- موضوعات متنوعة
- /
- ٠4موضوعات متفرقة
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات.
الفتنة في آخر الزمان:
أيها الأخوة الكرام، لازلنا في الموضوعات المشتعلة، يقول النبي عليه الصلاة والسلام ونحن في فتنة، ما هذه الفتنة ؟ أن الله يقوي الأعداء، يقويهم ويقويهم حتى يفعلوا ما يقولون، يقصفون، يهدمون، يسلبون، يتجبرون، يستكبرون، يتغطرسون، يتحدون، حتى يقول ضعاف الإيمان أين الله ؟ وقد قيلت، ثم يظهر آياته حتى يقول الطغاة لا إله إلا الله، امتحانان صعبان، نحن في الأول، هذا الامتحان أيها الأخوة يسمى في المصطلحات القرآنية فتنة، والموضوع اليوم حول الفتن، الحديث الذي يملأ القلب طمأنينة، فقد قال النبي عليه الصلاة و السلام:
(( لا تكرهوا الفتنة في آخر الزمان فإنها تبير المنافقين))
ويقول الله عز وجل:
﴿ُمَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ﴾
يقول سيدنا علي: والله لو كشف الغطاء ما ازددت يقيناً.
توظيف طغيان الطغاة من قِبل الله تعالى لخدمة دينه و المؤمنين:
أقسم لكم بالله وهذا إيماني أنكم سوف ترون من هذه الأحداث الأليمة خيراً لا يعلمه إلا الله، لأن الله عز وجل لا يسمح لطاغية أن يكون طاغية إلا وأن يكون طغيانه موظفاً لخدمة دينه والمؤمنين، اجتمعنا ذابت الفوارق، ذبنا في بوتقة واحدة، وصلت هذه الأحداث إلى أعماق أعماق قلوبنا، البذل الذي نراه في العالم الإسلامي يفوق حدّ الخيال، ولعنهم الله والملائكة والناس أجمعين إلى يوم الدين، أحياناً الإنسان يدفع مبالغ فلكية حتى يشوه سمعة عدوه، هم شوهوا سمعتهم بأيديهم حينما قتلوا الأطفال والنساء، لذلك:
(( لا تكرهوا الفتنة في آخر الزمان فإنها تبير المنافقين ))
عدم استقامة الإنسان إذا توهم أن الله لا يعنيه ما يجري في الأرض:
الآن اللون الرمادي في الأرض اختفى، أبيض مؤمن، مستقيم، متمسك، وكافر مجرم، والدليل:
﴿أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ (35)﴾
ماذا يقابل المسلمين ؟ المجرمون:
﴿أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ (35) مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ (36)﴾
(( لا تكرهوا الفتنة في آخر الزمان فإنها تبير المنافقين ))
﴿ُمَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ﴾
لأنه لا يستقيم إيمان واحد منا إذا توهم أن الله لا يعلم ما يجري في غزة، ولا يستقيم إيمان واحد منا إذا توهم أن الله لا يقدر، زلزال تسونامي يساوي مليون قنبلة ذرية في ثوان، ولا يستقيم إيمان واحد منا إذا توهم أن الله لا يعنيه ما يجري في الأرض:
﴿وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلَهٌ ﴾
حسن الظن بالله ثمن الجنة:
إذاً هناك حكمة بالغة بالغة قد نعرفها بعد حين، هذا هو المؤمن يحسن الظن بالله، حسن الظن بالله ثمن الجنة:
﴿وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَجْتَبِي مِنْ رُسُلِهِ مَنْ يَشَاءُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا فَلَكُمْ أَجْرٌ عَظِيمٌ (179)﴾
الآن آية ثانية:
﴿أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ (2)﴾
أحياناً تتوافق مصالح الإنسان مع دينه تراه صاحب دين، حينما تمس مصالحه يتخلى عن دينه، يعبد الله على حرف، لذلك لابدّ من أن يكشف الله حقيقة المؤمنين، وحقيقة البلاد أيضاً.
الفتنة في اللغة:
لكن قبل أن نتحدث عن الفتنة لابدّ من وقفة لغوية، فتن يفتن فتوناً فهو فاتن، أي امتحن، كلمة فتنة لا تزيد عن الامتحان:
﴿وَقَتَلْتَ نَفْساً فَنَجَّيْنَاكَ مِنَ الْغَمِّ وَفَتَنَّاكَ فُتُوناً﴾
امتحنت ونجحت في الامتحان، والفتنة في المعجم هي العذاب والبلاء، وما يقع بين الناس من حروب، حدث في زلزال في القاهرة بعض الأطباء هربوا إلى الإسكندرية وبعضهم دخلوا إلى المستشفيات، والآن في غزة أطباء كثر دخلوا إلى ساحة المعركة لينقذوا الجرحى، امتحان:
﴿وَإِنْ كُنَّا لَمُبْتَلِينَ (30)﴾
هذه الدنيا دار ابتلاء لا دار جزاء، الفتنة الامتحان والاختبار، تقول فتنت الذهب أي أدخلته النار لأعرف جودته، وقال تعالى:
﴿إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ ﴾
ومعنى فتنوا المؤمنين، أي قد ينجح المؤمنون في هذا الامتحان.
أيها الأخوة، رجل مفتون إذا اختبر، قال تعالى:
﴿وَفَتَنَّاكَ فُتُوناً﴾
فالحديث:
(( لا تكرهوا الفتنة في آخر الزمان فإنها تبير المنافقين ))
مجتمع المؤمنين مجتمع متعاون متكاتف متناصر و متناصح:
الآن من أخطر الآيات في كتاب الله:
﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولَئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ﴾
هذه صفات المؤمنين.
﴿ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوا وَنَصَرُوا أُوْلَئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ ﴾
مجتمع متعاون، متكاتف، متناصر، متناصح.
ما لم تأخذ موقفاً مما يحدث فأنت مشترك في الجريمة:
﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهَاجِرُوا مَا لَكُمْ مِنْ وَلَايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتَّى يُهَاجِرُوا﴾
ما لم تتحرك، ما لم تأخذ موقفاً، الله عز وجل أهلك قوم صالح لأنهم سكتوا حينما عقر أحدهم الناقة، قال تعالى:
﴿فَعَقَرُوهَا فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُمْ بِذَنْبِهِمْ فَسَوَّاهَا (14) وَلَا يَخَافُ عُقْبَاهَا (15) ﴾
ولأن العالم الغربي كله ساكت على ما يقع في غزة، مشترك جميعاً في هذه الجريمة، عقروها، الذي عقرها واحد، لكن سكوتهم على هذا الفعل يعد اشتراكاً في الجريمة، من هنا قال سيدنا عمر: لو أن أهل بلدة ائتمروا على قتل واحد لقتلتهم به جميعاً.
ما من قطرة دم تراق إلا وسوف يتحمل هذا الدم إنسان يوم القيامة إلا دم المقتول بحدٍّ:
والله أيها الأخوة، ما من قطرة دم تراق (وهذا من عدل الله) إلا وسوف يتحمل هذا الدم إنسان يوم القيامة، قال بعض العلماء إلا دم المقتول بحدٍّ، يتحمله الله عز وجل:
﴿أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى (36)﴾
﴿أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ (115)﴾
(( لَيَأْتِيَنَّ عَلَى الْقَاضِي الْعَدْلِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ سَاعَةٌ يَتَمَنَّى أَنَّهُ لَمْ يَقْضِ بَيْنَ اثْنَيْنِ فِي تَمْرَةٍ قَطُّ ))
﴿فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (92) عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ (93)﴾
﴿وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ (42) ﴾
ما من إنسان إلا ويرد النار يوم القيامة:
لماذا قال الله عز وجل:
﴿وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا﴾
قال العلماء: ما من إنسان إلا ويرد النار، ورود النار غير دخولها، الذي يرد النار لا يتأذى بوهجها، ليرى اسم الله العدل، ليرى الطغاة الذين أمروا بالقصف والتدمير والقتل، ليرى هؤلاء الذين ألقوا قنبلة على هيروشيما ونكزاكي، ثلاثمئة ألف إنسان بثلاث ثوان.
اليوم الآخر يوم تحل به المشكلات و يتحقق العدل المطلق:
أيها الأخوة، اليوم الآخر تحل به المشكلات، لولا اليوم الآخر ينشأ مليار سؤال ليس له جواب، أما في اليوم الآخر:
﴿وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ ﴾
﴿لِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَى (15) ﴾
هناك عدل مطلق، لذلك:
﴿وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ (42) ﴾
على المؤمنين أن يتعاونوا و يتكاتفوا كما يتعاون الكافرون مع بعضهم:
الآية خطيرة جداً:
﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولَئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ ﴾
مجتمع متكامل، متعاون، متناصح، متباذل، لا كهذا المجتمع العربي الذين ترونه: أكاد أؤمن من شك و من عجب هذه الجماهير ليست أمة العرب.
الشيء الدقيق والخطير أن الذين كفروا أيضاً:
﴿وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ ﴾
يتعاونون، يتناصرون، يبذلون، يسهرون، يخططون:
﴿وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ ﴾
كما أن المؤمنين ينبغي أن يتعاونوا:
﴿وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ ﴾
تعطيل آية في القرآن الكريم نتيجة ما نعانيه اليوم من أحداث:
الآن:
﴿إِلَّا تَفْعَلُوهُ ﴾
ضمير غائب، على من يعود ؟ الآية دقيقة جداً:
﴿ إِلَّا تَفْعَلُوهُ ﴾
قال علماء التفسير: هذا الضمير يعود على الآية السابقة بأكملها، يعني ينبغي أن تؤمنوا، وأن تهاجروا، أن تتحركوا، وأن تجاهدوا بأموالكم وأنفسكم في سبيل الله، وينبغي أن تؤووا، وأن تنصروا:
﴿إِلَّا تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ (73)﴾
التي نحن فيها، وما نعانيه اليوم من أخطاء ارتكبناها من مئتي عام حينما عطلنا آية في القرآن الكريم:
﴿وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ﴾
أعدوا لنا ولم نعد لهم.
الإيمان و الاستقامة و الصلة بالله تعالى تغير جميع المعادلات تجاه المسلمين:
أيها الأخوة الكرام، يقول الله عز وجل:
﴿وَإِنْ كَادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ لِتَفْتَرِيَ عَلَيْنَا غَيْرَهُ ﴾
أي العالم الآخر يقبل الجوامع، والمساجد، والاحتفالات، والمؤتمرات، والمؤلفات، والمحاضرات، والندوات، هذا كله مقبول، هذا إسلام بلا أظافر، هذا إسلام ظاهرة صوتية، لكن أخوتنا في غزة جعلوا من هذا الإسلام ظاهرة عملية، المسلمون يحتاجون إلى إنسان يتكلم ويفعل ويعد للآخر ما ينبغي، إذاً بين أن يكون الإسلام ظاهرة صوتية وبين أن يصبح منهجاً مطبقاً، فإذا أصبح منهجاً مطبقاً، غير كل المعادلات، شيء لا يصدق أن فئة قليلة مؤمنة صادقة تتحدى أقوى جيش في الشرق الأوسط، بل رابع جيش في العالم، الطائرات، والقنابل الفسفورية، العنقودية، والانشطارية، والليزر، والقنابل الارتجاجية، والحارقة، والخارقة، والحوامات، والمدفعية، والبحرية، فئة قليلة مؤمنة لليوم الواحد والعشرين لم يحقق ولا هدف من أهدافه، إذا في إيمان، وفي استقامة، وفي صلة بالله، تتبدل جميع المعادلات، وكأن الله عز وجل أعطانا جرعة منعشة، تأييداً لهذا القرآن الكريم:
﴿وَإِنْ كَادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ لِتَفْتَرِيَ عَلَيْنَا غَيْرَهُ ﴾
تأويل الباطل أو الفتاوى المزيفة أو إلغاء السنة طريق الآخر للقضاء على الدين:
كل المظاهر الإسلامية مقبولة عند الطرف الآخر لكن لابدّ من أن تغير منهج الحياة:
﴿لِتَفْتَرِيَ عَلَيْنَا غَيْرَهُ وَإِذاً لَاتَّخَذُوكَ خَلِيلاً (73)﴾
معنى خليلاً أي تطبيع العلاقات، لا يوجد مشكلة، شخص قال لك: أريد بيتك بكل أثاثه، أعطني مفتاحه، أنا ساعتئذ ليس لي معك مشكلة، أما إذا أراد أخذ كل شيء، فإذا قلت لا حطمك، هذا الذي يقع:
﴿وَلَوْلَا أَنْ ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلاً (74) إِذاً لَأَذَقْنَاكَ ضِعْفَ الْحَيَاةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ ثُمَّ لَا تَجِدُ لَكَ عَلَيْنَا نَصِيراً (75) ﴾
إذاً جهد الطرف الآخر من بعثة النبي عليه الصلاة والسلام حتى الآن.
﴿ لِتَفْتَرِيَ عَلَيْنَا غَيْرَهُ ﴾
قال الربا بنسب قليلة لا شيء فيه، توافق على الاختلاط، توافق على أشياء حرمها الله عز وجل، لذلك أعداء الدين لا يستطيعون إلغاء الدين بل التفوا عليه من خلال التأويل، أو إلغاء السنة، أو الفتاوى، ثلاثة منافذ دخل بها أعداء الدين للقضاء على الدين لا بشكل كامل، بشكل التفافي، أو بتعبير آخر التفجير من الداخل، عن طريق تأويل الباطل، أو عن طريق الفتاوى المزيفة، أو عن طريق إلغاء السنة.
كل إنسان ممتحن فيما أعطاه الله عز وجل:
أما الآية الدقيقة:
﴿أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ (2)﴾
مستحيل وألف ألف مستحيل، قيل للشافعي: " يا إمام، أندعو الله بالابتلاء أم بالتمكين ؟ فقال: لن تمكن قبل أن تبتلى ".
مستحيل إياك أن تتوهم أنه قد تأتي الدنيا تماماً كما تريد دون أن تمتحن إطلاقاً، مصالحك موفرة، دخلك فلكي، بيت، أهل، أولاد، صحة، إلى الجنة رأساً، لا:
﴿أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ (2) وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ (3) ﴾
وطن نفسك أن هناك امتحاناً سوف تواجهه.
الابتلاء أحد خصائص الدنيا:
أيها الأخوة، مرة ثانية أحد خصائص الدنيا الابتلاء والدليل:
﴿وَإِنْ كُنَّا لَمُبْتَلِينَ (30) ﴾
﴿كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً﴾
تمتحن بالمال، تمتحن بالصحة، تمتحن بالزواج، تمتحن بأولاد نجباء، تمتحن بمكانة اجتماعية، تمتحن بوسامة، تمتحن بطلاقة لسان، هل توظف هذه الخصائص لطاعة الله أم لمعصيته ؟ تمتحن بالفقر والقهر، عفواً النبي عليه الصلاة والسلام ضرب في الطائف:
(( إن لم يكن بك غضب علي فلا أبالي، ولك العتبى حتى ترضى ))
وامتحن بالنصر، لما فتح النبي الكريم مكة المكرمة دخلها مطأطئ الرأس، حتى كادت ذؤابة عمامته تلامس عنق بعيره تواضعاً لله عز وجل، امتحن بالنصر فعفا، اذهبوا فأنتم الطلقاء، وامتحن بالقهر فصبر، امتحن بالفقر:
(( هل عندكم شيء ؟ قالوا: لا، قال: فإني صائم ))
لا يوجد شيء في البيت، وامتحن بالغنى: لمن هذا الوادي من الغنم ؟ قال: هو لك، قال: أتهزأ بي ؟ قال: لا والله، هو لك، قال: أشهد أنك رسول الله تعطي عطاء من لا يخشى الفقر، امتحن بالمرض، امتحن بالهجرة، امتحن بتطليق ابنتيه، امتحن امتحاناً لا يحتمل ؛ أن تتهم زوجته العفيفة الطاهرة بأشرف ما تملكه امرأة وصبر، لما قال الله عز وجل:
﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ﴾
أي النبي عليه الصلاة والسلام ذاق الفقر، وذاق الغنى، وذاق النصر، وذاق القهر، في الطائف ضرب، لما ضرب جاء امتحان آخر، جاءه ملك الجبال، و قال له يا محمد:
(( إِنْ شِئْتَ أَنْ أُطْبِقَ عَلَيْهِمْ الْأَخْشَبَيْنِ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: بَلْ أَرْجُو أَنْ يُخْرِجَ اللَّهُ مِنْ أَصْلَابِهِمْ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ وَحْدَهُ لَا يُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا ))
دعا لهم واعتذر عنهم وتمنى أن ينجبوا أولاداً مؤمنين، هذه النبوة.
الخاسر من انقلب عن الدين ووقف مع الطرف الآخر إن تناقضت مصالحه مع إيمانه:
أيها الأخوة:
﴿كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ (35) ﴾
أما ضعاف الإيمان:
﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ (11) ﴾
أما هناك آية دقيقة جداً تصور الواقع:
﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ فَإِذَا أُوذِيَ فِي اللَّهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذَابِ اللَّهِ﴾
يعني هو مصالحه متوافقة مع وضعه الديني، فلما هددت مصالحه جعل خسارته كعذاب النار فترك الدين، هذا شيء واضح، يعني لما تناقضت المصالح فصف مع الطرف الآخر.
من تذكر الله في الرخاء تذكره الله في الشدة:
من شأن الإنسان أن ينسى:
﴿فَإِذَا مَسَّ الْإِنْسَانَ ضُرٌّ دَعَانَا ثُمَّ إِذَا خَوَّلْنَاهُ نِعْمَةً مِنَّا قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ بَلْ هِيَ فِتْنَةٌ﴾
الإنسان أحياناً ترتفع حرارة ابنه للواحد والأربعين لا ينام الليل، يا رب أنت الشافي، الله عز وجل يتفضل عليه فيأذن لهذا المرض أن ينحسر، يقول لك الطبيب ما شاء الله معه بورد، الدواء أجنبي أحضرناه، بعد أن دعيت الله عز وجل ليلاً نهاراً صار الشفاء على يد الطبيب، هو السبب، أو الدواء السبب، هذا شأن الإنسان بالشدة يتذكر الله عز وجل بالرخاء ينسى، هذا الإيمان النوبي يأتي ويذهب لا قيمة له، حتى أكفر كفار الأرض إذا ركب سفينة يقول يا رب، حتى الملحد، كان هناك طائرة، فيها سبعة مهندسين كفار، فدخلت الطائرة غيمة مكهربة دون أن يشعروا دعوا ربهم، فالإنسان بالشدة يسأل الله، لا قيمة لهذا الإيمان الذي يأتيك عند الشدة، اعرفه في الرخاء وأنت صحيح معافى.
تصايح أهل النار يوم القيامة و استغاثتهم بأهل الجنة:
أيها الأخوة، أهل النار يتصايحون يطلعون على أهل الجنة ينادونهم ألم نكن معكم، كنا مع بعضنا في الدنيا، ألم نكن معكم ؟ قالوا: بلى كان جاره، زميله في العمل، دكانه إلى جانب دكان الأول:
﴿أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ قَالُوا بَلَى وَلَكِنَّكُمْ فَتَنْتُمْ أَنْفُسَكُمْ وَتَرَبَّصْتُمْ وَارْتَبْتُمْ وَغَرَّتْكُمُ الْأَمَانِيُّ حَتَّى جَاءَ أَمْرُ اللَّهِ وَغَرَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ (14)﴾
المنافق إنسان، أحياناً يصلي:
﴿وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلاً (142)﴾
من تفوق بدينه يقنع الآخر بصحة هذا الدين و صدقه:
﴿وَاعْلَمُوا أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ وَأَنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ (28)﴾
﴿وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَلَا عُدْوَانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ (193)﴾
﴿رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (85) ﴾
﴿رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا﴾
المؤمن حينما يقصر، حينما لا يعد لأعدائه العدة، وحينما ينتصر أعداؤه عليه، يتبجحون أنهم على حق، دينهم هو الصحيح، أما حينما يتفوق يقنعهم أن دينه هو الصحيح، فالإنسان إذا قصر، إذا أهمل، إذا أدلى بتصريح كاذب، إذا أخطأ، إذا تهاون، إذا لم يتقن عمله، الطرف الآخر يعتقد من خلالك أيها المسلم المقصر أنه على حق:
﴿رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا﴾
الفتنة تحتاج إلى يقظة وإلى عودة إلى الله عز وجل:
آيات الفتن كثيرة جداً قريب من سبعين آية، اخترت لكم بعض هذه الآيات لأننا في فتنة، هذه الفتنة تحتاج إلى يقظة، تحتاج إلى عودة إلى الله، تحتاج إلى فتح صفحة مع الله جديدة، تحتاج إلى تغير من الداخل:
﴿اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ ﴾
فأسأل الله جلّ جلاله أن تكون هذه الفتنة التي نحن فيها سبباً لصلحنا مع الله، وتوبتنا له، وإقبالنا عليه.