وضع داكن
29-03-2024
Logo
الدرس : 2 - سورة التحريم - تفسير الآيتان 4 ـ 5
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد، الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا، إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علما، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.
 أيها الإخوة الكرام، مع الدرس الثاني من سورة التحريم، ومع الآية الخامسة، وهي قوله تعالى:

﴿ عَسَى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِنْكُنَّ مُسْلِمَاتٍ مُؤْمِنَاتٍ قَانِتَاتٍ تَائِبَاتٍ عَابِدَاتٍ سَائِحَاتٍ ثَيِّبَاتٍ وَأَبْكَارًا ﴾

( سورة التحريم )

 تذكيرٌ بالسابق:

 قد ذكرت لكم في الدرس الماضي أن الله سبحانه وتعالى حينما قال:

﴿ إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا ﴾

 1 ـ معنى الإصغاء:

 

 صغت بمعنى مالت، وميل السمع أي الإصغاء.

 2 ـ من لازم الإصغاء التوبةُ إلى الله:

 والإصغاء عند الله عزَّ وجل أي التوبة، فكل إنسانٍ أعطى أذنه للحق، وأظهر استماعا راقياً وأدباً جماً، ولم يطبق الذي سمعه فهو عند الله ليس مصغياً، الإصغاء في نص هذه الآية أي التطبيق.

﴿ إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا ﴾

 أصغى الإناء أي أماله، صغى: أي مالَ.
 إن الإنسان حينما يستمع إلى حديث مهم جداً يتحرَّك، ويمدُّ عنقه، ويضع يده هكذا، ويقرِّب رأسه من المتكلم، هذا هو الإصغاء، فالإصغاء عند الله عزَّ وجل أي التطبيق، فلو مارست طقوس الإصغاء، وكنت في أعلى درجات الأدب كمستمع، ولم تعبأ بالذي قيل، ولم تتحرك، ولم تطبق، فأنت عند الله لست مُصغياً، إنما كنتَ لاهياً.

﴿ إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا ﴾

 تعد عند الله مصغياً إن أعقب هذا الإصغاء توبة، ولا نريد أن نقف طويلاً عند خصوصية السبب في الآية، بل نريد عموم المعنى، فالذي يصغي إلى مجلس علم، ويذهب إلى البيت ليقيم الإسلام في البيت، يذهب إلى عمله ليقيم الإسلام في عمله، يقف عند حدود الله ولا يتعدَّاها، يعطي ما عليه، يؤدي ما عليه، هذا الذي يتحرَّك نحو طاعة الله، يُشَكِّل حياته وفق منهج الله، هذا يعد عند الله مصغياً.

﴿ إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا وَإِنْ تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلَاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلَائِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ ﴾

 3 ـ الله تعالى وجبريل والمؤمنون يقفون جميعا ضد من يقف في وجه الحق:

 قد بينت لكم أيضاً في الدرس الماضي، أيعقل أن الله جلَّ جلاله خالق الأكوان، ورسوله، وجبريل، وصالح المؤمنين، كل هؤلاء ليقفوا جميعاً أمام امرأةٍ تظاهرتا على رسول الله ؟ المقصود ليس كذلك، المقصود أن أيّ إنسان كائناً من كان أراد أن يقف أمام الحق، أراد أن يقلّل من قيمة الدين، أراد أن يقلّل من قيمة آيةٍ كونية، أراد أن يَطعن ببعض أصحاب رسول الله، أراد أن يطعن بمصداقية الدين، كل إنسان أراد أن يقلّل من شأن الدين، أو أن يقف في خندقٍ معادٍ له، فليعرف يقف أمام مَن ؟ مَن هو الخصم الذي سيخاصمه ؟ الله ورسوله وجبريل وصالح المؤمنين، فعُدَّ للمليون قبل أن تفكر أن تعتدي على الدين، أو تعتدي على أفكار الدين بالتسفيه، أو تعتدي على مَن أوكلهم الله عزَّ وجل بنقل هذا العلم للناس، أو تعتدي على مقام الأنبياء، أو تعتدي على مقام رسول الله، أو تجترئ على الله ورسوله، قبل أن تتحرك لتنال من الدين عُدَّ للمليون، وفكِّر أمام مَن تقف ؟

 4 ـ إيّاك أن يكونَ الله خصمَك:

 لو أن إنسانًا أعزل من السلاح لا يملك شيئاً، إنسانا مستضعفا يقف أمام أقوى جيش في العالم متعدياً، ثمنه بحركة ينتهي وجوده، فالإنسان قلبه بيد الله، أوعيته بيد الله، أعصابه بيد الله، رزقه بيد الله، سلامة جسمه بيد الله، أجهزته، أعضاءه، أهله، أولاده، مَن حوله، مَن هم أعلى منه، مَن هم أدنى منه، كلهم بيد الله، وتفكِّر أن تعتدي على دين الله ؟ أن تسفه إنساناً يدعو إلى الله عزَّ وجل بلا سبب، بلا مبرر، من أجل أن تظهر عليه ؟ فقبل أن تحارب الدين اعرف مَن هو خصمك ؟ خصمك الله:

﴿ فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنْ اللَّهِ وَرَسُولِهِ ﴾

( سورة البقرة: الآية 279 )

 ما قولك في حربٍ بين الله وأحدِ عبيده، هل هناك أمل في المليار واحد أن ينجح العبد ؟

 

﴿ فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنْ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ ﴾

 آية دقيقة جداً.. أحياناً الإنسان بلا سبب يحب أن يسفه الدعاة، يحب أن يبحث عن النقائص ليزعزع ثقة الناس بالدين، أنا لا أقول: إن الدعاة معصومون، ولكن ليس من صالح الدعوة إلى الله أن تبحث عن العيوب، أن تكون قَنَّاصاً، هذا له تهمة، وهذا له تهمة، وهذا له تهمة، أي أن الدين باطل، وأن الدين ليس له منهج صحيح، سبحان الله ! لا يحلو لأهل الدنيا إلا أن يطعنوا في أهل الدين، يبحثون عن نقائصهم تحت مُكَبِّر، يسلِّطون عليهم الأضواء من أجل أن يثبتوا للناس أن الدين باطل، ومنهج غير عملي غير صحيح.
 أحياناً تجلس مع إنسان ينتقي من بين ألف قصةٍ قصةً لا تحتمل، أن هذا الرجل الديّن أخلاقه سيئة، يكذب، يحتال على الناس، يتظاهر بالتدين، وهذا الذي لا يصلي فيه الصدق، والأمانة، والاستقامة، إلى هذه الدرجة !!! هو في الحقيقة يطعن في الدين، ولا يطعن في شخص أبداً، يريد أن يثبت لك أن الدين منهج غير صحيح، منهج غير عملي، لا يصلح لهذا الزمان، قبل أن تفكِّر أن تزعزع ثقة الناس بالدين إنْ من خلال انتقاد بعض أفكار الدين، أو انتقاد بعض من يمثلون الدين، أو الطعن بلا سبب في أهل الحق، يجب أن تعلم يا أخي مَن هو خصمك ؟ خصمك الله، ورسوله، وجبريل، وصالح المؤمنين، ليس القصد أبداً أن يقف هؤلاء جميعاً أمام امرأتين ضعيفتين، ولكن القصد أن تعرف مَن هو خصمك.
 دائماً الإنسان العاقل قبل أن يفتح نار معركة مع طرف آخر يعلم مَن هو خصمه، هذا من بديهيَّات القتال، ولما دعي عليه الصلاة والسلام أن يحارب الكفار في مكة قال: أنتم قليل، أي لا يوجد تناسب إطلاقاً، أما في المدينة فصارت مواجهات، وكان للمسلمين مركز قوة، وأرض، وبلد، وصاروا كُثُرا، فلذلك اعرف مَن هو الطرف الآخر.
 إن أردت أن تنال من الدين، وما أكثر الذين ينالون من الدين، حتى الإنسان لو تتبع عورات المؤمنين، تتبع الله عورته حتى يفضحه في عقر بيته، وهناك أشخاص نموذج القنص، همّه الوحيد أن يبحث في عيوب الناس، أن يدقق، أن يتوصَّل إلى نقاط ضعفهم، أن يسجِّلها، أن يرتبها، أن يبرمجها، كي يملك سلاحاً بيده، وإذا كانت هذه الأمور موجهةً لأشخاصٍ عاديين فالحرب سجال، أما إذا كان هذا الأمرُ موجَّهاً لأهل الحق فالله سبحانه وتعالى يدافع عنهم.

 

 

﴿ اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنْ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ ﴾

 

( سورة البقرة: الآية 257 )

 عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ اللَّهَ قَالَ:

 

((مَنْ عَادَى لِي وَلِيًّا فَقَدْ آذَنْتُهُ بِالْحَرْبِ ))

 

[ البخاري ]

 التعرُّضُ لأهل الحق بالباطل زعزعةٌ لثقة الناس في الدين وأهلِه:

 أنا لا أقول: إن الدعاة معصومون.. أبداً.. فالعصمة لرسول الله وحده، لكن هناك أشياء تغتفر، وأشياء ينبغي أن لا ندقق بها، وأشياء وقعت، ولن تقع مرة ثانية، ليس من مصلحة الدعوة أن تزعزع ثقة المسلمين في رجال الدين.
 أحياناً يلتقي إنسان مع علماء كثيرين، هناك بعض الأخطاء، لكن هذه نغفلها حفاظاً على مكانة الدين، إذا سُئلنا نبحث عن عذر، التمس لأخيك عذراً ولو سبعين مرة، إن كنت تعلم التأويل فلا مانع.
 أردت من هذه الوقفة أن الإنسان لا يخاطر بالتعرض لأهل الحق، لا لشيء إلا ليزعزع ثقة الناس بالدين، هذا موقف عِدائي، هذا موقفٌ اسمه عدوانٌ على الدين، فكلما أثبت لنا أن المؤمنين سيئون، والكفار جيدون، ففي النهاية ماذا تريد أن تقول ؟
تسمع أحياناً طوال السهرة طعنا في أهل الحق، تسفيها لآرائهم، لاستقامتهم، لمواعيدهم، لحديثهم، وإخلاصهم، واستشهادا بأهل الباطل، أنا أقول لمثل هذا الإنسان: أنت يا أخي الكريم، ماذا تريد أن تقول ؟ قل صراحةً: إنك تريد أن تقول: الدين منهج باطل، والإنسان إذا حدثته نفسه أن يصل إلى هذا المستوى ليعلم مَن هو خصمه ؟
 عَنْ أَبِي بَرْزَةَ الْأَسْلَمِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

((يَا مَعْشَرَ مَنْ آمَنَ بِلِسَانِهِ، وَلَمْ يَدْخُلْ الْإِيمَانُ قَلْبَهُ لَا تَغْتَابُوا الْمُسْلِمِينَ، وَلَا تَتَّبِعُوا عَوْرَاتِهِمْ، فَإِنَّهُ مَنْ اتَّبَعَ عَوْرَاتِهِمْ يَتَّبِعُ اللَّهُ عَوْرَتَهُ، وَمَنْ يَتَّبِعْ اللَّهُ عَوْرَتَهُ يَفْضَحْهُ فِي بَيْتِهِ ))

[ الترمذي، أبو داود ]

((طوبى لمن شغله عيبه عن عيوب الناس ))

[ الجامع الصغير عن أنس، وفي سنده ضعف ]

 يتناقل الناس أحياناً أن فلانا يشرب الخمر، وأنه له مظهرا دينيا، هذا كلام باطل وغير صحيح، وهذا الكلام هدفه أن يوضع منهج الله عزِّ وجل في الوحل.
 بالمناسبة ورد في الأثر أن:

 

((قذف محصنة يهدم عمل مائة سنة ))

 

[ الطبراني والبزار عن حذيفة، وفي إسناده ضعف ]

 هناك أشخاص لا يحلو لهم إلا أن يكشفوا أن هؤلاء المحجَّبات أكثرهن منحرفات، ثم يثني على هذه السافرة بأنها شريفة، وأنها جادّة، الهدف مدح السافرات وذم المحجَّبات، هذا عدوان على الدين، إنك تريد أن تقول: أحكام الدين ليست صحيحة، النموذج الإسلامي غير مقبول، هذا طموح أهل الدنيا، والحقيقة أن التفسير النفسي لهذا الأمر سهل، فحينما يخرج الإنسان عن منهج الله عزَّ وجل يختل توازنه، ويشعر بخلل داخلي، ويتوهَّم أن ترميم الخلل يأتي لا من أن يكون صالحاً، بل في أن يطعن بالصالحين، فلو أن إنسانا في مستوى راقٍ، وإنسان في مستوى أدنى، إذا كانت المسافة الكبيرة بينهما فعندنا حلاّن ؛ أن يصعد هذا الأدنى إلى هذا المستوى، والحل الثاني أن ينزل هذا إلى الأسفل بكلامه طبعاً فيرتاح، لذلك:

 

﴿ إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ﴾

 

( سورة النور )

 تمني الشر للمسلمين وقوعٌ في خندق المنافقين:

ما فعل شيئاً، ما تكلم ولا كلمة، ولا حرفا، بل إنما أراد، وتَبَنَّى، أتصدقون أن الله عزَّ وجل يعذِّب هؤلاء عذاباً أليماً في الدنيا دون أن يرتكبوا معصية، لأنهم تمنَّوا أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا، هذا الكلام دقيق، ليس في الأرض كلها أمٌ تتمنى فضيحة ابنتها، إلا في حالة واحدة أن تكون هذه الفتاة ليست ابنتها، فإذا تمنَّت امرأةٌ فضيحة ابنتها فهناك استنباط دقيق أن هذه الفتاة ليست ابنتها، ولما يتمنى الإنسان أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا معنى ذلك هو ليس مؤمناً، هو مع المنافقين، ولمجرَّد أن تتمنى أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا معنى ذلك أنك في خندق المنافقين، لقوله تعالى:

﴿ إِنْ تُصِبْكَ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ ﴾

( سورة التوبة: الآية 50 )

 بالمناسبة إخواننا الكرام، يمكن أن تمتحن إيمانك من شعورك بالراحة والسرور إذا اغتنى أخوك، أو إذا حقق إنجازا في الدنيا، تزوَّج، اشترى منزلا، تسَلَّم منصبا، نال شهادة عليا، أخذ دكتوراه، تقول: اشتراها شراء، لا يتحمل، أما المؤمن فيفرح، ويقول لك: صار عندنا خمسة دكاترة، يعد نفسه مع المؤمنين أسرة واحدة، وكيف أن الأب يعمل ويتعب من أجل أولاده، وإذا كان الأب أُمِّيًا وابنه أخذ الدكتوراه هل يغار منه ؟ بالعكس يقول: ابني يحمل الدكتوراه، فالمنافق:

﴿ إِنْ تُصِبْكَ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ ﴾

 لمجرد أن تتمنى أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا فقد وضعت نفسك مع المنافقين، وأنت لا تدري، لذلك هذه السورة القصد منها أن الإنسان حينما يشرد عن الله، وحينما يضيع، وحينما يضل سواء السبيل، فعنده حلاّن ؛ إما أن يرتفع إلى مستوى المسلمين فيتوب إلى الله، ويستدرك ما فاته، وإما أن يطعن في هؤلاء كي يكونوا في مستواه، هذا الحل الثاني حل شيطاني، لذلك هذا معنى قوله تعالى:

﴿ إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا وَإِنْ تَظَاهَرَا عَلَيْهِ ﴾

 أي تتعاونا..

﴿ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلَاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلَائِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ ﴾

 فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلَاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلَائِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ

 إخواننا الكرام، الذي قرأ منكم التاريخ، هل في تاريخ البشرية معركةٌ وقعت بين المؤمنين وغير المؤمنين، ولم يكن النصر إلى جانب المؤمنين ؟ إلهٌ يقول:

﴿ إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ﴾

( سورة غافر: الآية 51 )

 هذا كلام الله، كما قلت من قبل: كل الكتب المؤلَّفة ضعها في مكان، وكتاب الله وحده في مكان آخر، والفرق بين كتاب الله وكتب البشر كالمسافة بين الله وبين البشر.

﴿ عَسَى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِنْكُنَّ مُسْلِمَاتٍ مُؤْمِنَاتٍ قَانِتَاتٍ تَائِبَاتٍ عَابِدَاتٍ سَائِحَاتٍ ثَيِّبَاتٍ وَأَبْكَارًا ﴾

 

 عَسَى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِنْكُنَّ

 حتى التي اصطفاها الله عزَّ وجل لتكون زوجة رسول الله إن أساءت، وإن لم تكن في المستوى المطلوب الله جلَّ جلاله يبدِّله خيراً منها، فالإنسان كما قال الله عزَّ وجل:

﴿ وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ ﴾

( سورة محمد )

 الله تعالى غنيٌّ عن المخلوقات:

 إياك أن تَمُنَّ على الله، إياك أن تظن أنك في موقع لا يستطيع أحدٌ أن يقف فيه، مهما كنت ذا شأن، مهما تكن لك أعمالٌ عظيمة وجليلة حينما تغتر، وحينما تستغني عن الله، وحينما تستعلي، هناك من يحل محلك، فيجب أن تعلم أنك إذا عملت عملاً صالحاً نلت شرفاً، وهذا الدين دينُ الله عزَّ وجل، وهذا القرآن كتابه، وهو قادرٌ على أن ينصر دينه وكتابه دون أن يكون لك أي نصيب، لكن أراد الله أن يكسبك شرف نصرة دينه.
 قد تجد شخصًا يعمل عملا صالح يقول لك: أنا فعلت، لولاي لما كان هذا، هذا كلام مضحك، هذا كلام فيه شرك، إذا سمح لك الله عزَّ وجل أن تعمل عملا صالحا، إذا قَدَّر الله على يدك الخير فهذا فضلٌ من الله عزَّ وجل، سمح لك أن تدافع عن دينه، لأن الله عزَّ وجل كما قال الله عزَّ وجل:

﴿ وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَانتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَكِنْ لِيَبْلُوَ بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ ﴾

( سورة محمد: الآية 4 )

 الله عزَّ وجل في غزوة الأحزاب انتصر منهم مباشرةً، أرسل عليهم ريحاً قلبت قدورهم، وخربت خيامهم، وأثارت الغبار في عيونهم، فارتحلوا.

﴿ وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ ﴾

( سورة الأحزاب: الآية 25 )

 إذاً: الله قادر على كل شيء، إن دعاك إلى فعل الخير من أجل أن يكسبك شرف هذا العمل.

 

﴿ عَسَى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ ﴾

 أي إن تظاهرتُنَّ عليه..

 

 

﴿ وَإِنْ تَظَاهَرَا عَلَيْهِ ﴾

 فبعض المفسرين قال: يا نساء النبي من يأت منكن بفاحشةٍ مبينة يضاعف لها العذاب ضعفين، هل يعقل أن تأتي امرأة النبي عليه الصلاة والسلام بفاحشة ؟ الزنا !! قال بعض المفسرين جزاهم الله كل الخير: المرأة التي عند النبي لو أنها أتعبته قليلاً، لو أنها طالبته بما لا يستطيع أن يؤديه لها، كأنها أتت بفاحشة، أي أن المرأة التي اصطفاها الله لتكون امرأة رسول، المفروض أن تكون في خدمته، أن تعينه على الدعوة، فإذا كانت عبئاً عليه كأنها أتت بفاحشة، كيف أن الفاحشة كبيرة جداً، لو أن امرأةً أتعبت النبي عليه الصلاة والسلام حَمَّلته ما لا يطيق، أي ضعضعت ثقة الناس ببيته، قال: هذه المرأة يضاعف لها العذاب ضعفين، لأنها أتت بعملٍ بمنزلة الفاحشة عند بقية النساء.
 فإذا قَدَّرك الله عزَّ وجل أن تخدم الناس فاخدم الذين يدعون إلى الله، كن عوناً لهم، ولا تكن عبئاً عليهم، وهناك شخص يَحمِل، وشخص يُحمَل، إنسان ينهض معك، يعينك، وإنسان هو عبءٌ عليك يجب أن تحمله، فكن حاملاً.. طبعاً بالمعنى اللغوي.. ولا تكن محمولاً.

 

 

﴿ عَسَى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِنْكُنَّ ﴾

 

 إسقاط على الواقع:

 أحياناً هذه الآية نفهمها في واقعنا، أحياناً زوجة إنسان ميسور الحال، أخلاقه عالية، مؤمن، تشعر بقيمتها، تتعنَّت، ترفض أي عمل صالح، فتجده يريد أن يطلقها، وهناك قصص كثيرة، تأخذ موقفا بلا مبرر، موقفا غير ذكي، غير عاقل، وكأنه لا يمكن أن يعيش من دونها، تُطَلَّق، وتأتيه امرأةٌ، الوفاء مطلوب، وأحياناً تتجاوز المرأة الحد المعقول، تعتدُّ بشخصيتها، وتفرض آراءها بشكل غير مقبول، عندئذٍ يضطر زوجها إلى أن يستغني عنها.

﴿ إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا وَإِنْ تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلَاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلَائِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ(4)عَسَى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِنْكُنَّ ﴾

 ويا أيتها النساء الفاضلات اسمعن صفات المرأة المؤمنة:

﴿ مُسْلِمَاتٍ ﴾

 صفات المرأة الربّانية:

 1 ـ مسلمات:

 أي مستسلماتٍ لأمر الله، أي طائعاتٍ لله، أي مطبقاتٍ لمنهج الله.

﴿ مُؤْمِنَاتٍ ﴾

 2 ـ مُؤْمِنَات:

 هناك مسلمة لها زوج أجبرها على الحِجاب، وأجبرها على عدم الاختلاط، لكنها في الحقيقة ليست قانعة بذلك، لكن تسايره لمصلحتها.

﴿ مُسْلِمَاتٍ مُؤْمِنَاتٍ ﴾

 مسلمةٌ ومؤمنةٌ، فأعظم شيء في المرأة أن تكون دَيِّنَةً عن قناعة لا عن قمع، وهناك امرأة متدينة عن قمع ؛ زوجها صارمٌ في معاملته، أبوها شديد، إخوتها أشداء، فتستقيم، لكن لو أتيح لها لخرجت سافرة، لو أتيح لها لارتادت أماكن اللهو، لو أتيح لها لصاحبت شباباً، لكن بيتها صارمٌ جداً، هذه نقول لها: مسلمة، لكنها غير مؤمنة، والمطلوب مسلمة مؤمنة، تطبق أمر الله عن قناعة لا عن ضغطٍ وإكراه.

 

﴿ مُسْلِمَاتٍ مُؤْمِنَاتٍ قَانِتَاتٍ ﴾

 

 3 ـ قَانِتَات:

 أي منقطعاتٍ لله، ورد في بعض الأثر النبوي:

((أول من يمسك بحلق الجنة أنا، فإذا امرأةٌ تنازعني تريد أن تدخل الجنة قبلي، فقلت: من هذه يا جبريل ؟ قال: هي امرأةٌ مات زوجها، وترك لها أولاداً، فأبت الزواج من أجلهن ))

[ ورد في الأثر ]

 إذا قنتت امرأة لله عزَّ وجل، وأحسنت رعاية زوجها وأولادها فلها الجنة، بل لها أرقى مكان في الجنة، بل إنها مجاهدة في سبيل الله.

﴿ تَائِبَاتٍ ﴾

 4 ـ تَائِبَات:

 معنى ذلك أن ثمة خطأ، والمؤمن مذنب توَّاب، أخطأتْ فتابت، وأخطأ فتاب، والتوبة صفة مستمرة في الإنسان، لأن الإنسان خلق ضعيفاً، وإذا أخطأ يتوب رأساً.

﴿ تَائِبَاتٍ عَابِدَاتٍ ﴾

 5 ـ عَابِدَاتٍ:

 أي تُطَبِّق منهج الله عزَّ وجل، وتعلم سر وجودها، وغاية وجودها.

﴿ سَائِحَاتٍ ﴾

 6 ـ سَائِحَاتٍ:

 بعضهم قال: صائماتٍ، أما الكلام الأوجه: السائحات اللواتي رافقن أزواجهن حينما هاجروا إلى المدينة، هذا في الأصل، أحياناً صحابة كرام لسببٍ شديدٍ جداً من ضغط زوجاتهم لم يهاجروا مع رسول الله، قال تعالى:

﴿ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهَاجَرُوا مَا لَكُمْ مِنْ وَلَايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتَّى يُهَاجِرُوا ﴾

( سورة الأنفال: الآية 72 )

 أما المرأة التي تعين زوجها، أحياناً يضطر أن يسافر فلا تسافر، السفر لمصلحة الأسرة، وهي لا تسافر، السفر في سبيل الله سمَّاه الله سياحة، وقد قال عليه الصلاة والسلام:

 

((إِنَّ سِيَاحَةَ أُمَّتِي الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ تَعَالَى ))

 

[ أبو داود عن أبي أمامة ]

 السياحة هنا بعيدة جداً عن المفهوم المعاصر، السياحة المعاصرة كلها موبقات، حتى حدث هناك اصطلاح جديد والعياذ بالله بدأ يتداول على الألسنة " السياحة الجنسية "، يسافر لكي يزني، ليرتكب الموبقات، مفهوم السياحة المعاصر هذا مفهوم بعيد جداً عن هذه السياحة، السياحة هنا الجهاد في سبيل الله، السياحة أن تسافر فراراً بدينك، والسياحة أن تسافر طلباً للعلم، والسياحة أن تسافر طلباً للرزق، فأحياناً تكون المرأة متمكنة إلى جانب أهلها تقتضي مصلحة الأسرة أن تسافر، ولا تُعارِض.

﴿ قَانِتَاتٍ تَائِبَاتٍ عَابِدَاتٍ سَائِحَاتٍ ثَيِّبَاتٍ وَأَبْكَارًا﴾

 7 ـ ثَيِّبَات وَأَبْكَارًا:

 الثَيِّب هي التي مات زوجها، إذاً: تثوب إلى بيت أهلها، تعود إلى بيت أهلها، أو طلقها زوجٌ فثابت إلى آخر، عادت إليه، أما البكر على أصل خلقها لم يمسَّها بشر، إذاً: مسلمةٌ، مؤمنةٌ، قانتةٌ، تائبةٌ، عابدةٌ، سائحةٌ، ثيبةٌ وبكرٌ، هذه صفات المرأة المسلمة.

﴿عَسَى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ﴾

 عسى تفيد الاحتمال، لكن لأنه لم يطلقكن معنى ذلك أنهُنَّ.

﴿ خَيْرًا مِنْكُنَّ مُسْلِمَاتٍ مُؤْمِنَاتٍ قَانِتَاتٍ تَائِبَاتٍ عَابِدَاتٍ سَائِحَاتٍ ﴾

 هذا تهديد، إن لم تكن كذلك طُلقْتُن، واستغنى عنكم رسول الله، لأن الله عزَّ وجل قال في آية أخرى:

﴿ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمْ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا ﴾

( سورة الأحزاب )

﴿ لِيُذْهِبَ عَنْكُمْ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ ﴾

 خاتمة:

 قال بعض العلماء: " إن الله عزَّ وجل تولى بنفسه تطهير أهل بيت النبي، لماذا ؟ لأن أهل بيت النبي جزءٌ من الدعوة إلى الله، فأنت لا تقنع بعالم أو داعية هو يدعو إلى الله وبيته ليس كذلك، لا تقتنع، ولك سؤال كبير: إن كنت تقول حقاً فلمَ لا تطبقه ؟ إن قلت: لا أستطيع ؟ إذاً:لست أهلاً أن تعظ الناس، وإن قلت: لا أقدر، وهذا شيء فوق طاقتي، معنى ذلك أن مذهبك أو دعوتك غير واقعية، إما أننا نتَّهم دعوتك، أو أن نتهمك أنت، إن كان أهل بيت الداعية ليسوا على ما ينبغي، لذلك:

﴿ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمْ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ ﴾

 تولى الله تطهير أهل بيت النبي لأنه جزءٌ من الدعوة إلى الله، وفي درسٍ قادم إن شاء الله تعالى نتابع هذه السورة.

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور