وضع داكن
19-04-2024
Logo
الدرس : 02 - سورة الفرقان - تفسير الآية 1-2 القرآن الكريم لا نسعد به إلا إذا طبَّقناه تطبيقاً دقيقاً
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين ، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم ، اللهم علمنا ما ينفعنا ، وانفعنا بما علمتنا ، وزدنا علماً ، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه ، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه ، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه ، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين .

 

الله سبحانه وتعالى أنعم على الإنسان بنعمة الإيجاد والإمداد :


 أيها الأخوة المؤمنون ؛ مع الدرس الثاني من سورة الفُرقان .

في الدرس الماضي تَمَّ الحديث عن قوله سبحانه وتعالى : ﴿ تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ (1) ﴾ وقد تبيَّن أن كلمة تبارك تعني كثُر الخير واستقر وثبت ، وأن هذا الكون كله أثرٌ من أثر فضل الله عزَّ وجل فهناك نعمةٌ اسمها : نعمة الإيجاد :

﴿ هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئًا مَذْكُورًا (1) ﴾

[ سورة الإنسان  ]

كل واحدٍ منا لولا أن مشيئة الله شاءت أن يكون لما كان ، شاءت مشيئة الله أن يكون ، وأن يسعد بمعرفة الله عزَّ وجل ، فلمجرد أنك موجودٌ على وجه الأرض فهذه نعمةٌ كبرى اسمها : نعمة الإيجاد ، وجِدتَ بعد أن لم تكن شيئاً مذكوراً ، ولو أن الله سبحانه وتعالى أوجدنا فحسب ولم يهدنا إليه لكانت النعمة غير تامة ، لذلك حينما قال الله عزَّ وجل : 

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (6)﴾

[  سورة المائدة  ]

قال العلماء : تمام النعمة الهُدى ، إذاً أنعم علينا بنعمة الإيجاد ، وأنعم علينا بنعمة الإرشاد ، أرشدنا إليه ، كيف أرشدنا إليه ؟ خلق الكون كله دالاً عليه ، كيف أرشدنا إليه ؟ أودع فينا العقل ، كيف أرشدنا إليه ؟ نزَّل الكتاب على أنبيائه ورسله ، كيف أرشدنا إليه ؟ بالتربية ، منعنا أو أعطانا ، ضيَّق علينا أو أكرمنا ، ابتلانا ، إذاً العلماء يقولون : هناك نعمة الإيجاد وهناك نعمة الإمداد . أمدَّنا بالهواء ، وفي طبقات الهواء طبقة اسمها : طبقة الأوزون ، تُعقَد الآن مؤتمرات لأن البشر قلقون على هذه الطبقة ، لقد تخلخلت ، ومع تخلخلها يبدو أن الطقْسَ في الأرض سوف يتغيَّر ، إذاً هذه الطبقة طبقة الأوزون من فضل الله عزَّ وجل ، الهواء من فضل الله ، الماء ، الأمطار انحبست قرابة شهرين ، فلما جاءت هذه الأمطار يجب أن يشعر الناس أن هذا من فضل الله عزَّ وجل ، أربعون ميليمتراً في المكان الفلاني ، ستون في المكان الفلاني ، ثمانون في المكان الفلاني ، خلال أيام معدودة ، لولا هذه الأمطار لكان الموسم تَعيساً ، إذاً أنعم علينا بنعمة الإيجاد ، وأنعم علينا بنعمة الإمداد ، أمدنا بالهواء وجعل الهواء متوازناً ، أمدنا بالماء ، أمدنا بالنبات ، أمدنا بالحيوان ، أمدنا بكل شيء :

﴿ وَآتَاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ (34)﴾

[ سورة إبراهيم ]

لذلك هذا الفضل الإلهي الذي نَتحدَّثُ عنه اليوم هو فضله الثابت ، لكنك إذا عرفت الله وتوجَّهت إليه صار العطاءُ أبدياً سرمدياً ، ولهذا خُلِقنا .

 

المعاني المتعددة لكلمة فرقان :


إذاً : ﴿ تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ (1) ﴾ .. لكن الحديث اليوم عن الفُرقان ، أي البركة كثيرة ، الكون كله من بركاته ، إيجاد الكون من بركاته ، وإمدادنا بما نحتاج  من بركاته ، وإرشادنا إليه من بركاته ، ولكن البركة هنا متوجِّهَةٌ إلى أن الله سبحانه وتعالى نزَّل الفرقان على عبده ، قال بعض العلماء : الفرقان هو الكتب المنزَّلة على أنبياء الله ورسله ، أي تطلق كلمة الفُرقان على أيّ كتابٍ سماوي نزَّله الله على أحد أنبيائه ، أو على أحد رُسله ، وبعضهم يقول : الفرقان هو القرآن ﴿ تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ (1) ﴾ وسمي القرآنُ فرقاناً لأنه نَزَلَ متفرقاً ، القرآن نزل مُنَجَّمَاً في ثلاثة وعشرين عاماً ، وبعضهم يقول : إن الفرقان سُمِّيَ فرقاناً لأن فيه تفرقةً بين الحق والباطل ، أضرب على هذا مثلاً : لو أنك دخلت إلى غرفة ، وفي هذه الغرفة ألف قطعةٍ من معدنٍ أصفر ، وقيل لك : إن من بين هذه القِطَعِ الألفِ مئة قطعةٍ من الذهب الخالص ، ومئة قطعةٍ من ذهبٍ نسبته أقل ، ومئة قطعةٍ أُخرى من ذهبٍ نسبته أقل ، ومئة قطعةٍ من حديد مطليٍّ بالذهب ، من نحاسٍ مطليٍّ بالذهب ، ومئة قطعةٍ من نحاسٍ ملمع ، ومئة قطعةٍ من معدن رخيص مصبوغٍ بلونٍ أصفر ، وعليك أن تبقى في هذه الغرفة ساعة واحدة ، ولك أن تأخذ من بين هذه القطع الألف مئة قطعة ، أنت تحتاج إلى ماذا ؟ تحتاج إلى مقياسٍ تعرف به الذهب الخالص ، كتاب الله عزَّ وجل كأنه يفرِّق لك بين الحق والباطل ، بين الخير والشر ، بين ما يجب أن تأخذه وما يجب أن تدعه ، بين ما ينفعك وبين ما يضرك ، بين ما هو مُجْدٍ لك وبين ما هو غير مجدٍ لك ، فالفرقان سمي فرقاناً لأنه به تفرق بين الحق والباطل ، تفرق بين الخير والشر ، تفرق بين الحلال والحرام ، تفرق بين ما ينفعك وما لا ينفعك . 

 

القرآن الكريم فرقان تفرِّق به بين الحق والباطل :


أيها الأخوة ؛ الله سبحانه وتعالى يقول في القرآن الكريم :

﴿ إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا (9)﴾

[  سورة الإسراء  ]

أي أنت إذا قرأت القرآن تعرف كيف تعامل الناس ، تعرف كيف تتصرَّف ، كيف تقف المواقف المشرِّفة ، تعرف كيف تأخذ شيئاً تطيب نفسك به ، تعرف كيف تجتنب المُنكرات ، إن القرآن الكريم فرقان تفرِّق به بين الحق والباطل ، إنه مقياس . 

بعض علماء القرآن يقولون : " القرآن كلام الله ، وفضل كلام الله على كلام خلقه كفضل الله على خلقه " النسبة نفسها ، بين خالق الكون وبين مخلوقٍ صغير ، كذلك الفرق بين كلام الله عزَّ وجل وبين كلام خلقه ، فالقرآن كلام الله المنزَّلُ على نبيِّه ، المنقول بتواتره ، هذا القرآن الكريم نقله الجمع الغفير العدول الضابطون عن جمعٍ غفير من عند النبي عليه الصلاة والسلام إلى يومنا هذا ، فمن تعريفات القرآن الكريم أنه كلام الله المنزَّل على نبيِّه المنقول بتواتره المُتَعَبَّدُ بتلاوته ، إذا تلوت القرآن الكريم فأنت في عبادة ، إذا تلوته حقّ تلاوته فأنت في عبادة ، ومن حق تلاوته أن تُحسن قراءته ، ومن حق تلاوته أن تتدبَّرَهُ ، ومن حق تلاوته أن تطبِّقه ، المتعبد بتلاوته ، المُتحدَّى بنظمه :

﴿ قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا (88)﴾

[  سورة الإسراء  ]

المُتحدَّى بنظمه ، المُعْجِزِ بمضمونه .

 

القرآن الكريم قطعي الثبوت عن الله عزَّ وجل :


العلماء اكتشفوا أن الأرض فيها جاذبية ، والجاذبية بشكلٍ أو بآخر هو ما يسمَّى وزن الأشياء ، فكل شيءٍ يندفع إلى الأرض ، كل شيءٍ ينجذب إلى الأرض ، قوة جذبه إلى الأرض هي وزنه ، فهذه الجبال ، وهذه الهضاب ، وهذه البحار ، بل وهذه الطبقات الهوائية كلها منجذبةٌ إلى الأرض ، ونحن على سطحها والأبنية وكل شيء ، ربنا سبحانه وتعالى يقول :

﴿  أَلَمْ نَجْعَلْ الأَرْضَ كِفَاتًا(25)﴾

[ سورة المرسلات  ]

كَفَتَ يَكْفِتُ كَفْتَاً ، أي ضَمَّ يَضُمُّ ، وجذب يجذب ، وجمع يجمع ، فالأرض كفات تجذب كل شيءٍ عليها أحياءً وأمواتاً ، الميِّت ينجذب إليها ، والحي وهو يمشي على سطحها منجذبٌ إليها ، ولولا انجذابه إليها لما مشى على سطحها ، لطار في الهواء ، وحالة انعدام الوزن معروفة ، فلذلك آيات القرآن الكريم فيها إشاراتٌ دقيقة إلى أصول العِلم الحديث ، فما من كشفٍ علمي إلا والقرآن الكريم أشار إليه قبل ألفٍ وأربعمئة عام تقريباً ، قطعي الثبوت ، أي القرآن الكريم قطعي الثبوت عن الله عزَّ وجل ، فإذا كان قي القرآن وعدٌ ، أو كان فيه وعيدٌ ، أو كان فيه قاعدةٌ أو سنةٌ فهي قطعية الثبوت ، مصداقيته مئة في المئة ، فإذا تيقَّنت مِن أنه قطعي الثبوت عن الله عزَّ وجل ، وفيه تحذيرٌ ، أو فيه بشارةٌ ، أو فيه إنذارٌ فينبغي أن تقف منه الموقف الذي يليقُ أن تقفه من خالق الكون :

﴿ ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ (2) ﴾

[ سورة البقرة  ]


لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه :


﴿ إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا (9)﴾

[  سورة الإسراء  ]

طَبِّق توجيهات القرآن الكريم في حياتك الزوجية يهديك للطريقة المُثلى في معاملتك للزوجة ، طبِّق آيات القرآن الكريم في بيعك وشرائك يهديك إلى الطريقة المُثلى ، طبق آيات القرآن الكريم في علاقاتك بالناس يهديك للتي هي أقوم ، طبِّق آيات القرآن الكريم في علاقتك بالله عزَّ وجل تَرَ أن الصلة محكمةٌ بالله عزَّ وجل .

 

القرآن الكريم لا يحزن قارئه لأن الأمر كله بيد الله :


إذاً : ﴿ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ (9) ﴾ ..  لا يحزن قارئِهُ ، الأمر كله بيدِ الله :

﴿ فَلَا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَتَكُونَ مِنَ الْمُعَذَّبِينَ (213)﴾

[ سورة الشعراء ]

لا يحزن قارئه ، كيف تحزن والله سبحانه وتعالى صاحب الأسماء الحسنى وصاحب الصفات الفضلى ، رحيمٌ ، غفورٌ ، غني ، قوي ، مجيدٌ ، ودودٌ ، عطوفٌ ، كيف تحزن والأمر كله إليه ؟ ربنا سبحانه وتعالى طمأنك فقال :

﴿ وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (123)﴾

[  سورة هود ]

لا يحزن قارئه ، وهو كما قال الإمام علي كرم الله وجهه : " نور لا يطفأ مصباحه " فمن قرأ القرآن الكريم قّذَفَ الله في قلبه النور ، واللهِ الذي لا إله إلا هو هذا الذي يقرأ كتاب الله عزَّ وجل ويفهمه ويطبقه كأنه كوكبٌ دُرِّيٌّ يمشي على وجه الأرض . " نورٌ لا يطفأ مصباحه وسراجٌ لا يخبو توقُّده " ، الإنسان أحياناً يكون قلبه بارداً ، فاتراً ، لو أنه قرأ القرآن الكريم يتَّقِدُ قلبه حباً لله عزَّ وجل ، يتَّقِدُ قلبه حباً للخير ، يتّقد قلبه عطفاً على الناس ، يتّقد قلبه شوقاً إلى الله عزَّ وجل ، هذا القلب بين أن يكون قلباً مُتَصَحِّرَاً ، بارداً ، جامداً ، لا يتحرَّك ، لا ينبض بمحبة ؛ وبين أن يكون القلب متقداً بمحبة الله عزَّ وجل ، لو أنك قرأت القرآن الكريم لاتَّقدَ قلبك محبةً لله عزَّ وجل .

" وبحرٌ لا يدرك قعره " كلما تلوته كشف الله لك عن معانٍ لم تكن تعرفها من قبل ، كلما زدته فكراً زادك معنى ، لا يبلى على كثرة الترداد ، لا يخلق على كثرة الترداد ، كلما قرأته تزداد به معرفة بالله ، كلما تلوته كُشِفت لك بعض أسراره ، كلما تلوته كُشِفَ لك عن بعض الحِكَم من نظم هذه الآيات ، فالكتاب الذي لا يملّ والكتاب الذي لا يُترك هو كلام الله عزَّ وجل. 

 

من عرف القرآن عرف المنهج الأمثل :


 " ومنهاجٌ لا يضل سالكه " كما قال سيدنا عليٌ كرم الله وجهه ، منهاج ، خط مستقيم ، قطارٌ يمشي على سكة في أمنٍ وطمأنينة ، مركبةٌ تمشي على طريقٍ معبَّد ، لا ترى فيه عوجاً ولا أمتاً ، تمشي في طمأنينة ، لكن الذي يَدَعُ كلام الله عزَّ وجل كأنه يمشي في طريقٍ وعرة ، قد يفاجأ بحفرةٍ ما لها من قرار ، قد يفاجأ بصخرةٍ لا يمكن أن يتجاوزها ، قد يفاجأ بمخاطر ، لكنك إذا سرت على هدي الكتاب الكريم لا تضل ولا تشقى . 

" وفرقانٌ لا يخمد برهانه " كأنه مقياس ، بعض العملات الدولية تكشف صحتها من زيفها بجهاز ، تدخل هذه العملة إلى الجهاز فيتألَّق ضوءٌ بنفسجيُ اللون ، إذاً صحيحة ، لو تألق ضوءٌ أبيض اللون لكانت مزورة ، فهذا القرآن الكريم بشكلٍ أو بآخر أية قضيةٍ عرضتها عليه ينبئك ما إذا كانت حقاً أو باطلاً ، أية قضيةٍ في العلاقات الاجتماعية ، في الصفات النفسية ، في العلاقات المالية ، في فهم ما مضى ، في فهم ما سيكون ، هذه القضايا العلمية والتاريخية والاجتماعية والنفسية ، هذه كلها لو عرضتها عليه لكان المقياس صحيحاً . 

" فرقانٌ لا يخمد برهانه ، وتبيانٌ لا تهدم أركانه " ولا زلنا مع الإمام علي كرم الله وجهه في وصف القرآن الكريم .. " وشفاءٌ لا تُخشى أسقامه " من تعلّم القرآن فظن أن أحداً أوتي خيراً منه فقد حَقَّرَ ما عظَّمه الله ، أنت إذا عرفت القرآن عرفت المنهج الأمثل ، الله سبحانه وتعالى يقول :

﴿ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ (1)﴾

[  سورة الأنعام  ]

وقال :

﴿ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجًا (1)﴾

[ سورة الكهف  ]

الكتاب في كفة والكون في كفَّة ، الكون هو من خلق الله والكتاب منهاج الله عزَّ وجل ، أنت موجود ، أنت جزءٌ من هذا الكون ، فإذا عرفت المنهج فقد عرفت كل شيء ، لهذا يقول عليه الصلاة والسلام : عن أنس بن مالك  :

(( القرآن غنىً لا فقر بعده ولا غنىً دونه . ))

[ السلسلة الضعيفة  : ضعيف  ]

 

في القرآن الكريم توجيهات أخلاقية كثيرة :


 إذا عرفت القرآن عرفت كل شيء ، لهذا جاء في القرآن الكريم قوله تعالى :

﴿ يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ (269)﴾

[ سورة البقرة  ]

إنَّك إذا عرفت ما في هذا الكتاب من قواعد ثابتة لن تقع في غضب الله عزَّ وجل ، ولن تستحق من الله العقاب ، تغدو حياتك في أمنٍ وسكينة ، أما إذا وُضع هذا القرآن جانباً ، وتحرك الإنسان وفق شهوته ومزاجه ، فلابدَّ من أن يأخذ ما له وما ليس له ، لابدَّ من أن يقع في الحرام ، لابدَّ من أن يقع في العدوان ، لذلك يأتي علاج الله عزَّ وجل فيوقفه عند حده ، فالسعيد من عرف القرآن في مُقتبل حياته فبنى علاقاته كلها وفق هذا المنهج الصحيح ، و" فرقانٌ لا يخمد برهانه ، وتبيانٌ لا تهدم أركانه ، وشفاءٌ لا تخشى أسقامه " ، ربنا عزَّ وجل قال :

﴿ وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ (222)﴾

[ سورة البقرة  ]

وقال أيضاً :

﴿  يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَومٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ وَلا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ وَلا تَنَابَزُوا بِالأَلْقَابِ بِئْسَ الاِسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الإِيمَانِ(11)﴾

[ سورة الحجرات ]

الله عزَّ وجل في آيات كثيرة يقول : ﴿ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ(222) ﴾ ، وقال :

﴿ إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ (38)﴾

[ سورة الحج  ]

﴿ ذَلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي كَيْدَ الْخَائِنِينَ (52)﴾

[  سورة يوسف  ]

﴿ كَذَلِكَ حَقَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ فَسَقُوا أَنَّهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (33)﴾

[ سورة يونس  ]

 فيه توجيهات أخلاقية ، فإذا طبَّقت أحكام كتاب الله شفيت نفسك من كل مرض :

﴿ لَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوْا وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا فَلَا تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفَازَةٍ مِنَ الْعَذَابِ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (188) ﴾

[ سورة آل عمران  ]

 

اتباع منهج الله يضمن سلامة الإنسان ومخالفته يسبب الخيبة والخسران :

 

ربنا عزَّ وجل وصف لك مرضاً مستشرياً بين الناس : ﴿ وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا (188) ﴾ هذه الأمراض ، وهذه المُثُل البشرية التي جاء ذكرها في القرآن الكريم لو قرأناها ، وعقلناها ، وتدبرناها ، لشُفيت نفوسنا من كل مرض . 

" وعزٌّ لا يهزم أنصاره " إذا قرأت هذا الكتاب ، وتعَمَّقْتَ فيه ، وتلوته حق تلاوته ، رفع الله لك شأنك في الحياة ، تصبح من أهل الله ، أنت حاملٌ لكتاب الله .

" عز لا يهزم أنصاره ، وحقٌ لا يخذل أعوانه ، وهو معدن الإيمان ، وينبوع العلم ، ورياض العدل " هذا الكتاب بشكلٍ أو بآخر كأنك اقتنيت آلةً بالغة التعقيد ، غالية الثمن ، عظيمة النفْع ، تشعر برغبةٍ ملحة كي تقتني كُتَيِّبَاً تصدره الجهة الصانعة ، فيه تعليمات التشغيل وطرق الصيانة ، إنك حريصٌ حرصاً بالغاً على اقتناء هذا الكُتَيِّب ، حريصٌ حرصاً بالغاً على ترجمته ، حريصٌ حرصاً بالغاً على فهمه ، حريصٌ حرصاً بالغاً على تطبيقه ، تنفيذ تعليماته ، وما هذا الحرص إلا نابعٌ من حرصك على هذه الآلة ، ومن حرصك على أدائها أداءً جيداً ، وأنت أعقد آلةٍ في الكون. 

أنت أيها الإنسان تحتاج إلى تعليمات من الصانع ، هذا القرآن تعليمات الصانع ، ما من جهةٍ في الأرض مخوَّلةٍ أن تقدِّم تعليمات التشغيل إلا الجهة الصانعة ، لو أنك اشتريت آلةً معقدة هل تنفِّذ تعليمات إنسان جاهل ؟ لا تنفذ إلا تعليمات الصانع ، وأنت أعقد آلةٍ في الكون . 

أتحسب أنك جرمٌ صغير               وفيك انطوى العالم الأكبر ؟

* * *

أنت أيها الإنسان أعقد مخلوقٍ على وجه الأرض ، وأدق مخلوق ، وأكرم مخلوقٍ على الله عزَّ وجل ، ولكرامتك عليه جعل لك هذا الكتاب منهاجاً لك في الحياة ، يقول لك : افعل ولا تفعل ، هذه تجوز وهذه لا تجوز ، هذه تنفع وهذه تضر ، هذه تُجْدِي وهذه لا تُجدي ، هذه تُسعدك وهذه لا تُسعدك ، إذاً أنت تتعامل مع توجيهات الصانع ، فإذا أخذت بها ضمنت سلامة هذه الآلة ، وضمنت أن تؤدِّي أعلى مردود ، وإن لم تأخذ بها فقد خاب هذا الإنسان وخسر .

 

من استسلم لله عزَّ وجل ورضي بقضائه سعد في الدنيا والآخرة :


﴿ تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا (1) ﴾ يوجد شيء دقيق جداً هو أن الله سبحانه وتعالى قال :

﴿ قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعًا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى (123)﴾

[  سورة طه  ]

وهذا هُدَى الله عزَّ وجل ﴿ فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ ﴾ مثل بسيط : أحياناً ينشب بين الزوجين خلاف ، أول كلمة يقولها الزوج : اذهبي إلى بيت أهلك ، تذهب هذه الزوجة إلى بيت أهلها ، والمشكلة يسيرة وطفيفة ، أطرافٌ أخرى يُسهمون بتكبير هذه المشكلة ، لو أن هذا الزوج قرأ كتاب الله عزَّ وجل ، وقرأ توجيهات الله عزَّ وجل :

﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا (1)﴾

[ سورة الطلاق  ]

إن أكبر مشكلةٍ تغدو صغيرةً إذا بقيت الزوجة في بيت زوجها ، وإن أصغر مشكلةٍ تغدو كبيرةً إذا خرجت الزوجة من بيت زوجها ، فهذا توجيهٌ إلهي للأزواج ، من طبَّقه سَعِد ، ومن خالفه شقي ، ربما انتهى الأمر إلى الطلاق ، وكثيراً ما ينتهي الأمر إلى الطلاق ، ربنا سبحانه وتعالى يقول :

﴿ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (216) ﴾  

[ سورة البقرة ]

هذا توجيه إلهي ، الشيء قد لا يعجبك ، قد لا يسعدك ، وقد يكون الخير كامناً فيه ، فإذا استسلمت لله عزَّ وجل ، ورضيت بأمره وقضائه ، سعدت في الدنيا والآخرة ، الله سبحانه وتعالى يقول لك : 

﴿ وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ (48) ﴾

[ سورة الطور ]

وهذا حكم الله عزَّ وجل . 

 

قراءة كتاب الله والإيمان به يبقي الإنسان متوازناً :


إذا كنت تقرأ كتاب الله عزَّ وجل تبقى متوازناً ، لا يختل التوازن ، لا تنهار النفس ، هذا التوازن شيءٌ مهمٌ جداً في الصحَّة النفسية ، إيمانك بكلام الله عزَّ وجل سببٌ لهذا التوازن ، الشيء الذي يقلق الناس في الدنيا ، الحُزن الذي يأكل قلوبهم إذا فاتهم شيءٌ منها ، أو توقع المجهول ، توقع المجهول الذي يبعث في النفس الخوف ، الله سبحانه وتعالى يقول:  

﴿ قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْهَا جَمِيعًا فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (38)﴾

[ سورة البقرة ]

لا خوفٌ عليهم في الدنيا ، ولا هم يحزنون عند فِراقِها ، إذاً هذا من بركات القرآن الكريم ، ﴿ تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ (1) ﴾

 

وحدانية الله عز وجل توجيه إلهي في كتاب الله وهي أهم أسباب سعادة الإنسان :


أنت إذا تلوت كلام الله عزَّ وجل لا تحزن ، ربنا سبحانه وتعالى وجَّهك فقال :

﴿ فَلَا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَتَكُونَ مِنَ الْمُعَذَّبِينَ (213) ﴾

[ سورة الشعراء ]

أحد أكبر أسباب العذاب النفسي أن تدعوَ مع الله إلهاً آخر ، فإذا وحَّدَتَ الله عزَّ وجل فقد سعدت ، وهذا توجيهٌ إلهيٌ في كتاب الله عزَّ وجل ، أحياناً تكون دنياك متواضعة ، ودنيا الفُجَّار عريضة ، فإذا كنت في غيبوبةٍ عن كلام الله عزَّ وجل ، إذا كنت بعيداً عن كلام الله ، قد يأتي لقلبك اليأس ، أنا مع استقامتي ، وعلى طاعتي لله ، وعلى طهارتي ، أنا أعيشُ في ضيقٍ شديد ، وفلان وفلان وعلان في بحبوحةٍ كبيرة ، وهو يعصون الله ليلاً ونهاراً !! إذا تلوت كلام الله عزَّ وجل حيث يقول الله عزَّ وجل :

﴿ فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ (44)﴾

[ سورة الأنعام  ]

عندئذٍ ترضى ، إذا تلوت قول الله عزَّ وجل :

﴿ أَفَمَنْ وَعَدْنَاهُ وَعْدًا حَسَنًا فَهُوَ لَاقِيهِ كَمَنْ مَتَّعْنَاهُ مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ هُوَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنَ الْمُحْضَرِينَ (61)﴾

[  سورة القصص ]

ترضى ، إذا تلوت قوله تعالى :

﴿ أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ (21)﴾

[ سورة الجاثية ]

ترضى ، إذا تلوت قوله تعالى :

﴿ يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً (71)﴾

[ سورة الأحزاب ]

ترضى ، هذا هو الفوز العظيم ، إذا تلوت قوله تعالى :

﴿ قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا(9) ﴾

[ سورة الشمس  ]

 وأنت في طريق تزكية النفس ترضى . 

 

القرآن شفاء لما في النفوس من كل خوف ومرض :


هذا القرآن شفاء لما في النفوس ، واللهِ الذي لا إله إلا هو ، لا يقرأ هذا القرآن مؤمنٌ صادقٌ قراءةً كما أرادها الله عزَّ وجل إلا شُفِيَت نفسه من كل مرض ، ولا خوف ، لماذا الخوف؟

﴿ مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (97)﴾

[ سورة النحل  ]

لماذا الخوف ؟ وعدٌ من خالق الكون أن يحييك حياةً طيبة إذا طبَّقت أمره ، لماذا الخوف ؟ هل تخاف من عدوك ؟ يقول الله عزَّ وجل على لسان سيدنا هود :

﴿ مِنْ دُونِهِ فَكِيدُونِي جَمِيعًا ثُمَّ لَا تُنْظِرُونِ (55) إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (56)﴾

سورة هود

هل تخاف من عدوك ؟ 

 

القرآن الكريم يبعث في النفس الطمأنينة والثقة برضا الله عزَّ وجل :


إذا تلوت قوله تعالى : ﴿ إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنْ الَّذِينَ آمَنُوا (38) ﴾ .. ألا تطمئن إلى أن الله يدافع عنك ؟ هذه آيةٌ محكمة في كتاب الله ، إذا تلوت قوله تعالى :

﴿ إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (160)﴾

[ سورة آل عمران  ]

إذا كنت حريصاً على تلقِّي العلم والحكمة ألست من السعداء ؟ هذه كلُّها تبعث في النفس الرضا ، إذا تلوت قوله تعالى :

﴿ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا (96)﴾

[ سورة مريم  ]

ألا تطمح أن تشتري مودة الله عزَّ وجل بطاعته ؟ ألا تطمح أن تكون ممن تَعنيهم هذه الآية ، إذا تلوت قوله تعالى :

﴿ وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ (48) ﴾

[ سورة الطور ]

ألا تتمنى أن تكون ممن تنطبق عليهم هذه الآية ؟ 

 

من بركات القرآن الكريم أنه يحقق توازناً نفسياً :


القرآن شفاء لما في النفوس ، يبعث في النفس الطمأنينة ، والرضا ، والثقة برضا الله عزَّ وجل ، يحقق توازناً نفسياً بين الدين والدنيا ، بين الدنيا والآخرة ، هذا كلُّه من بركات القرآن الكريم ، لذلك قال الله تعالى : ﴿ تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ (1) ﴾ إذا فاتك شيءٌ من الدنيا وتلوت قوله تعالى :

﴿ وَمَا أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَمَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَزِينَتُهَا وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى أَفَلَا تَعْقِلُونَ (60)﴾

[ سورة القصص  ]

ألا تحس أن الدنيا كلها لا قيمة لها وأن رضوان الله عزَّ وجل أثمن ما فيها ؟ هذا القرآن الكريم إذا قرأته ، وتدبَّرته ، وعقلت ما فيه كنت أسعد الناس ، يجب أن تقول إذا قرأت القرآن : أنا أسعد الناس ، أنا أسعد الناس إلا أن يكون أحدٌ أتقى مني فهو أسعد مني ، هكذا يجب أن تقول . 

 

إذا حقق الإنسان العبودية لله فقد حقق أعلى مرتبةٍ ينالها إنسان :


﴿ تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا (1) ﴾ مَن هو عبده ؟ النبي عليه الصلاة والسلام ، وُصِفَ في أرقى مرتبةٍ ينالها إنسان ، إما أن تكون عبداً لله قهراً ، وإما أن تكون عبده طواعيةً ، كلنا عبيدٌ لله قهراً ، ولكن إذا عرفت حجمك الحقيقي ، وعرفت ربك معرفةً تليق بك ، إذا عرفته وعبدته ارتقيت إلى أرقى مرتبةٍ ينالها مخلوقٌ على وجه الأرض ، لذلك ربنا عزَّ وجل كرم النبي عليه الصلاة والسلام حينما قال : ﴿ تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ (1) ﴾  معنى عَبْدِهِ أي الإنسان الذي ينساق إلى الله ، يستسلم إلى الله بكل أفكاره ، ومشاعره ، وقوَّته ، وحركاته ، وسكناته ، هذا الذي يستسلم لأوامر الله في كل أنواعها ، في كل حركاته وسكناته يحقق العبودية ، وإذا حقق العبودية فقد حقق أعلى مرتبةٍ ينالها إنسان ﴿ تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا (1) ﴾ .

 

من كان عبداً لله فهو في ظلّ الله ورعايته :


النبي عليه الصلاة والسلام أهلٌ لأن يُنَزَّلَ عليه القرآن لذلك ربنا عزَّ وجل يقول :

﴿ وَبِالْحَقِّ أَنْزَلْنَاهُ وَبِالْحَقِّ نَزَلَ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا مُبَشِّرًا وَنَذِيرًا (105)  ﴾

[  سورة الإسراء  ]

﴿ وَبِالْحَقِّ أَنزَلْنَاهُ ﴾ أي مضمونه الحق ﴿ وَبِالْحَقِّ نَزَلَ ﴾ نزل على إنسانٍ مؤهَّلٍ أن ينزَّل عليه القرآن ، في الآية الأولى إشارةٌ إلى أحقِّية القرآن ، وفي الكلمة الثانية إشارةٌ إلى أحقيةٌ النبي العدنان : ﴿ وَبِالْحَقِّ أَنزَلْنَاهُ وَبِالْحَقِّ نَزَلَ (105) ﴾ ، وإذا كنت عبدَ الله فعبدُ الله حُر ، النبي عليه الصلاة والسلام قال : عن أبي هريرة رضي الله عنه  :

(( تعِس عبدُ الدينارِ  ، تعِس عبدُ الدرهمِ  ، تعس عبدُ الخميصةِ  ، تعس عبدُ الخميلةِ  ، تعِس وانتكَس وإذا شيكَ فلا انتقشَ  . ))

[ صحيح البخاري ]

أنت عبدٌ لمن ؟ هناك من هو عبدٌ للدرهم والدينار ، ومعنى أنه عبدٌ للدرهم والدينار أيْ أَنَّه يعصي الله من أجل الدرهم والدينار ، يضيِّع من دينه الشيء الكثير من أجل الدِرهم والدينار ، يخالف كلام الله من أجل الدرهم والدينار ، يُضيع فرض الصلاة من أجل الدرهم والدينار ، هذا عبدٌ للدرهم والدينار ، وقال عليه الصلاة والسلام : (( تعِس عبدُ الدينارِ  ، تعِس عبدُ الدرهمِ  ، تعس عبدُ الخميصةِ  )) .

تعس عبد الدرهم والدينار ، وتعس عبد البطن ، وتعس عبد الفرج ، وتعس عبد الخميصة ، الخميصة أي الثياب ، هذا الذي يجعل نفسه خادماً لشهواته كأنه جعل من شهوته إلهاً له فعبدها من دون الله ، لكن المؤمن له صفةً أخرى :

﴿ وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى (40) فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى (41)﴾

[  سورة النازعات  ]

تعس عبد الدرهم والدينار ، تعس عبد البطن ، تعس عبد الفرج ، تعس عبد الخميصة ، والمعنى المخالف : وسعد عبد لله . إما أن تكون عبداً لله وإما أن تكون عبداً لعبدٍ لئيم ، شتان بين أن تكون عبداً لله : 

اجعل لربك كــل عـزِّك يستقر ويثبت         فإذا اعتززتَ بمن يموت فإن عزك ميت

* * *

 اعْبُدْ الله ، اعتزَّ به ، كن في طاعته ، احرِص على أن يجدك حيث أمرك ، وعلى أن يفتقدك حيث نهاك ، إذاً أنت عبدٌ لله ، ومتى كنت عبداً لله فأنت في ظلّ الله ، وأنت في رعاية الله ، وأنت في عين الله ، تنطق بتوفيق الله ، تمشي بهدى من الله عزَّ وجل ، الحديث القدسي : " ليس كل مصلٍّ يصلي ، إنما أتقبل صلاة ممن تواضع لعظمتي ، وكفّ شهواته عن محارمي ، ولم يصر على معصيتي ، وأطعم الجائع ، وكسا العريان ، ورحم المصاب ، وآوى الغريب ، كل ذلك لي ، وعزتي وجلالي إن نور وجهه لأضوأ عندي من نور الشمس ، على أن أجعل الجهالة له حلماً ، والظلمة نوراً ، يدعوني فألبيه ، يسألني فأعطيه ، يقسم عليّ فأبره ، أكلؤه بقربي ، أستحفظه ملائكتي ، مثله عندي كمثل الفردوس لا يمس ثمرها ، ولا يتغير حالها  " .

حديث آخر ؛ عن أبي هريرة رضي الله عنه :

((  مَنْ عَادَى لِي وَلِيًّا فَقَدْ آذَنْتُهُ بِالْحَرْبِ وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ ، وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ ، فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ ، وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ ، وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا ، وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِي بِهَا ، وَإِنْ سَأَلَنِي لَأُعْطِيَنَّهُ ، وَلَئِنِ اسْتَعَاذَنِي لأُعِيذَنَّهُ ، وَمَا تَرَدَّدْتُ عَنْ شَيْءٍ أَنَا فَاعِلُهُ تَرَدُّدِي عَنْ نَفْسِ الْمُؤْمِنِ يَكْرَهُ الْمَوْتَ وَأَنَا أَكْرَهُ مَسَاءَتَهُ . ))

[ صحيح البخاري  ]

 هكذا يكون المؤمن .

 

الآية التالية مسوقةٌ إلى عالم الإنس والجن لأنهما المكلفان بالرسالة :


﴿ تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا (1) ﴾ مَنْ هم العالَمون ؟ العالَمون جمع عالَم ، ولكن هذه الآية مسوقةٌ إلى عالم الإنس والجن فقط ، لأنهما الصِنفان من بين المخلوقات الذين كُلِّفا بالرسالة ، ليكون هذا الكتاب للإنس والجن نذيراً ، لماذا نذير ؟ نذير تنبيه ، أنت إذا سرت في طريق ، وفي الطريق أخطار ، ألا ترى إلى هذه اللوحات قبل مئة متر أو مئتي متر من المُنعطف الخطر ، من المنحدر الزلِق ، من الطريق الضيِّق ، من الطريق المتقاطع ، يقول لك : تقاطع خطر ، أليست هذه اللوحات إنذاراً من جهةٍ رحيمة لمن يمشي على هذه الطريق ؟ هذا مثل بين أيدينا .

 

قراءة القرآن الكريم دون العناية بتطبيقه نوع من الهجران :


كذلك الإنسان حينما يتلو كلام الله :

﴿ وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوًّا مُبِينًا (53)﴾

[  سورة الإسراء  ]

فحينما تنطق انطِق بالحق ، لا تكن قاسياً ، لو كنت قاسياً لدخل الشيطان بينك وبين أخيك ، هذا توجيه ربَّاني :

﴿ قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ (30)﴾

[  سورة النور  ]

 توجيه رباني ، من أجل أن تسعد في بيتك غُضَّ بصرك عن محارم الله توجيه رباني .

﴿ وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (188)﴾

[ سورة البقرة  ]

توجيه رباني في العلاقات المالية ، فإذا طبَّقت هذه التوجيهات قطفتَ ثمارها في الدنيا ، أما أن نقرأ القرآن الكريم من دون أن نُعْنَى بتطبيقه ، رُبَّ تالٍ للقرآن والقرآن يلعنه ، ومَا آمَنَ بِالْقُرْآنِ مَنِ اسْتَحَلَّ مَحَارِمَهُ  ..

 

من عصى اللهَ عزَّ وجل يكون كافراً أو جاهلاً :


﴿ تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا (1) الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا (2) ﴾ قبل أن نصل لهذه الآية ، للإمام الغزالي رضي الله عنه قول دقيق جداً على كلمة نذير ، ومن المناسب أن نتلوه عليكم في معرض هذه الآية ، الإمام الغزالي يقول : " لو أن طبيباً حذَّر مريضه من بعض الأكلات التي يحبها ، وبيّن له الخطر الذي ينتظره إذا تناولها .. أغلب الظن  نحن جميعاً نُحِب أكلةً ما ، قابلت الطبيب قال لك : هذه الأكلة تسبب لك التهاباً في المعدة ، ابتعد عنها ، أغلب الظن أن جميع العقلاء ينصاعون لهذا التحذير من الطبيب ، الآن سنجري موازنةً بين تحذير الله عزَّ وجل وبين تحذير الطبيب ، في القرآن أوامر ونواهٍ ، ووعدٌ ووعيد ، فكيف نفسِّر موقف الإنسان الذي يخالف أوامر الله عزَّ وجل ونواهيه ولا يعبأ بوعده ولا وعيده ؟ أيكون الطبيب أصدق عنده من الله ؟ معقول طبيب من بني البشر يقول لك : هذه الأكلة التي تحبها تؤذي قلبك أو تؤذي معدتك وتصدقه والله سبحانه وتعالى في هذا الكتاب القطعي الثبوت  الذي هو كلام الله قولاً واحداً يقول لك : لا تفعل هذا ؟ ﴿ وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ (188) ﴾ الطبيب يحذِّر فتنصاع لتحذيره والرَّب يحذر فلا تنصاع !! أيكون الطبيب أصدق عندك من الله ، هكذا خاطب الغزالي نفسه : " يا نفس أيكون الطبيب أصدق عندكِ من الله ، إذاً فما أكفركِ ! " يخاطب نفسه ، أما إذا كان وعْد الطبيب أشد إيقاعاً في نفسك من وعْد الله ، أو إذا كان وعيد الطبيب أشد إخافةً لك من وعيد الله فما أجهلكِ أيتها النفس ! لما يعصي الإنسانُ اللهَ عزَّ وجل إما أن يكون فما أكفره ! أو ما أجهله ! وليس هناك حلّ ثالث ، إما فما أكفره ! أو فما أجهله !

 

القرآن الكريم جعله الله دستوراً لنا ومنهجاً نسعد إذا طبَّقناه ونشقى إذا تركناه :


ملخص هذا الدرس أن هذا القرآن الكريم الذي جعله الله دستوراً لنا ومنهجاً نسعد إذا طبَّقناه ونشقى إذا تركناه ، ومن صفات أهل الدنيا ، أو من صفات الذين تنكبوا طريق الحق أنهم اتخذوا هذا القرآن مهجوراً ، هجران القرآن الكريم ليس ألا تقرأه ، قد تقرؤه ولكن إن لم يدخل في حياتك اليومية ، إن لم تدخل آياته في علاقاتك الاجتماعية ، إن لم تعظِّم هذه الأحكام التي جاء بها فأنت قد هجرته ، وإذا هجرته فقد ضللت ضلالاً بعيداً ، فلذلك الإنسان في بيعه وشرائه لا ينسى أن يطبق كلام الله عزَّ وجل ، في علاقاته الاجتماعية ، في بيته ، مع زوجته ، مع أولاده ، مع من هم فوقه ، مع من هم دونه :

﴿ وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ (34) وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ (35)﴾

[ سورة فصلت ]

 

القرآن الكريم لا نسعد به إلا إذا طبَّقناه تطبيقاً دقيقاً :


عندما يقول ربنا عزَّ وجل لك في القرآن :

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا وَلَا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا (19)﴾

[  سورة النساء  ]

أمر إلهي ، وهذا الأمر يقتضي التطبيق والوجوب ، فحينما تتحرَّك في علاقاتك الشخصية والاجتماعية وفق المزاج ووفق الهوى ، وتجعل هذا الكتاب مهجوراً من حيث التطبيق ، عندئذٍ يدفع الإنسان الثمن غالياً ، فملخص هذا الدرس أن هذا الكتاب لا نسعد به إلا إذا طبَّقناه تطبيقاً دقيقاً .

﴿ إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمْ الْمَلائِكَةُ أَلا تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ(30)نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ(31)نُزُلا مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ(32)﴾

[ سورة فصلت  ]

والحمد لله رب العالمين 

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور