وضع داكن
24-04-2024
Logo
الدرس : 07 - سورة الفرقان - تفسير الآيات 21 - 31 الإنسان بيده الحل الأمثل فهو مخيَّر
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين ، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا ، إنك أنت العليم الحكيم ، اللهم علمنا ما ينفعنا ، وانفعنا بما علمتنا ، وزدنا علماً ، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه ، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه ، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه ، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين .

 

الفرق بين المؤمن وغير المؤمن :


 أيها الأخوة المؤمنون ؛ مع الدرس السابع من سورة الفُرقان . 

وصلنا في الدرس الماضي إلى قوله تعالى : ﴿ وَقَالَ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْمَلَائِكَةُ أَوْ نَرَى رَبَّنَا لَقَدِ اسْتَكْبَرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ وَعَتَوْا عُتُوًّا كَبِيرًا(21)﴾ الحقيقة إذا كان هناك من فرقٍ أساسي بين المؤمن وبين غير المؤمن هو أن المؤمن يرجو الله واليوم الآخر ، وأن الكافر لا يرجو الله ولا يرجو اليوم الآخر ، ما معنى لا يرجو ؟ أي لا يخاف ، ما معنى لا يرجو ؟ أي لا يأمُل ، لا يخاف ، ولا يطمع ، ولا يأمُل ، ولا يريد ، أيْ أنَّ الآخرةَ كلَّها خارج الحساب ، الدنيا أكبر همِّه ومبلغ علمه :

﴿ يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ (7)﴾

[  سورة الروم  ]

الدين له حقيقة وله شكل ، شكله أن تصلِّي ، شكله أن تصوم ، ولكن حقيقة الدين أن تنتقل اهتماماتك من الدنيا إلى الآخرة ، أن تنتقل آمالك من الدنيا إلى الآخرة ، أن تنتقل مخاوفك من الدنيا إلى الآخرة ، فالمؤمن يطمع أن يكون في مقعد صدقٍ عند مَليكٍ مقتدر ، وربَّما لا يطمع في الدنيا ، يكفيه من الدنيا القليل ، يكفيه من الدنيا ما أوصله إلى هدفه ، المال عنده وسيلة ، المؤمن يريد من الدنيا ما يُعينه على التقرُّب إلى الله عزَّ وجل ، يجعل من المال وسيلةً للتقرُّب إلى الله عزَّ وجل ، إذا كان قوياً فيجعل قوَّته في سبيل مرضاة الله عزَّ وجل ، إذاً المؤمن يأخذ من الدنيا بقدر ما تعينه على طاعة الله عزَّ وجل ، بقدر ما تعينه على التقرُّب منه ، لذلك فالدنيا عند المؤمن في يديه لا في قلبه ، وهي وسيلة وليست غاية ، لكنّ رجاءه فيما عند الله ، لكنَّ رجاءه في مرضاة الله ، في القرب من الله ، لكنّ رجاءه في الجنَّة وما قرَّب إليها من قولٍ أو عمل ، يحبُّ الله ، ويحبّ مَن يحبّه ، ويحبُّ كل عملٍ يقرِّبه إلى حبِّه ، هذا هو الفرق بين المؤمن وغير المؤمن . 

 

الرجاء متعلِّق بالمعرفة فكلَّما عرفت الله رجوته :


ربنا عزَّ وجل قال : ﴿ وَقَالَ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا (21) ﴾ لا يعلِّق أهميّةً على هذا اللقاء ، لا يفكِّرُ فيه ، لا يخاف ذلك الموقف العصيب ، لا يرجو أن يكون عند الله رَضِيَّاً : ﴿ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا (21) ﴾ لماذا لا يرجون ؟ أَهُم من بنيةٍ خاصَّة ؟ أهم من جِبِلَّةٍ خاصَّة ؟ لا والله ، جبلَّة البشر واحدة ، ما الذي جعلنا نرجو وجعل الكفَّار لا يرجون ؟ هو العلم ، عَلِمَ أن ما عند الله شيءٌ ثمين ، وأن عذابه عظيم ، وأن القُرب منه سعادة لذلك رجا ما عنده ، فهذا الرجاء ليس اعتباطيًّا ، وليس الرجاء غير منضبطٍ بقاعدة ، الرجاء منضبطٌ بالمعرفة ؛ فإذا عرفت ما عند الله رجوته ، وإذا جهلت ما عنده لا ترجوه . أنت في حياتك اليوميَّة ترجو أناساً ولا ترجو آخرين ، هؤلاء الذين ترجوهم تعرف حجمهم الحقيقي ، وتعرف مقدار تأثيرهم في حياتك إذاً ترجوهم ، لكنَّ أُناساً في نظرك تافهون ، لا يقدِّمون ولا يؤخِّرون ، أو تجهل قيمتهم ، أو تجهل حجمهم لا ترجوهم ، فالرجاء متعلِّق بالمعرفة ، فكلَّما عرفته رجوته ، كلَّما عرفته خِفْتَ منه ، كلَّما عرفته طَمِعْتَ فيما عنده ، كلَّما عرفته سعيت إليه . 

 

من إكرام الله سبحانه وتعالى أنه جعل لنا أبواباً واسعة للخير :


ربنا عزَّ وجل جعل الرجاء في القرآن مرتبطاً أشدَّ الارتباط بالعمل ، قال :

﴿ قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا (110)﴾

[  سورة الكهف ]

باب الله مفتوح على مصاريعه لكلِّ الخلق ، ﴿ فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ ﴾ وهذه تجربة توضَع بين يديك ، اعمل عملاً خالصاً لوجه الله لا تبتغي به سمعةً ، ولا ثناءً ، ولا مديحاً ، لا تبتغي به أن يُشار إليك بالبنان ، اعمل عملاً صالحاً لا تبتغي به إلا وجه الله عزَّ وجل ، وانظر كيف أن الله يتجلَّى عليك ، وانظر كيف تقول : أنا أسعد الناس ، هذا شيءٌ ملموس : ﴿ فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلا صَالِحًا(110) ﴾ وما أكثر الأبواب المُفَتَّحة للأعمال الصالحة ، ما أكثر الأعمال الصالحة ! تبسُّمك في وجه أخيك صدقة ، أن تميط الأذى عن الطريق هو لك صدقة ، أن تُحسِن إلى والديك هو لك صدقة ، أن تضع اللقمة في فم زوجتك هو لك صدقة ، أن تُقَدِّم خبرتك ، وقتك ، علمك ، مالك ، هو لك صدقة ، فأبواب الخير مفتَّحةٌ على مصاريعها ، والله سبحانه وتعالى من إكرامه لنا أنه جعل لنا أبواباً واسعة للخير ، جعل الإحساس بالجوع ، أنت بهذا الإحساس تأكل فتشكر ، وتُطْعِم فترقى ، إذا أطعمت الجائع فقد ارتقيت إلى الله عزَّ وجل ، جعل الإنسان يولد عارياً ، فإذا ألبست إنساناً ثياباً تقرَّبت إلى الله عزَّ وجل ، الذي يؤثِّر في النفس أنّ هذا الذي لا يرجو الله لماذا لا يرجوه ؟ لأنه جهله ، إذاً ما هو أعدى أعداء الإنسان ؟ إنه الجهل ، أعدى أعداء الإنسان أن يجهل الإنسان ربَّه ، وقديماً قالوا : الجاهل عدوُّ نفسه .

 

إذا لم تعرف الله بالقواعد المعجزة فلن تعرفه بخرق القواعد :


﴿ وَقَالَ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْمَلَائِكَةُ أَوْ نَرَى رَبَّنَا (21) ﴾ هؤلاء استكبروا ، يريدون أن تأتيهم الملائكة لتقول لهم : هذا رسول الله ، مع أن الملائكة لا يستطيع الإنسان أن يراها إلا عند الموت ، تُرحِّب به ؛ أو تدفعه إلى مقامه في النار ، المَلَك لا يُرى إلا عند الموت ، لأن الإنسان إذا جاءه الموت تأتيه الملائكة بصُوَرِ أحبِّ الناس إليه ؛ بإخوانه ، بأحبائه ، بأقربائه ، بأصدقائه ، بمن هو عزيزٌ عليه ، يأتي مَلَك الموت في صورة إنسانٍ عزيز عليك يبشِّرك بالجنَّة ، عندئذٍ يقول المؤمن : لم أرَ سوءًا قط ، لأنه يرى النتيجة فينسى كل متاعب الحياة ، وقد تأتي الملائكة على شكل زبانية يسوقون الإنسان إلى القبر وكأنَّه حفرةٌ من حفر النيران ، فالملائكة لن نراهم ونحن في الدنيا ، لن نراهم إلا عندما نقترب من أجلنا ، هؤلاء الذين لا يرجون لقاءنا يقولون : ﴿ لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْمَلَائِكَةُ (21) ﴾ الملائكة لو أُنْزِلَت وقالت : هذا رسول الله ، أتكتفي بهذه المعجزة ؟ القرآن معجزة ، عندما خرجت الناقة من الجبل فهل اكتفى بها قوم صالح ؟ هل آمنوا بها ؟ لم يؤمنوا بها ، لمَّا أصبح البحر طريقاً يبساً ، هل اكتفى به بنو إسرائيل ؟ لمَّا رأوا عجلاً جسداً له خوار قالوا : هذا إلهنا ، قوم إبراهيم لما رأوا النار أصبحت برداً وسلاماً ، هل آمنوا ؟ ما آمنوا ، فإذا أنت لم تؤمن بالمعجزة الأساسيّة وهي الكون في وضعه الراهن لن تؤمن بخرق قوانينه ، هذا الكون هو نفسه معجزة ، فإذا لم تفكِّر فيه ، ولم تنتقل من الكون إلى المكوَّنِ ، ومن النظام إلى المنظَّم ، ومن الصنعة إلى الصانع ، ومن الخلق إلى الخالق ، ومن التسيير إلى المُسَيِّر ، إذا لم تنتقل مما هو قائمٌ بالشكل الطبيعي فلن تعرف الله بخرق القواعد ، إذا لم تعرفه بالقواعد المعجزة فلن تعرفه بخرق القواعد ، وهذه حقيقةٌ ثابتة . 

 

القرآن بنظمه وبيانه وإحكامه معجزة فآمن به من دون خرقٍ للعادات :


أنت لا تطلب من الله خرق العوائد ، لا تتعرَّف إلى الناس بأن تقول : يا أخي هذا وليّ ، كيف عرفت أنه وليّ ؟ يمشي على وجه الماء ، لا ، استمع إلى كلامه ، إذا كان كلامه صحيحاً مأخوذاً عن كتاب الله ، معه دليل ، هذه أكبر كرامة ، كرامة العلم أعظم كرامة ، لا تبنِ حياتك على خرق القوانين ، مُعظم العوام ، معظم ضعاف العقول لا ينقادون إلا بخرق القواعد ، لا يعتقدون بالأشخاص إلا إذا خُرِقَت لهم العادات ، لكنَّ هذا القرآن بنظمه وبيانه ، بإعجازه وإحكامه ، بحلاله وحرامه ، بصياغته ، بأخباره هو نفسه معجزة ، فآمن به من دون خرقٍ للعادات : ﴿ وَقَالَ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْمَلَائِكَةُ (21) ﴾ لولا : هذه حرف تحضيض أو حرف امتناعٍ لوجود ، ﴿ أَوْ نَرَى رَبَّنَا (21) ﴾ ربنا عزَّ وجل لا يمكن أن نراه :

﴿ وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَنْ تَرَانِي وَلَكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسَى صَعِقًا فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ (143)﴾

[  سورة الأعراف  ]

إذا ربنا عزَّ وجل تجلَّى على الجبل فجعله دكَّاً ، فمن أنت حتى تستطيع أن ترى الله عزَّ وجل ؟ في الدنيا لا نستطيع أن نرى الله .

 

رؤية المؤمن لله عز وجل يوم القيامة بنص الأحاديث الصحيحة :


لكن الأحاديث الصحيحة تؤكِّد أن المؤمن يوم القيامة يرى الله ، ويرى الله رؤيةً كما تروي بعض الأحاديث تجعله يغيب خمسين ألف عام من نشوة النظرة :

﴿ وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ(22)إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ(23)﴾

[ سورة القيامة  ]

هذا الذي نرجوه ، أن نستطيع أن نرى وجه الله ، فهؤلاء الكفَّار يريدون أن يروا الملائكة ليخبروهم أن هذا الرجل رسول الله ، أو أن يروا الله سبحانه وتعالى رأي العَيْن فيقول لهم : هذا رسولي .

 

تناقض الكِبر مع العبوديَّة :


 ﴿ لَقَدِ اسْتَكْبَرُوا (21) ﴾ هذه مطالب تعجيزيَّة ، هذه مطالب القصد منها الاستكبار ، والامتناع ، والعلو : ﴿ لَقَدِ اسْتَكْبَرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ (21) ﴾ النبي عليه الصلاة والسلام يقول : عن عبد الله بن مسعود  :

(( لا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنْ كِبْرٍ . ))

[ صحيح مسلم  ]

 لماذا ؟ لأنَّ الكِبْرَ يتناقض مع العبوديَّة : ((لا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنْ كِبْرٍ)) لذلك تَمتحن الإنسان وتعرف ما إذا كان قريباً من الله مما إذا كان بعيداً عنه من حيث الكِبْر ، إما أن يكبر فهو الجاهل ، وإما أن يصغر فهو العالِم ، الإمام الشافعي يقول : " كلَّما ازددت علماً ازددت علماً بجهلي "

 

استكبار الكفار وتجاوزهم الحدّ المعقول وإصرارهم على الكفر :


﴿ لَقَدِ اسْتَكْبَرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ (21) ﴾ المؤمن يرى نفسه صغيراً ، ويراه الناس كبيراً ، الكافر يرى نفسه كبيراً ، ويراه الناس صغيراً ، والدعاء النبوي الشريف : عن بريدة بن الحصيب  :

(( اللهم اجعلني في عيني صغيراً وفي أعين الناس كبيراً  . ))

[ ضعيف الجامع : حكم المحدث : ضعيف  ]

هذا هو الدعاء النبوي الشريف : ﴿ لَقَدِ اسْتَكْبَرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ وَعَتَوْا عُتُوًّا كَبِيرًا (21) ﴾ عتوا أيْ اسـتكبروا ، وتجاوزوا الحدَّ المعقول ، وأصرَّوا على كفرهم : ﴿ عُتُوًّا كَبِيرًا (21) ﴾ على من تستكبر ؟ على الذي خلقك من ترابٍ ثمَّ من نطفةٍ ثم سوَّاك رجلاً ؟ على من بيده كل أجهزتك ؟ لو أنه عطَّل أحد الأجهزة لأصبحت الحياة جحيماً ، على من تستكبر ؟ على من لو أنه جَمَّد في عروق دماغك نقطةً من دم لأصبح الإنسان مجنوناً ، أو لأصبح مشلولاً ، أو لأصبح أعمى ، على مَن تستكبر ؟ أنت إذا استيقظت أحد الأيام معافى في جسمك أيْ آلاف الأجهزة تعمل بانتظام ، ولو أنّ أحدها اختلَّ اختلالاً طفيفاً لانقلبت الحياة إلى جحيم ، على من تستكبر ؟ هل تملك سـمعك ؟ هل تملك بصرك ؟ هل تملك عقلك ؟ هل تملك أوردتك ؟ أوْعِيتك ؟ أعصابك ؟ عضلاتك ،؟ قوَّتك ؟ هل تملك محاكمتك ؟ هل تملك توازنك ؟

 

الله سبحانه وتعالى يصيب كل متكبر بمشكلةٍ تكشفُ ضعفه وزَيْفَهُ :


جهاز صغير جداً في الأذن الوسطى - جهاز التوازن - لو أنه التهب لا تستطيع أن تسير على قدميك ، يختل التوازن ، سمعتُ أن إنساناً كان مولعاً بالسيْر في الطرُقات العامَّة المزدحمة بالنساء ليمتِّع نظره بمرأى الحسناوات ، أصيب بمرضٍ اسمه : ارتخاء في الجفون ، هذا الشيء قد لا يخطر على بال ، هذا الجفن وهو مرتفع هذا بيدك أمره ؟ لو أن الله عزَّ وجل جعله يرتخي ويغلق العين ، ولا تستطيع أن ترى إلا إذا رفعت جفنك بيديك ماذا تملك ؟ حركة المستقيم التي بها تفرغ ما في أمعائك بيدِ من ؟ لو أنها تعطَّلت شيء لا يحتمل ، تصبح الحياة عبئاً لا يُطاق ، لو أن العضلات القابضة للمثانة انحلَّت ، مَن يحتملك في البيت ؟ مَن يخدمك ؟ كيف تقعُدُ بين الناس ؟ عندئذٍ يحتاج الإنسان إلى فُوَط ، على من تستكبر ؟ على الذي خلقك من ترابٍ ثمَّ من نطفةٍ ؟ خرجت من عورةٍ ودخلت في عورةٍ ثم خرجت مـن عورة ، من ماءٍ مهين ، تستحي بهذا الماء ، على من تستكبر ؟ لذلك : طوبى لمن تواضعَ عن رفعةٍ ، وأنفق عن غُنيةٍ  . نِعْمَ العبدُ عبدٌ عرف المبتدى والمنتهى : ﴿ لَقَدِ اسْتَكْبَرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ وَعَتَوْا عُتُوًّا كَبِيرًا (21) ﴾ والمتكبِّر لابدَّ من أن يظهر على حقيقته ، ولابدَّ من أن يصيبهُ الله سبحانه وتعالى بمشكلةٍ تكشفُ ضعفه ، وتكشف زَيْفَهُ .

 

الملائكة تُرى عند الموت لتبشِّر المؤمنين بالجنِّة أو لتنذر المجرمين بالعذاب :


﴿ يَوْمَ يَرَوْنَ الْمَلَائِكَةَ لَا بُشْرَى يَوْمَئِذٍ لِلْمُجْرِمِينَ (22) ﴾ طبعاً إنَّ الكفَّار يرون الملائكة ولكن عند الموت ، هؤلاء الملائكة لا يبشِّرون الكافرين بل ينذرونهم عذاب يومٍ أليم : ﴿ يَوْمَ يَرَوْنَ الْمَلَائِكَةَ لَا بُشْرَى يَوْمَئِذٍ لِلْمُجْرِمِينَ وَيَقُولُونَ حِجْرًا مَحْجُورًا (22) ﴾ أيْ يحجزونهم عن أن يتطلَّعوا إلى الجنَّة وما فيها ، أنتم هنا مكانكم ، الملائكة تُرى عند الموت ، ولكن لتبشِّر المؤمنين بجنِّةٍ عرضها السماوات والأرض ، أو لتنذر المجرمين عذاب يومٍ أليم ، وتسوقهم إلى البرزخ ، وما فيه من عذابٍ أليم .

 

الله رب النوايا والنيَّة أساس العمل :


 سبحان الله هذه الآية : ﴿ وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا (23) ﴾ هناك أعمال ضخمة بالحياة ، يُقال لك : هذا أطول جسـر في العالَم ، إنجاز حضاري كبير ، هذا أعلى بناء في العالَم ، هذه أكبر مركبة في العالَم ، هذه أكبر ناقلة نفط في العالَم ، هناك أبنية مشادة تعد إنجازاً حضارياً كبيراً ، هناك معامل ضخمة في العالم ، هناك ترع حُفِرَت ، وجسور أُقيمت ، وأراضٍ استصلحت ، وسدود أُقيمت ، هذه أعمال ضخمة ، لكن عندما لا يكون هدف الإنسان إرضاء الله عزَّ وجل فإن ربنا عزَّ وجل قال : ﴿ وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ (23) ﴾ أي الحروب الضخمة التي جرت في العالَم وذهب ضحيَّتها عشرات الملايين ، هؤلاء الذين تربَّعوا على عرش النصر ، هذا العمل ماذا فعلوا به ؟ فكل عملٍ لا يكون قصده إرضاء الله عزَّ وجل ، فالله سبحانه قال عنه :﴿ وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا (23) ﴾ الهباء أوراق الأشجار اليابسة ، الهباء التراب الناعم ، الهباء الماء السائل ، الهباء الحجارة الصغيرة ، الهباء ذرَّات الـهباب - الفحم- شيءٌ تافه لا قيمة له إطلاقاً : ﴿ وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا (23) ﴾ الإنسان أحياناً يعمِّر بيتاً ، يعتني به عناية بالغة ، يقول لك : أربع سنوات وأنا أكسوه ، وقد لا يُتاح له أن يسكنه ، إذا أُخذ منه إلى القبر ، فماذا استفاد من هذا البيت ؟ هذا : ﴿ وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا (23) ﴾  أحياناً الإنسان يعمل عملاً له ضجيج كبير لكن عند الله ليس له وزن ، العمل الصالح الذي يعمله الإنسان ابتغاء مرضاة الله عزَّ وجل وفيه نفعٌ للناس ، فيه نفع كبير ، ﴿ وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا (23) ﴾ هناك أعمال تلفت النظر ، هناك أعمال تُمْتِع ، هناك أعمال فنيَّة تضحك ، هناك أعمالٌ مسرحيَّة ، هناك أعمال قصصيَّة ، هناك أعمال في التأليف ، هناك أعمال في البناء ، يوجد معارض ، يوجد جسور ، يوجد أشياء كثيرة جداً ، فإذا الإنسان ابتغى من إقامة مُنشأة خدمة المسلمين والتخفيف عنهم هذا عمل عظيم ، وإذا عمل عملاً هدفه نفع البشريَّة هذا عمل عظيم ، لأن الله رب النوايا ، النيَّة أساس العمل ، عن عمر بن الخطاب  :

(( إنَّما الأعْمالُ بالنِّيّاتِ ، وإنَّما لِكُلِّ امْرِئٍ ما نَوَى ، فمَن كانَتْ هِجْرَتُهُ إلى دُنْيا يُصِيبُها ، أوْ إلى امْرَأَةٍ يَنْكِحُها ، فَهِجْرَتُهُ إلى ما هاجَرَ إلَيْهِ . ))

[ صحيح البخاري ]

 

كل عملٍ ترضي به الله وتقصد به وجهه الكريم يمتدُ أثره إلى الآخرة :


الإنسان أحياناً يتزوَّج لكن بنيَّة أن يحصن نفسه ، وبنيَّة أن يهدي زوجته ، وأن ينجب ذريَّةً صالحة ، هذا عمل عظيم لأن أثره يستمر إلى الآخرة ، أيّ عملٍ ترضي به الله عزَّ وجل ، أو تقصد به وجه الله عزَّ وجل يمتدُ أثره إلى الآخرة ، لكنْ أي عمل تستهدف الاستمتاع فيه ، المتع الرخيصة مهما كان صالات قِمـار مثلاً يقول لك : الصالة كلَّفت أربعين مليوناً ، صالة قِمار ، هذا العمل يوم القيامة يُسْأل عنه : ماذا فعلت يا عبدي ؟ فيقول : والله أنشأت صالة قمار ليس لها مثيل : ﴿ وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا (23) ﴾ يوجد الأعمال أساسها إثارة الشهوات ، هناك معامل ضخمة تصدِّر أفلاماً معيَّنة تثير شهوات الشباب أحياناً ، هذا عمل أيضاً ، وهناك أعمال معيَّنة ، فما كل عمل يرضى عنه الله عزَّ وجل ؛ العمل الذي تبتغي به وجه الله أولاً ، وتبتغي به نفع المسلمين ثانياً ، هذا العمل الذي يمتدُّ أثره إلى ما بعد الموت ، هذا العمل الذي يأتي كالجبال ، حتى النبي عليه الصلاة والسلام قال : الإنسان حينما يطعم لقمةً في سبيل الله يراها يوم القيامة كجبل أحد ، حينما صعد بعضهم إلى القمر ، وكلَّفت هذه الرحلة أربعة وعشرين ألف مليون من العملات الصعبة ، هذا عمل وصفه بعضهم بأنه عمل دعائي ، ماذا فعلت للبشريَّة ؟ هل خفَّفت من آلامها ؟ هل بحثت عن دواءٍ للأمراض المستعصية ؟ هل أمَّنت سكناً لهؤلاء الناس؟ العمل الصالح هو الذي ينفع الناس . 

 

كل عمل لا يبتغي به صاحبه رضوان الله فهو عمل ضلالة وسفاهةٍ :


لو فرضنا واحداً عنده أسرة بحاجة لدخلِهِ ، فأنفق دخله على زينته الشخصيَّة ، فهذا العمل لا يرضي الله عزَّ وجل : ﴿وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا (23) ﴾ القصد أن هؤلاء الأجانب الكفَّار حينما يقدِّمون إنجازاً ضخماً لا يبتغون به نفع البشريَّة ؛ يبتغون ابتزاز أموالها ، ونقل الثروات من هذه الدول الفقيرة إلى الدول الغنيَّة ، هذه الأعمال ولو بدا أنها إنجاز عظيم ، مثلاً ممكن بمشروع ضخم أن يعطي القمر الصناعي كل محطَّات العالم في التلفزيون ، كلها برامج تسيء إلى أخلاق الشباب ، فما هذا العمل العظيم ؟ إذا استطعنا أن ننقل كل المحطَّات في العالَم والنوادي الليلية إلى بيوتنا ، ما هذا العمل العظيم ؟ فكل عمل ولو بدا أنه عظيم جداً ما دام هدفه ليس نفع المسلمين ، وليس يبتغي به صاحبه رضوان الله عزَّ وجل ، ربنا عزَّ وجل قال : ﴿ وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا (23) ﴾ لا قيمة له ، شخص ما مثلاً لو كان معه شيك بمبلغ ضخم ، هو معتز فيه ، فلمَّا قدَّمه ليصرفه ظهر أنه مزوَّر ، كيف يحس بالإحباط ؟ مبلغ ضخم ، إذا معه عملة وكانت باطلة ، ألغيت هذه العملة ، إذا معه شيء ملغى ، معه ميزة ملغاة ، فربنا عزَّ وجل يوم القيامة هذا الذي ظنَّه الكافر إنجازاً ضخماً : ﴿ وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا (23) ﴾ 

 

البطولة أن تكون آخر من يضحك لا أن تكون أول من يضحك :


﴿ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلًا(24)﴾ الحقيقة البطولة في هذه الساعة ، الغنى والفقر بعد العرض على الله ، البطولة أن تكون آخر من يضحك لا أن تكون أول من يضحك ، هناك من يحقق شيئاً في الحياة الدنيا فيفرح ، هذا الفرح لا قيمة له :

﴿ إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِنْ قَوْمِ مُوسَى فَبَغَى عَلَيْهِمْ وَآتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لَا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ (76) وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ (77)﴾

[ سورة القصص ]

فالذي يفرح بالدنيا هذا محدود التفكير ، لأنه مَن عرفها لم يفرح لرخاء ، ولم يحزن لشقاء ، قد جعلها الله دار بلوى ، وجعل الآخرة دار عُقبى ، قل لي ما الذي يفرحك أقل لك مَن أنت ، هل يفرحك المال ؟ إذاً أنت عبد المال ، هل يفرحك الطعام والشراب ؟ أنت عبد البطن ، هل تفرحك الثياب الأنيقة ؟ أنت عبد الخميصة ، هل يُفرحك اقتناص الشهوات ؟ أنت عبد الفرج ، هل يفرحك أن تكون قريباً من الله عزَّ وجل ؟ أنت عبد الله ، ما الذي يفرحك ؟ وما الذي يحزنك ؟ ﴿أَصْحَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا (24) ﴾ أي استقرّوا في سعادةٍ أبديَّة ، استقروا في الجنَّة ، ﴿ وَأَحْسَنُ مَقِيلًا (24) ﴾ أي منزلاً ، المقيل مكان القيلولة ، مكان الراحة. 

أي :

﴿ إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ(54)فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ(55)﴾

[  سورة القمر  ]

 

نزول الملائكة يوم القيامة لتحاسب الناس على أعمالهم :


﴿ وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّمَاءُ بِالْغَمَامِ وَنُزِّلَ الْمَلَائِكَةُ تَنْزِيلًا (25) ﴾ من علامات قيام الساعة ، من علامات اليوم الآخر أن السماء تنشق عن غمامٍ ، عن سحابٍ لطيف ، والملائكة تتنزَّل لتحاسب الناس على أعمالهم فهي موكَّلةً بحساب الناس الملك الحقيقي هو ما كان ثابتاً مستقراً أما المُلك الذي يزول فليس ملكاً .

 

الملك الحقيقي هو ما كان ثابتاً مستقراً أما المُلك الذي يزول فليس ملكاً :


﴿ الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ لِلرَّحْمَنِ (26) ﴾ بهذه الآية إشارة دقيقة جداً ، لو كنت تملك بيتاً  ، أعلى أنواع الملكيَّة ، ملك حر ، معك أوراق رسميَّة للملكية ، ليس عليه أية مشكلة ، ليس معرضاً للتنظيم ، يقع في موقع ممتاز ، تحس أن هذا البيت ملكك ، لكن هذا ليس ملكاً حقيقياً ، لأن الإنسان لابدَّ من أن يتركه ، ربنا عزَّ وجل وصف المُلك الحقيقي الذي لا يزول :﴿ الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ لِلرَّحْمَنِ (26) ﴾ إذاً كل أملاك البشر أملاكٌ وهميَّة ، ما دام هذا القلب ينبض فهذا البيت لك ، ما دام هذا القلب ينبض فهذه المركبة لك ، ما دام هذا القلب ينبض فهذه المزرعة لك ، لك أوراق طابو ، لكن إذا توقَّف القلب ليست لك ، فالملك الحقيقي هو ما كان ثابتاً مستقرَّاً ، أما المُلك الذي يزول فليس ملكاً ، والنبي عليه الصلاة والسلام سمَّى الدنيا عارية مستردَّة ، دار انقطاع ، والانقطاع مفاجئ ، البناء تدريجي ، في العاشرة ، في الخامسة عشرة ، بالعشرين ، بالخامسة والعشرين ، بالثلاثين أخذت بيتاً ، بالخامسة والثلاثين أخذت مركبة ، بالسابعة والثلاثين تزوجت ، بكذا أخذت مزرعة ، بالسنة الفلانيَّة أخذت معملاً ، غيَّرتَ المفروشات في سنة كذا ، الدنيا تتراكم بين منزل ، بين أثاث ، بين مفروشات ، بين معمل ، بين سيارة ، بين مزرعة ، بين متنزَّه ، أمورك انتظمت ، تتراكم ، لكن يأتي الموت ليأخذها دفعةً واحدة بثانية واحدة ، فهذه المشكلة ، ﴿ الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ لِلرَّحْمَنِ وَكَانَ يَوْمًا عَلَى الْكَافِرِينَ عَسِيرًا (26) ﴾ يوم عسير ، الآن في الدنيا يوجد أيامٌ عسيرة ، إذا كان الإنسان مخالفاً لبعض الأنظمة ، وضُبِطَ متلبِّساً بهذه المخالفة ، والعقوبة سنوات طويلة في السجن ، إذا حاسبك ربَّما شعرت بالدوار ، فكيف إذا حاسبك الواحد الديَّان ؟! لا يوجد واسطة ، ولا يوجد سند كفالة ، ولا يوجد محامٍ بارع له صلة مع القاضي ليدبرك : ﴿ وَكَانَ يَوْمًا عَلَى الْكَافِرِينَ عَسِيرًا (26) ﴾ ليس من شفيع يشفع لك ، ولا مانع يمنعه ، ولا مادَّة تفسَّر تفسيراً آخر لمصلحتك ، ولا اجتهاد بمحكمة النقض لمصلحتك ، لا يوجد شيء ، ﴿ وَكَانَ يَوْمًا عَلَى الْكَافِرِينَ عَسِيرًا (26) ﴾ .

 

يا ليتني أثمن ما سـيقوله الظالم عما تركه في الدنيا :


﴿ وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ (27) ﴾ يعضُّ ندماً ، يكاد الندم يأكل قلبه ، ﴿ وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي (27) ﴾ عندما يكون الإنسان ببلد ثم يعود إلى بلده ، إذا قال : يا ليتني اشتريت كذا وكذا ، فهذا الذي قال عنه : يا ليتني أثمن ما في هذا البلد ، الإنسـان كان في الدنيا ، ماذا يقول الظالم ؟ يقول : يا ليتني ، إذاً يا ليتني أثمن ما في الدنيا ما سـيقوله الظالم يوم القيامة . 

 

الأحداث والقرآن والكون سُبُل واسعة جداً لمعرفة الله :


﴿ وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا (27) ﴾ أي السبيل إلى الله ، الله عزَّ وجل له سُبُل ، سبيل الصدقة طريقٌ مفتوحٌ إلى الله ، الاستقامة على أمر الله طريق إلى الله ، بِرُّ الوالدين طريق إلى الله ، الإنصاف مع الزوجة طريقٌ إلى الله ، تربية الأولاد تربيةً حسنة طريقٌ إلى الله ، أن تنصح المسلمين في بضائعهم طريقٌ إلى الله عزَّ وجل ، فالطرائق إلى الخالق بعدد أنفاس الخلائق ، وهناك طريق إلى الله واسع جداً هو أن تتعرَّف إليه من خلال الكون ، وأن تتعرَّف إليه من خلال القرآن ، وأن تتعرَّف إليه من خلال الأحداث ؛ الأحداث والقرآن والكون سُبُل واسعة جداً لمعرفة الله ، لكن في هذه الآية لا بدَّ لك من رفيقٍ على هذا الدَرْب ، لا بدَّ لك من إنسانٍ يقودك إلى الطريق الصحيح ، من هنا شُرعَ أن يلزم الإنسان مجالس العلم ، الإنسان وحده قد يضل ، وقد يزل ، وقد لا يهتدي ، وقد يقع في المبالغات ، وقد لا يعرف للأشياء حجمها الحقيقي . 

 

تقديم الرسول على السبيل تقديم الأهمِّ على المهم :


لذلك : ﴿ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا (27) ﴾ تقديم الأهم على المهم ، المدرسة مهمَّة لكن الأهمَّ منها المُعَلِّم ، الجامعة مهمَّة لكن الأهمَّ منها الأستاذ في الجامعة ، الجامع مهم لكن الأهم منه الدعوة إلى الله فيه ، بناؤه شيء والدعوة إلى الله فيه شيءٌ آخر ، لذلك من إعمار المساجد ؛ إعمارها بالبنيان ، وإعمارها بالعبادات ، وإعمارها بالعلم ، فتقديم الرسول على السبيل تقديم الأهمِّ على المهم .

 

شأن الكافر أنه يدل على الشر لا على الخير :


﴿ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا (27) يَا وَيْلَتَى (28) ﴾ يدعو الكافر بهلاكه : ﴿ لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا (28) ﴾ الإنسان لا يخلو من صاحب سيِّئ ؛ ينصحه بالمعصية ، ينصحه بالبخل ، بإمساك ماله ، ينصحه بهذه السهرة المُختلطة ، ينصحه بهذه النزهة الجماعيَّة ، ينصحه بهذه الصفقة ولو كان فيها شبهة ، يقول لك : لا تدقِّق ، ينصحه بهذه الزوجة ولو كانت فاجرة ، اخترها زوجةً لك ، ينصحه بهذا البيت ولو كان مُغْتَصَباً ، ينصحه بهذا الصديق ولو كان آثماً ، فالكافر من شأنه أنه يدلّك على الشر :

﴿ وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا (27)﴾

[  سورة النساء ]

 

العداوة بين الأزواج والأولاد يوم القيامة عداوة مآل وليست عداوة حال :


﴿ وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا (27) يَا وَيْلَتَى ﴾ يا هلاكي ﴿لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا (28) ﴾ لذلك من بعض معاني الآية الكريمة :

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ وَإِنْ تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (14)﴾

[  سورة التغابن  ]

عداوة مآل وليست عداوة حال ، من شأن الزوج أن يحبَّ زوجته ، ومن شأن الأب أن يحبَّ ابنه ، ولكن لو أن أباً أطاع ابنه وعصى ربَّه ، لو أن زوجاً أحبَّ زوجته وعصى من أجلها ربَّه ، يرى يوم القيامة أن هذا الولد وهذه الزوجة هما سبب شقائه ، وهما سبب حرمانه ، لذلك تنشأ عنده عداوةٌ تجاه هذه الزوجة وتجاه هذا الولد ، ولذلك يوم القيامة يقول : ﴿ يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا (28) لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ (29) ﴾ هذا الذكر هو القرآن الكريم ، أضلَّني عنه . 

 

الحذر عند اختيار الأصحاب :


يا أخي لا تدقِّق هذا الكتاب ليس لهذا الزمان ، غداً حينما تبلُغ الثمانين تتوب إلى الله عزَّ وجل ، غداً حينما تذهب للحج تُلقي بذنوبك هناك ، الآن استغل حياتك ، استغل شبابك ، أنت عندك أولاد ، عندك صغار ، عليك أن تأخذ المال من أي طريقٍ كان ، هذا صاحب السوء ، لذلك قل لي من تصاحب أقل لك من أنت ، لا تختر صاحباً بعيداً عن الله عزَّ وجل :

﴿ وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا (28)﴾

[  سورة الكهف  ]

لا تطعه ، هو متفلت ، أموره كلها خاسرة ، وَلا تُطِعْ :

﴿ وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (15)﴾

[ سورة لقمان  ]

خذ عن الذين استقاموا ولا تأخذ عن الذين مالوا . 

 

الإنسان بيده الحل الأمثل فهو مخيَّر :


﴿ لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ (29) ﴾ وهو القرآن ﴿ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي (29) ﴾ يا أخي ربنا عزَّ وجل قال :

﴿ قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ (30)﴾

[ سورة النور  ]

يا أخي هذه الآية ليست لهذا الزمان ، هذا الزمان صعب ، والله صحيح إن هذا الزمان صعب إذاً انظر ، ﴿ لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي (29) ﴾ هذه العلاقة فيها ربا ، يقول لك : يا أخي الآن الربا عام ، هذا بلاء عام ، عموم البلوى ﴿ لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي (29) ﴾ أخي هذه الحالة غير شرعيَّة ، فيجيبك : ماذا نفعل ما بيدنا حيلة ؟ كلُّه كلام ليـس له معنى ، لا ، بيدك كل شيء ، أنت مخيَّر .

 

تخلي الشيطان عن الإنسان عندما يقع :


﴿ لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنْسَانِ خَذُولًا (29) ﴾ عندما يقع الإنسان يتخلَّى عنه الشيطان :

﴿ وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلَا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (22)﴾

[  سورة إبراهيم  ]


  أن تهجر القرآن ليس معنى هذا ألا تقرأه بل له معانٍ أخرى كثيرة :


﴿ وَقَالَ الرَّسُولُ (30) ﴾ النبي عليه الصلاة والسلام ﴿ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا (30)﴾ تركوه ، بعضهم قال : " هذا قول النبي في الحياة الدنيا حينما رأى معارضة قومه له " وبعضهم قالوا : " هذا قول النبي في الآخرة " . 

على كلّ : ﴿ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا (30) ﴾ أن تهجر القرآن ليس معنى هذا ألا تقرأه ، من معانيه ألا تقرأه ، من معانيه ألا تحاول فهمه ، من معانيه ألا تعمل به ، من معانيه ألا يدخل هذا الكتاب في حياتك اليوميَّة ،  داخل عند الموت فقط ، في أمسيات التعزية يتلى القرآن ، ممكن أن تقدمه هديَّة ، وتقبله كهديَّة ، ممكن أن تضعه في مكان في الغرفة ، من الممكن أن تضعه في مركبتك في المقدِّمة ، ممكن أن تجعل في محلِّك التجاري بعض آياته ، لكنك لا يوجد تعامل معه ، تعامل حقيقي ، أنت لا تحلُّ حلاله ولا تحرِّم حرامه ، ولا تأخذ بوعده ولا بوعيده ، ولست مصدِّقاً ما فيه ، إذا إنسان جاءه خطيب لابنته ليـس ديِّناً إطلاقاً ، طمع بماله ومكانته ، وزوَّجه ابنته ، وكان هذا الإنسان يقرأ كل يوم ختمة فرضاً ، أو كل ثلاثة أيام ختمة ، هذا حينما قرأ قوله تعالى :

﴿ وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ وَلَا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ أُولَئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ وَيُبَيِّنُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (221) ﴾

[ سورة البقرة ]

هذا ما صدق بكلام الله تعالى ، ولا أخذ به ، ولا اهتمَّ به ، ولا عاشه ، ولا دخل هذا القرآن في حياته اليوميَّة ، جعله للتبرُّك ، بقي القرآن في المناسبات ، فلذلك معنى : ﴿ اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا (30) ﴾ أي هجره في تعامله اليومي ، في زواجه ، في علاقته بزوجته ، في علاقته بأولاده ، في علاقته بمجتمعه ، علاقته بجيرانه ، في علاقته بآخرته ، علاقته بربِّه ، علاقته بنفسه ، ما أخذ به ، جعله كتاباً من التراث ، قرأه تبرُّكاً ، واتخذه زينةً ، ولكن ما أخذ مضمونه ، فإذا رأى شخص بلاغاً على الحائط بمنع التجوُّل : " تحت طائلة إطلاق الرصاص " فانتبه للورق ، انتبه للحَرف ، للطباعة ، انتبه للتوقيـع ، انتبه للخاتم ، انتبه للصياغة ، انتبه ، انتبه ، لكن ما انتبه للمضمون ، ما فهم مضمون البلاغ ، أليس قد ضلَّ ضلالاً بعيداً ؟ فجاءته رصاصةٌ فأنهته ، أنت عليك أن تنتبه للمضمون ، يقول لك : ممنوع التجوُّل ، ادخل إلى البيت فوراً ، هذا أقل شيء عليك فعله . 

أن تهجره ، أي ألا تعمل بأحكامه ، ربَّ تالٍ للقرآن والقرآن يلعنه ، وقال : اقرأ القرآن ما نهاك ، فإن لم ينهك فلست تقرؤه ، مَا آمَنَ بِالْقُرْآنِ مَنِ اسْتَحَلَّ مَحَارِمَهُ ..

 

لكل نبيٍّ عدواً من المجرمين :


﴿ وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِيًا وَنَصِيرًا (31) ﴾ يهديك إلى سواء السبيل وينصرك ، وكأنَّ هناك قانوناً عاماً أن لكل نبيٍّ عدواً من المجرمين ، سيدنا موسى في المناجاة قال : " يا رب لا تبقي لي عدواً " فقال الله عزَّ وجل : " يا موسى هذه لم تكن لي " أي هذه ما صارت لله ، بمعنى أن هناك أعداء لله كُثُر ، فإذا أنت على حق وهناك من يعاديك فهذا شيءٌ طبيعي جداً ، إذا كنت :

﴿ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّكَ عَلَى الْحَقِّ الْمُبِينِ (79) ﴾

[  سورة النمل  ]

إذا كنت على الحقِّ المبين وكان لك خصوم مناوئون ، معارضون ، شامتون ، حاسدون لا تهتم بذلك ، لأن الله عزَّ وجل كفى به هادياً لك إليه ، ونصيراً على خصومك : ﴿ وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِيًا وَنَصِيرًا (31) ﴾ .

[  والحمد لله رب العالمين  ]

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور