وضع داكن
19-04-2024
Logo
الدرس : 04 - سورة الإسراء - تفسير الآيات 25 – 31 لا أحد يستطيع أن يخدع الله تعالى
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

الحمد لله رب العالمين ، وأفضل والصلاة وأتمّ التسليم على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين ، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم ، اللهم علمنا ما ينفعنا ، وانفعنا بما علمتنا ، وزدنا علماً ، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه ، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه ، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه ، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.


علاقة الإنسان مع خالقه فقط :


أيها الإخوة المؤمنون ؛ مع الدرس الرابع من سورة الإسراء .

وصلنا في الدرس الماضي إلى قوله تعالى : ﴿ وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا(23)وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنْ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا(24)رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا فِي نُفُوسِكُمْ ﴾ .. هل أنتم في وضع يبتغي مرضاة الله عز وجل عن طريق بر الوالدين أو أنكم ترغبون بعقوقهما ؟ حالتكم النفسية ، رغبتكم ، نيتكم ، طموحكم مكشوف عند الله عز وجل ﴿ رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا فِي نُفُوسِكُمْ ﴾ .. تستطيع أن تخدع معظم الناس لبعض الوقت ، وقد تستطيع أن تخدع بعض الناس لطول الوقت ، أما أن تستطيع أن تخدع كل الناس بطول الوقت فهذا من المستحيلات .

﴿ بَلِ الْإِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ (14)وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ (15) ﴾

[  سورة القيامة  ]

 الإنسان مكشوف ، لا يستطيع لا أن يخدع الله عز وجل ، ولا أن يخدع نفسه ، لذلك قل ما شئت ﴿ رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا فِي نُفُوسِكُمْ ﴾ وضح نواياك بالشكل الذي تريد ، ﴿ رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا فِي نُفُوسِكُمْ ﴾ قل : أنا أريد الإصلاح ﴿ رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا فِي نُفُوسِكُمْ ﴾ ، قل أي شيء تحبه ، أعلن أي هدف ، بيِّن أية نية ﴿ رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا فِي نُفُوسِكُمْ ﴾ .. أي علاقتك مع الله عز وجل ، فإن كنت تنطوي على نفس طاهرة ، طيبة ، راغبة في مرضاة الله عز وجل ، راغبة في تنفيذ أمره فلك ، وإن كنت على خلاف ذلك فعليك ﴿ رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا فِي نُفُوسِكُمْ ﴾ أي : إذا بلغ الإنسان هذه المرتبة انقطعت علائقه مع الناس ، لا يعلق على رضاهم أملاً ، ولا على غضبهم خوفاً ، لأن الله عز وجل بيده كل شيء . 

(( عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : كُنْتُ خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا فَقَالَ : يَا غُلامُ إِنِّي أُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ ، احْفَظِ اللَّهَ يَحْفَظْكَ ، احْفَظِ اللَّهَ تَجِدْهُ تُجَاهَكَ ، إِذَا سَأَلْتَ فَاسْأَلِ اللَّهَ ، وَإِذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ ، وَاعْلَمْ أَنَّ الأُمَّةَ لَوِ اجْتَمَعَتْ عَلَى أَنْ يَنْفَعُوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَنْفَعُوكَ إِلا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ لَكَ ، وَلَوِ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَضُرُّوكَ بِشَيْءٍ ، لَمْ يَضُرُّوكَ إِلا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَيْكَ ، رُفِعَتِ الأَقْلامُ ، وَجَفَّتِ الصُّحُفُ .  ))

[  الترمذي حَسَنٌ صَحِيحٌ ]

 عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :

(( لِكُلِّ شَيْءٍ حَقِيقَةٌ ، وَمَا بَلَغَ عَبْدٌ حَقِيقَةَ الْإِيمَانِ حَتَّى يَعْلَمَ أَنَّ مَا أَصَابَهُ لَمْ يَكُنْ لِيُخْطِئَهُ ، وَمَا أَخْطَأَهُ لَمْ يَكُنْ لِيُصِيبَهُ . ))

[ أحمد  : الهيثمي  : مجمع الزوائد  : رجاله ثقات  ]

﴿ بَلِ الْإِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ (14) ﴾

[  سورة القيامة  ]

﴿ رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا فِي نُفُوسِكُمْ ﴾ سيدنا الصّديق رضي الله عنه مدحه أحد الأصحاب فتوجه إلى الله عز وجل وقال  : اللهم إنك أعلم بي من نفسي ، وأنا أعلم بنفسي منهم ، اللهم اجعلني خيراً مما يقولون ، واغفر لي ما لا يعلمون ، ولا تؤاخذني بما يقولون .

إن كان معك قطعة من الذهب وظنها الناس معدناً رخيصاً فأنت الرابح ، ولو أن  الناس جميعاً ظنوها معدناً رخيصاً ، ولو أنك تملك قطعة من المعدن الرخيص وأوهمت الناس جميعاً أنها معدن ثمين فأنت الخاسر ، أنت الرابح وأنت الخاسر ، العبرة  :

﴿ يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ (88) إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ (89) ﴾

[ سورة الشعراء ]

 

من صلحت عقيدته أصبح صالحاً لعطاء الله :


﴿ رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا فِي نُفُوسِكُمْ إِنْ تَكُونُوا صَالِحِينَ فَإِنَّهُ كَانَ لِلْأَوَّابِينَ غَفُورًا ﴾ .. ما معنى صالح ؟ إنسان صالح ، أي عمله صالح ، ونيته صالحة ، وقوله صالح ، واعتقاده صالح ، اعتقاده صحيح ، نواياه طيبة ، عمله صحيح ، قوله صحيح ، إذاً هو صالح ، صالح لماذا ؟ صالح لعطائنا ، صالح للجنة التي عرضها السماوات والأرض ، كل هذا مشتق من الصلاح ، صلحت عقيدته فصلح لسانه فصلح عمله وصلحت نيته فقد أصبح صالحاً لعطائي ﴿ رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا فِي نُفُوسِكُمْ إِنْ تَكُونُوا صَالِحِينَ فَإِنَّهُ كَانَ لِلْأَوَّابِينَ غَفُورًا ﴾ .. الأوَّابين جمع أوَّاب ، والأوَّاب على وزن فعَّال ، صيغة مبالغة لاسم الفاعل ، أي كثير الأوبة إلى الله ، كلما زلت قدمه رجع إلى الله بالتوبة والاستغفار والتضرع ، كلما غفل عن ذِكْر الله ذَكَر الله ، كلما زلَّت قدمه تاب من هذه الزلَّة ، كلما ارتكب مخالفةً بادر إلى مَحْوِها بعملٍ صالح ، هؤلاء الأوابون كثيرو الأوبة إلى الله عز وجل ، دائمو الأوبة إلى الله عز وجل ، ﴿ رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا فِي نُفُوسِكُمْ إِنْ تَكُونُوا صَالِحِينَ فَإِنَّهُ كَانَ لِلْأَوَّابِينَ غَفُورًا ﴾ .


 عبادة الله ثم الإحسان إلى الوالدين  :


 الآية السابقة  : ﴿ وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ﴾ .. أول شيء أنت مكلف أن تفعله في الدنيا أن تعبد الله وحده ، لا طاعة لمخلوقٍ في معصية الخالق ، أول إنسانين على وجه الأرض يستحقان أن تحسن إليهما بعد عبادة الله عز وجل الوالدان ﴿ وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ﴾ .. لأن الوالدين أول مظهرين من مظاهر ربوبية الله سبحانه وتعالى ، كيف أن الله ربٌ لكَ ؟ سخر لك أباك وأمك ، يعطفان عليك ، يحببان عليك ، يتعبان من أجل أن تستريح ، يسهران من أجل أن تنام ، يجوعان من أجل أن تشبع ، يقلقان من أجل أن  تطمئن ، فالأم والأب أول مظهرين من مظاهر الربوبية ، لذلك أول إنسانين يستحقان الإحسان البالغ الوالدان ، رُفِعا إلى مرتبة عبادةِ الله عز وجل ﴿ وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ﴾ .. خطر في بالي مثل ؛ هل تقول أنت مثلاً : اشتريت بيتاً وملعقة ؟ العطف يقتضي التجانس ، العطف يقتضي التناسب ، تقول : اشتريت بيتاً ودكاناً ، بيتاً وسيارةً ، أرضاً وبيتاً ، تقول : اشتريت ملعقة وسكّيناً ، فهذا العطف يقتضي التجانس ﴿ وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ﴾ .

 

إعطاء الناس حقوقهم القريب منهم والبعيد : 


إذاً أعظم الأعمال بعد عبادة الله عز وجل الإحسان إلى الوالدين ، أو الإحسان بالوالدين ، الباء للإلصاق ، هذه شرحناها في الدرس الماضي ، ولكنني عدت إليها لأبيِّن العلاقة فيما بينها وبين الآية التالية  : ﴿ وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ﴾ .. فقط الأب والأم ؟ والجد والجدة ، والعم والعمة ، والخال والخالة ، بنات الأخ ، بنات الأخت ، أبناء الأخ ، أبناء الأخت ، الابن وابن الابن ﴿ وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ ﴾ هؤلاء يلوذون بك ، من لهم سواك ؟ إذا أحبّ الله عبداً جعل حوائج الناس إليه ، لا تضجر ، لا تقلق ، لا تتبرم إذا كثر الذين يطرقون بابك ، لا تتأفف إذا جاء أخوك أو أختك يطلبان منك حاجة فإنك مظنة العطاء ، إن الله يحبك ، إذا أردت أن تعرف مقامك فانظر فيما أقامك .

 عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ  :

(( إِنَّ هَذَا الْخَيْرَ خَزَائِنُ ، وَلِتِلْكَ الْخَزَائِنِ مَفَاتِيحُ ، فَطُوبَى لِعَبْدٍ جَعَلَهُ اللَّهُ مِفْتَاحًا لِلْخَيْرِ ، مِغْلاقًا لِلشَّرِّ ، وَوَيْلٌ لِعَبْدٍ جَعَلَهُ اللَّهُ مِفْتَاحًا لَلشَّرِّ ، مِغْلاقًا لِلْخَيْرِ . ))

[ السيوطي  : الجامع الصغير  : صحيح ]

فلذلك : ﴿ وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ ﴾ تفقَّد أقرباءك ، تفقَّد رحمك ، تفقد من يلوذ بك ، الأقربون أولى بالمعروف ، الأقربون نسباً ، والأقربون إيماناً ، والأقربون فقراً ، الأقربون إليك نسباً أولى بالمعروف ، والأقربون إلى الإيمان أولى بالمعروف ، والأقربون إلى الفقر أولى بالمعروف ، هذه قاعدة مطلقة ، الأقربون أولى بالمعروف ﴿ وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ ﴾ أي من علامات تفسّخ المجتمعات الحديثة انقطاع الصلة بين الأقارب ، ومن علامات الصحة الاجتماعية في المجتمعات التي يغلب عليها الإيمان هذا التواصل الاجتماعي .

سمعت عن امرأة متقدمة بالسن تملك أموالا طائلة ، فجأة أصيبت بمرض عضال ، أفاقت في أحد الأيام فإذا هي في مأوى العجزة ، ولها أولاد كثر ، شباب وشابات وأصهار ، ما كان منها إلا أن استدعت مدير الأيتام ، وفرغت له كل ممتلكاتها ، هناك تواصل في المجتمعات التي يغلب عليها الإيمان والعمل الطيب ، الأم لها مكانة كبيرة ، قدمت وحقّ لها أن تأخذ ، أعطت وجاء الوقت الذي يجب أن تأخذ ، والأب كذلك ، سنّة الله في خلقه ، يكون الأب شاباً ، كله عطاء لأولاده ، تتقدم به السن ، يضعف ، يترك عمله ، صار له الحق أن يأخذ من أولاده ، هذه دورة طبيعية ، خذ وأعط ، الأنبياء أعطوا ولم يأخذوا ، والذين يعيشون عالة على المجتمع ، الذين يعيشون على مآسي المجتمع يأخذون ولا يعطون ، والمؤمنون يأخذون ويعطون ، العظماء يعطون ولا يأخذون ، يا من جئت الحياة فأعطيت ولم تأخذ ، والذين هم في أسفل السلم الاجتماعي يأخذون ولا يعطون ، ونحن نأخذ ونعطي ، نعطي ونأخذ أو نأخذ ونعطي ، ﴿ وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ ﴾ له حق عليك .

﴿ وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ (24)  ﴾

[ سورة المعارج ]

 هذه الزكاة .

﴿ وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ (19) ﴾

[ سورة الذاريات ]

هذه الصدقة ، لو أنك دفعت زكاة مالك ، ورأيت إنساناً محتاجاً ، بائساً ، فقيراً ، مسكيناً ، بعيداً ، قريباً ، وأنت أخوه في الإنسانية ، له حق عليك ، فكيف إذا كان قريباً ؟ لذلك قالوا : القرابة الجار المسلم القريب له عليك ثلاثة حقوق  : حق الأخوَّة في الله " مسلم " ، وحق الجوار ، وحق القرابة ، ﴿ وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ ﴾ له حق عندك ، والمسكين ، المسكين هو الفقير البائس ، بعضهم قال : الفقير والمسكين إن اجتمعا تفرقا ، وإن افترقا اجتمعا ، أي إذا ذكر الله المسكين انصرفت هذه الكلمة إلى الفقير وإلى المسكين ، وإذا ذُكر الفقير انصرفت الكلمة إلى الفقير والمسكين ، أما إذا ذُكر الفقير والمسكين فالفقير له معنى ، والمسكين له معنى ، فالفقير الذي لا يجد حاجته .

 عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِي اللَّه عَنْه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :

(( لَيْسَ الْمِسْكِينُ الَّذِي يَطُوفُ عَلَى النَّاسِ تَرُدُّهُ اللُّقْمَةُ وَاللُّقْمَتَانِ ، وَالتَّمْرَةُ وَالتَّمْرَتَانِ ، وَلَكِنِ الْمِسْكِينُ الَّذِي لا يَجِدُ غِنًى يُغْنِيهِ ، وَلا يُفْطَنُ بِهِ فَيُتَصَدَّقُ عَلَيْهِ ، وَلا يَقُومُ فَيَسْأَلُ النَّاسَ. ))

[ صحيح البخاري  ]

 يسكن في بيت ، وقد يكون هذا البيت ملكه ، وله دخل ، وقد لا يكفي هذا الدخل ، ظهر مرض مفاجئ يحتاج إلى عملية جراحية ، بعضهم يقول : هذا عنده بيت ملك ، أيبيع البيت من أجل أن يجري هذه العملية  ؟ فالفقير هو الذي لا يجد حاجته ، والمسكين هو المُعدم ، الذي لا يجد شيئاً ، لا حاجته ، ولا أقلّ من حاجته ، إذا ذَكر الله المسكين وحده انصرف إلى الفقير والمسكين ، وإذا ذَكر الله الفقير انصرف إلى الفقير والمسكين ، فإذا ذكر الفقير والمسكين  هاتان الكلمتان إذا اجتمعتا تفرقتا ، وإذا تفرقتا اجتمعتا . 

 

ابن السبيل له حقٌّ عليك  :


﴿ وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ ﴾ .. ابن السبيل إنسان مكتفٍ ، وقد يكون غنياً ، ولكن حلّ به فقر طارئ ، كان في سفرٍ فأُخذت منه أمواله نشلاً ، ضاع منه ، يحمل محفظةً ، في هذه المحفظة أمواله ، ووثائقه الرسمية ، ضاعت منه هذه المحفظة ، هذا صار فقيراً طارئاً ، ابن السبيل .

 

الفرق بين الإسراف والتبذير :


﴿ وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلاَ تُبَذِّرْ تَبْذِيراً ﴾ .. التبذير يشبه إلقاء البذار في الأرض ، يمسك الفلاح قبضة من البذار فيلقيها هكذا ، إلقاء عشوائياً ، كذلك الذي ينفق المال من غير اجتهاد ، من غير حكمة ، من غير تبصر ، من غير اعتدال ينفقه كيفما كان ، هذا اسمه : تبذير ، وبعضهم فرَّق بين الإسراف والتبذير . 

بعض العلماء قال : الإسراف أن تنفق في المباحات نفقة فوق الحد المعقول ، جلبت إلى البيت ألواناً من الفاكهة كثيرة ، فسد بعضها ، وألقي في القمامة ، هذا إسراف ، والعلماء قالوا : لا إسراف في الخير ، ولا خير في الإسراف ، إذا قرأت القرآن ساعة جيد ، وساعتين أحسن ، ، ثلاثاً أحسن ، إذا أنفقت مئة أحسن ، مئتين أحسن ، لا إسراف في الخير ، ولا خير في الإسراف ، وبعضهم قال : لا إسراف في النور ، إذا أراد الإنسان أن تكون الغرفة إضاءتها جيدة  لا يعد هذا مسرفاً ، أحياناً تدخل إلى غرفة إضاءتها أقلّ من الحد المعقول فتشعر بانقباض ، وقد تشعر بآلام في العينين ، وقد تعسر عليك القراءة ، هذا اسمه : تقتير ، فالعلماء قالوا : لا إسراف في النور ، ولا خير في الإسراف ، ولا إسراف في الخير .

الإسراف كله ينصرف إلى المباحات ، لكن الذي يلقي ماله في معصية الله هذا هو المبذّر ﴿ إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُواْ إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ ﴾ .. كيف يلقي الشيطان في نفس الإنسان حبّ المعصية ؟ يدفعه إلى المعصية ، يوسوس له بها ، كذلك هذا المبذر ، إنه بإنفاقه المال في معصية الله عز وجل كأنه قد تجاوز مرحلة وسوسة الشيطان ، فكان أخاً للشيطان ﴿ إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ ﴾ .. أي الذي يجهد به الشيطان من إلقاء الوسوسة كي تعصي الله ، جاء المبذر  وأنفق ماله في معصية الله إنفاقاً سريعاً ، إذاً هذا المبذر كان من إخوان الشياطين . 

 

معاقبة الله من يعصيه بعقوبة من جنس ذنبه :


﴿ وَلاَ تُبَذِّرْ تَبْذِيراً (26)إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُواْ إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُوراً ﴾ يبدو أن الله سبحانه وتعالى إذا أراد أن يعاقب من عصاه يعاقبه عقوبة من جنس الذنب ، فالمبذر في أغلب الظن يُعاقب بذهاب ماله ، وأن يذيقه الله ألم الفقر والحرمان ، لذلك إنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم دَخَلَ فرأَى كِسْرَةً ملقاةً فقال :

(( يا عائشةُ أكرِمِي جِوَارَ نِعَمِ اللهِ فإنَّها قلَّمَا انكشَفَتْ عن بيتٍ فكانتْ تعودُ فيهم . ))

 ابن القيسراني  : ذخيرة الحفاظ  : خلاصة حكم المحدث  :  فيه خالد بن إسماعيل يضع الحديث على الثقات

﴿ وَلاَ تُبَذِّرْ تَبْذِيراً (26)إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُواْ إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ ﴾ بعضهم قال  : الشيطان اسم لجنس الشياطين ، وبعضهم قال : هو إبليس بالذات ، هو أول الشياطين خلقاً ، ﴿ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُوراً﴾ .

 

معاني الإعراض عن إعطاء الفقراء والمساكين ما يطلبون :


﴿ وَإِمَّا تُعْرِضَنَّ ﴾ : إمَّا أصلها ( إن وما) ، ﴿ وَإِمَّا تُعْرِضَنَّ عَنْهُمُ ﴾ ..عنهم من ؟ عن ذوي القربى والمساكين وابن السبيل ، ﴿ وَإِمَّا تُعْرِضَنَّ عَنْهُمُ ﴾ ..أي لا تعطيهم ، تُعرض عن إعطائهم ﴿ ابْتِغَاء رَحْمَةٍ مِّن رَّبِّكَ تَرْجُوهَا ﴾ إما لأنك فقير تبتغي رحمة الله ، ربنا عز وجل كنّى عن الفقر بأجمل كناية في القرآن ، ﴿ وَإِمَّا تُعْرِضَنَّ عَنْهُمُ ﴾ لضيق ذات يدك ، لأنك لا تملك هذا العطاء ، لا تملك حاجتهم ﴿ ابْتِغَاء رَحْمَةٍ مِّن رَّبِّكَ تَرْجُوهَا ﴾ أنت ترجو مثلهم رحمة الله ، هذا المعنى الأول ، إما تعرضن عنهم لضيق ذات يدك ، لأنك لا تجد ما تعطي .

أو لأن الحكمة تقتضي ذلك ، قد يطلب منك القريب مالاً ليفسق به ، أو ليفعل به المنكرات ، أو ليرتكب به المعاصي ، فالحكمة تقتضي ألاّ تعطيه هذا المال ، ﴿ وَإِمَّا تُعْرِضَنَّ عَنْهُمُ ﴾ .. إما أن تعرض عن إعطاء سؤلهم بسبب من ضيق ذات يدك لأنك أنت أيضاً تبتغي رحمة الله عز وجل ، أو لأنك وجدت من الحكمة ألا تعطيهم إنهم سفهاء ، وقد قال الله تعالى : 

﴿ وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفًا (5)﴾

[ سورة النساء ]

ليس لك أن تعطي مالك لسفيه ، السفيه الذي ينفق المال في معصية الله ، ينفق المال إسرافاً وتبذيراً ، هذا القريب الذي ينفق المال في معصية الله إذا أردت أن تعينه شفقة على أولاده وأهل بيته فأعطِه مواد عينية ، اشتر له بعض الأغذية ، اشتر لأولاده بعض الألبسة ، قدم له مساعدات يستفيد أهله منها ، لأن الله عز وجل ينهانا عن أن نعطي السفهاء أموالنا ﴿ وَإِمَّا تُعْرِضَنَّ عَنْهُمُ ابْتِغَاء رَحْمَةٍ مِّن رَّبِّكَ تَرْجُوهَا ﴾ لضيق ذات يدك ، أو لحكمة ترتئيها . 

 

حسنُ معاملة الضعفاء والمساكين بالقول الحسن :


﴿ فَقُل لَّهُمْ قَوْلاً مَّيْسُوراً ﴾ لا تكن قاسياً في ردك .

﴿ وَأَمَّا السَّائِلَ فَلَا تَنْهَرْ (10)  ﴾

[ سورة الضحى ]

لو صدق السائل لهلك المسؤول ﴿ وَأَمَّا السَّائِلَ فَلَا تَنْهَرْ ﴾ ، ﴿ فَقُل لَّهُمْ قَوْلاً مَّيْسُوراً ﴾ العلماء فسَّروا هذا القول : ادعُ لهم ، وبعضهم قال : عِظهم عِظة طيبة ، إن شاء الله في وقت آخر إذا مكنني الله عز وجل أعطيك هذا الطلب ، إما أن تَعِدَهُم بالعطاء في وقت لاحق ، وإما أن تدعو لهم ، وهذا هو القول الميسور ﴿ فَقُل لَّهُمْ قَوْلاً مَّيْسُوراً﴾  فالغلظة والشدة والقسوة لا تجديان أبداً ، والله سبحانه وتعالى ينهانا عنها ، عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ  :

(( يا عائِشَةُ إنَّ اللَّهَ رَفِيقٌ يُحِبُّ الرِّفْقَ ، ويُعْطِي علَى الرِّفْقِ ما لا يُعْطِي علَى العُنْفِ ، وما لا يُعْطِي علَى ما سِواهُ . ))

[ صحيح مسلم ]

وعَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ  :

(( إِنَّ الرِّفْقَ لَا يَكُونُ فِي شَيْءٍ إِلَّا زَانَهُ ، وَلَا يُنْزَعُ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا شَانَهُ . ))

[ صحيح الجامع ]

 القسوة غير مرغوب بها ، لا من قِبَل الحق ، ولا من قِبَل الخَلْق ﴿ فَقُل لَّهُمْ قَوْلاً مَّيْسُوراً ﴾ أنت تقول له : أنت كذَّاب ، أنت محتال ، لا يوجد عقل ﴿ فَقُل لَّهُمْ قَوْلاً مَّيْسُوراً ﴾   ، ادعُ له بالتوفيق ، أعطاك الله سؤلك ، وفقك الله لما تحب ، لا أجد ما أعطيك ، اعذرني .


الابتعاد عن الشّح والبخل لأن الله يحب الكرماء :


﴿ فَقُل لَّهُمْ قَوْلاً مَّيْسُوراً(28) وَلاَ تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ ﴾ ..أن تكون اليد مغلولة إلى العنق فهذه كناية عن القبض ، أي عن البخل ، أي عن الشح ، قال تعالى :

﴿ وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (9)﴾

[  سورة الحشر ]

فالشح إذاً هنا مرض ، يحتاج صاحبه إلى معالجة ، البخيل مريض ، لأنه يعيش فقيراً ليموت غنياً ، الشحيح جعل المال الذي هو في الأصل وسيلة جعله غاية ، يقول سيدنا أبو ذر  : << حبذا المال أصون به عرضي ، وأتقرب به إلى ربي >> .

 المال جُعل للإنسان وسيلة لقضاء حوائجه ، لذلك قال عليه الصلاة والسلام  :

عن جبير بن مطعم   :

(( ليسَ منَّا منْ وسَّعَ اللهُ عليهِ ثمَّ قترَ على عيالِهِ . ))

[  السيوطي   : الجامع الصغير خلاصة حكم المحدث  : ضعيف  ]

النبي عليه الصلاة والسلام نفى أن يكون من المسلمين من وسّع الله عليه ثم قَتَّر على عياله ، الفضيلة دائماً بين حالتين متطرفتين ﴿ وَلاَ تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ ﴾ هناك رجل لشدة بخله نشب خلاف بينه وبين أهله فتركهم ، وسكن في غرفة على سطح أحد الأبنية الكثيرة التي يملكها ، وكان يمضي وقته في طعام خشن جداً توفيراً للدراهم ، وفي أحد الأيام كان يستقبل سيارةً من البحص رجعت فدهسته وترك ثلاثمئة مليون ليرة ، عادى أهله ، وكرهه أهله ، وسكن وحده ، وعاش حياة خشنة لا تحتمل ، من أجل أن يموت غنياً ، شحيحاً ، مريضاً ، يحتاج إلى معالجة ﴿ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴾  ، (( لَيْسَ مِنَّا مَنْ وَسَّعَ اللَّهُ عَلَيْه ، ثُمَ قَتَّرَ عَلَى عِيَالِه )) .

﴿ وَلاَ تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ ﴾   سبحان الله ‍‍! الشحيح يقتر ، ويقتر فيضطر في وقت ما أن يدفع نفقة تعادل كل التقتير الذي قتره وزيادة ، أي جمع ماله بالقروش ، ويدفعهم بمئات الألوف دفعة واحدة مضطراً ، فلذلك الإنسان يكون كريماً ، لأن الكريم يحبه الله .

 

الشحيح نوعان  :


لكن بعض الذين يوسمون بالشح على نوعين ؛ بعضهم ينفق الأموال الطائلة بلا حساب على شهواته ، وعلى أولاده ، وعلى لذته ، وعلى مباهجه ... يقول لك : كلفتني هذه السفرة في العيد إلى اليونان أربعمئة ألف ليرة ، تدخل جمعية إلى دكانه فيعطيها عشر ليرات ‍‍‍‍!! أربعمئة ألف في أربعة أيام بالعيد قضيتها في أثينا وعشر ليرات للجمعية ؟ من صفات المنافقين أنهم إذا أنفقوا المال أنفقوه إسرافاً وتبذيراً ، وإذا أمْسكوه أمسكُوه شحاً وتقتيراً ، هؤلاء يبالغون في ترفيه أنفسهم ، أما إذا دُعوا إلى عمل صالح  يتأخر الصانع عنده ساعة ، يحسم عليه ثمن الأجرة ، يقول له : داومك ثماني ساعات ، تأخرت ساعة ، يقسو عليه ، ويقوم بطريقة يطرده طرداً من دون أي تعويض ، فإذا ذهب لقضاء نزهة ، أو لقضاء إجازة ، أنفق من المبالغ ما لا يحصى ، هؤلاء أشحاء في فعل الخير ، مسرفون على أنفسهم في الملذات ، وهناك صنف آخر- والعياذ بالله - يعيش شقياً محروماً ، ويموت غنياً ، يتنعم الورثة بهذا المال ، لذلك مما يروى أن روح الميت حينما يوضع الميت في نعشه ترفرف فوق النعش تقول : يا أهلي يا ولدي لا تلعبن بكم الدنيا كما لعبت بي ، جمعت المال مما حلّ وحرم ، فأنفقته في حله ، وفي غير حله ، فالهناء لكم ، والتبعة علي .

لذلك يقف ربنا عز وجل يوم القيامة العبد بين يديه يقول له : يا عبدي أعطيتك مالاً فماذا صنعت فيه ؟ فيقول هذا العبد : يا رب ، لم أنفق منه شيئاً على أحد مخافة الفقر على أولادي من بعدي ، فيقول الله عز وجل : ألم تعلم بأني أنا الرزاق ذو القوة المتين ؟ إن الذي خشيته على أولادك من بعدك قد أنزلته بهم ‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍.

حدثني أخ أثق بكلامه عن رجل ترك أموالاً لا تعد ولا تحصى ، وترك أولاداً لم يُنَشِّئهُم على طاعة الله عز وجل ، في أقل من سنتين خسروا كل هذه الثروات بشكل لا يصدق ، باعوا الأراضي ، باعوا المحلات ، باعوا المعمل ، احتال عليهم رجل بمئات الملايين ، اشترى منهم بضاعة شحنوها له ، أعطاهم شيكات مزورة ، ثم غاب عن الأنظار ، فخسروا أموالهم كلها ، إن الذي خشيته على أولادك من بعدك قد أنزلته بهم .

يقول لعبد آخر : عبدي ، أعطيتك مالاً فماذا صنعت فيه ؟ يقول هذا العبد : يا رب ، أنفقته على كل محتاج ومسكين لثقتي بأنك خيرٌ حافظاً وأنت أرحم الراحمين ، فيقول الله عز وجل : عبدي أنا الحافظ لأولادك من بعدك ، اطمئن ، فعلاً يموت رجل تجد أولاده في أعلى مقام ، في بحبوحة ، في صحة جيدة ، زواجهم موفق ، أولادهم أبرار ، كلهم يسكنون في بيوت جيدة ، سمعتهم طيبة ، وقد يكون أبوهم فقيراً ، ولكنه صالح :

﴿ وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنْزَهُمَا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ذَلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا (82) ﴾

[ سورة الكهف  ]

ويأتي رجل تأتيه ذرية شقية من بعده تذوق الحرمان والبؤس والشقاء ، أنفقته على كل محتاج ومسكين لثقتي بأنك خيرٌ حافظاً وأنت أرحم الراحمين ، فيقول الله عز وجل : عبدي أنا الحافظ لأولادك من بعدك .

 

الابتعاد عن مجاوزة الحد في الإنفاق :


﴿ وَلاَ تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلاَ تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ ﴾ .. حدَّثني بعض الأشخاص القادمين من بعض الدول العربية التي هي في بحبوحة أن الطعام الذي يلقى في القمامة أضعاف الطعام الذي يؤكل ، اللحم والرز المطبوخ بالسمن في القمامة ، كل شيء زاد على الوجبة اليومية في القمامة ، هؤلاء يدفعون الثمن غالياً ، والله عز وجل قال: 

﴿ إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ (12) ﴾

[ سورة البروج ]

((يا عائشةُ أكرِمِي جِوَارَ نِعَمِ اللهِ فإنَّها قلَّمَا انكشَفَتْ عن بيتٍ فكانتْ تعودُ فيهم))   ﴿ وَلاَ تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلاَ تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ ﴾ إنفاق بغير حساب ، بشكل طبيعي ، غير طبيعي ، بشكل معقول ، وغير معقول ، إسراف ، ألوان منوعة من الطعام ، بعضها يفسد ، بعضها يلقى في القمامة ، ألبسة كثيرة جداً ، أحذية لا تعد في البيت ، يلبس الحذاء مرة ويلقى ، وأكثر هذا في النساء ، هذا هو الإسراف بعينه ﴿ وَلاَ تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ﴾ ما الذي يحصل ؟ تعودت على مصروف مرتفع جداً ، وعلى مستوى معاشي مرتفع جداً ، لسبب أو لآخر لو انخفض دخلك ماذا تفعل ؟ قال عليه الصلاة والسلام  :

(( اخشوشنوا ، وتمعددوا فإن النعم لا تدوم . ))

[ لا يصح مرفوعا أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف وغيره ومداره على عبد الله بن سعيد بن أبي سعيد المقبري وهو ضعيف ]

من الحمق بالرجل أن يسرف إسرافاً ، لو جاءه خاطب لابنته  ، شاب صالح مؤمن ، ولكن دخله محدود ، لقد عوَّد ابنته الإسراف في النفقة ، هذه البنت لا يمكن أن تعيش مع هذا الزوج ، أبداً ، تفسد الحياة بينهما ، ولن تستقيم الحياة بينهما ، عوّد نفسك ، لذلك: (( اخشوشنوا ، وتمعددوا فإن النعم لا تدوم )) هذا أمر نبوي .

﴿ وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (3)إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى (4) ﴾

[  سورة النجم  ]

لذلك المؤمن المطبق لسنة النبي عليه الصلاة والسلام لو جاءت شدة يمتصها ، يحتملها ، لأنه قد عوَّد نفسه على الخشونة ، عوِّد من هم معك على أن يكون الطعام نفيساً في يوم ، وخشناً في يوم آخر ، على أن يكون مع الطعام فاكهة في يوم ، ومن دون فاكهة في يوم آخر ، عوِّد نفسك هذا وهذا ، لو جاءك شاب مؤمن يبتغي الزواج من ابنتك عاشت معه حياة سعيدة ، أما الإسراف ، والتبذير ، والإنفاق العشوائي غير المدروس ، هذا ليس من صفات المؤمن ، الوضع دقيق جداً . 

 

نتيجة الشح والإسراف : فَتَقْعُدَ مَلُوماً مَّحْسُوراً  :


﴿ وَلاَ تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلاَ تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُوماً مَّحْسُوراً ﴾ .. هذه في البلاغة اسمها : لف ونشر ، لو أنك جعلت يدك مغلولة إلى عنقك لكنت ملوماً من قِبَل الأهل ، دائماً البخيل أهله يتمنون موته ، ينتظرون موته بفارغ الصبر ، إذا جاء الطبيب ، وبشرهم بأن الحالة عرضية يتألمون ، كيف الحالة عرضية ؟ يتمنون أن تكون الحالة خطيرة حتى يرتاحوا من البخيل ، فتقعد ملوماً من قِبل زوجتك ، من قِبل أولادك ، وإذا بسطتها كل البسط تقعد محسوراً ، لا تمتلك شيئاً ، قبض المعاش قام بسهرتين ذهب المعاش صار شحاذاً لآخر الشهر ، ﴿ وَلاَ تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلاَ تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُوماً مَّحْسُوراً ﴾   فتقعد ملوماً في الحالة الأولى ، في البخل ، محسوراً في الحالة الثانية ، في الإسراف ، تتحسر  ليس عندك شيء ، الإنسان هكذا ، قال الله عز وجل  :

﴿ يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ (269)﴾

[ سورة البقرة ]

هناك كتاب أُلِّف على هذه الآية ، يثبت مؤلف الكتاب أن الحكمة أثمن شيء في الحياة ، بالحكمة يغتني الفقير ، وبالحمق يفتقر الغني ، بالحكمة تعيش مع الزوجة السيئة وتسعد بها ، وبالحمق تُفسد الطيبة ، بالحكمة تجعل أعداءك أصدقاء ، وبالحمق تجعل أصدقاءك أعداء  ﴿ وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً ﴾ لذلك قال العلماء : الكرامات على نوعين : كرامات تجري وفق العادات ، وهي العلم والحكمة ، وكرامات تجري بخرق العادات ، لها بحث آخر تحدثنا عنه في درس العقيدة ، لذلك من كرامة الله لك ، من إكرام الله لك أن يجعلك عالماً وحكيماً :

﴿ وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (22)  ﴾

[ سورة القصص ]

 فالأنبياء هذا عطاؤهم ﴿ وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوَى آتَيْنَاهُ حُكْماً وَعِلْماً وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ ﴾ ، ﴿ وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً ﴾ .

 

الله تعالى يعطي بحكمة ويقبض بحكمة فإذا أعطى أدهش وإذا حاسب فتش :


﴿ وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَحْسُورًا(29)إِنَّ رَبَّكَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّهُ كَانَ بِعِبَادِهِ خَبِيرًا بَصِيرًا ﴾ .. الآية لها معنيان متعاكسان :

المعنى الأول أن الله عز وجل سنته في خلقه أنه يعطي بحكمة ، ويمنع بحكمة .

وإذا رأيت أن الله عز وجل أعطى فأدهش ، وحاسب ففتش ، لا تفعل كما يفعل الله عز وجل ، هو رب العالمين ، وأنت عبد مأمور بالاعتدال ، أما ربنا عز وجل فلحكمة بالغة إذا أعطى أدهش ، قد يعطي عطاء مذهلاً ، وقد يسلب الإنسان كل شيء ، أنت عبد وهو رب ، هو يفعل ما يشاء لحكمة يراها ، لا تفعل كما يفعل ، إما أن تفهم هذه الآية على أن الله سبحانه وتعالى يعطي بحكمة ، ويقبض بحكمة ، أو أنه إذا أعطى فأدهش ، أو حاسب ففتش ، لا تفعل أنت ذلك ، لأن هذا من شأن الله وحده ، وليس من شأنك أنت .

 

الله أعلم بما يصلح للعبد من الفقر أو الغنى  :


﴿ وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَحْسُورًا(29)إِنَّ رَبَّكَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّهُ كَانَ بِعِبَادِهِ خَبِيرًا بَصِيرًا ﴾ قال الشاعر:

لو كانت الأرزاق تجري مع الحجى         هـلكن إذاً من جـهلهن البهائم

***

الله عز وجل هو الرزاق ، قد يلهم الغبي رزقاً وفيراً ، وقد يمنع الفهيم الذكي الحاجات الأساسية . 

﴿ إِنَّهُ كَانَ بِعِبَادِهِ خَبِيرًا بَصِيرًا﴾ .. إن من عبادي من لا يصلح له إلا الفقر ، فإذا أغنيته أفسدت عليه دينه ، يريد السفر فوراً إلى أوروبا ، ويريد الزواج من امرأة ثانية ، وإن من عبادي من لا يصلح له إلا الغنى ، فإذا أفقرته أفسدت عليه دينه ﴿ إِنَّ رَبَّكَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّهُ كَانَ بِعِبَادِهِ خَبِيرًا بَصِيرًا ﴾ يعرف عباده . 

 

النهي عن قتل الأولاد خشية الفقر :


﴿ وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ إِنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْئًا كَبِيرًا ﴾ أي :

هذا الإنسان - كما جاء في بعض الأحاديث :

(( إنَّ هذا الإنسانَ بنيانُ اللَّهِ فملعونٌ مَن هدم بنيانَهُ ))

[  الزيلعي  :تخريج الكشاف : خلاصة حكم المحدث : غريب جدا ]

أي أن تقتل النفس لأي سبب ، وهنا السبب خشية الفقر ، خشية إملاق ، لا يجوز أن تقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق ، لذلك كان العرب في سنوات الشح وسنوات القحط يقتلون أولادهم خشية الفقر ، طبعاً قد ينصرف ذهنكم إلى الوأد ، هذه الآية لا علاقة لها بالوأد ، الوأد قتل البنات على التخصيص خشية العار لا الفقر .

﴿ وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ (8) بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ (9)  ﴾

[ سورة التكوير ]

﴿ وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ (58) يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلَا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ (59)  ﴾

[ سورة النحل ]


معنى آخر من معاني قتل الأولاد  :


لكن بعضهم فسر أن الذي تأتيه بنت ، ويُطلق لها العنان ، تذهب إلى حيث تشاء ، تصادق من تشاء ، تفعل ما تشاء ، فتفسد ، قال بعض العلماء : هذا عند الله أشد من وأدها ، لأنك لو وأدتها دخلت الجنة ، ولكنك إذا أفسدتها أدخلتها النار ، لكنها لن تدخل النار قبل أن تدخلك قبلها ، تقول : يا رب ، لا أدخل النار قبل أن أُدْخِلَ أبي قبلي ، لأنه هو الذي شجعني ، هو الذي دفعني إلى هذه المعاصي ، الذي يفسد ابنته ، لا يهتم بأخلاقها ، يرخي لها الحبل ، لا يحاسبها ، لا يدقق في تصرفاتها إلى أن تفسد ، عندئذٍ هو عند بعض العلماء أشد من وأدها ، ﴿ وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلَاقٍ ﴾ لا أعتقد أن هناك إنساناً واحداً في المليون يقتل ابنه خشية الفقر ، لكن هذا الذي يلقي ابنه في المفاسد من أجل المال ، أليس الإفساد أشد من القتل ؟ قال تعالى :

﴿ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأَخْرِجُوهُمْ مِنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ وَلَا تُقَاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِنْ قَاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ كَذَلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ (191) ﴾

[ سورة البقرة  ]

هذا الذي يزوج ابنته لرجل غني فقط ، دون التدقيق في دينه ، أليس هذا العمل إفسادًا لهذه الفتاة عن طريق تزويجها لرجل فاجر أو فاسق أشد عند الله من قتلها ، لذلك :  القرآن حمَّال أوجه ، فاحملوه على كل وجوهه ، القرآن ذو وجوه ، من قتل ابنه خشية الفقر فهذا عمل عظيم عند الله ، لكنه من دفع ابنته إلى زوج فاجر فاسد فهو عند الله أشد لأنه فتنها عن دينها ، ومتى فتنها عن دينها فقد ضيَّع آخرتها ، عندئذ تحتج عند الله عز وجل على أبيها ، ولا تدخل النار قبل أن تدخله قبلها .

 

النهي عن قتل المولود لأن رزقه معه :


﴿ وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلَاقٍ ﴾ هناك آية أخرى  :

﴿ قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ مِنْ إِمْلَاق نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلَا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (151) ﴾

[ سورة الأنعام ]

خشية الإملاق لفقر متوقع ، لكن من إملاق لفقر حاضر ، دقة القرآن عجيبة . 

﴿ وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقهُمْ وَإِيَّاكُمْ ﴾ .. لأنه خشية إملاق ، خائف على رزقه ؟ سوف يأتيك رزقه مع رزقك ، أما : ﴿ وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ مِنْ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ ﴾ بين نرزقهم وإياكم ، وبين نرزقكم وإياهم بون شاسع ، بسبب بين خشية إملاق ، وبين من إملاق .

 

تعريف الخطأ :


﴿ وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ إِنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْئًا كَبِيرًا ﴾ .. عرَّف العلماء الخطأ بأنه من أراد عملاً لا تَحْسن نيته ، ولا يحسن فعله ، فهذا الخطأ شامل ، عَمل عملاً لا تَحسن عند الله ولا عند الناس لا نيته من هذا العمل ولا فعله فهذا هو الخطأ ، هناك أشخاص يعملون عملاً بنية طيبة ، ثم ينحرف العمل عن غير قصد منهم فإذا هو عمل مؤذ ، نقول : هذا العمل صحت نيته ، وساء فعله ، وهناك أناس ينوون الشر ، فإذا شرهم يقلبه الله إلى خير ، نقول : هذا العمل حَسُن فعله ، وساءت نيته ، من عمل عملاً حسنت فيه نيته وفعله فهذا هو العمل الصواب ، ومن عمل عملاً حسنت فيه نيته ، وساء فعله فهذا هو الخطأ غير المقصود ، ومن عمل عملاً ساءت فيه نيته وساء فعله فهذا هو الخطأ بعينه ﴿ إِنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْئًا كَبِيرًا ﴾ .

والحمد لله رب العالمين 

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور