وضع داكن
18-04-2024
Logo
الدرس : 1 - سورة الواقعة - تفسير الآيات 1-40
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة والتسليم على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علماً وأرنا الحق حقاً وارزقنا أتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.
 أيها الأخوة الكرام: مع الدرس الأول من سورة الواقعة، يقول الله عز وجل في هذه السورة:

﴿ إِذَا وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ (1) ﴾

( سورة الواقعة )

 يوم القيامة أت لا محال:

 كلكم يعلم أن إذا أداة تفيد تحقق الوقوع، أي لابد أن تقع الواقعة، أما لو قيل إن وقعت الواقعة: تقع أو لا تقع، لذلك قال الله تعالى:

﴿ إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ (1) ﴾

(سورة الفتح: الآية 1)

 وقال في آية أخرى:

 

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ ﴾

 

(سورة الحجرات: الآية 6)

 فالفاسق قد يأتي وقد لا يأتي لكن نصر الله لا محالة آت. وهذه أيضاً على تلك الشاكلة.

 

﴿ إِذَا وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ (1) ﴾

 

 أشقى الناس من عد الدنيا دار أقامة :

 الواقعة يوم القيامة. الحقيقة أركان الإيمان خمسة: الإيمان بالله واليوم الآخر والملائكة والكتاب والنبيين، والركنان المتلازمان دائماً هما الإيمان بالله واليوم الآخر، كل منهما يكمل الآخر، أنت إذا آمنت بوجود الله وأنه لن يحاسبك و لا يوجد إلا هذه الدنيا، لن تستقيم على أمره، إنك إن أيقنت أن الله موجود ويعلم وسيحاسب والجزاء أبدي إما في جهنم إلى الأبد وإما في نعيم مقيم إلى الأبد، عندئذ تستقيم.
 فسورة الواقعة اليوم كلها حول اليوم الآخر، والإيمان باليوم الآخر لب الإيمان وما لم تنقل كل اهتماماتك وكل جهودك وكل مطامحك وكل أهدافك إلى الدار الآخرة فالدنيا تغدو دار شقاء، إن أشقى الناس فيها أرغبهم فيها، إن عددتها دار إقامة، إن جعلتها محط الرحال، نهاية الآمال شقيت بها، وأما إن جعلتها طريقاً إلى الدار الآخرة تسعد بها.

  معرفة الإنسان بأن إقامته في الدنيا مؤقتة تريحه:

 فالإنسان حينما يقيم في بيت أشهراً ثلاثة في الصيف لا يعلق أهمية على بعض الخلل، شعوره بأن إقامته هنا مؤقتة تريحه، لكن لو رأى مثل هذا الخلل في بيته الأساسي، يتألم ! فالشعور أننا هنا ضيوف، أننا هنا عما قريب سنرتحل وسنغادر ولن نرجع، هذا الشعور يُسعد الإنسان، لذلك الآية الكريمة:

﴿ إِذَا وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ (1) ﴾

 ولهول وقوع الواقعة لم يذكر الجواب.

﴿ إِذَا وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ (1) لَيْسَ لِوَقْعَتِهَا كَاذِبَةٌ (2) ﴾

 وجاء الفعل بالصيغة الماضية، إذا أخبرنا الله عن المستقبل. هو وحده يخبرنا بالفعل الماضي لتحقق الوقوع قال تعالى:

﴿ أَتَى أَمْرُ اللَّهِ ﴾

(سورة النحل: الآية 1)

 ولمّا يأت بعد:

﴿ فَلَا تَسْتَعْجِلُوهُ ﴾

(سورة النحل: الآية 1)

 لا تستعجلوه قرينة على أنه لم يأت، لكنه قال أتى.

 إخبار الله للانسان يجب ان يقع:

 إخبار الله لنا ينبغي أن يقع منا موقع الرؤية، قال تعالى:

﴿ أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ (1) ﴾

(سورة الفيل)

 إخبار الله لنا ينبغي أن يقع في قلوبنا موقع الرؤية، وأفعال الله المستقبلية ينبغي أن تقع في قلوبنا وكأنها وقعت في الماضي، المتكلم هو الله، هو خالق الكون:

﴿ وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلاً (122) ﴾

(سورة النساء: الآية 122)

﴿ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ ﴾

(سورة التوبة: الآية 111)

 فإخبار الله لنا يجب أن يقع موقع الرؤية وحديث الله عن أفعاله المستقبلية ينبغي أن تقع فينا موقع أفعاله المتحققة.

 المتكلم هو الله عز وجل و كلامه سيتحقق إن عاجلا ام اجلا:

 لذلك قال تعالى:

﴿ وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ (116) مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ(117)﴾

(سورة المائدة: الآيات 116-117)

 هذا الكلام لم يقع بعد:

﴿ وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ﴾

 فإذا كان المتكلم هو الله فكلامه عن أفعاله المستقبلية يأتي بصيغة الماضي وكأنها وقعت وانتهت. وإذا أخبرنا الله عن شيء مضى لا يتاح لنا أن نراه ينبغي أن يقع هذا الخبر منا موقع الرؤية.

 الشيء المحقق الوقوع والذي لا بد من أن يقع يوم القيامة:

 الآية الكريمة:

﴿ إِذَا وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ (1) لَيْسَ لِوَقْعَتِهَا كَاذِبَةٌ (2) ﴾

 يعني في أشياء كثيرة جداً في حياتنا قد تقع وقد لا تقع لكن الشيء المحقق الوقوع والذي لابد من أن يقع، هو أن تقع الواقعة، أن يأتي يوم القيامة:

﴿ لَيْسَ لِوَقْعَتِهَا كَاذِبَةٌ (2) ﴾

 أوصاف يوم القيامة:

 لكن أيها الأخوة من أدق وأبلغ أوصاف يوم القيامة هذا الوصف:

﴿ خَافِضَةٌ رَافِعَةٌ (3) ﴾

 الحياة الدنيا درجات:

﴿ انْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ ﴾

(سورة الإسراء: الآية 21)

 يعني أضرب لكم بعض الأمثلة معلم في قرية يحمل طعامه كل أسبوع والحياة خشنة جداً والمواصلات قليلة والطلاب في جهل كبير، والخدمات ضعيفة والإمكانات محدودة والمشقة بالغة كأستاذ في الجامعة ذو كرسي، مسافة كبيرة جداً، جندي غر كرئيس أركان، ممرض كطبيب جراح، بائع متجول كعضو غرفة تجارة، فرق كبير، الحياة فيها مقاييس، الحياة كلها مراتب، لكن ما قولكم أن هذا اليوم الذي لابد من أن يقع سيقلب كل المقاييس، إنسان يقيم عرساً لابنه كلفته 20 مليون وإنسان ليس معه ثمن رغيف خبز.

 المؤمن يغدو يوم القيامة في أعلى مرتبة والمتفلت في الحضيض:

 ما قولكم إذا وقعت الواقعة أن تنعكس الآية:

﴿ لَيْسَ لِوَقْعَتِهَا كَاذِبَةٌ (2) خَافِضَةٌ رَافِعَةٌ (3) ﴾

 الذين كانوا في أوج الغنى أصبحوا في حضيض الفقر، والذين كانوا في أوج الصحة والتمكن أصبحوا في عذاب أبدي، والذين كانوا في الفقر المدقع وقد قبلوا من الله حكمه ورضوا بأفعاله ورضوا بقضائه وقدره وتعففوا وتجملوا، ما قولكم أن هؤلاء سيصبحون في نعيم مقيم إلى أبد الآبدين، فالعبرة ما تؤول إليه لا ما نحن فيه، فهذه الواقعة:

﴿ خَافِضَةٌ رَافِعَةٌ (3) ﴾

 الدنيا مراتب، لكن المستقيم والمطيع سوف يغدو في أعلى مراتب الآخرة والمتفلت من منهج الله، الشارد عن ربه، المقيم على المعاصي، ولو كان في أعلى درجات المجتمع غنى وقدرة وتألقاً وشهرة سوف يغدو في الحضيض، فالعبرة لا فيما نحن عليه ولكن فيما سنكون عليه، فيما سنغدو عليه، لذلك قال تعالى:

﴿ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ (128) ﴾

(سورة الأعراف)

(( ألا يا رُبَ نَفْسٍ جائعةٍ عاريةٍ في الدنيا طاعمةٍ ناعمةٍ في يوم القيامة، ألا يا رُبَ مُكْرِمٍ لنفسه وهو لها مُهين، ألا يا رُبَ مُهينٍ لنفسه وهو لها مُكرم، ألا يا رُبَ نَفْسٍ طاعمةٍ ناعمةٍ في الدنيا جائعةٍ عاريةٍ يومَ القيامةِ ))

(ورد في الأثر)

 العقل أساس التدبر:

 لذلك الله سبحانه وتعالى أعطانا هذا العقل كي نتدبر أمورنا، كي نسعى لمستقبلنا، كي نسلك طريق سعادتنا، كي نصل إلى الجنة:

﴿ إِذَا وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ (1) لَيْسَ لِوَقْعَتِهَا كَاذِبَةٌ (2) خَافِضَةٌ رَافِعَةٌ (3) ﴾

 وإذا الله عز وجل أكرم إنساناً في الدنيا ورفع شأنه، وكان مستقيماً، منضبطاً، ورعاً، منفقاً، محسناً، نِعَمُ الآخرة تتصل بِنِعَمِ الدنيا، هو في الدنيا في نعيم وفي الآخرة في نعيم، إذا كان الإنسان منحه الله حظاً من حظوظ الدنيا وتعامل معه وفق منهج الله وشكر نعمة الله ولم يحجبه عن طاعة الله ؛ اتصلت نِعَمُ الدنيا بِنِعَمِ الآخرة، والنبي عليه الصلاة والسلام كان يدعو ويقول:

(( اللهم اجعل نِعَمَ الآخرة متصلة بنعم الدنيا ))

 أما إذا الإنسان شرد وانحرف، وأغوته الدنيا وانصرف إليها، وجاءه الموت تنعكس الآية، يعني أبسط مثل: إذا ركبت بسيارة عامة بمكان فيه شمس وبعد دقيقة انعكس اتجاه المركبة، الحالة انعكست، من كان في الظل أصبح في الشمس ومن كان في الشمس أصبح في الظل.

 من خصائص يوم القيامة قلب الموازين:

 أحياناً يرتفع الإنسان فجأة أو يسقط فجأة لكن يوم القيامة من خصائصه أنه يقلب الموازين، موازين الأرض: الغنى، فالغني محترم في الأرض، القوة، فالأقوياء يرهب جانبهم، والأغنياء يطمع في مالهم ومن أوتوا حظا من الوسامة يتألقون في المجتمع وكذلك من أوتوا حظاً من طلاقة اللسان، هذه كلها حظوظ الدنيا فإذا جاءت الواقعة، انقلبت الموازين، من هو المحسن ؟ من هو المستقيم ؟ النبي عليه الصلاة والسلام مرّ مع أصحابه على قبر فقال:

(( صاحب هذا القبر إلى ركعتين مما تحقرون من تنفلكم خير له من كل دنياكم ))

( ورد في الأثر )

 الدنيا فيها أموال، معامل، فنادق، شركات، متنزهات، أماكن جميلة، نساء فيها كل شيء، قال ركعتين نافلتين مما تحقرون من عبادتكم خير له من كل دنياكم:

﴿ خَافِضَةٌ رَافِعَةٌ (3) ﴾

 ما يحدث في الدنيا ما هو الا نماذج مصغرة عن يوم القيامة:

 ماذا سيكون:

﴿ إِذَا وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ (1) ﴾

 قال:

﴿ إِذَا رُجَّتِ الْأَرْضُ رَجّاً (4) ﴾

 الله عز وجل يعطينا نماذج مصغرة جداً في الدنيا، بعض الزلازل، صور الزلازل مخيفة، انهيار الأبنية، تصدع الجسور، التواء الطرق، انشقاق التربة، أن يدفن الناس تحت الأرض، هذا زلزال أرضي لمدة أربع ثواني مثلاً و ستة ريختر فعل ما فعل، فكيف:

﴿ إِذَا وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ (1) لَيْسَ لِوَقْعَتِهَا كَاذِبَةٌ (2) خَافِضَةٌ رَافِعَةٌ (3) إِذَا رُجَّتِ الْأَرْضُ رَجّاً (4) وَبُسَّتِ الْجِبَالُ بَسّاً (5) ﴾

 معنى بست أي فتت، جبال هملايا ارتفاعها ما يقارب 9000 م تصبح هباء منثوراً، رمل:

﴿ وَبُسَّتِ الْجِبَالُ بَسّاً (5) ﴾

 أي تفتت.

 تفتت الجبال يوم القيامة لتصبح هباء منثوراً:

﴿ فَكَانَتْ هَبَاءً مُنْبَثّاً (6) ﴾

 الهباء: إذا دخل ضوء الشمس في الشتاء وكنست أرض الغرفة ترى ذرات عالقة في ضوء الشمس في جو الغرفة هذا هو الهباء. فهذه الجبال الشامخة، الجبال العملاقة، هذه الجبال تغدو هباءً منثوراً:

﴿ إِذَا رُجَّتِ الْأَرْضُ رَجّاً (4) وَبُسَّتِ الْجِبَالُ بَسّاً (5) فَكَانَتْ هَبَاءً مُنْبَثّاً (6) ﴾

 هباء منتشر في كل مكان، تصور من أربعين أو خمسين سنة يؤخذ من بعض الجبال رمل والجبل هُوَ هُوَ، في جبل بجنوب دمشق يؤخذ منه رمل أسود يعني من أربعين أو خمسين سنة يومياً تأخذ الشاحنات من هذا الجبل رمل أسود إذا نظرت إليه هُوَ هُوَ، لم يتغير شكله إطلاقاً، فكيف إذا أصبحت كل هذه الجبال هباء منبثاً ؟

﴿ إِذَا وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ (1) لَيْسَ لِوَقْعَتِهَا كَاذِبَةٌ (2) خَافِضَةٌ رَافِعَةٌ (3) إِذَا رُجَّتِ الْأَرْضُ رَجّاً (4) وَبُسَّتِ الْجِبَالُ بَسّاً (5) فَكَانَتْ هَبَاءً مُنْبَثّاً (6) ﴾

 ذرات عالقة في الجو، موزعة في كل مكان.

 البشر على اختلاف أنواعهم ومللهم يوم القيامة ثلاثة أصناف :

﴿ وَكُنْتُمْ أَزْوَاجاً ثَلَاثَةً (7) ﴾

 نحن في الدنيا مِلَلْ ونِحَلْ وأعراق وشعوب، وطوائف وانكلو ساكسوني والشعوب السامية، والشعوب الإفريقية وشعوب متفوقة وأخرى متخلفة، شعوب منتجة وشعوب مستهلكة، شعوب راقية متمدنة وشعوب جاهلة، على مستوى البلد وعلى مستوى القرية وعلى مستوى الأسرة: ملل ونحل وجهات وأعراف وأنساب، هؤلاء البشر وعلى اختلاف أنواعهم وانتماءاتهم ومللهم ونحلهم في يوم القيامة ثلاثة أصناف:

﴿ وَكُنْتُمْ أَزْوَاجاً ثَلَاثَةً (7) فَأَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ (8) وَأَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ (9) وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ (10) أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ (11) ﴾

 1 ـ أصحاب اليمين:

 أصحاب اليمين: هم المقتصدون الذين أخذوا بالمُبَاحات وأطاعوا الله عز وجل.

 2 ـ أصحاب الشمال:

 أصحاب الشمال: خرجوا عن منهج الله وانهمكوا في الملذات المحرمة، أصحاب اليمين طبقوا منهج الله واستعملوا المُبَاح، أصحاب الشمال خرجوا عن منهج الله وانغمسوا في الملذات المحرمة.

 3 ـ السابقون السابقون:

 لكن السابقين السابقين صنف آخر، هؤلاء باعوا أنفسهم في سبيل الله، هؤلاء وقتهم ومالهم وأهلهم وخبراتهم وعلمهم وذهابهم وغدوهم ورواحهم سفرهم وإقامتهم كلها في سبيل الله، إلهي أنت مقصودي ورضاك مطلوبي، لا يطؤون موطئاً يُغيظ الكفار إلا كُتِبَ لهم به عمل صالح، لا ينالون من عدو نيلاً إلا كُتِبَ لهم به عمل صالح:

﴿ وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ (10) ﴾

 السابقون هم المقربون من الله عز وجل:

 ربنا عز وجل بدأ بوصف حال السابقين السابقين، هؤلاء المتفوقون، هؤلاء قمم المجتمع، عند الله لا عند الناس، هنالك قمم عند الناس، وقمم عند الله، هؤلاء السابقون السابقون قمم المجتمع عند الله، أول نعيم وأعظم نعيم وأجدر نعيم سعوا إليه أنهم مقربون، كلمة مقرب مقرب ممن ؟ من خالق الكون.

﴿ إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ (54) فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ (55) ﴾

(سورة القمر: الآية54 ـ 55)

 الإنسان أحياناً يتقرب من شخص قوي يزهو بهذا القرب، يُظْهِرُ للناس قربه منه، يذكر تفاصيل لقاءاته، تفاصيل ندواته، تفاصيل زياراته، يزهو يقول أنا قريب من فلان وأنا صديق فلان و أنا صديق حميم لفلان، أنا أدخل عليه بلا استئذان، أسهر عنده أسافر معه، إذا كان شخصاً من أشخاص الدنيا الأقوياء أو الأغنياء لك معه صلة تزهو بها أمام الناس، هؤلاء السابقون السابقون من الله مقربون:

﴿ أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ (11) ﴾

 ولا يخفى عليكم أن أصل الجمال هو الله عز وجل فإذا كنت مقرباً من الله فأنت أسعد الناس، ألسنا في صلاتنا على النبي نقول: اللهم صلِ على أسعدنا محمد، هو أسعد الخلق قاطبة فأكبر عطاء وأكبر فوز وأكبر نجاح أنهم مقربون من الله.

 أعظم عقاب من الله هو حجب الإنسان عنه:

 أكبر عقاب:

﴿ كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ (15) ﴾

(سورة المطففين)

 أعظم عطاء القرب وأعظم عقاب الحجب:

﴿ وَكُنْتُمْ أَزْوَاجاً ثَلَاثَةً (7) فَأَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ (8) وَأَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ (9) وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ (10) أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ ﴾

 إخوانا الكرام: في الدنيا أشخاص كثيرون، لا تستطيع أن تتقرب منهم، الطريق مغلق، طريق مسدود، لا سبيل إلى التقرب منهم.

 التقرب من الله لا يكون إلا بطاعته:

 رب العزة، خالق الكون من بيده ملكوت السماوات والأرض، هو الخالق العظيم، إذا كان مجرة تبعد عنا 300 ألف بليون سنة ضوئية، مع هذه العظمة هو قريب منك:

﴿ وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ ﴾

(سورة البقرة: الآية 186)

﴿ فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً ﴾

(سورة الكهف: الآية 110)

﴿ أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ (11) ﴾

 مقربون ومعهم وسائل القرب من الله، مقربون وبإمكانهم أن يقتربوا، أنت تقترب من الله بطاعته:

﴿ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ﴾

(سورة الحجرات: الآية 13)

(( دخل على النبي الكريم رجل أشعث أغبر فقال: أهلاً بمن خبرني جبريل بقدومه قال: أَوَمِثْلِي، قال: نعم يا أخي خامل في الأرض علم في السماء ))

 كلنا جميعاً طريق القرب من الله بأيدينا جميعاً، غني، فقير، خطير، مغمور، قوي، ضعيف، صحيح، مريض، ذكي، أقل ذكاء في أية حالة كنت باب القرب من الله بين يديك، أطعه يتجلى على قلبك، أطعه يقربك.

 أسمى شعور على وجه الارض أن تشعر أن الله يحبك:

 والله الذي لا إله إلا هو ما من مؤمن على وجه الأرض يعمل عملاً يبتغي به وجه الله إلا ويلقي الله في قلبه شعوراً أن الله يحبه، وما من شعور على وجه الأرض أسمى من أن تشعر أن الله يحبك:

﴿ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا ﴾

(سورة الطور: الآية 48)

 وإذا كان الله معك فمن عليك وإذا كان الله عليك فمن معك، ليس معك أحد، لذلك غني، فقير، قوي، ضعيف، شاب، فاتني أن أذكر في الندوة وقد ذكرتها لكم سابقاً أن إنساناً من صعيد مصر، جاهل أمي، لا يقرأ ولا يكتب تاقت نفسه أن يكون عالماً عمره خمسة وخمسون عاماً وقد كان فقيراً فقراً مدقعاً، ركب دابته واتجه إلى القاهرة ليطلب العلم في الأزهر فلما وصل إلى أطراف المدينة، سأل أين الأزعر ؟. لا يعرف اسم هذا الجامع فدلوه عليه، ( القصة كما رواها لي أحد علماء دمشق ) وبدأ يتعلم القراءة والكتابة، ثم بدأ يقرأ القرآن وما زال يطلب العلم حتى صار شيخ الأزهر، مات في السادسة والتسعين واسمه زكريا الأنصاري، في السادسة والتسعين لم ينته به المطاف إلا وهو شيخ الأزهر، باب القرب مفتوح ومبذول، افتح كتاب الله، اقرأ كتاب الله، تعلم أحكام الشرع، وغض بصرك عن محارم الله، أنفق من مالك، الله هو الغني.

 من طَلَبَ العلم وظفه الله عز وجل بالحق:

 ذكرت في الخطبة حديثاً هو في الحقيقة حديثٌ خطيرٌ جداً:

(( مَنْ طَلَبَ الْعِلْمَ فَأَدْرَكَهُ كَانَ لَهُ كِفْلانِ مِنَ الأجْرِ فَإِنْ لَمْ يُدْرِكْهُ كَانَ لَهُ كِفْلٌ مِنَ الأجْرِ ))

( أخرجه الدارمي عن واثلة بن الأسقع)

 ليس معنى هذا أن يدع العمل، لا، اعمل ولكن بين أن تعمل عملاً شاقاً طويلاً المدة قليل المردود وبين أن تعمل عملاً مريحاً قليل الدوام كثير المردود، إذا طلبت العلم، الله عز وجل يعطيك الوقت الكافي لطلب العلم، طلبت العلم يوظفك الله عز وجل، لا يوجد إنسان طلب العلم إلا وأنطقه الله عز وجل بالحق وسمح له أنْ يؤثر بالآخرين وجمع الناس حوله، العلم ثمين جداً.

 أثمن عطاء للإنسان أن يكون مع الله:

 أيها الأخوة: السابقون السابقون أولئك هم المقربون والقرب من الله بين يديك:

﴿ فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً (110) ﴾

( سورة الكهف )

﴿ أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ (11) ﴾

 ومع هذا القرب من الله:

﴿ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ (12) ﴾

 أحياناً يكون هناك وليمة، الطعام نفيس جداً ولكن هناك شيئاً أهم من الطعام الترحيب، التكريم، التوقير،

يوجد تقريب ويوجد إطعام، فكيف إذا اجتمع القرب مع الطعام:

﴿ أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ (11) فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ (12) ﴾

 يعني أثمن عطاء أن تكون مع الله، ومع هذه المعطيّة الطيبة أنت في جنات النعيم، أهذا القرب وذاك النعيم المقيم، يُزْهَدُ فيه من أجل الدنيا الفانية التي لا تسعد أحداً ؟

 أصحاب النبي الكريم كانوا يُؤْثرون على أنفسهم كل شيء:

 لكن هؤلاء السابقين السابقين وهؤلاء المقربون:

﴿ ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ (13) وَقَلِيلٌ مِنَ الْآخِرِينَ (14) ﴾

 قال بعض المفسرين " إن الأمم التي سبقت أمة محمد صلى الله عليه وسلم بمجموعها هذه هي الثلة وأما الذين آمنوا برسول الله عليه الصلاة والسلام واتبعوا منهجه هذه هي القلة "، لكن جمهور العلماء يقول " إن الثلة هم أصحاب النبي الذين آمنوا به، والقلة هم المؤمنون الذين أتوا في آخر الزمان وهذا أقرب "، فالنبي عاش معه أصحاب كثيرون، كل واحد كجبل، كل واحد كألف، شيء يدعو للاستغراب ! عشرة آلاف صحابي يفتحون العالم كله ونحن مليار ومئتي مليون مقهورون، مغلوبون على أمرنا ليست كلمتنا هي العليا، فرق كبير جداً مع أصحاب رسول الله، كانوا أبطالاً، كانوا رهباناً في الليل فرساناً في النهار، يخشون الله ولا يخشون أحداً مع الله يؤثرون على أنفسهم ولو كانت بهم خصاصة.
 سيدنا عثمان جاءت قوافل تجارته ستمئة جمل محمل بأنفس أنواع البضاعة، الآن تقريبا ستمئة شاحنة بها أنفس أنواع البضاعة، جاء التجار ليشتروها منه دفعوا الضعف والضعفين، وكان يقول: دُفِعَ لي أكثر، إن الله عز وجل وعدني بكل حسنة بعشر أمثالها، هي للمسلمين، ستمئة شاحنة، بالمفهوم الحديث موسوقة بالبضاعة يقدمها هذا الصحابي الجليل للمسلمين.

﴿ أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ (11) فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ (12) ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ (13) وَقَلِيلٌ مِنَ الْآخِرِينَ (14)﴾

 أي في العصور المتأخرة الصادقون قلة.

 جزاء المقربين من الله عز وجل:

 1 ـ يجلسون في الجنة على سرر متقابلين:

 هؤلاء المقربون:

﴿ عَلَى سُرُرٍ مَوْضُونَةٍ (15) ﴾

 هذه السرر فيها معادن ثمينة، تجد أحياناً قطعة أثاث فيها ذهب وفضة:

﴿ عَلَى سُرُرٍ مَوْضُونَةٍ (15) مُتَّكِئِينَ عَلَيْهَا مُتَقَابِلِينَ (16) ﴾

 في راحة نفسية، لا يوجد هموم وكل من في الجنة بأعلى مستوى والإنسان يسعد بقرنائه، يسعد بأنداده فأهل الجنة طيبون طاهرون، كلهم قمم، يجلسون في الجنة على سرر متقابلين.

 2 ـ في الجنة يطوف عليهم ولدان مخلدون:

﴿ يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ (17) ﴾

 والذي له أولاد يعرف هذه الحقيقة، الطفل الصغير كالمَلَكْ، وجه صبوح، ونفس بريئة، وعفوية وذاتية، وقرب منك، الطفل الصغير محبب كثيراً، ففي الجنة أطفال صغار ولدان مخلدون.

﴿ يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ (17) بِأَكْوَابٍ وَأَبَارِيقَ وَكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ (18) لَا يُصَدَّعُونَ عَنْهَا وَلَا يُنْزِفُونَ (19) ﴾

 3 ـ عدم إبعادهم عن الطعام:

 صدعوا عنها: أي فرقوا عنها، لو فرضنا أن هناك طعاماً نفيساً وجاء أمر: تفرقوا، انتهى، انقطعت المتعة، أو الطعام انتهى، و أصحاب المائدة بِنَفْسِهِمْ أن يأكلوا، انظر إلى هذا الوصف الدقيق:

﴿ لَا يُصَدَّعُونَ عَنْهَا وَلَا يُنْزِفُونَ (19) ﴾

 لا الطعام ينتهي ولا هم يبعدون عنه:

﴿ يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ (17) ﴾

 الولدان لا يكبرون، أحياناً يكون الطفل ليس أجمل منه كلما كبر يتغالظ، يخشن صوته، وتصبح أعماله حمقاء، يتجاوز حدوده أحياناً، يتطاول على أهله أحياناً أخرى، يقول الناس عنه ليته بقي صغيراً، هؤلاء الولدان المخلدون:

﴿ بِأَكْوَابٍ وَأَبَارِيقَ وَكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ (18) لَا يُصَدَّعُونَ عَنْهَا وَلَا يُنْزِفُونَ (19) وَفَاكِهَةٍ مِمَّا يَتَخَيَّرُونَ(20)﴾

 4 ـ لهم أجمل أنواع الفاكهة:

 أجمل أنواع الفاكهة:

﴿ وَلَحْمِ طَيْرٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ (21) وَحُورٌ عِينٌ (22) كَأَمْثَالِ اللُّؤْلُؤِ الْمَكْنُونِ (23) ﴾

 حبة اللؤلؤ وهي في الصدفة لم تجرحها عين ولم تثقبها إبرة:

﴿ كَأَمْثَالِ اللُّؤْلُؤِ الْمَكْنُونِ (23) جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (24) ﴾

 الأعمال الصالحة جزاؤها الجنة:

 المجيء للمساجد وإنفاق مال كسبته بكدك وعرق جبينك تنفقه للفقراء والمساكين، أن تمشي مع أخ في حاجته، أن تعين ضعيفاً، أن تطعم فقيراً، أن تربي يتيماً، أن ترعى مسكيناً، أن تنصح أميراً، أن تأمر بالمعروف وأن تنهى عن المنكر، أن تقيم الحق أن تقرأ كتاب الله، أن تذكر الله، أن تعين إخوانك.
 هذه الأفعال جزاؤها:

﴿ وَفَاكِهَةٍ مِمَّا يَتَخَيَّرُونَ (20) وَلَحْمِ طَيْرٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ (21) وَحُورٌ عِينٌ (22) ﴾

 5 ـ لهم حور عين كلون اللؤلؤ:

 الحور العين أوصاف المرأة لا سبيل إلى التفاصيل ولكن الحور شدة بياض العين وشدة سوادها، عين واسعة، هناك مفارقة حادة في شدة بياض العين وسوادها، عِيِنْ: أي عينها واسعة، حور: بياض عينها ناصع وسواد حدقتها داكنة. وهذا مقياس جمالي عند العرب، من أعلى أنواع الجمال:

﴿ كَأَمْثَالِ اللُّؤْلُؤِ الْمَكْنُونِ (23) ﴾

 لون اللؤلؤ ألماسي وهو أجمل لون:

﴿ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (24) ﴾

 المستوى في الجنة راق جداً للمؤمن بالله:

 بالحياة أحياناً تسمع مشادة في الطريق تنزعج، أحدهم يسب الآخر بكلام مقذع أحيانا تستحي منه أمام أولادك، لكن بالجنة لا يوجد كلمة نابية:

﴿ لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْواً وَلَا تَأْثِيماً (25) ﴾

 حتى الكلام الفارغ غير موجود، لا يوجد كلام فارغ ولا كلام محرم، أحياناً الغيبة، النميمة، السخرية، التطاول، المزح المنحرف الجنسي يخدش الحياء، في الجنة مستوى راقٍ جداً:

﴿ لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْواً وَلَا تَأْثِيماً (25) إِلَّا قِيلاً سَلَاماً سَلَاماً (26) ﴾

 6 ـ لا يسمعون إلا أجمل و ألطف الألفاظ:

 أجمل الكلمات وأحلى العبارات، وأعف الألفاظ، وأدق التفاصيل، هذا كلام أهل الجنة هؤلاء السابقون السابقون هم في أعلى درجات القرب، ومع هذا القرب نعيم مقيم.

 الدرجة الثانية في الجنة لأصحاب اليمين:

﴿ وَأَصْحَابُ الْيَمِينِ مَا أَصْحَابُ الْيَمِينِ (27) ﴾

 هؤلاء في الدرجة الثانية، هؤلاء فعلوا المباحات، أطاعوا رب الأرض والسماوات، وفعلوا المباحات، أي أعطى جزءاً من وقته للدين، أما تجارته هي الأصل، أعماله، بيته، نعيمه، نزهاته هي الأصل، لكن يخاف الله ويرجو الدار الآخرة، صلى وصام وحج وزكى وانضبط لكن ما زاد على ذلك، يعني مقتصد وقوله المتكرر(ساعة لك وساعة لربك)، نحن قانعين وراء الباب بالجنة.

 1 ـ في هذه الجنة سدر منزوع شوكه و موز مصفوف:

﴿ فِي سِدْرٍ مَخْضُودٍ (28) ﴾

 الأوصاف الآن من البادية، شجر السدر اسمه النبق له أشواك، مخضوض منزوع شوكه.

﴿ وَطَلْحٍ مَنْضُودٍ (29) ﴾

 الطلح هو شجر الموز والمنضود مصفوف.

 2 ـ ظل الجنة ممدود ومستمر غير مؤقت:

﴿ وَظِلٍّ مَمْدُودٍ (30) ﴾

 أحياناً يكون الإنسان عنده ظل في مزرعة ولكن يقول لك لساعتين فقط، بعدها تأتي الشمس، أما ظل الجنة ممدود ومستمر غير مؤقت.

 3 ـ فيها ماء يجري و فاكهة كثيرة:

﴿ وَمَاءٍ مَسْكُوبٍ (31) ﴾

 ماء يجري.

﴿ وَفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ (32) لَا مَقْطُوعَةٍ وَلَا مَمْنُوعَةٍ (33) ﴾

 أحياناً ينتهي الموسم لو كنت غنياً، الفاكهة غير موجودة، أحيانا الفاكهة موجودة ولكن لا تملك ثمنها، في الدنيا الفاكهة إما مقطوعة أو ممنوعة، تأتي فاكهة غالية جداً وثمنها غير متوفر، لا مقطوعة ولا ممنوعة، ممنوعة لارتفاع ثمنها ومقطوعة لانتهاء موسمها، في الجنة الفواكه لا مقطوعة ولا ممنوعة، مستمرة، مبذولة، ولهم ما يشاءون فيها

 4 ـ فيها أماكن للجلوس عالية و مشرفة:

﴿ وَفُرُشٍ مَرْفُوعَةٍ (34) ﴾

 أماكن الجلوس عالية ومشرفة، وارتفاع المكان شرف له.

﴿ إِنَّا أَنْشَأْنَاهُنَّ إِنْشَاءً (35) ﴾

 الحور العين في الجنة نوعين :

 الحور العين في الجنة نوعين: نوع ينشأ إنشاء ابتداء ونوع من مؤمنات أهل الدنيا يعاد خلقهن على أكمل صورة.
يعني مثلاً: قد تقول المرأة غير الجميلة بنفسها: لماذا خلقني الله هكذا ؟ أنتِ لو عرفتِ الله وأطعته تكوني بالجنة بأعلى مستوى بالمقاييس المطلقة، المؤمنة التي عرفت ربها واستقامت على أمره تدرك أن الدنيا مؤقتة، وأما الآخرة أبدية، إلى أبد الآبدين، فأية امرأة مؤمنة يوجد قي قلبها تساؤل: لِمَ لَمْ أكن أنا كهؤلاء المتألقات ؟ أحياناً يكون لها وضع معين، أقل من أندادها، أية امرأة عرفت ربها في الدنيا يعاد خلقها يوم القيامة بأجمل ما تكون فالحور العين نوعان نوع يخلق في الجنة ابتداء ونوع يعاد خلقها حيث كانت في الدنيا امرأة مؤمنة.

 مكرمة أصحاب اليمين زوجة من نفس سن الانسان تحبه وتعينه:

﴿ إِنَّا أَنْشَأْنَاهُنَّ إِنْشَاءً (35) فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَاراً (36) عُرُباً أَتْرَاباً (37) ﴾

 معنى عرباً متحببات لأزاوجهن والحقيقة المرأة التي لا تُقبِل على زوجها ولا تتحبب إليه، ولا تبذل له ما أراد إذا خلا بها، هذه امرأة لا يحبها رسول الله، من علامات المرأة المؤمنة أنها ستيرة، وإذا خلا بها زوجها بذلت له ما أراد منها، أتراباً أي من نفس السن، بوعي وعقل، أحياناً يتزوج أحدنا فتاة صغيرة تريد شوكولا لأن عقلها صغير وتريد لُعَباً، مشكلة فإذا كانت صغيرة يتعب من ضيق أفقها وعقلها الصغير، وأنا إن كانت كبيرة فيقول لك هي بسن أمي.

﴿ عُرُباً أَتْرَاباً (37) لِأَصْحَابِ الْيَمِينِ (38) ﴾

 أتراب فيه تماثل وعُرُبٍ فيه تحبب، وشيء مسعد جداً أن تكون زوجتك بمستواك الثقافي والاجتماعي تعينك على أمر دينك، إن هذه المكرمة لأصحاب اليمين.

 سعادة و إكرام أصحاب اليمين:

﴿ وَأَصْحَابُ الْيَمِينِ مَا أَصْحَابُ الْيَمِينِ (27) ﴾

 أي ما أسعدهم، هذه ما التعجبية، ما أسعدهم، ما أكرمهم، ما أشرفهم عند الله:

﴿ فِي سِدْرٍ مَخْضُودٍ (28) ﴾

 في شجر منزوع الشوك:

﴿ وَطَلْحٍ مَنْضُودٍ (29) ﴾

 الموز المصفوف:

﴿ وَظِلٍّ مَمْدُودٍ (30) وَمَاءٍ مَسْكُوبٍ (31) ﴾

 جاري:

﴿ وَفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ (32) لَا مَقْطُوعَةٍ وَلَا مَمْنُوعَةٍ (33) وَفُرُشٍ مَرْفُوعَةٍ (34) إِنَّا أَنْشَأْنَاهُنَّ إِنْشَاءً (35) فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَاراً (36) عُرُباً أَتْرَاباً (37) لِأَصْحَابِ الْيَمِينِ (38) ﴾

 أصحاب اليمين كثر ولكن السابقين قلائل :

 لكن أصحاب اليمين:

﴿ ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ (39) وَثُلَّةٌ مِنَ الْآخِرِينَ (40) ﴾

 هم كثر ولكن السابقين قلائل، هذا ما يسمونه الخط العريض، الخط العريض ! (الناس كلها خير وبركة) أما هؤلاء الذين باعوا أنفسهم لله هؤلاء سابقون سابقون و الإنسان عليه أن يكون طموحاً في الآخرة:

 

﴿ وَأَصْحَابُ الشِّمَالِ مَا أَصْحَابُ الشِّمَالِ (41) ﴾

 هؤلاء للدرس القادم ولنبقى في هذا الدرس مع أهل الجنة.

 

 

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

اللغات المتوافرة

إخفاء الصور