وضع داكن
19-04-2024
Logo
الدرس : 16 - سورة النحل - تفسير الآيات 70 – 78 ، عن قدرة الله
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا، إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.

 أيها الإخوة المؤمنون، مع الدرس السادس عشر من سورة النحل، وصلنا في الدرس الماضي، أو في الدرس قبل الماضي إلى قوله تعالى:

﴿  وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ ثُمَّ يَتَوَفَّاكُمْ وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْ لَا يَعْلَمَ بَعْدَ عِلْمٍ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ قَدِيرٌ(70) ﴾

[ سورة النحل  ]


وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ ثُمَّ يَتَوَفَّاكُمْ وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْ لَا يَعْلَمَ بَعْدَ عِلْمٍ شَيْئًا


 الله سبحانه وتعالى يقول: ﴿وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ ثُمَّ يَتَوَفَّاكُمْ﴾ .

خَلقٌ ثم موت :

 خُلقنا على هذا الشرط، خُلقنا على هذه الدنيا، ولابد من أن نموت، فالموت هو مصير كل حي، فالعاقل هو الذي يعد للموت عدته، والأحمق هو الذي ينسى هذه الساعة التي وعدنا الله بها .

نسيان الموت سببٌ للطغيان :

 ﴿وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ ثُمَّ يَتَوَفَّاكُمْ﴾ متى يطغى الإنسان؟ ومتى يتجاوز الحدود؟ ومتى يأخذ ما ليس له؟ ومتى يستعلي على عباد الله؟ حين ينسى هذه الساعة، حينما ينسى ساعة الوفاة، تأخذه العزة بالإثم، حينما ينسى أنه لابد من أن يقف بين يدي الله عز وجل، ليحاسَب عن كل صغيرة وكبيرة، حينما ينسى يطغى، بئس العبد عبد سها ولها، ونسي المبتدى والمنتهى، نسي كيف كان نطفة، خرجت من عورة، ونسي كيف كان مخلوقاً ضعيفاً لا يعلم شيئاً، وكيف أن الله عز وجل أكرمه بأبيه وأمه، ولولا هذا النظام لما عاش مخلوق، بئس العبد عبد طغى، وبغى، ونسي المبتدى والمنتهى.


الله كتب الموت على الجميع :


 الله سبحانه وتعالى خلقنا، ثم يتوفانا، فالوفاة لابد منها، قال تعالى :

﴿  إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ(30)  ﴾

[  سورة الزمر  ]

 وقال سبحانه :

﴿  وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِيْن مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ(144)  ﴾

[  سورة آل عمران  ]

 فالنبي يموت، والرسول يموت، والغني يموت، والفقير يموت، والقوي يموت، والضعيف يموت، والصحيح يموت، والمريض يموت، وكل مخلوق يموت، ولا يبقى إلا ذو العزة والجبروت. 

الليـــل مـهما طــــال  فلابــــد مــن طلــوع الفجر

والعمـر مـهما طـــــال  فلابــــد مــن نـــزول القبر

***

كل ابن أنثى و إن طالت سلامتـه  يوماً على آلةِ حدباءَ محــمولُ

فإذا حملت إلى القبـور جنــازة  فاعلم بأنـك بـعدها مـحمـولُ

***

 هذه الساعة فكر فيها، وأنا أضمن لك الاستقامة؛ لأنك إذا فكرت في ساعة رهيبة تترك كل شيء، وتوضَع تحت التراب، تحت الثرى، ويأتي الملكان ليسألانك: مَنْ ربك؟ وما دينك؟ ومن نبيك؟ وماذا فعلت؟ لِمَ فعلت؟ ولِمَ لم تفعل؟

 عَنْ أَبِي بَرْزَةَ الْأَسْلَمِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : 

((  لَا تَزُولُ قَدَمَا عَبْدٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ عُمُرِهِ فِيمَ أَفْنَاهُ؟ وَعَنْ عِلْمِهِ فِيمَ فَعَلَ؟ وَعَنْ مَالِهِ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ؟ وَفِيمَ أَنْفَقَهُ؟ وَعَنْ جِسْمِهِ فِيمَ أَبْلَاهُ.  ))

[  أخرجه الترمذي والدارمي  ]

﴿  فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ(92) عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ(93)  ﴾

[  سورة الحجر ]

 لذلك: ﴿وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ ثُمَّ يَتَوَفَّاكُمْ﴾ الوفاة حق، والموت حق، والبرزخ حق، وعذاب القبر حق، وأن يكون القبر روضة من رياض الجنة حق، والصراط حق، والجنة حق، والنار حق، والبعث حق؛ بعث الناس يوم القيامة. 


من الناس مَن يصل إلى أرذل العمر :


﴿وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ ثُمَّ يَتَوَفَّاكُمْ وَمِنْكُمْ﴾ أيْ: بعضكم: ﴿وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ﴾ نعوذ بالله من أرذل العمر، ينحني ظهره، ويضعف بصره، تضعف قواه، وتضعف ملكاته، ينسى علمه، ينسى خبرته، يرتد إلى عقلية الأطفال، يعيد القصة آلاف المرات، يحشر أنفه في كل شيء، يذم كل الناس، يغتابهم، يصبح عبئاً ثقيلاً عليهم، ينبذه أهله، يتأفف منه محبّوه، يتمنى الناس موته.

﴿وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ﴾ قد يخرج من بيته ولا يستطيع أن يعود إليه؛ يضيع كالطفل الصغير، قد لا يستطيع أن يبقى نظيفاً، فيزعج أهله، فيوبخونه، ويقرّعونه، ويتمنون من أعماقهم أن يخفف الله عنه، يصبح عبئاً ثقيلاً في البيت.

﴿وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ﴾ وقد تتطاول عليه زوجته، وقد يتطاول عليه ابنه، أو جيرانه، أو من حوله، أو قد يموت في بيت، وهو وحيد، فتفوح رائحة لا تُقابَل.

 قال لي أحد الإخوة الأكارم، وقد دخل على رجل توفي في بيت، ومضى عليه أيام عدة: ما من رائحة على وجه الأرض أنتن ولا أبشع من رائحة الإنسان إذا مضى عليه أيام ولم يُوسَّد في الثرى.


مَن حفِظ حدود الله في الصغر حفظه الله في الكِبَر :


 ﴿وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ﴾ كلمة ( مِنْ ) هنا للتبعيض، ومعنى كلمة التبعيض أنّ بعض الناس يُردّون إلى أرذل العمر، لكن مَن عرف الله في شبابه متعه الله في خريف عمره، من حفظ الله في صغره حفظه الله في كبره، من عاش تقياً، عاش قوياً؛ متعه الله بعقله، وبسمعه، وببصره، وبقوته، وبصحته، وبأجهزته الهضمية، والإفرازية.

 سئل أحد الصالحين: "ما هذه الصحة يا سيدي؟ قال: " يا بني، حفظناها في الصغر، فحفظها الله علينا في الكبر، من عاش تقياً عاش قوياً " .

 من خلال تجاربي الشخصية؛ ألتقي أحياناً مع بعض الأشخاص، قال لي أحدهم عمره خمسة وتسعون عاماً، أجرى فحوصاً شاملة على كل أجهزته، فكانت جميع الفحوص جيدة، قال لي: وَاللَّهِ لا أعرف الحرام في حياتي؛ لا عرفت الحرام من طرف النساء، ولا من طرف المال، ما كسبت درهماً حراماً، ولا أعرف غير زوجتي، خمس وتسعون سنة أجريت له الفحوص، وأولاده ميسورو الحال، فحوصه كلها جيدة، وفي الدعاء الشريف عن النبي صلى الله عليه وسلم:

((  وَمَتِّعْنَا بِأَسْمَاعِنَا وَأَبْصَارِنَا وَقُوَّتِنَا مَا أَحْيَيْتَنَا، وَاجْعَلْهُ الْوَارِثَ مِنَّا  ))

[ الترمذي عن ابن عمرٍ ]

 الأعمال الصالحة، الصدقات، غض البصر، إنفاق المال، حضور مجالس العلم، أن تجلس على ركبتيك ساعة أو أكثر ابتغاء وجه الله، لا تبتغي من مجيئك إلى هنا لا درهماً، ولا ديناراً، ولا وظيفة، ولا شيئاً، ولا بيتاً، ولا مكانة، ولا شيئاً، لا تبتغي شيئاً من الدنيا إطلاقاً، تبتغي وجه الله فقط، بذل هذا الجهد، وبذل هذا الوقت، والحرص على طاعة الله، أهكذا تكون كغيرك من الناس؟ لذلك ربنا عز وجل قال:

﴿وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ﴾ حدثني أخ كريم قال لي: له قريبة من سنوات أصيبت بشلل كامل، ثم ضعف تفكيرها، وخرفت، قال لي: نضعها على السرير، ونربطها بالحبال، قلت له: لماذا؟ قال: لِئَلّا تأكل من نجسها.

﴿وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْ لَا يَعْلَمَ بَعْدَ عِلْمٍ شَيْئًا﴾ يجب على الإنسان ألاّ يتجاوز الحدود، وألاّ يعتدّ بقوته وهو شاب، وألاّ يتجاوزْ حقوق الله عز وجل، وألاّ يستعلِيَ على الناس.

 قبل ثلاثين أو أربعين عاماً حدثني رجل فقال: إن شخصاً وصل إلى مراتب عليّة، خرج من بيته، ولم يعد، فاتصلت زوجته بأقسام الشرطة، عُثر عليه في أحد أحياء دمشق الجنوبية تائهاً، ضائعاً، كالطفل الصغير.

بالمناسبة أنا أضمن لكم، لأن النبي عليه الصلاة والسلام هكذا قال؛ قال:

((  مَن جمَع القرآن متعه الله بعقله حتى يموت  ))

[  الجامع الصغير عن أنس وهو ضعيف ]

 إذا أردت أن تتمتع بعقلك كاملاً، أن تبقى إلى آخر ثانية في حياتك، وأنت قوي الشخصية، مرغوبَ الجانب، معززاً، مُكرَّماً، مُبجَّلاً، مُحترماً من كل الناس، فتعلم القرآن الآن، فمن تعلم القرآن متعه الله بعقله حتى يموت، ولا يحزن قارئ القرآن.

﴿لِكَيْ لَا يَعْلَمَ بَعْدَ عِلْمٍ شَيْئًا﴾ لا يعلم شيئاً، ينسى الطبيب أنه كان طبيباً، ينسى أنه كان يحمل شهادة عالية، ينسى أن كان له كتُب، وقد كان لي قريب وصل إلى أعلى مستوى، بقي قبل موته محجوزاً في غرفة سبع سنوات، لم يُسمح لأحد أن يدخل عليه، لأن منظره لا يطاق. 

﴿  إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ قَدِيرٌ(70) وَاللَّهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ فِي الرِّزْقِ فَمَا الَّذِينَ فُضِّلُوا بِرَادِّي رِزْقِهِمْ عَلَى مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَهُمْ فِيهِ سَوَاءٌ أَفَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ(71)  ﴾

[ سورة النحل ]


وَاللَّهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ فِي الرِّزْقِ


الناس متفاضلون في الرزق :

 انظر كيف فضّلنا بعضهم على بعض في الدنيا، فهذا إنسان له رزق محدود، قد يكون أقل من حاجته بكثير، قد يكون أقل من حاجته بقليل، قد يكون مساوياً لحاجته، قد يزيد عن حاجته قليلاً، قد يزيد عن حاجته كثيراً، قد يأتيه رزق لا يستطيع أن يحصيه، إن قارون كان من قوم موسى، فإياكم أن تظنوا أن هذه مَكرُمة ..

﴿  إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِنْ قَوْمِ مُوسَى فَبَغَى عَلَيْهِمْ وَآتَيْنَاهُ مِنْ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لَا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ(76) وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنْ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ(77)﴾

[  سورة القصص ]

 المفاتيح فقط ؛ سبعة رجال أشداء لا يستطيعون رفع مفاتيح خزائنه .

﴿إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لَا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ* وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنْ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ﴾ .


التفضيل في الرزق لحكمة ربانية بالغة :


 إذاً: ﴿وَاللَّهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ فِي الرِّزْقِ﴾ لكن هذا التفضيل وفق حكمة بالغة، " إن من عبادي من لا يصلح له إلا الفقر، فإذا أغنيته أفسدت عليه دينه، وإن من عبادي من لا يصلح له إلا الغنى، فإذا أفقرته أفسدت عليه دينه " .

﴿  فَأَمَّا الْإِنسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ (15) وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ(16)﴾

[  سورة الفجر ]

 في الدنيا يقول بسذاجة، بجهل، بعد علم، يقول: ﴿رَبِّي أَكْرَمَنِ﴾ لا، ليس هذا إكراماً؛ لأن الدنيا منقطعة، الدنيا تنتهي بالموت، فيستوي فيها الغني والفقير، والقوي والضعيف، والصحيح والمريض، ليس هذا إكراماً، هو يقول ذلك، معظم الناس يقول لك: الله عز وجل أكرمني، الله امتحنك، ما أكرمك، امتحنك بالمال، إذا أنفقته في طاعة الله؛ عندئذٍ ينقلب المال إكراماً. 

﴿فَأَمَّا الْإِنسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ* وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ﴾ ضاق دخله، يشعر أنه مهان، لا .

 عَنْ أَبِي أُمَامَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :

(( جلس جبريل إلى النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فنظر إلى السماء ، فإذا ملَك ينزل ، فقال له جبريل : هذا الملك ما نزل منذ خُلِق قبل الساعة ، فلما نزل قال : يا محمد أرسلني إليك ربك : أملِكا أجعلك أمْ عبدا رسولا؟ قال له جبريل: تواضع لربك يا محمد ، فقال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم: بل عبدا رسولا. ))

[ مسند أحمد  ]

(( عَرَضَ عَلَيَّ رَبِّي لِيَجْعَلَ لِي بَطْحَاءَ مَكَّةَ ذَهَبًا، قُلْتُ: لَا يَا رَبِّ وَلَكِنْ أَشْبَعُ يَوْمًا وَأَجُوعُ يَوْمًا - أَوْ قَالَ ثَلَاثًا أَوْ نَحْوَ هَذَا - فَإِذَا جُعْتُ تَضَرَّعْتُ إِلَيْكَ وَذَكَرْتُكَ، وَإِذَا شَبِعْتُ شَكَرْتُكَ وَحَمِدْتُكَ ))

[ رواه الترمذي وهو ضعيف جداً ]

 من رحمة الله بنا أنه يقلّبنا بين الغنى والحاجة، بين الصحة والمرض، بين الراحة والتعب، بين الطمأنينة والقلق، بين الخوف وعدم الجزع، تقليد، كلما غفلنا جاءت المنذرات، جاءت الميقظات، لذلك "كلا ليس عطائي إكراماً، ولا حرماني امتهاناً، إن عطائي ابتلاء، وحرماني دواء"، إياك أن تظن أن العطاء إكرام، إلا في حالة واحدة، إذا أنفقت هذا المال في طاعته، كان المال ابتلاءً، فصار إكراماً.

﴿وَاللَّهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ فِي الرِّزْقِ فَمَا الَّذِينَ فُضِّلُوا بِرَادِّي رِزْقِهِمْ عَلَى مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَهُمْ فِيهِ سَوَاءٌ﴾ .


فَمَا الَّذِينَ فُضِّلُوا بِرَادِّي رِزْقِهِمْ عَلَى مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَهُمْ فِيهِ سَوَاءٌ


هل يسوَّي الحُرُّ نفسه مع العبد فيشرِكَه في ماله ؟!!

 هؤلاء الذين أُعطوا من رزق الله، هل يعطون أموالهم لعبيدهم: ﴿فَهُمْ فِيهِ سَوَاءٌ﴾ أيساوون أنفسهم مع عبيدهم؟ لا، فكيف أنتم أيها العباد تجعلون من عدة أصنام آلهة، وتسوّونها برب العالمين، أيرضى الله ذلك؟ أيرضى أن يكون مخلوقه شريكاً له في الملك؟ لو أن أحدكم له محل له قيمة كبيرة جداً، وعنده موظف يعطيه أجراً محدوداً أيقول له: هذا المحل بيني وبينك مناصفة؟ من يفعل هذا؟ 

﴿فَهُمْ فِيهِ سَوَاءٌ﴾ أنت لا ترضى أن تشرك خادمك، أو عبداً لك مملوكاً بمالك، فكيف ترضى أيها الإنسان أن تجعل لله شركاء من مخلوقاته؟ إن كنت أنت لا ترضى فلا تعتقد هذا الاعتقاد.

﴿وَاللَّهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ فِي الرِّزْقِ فَمَا الَّذِينَ فُضِّلُوا بِرَادِّي رِزْقِهِمْ عَلَى مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَهُمْ فِيهِ سَوَاءٌ أَفَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ﴾ الله عز وجل ضرب مثلاً يستنكره الإنسان، الإنسان يستنكر أن يكون عبده شريكاً له في ماله، فكيف ترضى لله أن يكون مخلوق له شريكاً له في ملكه؟ إن كنت أنت لا ترضى، فكيف ترضى لله ذلك؟

﴿  وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً وَرَزَقَكُمْ مِنْ الطَّيِّبَاتِ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ اللَّهِ هُمْ يَكْفُرُونَ(72)  ﴾

[ سورة النحل ]


وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً


الزوجة من الإنس نِعمة من الله عظيمة :

 هذه نعمة كبرى من نعم الله، هذه الزوجة التي هي أم أولادك من بني البشر، إنك تفكر، وهي تفكر، تحس، وهي تحس، تدرك، وهي تدرك، لك عاطفة، ولها عاطفة، لك حاجات، ولها حاجات.

﴿مِنْ أَنفُسِكُمْ﴾ لو أن الله عز وجل جعل الزوجة من طبيعةٍ دنيا، يضعون في المحلات التجارية هياكل لبيع الأقمشة، هل ترضى أن تكون لك زوجة من هذا النوع؟ شمع، بلاستيك، هل ترضى؟ تكلمها لا تكلمك، تسلم عليها تبقى صامتة، تسألها لا تجيب، تأمرها لا تطيع، أليس هذا إكراماً من الله عز وجل؟ أن جعل لك الزوجة من طبيعتك، تسألها فتجيب، تحسن إليها فتشكر، تفكر، تشاركك مشكلاتك في الحياة، تبثها همك، تنقل لها طموحاتك، تعينك على متاعب الحياة، تنسيك متاعب النهار، أليس هذا من نعم الله عز وجل؟ الإنسان المؤمن إذا دخل إلى البيت، ورأى زوجته لا يسعه إلا أن يشكر الله عز وجل على أنه أكرمه بزوجة، وكم من البشر لا يستطيع أن يتزوج، إما لعلة فيه، أو لضيق ذات يدٍ، أو لعدم وجود بيتٍ، فأسأل الله جل جلاله أن يهب لكل أعزب زوجة صالحة، تسره إن نظر إليها، وتطيعه إن أمرها، وتحفظه إن غاب عنها، لكن المتزوج لا تتكبر كثيرًا، هذه نعمة وقد تفقدها، أو قد تصاب الزوجة بمرض، إلى من تشتكي؟ حينما خطبتها كانت سليمة من كل عيب، ومرضت عندك.

 قال لي رجل: منذ خمسة عشرة عاماً لا أستطيع أن أنام الليل، لنوبات حادةٍ تصيب زوجتي، أصبح وزنها عشرات الكيلو غرامات من شدة الآلام، ماذا يفعل بها؟ فإذا كانت لك زوجة معافاة فلا تقل: أنا ربكم الأعلى.

 وقد قيل: أكرموا النساء، فوالله ما أكرمهن إلا كريم، ولا أهانهن إلا لئيم، يغلبن كل كريم، ويغلبهن لئيم، وأنا أحب أن أكون كريماً مغلوباً، من أن أكون لئيماً غالباً.


إيّاكم أن تكفروا بنعمة الزوجة :


 هذه نعمة قد تفتقدها، إذا كفر الإنسان بنعمة الزوجة قد يجد نفسه في بعض الساعات يرتكب حماقة ما بعدها حماقة، يطلقها، وتذهب إلى بيت أهلها، وتدع له خمسة أولاد في البيت، يضيق بهم ذرعاً، يحتاجون إلى طعام، إلى تنظيف، إلى حمام، إلى إعداد طعام، وهي عند بيت أهلها، ناعمة، مطمئنة، وأتاها خطيب فتزوجها، وأنت والأولاد في ضيق ما بعده ضيق، فإذا كفر الإنسان بنعمة الزوجة الصالحة، وحمّلها مالا تطيق، واستعلى عليها وتجبر، فقد يضعه الله في مأزق حرج، يغضب غضباً شديداً فيطلقها، وعندئذٍ تملك حريتها، وتأبى أن تعود، ويبحث عن بديل لها فلا يجد، أو قد يأتي البديل فيريه النجوم في الظهر، هذا البديل ليأخذ حق الأولى، فإذا كان عند الإنسان زوجة صالحة ليشكر الله على هذه نعمة .

((  إذا صلت المرأة خمسها، وصامت شهرها، وحفظت فرجها، وأطاعت زوجها دخلت الجنة.  ))

[  من الجامع الصغير عن أنس  ]

 لا تحملها مالا تطيق، لا تحملها ذنباً لم تفعله، لا تحملها أخطاء أهلها، لا ذنب لها، لا تجعل بيتك صاخباً، لا تجعل حياتك ضنكاً، الله عز وجل قال: 

﴿  يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا وَلَا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا(19)﴾

[ سورة النساء ]

 ومعنى المعاشرة بالمعروف لا أن تمتنع عن الإيقاع الأذى بها، بل أن تحتمل الأذى منها، وكان أحد الصالحين له زوجة سيئة جداً، فلما قيل له: طلقها، واسترح منها، قال: وَاللَّهِ لا أطلقها فأغشّ بها المسلمين. 


ليس هناك زوجة مثالية ، فارض بما قسم الله لك :


 ﴿وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا﴾ تصور وجود زوجة مثالية؛ لا يوجد زوجة مثالية! أحد الصحابة الكرام له زوجة أتعبته كثيراً، فتوجه إلى سيدنا عمر، وكان أمير المؤمنين، فطرق بابه، فسمع صياحاً في البيت، و خصاماً بينه وبين أهله، فولى مدبراً ولم يعقب، سمع عمر الباب يُقرَع، فتح الباب فلم يجد أحداً، نظر فوجد رجلاً قد ولى هارباً، فناداه بأعلى صوته، فأقبل، قال له: لِمَ جئت إليّ؟ فسكت، قال له: قل، فتبسم الرجل، قال له: قل، فقال: وَاللَّهِ جئتك أشكو مما أنت منه تشكو، فعندئذٍ قال عمر: يا أخي هذه زوجتي، أم أولادي، تكنس الدار، تطبخ الطعام، تغسل الثياب، ألا نتحملها؟ أعباؤها ثقيلة، أتحب أن تعرف قيمتها؟

 أعطها إجازة إلى بيت أهلها مدة أسبوع، واعمل بدلاً منها، اغسل الصحون، اطبخ، وامسح البيت، اكوِ الملابس، حتى تعرف قيمتها، أعطها إجازة مدة أسبوع لتعرف قيمتها، فربنا عز وجل قال: ﴿وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا﴾ هذه من نعمة الله عز وجل. 


نعمة البنين والأحفاد :


 ﴿وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَنِينَ﴾ يمكن أن تطلب من ابنك في اليوم مئة مرة أن يجلب لك غرضاً؛ هات كأس ماء، هات الدواء، هات الكتاب، لو كنت أنت وزوجتك وحدكما قد لا تتحمل الزوجة! تقول لك: أخادمة أنا عندك؟ لكن ابنك صغير خفيف، حركته خفيفة، يحبك، وتحبه، تكلفه بالنهار بخمسين حاجة، أو ابنتك الصغيرة، هذه من نعم الله عز وجل.

﴿وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً﴾ العلماء قالوا: البنين الأولاد، والحفدة أولاد الأولاد، وبعضهم قال: الأولاد والأعوان، أحياناً الإنسان يكون له أعمال طيبة، له إيمان عالٍ، ليس عنده أولاد، يسخر الله له أصدقاء، إخواناً أكارم، يقدمون له خدمات تفوق خدمات الأولاد، لا يعترض أحد على حكم الله عز وجل أن أعطاه البنات فقط، هذه الحكمة البالغة، لو أن أحداً عنده أولاد ذكور يعاني منهم ما يعاني، وسمع عن أخٍ لم يهبك شيئاً فقل: الحمد لله، الحمد لله على كل حال. 

﴿وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً﴾ الولد منك، لكن بعد أن استقر في رحم الأم، وانفصل منها، فجاءت الآية هكذا، بدقة بالغة، أساس الولد من الزوج، لكن هذه النطفة استقرت في الرحم، ونما في الرحم، ثم وُلِد من الأم. 


زيادة على الزوجة والبنين : وَرَزَقَكُمْ مِنْ الطَّيِّبَاتِ


﴿وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً وَرَزَقَكُمْ مِنْ الطَّيِّبَاتِ﴾ ولم يكتفِ بخلقك أنت وزوجتك وأولادك دون أكل، بل رزقكم من الطيبات، تجد عندك البقول، الحبوب، عندك الخضار، عندك الفواكه، في آخر الشتاء، وأول الصيف الوقت صعب، فالمقياس ليس في هذه الأيام، لكن تجد في الصيف أن الفواكه منتشرة، والخضار مبذولة، كأس الماء نعمة كبيرة ! كأس الماء هذا لم يعرف أحد له قيمة، كنا قبل أعوام مهددين بكأس الماء، جفت الينابيع، يبس النبات، لولا فضل الله علينا في هذا العام بهذه الأمطار الغزيرة التي فجرت الينابيع لهلكنا، الماء موفور والحمد لله، أن تجد في البيت كأس ماء تشربه هذه نعمة كبرى لا يعرفها إلا من فقدها.


إنّه لحديثٌ عظيم :


 لذلك النبي الكريم عوّدنا، فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مِحْصَنٍ الْخَطْمِيِّ وَكَانَتْ لَهُ صُحْبَةٌ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :

(( مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمْ آمِنًا فِي سِرْبِهِ، مُعَافًى فِي جَسَدِهِ، عِنْدَهُ قُوتُ يَوْمِهِ، فَكَأَنَّمَا حِيزَتْ لَهُ  ))

[  الترمذي، وابن ماجه ]

 النبي عليه الصلاة والسلام، سيد الخلق، وحبيب الحق، دخل إلى بيته لا يجد أحيانا ما يأكله، فعَنْ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ قَالَتْ :

﴿  دَخَلَ عَلَيَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ يَوْمٍ فَقَالَ : هَلْ عِنْدَكُمْ شَيْءٌ؟ فَقُلْنَا : لَا، قَالَ : فَإِنِّي إِذَنْ صَائِمٌ. ﴾

[ مسلم ]

 يقول لك أحدهم اليوم: ليس عندنا شيء، وعنده أكل يكفيه ثمانية أشهر! اجمع المؤونة التي عندك، أيجب أن تأكل طبخاً كل يوم؟ لا تقل: ليس عندنا شيء، هذه الكلمة فيها سوء أدب مع الله عز وجل، إذا توفر لك الظهر قطعة جبن مع كأس من الشاي فهذه نعمة، عندك رغيف خبز وكأس من الشاي، وقطعة جبن فهذه نعمة: (مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمْ آمِنًا فِي سِرْبِهِ، مُعَافًى فِي جَسَدِهِ، عِنْدَهُ قُوتُ يَوْمِهِ، فَكَأَنَّمَا حِيزَتْ لَهُ) تعوّد شخص على المصروف الكبير، كشّر عن وجهه، وقال: أنا لا يكفيني ثلاثمئة ألف ليرة مصروف في السنة، فأصيب بمرض عضال، زاره رجل، وَاللَّهِ هذا الذي قاله: الإنسان يكفيه ألف ليرة بالشهر بهذه الظروف الصعبة، يتمنى أن يعود إلى صحته، وينفق ألف ليرة فقط بالشهر، يتمنى ذلك، فالإنسان إذا كانت أجهزته كلها سليمة، لا يلزمك تخطيط، ولا تحليلات، ولا ذهاب إلى بلاد أجنبية، ولا زرع كلية، ولا استئصال كبد، إذا كان الواحد منا لا يلزمه شيء، وعنده قوت يومه، مهما كان القوت متواضعاً، مهما كان خشناً، ولم يكن عالقاً بمشكلة، أو ورطة كبيرة ليس لها حل، قد يباع بيته، أو تباع سيارته، أو يباع محله التجاري، ليدفع المصالحة، إذا لم يكن واقعاً بورطة، أو عالقاً مع إنسان لا يرحمه، وصحته طيبة، وعنده قوت يومه، ليقبّل الأرض، ويشكر المولى جل وعلا، هكذا المؤمن متواضع، المؤمن أخلاقه متواضعة، يعرف حجم النعمة، النبي الكريم كانت تعظم عنده النعمة مهما دقّت، شرب كأس ماء، الحمد لله الذي أعانني على شربه، وأعانني على أن أطرحه، إذا لم يطرح معا صرنا بحاجة إلى تخدير، شيء لا يحتمل، آلام حصر البول لا تحتمل.

 أحياناً الإنسان يجد شدة في حياته، فيعيش في ضيق، ضيق ذات يد في عمله، دخله قليل، حاجاته غير موجودة، فلا يتبرم كثيراً، بل ليكن راضياً، لأن ربنا عز وجل يلون الحياة، لا تعرف النعم إلا بافتقادها، لا تعرف قيمة الحاجات إلا إذا قلَّتْ، فلذلك ليلزم الإنسان الصبر، وليلزم الشكر، وبالشكر تدوم النعم، 

(( يا عائشةُ أَحْسِنِي جِوَارَ نِعَمِ اللهِ تَعالَى فإنَّها قَلَّ ما نَفَرَتْ من أهلِ بَيْتٍ فَكَادَتْ أنْ تَرْجِعَ إليهِمْ ))

[ رواه ابن ماجه وفي سنده ضعف ]

 ﴿وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً وَرَزَقَكُمْ مِنْ الطَّيِّبَاتِ﴾ وَاللَّهِ إذا أكل الإنسان صحن حمص، وكانت صحته طيبة يستمتع به أضعاف مضاعفة عن أنفس طعام وصحته عليلة.

 أحد الأشخاص كان عند بعض الملوك، فأكل الملك طعاماً فأعجبه، قال: هذا الطعام طيب، قال: يا أمير المؤمنين طيبته العافية، الإنسان يأكل أحياناً أكلاً متواضعاً جداً، رخيصاً جداً، يشتهي أن يأكل أكلة شعبية، ما دامت الصحة موفورة فهناك استمتاع بالغ في هذا الطعام.

 يروى على زمان العثمانيين دخل على والي الشام موظف كبير، كان مقر الوالي بمنزله في المرجة، دخل الموظف الكبير فوجد الوالي يطل من نافذة مكتبه على صحن المنزل، مكان بائعي حلويات اليوم، وكان هناك سجن قديماً، فبقي فترةً طويلة، يلقي النظر إلى صحن البناء، انتظر الموظف إلى أن شعر هذا الوالي بحركة، فالتفت، وقال له: أنت هنا منذ وقت؟ قال له: نعم، رأى على خده دمعة، قال له: خيرًا إن شاء الله، قال له: تعال انظر، أب وأم جاءا ليتفقدا ابنهما في السجن فلم يُسْمَحْ لهما، فجلسا على الأرض، وفتحا زوادةً، وأخرجا رغيفاً وبصلاً فقط، كسراه وأكلاه، قال: وَاللَّهِ أتمنى أن أتخلى عن كل ما حولي، وأن أستطيع أكل هذا الطعام بشهيتهما، معه علل بجسمه لا يقدر على الأكل، إذا أكل الإنسان أكلة شعبية، وكانت صحته طيبة فهذه نعمة، فالإنسان دائماً عليه أن يتذكر أن الشكر يزيد النعم، وبالشكر تدوم النعم .

﴿ وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ ۖ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ (7) ﴾

[  سورة إبراهيم ]

 انظر هناك نقطتان، هناك دوام وزيادة، بالشكر دوام للنعم، وبالشكر زيادة في النعم ﴿لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ﴾ .


أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ اللَّهِ هُمْ يَكْفُرُونَ


الله أكبر على هذه المقابلة السيئة للنعمة :

﴿أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ﴾ بالأوثان؟ بالأصنام؟ بالشركاء؟ بهؤلاء الذين اتخذوهم أولياء من دون الله، بهؤلاء تؤمنون؟ وبنعمة الله يكفرون!

﴿وَبِنِعْمَةِ اللَّهِ هُمْ يَكْفُرُونَ﴾ أهذا هو المنطق؟

﴿  وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَمْلِكُ لَهُمْ رِزْقًا مِنْ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ شَيْئًا وَلَا يَسْتَطِيعُونَ(73)﴾

[ سورة النحل ]


وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ


﴿وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ﴾ يعبدونه، يخضعون له، يعصون الله من أجله، يضعون كل إمكاناتهم من أجل هذه الأصنام التي يعبدونها من دون الله.

المعبودات سوى الله لا تملك رزقا في الأرض ولا في السماء :

﴿وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَمْلِكُ لَهُمْ رِزْقًا﴾ لو أن السماء أقلعت عن إنزال المطر فأيّ جهة في الأرض تستطيع أن تتخذ قراراً بإنزال المطر؟ في الأرض كلها؟ الدول العظمى بكل إمكاناتها لو أن السماء أقلعت عن المطر أن تنزله، أي جهة على وجه الأرض مهما قويت تستطيع أن تأمر السماء بالمطر؟ مَنْ؟

﴿وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَمْلِكُ لَهُمْ رِزْقًا مِنْ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾ أمطار بالسماء موجودة، الحب ما أنبت، من خلق الرُّشيم؟ يعني القمح؛ من جعله ينبت؟ الرشيم كائن حي، والذي يجعل القمحة على ما هي عليه حياة الرشيم، فإذا مات الرشيم تعفنت البذرة فوراً، البذور تتعفن عند موت الرشيم، فالرشيم كائن حي، ثم هو طويل العمر، البذور يحفظونها في أماكن باردة بظروف دقيقة، تعيش خمس أو ست سنوات، وهذا الرشيم كائن حي بانتظار خدمتك، تضعه في التربة فينبت، صُنْع مَنْ؟ عندك فاصولياء هذه فيها حياة، كل شيء تأكله إذا أمكن أن تزرعه فينبت فيه حياة، لولا حياة الرشيم لما نبتت بذرة على وجه الأرض، من الذي أحيا الرشيم؟ أعطاه الحياة؟ لو كان الرشيم حياته ساعة، أو شهر، الآن القمح حصدناه، إذا ما زُرع القمح بعد شهر يموت، لم يبقَ زراعة، قال لك لا، بل يحيا سنتين، ثلاثًا، أربعًا، خمسًا، ستاً، هذه حكمة بالغة، لو أن حبة القمح تعطي حبة قمح أخرى، لا تزرع، فليس من مصلحة، أن تضع مداً، وتأخذ مقابله مداً، لا تضع شيئاً، نبقى بلا أكل، لو أن نِسَب الإنبات بحجم نِسَب الزراعة، بينما تزرع غرامًا من الطماطم يعطك طناً، مليون ضعف! تزرع بذرة خيار تعطك أربعين كيلو غرامًا، أربعون كيلو غرامًا من الخيار من بذرة وحدة، لو كان البذرة تعطيك كيلو غراماً، أو نصف كيلو، أو خيارة واحدة، لما أكل الناس، هذه البذرة ثمنها مبلغ، لذلك ربنا عز وجل قال:

﴿وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَمْلِكُ لَهُمْ رِزْقًا مِنْ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾ السماء تمطر، والأرض تنبت، توجد خصائص، وبكتريات.

 مرة تكلمت عن البكتريات، الأرقام فوق التصور، في السنتيمتر المربع أو الميليمتر المربع ألوف البلايين من كائنات دقيقة جداً، لولاها لما نبت النبات! في اليابان في المكان الذي ألقوا عليه قنبلة ذرية الأرض لا تنبت؛ لأن الكائنات الدقيقة ماتت، أبيدت، التربة فيها بكتريات فيها ديدان، فيها آلاف المخلوقات، خلقت من أجلك، مسخرة لك.

﴿  وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَمْلِكُ لَهُمْ رِزْقًا مِنْ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ شَيْئًا وَلَا يَسْتَطِيعُونَ(73) ﴾

﴿  فَلَا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الْأَمْثَالَ إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ(74) ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا عَبْدًا مَمْلُوكًا لَا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ وَمَنْ رَزَقْنَاهُ مِنَّا رِزْقًا حَسَنًا فَهُوَ يُنفِقُ مِنْهُ سِرًّا وَجَهْرًا هَلْ يَسْتَوُونَ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ(75)﴾

[ سورة النحل ]


ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا عَبْدًا مَمْلُوكًا لَا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ


 ﴿عَبْدًا مَمْلُوكًا لَا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ﴾ يعني أصم، أبكم، إمكاناته محدودة، لا يملك شيئاً.

﴿ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا عَبْدًا مَمْلُوكًا لَا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ وَمَنْ رَزَقْنَاهُ مِنَّا رِزْقًا حَسَنًا فَهُوَ يُنفِقُ مِنْهُ سِرًّا وَجَهْرًا هَلْ يَسْتَوُونَ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ﴾ .


لماذا هذا المثلُ والتشبيه :


 هذا مثل دقيق جداً، والخطاب موجَّه لمشرك، أنت تعبد صنماً، أبكمَ، أصمّ، هل ينفعك؟ هل يضرك؟ هل يسمعك؟ هل يستجيب لك؟ أما الله سبحانه وتعالى فحاضر، ناظر، رحيم، غفور، سميع، بصير، بيده كل شيء، غني، قوي، عفوٌّ، توابٌ رحيمٌ، كل هذه الدنيا من خيراته، تَدَعُ الإله وتعبد ما لا يضرك ولا ينفعك؟

هذا مثل ضربه الله لنا: ﴿ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا عَبْدًا مَمْلُوكًا لَا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ وَمَنْ رَزَقْنَاهُ مِنَّا رِزْقًا حَسَنًا فَهُوَ يُنفِقُ مِنْهُ سِرًّا وَجَهْرًا هَلْ يَسْتَوُونَ﴾ .

 كيف كان العرب يقفون أمام الأصنام، ويعبدونها من دون الله؟ وكيف الآن تتكئ على قريب لك؟ تعتمد عليه؟ تعبده من دون الله؟ ترضيه وتعصي الله؟ كيف؟ هذا عبد عاجز، ضعيف، فقير، قد يموت، قد لا يستطيع أن يقدم لك شيئاً؛ قد يستطيع ولا يقدم لك شيئاً بدافع من لؤمه! أتعبده من دون الله؟


لا يستوي المملوك مع المالك ، فلا يستوي المخلوق مع الخالق :


 ﴿هَلْ يَسْتَوُونَ﴾ هذا العبد المملوك الذي لا يقدر على شيء، هذا يستوي مع عبد آخر رزقناه منا رزقاً حسناً فهو ينفق منه سراَ وجهراً؟ هل يستوون عندكم؟ فكيف تسوّون أيها البشر بين الأصنام وبين خالق السماوات والأرض؟ ﴿بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ﴾ .

﴿  وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَجُلَيْنِ أَحَدُهُمَا أَبْكَمُ لَا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ وَهُوَ كَلٌّ عَلَى مَوْلَاهُ أَيْنَمَا يُوَجِّهُّ لَا يَأْتِ بِخَيْرٍ هَلْ يَسْتَوِي هُوَ وَمَنْ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَهُوَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ(76) ﴾

[ سورة النحل ]

 أوصاف دقيقة جداً، هذا الذي تعبده من دون الله :

﴿أَبْكَمُ لَا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ وَهُوَ كَلٌّ عَلَى مَوْلَاهُ أَيْنَمَا يُوَجِّهُّ لَا يَأْتِ بِخَيْرٍ هَلْ يَسْتَوِي هُوَ وَمَنْ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَهُوَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾ في بلاد اليابان عندهم عقائد وثنية حتى الآن، أو الآن بلا عقائد، وعندهم ما يسمى الميكادو، هذا يعتبرونه إلهاً عندهم، طبيب هناك أسلم، لماذا أسلم؟ لأنه صار في جسم هذا الإله مليون علة، ليس فيه جهاز إلا ويحتاج إلى معالجة! فكيف يعد هذا إلهاً؟ فهذا الطبيب الذي يعالج الميكادو أسلم؛ لأنه رأى أن هذا الذي يعتقده الناس إلهاً هو عبد ضعيف، فقير، يحتاج إلى أدوية، يحتاج إلى علاج.

 فلذلك الإنسان يجب أن يضع كل ثقته بالله عز وجل، وأن يضع كل رغبته، وكل إمكاناته في طاعة الله، حتى ينجو من عذاب الدنيا وعذاب الآخرة.

﴿  وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا أَمْرُ السَّاعَةِ إِلَّا كَلَمْحِ الْبَصَرِ أَوْ هُوَ أَقْرَبُ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ(77)﴾

[ سورة النحل ]


وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا أَمْرُ السَّاعَةِ إِلَّا كَلَمْحِ الْبَصَرِ أَوْ هُوَ أَقْرَبُ


لا يعلم الغيب أحدٌ إلا الله :

 الإنسان أحياناً يعد له الطعام ليأكله فلا يأكله، يموت قبل أن يأكله.

 أول يوم من أيام العيد أسرة هيأت نفسها للسفر إلى مَصِيف على البحر، واستأجروا البيت، وبقوا يومين أو ثلاثة يعدون الأغراض، وكل أنواع الحاجات، والملبوسات، وُضِعَتْ المحافظ بالسيارة، والزوجة نزلت، والأولاد نزلوا، والزوج لم يستطع مغادرة المنزل بسبب بسيط هو أن الله توفاه، الموت قريب جداً، كل شيء جاهز.

 العام الماضي كان عندنا أخ كريم من إخواننا، وكنا مدعوين معه إلى نزهة، فما تمكنا إلا أن ندفنه قبل أن نذهب إلى النزهة! الموت قريب جداً، والإنسان يقول: أنا ـ إن شاء الله على أول الصيف أغير الأثاث، هل أنت ضامن أن تصل إلى أول الصيف؟ فمن عدَّ غداً من أجله فقد أساء صحبة الموت.

 قال لي رجل: والله قصة لا أنساها، أنا أريد أن أترك التعليم، كان مدير ثانوية خاصة، وسوف أبحث عن طريقة أعير نفسي إلى دولة عربية، ذكر لي اسم الجزائر، قال لي: هناك قرب أوربا، وفي الصيف لا آتي إلى بلدي، أُمضي أول صيفية في فرنسا، أرى معالمها، وأماكنها السياحية، ومتاحفها، وفي الصيفية الثانية في إنجلترا، والصيفية الثالثة في إيطاليا، والرابعة في سويسرا، ذكر لي خمس سنوات إعارة، قال لي: أعود ويكون معي رأسمالي، آخذ محلاً تجارياً، ويكون أولادي قد كبروا، أبيع فيه التحف، وهكذا خفيف نظيف، أجلس وأتقاعد، وكفى، والله الذي لا إله إلا هو من فمه إلى أذني، كنت عنده، وكان عندي ساعة فراغ، جلست عنده، فقال لي ذلك، الظهر انتهت ساعاتي فذهبت إلى البيت، لي عمل في المدينة مساء، وأنا في طريقي إلى البيت مشياً على الأقدام وجدت نعوته على الجدران، أول سنة في فرنسا، الثانية بإنجلترا، الثالثة بإيطاليا، الرابعة بسويسرا ... ومساء كان من أهل الآخرة.

 قالوا: من جاوز الأربعين فقد دخل في أسواق الآخرة، إذا ذهب واحد إلى نزهة خمسة أيام، أول يوم في غاية السرور، ثاني يوم، ثالث يوم، رابع يوم، يفكر في الرجعة، بجمع الأغراض، يؤمِّن المواصلات، أليس كذلك؟ فاليومان الأخيران يتجه التفكير فيهما إلى العودة، إلى تأمين الركوب، إلى تأمين الحاجات، إلى تأمين جمع الأغراض، إلى إجراء الحساب، هذه في الأيام الأخيرة، فنحن إذا دخل أحدنا في الأربعين كأنه دخل في أسواق الآخرة، فيجب أن يكون أكبر همه الآخرة، كيف يعد العدة للقاء الله عز وجل.

﴿ وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا أَمْرُ السَّاعَةِ إِلَّا كَلَمْحِ الْبَصَرِ أَوْ هُوَ أَقْرَبُ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ(77)  وَاللَّهُ أَخْرَجَكُم مِّن بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ ۙ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (78) ﴾

[ سورة النحل ]


وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا


لا يعلم المولود إلا مصّ الثدي :

﴿وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا﴾ أحدث كتاب في علم نفس الطفولة، أن الطفل لا يعلم إلا منعكساً غريزياً واحداً ؛ وهو مص الإصبع، ليلتقم ثدي أمه فيعيش، لو أن الله عز وجل جرده من هذا المنعكس لمات ؛ لأن التقام ثدي الأم عملية معقدة تحتاج إلى إحكام، وتحتاج إلى سحب هواء، حتى يعيش، زود الله سبحانه وتعالى المولود بمنعكس المص، اسمه بالعلم منعكس المَصّ.

﴿لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا﴾ لا أطوال، ولا حجوم، ولا ألوان، لا أصوات، ولا خبرات ﴿لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا﴾ كل الذي تعرفه الآن هو مكتسب من تعاملك مع المحيط الخارجي ﴿وَجَعَلَ لَكُمْ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾ .

والحمد لله رب العالمين

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور