وضع داكن
19-04-2024
Logo
الدرس : 8 - سورة الكهف - تفسير الآيات 83 – 110 ، قصة ذي القرنين
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم ، اللهم علمنا ما ينفعنا ، وانفعنا بما علمتنا ، وزدنا علماً ، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه ، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه ، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه ، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين . 

 

لا وسيط بين العبد وربه :


أيها الإخوة المؤمنون ؛ مع الدرس الثامن من دروس التفسير من سورة الكهف .

وصلنا في الدرس الماضي إلى قصة ذي القرنين ، وقد قال الله سبحانه وتعالى : ﴿ وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ قُلْ سَأَتْلُو عَلَيْكُمْ مِنْهُ ذِكْراً ﴾ .. حول كلمة ( قل) في هذه الآية موضوع طيب ، في أكثر من عشر آيات كلما جاءت الآية :

﴿ وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ (222)  ﴾

[ سورة البقرة ]

﴿ يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِهَا وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَى وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (189)  ﴾

[ سورة البقرة ]

﴿ يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ (219)  ﴾

[ سورة البقرة ]

في اثنتي عشرة آية تقريباً في كتاب الله آيات من هذا القبيل ، ويسألونك عن كذا قل كذا وكذا إلا في آية واحدة :

﴿ وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ (186)﴾

[ سورة البقرة ]

ليس في هذه الآية  قل ، بمعنى أنه ليس هناك وسيط بين العبد وربه ، فأي عبد ، من أي عرق ، من أي جنس ، من أي لون ، من أي منبت ، من أي  قوم ، من أي أمة ، غنياً كان أو فقيراً ، قوياً أو ضعيفاً ، إذا قال : يا رب ، يجيبه الله عز وجل : لبيك يا عبدي فهذه ذكرتني بقولهِ تعالى : ﴿ وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِي إِذَا دَعَانِ ﴾ .

 

سؤال المشركين النبي عليه الصلاة والسلام عن ذي القرنين :


هنا : ﴿ وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ قُلْ سَأَتْلُو عَلَيْكُمْ مِنْهُ ذِكْرًا ﴾ يبدو أن النبي عليه الصلاة والسلام سئل عن ذي القرنين ، فأجاب الله سبحانه وتعالى بهذه القصة ، ولكن هناك ملاحظة قيّمة جداً ، هو أنَّ هذا الكتاب كتاب الله عز وجل ليس كتاب تاريخ ، بمعنى أنه ليس المقصود منه ذِكر الوقائع ، والحوادث ، والأسماء ، والأماكن ، والأزمنة . إن من صفات كتاب التاريخ التحديد ، أي تحديد المكان ، تحديد الزمان ، تحديد الواقعة ، أسبابها ، أحداثها ، نتائجها ، لو أنَّ هذا الكتاب كتاب تاريخ لافتقرت هذه القصة إلى أشياء كثيرة ، ولكن لأن هذا الكتاب كتاب هداية وإرشاد فالأحداث التاريخية ليست معنية في هذه القصة .

من هو ذو القرنين ؟ قال بعضهم : هو الإسكندر المقدوني ، بعضهم قال : الإسكندر باني الإسكندرية ، بعضهم قال : هو شخص غير هذا ، الحقيقة لا يعنينا من هو ذو القرنين أبداً ، تعنينا صفاته ، الخوض في موضوع من هو ذو القرنيين ، وأي ملك كان ، وفي أي عصر ولد ، وأي بلاد فتحها ، هذه الأسئلة التي تتوارد إلى الذهن حينما نقرأ هذه القصة أسئلة لا مسوغ لها ، لأن الكتاب كتاب هداية وإرشاد إلى رب العباد ، وليس كتاب تاريخ ، نقرأ القصة لنستمتع بها ، عندئذ نجد في نفوسنا شوقاً إلى معرفة ملابساتها ، أحداثها ، تفصيلاتها .

 

سبب تسمية ذي القرنين بهذا الاسم :


وقد قيل حول سبب تسميته بذي القرنين على أوجه الأقوال أن ذا القرنين سُميَّ كذلك لأنه وصل إلى مشرق الأرض ومغربها ، له طموح كبير جداً .

وبعضهم يقول : كانت له ذؤابتان كالقرنين ، لكن التفسير الأول أوجه ، أي ملك استطاع أن يجوب أقطار الأرض فيصل إلى مغرب الشمس ويصل إلى مشرقها ، إذاً هو ذو القرنين . 

 

الأقوياء في الأرض هم أقوياء بتمكين الله لهم :


﴿ وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ قُلْ سَأَتْلُو عَلَيْكُمْ مِنْهُ ذِكْرًا * إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الْأَرْضِ ﴾ بعضهم قال : هناك استنباط دقيق ، الأقوياء في الأرض ليسوا أقوياء بذواتهم ، إنما هم أقوياء بتمكين الله لهم ، هذا فضل من الله عز وجل ، فإذا شَعَرَ الإنسان بقوة مادية أو معنوية فهذا من باب التمكين ، والله سبحانه وتعالى يقول :

﴿ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (55) ﴾

[ سورة النور  ]

فذو القرنين رجل مكنه الله في الأرض ، ولكن يوجد رجال كثيرون مكنوا في الأرض ، هناك من فتح أوروبا بأكملها ، ووصل إلى أعماق روسيا ، واحتل اسبانيا ، وهناك شخصيات في العالم وفي التاريخ استطاعت أن تبسط سلطانها على رقعة واسعة جداً من الأرض ، لكنَّ الله عز وجل في هذه القصة يرينا كيف يكون الملك الصالح ، فذو القرنين من خلال هذه القصة رجل صالح ، وملك صالح ، وفي بعض الأقوال الضعيفة هو نبي ، لأن الله عز وجل قال عن الأنبياء:

﴿ وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ مِنْهُمْ مَنْ قَصَصْنَا عَلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَنْ يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ فَإِذَا جَاءَ أَمْرُ اللَّهِ قُضِيَ بِالْحَقِّ وَخَسِرَ هُنَالِكَ الْمُبْطِلُونَ (78) ﴾

[ سورة غافر  ]

أي من لم نقصص بأسمائهم .

 

من أراد أن يصل إلى شيء ما فعليه أن يتخذ الأسباب :


﴿ وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ قُلْ سَأَتْلُو عَلَيْكُمْ مِنْهُ ذِكْراً* إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الْأَرْضِ وَآتَيْنَاهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سَبَباً* فَأَتْبَعَ سَبَباً ﴾ .. لا بد من وقفة حول هذه الكلمة : ﴿ وَآتَيْنَاهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سَبَبًا ﴾   طبيعة الحياة ، تصميم الله عز وجل للحياة ، هذا التصميم يقضي بأن لكل شيءٍ سبباً ، فإذا أردت أن تصل إلى شيءٍ ما فلابدّ من اتخاذ الأسباب ، فالعلم له طريق ، والقوة لها طريق ، ورفعة الشأن في الناس لها طريق ، والغنى له طريق ، والمُلْك له طريق ، وأن تستحوذ على قلوب الناس له طريق ، فهناك طريق لأيّ شيء تُريدُه ، هكذا تصميم ربنا سبحانه وتعالى للحياة ، أي لمَ لمْ يخلق ربنا سبحانه وتعالى المحاصيل والخضار أكواماً على الأرض ؟ لمَ جعل هذه المحاصيل تُقطف ؟ وقبل أن تقطف تنضج ، وقبل أن تنضج تعقد ، وقبل أن تُعقَد تزهر ، وقبل أن تزهر تورق ، وقبل أن تورق تُسقى ، لمَ جعل هذا النبات يأتيه الماء تلقى البذرة في الأرض ؟ تسمد الأرض ، تحرث الأرض ، يسكُب عليها الماء ، ينبت الرشيم ، ينبت  السويق ، ينبت الجذير ، تورق ، تُزهر ، تنعقد الثمرة ، تُثمر ، تنضج ،  تُقطف . 

جعلَ الله سبحانه وتعالى لكلَّ شيء سبباً ، فإذا أردت أن تأكل القمح فلابدّ من أن تزرعه ، وإذا أردت أن تجني العسل فلابدّ من أن تربي النحل ، لكل شيء سبب ، هذا قانون ،  وأيُّ إنسان أراد أن يتجاوز الأسباب لقي الخيبة ، من أدبك مع الله عز وجل ، من معرفتك بقواعد الخلق هو أن تتخذ الأسباب ، وبعدها تتوكل على رب الأرباب .

حينما تأخّرَ المسلمون تركوا الأخذ بالأسباب ، وتواكلوا على الله تواكلاً لا توكلاً ، فهذه القصة ترينا أن ذا القرنين وصل إلى ما وصل إليه ، وبلغ مشارق الأرض ومغاربها ، ولمع ذكره ، وعلا نجمه ، وسطع اسمه بين الناس ، لا لأنه نام ، وقعد ، وخنع ، وكسل ، بل لأنه أخذ بالأسباب ، هذا هو المغزى .

 

الإنسان لن يمكّن قبل أن يبتلى :


﴿ وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ قُلْ سَأَتْلُو عَلَيْكُمْ مِنْهُ ذِكْراً * إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الْأَرْضِ ﴾ التمكين من الله عز وجل ﴿ وَآتَيْنَاهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ ﴾ أراده سبباً له : ﴿ سَبَبًا * فَأَتْبَعَ سَبَبًا ﴾ فاتبع الأسباب ، آتيناه من كل شيء أراده سبباً لهذا الشيء فما كان منه إلا أن كان أديباً فاتبع هذه الأسباب ، أي إذا قلت : أريد أن أصبح غنياً ، الغِنى له سبب ، أريد أن أحتلَّ مكانةً رفيعةً بينَ الناس ، هذه لها سبب ، لابدّ من أن تقدم لهم شيئاً ، لابدّ أن تعطي أكثر من أن تأخذ ، فهناك سبب لكلِّ شيءٍ تريده في الحياة ، فإذا كنت عبداً عاقلاً ، واعياً ، أريباً ، فهيماً ، تأخذ بالأسباب ، وبعدئذٍ يمكنك الله في الأرض ، أما أن تطلب التمكين فهذا من المستحيلات .

لذلك عندما سُئِل الإمام الشافعي رحمه الله تعالى : أندعو ربنا بالتمكين أم الابتلاء ؟ فما كان من هذا الإمام الشافعي إلا أن قال : لا يكون التمكين قبل الابتلاء ﴿ إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الأَرْضِ وَآتَيْنَاهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سَبَبًا * فَأَتْبَعَ سَبَبًا ﴾ أي الطلاب الذين يطمحون إذا صلوا في أثناء العام الدراسي أن تأتيهم الملائكة لتجيب عنهم ، هذه خرافة ، هذا تدجيل ، لابُدَّ أن تدرس دراسة جادة واعية من أجل أن تنال العلامات العالية في الامتحان ، والتاجر الذي يطمح أن يرزقه الله رزقاً كثيراً من تجارته لابد من أن يأخذ بالأسباب ، هل اختار المحل المناسب ؟ هل اختار البضاعة المهمة ؟ هل عامل الناس بالحسنى ؟ هل كان سعره مدروساً ؟ هكذا ، فكل من يبتغي الأهداف بلا أسبابها أحمق ، غبي ، يريد أن يدخل البيوت من ظهورها ، البيوت لها أبوابها ، هذا هو الذي يمكن أن يقال حول كلمة : ﴿ إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الأَرْضِ وَآتَيْنَاهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سَبَبًا * فَأَتْبَعَ سَبَبًا ﴾ .

 

ذو القرنين مُنح الثقة من الله عز وجل لورعهِ واستقامته وحرصه على العدالة:


﴿ حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَغْرِبَ الشَّمْسِ ﴾ .. أي فتح البلاد ، وتجاوزت رقعة بلاده الأراضي الشاسعة حتى بلغت جيوشه مغرب الشمس ، بمعنى لو أن قائداً كعقبة بن نافع فتح البلاد غرباً إلى أن وصل مثلاً إلى شاطئ المحيط الأطلسي ، انتهى ، هذه نهاية البر ، وبعدها بدأ البحر ، فكأن الآية تشير إلى أنه وصل إلى طرف البر من جهة الغرب ﴿ حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَغْرِبَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ ﴾ أي البلاد كانت حارة ﴿ وَوَجَدَ عِنْدَهَا قَوْمًا قُلْنَا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِمَّا أَنْ تُعَذِّبَ وَإِمَّا أَنْ تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْنًا ﴾ ، أي مُنح الثقة ، يبدو أن هذا الملك الصالح الثِقة لورعهِ واستقامته وكماله وحرصه على العدالة مُنح الثقة من الله عز وجل ﴿ قُلْنَا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ ﴾ .. وفي بعض الأدلة الضعيفة على أنَّ كلمة ﴿ قُلْنَا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ ﴾ أي الله سبحانه وتعالى خاطبه ، إذاً هو نبي ، كيف أن سليمان الحكيم نبي وملك في وقت واحد وكيف أن هذا النبي العظيم قال : 

﴿ قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ (35)  ﴾

[ سورة ص  ]

فهذا ذو القرنين : ﴿ حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَغْرِبَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ وَوَجَدَ عِنْدَهَا قَوْمًا قُلْنَا يَاذَا الْقَرْنَيْنِ إِمَّا أَنْ تُعَذِّبَ وَإِمَّا أَنْ تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْنًا ﴾ .. إذا تولى الملك الصالح الأمور أعطى كل ذي حق حقه ، يروى أن سيدنا عمر رضي الله عنه كان يمشي في أحد طرقات المدينة فوجدَ غلماناً يلعبون ، فلما رأوه وكان شديد الهيبة تفرقوا وولوا هاربين ، إلا غلاماً واحداً بقي في مكانه ، لفت نظرَهُ هذا الموقف الجريء ، فقال أيها الغلام : لِمَ لم تهرب مع من هرب ؟ قال : أيها الأمير لست ظالماً فأخشى ظلمك ، ولست مذنباً فأخشى عقابك ، والطريق يسعني ويسعك . فهذا ذو القرنين مُكِّن في الأرض ، وفتح هذه البلاد الغربية ، والله سبحانه وتعالى لعلمه به ، لعلمه بحرصه على أداء الحقوق ، وعلى إقامة العدل ﴿ قُلْنَا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ ﴾ أنت مطلق اليد ﴿ إِمَّا أَنْ تُعَذِّبَ وَإِمَّا أَنْ تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْنًا ﴾ فما كان من ذي القرنين إلا أن قال : ﴿ قَالَ أَمَّا مَنْ ظَلَمَ فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ ثُمَّ يُرَدُّ إِلَى رَبِّهِ فَيُعَذِّبُهُ عَذَاباً نُكْراً *وَأَمَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً فَلَهُ جَزَاءً الْحُسْنَى وَسَنَقُولُ لَهُ مِنْ أَمْرِنَا يُسْراً﴾ أي حينما أطلق الله يده ما كان منه إلا أن طبق العدل .

هذا درس لنا ، مثلاً الأب لا أحد في البيت يسأله ، ينبغي أن يراعي جانب العدل ، قد تكون امرأته ضعيفةً ، لا أهل لها ، لا ينبغي أن يستطيل عليها ، إذا مكّنَ الله إنساناً في بيته لا ينبغي أن يحيف عن الحق ، أن يتجاوز حقوق الآخرين ، أي إنسان ، لو مُكنت في صف طُلاب صِغار لا ينبغي أن تضربهم جميعاً في ساعة غضب ، أنت مُكنت من هؤلاء الطلاب ، لو مكنت من  بضعة موظفين لا ينبغي أن تستطيل عليهم بقوتك ﴿ إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الأَرْضِ ﴾ .

﴿ قُلْنَا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِمَّا أَنْ تُعَذِّبَ وَإِمَّا أَنْ تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْنًا ﴾ ما كان منه إلا أن وقف إلى جانب العدل ﴿ أَمَّا مَنْ ظَلَمَ فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ – ردعاً -  ثُمَّ يُرَدُّ إِلَى رَبِّهِ فَيُعَذِّبُهُ عَذَابًا نُكْرًا ﴾  نعذبه في الدنيا ، وله في الآخرة من الله عذاب أليم ﴿ وَأَمَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُ جَزَاءً الْحُسْنَى وَسَنَقُولُ لَهُ مِنْ أَمْرِنَا يُسْرًا ﴾ نُحسِنُ إليه ، ونجعل قولَنا له طيباً ، مستساغاً ، حسناً .

قال بعضهم عن ذي القرنين : فقد قُصَّ علينا من ضربه في الأرض إلى مغرب الشمس ، ومطلعها ، وشمالها ، وعدم فتوره ، ووجدانه اللذة في مواصلة الأسفار ، وتجشم الأخطار ، وركوب الأوعار والبحار ، ثم إحرازه ذلك الفخار الذي لا يشق له غبار ، وهذا أكبر عبرة لأولي الأبصار ، كانَ رجلاً طموحاً ، ولكن طموحه لم يُخرِجهُ عن العدل ، طموح جداً ، هذا كلام لكن إعداد العُدد ، والجيوش ، والرجال ، والأسلحة ، لتخطي المسافات ، واحتلال البلاد ، وإقامة العدل ، هذا عمل عظيم . 

 

توجّه ذي القرنين إلى بلاد أخرى :


﴿ ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَباً﴾ .. لما بلغ مغرب الشمس وهذه البلاد دانت له ، وخضعت ، وأقام فيها العدل توجه إلى بلادٍ أخرى ، عاد إلى بلاد المشرق ﴿ حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَطْلِعَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَطْلُعُ عَلَى قَوْمٍ لَمْ نَجْعَلْ لَهُمْ مِنْ دُونِهَا سِتْراً ﴾ .. أي بلادهم منبسطة ، ليس فيها تلال ، ولا جبال ، ولا تضاريس ، بلاد منبسطة ، في بعض السهول ترى الشمس ساعة إشراقها ، وساعة غروبها ، فهذه البلاد ﴿ لَمْ نَجْعَلْ لَهُمْ مِنْ دُونِهَا سِتْراً * كَذَلِكَ وَقَدْ أَحَطْنَا بِمَا لَدَيْهِ خُبْراً﴾ أي أحطنا بكل وسائله ، بكل إمكاناته ، بكل العدد التي أعدها ، بكل الرجال الذين أهلهم . 


الطلب الذي طُلِب من ذي القرنين وموقفه منه :


﴿ وَقَدْ أَحَطْنَا بِمَا لَدَيْهِ خُبْراً * ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَباً * حَتَّى إِذَا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ ﴾ وصل إلى مكانٍ بين جبلين ﴿ وَجَدَ مِنْ دُونِهِمَا قَوْماً لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلاً ﴾ .. وجدَ قوماً متخلفين ، بعيدين عن الحضارة ، بعيدين عن العلم ، بعيدين عن القيم ، ﴿ لا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلا ﴾ وفي بعض التفاسير : لهم لغة غريبة لا يفهمونها ﴿ قَالُوا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ ﴾ يبدو أيضاً من خلال هذه القصة أن قوماً في شمال الأرض بلغ مغرب الشمس وبلغ مشرق الشمس ، احتل البلاد من المشرق إلى المغرب ، وأقام فيها العدل ، ثم توجه نحو الشمال ، حيث رأى جبلين بينهما قومٌ ﴿ لا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلا ﴾ قالوا هؤلاء القوم ..﴿ قَالُوا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ ﴾ اسم لقوم ، أو اسم لقومين ، على اختلاف الأقوال ﴿ مُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ ﴾ أي هؤلاء القوم متصارعون ، متحاربون ، أشرار ، مفسدون ، معتدون ، يأتون إلينا ، يقتلون أبناءنا ، ينهبون ثروتنا ، يأخذون محاصيلنا ، فيا أيها الملك الرحيم هل لك أن تقيم حاجزاً بيننا وبين هؤلاء يأجوج ومأجوج ؟

﴿ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجًا ﴾ هل تقبل أن نعطيك مالاً وفيراً في نظير أن تقيم سداً حاجزاً بين الجبلين لتمنع هذه الغزوات ؟

﴿ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجًا عَلَى أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا ﴾ .. الموقف الأول لهذا الملك الصالح : إقامة العدل . والموقف الثاني : ترفعه عن أموال الناس ، فقال : ﴿ قَالَ مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ ﴾ الذي أعطاني ربي من ملك ، وسلطان ، ومال ، يغنيني ولست بحاجة إلى أموالكم ، ولا أبتغي أموالكم ، ولا أريد أن أرهقكم ﴿ قَالَ مَا مَكَّنَنِي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ ﴾ هذه الصفة الثانية : الترفع عن أموال الناس ، لكنني بحاجة إلى يد عاملة ﴿ فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْمًا ﴾ أعينوني بقوة سواعدكم ، وقوة المواد التي عندكم ، حتى أبني لكم هذا السد ، وأحميكم من عدوكم المفسد . 

 

بناء ذي القرنين للسور وعجز يأجوج ومأجوج عن تجاوزه :


﴿ آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ حَتَّى إِذَا سَاوَى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ قَالَ انْفُخُوا حَتَّى إِذَا جَعَلَهُ نَاراً قَالَ آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْراً ﴾ .. القطر ؛ هو النحاس ، يبدو أن هذا السد بُني من المواد التي يبنى منها البناء عادةً مع الحديد الذي أذيب عليه النحاس ، أي منتهى القوة ، مواد متماسكة ، مسلحة بالحديد ، مصانة بالنحاس فكان بناء السد عندئذٍ حكيماً . ﴿ فَمَا اسْطَاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْباً﴾ .

لشدة ارتفاعه ، وكونه أملس ، لم يتمكنوا من أن يصعدوا إليه ، ولشدة متانته لم يتمكنوا من خرقه ، أي أنه كان مرتفعاً ، أملس ، ومتيناً ، ثلاث صفات ، ﴿ فَمَا اسْتَطَاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْبًا ﴾ .

 

الإنسان المؤمن متواضعٌ يرى حجمه الحقيقي :

 

ماذا قال بعد أن بنى هذا السد العظيم ؟ ﴿ قَالَ هَذَا رَحْمَةٌ مِنْ رَبِّي ﴾ ، هذه صفة ثالثة : التواضع  والتوحيد ﴿ فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّاءَ وَكَانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا ﴾  هذا السد الذي بني بين الجبلين إنه سدّ إذا قيس بقدرة الله فهو شيء تافه ، أغلب الظن أن الله عز وجل إذا شاء  جعله دكاً .

 فالإنسان المؤمن متواضعٌ دائماً ، يرى حجمه الحقيقي ، لا يُضخّم حجمه إلى درجة ينسى معها قدرة الله عز وجل ﴿فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّاءَ وَكَانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا ﴾ .

 

المواعظ المستنبطة من القصة :


القصة وما فيها فيها مجموعة مواعظ . 

1 ـ الأخذ بالأسباب :

الموعظة الأولى التي أرادها الله عز وجل هي أن على الإنسان إذا أراد شيئاً أن يأخذ بأسبابه ، هذا هو الدرس الأول ،  لا نستطيع أن نصل إلى أهدافنا إلا إذا أخذنا بالأسباب ، لا نستطيع أن نرقى إلا إذا أخـذنا بالأسباب ، لا نستطيع أن نكتفي إلا إذا أخـذنا بالأسباب ، لا يزدهـر شيء إلا إذا أخــذنا بالأسباب ، لا نقوى على عدونا إلا إذا أخـذنا بالأسباب ، لا نرقى في ميدان العلم إلا إذا أخذنا بالأسباب ، طرق الرقي كلها مسدودة إلا إذا أخذنا بالأسباب . هذا هو الدرس الأول . تريد أن تتعلم يجب أن تأخذ بالأسباب ، تريد أن يرتفع دخلك يجب أن تأخذ بالأسباب .، تريد أن تروج تجارتك يجب أن تأخذ بالأسباب ، تريد أن تروج بضاعتك التي تصنعها إذا كان عِندكَ معمل يجب أن تأخذ بالأسباب ، تريد أن تأخذ أعلى محصول زراعي يجب أن تأخذ بالأسباب ، هذا هو الدرس الأول ، خذ الأسباب وتوكل على رب الأرباب . 

2 ـ الطموح :

الدرس الثاني من هذه القصة هو أنَّ هذا الملك الصالح ذو القرنين كان طموحاً إلى درجة أنه حكم مشارق الأرض ومغاربها ، ولم يمنعه هذا المجد ، وهذه القوة ، وهذا التمكين ، وهذا الاتساع ، وهذا المال الوفير من أن يكون مؤمناً ، متواضعاً ، يقيم العدل ، ويبغي الخير ، ويُعطي كُلَّ ذي حق حقه ، يقهر الظالم ، ويعين المظلوم ، ويعطي المسكين والفقير ، ويجازي المحسن ، ويعاقب المسيء ، أي القوة الكبيرة ، واتساع رقعة البلاد ، لا تمنع من إقامة العدل ، وهذا مثل للملك الصالح ، والترّفع عن أموال الناس ، حيثُ عُرِضَ عليه مال وفير ﴿ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجًا عَلَى أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا ﴾ ومع ذلك قال : لا ، ﴿ مَا مَكَّنَنِي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ ﴾ أي إذا كنت مكتفياً ، وكلفت أن تدير مال اليتيم ، ترفع عن نصيبك وعن أجرك ، أي إذا كنت مكتفياً ورأيت ذا حاجة ترفّع عن أخذ الأجر ، واحتسب هذا لوجه الله عز وجل .

 3 ـ التأدب مع الله والتواضع والانكسار له :

الدرس الثالث : أنه حينما حقق هذا الإنجاز الكبير ما زاده هذا الإنجاز إلا تواضعاً ، وانكساراً لله عز وجل ، وتأدباً معه ﴿ قَالَ هَذَا رَحْمَةٌ مِنْ رَبِّي ﴾ عرف حجمه أمام قدرة الله عز وجل ، قال :  ﴿ فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّاءَ – أي دكاً - وَكَانَ وَعْدُ رَبِّي حَقّاً ﴾ .

 

جمع الناس يوم القيامة ليلقوا جزاء عملهم :


﴿ وَتَرَكْنَا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَجَمَعْنَاهُمْ جَمْعاً ﴾ وفي النهاية : هؤلاء الذين عاشوا في مشارق الأرض ، والذين عاشوا في مغاربها ، وهؤلاء المفسدون يأجوج ومأجوج ، وهؤلاء الضعاف المتخلفون الذين بنوا سداً حماهم من هجماتهم ، هؤلاء جميعاً جمعناهم يوم القيامة ليلقوا جزاء عملهم ﴿ وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَجَمَعْنَاهُمْ جَمْعاً * وَعَرَضْنَا جَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ لِلْكَافِرِينَ عَرْضاً ﴾ .. عُرِضت جهنم بارزةً أمام الناس ﴿ الَّذِينَ كَانَتْ أَعْيُنُهُمْ﴾ من هم الذين كانت أعينهم ؟ ﴿ وَعَرَضْنَا جَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ لِلْكَافِرِينَ عَرْضاً ﴾ الكافرون هم الذين كانت أعينهم في غطاء عن ذكري ، أي هذه الحقيقة الكبرى في الحياة ، حقيقة الدين ، حقيقة الله عز وجل ، لِمَ خلقنا ؟ لِمَ جيءَ بنا إلى الدنيا ؟ ما الهدف من وجودنا على وجه الأرض ؟ أين المصير ؟ ماذا بعد الموت ؟ ما قيمة العمل الصالح ؟ ما معنى الاستقامة على أمر الله ؟ كيف نعرف الله ؟ كانوا في غفلة عن هذه الحقائق الكبرى التي لابد منها ، ﴿ الَّذِينَ كَانَتْ أَعْيُنُهُمْ فِي غِطَاءٍ عَنْ ذِكْرِي ﴾ .. كُلِّ منا له ساحة في نفسه ، ما الذي يشغلها ؟ قد تنشغل هذه الساحة بجمع المال ، فالمال أصبح حجاباً بينك وبين الله ، وقد تنشغل هذه الساحة ببعض الشهوات ، فالشهوات حجاب بينك وبين الله ﴿ الَّذِينَ كَانَتْ أَعْيُنُهُمْ فِي غِطَاءٍ عَنْ ذِكْرِي وَكَانُوا لا يَسْتَطِيعُونَ سَمْعًا ﴾ ما ذكروا ربهم ، ولا استمعوا إلى الحق ، أي إما أن تفكر ، وأن تتأمل ، وأن تُدقق ، وأن تُحقق ، وأن تدرس ، وإما أن تستمع ، لا هذه ، ولا تلك !! أضعف الإيمان أن تداوم على مجلس علم فتستمع ، كيف يفسر القرآن ؟ ما جدوى هذه الحياة ؟ إلى أين المصير ؟ استمع ، افهم كلام الله ، افهم سنة رسول الله ، افهم أحكام الفقه ، اقرأ القرآن ﴿ الَّذِينَ كَانَتْ أَعْيُنُهُمْ فِي غِطَاءٍ عَنْ ذِكْرِي وَكَانُوا لا يَسْتَطِيعُونَ سَمْعًا ﴾ طبعاً لم يخلقهم الله لا يستطيعون ، لا ، لأن انغماسهم في الشهوة جعلهم لا يستطيعون ، مغموس في شهوات دنيا هذه الشهوات حالت بينهم وبين أن يسمعوا . 

 

الخيبة الكبيرة عاقبة من اتخذ من دون الله ولياً :


﴿ أَفَحَسِبَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ يَتَّخِذُوا عِبَادِي مِنْ دُونِي أَوْلِيَاءَ ﴾ .. ما البديل عن البديل ؟ إذا أدارَ إنسان ظهره للدين ما البديل ؟ أن يتخذ أنساناً يرضيه ، ويسعى له ، ويخدمهُ ، ويسُبّح بحمدِه ، فإذا كان البديل هو أن تتخذ أناساً من دون الله تعبدهم فهذا هو الخطأ الكبير ، وفيه الخيبة الكبيرة مهما كان شأنُ هؤلاء الناس كبيراً :

﴿ أَفَحَسِبَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ يَتَّخِذُوا عِبَادِي مِنْ دُونِي أَوْلِيَاءَ إِنَّا أَعْتَدْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ نُزُلًا (102) ﴾

[ سورة الكهف ]

أي هذه جهنم سوف تحتوي على هؤلاء الذين اتخذوا من دون الله أولياء بديلاً لهم عن الدين . 

 

صفات الأخسرين أعمالاً :


أيها الإخوة المؤمنون ، الآيات التالية تقصم الظهر ، قال تعالى : ﴿ قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالاً ﴾ .. لم يقل : الخاسرين ، الأخسرين ، الأخسرون اسم تفضيل ، أي أشد الناس خسارةً يوم القيامة ، أخسر إنسان ، لو أن إنساناً أُتلف ماله كله ، أخذت كل أمواله منه لا يسمى خاسراً ، يملك نفسه ، ﴿قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالاً * الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ﴾ .

من الناس من يدري ويدري أنه يدري فهذا عالم فاتّبعوه ، ومنهم من لا يدري ويدري أنه لا يدري فهذا جاهل فعلّموه ، ومنهم من لا يدري ولا يدري أنه لا يدري ، فهذا شيطان فاحذروه . فهؤلاء على الرغم من أنهم قد تاهوا ، وشردوا ، وضلوا ، يحسبون أنهم يُحسنون صُنعاً . قد يُحصّل الإنسان مالاً حراماً ، فيأخذه الزهو ، والكبر ، ويظن نفسه قد حقق إنجازاً كبيراً ، وأنه بذكائه ، وقوته جمع هذا المال ، ففضلاً عن أنه ضال ، معتد ، أثيم ، يأخذه الفخر ، والخيلاء لأنه قد حقق هذا الدخل الكبير ﴿ الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا ﴾ هذا منتهى الضلال ، أن يكون المرء في ضلال وهو يحسب أنه مهتد ، أن يكون في خسارة وهو يظن أنه يربح ، أن يكون في تخلف وهو يظن أنه في تقدم ، أن يكون في تراجع وهو يظن أنه يرقى ، هذا منتهى الغباء ، ومنتهى الخسارة ، ومنتهى الغفلة . 

 

الكفر بآيات الله سبب الخسران :


هؤلاء ﴿ الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا * أُولَئِكَ الَّذِينَ ﴾ .. أيها الإخوة الأكارم ، كيف ضلَّ سعيُهُم في الحياة الدنيا ؟ لأنهم كفروا بآيات ربهم ، لو أنهم فكروا في آيات الله الكونية ، أو فكروا في آياته القرآنية ، لما ضلّ سعيهم في الحياة الدنيا ، لأنهم أعرضوا عن ذكر الله ، ما عبئوا بهذه الآيات التي نصبها الله عز وجل في كل مكان :

﴿ سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (53)﴾

[ سورة فصلت  ]

﴿ قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا تُغْنِي الْآيَاتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ (101)﴾

[ سورة يونس ]

﴿ وَفِي الْأَرْضِ آيَاتٌ لِلْمُوقِنِينَ (20) ﴾

[ سورة الذاريات ]


من اهتم بالحياة وترك الدين فقد حبط عمله :


﴿ أُولَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَلِقَائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ ﴾ .. حينما يئسوا من الله ، يئسوا من الجنة ، ومن الآخرة ، وقالوا : هذه مغيبات لا نُعنى بها ، نحن واقعيون نريد الواقع ، حينما تركوا الدين ، وتركوا ما وراء الحياة ، واهتموا بالشهوات فقط ، وقالوا : نريد الحياة الدنيا ، وأصروا عليها ، هؤلاء أعرضوا عن ذكر الله عز وجل ، كفروا بآيات ربهم ، ولقائه ، فحبطت أعمالهم ، طبعاً حينما أيقنوا أنه لا حساب ، ولا عذاب ، ولا جنة ، ولا نار ، ولا مسؤولية ، وأن الدنيا لمن يملك فيها الدرهم والدينار ، وأن المال مادة الشهوات .

 إذاً شيء طبيعي جداً أن ينكبّوا على جمع الدرهم والدينار من أي مصدر كان ، من حلال ، من حرام ، بشكل صحيح ، غير صحيح ، هَمَهُم الدرهم والدينار ، من أجل تحقيق شهواتهم ، ونزواتهم ، فحينما كفروا بآيات ربهم ولقائه فحبطت أعمالهم ، معنى هبطت أعمالهم أنها أصبحت لا قيمة لها ، لو أنها أعمال فيما يبدو جيدة ، لو بنوا مستشفى مثلاً ، بنى أحدهم مستشفى ، وضع أسعاراً للعمليات تفوق طاقة الإنسان ، فصارَ المرضى يشكون من الفاتورة ، وليسَ من المرض نفسه ، هل هذا عمل إنساني ؟ لا ، ليس كذلك ، إنَّ مظهره إنساني ، أما الحقيقة فقد سبّبَّ مشكلات كثيرة ، فقد يكون لك عمل ظاهره إنساني ، أما في الحقيقة فهدفه استغلالي ، فهذا العمل قد حبط ، لأنه ﴿ كَفَرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَلِقَائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ ﴾ لو أنَّ هذه الأعمال فيما يبدو إنسانية ، ولكنها لا قيمة لها عند الله ، أو معنى حبطت أي ساءت ، أي تخطوا الحدود الأدبية ، والاجتماعية ، والحقوقية للناس ، من أجل أن يأخذ أكبر مبلغ ممكن من الناس غش في البضاعة ، أساء في التصرف ، استغل ، احتكر ، فالعمل إما أن يفقد قيمته بأنه أحبط ، أو أنهُ يصبح سيئاً ﴿ فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْناً ﴾ .. لا شأن لهم عند الله ، صغار ، لهم صَغار عند الله .

 

الكافر لا وزن له عند الله : 


هؤلاء ﴿ الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً * أُولَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَلِقَائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْناً * ذَلِكَ جَزَاؤُهُمْ جَهَنَّمُ بِمَا كَفَرُوا وَاتَّخَذُوا آيَاتِي وَرُسُلِي هُزُواً ﴾ اتخذوها هزواً ، يستهزئون ، يضحكون إذا ذكر أمامهم الدين ، أو بعض آيات القرآن يهزؤون منها ، يستخفون بها ، يمزحون بها . 

 

الإيمان بالله سبب الفلاح :


﴿ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ- لكنَّ الذينَ عَرَفوا الله وعملوا الصالحات - كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلًا ﴾ .. مصير هؤلاء جهنم بما كفروا ومصير هؤلاء ﴿ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلًا (107) خَالِدِينَ فِيهَا لَا يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلًا ﴾ لِشدة النعيم في الجنة كل من في الجنة لا يبغي عنها حولاً ، أما أي مكان في الأرض مهما يكن جميلاً فيبغي الإنسان التحول عنه مع مرور الأيام والليالي إلا في الجنة .﴿ لا يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلاً ﴾   أي تحولاً. 

 

لو كان البحر مداداً لما كفى لشرح كلمات الله أو لشرح علم الله عز وجل :


﴿ قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَاداً لِكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَداً﴾ .. هذه الآية دقيقة جداً ، كلكم يعلم من يستخدم المحبرة كم عاماً تكفيه ، من يكتب كثيراً تكفيه عاماً ، محبرة لا يزيد حجمُها عن مِقبض اليد تكفيه عاماً ، أو عامين ، فكيف لو كان عنده لتر من الحبر ؟! اللتر يكفي الطالب طوال عمره ، فكيف لو كان عنده برميل ؟ خزان ؟ مستودع ؟ بحيرة ، ﴿ قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا – أي حبراً - لِكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي ﴾ .. العلماء حيال هذه الآية فريقان ؛ بعضهم يقول : كلمات الله هي هذا القرآن الكريم ، والمعنى في هذه الآية أن هذه الكلمات لا يكفي لشرحها البحار ، لو أنها مداد .

وبعضهم قال : كلمات الله علم الله ، أي في الكون من العلم ما لو أردنا شرحه لما استطاع البحر أن يكون كافياً إذا كان مداداً لشرحِه ﴿ قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا ﴾ مع أن البحر في الأرض أربعة أخماس اليابسة ، أي كل اليابسة القارات الخمسة المعروفة لا تعدل خمس الأرض ، والبحر يزيد عمقه في بعض الأماكن عن عشرة كيلو مترات ، وفي أماكن أخرى عن خمسة ، إلى ثلاثة ، إلى سبعة ، وهكذا ، فهذا البحر كله ، ولو جئنا بمثله بحراً آخر لو أن هذين البحرين مداد لما كفى هذا المداد لشرح كلمات الله ، أو لشرح علم الله عز وجل . 

 

النبي بشر يوحى إليه :


﴿ قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً ﴾ .. النبي عليه الصلاة والسلام بشر ، وقال : اللهم إني بشر أرضى كما يرضى البشر ، لكنه بشر وليس كالبشر ﴿ يُوحَى إِلَيَّ ﴾ الله عز وجل اختاره ، واصطفاه نبياً ورسولاً يوحى إليه ﴿ فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلا صَالِحًا وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا ﴾ .. قال بعض العلماء : في هذه الآية الأخيرة تلخيص لِكتاب الله كله ﴿ قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ ﴾ ماذا يوحى إليّ ؟ هذا الكتاب ، كل هذا الكتاب أوحي إليه .

 

التوحيد هو الحقيقة الأولى والأخيرة في الدين :


 ما ملخصه ؟ ﴿ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ﴾ هذه هي الحقيقة الأولى والأخيرة في الدين :

﴿ وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ (25) ﴾

[ سورة الأنبياء ]

جميع الديانات السماوية ، جميع الكتب المنزلة على أنبياء الله دعوتهم هذه ، ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلا نُوحِي إِلَيْهِ ﴾ فإذا عرفت أنه لا إله إلا الله فقد عرفت كل شيء ، وإن لم تصل إلى هذه الحقيقة لم تعرف شيئاً ، كل هذا القرآن من دفته إلى دفته ملخصه : ﴿ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا أَنَا فَاعْبُدُونِ ﴾ .

﴿ قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ ﴾ هذه الحقيقة ، الآن ما قيمة هذه الحقيقة لو عرفناها وابتعدنا عنها ؟ لكن المطلوب ﴿ فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ ﴾ لابد من أن نرجو لقاء الله عزّ وجل ﴿ فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلا صَالِحًا ﴾ هذا اللقِاء الذي هوَ أثمن كُلِّ شيء .

قال العلماء : نهاية العلم التوحيد ، أن تقول : لا إله إلا الله ، ونهاية العمل الإحسان ، الإحسان المبني على علم يؤدي بك إلى الاتصال بالله عز وجل ، الذي هو قمة السعادة ، هذه أمور أساسية في الدين ، أي مهما تعلمت إن لم توحد فأنت جاهل ، إذا عرفت أنه لا إله إلا الله وصلت إلى نهاية العلم ، بقي العمل ؛ هذا العلم لا قيمة له في ذاته ، ليسَ العلم هدفاً بذاته ، إنما هو وسيلة ، يجب أن تبني على هذا العلم العمل الصالح ، والعمل الصالح يُفهم منه أن تستقيم على أمر الله ، وأن يكون عملك وفق شرع الله ، وأن تحسن إلى خلق الله ، الاستقامة .. والعبادة .. والإحسان .. كلها تحت العمل الصالح ، العمل الصالح ثمن الاتصال بالله

﴿ قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلا صَالِحًا وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا ﴾

إذا أشركَ ضيّعَ عمله ، وأحبط عمله ، وبعضهم قال : ولا يشرك أي الاستقامة ، لو أنه أطاع مخلوقاً ، وعصى الخالق ، ما استقام ، صار معنا ،  إن لم تشرك بالعبادة ، أي استقمت على أمره ، وإن عملت الصالحات ارتقيت إلى رب الأرض والسماوات ، كل هذا بسبب أنك آمنت بأنه لا إله إلا الله ، فهذه الآية الأخيرة من سورة الكهف فيها تلخيص للقرآن الكريم .

 

لا أمل من غير عمل :


فيها شيء آخر ؛ أن الأمل لا يجدي بلا عمل : ﴿ فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا – من كان يتمنى - لِقَاءَ رَبِّهِ ﴾ لم يقل : فليتمنَّ ، لا ، فليدعُ ، لا ، ﴿ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً ﴾ إذاً رَبَطَ الله سبحانه وتعالى الأمل بالعمل ، وأي أمل بلا عمل تمنٍّ لا قيمة فيه إطلاقاً ﴿ قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً ﴾ .

والحمد لله رب العالمين 

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور