعة البشر عامة :


﴿ وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ﴾ .. قلت لكم في الدرس الماضي : إن أحد الأنبياء العظام سأل الله عز وجل فقال : يا رب كيف أذكرك ؟ أو كيف أشكرك ؟ قال : تذكرني ولا تنساني ، إنك إن ذكرتني شكرتني ، وإذا ما نسيتني كفرتني ﴿وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ ﴾ النبي معصوم ، معصوم عن الخطأ في الاعتقاد ، والتبليغ ، والسلوك ، المؤمن محفوظ ، وليس معنى كونه محفوظًا أنه لا يخطئ ، ولكن معنى محفوظ أنه لا يضره خطؤه ، بمعنى أنه يذكر الله إذا نسي ، يتوب إليه ، والله سبحانه وتعالى يعفو عنه ، أي : ﴿ وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ ﴾ الإنسان ينسى ، إذا تذكرت فاذكر ، شعرت نفسك غافلاً اذكر الله عز وجل ﴿ وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ وَقُلْ عَسَى أَنْ يَهْدِيَنِ رَبِّي لِأَقْرَبَ مِنْ هَذَا رَشَداً ﴾ المؤمن مذنب توّاب ، أي كثير التوبة :

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (8)  ﴾

[ سورة التحريم ]

عن عبد الرحمن بن سليمان أبو الجون  :

(( للَّهُ أفرَحُ بتوبةِ التَّائبِ مِنَ الظَّمآنِ الواردِ ، ومنَ العقيمِ الوالِدِ ، ومنَ الضَّالِّ الواجدِ فمَن تابَ إلى اللَّهِ توبةً نصوحًا أنسى اللَّهُ حافِظيهِ وجوارحَهُ وبقاعَ الأرضِ كُلِّها ، خطاياهُ وذنوبَهُ. ))

[ ضعيف الجامع : خلاصة حكم المحدث : ضعيف  ]

فإن تابوا فأنا حبيبهم ، وإذا لم يتوبوا فأنا طبيبهم ، إذا تبت إلى الله عز وجل توبة نصوحاً فأنت حبيب الله ، إذاً : ﴿وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ﴾ دائماً ينسى الإنسان ، ويستمر على هذا النسيان ، ويُصر على هذا النسيان ، هنا الخطأ ، لو جئتني بملء السماوات والأرض ذنوباً غفرتها لك ولا أبالي :

﴿ قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (53) ﴾  

[ سورة الزمر ]

﴿ وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ﴾ نسيت ، صحح ، اعترف بخطئك ، إذا أسأت فأحسن ، الحديث الشريف عَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ : قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :

(( اتَّقِ اللهَ حيثما كنتَ وأتبِعِ السَّيِّئةَ الحسنةَ تمْحُها ، وخالِقِ النَّاسَ بخُلقٍ حَسنٍ . ))

[  المنذري : الترغيب والترهيب: خلاصة حكم المحدث :إسناده صحيح أو حسن أو ما قاربهما ]

﴿ وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ﴾ .. والنسيان من طبيعة البشر ، اللهم إني بشر أغضب كما يغضب البشر ، وأرضى كما يرضى البشر ، وهناك قول : وأنسى كما ينسى البشر ، الإنسان أحياناً يغفل عن شيء ، ويتذكر بسرعة ، لكن نسيان رسول الله صلى الله عليه وسلم من نوع آخر ، نسيان تشريعي لا نسيان مقصود ، النبي الكريم مرة صلى الظهر ركعتين ، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ :

(( صَلَّى بِنَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الظُّهْرَ أَوْ الْعَصْرَ فَسَلَّمَ ، فَقَالَ لَهُ ذُو الْيَدَيْنِ : الصَّلَاةُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنَقَصَتْ ؟ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَصْحَابِهِ : أَحَقٌّ مَا يَقُولُ ؟ قَالُوا : نَعَمْ ، فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ أُخْرَيَيْنِ ، ثُمَّ سَجَدَ سَجْدَتَيْنِ. ))

[ متفق عليه ]

 لم تقصر ولم أنسَ ، لكن تشريعاً . 

 

من لم يكن في زيادة فهو في نقصان :


﴿ وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ وَقُلْ عَسَى أَنْ يَهْدِيَنِ رَبِّي لِأَقْرَبَ مِنْ هَذَا رَشَداً ﴾ كلما بلغت مرتبة ، وظننت أن هذه المرتبة جيدة جداً ، هناك مرتبة أرقى ، لذلك المغبون من تساوى يوماه ، من لم يكن في زيادة فهو في نقصان ، لابد من أن تلاحظ أنك في زيادة ، تنتقل من حال إلى حال ، ومن مقام إلى مقام ، ومن استقامة إلى استقامة ، ومن إحسان إلى إحسان ، ومن قرب إلى أقرب ، لابد من الشعور بالزيادة ، فمن لم يكن في زيادة والزمن يمشي فهو في نقصان .

إذا طالب لم يدرس ، درس إلى السنة الثانية في الجامعة ، ولم يكمل هو ما زاد لكن في نقصان ، لأن كل من حوله سوف يَصِلون إلى درجات عليا ، إذاً هو نقصَ عنهم ، من لم يكن في زيادة فهو في نقصان ، والمغبون من تساوى يوماه. 

 

من اعتمد على غير الله فقد أشرك :


﴿ وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلَاثَ مِئَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعاً * قُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُوا لَهُ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ مَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَداً ﴾ .

﴿ مَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ ﴾ .. أي وإذا أراد الله بقوم سوء فلا مرد له ، لا ملجأ منه إلا إليه ، اعتمدت على مالك الله عز وجل قادر على أن يسوق للإنسان مصيبة لا تحلها الأموال الطائلة ، لو اعتمدت على جاهك قادر أن يسوق للإنسان مصيبة لا يحلها هذا الجاه ، أي شيء تعتمد عليه من دون الله لابد من أن الله عز وجل يكشف لك أن هذا أحد أنواع الشرك ، وأن الله عز وجل يؤدب كل إنسان اعتمد على جهة ما . 

 

النظر بنور الله لاتخاذ القرار الصحيح :


﴿ لَهُ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ ﴾ .. أبصر به ، هذه الباء للاستعانة ، أي أبصر مستعيناً بنوره ، لا تستضئ بنور المشركين ، لا تنظر إلى الدنيا بمنظار الكفرة ، أن هذه الدنيا هي كل شيء ، فالسعيد فيها من كان غنياً ، والسعيد من استغل كل أوقاته في المتع ، والملذات ، وتناول أطيب الطعام ، والانغماس في كل المباهج ، لا ! لا تنظر إلى الدنيا بمنظار الكفرة ، انظر إليها بنور الله تَرَهَا دنية ، زائلة ، انظر إلى كل شيء بمنظار الله عز وجل ، بنور الله ، إذا نظرت إلى المال الحرام بنور الله تراه ناراً ، إذا نظرت إلى المال الحرام بنار المشركين تراه مغنماً ﴿أَبْصِرْ بِهِ﴾ أي ليكن لك رؤية صحيحة ، سيدنا يوسف حينما دعته هذه المرأة أبصر بالله :

﴿ وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَنْ نَفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الْأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ (23)  ﴾

[ سورة يوسف ]

ولو نظر إلى هذا العمل بمنظار أهل الكفر لرآه غنيمة لا تفوقها غنيمة ﴿ أَبْصِرْ بِهِ﴾ أي انظر بنور الله ، إذا كنت متصلاً بالله عز وجل عندئذ تستطيع أن تبصر به ، تصبح لك رؤية صحيحة ، بهذه الرؤية تتخذ بها قراراً صحيحاً ، تسعد في الدنيا والآخرة . 

 

الاستماع إلى الحق وترك أقوال الناس :


﴿ أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ ﴾ .. أيضاً استمع إلى الحق الذي من عنده ، لا تستمع إلى أقوال الناس ، إلى أقوال المرجفين ، إلى أقوال المشركين ، أحياناً يسمع الإنسان أقوال الناس فيقول : لا يوجد أمل ، يوجد انفجار سكاني بالعالم ، المواد الغذائية قليلة في العالم ، العالم مقبل على كارثة كبرى ، على حروب ، أفكار سوداوية تثبط عزيمته ، هكذا يقول لك الكفار : لا إله ، يوجد مواد محدودة ، وتزايد سكان كبير جداً ، فالأمر من سيئ إلى أسوأ . 

 

علاقة صحة النظر بالاطمئنان والأمل :


إذا نظرت إلى أية أزمة ، أو إلى أية مشكلة بنظر أهل الدنيا تزداد انقباضاً ، وتشاؤماً ، وسوداوية ، لكن إذا نظرت إلى أية مشكلة بنور الله عز وجل ، تقرأ الآية الكريمة :

﴿ مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (97) ﴾

[ سورة النحل ]

انتهى الأمر ، وعد إلهي .

﴿ أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ (21)  ﴾

[ سورة الجاثية ]

إذا إنسان أصابه بمرض ، ونظر إلى هذا المرض بمنظار الأطباء فقط غير المؤمنين  يعطونه يأساً ، لا يوجد دواء ، أي هذا المرض ليس له دواء ، أما إذا قرأت قوله تعالى :

﴿ وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ (80) ﴾

[ سورة الشعراء  ]

يدخل إلى قلبك شعاع الأمل ، والله سبحانه وتعالى عند حسن ظن عبده المؤمن ، أنا عند حسن ظن عبدي بي ، فليظن بي ما يشاء ، كل قضية ، الزواج انظر له بمنظار أهل الدنيا ، الزواج متعة ، لذلك يجب أن تختارها جميلة ، وإلا ما أفلحت في نظرهم ، وبعد أن تختار هذه الجميلة تريك النجوم ظهراً هذه الجميلة ، عندئذ تكفر بالجمال كله ، وتبحث عن المرأة الصالحة ، تُنكح المرأة لجمالها ، من تزوج المرأة لجمالها أذله الله ، لجمالها فقط ، ومن تزوجها لحسبها زاده الله دناءة ، ومن تزوجها لمالها أفقره الله ، فعليك بذات الدين تربت يداك ، بزواجك إذا نظرت إلى الزواج بنور الله بحثت عن المرأة الصالحة ، إذا نظرت في تجارتك بنور الله بحثت عن الربح الحلال ، بقية الله خير لكم ، لم تبحث عن ربح كثير حرام ، بل عن ربح حلال قليل ، أي موضوع في الحياة إذا نظرت إليه بنور الله أخذت منه موقفاً آخر ، بنور الله .

 عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مِحْصَنٍ الْخَطْمِيِّ ، وَكَانَتْ لَهُ صُحْبَةٌ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :

(( مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمْ آمِنًا فِي سِرْبِهِ ، مُعَافًى فِي جَسَدِهِ ، عِنْدَهُ قُوتُ يَوْمِهِ فَكَأَنَّمَا حِيزَتْ لَهُ الدُّنْيَا . ))

[ صحيح الجامع  ]

يعيش ناعم البال ، هذه راحة البال لا تقدر بثمن ، ومن أخذ من الدنيا فوق ما يكفيه أخذ من حتفه وهو لا يشعر ، وخذ من الدنيا ما شئت ، وخذ بقدرها هماً ، من أصبح وأكبر همه الدنيا ، جعل الله فقره بين عينيه ، وشتت عليه شمله ، ولم يؤته من الدنيا إلا ما قدر له ، ومن أصبح وأكبر همه الآخرة ، جعل الله غناه في قلبه ، وجمع عليه شمله ، وأتته الدنيا وهي راغمة ، فالمشكلة أن تنظر إلى الشيء بنور الله ، ولن تستطيع أن تنظر إلى الشيء بنور الله إلا إذا كنت مع أهل الله ، سألتهم فأجابوك ، تنورت بهم فأناروا لك الطريق ، بحثت معهم هذا الموضوع فأعطوك حكم الله عز وجل ، لذلك:

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ (119) ﴾

[ سورة التوبة  ]

كن معهم ، لا تعش وحدك ، وحدك يوجد وساوس ، يوجد سوداوية ، يوجد شرك ، يوجد وقوع في مزالق المعاصي ، يوجد وحشة ، يوجد انقباض ، الجماعة رحمة ، والفرقة عذاب ، إذاً : ﴿ أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ مَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَداً ﴾ ، أي ليس مع الله جهة أخرى لها علاقة في تسيير الحياة ، لا إله إلا الله ، ﴿وَلَا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَداً ﴾ ..

﴿ أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنْقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا وَاللَّهُ يَحْكُمُ لَا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ وَهُوَ سَرِيعُ الْحِسَابِ(41)  ﴾

[  سورة الرعد ]

حكمه قطعي ﴿ لَا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ ﴾ .

 

كلمات الله قوانين وقواعد ثابتة :


﴿ وَاتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ كِتَابِ رَبِّكَ لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ ﴾ .. بعض المفسرين أشاروا إلى أن الكلمات هنا معناها بعض الآيات القرآنية تأتي على شكل قوانين ، قواعد ثابتة ، أصول ، مثلاً:

﴿ قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعًا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى (123)﴾

[  سورة طه  ]

هذه أصل .

﴿ كَذَلِكَ حَقَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ فَسَقُوا أَنَّهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (33) ﴾

[  سورة يونس  ]

ما دام الإنسان متلبساً بالفسق فلن يؤمن ، ينحاز في أفكاره مع الكفرة بشكل أو بآخر . 

يوجد مجموعة آيات ﴿ مَنْ عَمِلَ صَالِحًا ﴾ هذه من كلمات الله .

﴿ مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (97)﴾

[ سورة النحل  ]

من كلمات الله أيضاً :

﴿ وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى (124) ﴾

[  سورة طه  ]

من كلمات الله .

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى كَالَّذِي يُنْفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ وَلَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوَانٍ عَلَيْهِ تُرَابٌ فَأَصَابَهُ وَابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْدًا لَا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِمَّا كَسَبُوا وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ (264)﴾

[ سورة البقرة  ]

من كلمات الله .

﴿ أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (258)﴾

[ سورة البقرة  ]

من كلمات الله .

﴿ وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ لِمَ تُؤْذُونَنِي وَقَدْ تَعْلَمُونَ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ (5)﴾

[ سورة الصف  ]

من كلمات الله ، كلمات الله تلك القواعد الأساسية ، هذه الآيات التي تأخذ شكل قوانين ، علاقات ثابتة . 

 

الأسس التي ذكرها الله في القرآن ثابتة لا يضاف عليها ولا يحذف منها :


﴿ وَاتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ كِتَابِ رَبِّكَ لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَلَنْ تَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَداً ﴾ .. أي لا يوجد ملجأ ، لو التجأت إلى أقوى قوة في الأرض لن تغني عنك من الله شيئاً ، لو التجأت إلى مالك لن يغني عنك مالك شيئاً .

﴿ وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ فَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيَهْ (25) وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيَهْ (26) يَا ‎لَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةَ (27) مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيَهْ (28) هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ (29) خُذُوهُ فَغُلُّوهُ (30) ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ (31) ﴾  

[ سورة الحاقة  ]

يوجد آية أخرى :

﴿ ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ (49)  ﴾

[ سورة الدخان ]

كنت في الدنيا تدّعي أنك عزيز ، كريم ، ذق العذاب الآن . 

﴿ وَاتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ كِتَابِ رَبِّكَ لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَلَنْ تَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَداً﴾ آية دقيقة جداً ، الأسس التي ذكرها الله في هذا الكتاب ثابتة لا تلغى ، ولا تعدَّل ، ولا تبدل ، ولا يوقف تنفيذها ، ولا يضاف عليها ، ولا يحذف منها ، إنها ثابتة . 


  مصاحبة المؤمنين الذين يدعون ربهم صباحاً ومساء ولو كانوا ضعفاء وفقراء:


﴿ وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ ﴾ .. كن مع هؤلاء ، هذه الآية في ظاهرها موجهة إلى النبي عليه الصلاة والسلام ، وفي حقيقتها موجهة إلينا بالتبعية ، أي أيها المؤمن ﴿ وَاصْبِرْ نَفْسَكَ﴾ قد تجلس في مسجدٍ لتستمع إلى درس في التفسير ، طبعاً الجلوس على الأرض ، قد تُدْعى إلى سهرةٍ ممتعةٍ ، الجلوس على أريكة فخمة ، وتناول ما لذّ وطاب ، وقد تكون هذه السهرة مختلطة ، وقد يكون فيها منكر ، قد تكون هذه السهرة محببة إلى النفس ، ربنا عز وجل يقول : ﴿ وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ﴾ قم معهم ، اجلس في مجالسهم ، وخلِّ حظك مهما قدموك وراء .

ما لذة العيش إلا صحبة الفقرا        هم السلاطين والسادات والأمرا

فاصحبهم وتأدب في مجالسهم        وخلِّ حـظك مهما قدمـــــوك ورا

***

﴿ وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ﴾ لا يوجد أوضح من أن ينطلق الإنسان من بيته ليأتي إلى مسجد ليس فيه طعام ، ولا شراب ، ولا مكافأة ، ولا تعويض ، ولا أجر ، ولا مدح ، ولا كتاب ثناء ، ولا ترقية ، لا يوجد شيء ، لكن الله عز وجل هو الذي يتولى الجزاء الأوفى ، ﴿ وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ﴾ يدعون ربهم صباحاً ومساء .

﴿ وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ بُكْرَةً وَأَصِيلًا (25)  ﴾

[ سورة الإنسان ]

﴿ الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (191)  ﴾

[  سورة أل عمران ]

يدعون ربهم دائماً .

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا (41) ﴾

[ سورة الأحزاب  ]

 

الإخلاص في العمل :


﴿ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ ﴾ .. إلهي أنت مقصودي ، ورضاك مطلوبي .

﴿ بَلِ الْإِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ (14)وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ (15) ﴾

[  سورة القيامة  ]

الإنسان أحياناً يبتغي بهذا المجيء السمعة ، له مصلحة ، إذا جاء للمجلس يصير له زبائن كثيرون ، يروجون تجارته ، كل إنسان يعلم لماذا هو هنا الآن ، طوبى لمن كانت نيته خالصه لوجه الله عز وجل .

﴿ إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا (9) ﴾

[  سورة الإنسان ]

من علامات الإخلاص أن يكون الله وحده ، أو أن يكون وجه الله عز وجل هو مبتغاك ، ولا مبتغى لك سواه . ﴿ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ ﴾ .

 

علامة أهل الحق كثرة الذكر والإخلاص :


هؤلاء أهل الحق لهم علامتان ، يكثرون ذكر الله ، ويبتغون وجه الله ، برئ من النفاق من أكثر من ذكر الله ، الإكثار من ذكر الله صباحاً ومساءً .

﴿ الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (191)  ﴾

[  سورة آل عمران ]

والنية والابتغاء مرضاة الله عز وجل . 

 

حِلق الذكر رياض الجنة :


﴿ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ ﴾ .. لا تلتفت إلى غيرهم ، لا تتجاوزهم إلى سواهم ، لا تدع مجالسهم ، ﴿ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ﴾ الإنسان أحياناً يؤثر أن يبقى مع زوجته في غرفة دافئة ، يدير حديثاً عذباً ، يستمتع بأشياء معينة ، على مجلس علم ، فالله سبحانه وتعالى هكذا يأمرك : ﴿ وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ﴾ لا تتركهم ، لا تتجاوزهم ، لا تزهد في صحبتهم ، لا تزهد في مجالسهم ، لا تؤثر الدنيا عليهم ، لا تؤثر مجلساً ليس فيه ذكر الله على مجلس فيه ذكر الله ، ما من قوم اجتمعوا في مجلس لم يذكروا الله فيه إلا قاموا عن أنتن من جيفة ، عن أنتن من جيفة حمار ، وفي الحديث الصحيح

(( عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال : ما من قومٍ يقومونَ من مجلسٍ لا يذكرونَ اللهَ فيهِ إلا قامُوا عن مثلِ جيفةِ حمارٍ، وكان لهم حسرةٌ . ))

[ صحيح أبي داود ،أخرجه أبو داود (4855) واللفظ له، والنسائي في السنن الكبرى ]

حِلق الذكر رياض الجنة . 

 

المؤمن يتبع الحق وغير المؤمن يتبع الهوى :


﴿ وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا ﴾ .. إنسان غافل ، لا يصلي ، أخي أنا معي نقود ماذا افعل بهم ؟ بالفائدة أربح شيء ،  ربح مضمون ، ﴿ وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا ﴾ أخي جاءني خاطبان لابنتي ، واحد دينه رقيق ، لكن ما شاء الله حوله غني ، والثاني صاحب دين فقير ، لا يملك شيئاً ، دع هذا الفقير ، اطرده وأعط الأول ، ﴿وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً﴾ حياته فوضوية ، بلا قيم حياته ، بلا انضباط ، لا هدف ، حياته عابثة ، ﴿ وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا ﴾. . معنى أغفلنا ؛ وجدناه غافلاً بالضبط ، لا تتهم الله عز وجل أنه جعله غافلاً ، لا ، هكذا في القرطبي ، ﴿ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ ﴾ من وجدناه غافلاً ، وجدنا قلبه غافلاً عن ذكرنا ﴿ وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ﴾ .. المؤمن يتبع الحق ، غير المؤمن يتبع الهوى ، إما أن يقودك الهوى ، وإما أن تقوده ، نفسك إما أن تسيرك ، وإما أن تسيرها ، إما أن يكون العقل رائدك ، وإما أن يكون الهوى رائدك .

﴿ أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنْتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلًا (43)  ﴾

[ سورة الفرقان  ]

 

الإنسان مخيَّر:


﴿وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا (28) ﴾ هؤلاء : ﴿ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ ﴾ ، أما هؤلاء فقد : ﴿ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً * وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ﴾ الإنسان مخير ﴿ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَاراً أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقاً ﴾ .

 الحقيقة : ﴿ وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ ﴾ .. الإنسان مخير ﴿ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ﴾   لكن للكفر جزاء ، وللإيمان جزاء ، أنت هنا مخير ، أنت في دار التكليف ، أما أنه لابد من يوم الجزاء ، من يوم الدين .

 

جزاء الكفار يوم القيامة :


استمعوا إلى يوم الدين : ﴿ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَاراً أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا﴾ ..السرادق في الأساس سقف في فناء الدار ، سقف فقط ، أي مكان محميٌّ من الشمس ، هذا هو السرادق ، أما في هذه الآية فالسرادق هو الدخان الذي يعلو لهيب النار ، لو نظرت إلى فرن يستخدم وقوداً غير الوقود السائل سحابة من الدخان الكثيف تعلو جو الفرن ، هذه السحابة من الدخان الكثيف هي السرادق في النار ﴿ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَاراً أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ﴾ أي ماء مغلي ﴿ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقاً﴾ هذا إذا ظلم الإنسان.

 

زوال الكون أهون على الله من أن يضيع على مؤمن عمله الصالح :


﴿ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلاً ﴾ .. واللهِ زوال الكون أهون على الله من أن يضيع على مؤمن عمله الصالح ، البر لا يبلى ، والذنب لا ينسى ، والدّيان لا يموت ، اعمل كما شئت كما تدين تدان .

شاب ناشئ جمّد مبلغ ثمانية آلاف ليرة ، والده فقير ، والدته أصيبت بحادث ، تحتاج إلى مبلغ لإصلاح أسنانها ، هو هيأ مبلغه لزواج أو حركة ، فلما رأى أمه هكذا أنفق المال كله من أجل معالجة أمه ، بعد سنوات عدة بقدرة قادر هيِّئ له منزل ، وفرش هذا المنزل ، وزوجة ، قلت : سبحان الله ! كل هذا العطاء لأنه فادى بماله من أجل أمه ﴿ إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلاً ﴾ والله الذي لا إله إلا هو  زوال هذا الكون أهون على الله من أن يضيع عليك عملك الصالح ، أحدهم مدّ سجاداً بالمسجد ، آخر نظف مسجدًا ، ثالث قدم شيئاً لمسجد ، رابع هدى إنساناً ، سهر معه سهرة ، عاونه ، أقرض مبلغاً من المال ، أخي نقصت قيمة المال ، أقرضناه كذا ، صار كذا ، ربع المبلغ نقص بعدما رده لي .

﴿ مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً وَاللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ(245)﴾

[ سورة البقرة  ]

﴿ إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلاً ﴾ ، ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان ، ليس الربح كله مالاً ، لو أقرضت إنساناً وبعد فترة القيمة الشرائية لهذا المبلغ تناقصت ، هل خسرت أنت ؟ في نظر أهل الدنيا خسران ، يقولون : أحمق ، ديّن أمواله ، وعندما استردها فقد نصف قيمتها ، لكن : ﴿ إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلاً ﴾ أي ثق بالله عز وجل ، إذا كنت مع الله عز وجل فلن يخلف وعده معك ، ﴿ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلاً * أُولَئِكَ لَهُمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَيَلْبَسُونَ ثِيَاباً خُضْراً مِنْ سُنْدُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الْأَرَائِكِ نِعْمَ الثَّوَابُ وَحَسُنَتْ مُرْتَفَقاً ﴾ إنك لا تعرف قيمة هذا الاتجاه ، واستقامتك ، وتحريك للحلال ، وخوفك من الله ، وفهم كتاب الله ، وتطبيق كتاب الله ، وحضور مجالس العلم إلا بعد أن تحس أنك فزت في الدنيا والآخرة ، فزت بسعادة الدارين في الدنيا والآخرة ، لذلك الإنسان مخير ، ﴿ وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ﴾ لكن : ﴿ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَاراً أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا ﴾ أما المؤمنون : ﴿ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلاً ﴾ ، ربنا عز وجل يعجب ! يقول :

﴿ أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ (35) ﴾

[  سورة القلم  ]

هل من المعقول مسلم مستقيم ، له استقامته ، له عمله الصالح ، له فهمه للدين ، أيعقل أن يُعامل كما يُعامل المجرم المنحرف العاصي ؟!!

﴿ أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ (21)﴾

[ سورة الجاثية  ]

والحمد لله رب العالمين 

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور