وضع داكن
25-04-2024
Logo
الدرس : 3 - سورة الواقعة - تفسير الآيات 63-67 - ظاهرة النبات تدل على عظمة الله
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 
الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة والتسليم على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.
 

كل شيء ينعم به الإنسان في الدنيا هو من خلق الله تعالى:


أيها الأخوة المؤمنون؛ مع الدرس الثالث من سورة الواقعة، ومع الآية الثالثة والستين:

﴿ أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَحْرُثُونَ (63)﴾

[ سورة الواقعة  ]

أيها الأخوة؛ قبل المضي في متابعة هذا الموضوع أريد أن أقف قليلاً عند حقيقة قد تغيب عن بعض الناس، الإنسان في عصر فيه تقدم حضاري، تقدم علمي، مأخوذ بالإنجازات العلمية الحديثة، لكن الحقيقة أن الإنسان لم يُضِفْ شيئاً جوهرياً بل أضاف شكليات، معنى هذا الكلام دقيق، الله عز وجل خلق الماء، فالإنسان بعلمه وتطور حياته وضعه في مستودعات في البيوت، أساله في أنابيب، وضعه في قوارير، أما الإنسان خلق الماء؟ كل شيء ننعم به هو من خلق الله في الأصل، الإنسان أضاف شكليات، وأضاف أساليب ووسائل، لكنه لم يُحْدِثُ شيئاً جديداً، فالطعام قد يُوضع في مغلفات، قد يوضع في عبوات راقية، قد يُطبع على المغلف أو على العبوة كلمات لطيفة، صور، أما لو أن الله عز وجل لم ينبت الثمر، ماذا نفعل؟ لو أن الماء كان أجاجاً، ماذا نفعل؟ فتصور أن كل إنجاز حضاري هو في الحقيقة إضافة بسيطة على الشكل لا على الجوهر، الماء ماء، الماء الذي شربه آدم عليه السلام هو الماء الذي نشربه، من خلق الأنعام لنأكل من لحمها؟ ممكن أن يكون اللحم في عبوات ومقطَّع تقطيعاً معيناً، لكن اللحم لحم، تذوّق الأجداد اللحم كما نتذوقه تماماً.  
 

المؤمن يلفت نظره خلق الله وغير المؤمن يلفت نظره الشكليات:


الإنسان المؤمن خَلْقُ اللهِ عز وجل هو الذي يَلْفِتُ نَظَرَهُ، لكن غير المؤمن الأشكال والأساليب وهذه الصرعات التي يراها الإنسان أحياناً قد تلفت نظره، هي إضافات لم تُصِب المضمون ولم تُصب الجوهر، بقيت في الشكل، فالماء ماء، لو لم ينبت الله النبات ماذا نفعل؟ هل عندك في خيالك طريقة لإطعام البشر غير النبات؟ لو أن الله تعالى خلق حاجات مليون إنسان، مليار، ثم تنقضي هذه الحاجات، كيف نحفظها؟ لو خلق القمح لمرة واحدة، القمح إما أن يَفْسُدَ وإما أنْ يُسْتَهْلَكَ ماذا نفعل بعد فساده أو بعد استهلاكه؟ كيف نأكل؟ من أبدع موضوع البذور؟ أن كل ثمرة فيها بذرة، هذه البذرة فيها قوةُ إِنباتِ ثمرة مشابهة.
 

مبدأ التكاثر عن طريق البذور أبدعه الخالق سبحانه:


أحياناً -هذا الشيء من اختصاص بعض المهندسين الزراعيين-بذرة صغيرة يقول لك: هذه البذرة ذات إنتاج مديد، ذات إنتاج مبكر، تقاوم البرد، مدة إنتاجها أربعة أشهر، إنتاجها يقاوم المرض الفلاني، تكلم الإنسان مئة معلومة كلها في هذه البذرة، فالبذرة فيها قوة الإنبات، البذرة فيها شجرة بالقوة أما بالفعل فهي بذرة، أما في مستقبلها فهي شجرة، فنظام النبات لو أن الله سبحانه وتعالى خلق حاجات الإنسان لمرة واحدة، كيف تُحْفَظُ من الفساد؟ وكيف تعوض بعد التلف؟ لا يوجد طريقة ثانية. أمَّا كل شيء تأكله فيه بذرة تعوض عليك أضعافاً مضاعفة.
بذرة البندورة تعطي مليون ضعف، نصف دونم يستهلك خمسة غرامات من البذور يعطي عشرة طن، يعطي مليوني ضعف، مبدأ النبات، مبدأ التكاثر عن طريق البذور، من صمم هذا المبدأ؟ فأنت تزرع، تقطف الثمار، تأخذ البذور تزرعها مرة ثانية تُنتج إلى أبد الآبدين.
 

الرشيم عنصر الإنبات في البذرة:


﴿ أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَحْرُثُونَ (63) أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ (64)﴾

[ سورة الواقعة  ]

هذه البذرة من وضع فيها الرشيم؟ الرشيم كائن حي، بعض القمح الذي وُجِد في الأهرامات زُرِعَ فَنَبَتَ، أي الرشيم مدة عمره أكثر من ستة آلاف عام، زُرِعَ فَنَبَتَ، النملة أحياناً إذا أرادت أن تُخزن القمح في وكرها تأكل رشيم القمح لئلا تنبت، لو أنها خزنت هذا القمح في جحرها وجاءت رطوبة نَبَتَ القمحُ، لم تستفد منه، فلابد من أن تأكل الرشيم عنصر الإنبات في البذرة، هذا الرشيم كائن حي، كائن حي بكل معاني الكلمة الدقيقة، فالنملة تأكل هذا الرشيم لئلا تنبت القمحة.
بعض البذور لها رشيمان كالعدس، النملة تأكل الرشيمين معاً لئلا تنبت، فالرشيم كائن حي، فيه حياة، معه محفظة غذاء مع خطة مبرمجة، لمجرد أن تأتي الرطوبة والدفء والضوء ينبت هذا الرشيم، يستهلك من مخزون البذرة، مخزون البذرة يشكل له جذيراً وسويقاً، الجذير فيه إمكان مص الغذاء من التربة، فبعد أن تنتهي المحفظة ائت ببذرة فاصولياء ضعها في قطن مبلل بعد أيام نبتت، فإذا مَسَكْتَ البذرة تجدها فارغة لا يوجد شيء، أين البذر؟ أين المادة النشوية؟ اُسْتُهْلِكَتْ في إنبات الرشيم وإنبات الجذر.
 

وظيفة المعادن في النبات:


هذا النبات يتجه نحو الضوء، ونحو الأعلى، ثم تأتي العمليات المعقدة، النبات يمتص ثمانية عشر معدناً في التربة، هذه المعادن على أنواع، عندنا معدن وعندنا ملح معدن، جعل الله عز وجل المعادن تتأكسد بالأوكسجين، تأكسدها يجعلها أملاحاً، ويمكن للأملاح أن تذوب في الماء، فأملاح المعادن تذوب في الماء، فإذا ذابت صار هذا المائع الذي تمتصه الجذور ثمانية عشر معدناً مودعة في التربة، أحياناً تجد أن النبات قد اصفر يقول لك: نقص حديد، النبات نما نمواً خضرياً على حساب النمو الثمري يقول لك: نقص بوتاس.
يوجد خبراء يقدمون معلومات مدهشة، فيه بوتاس، فيه منغنيز، فيه آزوت، فيه حديد، هذا كله موجود في التربة، والماء يذيب أملاح هذه المعادن، ويأتي هذا الجذر الذي تنتهي رؤوسه بكرة اسمها القلنسوة، هذه القلنسوة تُفرز مادة تذيب الصخر، ألا ترى إلى شجرة نبتت في جبل؟ تتسلل فروع جذرها بين الصخور، فالقلنسوة مجهزة بمادة تذيب الصخر من أجل أن تصل إلى الماء.
 

تصميم أوعية النبات الصاعدة بمقويات حلزونية لوصول الماء للأعلى:


هناك أشجار جذورها تزيد عن ثلاثين متراً، لا يوجد قاعدة، إن كان الماء بجهة اليمين تتجه الجذور إلى جهة اليمين وكأنها كائنات عاقلة، وإن كان الماء نحو اليسار تتجه نحو اليسار، وإذا كان الماء سطحياً تفرش دائرة سطحية، وإذا كان الماء عميقاً تغوص في أعماق التربة ثلاثين متراً لتأخذ الماء، وقد أُذيبت فيه أملاح المعادن، الآن هذا النسغ الصاعد يصعد نحو الأعلى، كيف؟ النسغ سائل، والسائل متغير الشكل ثابت الحجم كما تعلمون، فما الذي جعله يصعد خلاف الجاذبية؟ هل بإمكانك أن تجعل الماء يصعد نحو الأعلى إلا بمضخة؟ أما من دون مضخة كيف؟ هذه الخاصة الشعرية! هذه الخاصة رائعة جداً تجعل الماء يتحرك نحو الأعلى على خلاف مبدأ الجاذبية، وقد تجد شجر الحور مثلاً ارتفاعه ثلاثون متراً، ومع هذا آخر ورقة في الأعلى متألقة، خَضَارُها رائع، من أين جاء الخَضَار؟ من الماء الذي تمتصه من أعماق التربة، فإذا كان العمق ثلاثين والارتفاع ثلاثين فهذا يعني أن هنالك حركة نحو الأعلى ستون متراً خلاف الجاذبية، هذا النبات، قال: ينمو هذا النبات عرْضَاً، وإذا نما عَرْضَاً ربما ضغط على الأوعية التي تحمل هذا النسغ الصاعد، ما الحل؟ هذه الأوعية مقواة بألياف حلزونية لو ضُغِطت على جوانبها لا تضيق لمعتها، من صمم هذه الأوعية بهذه الطريقة؟ إذا وجد بمركبة الإنسان أنبوب منثني فينقطع الماء أثناء انثنائه يُقوى براصور داخلي لئلا ينثني، أو حتى لا تضيق لمعة هذا الأنبوب، فربنا سبحانه وتعالى صمم هذه الأوعية الصاعدة بمقويات حلزونية ليفية لئلا تضيق لمعتها فينقطع وصول الماء إلى الأعلى.
 

حكمة الله من استهلاك النبات أولاً لماء الأغصان الأقل نمواً:


الآن لو أن البستاني نسي أن يسقي هذه الشجرة، يجب أن تموت فوراً، لكن حكمة الله الرائعة جعلت أن هذه الشجرة لا تستهلك من الماء إلا ماء أقل الأغصان نمواً، ماء الأغصان، ثم تستهلك ماء الفروع، ثم تستهلك ماء الجذع، ثم تستهلك ماء الجذر، آخر ماء تستهلكه هو ماء الجذر، والمنطقي يجب أن تستهلك الشجرة أول ماءٍ ماء الجذر، إذاً من الذي عكس الآية؟ جعل الماء المستهلك هو أبعد مكان عن الجذر، بالأطراف، لأن الماء إذا اُسْتِهلك في أطراف الشجرة ذبلت أوراقها فخاطبت صاحبها: إنني عطشى، الأوراق ذبلت، أي يوجد عطش، يمدها بالماء، أما لو أن هذا النبات استهلك الماء القريب منه من الفوهة ماء الجذر لماتت الأشجار كلها إذا نسيها أصحابها يوماً أو يومين، أحياناً يسافر إلى الحج ينساها أشهراً تبقى الشجرة قائمة على حالها، هذا النبات ظاهرة.
 

حاجة الإنسان إلى النبات أساسية في الدنيا:


إخواننا الكرام؛ الشيء الذي يحير هو أنه لا يوجد شيء من خَلْقِ الله يدور مع الإنسان حيث دار كالنبات، الإنسان ‍‌‍‍‍‍‍بحاجة‍ ‌إلى غذاء، غذاؤه من النبات، بحاجة إلى كساء، كساؤه من النبات، بحاجة إلى ما يُمْتِعُ عينه وأنفه، فالورود كلها نباتات، بحاجة إلى صناعات، الأخشاب التي هي أساس الصناعات نباتات، من صمم الخشب؟ لنا أخ كريم من إخواننا الكرام يعمل في الميكانيك، فمعمل من المعامل اشترى اثنتي عشرة آلة نسيج من أرقى الشركات، وثُبِّتَتْ هذه الآلات على أرض المعمل بالإسمنت المسلح، ثم أُطلقت يد العمل فيه، هناك قَطْعٌ في الخيطان تقريباً في كل الآلات، بحثوا عن كل خبير إلى أن عثروا على هذا الخبير، ماذا فعل؟ وضع تحت كل آلة قطعة من خشب التوت، لأن هذا الخشب ذو ألياف متينة ومرنة، فإذا وصل المكوك إلى طرف الآلة وضرب طرفها خشب التوت يمتص هذه الصدمة فلا يقطع الخيط، فالتوت له وظيفة، وخشب الزان له وظيفة، والخشب الكندي له وظيفة، والشوح له وظيفة، ولو سألت إخوتنا النجارين لأفادوك بمعلومات تفصيلية كثيرة جداً.
 

أنواع الخشب:


الخشب وحده أنواع منوعة تزيد عن مئة نوع، وكل نوع له استعمال ينفرد به، هذا الخشب، أنت بحاجة إلى طعام يأتيك من النبات، بحاجة إلى كساء يأتيك من النبات، بحاجة إلى ليفة تنظف بها جسمك، الليفة نبات، له وجهان وجه خشن ووجه ناعم، الخشن له وجه خشن والناعم له وجه ناعم، بحاجة إلى شيء تنظف به أسنانك فخلق السواك، بحاجة إلى أن تنظف ما بين الأسنان فخلق الخُلَّة، أنت بحاجة إلى نبات تزييني، خلق لك نباتات تزيينية، أنت بحاجة إلى نبات يكون كالمظلة، بحاجة إلى ورق، إذا تأملت نبات البردي تشعر مئة بالمئة أن الله ما خلقه إلا ليكون ورقاً، ورق كتابة، إلى جانب الأهرامات مؤسسات سياحية تصنع أمامك ورق البردي، يُوتى بالنبات، يُنقع بالماء، يُضغط يصير ورقاً، فهذا النبات مصمم ليكون ورقاً، وهذه الشجرة مصممة لتكون ظلاً، ويوجد نبات مصمم ليكون غذاء للحيوانات، يُحصد –أنا كنت أظن ست مرات-عشرات المرات، تحصد البرسيم كله، ينمو مرة ثانية، تحصده، ينمو مرة ثالثة، تحصده، ينمو مرة رابعة، تحصده، ينمو مرة خامسة.
 

تنوع النبات بتنوع احتياجات الإنسان إليه:


أنت بحاجة إلى مسطح أخضر تُمَتِّعُ عينك به، خلق الله نباتاً ليس له أية وظيفة إطلاقاً إلا أن يمتع عينك باللون الأخضر، هذا المرج، ونوع ينبت في الصيف، نوع في الشتاء، نوع في الربيع، نوع في الخريف، الآن يباع من هذا المرج الخلطات الرباعية من أجل ماذا؟ أن ترى المرج أخضراً طوال العام، وإذا رأيته أخضراً طوال العام هنالك مغالطة، أنت ترى ربعه الذي ينمو في الصيف، أو في الخريف، أو في الشتاء، أنت بحاجة إلى ورود، عدد أنواع الورود لا يعد ولا يحصى، أنواع النباتات التي تعيش في البيوت بالمئات، بعشرات المئات، أنواع الأبصال بعشرات الألوف، أنواع الأزهار، هذا نبات، لون ورائحة وألوان وجمال، من صمم هذا النبات؟ أنت بحاجة إلى نبات يكون مادة مرنة، التعامل مع الأشياء المتينة القاسية صعب جداً، تحتاج إلى بلور للسيارة مركب على حديد لابد من مادة مطاطية، هناك نبات يُنتج المطاط، تحتاج إلى عجلة، مادة مرنة بلا صوت وتمتص الصدمات وتتماسك مع الأرض، تحتاج إلى مادة مطاطية، هناك نبات يقدم لك هذه المادة المطاطية، تحتاج إلى مادة عازلة، الفلين نبات، تحتاج إلى أوان، هناك نبات يقدم لك الأواني كأنها أوان نحاسية، أوان كروية، أوان مستطيلة، تحتاج إلى أن تسبح الله، هناك نبات ثماره كرات مثقوبة.
شيء لا يصدق!! تحتاج إلى دواء يوجد دواء نبات، تحتاج إلى أصبغة الأصبغة نبات، والأدوية نبات، والروائح العطرة نباتات كلها، هذا عطر الياسمين، هذا عطر النرجس، إلى آخره.
 

آية النبات لوحدها من أكبر الآيات الدالة على عظمة الله:


الطعام يمكن أن تأكل من جذر النبات؛ يقول لك: الجزر، هو الجزر، يمكن أن تأكل البطاطا وهي في جذر النبات، يمكن أن تأكل ساق النبات، يمكن أن تأكل أوراقه: الملفوف، يمكن أن تأكل أزهاره: الزهرة، يمكن أن تأكل ثماره، آية النبات لوحدها تُعد من أكبر الآيات الدالة على عظمة الله، النبات وحدها، ﴿ أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَحْرُثُونَ (63) أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ﴾ ، ماذا فعل الفلاح؟ ألقى هذه الحبة وانتهى الأمر، وسقاها فقط، أما مَنْ نمّا الرشيم؟ مَنْ أمدّ هذا الرشيم بالغذاء؟ من أنبت لهذا الرشيم الجذور؟ مَنْ جعل هذه المعادن أملاحاً تتأكسد بالأوكسجين تصبح أملاحاً تذوب في الماء، أي يوجد بجسمك حديد يصنع مسماراً، ولكن ليس حديداً من معدن، أملاح الحديد، فأنت عندما تأكل تفاحة تقطعها، وتدعها على الطاولة نصف ساعة تسود! لماذا اسودت؟ لأن حديد التفاحة تأكسد مع الأوكسجين، تشرب حليباً فيه كالسيوم، كلس مذاب في الحليب، موضوع النبات شيء لا يصدق، ظاهرة النبات وحدها يمكن أن تُعد أكبر دليل على وجود الله، وعلى عظمته، وعلى كماله.
 

علامات النبات:


﴿أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَحْرُثُونَ﴾ النبات له علامات، ما الذي يُعلمك أن هذا العنب قد نضج؟ كان أخضراً صار أصفراً، ما الذي يعلمك أن هذا الحقل من البندورة أصبح ناضجاً؟ كان أخضراً أصبح أحمراً، أحياناً اللون، أحياناً الحجم، أحياناً الرائحة، أحياناً القوام، ولحكمة بالغة بالغة جعل الله عز وجل البطيخ الأخضر ليس له علامة إطلاقاً يدل على نضجه، لا حجماً ولا لوناً، البطيخة التي بداخلها لون أبيض صرف خضراء، والبطيخة الناضجة التي في داخلها لون أحمر قان خضراء، فكيف يستطيع زارع البطيخ أن يجني الثمار الناضجة؟ ولو أن أحدهم قال: لو أنها نضجت في يوم واحد لم يعد هناك مشكلة، لكن لو أن حقول البطيخ نضجت في يوم واحد ماذا نفعل بالبطيخ؟ هل تستطيع أن تيبس البطيخ؟ لابد من أن نأكله على مدى ثلاثة أشهر، إذاً ينضج تباعاً.
 

نضوج النبات المتدرج آية عظيمة من آيات الله:


النضوج المتدرج آية من آيات الله، آية ضخمة، أنت إذا أتيت بوعاء فيه زيت وغليته وألق فيه البطاطا، مادامت الظروف متشابهة فالنضج متشابه، بعد ثلاث دقائق ينضج الجميع، أما هل من الممكن أن تلقي كمية بطاطا في مقلاية زيت كل عشر دقائق ينضج قسم على مدى خمس ساعات؟ هذه مستحيلة! أما هذه الأرض فالتربة واحدة، الأمطار واحدة، الحر واحد، البرد واحد، تجد النضْجَ على مدى ثلاثة أشهر، كيف يكشف الفلاح أن هذه البطيخة قد نضجت؟ لها حلزون في أعلاها فالفلاح يمسك الحلزون ويضغطه إذا انكسر تكون قد نضجت، بقي طرياً تكون غير ناضجة، قال الله:

﴿ وَعَلَامَاتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ (16)﴾

[ سورة النحل ]

 

الحكمة من نضج المحاصيل في يوم واحد والفواكه تباعاً:


ما من ثمرة إلا وجعل الله لها علامة، العنب محمول، لو أردت أن تقطف العنب نحو الأسفل لانعصر بين يديك ولم يقطف، من أمتن الأغصان غصن العنب، أما افعل عكس ذلك يصبح في يدك، من صممه بهذا التصميم؟ مَنْ برمج الفواكه تنضج تباعاً؟ أولاً العوجة، ثم الكرز، بعدها الأجاص يليه الدراق بعد ذلك التفاح، لو كانت كلها تنضج في وقت واحد، تفقد ثمنها، تنضج تباعاً، أما المحاصيل فتنضج في يوم واحد كالقمح والعدس والحمص، لو كانت تنضج تباعاً يصبح الحصاد انتحاراً، تمسك السبلة تجدها نضجت اتركها لم تنضج أمسك هذه، هذه مستحيلة، انظر المحاصيل تنضج في يوم واحد أما الفواكه والثمار والخضراوات فتنضج تباعاً.
 إذاً هذا النبات مَنْ صممه؟ الإله العظيم، الحكيم، الخلاق، العليم، الخبير، هو مَنْ صممه.
 

تناسب حجم النبات ولونه وشكله ورائحته مع حجم الإنسان:


دقق في هذه النقطة: تفاحة مثلاً فيها غِذاء متناسب مع جسمك، تحتاج إلى مادة سكرية أحادية سريعة الامتصاص، في التفاح موجودة، تحتاج إلى حديد للدم، هيموغلوبين، في التفاح موجود، أنت بحاجة إلى معادن، في التفاح موجودة، المواد التي تتكون منها التفاحة متناسبة مئة بالمئة مع جسمك، لو كان التفاح قوامه كقوام الصخر تحتاج إلى مكسرة، تأخذ التفاح إلى المكسرة الخاصة بالبحص، أما قوامه فيتناسب مع أسنانك، وحجمه متناسب، هل من المعقول التفاحة كحجم البطيخة؟ تَقْسِمَها فَتَسْوَدْ، فلا تعود تؤكل، فالحجم واللون والقوام والشكل والرائحة، وهي مُشّهِية ولها غلاف مجلتن، هذا الغلاف –القشرة-مادة حافظة.
 

التفكر في الظاهرة النباتية:


هنالك أشياء مدهشة بالفواكه، البطيخ مثلاً 97 بالمئة من البطيخ ماء، أنت هل بإمكانك أن تجمد ماء من دون براد؟ البطيخ ماء مجمد، ماء مجمد بأوعية هشة، فإذا عصرت البطيخ 97 بالمئة ماء صرف، و3 بالمئة مواد سكرية ومُنَكِّهة، البطيخ لو كان غلافه هشاً كان كله يتلف وهو في الطريق، تجد السيارة تحمل خمسة أطنان من البطيخ والتي موجودة في الأسفل تحمل الجميع، البطيخة فوقها أربعة أطنان، هذا الشكل البيضوي، هذا القشر المتماسك شيء رائع جداً.
انظر في الفواكه والثمار، الموز ثمرة تفيد الصغار، تقشيرها سهل، الصبارة ليست كالموز تقشيرها أصعب بكثير، فيه مشكلة، يوجد شيء له بذر كبير كالمنجا، هناك أشياء بذرها صغير، هناك أشياء بلا بذر، أي كل ما يخطر في بالك هناك ما يشبهه في الطبيعة، تحتاج أن تضع في الكاتو زبيب، يوجد نوع من الزبيب ليس له بذر، هذا نادر، تجد نوعاً من الفاكهة ثلاثمئة نوع، أربعمئة نوع، لدينا مجمع بحوث زراعية في دوما لديه ثلاثمئة نوع من العنب، هذه الفاكهة شيء للتصدير قوامها متين، شيء للعصير، شيء للاستهلاك، شيء للمائدة، شيء للطبخ، أنواع، لا يوجد فاكهة أو إنتاج زراعي إلا له أنواع منوعة، يقول لك: هذه نسيجها اللحمي كثيف للمائدة، يقول لك: ماؤها كثيف للعصير، قوامها صلب للتصدير، تتحمل، أنواع منوعة، فالظاهرة النباتية أيها الأخوة هذا موضوع للتفكر، أنت أثناء أكلك فَكِّرْ تتعرف إلى الله، تدخل عليه من باب عريض، وتصل إليه بطريق قصير، كل شيء أمامك.
 

خلق الله ينبغي على الإنسان أن يعرفه:


﴿ فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ إِلَى طَعَامِهِ (24)﴾

[ سورة عبس ]

أمر إلهي كأمر الصلاة. 

﴿ أَنَّا صَبَبْنَا الْمَاءَ صَبًّا (25)﴾

[ سورة عبس ]

العنب، البرتقالة لو كانت كلها قوام واحد تقسمها نصفين اثنين، تعطي للأول نصفاً، وللثاني النصف الآخر، الثاني قسمها نصفين، النصف كان أربعة حزوز، حزّ غلاف مستقل، لو كان قطعة واحد تلوث نفسك، تأكلها جزءاً جزءاً، وإذا تلوثت يداك لها محارم منها وفيها، مواد منعشة قشر البرتقال، والقشر يصبح مرملاد مِنْ أرقى أنواع المرملاد، هذا خَلْقُ الله ينبغي أن نعرفه، ظاهرة النبات وحدها تلفت النظر، تأخذ بالألباب.
 

دور الإنسان في النبات شكلي جداً:


﴿ أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَحْرُثُونَ (63) أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ(64)﴾

[ سورة الواقعة ]

أنت ماذا فعلت؟ من باب الدعابة يقول لك: أنشأنا مصنعاً لتعبئة المياه، ماذا فعلت أنت؟ ماذا فعلت بهذا المعمل؟ وضعت القارورة تحت الصنبور ثم أغلقتها، هذا دور الإنسان،  دور الإنسان شكلي جداً، ألقيت الحبة بالأرض، حرثت الأرض وسمدتها وألقيت فيها الحبة وانتهى الأمر، تذهب للنوم بعد ذلك، مَنْ فَعَلَ فِعْلَ الخَلْقِ في هذه البذرة؟ الله جل جلاله، الإنسان غافل وجاهل؛ والغفلة والجهل لا يولدان عملاً ذكياً رائعاً، يقول لك: هذه البذرة بذرة مشمش كلابي، والثانية مشمش فرنسي، والثالثة مشمش بلدي، والرابعة مشمش عجمي، كم نوع؟ العجمي له طعم، له خصائص، الكلابي له خصائص، البلدي له خصائص، كله مشمش، لكن كل واحد له طعم، البندورة فيها نوع حامضي ذو نكهة جميلة جداً، وهناك نوع ذو نكهة حلوة، أنواع منوعة.
 

رزق الله للإنسان لا يقدر بثمن:


﴿ أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَحْرُثُونَ﴾ من هذه النباتات ﴿ أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ﴾ أنت حينما تشتري كيلو تفاح تكون قد دفعت ثمن خدمته فقط، أما هو بلا ثمن، هو بلا ثمن إطلاقاً، هو مِنْ رِزْقِ الله عز وجل.
مرة ثانية: المحاضرة اليوم في جامع صلاح الدين حول آيات الله عز وجل الدالة على خلقه، ولكن تستطيع تمضية شهر وشهرين وثلاثة وخمسة وعشرة وسنة وسنتين في ظاهرة النبات وحدها، يوجد آية كريمة حول النبات بسورة الأنعام على الأغلب:

﴿ وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ نَبَاتَ كُلِّ شَيْءٍ فَأَخْرَجْنَا مِنْهُ خَضِرًا نُخْرِجُ مِنْهُ حَبًّا مُتَرَاكِبًا وَمِنَ النَّخْلِ مِنْ طَلْعِهَا قِنْوَانٌ دَانِيَةٌ وَجَنَّاتٍ مِنْ أَعْنَابٍ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُشْتَبِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ انْظُرُوا إِلَى ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَيَنْعِهِ إِنَّ فِي ذَلِكُمْ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (99)﴾

[ سورة الأنعام ]

كل حاجات الإنسان النبات يغطي هذه الحاجات بَدْءاً من المأوى.
 

النبات من أكبر الموضوعات الدالة على الله وجوداً وكمالاً ووحدانيةً:


البيوت كلها بالدول الغربية من الخشب، الخشب أرقى مادة للبيوت، عزل، دفء، برودة، شيء رائع جداً، ادخل لغرفة كلها خشب الجلوس فيها ممتع جداً، فالخشب للسكن، الخشب للأثاث.
أثاث البيوت من خشب الزان، تجده معمِّراً مئة سنة، مئتي سنة، يقول لك: هذا من عهد لويس الثالث عشر، خشب زان، خشب النوافذ يقاوم الهواء والبرد، خشب الاستعمال الصناعي سهل، لين، تنجيره سهل، لكن على الإنسان أن يفكر أيها الأخوة، أنا لم أقدم شيئاً  سوى نماذج مبسطة لطرائق التفكر في الله عز وجل، وفي آيات الله الدالة على عظمته. 
على كلٍّ يمكن أن تُعَدَّ ظاهرة النبات وحدها من أكبر الظواهر الدالة على عظمة الله، لا يوجد واحد منا إلا ويوجد في بيته طعام مهما كان خشناً، ألا يوجد خسِّة، فكر في الخس (أوراق)، فكِّر في بعض الخضراوات والفواكه، خصائصها، هذا شيء يأخذ بالألباب، فيمكن أن يُعد موضوع النبات من أكبر الموضوعات الدالة على الله وجوداً وكمالاً ووحدانيةً.
 

للنبات حياة نفسية خاصة به:


الله عز وجل جعل هذا النبات بين أيدينا، كائن حي، هنالك بحوث حديثة جداً تشير إلى أن النبات له حياة نفسية، أجريت تجربة نادرة جداً، هناك جهازٌ لكشف الكذب أساسه التعرق، عندما يكذب الإنسان يفرز جلده عرقاً بارداً، هناك أجهزة تحسس بالغة الدقة توضع على مِعْصم الإنسان ويُسأَل فإذا كذب تحرك المؤشر، وُضِعَ هذا الجهاز على نبات، وجاء إنسان ومزق نباتاً آخر أمام هذا النبات تحرك الجهاز، تألم، الأغرب من ذلك، بعد حين جاء الشخص نفسه الذي مزق النبات وقف أمام النبات فتحرك المؤشر، هكذا قرأت في بحث علمي أن هذه التجربة بدايةٌ متواضعةٌ لإثبات أن للنبات حياة نفسية.
أما أجدادنا فيعرفون هذه الحقيقة، أحياناً نبتة تعيش في بيت لا تعيش في بيت آخر، ينشأ بينها وبين صاحبها مشاركة وجدانية.
 

سرور الإنسان مع النباتات أنها كائنات مسبّحة:


النبات كائن حي لذلك يقول لك الإنسان: أنا ذهبت في نزهة وسررت، لماذا سُرَّ؟ لأنه عاش مع النبات، النباتات كائنات صافية موصولة بالله وغير مكلفة، ليس لديها معاص وآثام، أحد أسباب السرور مع النبات أنها كائنات مُسَبِّحَةٌ لقول الله عز وجل:

﴿ تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا (44)﴾

[ سورة الإسراء ]

أبداً النبات مُسَبِّحْ.
 

عجائب النبات:


فيا أيها الأخوة؛ أثناء طعامك وأنت جالس في غرفة الضيوف يوجد نبات مصمم لِيُمْتِعَ عينيك فقط، أما لو أكلته يُمِيتُ الإنسان، سام، أوراق مخططة، لو أن طفلاً أكل منها لمات فوراً، لماذا مصمم؟ أما ورق الملفوف فلا يميت، مصمم كي تأكله، ورق العنب لا يميت، أما هذا النبات مصمم ليمتع عينيك في البيت فقط، أما إذا أكلته فهو سام.
هناك نباتات تأكل اللحوم، نباتات تنصب فخاً أمام الحشرات، فإذا وقعت فيها استهلكتها كغذاء، يوجد في النباتات عجائب لا تصدق، الشجرة التي خُلِقت لِيُسْتَفادَ من خشبها، جذورها ليفية قليلة ومجتمعة، قلعها سهل، أما الشجرة التي خُلقت كي يستفاد من ثمرها جذورها بالغة الأعماق، هناك فرق، إله حكيم، هذه زُرِعَتْ لتقطع في الأساس ليستفاد من خشبها إذاً جذورها ليفية أما الأخرى زرعت لتبقى، من أجل أن تثمر، جذورها إذاً لها أطوال طويلة وضاربة في أعماق التربة، طبعاً أنا لم أذكر إلا أشياء بسيطة من النبات، هذه يمكن أن تكون نموذجاً لطرائق التفكر في خلق السماوات والأرض.
أيها الأخوة الكرام؛ إن شاء الله تعالى في الجمعة التي تلي العيد نتحدث عن موضوعات أخرى متعلقة بهذه الآية:

﴿ أَفَرَأَيْتُمُ الْمَاءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ (68) أَأَنْتُمْ أَنْزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنْزِلُونَ (69) لَوْ نَشَاءُ جَعَلْنَاهُ أُجَاجًا فَلَوْلَا تَشْكُرُونَ (70)﴾

[ سورة الواقعة  ]


الملف مدقق

والحمد لله رب العالمين 

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور