وضع داكن
26-04-2024
Logo
حياة المسلم 1- إذاعة حياة إف إم- الحلقة : 028 - صنائع المعروف تقي مصارع السوء.
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

مقدمة :

المذيع :
 بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وأتمّ الصلاة وخير التسليم على حبيب قلوبنا على نبينا ورسولنا محمد صلى الله عليه وسلم.
 السلام عليكم ورحمة الله وتعالى وبركاته، أهلاً وسهلاً بكم مستمعينا الأكارم على الهواء مباشرة عبر أثير إذاعتكم حياة fm في مجلس إيماني، مع فضيلة العلّامة الأستاذ الدكتور محمد راتب النابلسي، فأهلاً وسهلاً بكم شيخنا..
الدكتور راتب:
 بارك الله بكم، ونفع بكم.
المذيع :
 دكتورنا الكريم نبدأ، عن أبي أمامة قال صلى الله عليه وسلم:

(( إن صنائع المعروف تقي مصارع السوء، إن صدقة السر تطفئ غضب الرب وإن صلة الرحم تزيد في العمر …))

 حول الشق الأول من الحديث صنائع المعروف تقي مصارع السوء يكون عنواننا ونقاشنا مع فضيلة الأستاذ الدكتور محمد راتب النابلسي في هذا اللقاء الإيماني، وأبدأ معك سيدي ما المقصود بصنائع المعروف، وما هي مصارع السوء؟

الإنسان كائن متحرك :

الدكتور راتب:
 بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيّدنا محمّد، وعلى آله وأصحابه الطيّبين الطاهرين، أمناء دعوته، وقادة ألوِيَتِه، وارضَ عنّا وعنهم يا ربّ العالمين، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنّات القربات.
بادئ ذي بدء، الإنسان كائن متحرك بينما هذه الطاولة كائن ساكن، ما دام كائناً متحركاً ما الذي يحركه؟ الحاجة إلى الطعام والشراب حفاظاً على بقاء الفرد، ويحركه أيضاً الحاجة إلى الطرف الآخر، إلى الزواج دون أن يشعر حفاظاً على بقاء النوع، وما الذي يحركه؟ أن يشار إليه بالبنان، التفوق حفاظاً على بقاء الذكر، أنت كائن متحرك لولا الحاجة إلى الطعام ما رأيت على وجه الأرض شيئاً، لا جامعات، ولا طرق، ولا وزارات، ولا معامل، ولا مؤسسات، ولا إنجاز علمي، ولا حضاري، الحاجة إلى الطعام والشراب، أنت مفتقر إلى الطعام والشراب من أجل وجودك، لا يكفي، ومفتقر إلى ثمن الطعام، لذلك حينما وصف الله عز وجل الأنبياء بأنهم بشر، قال تعالى:

﴿ إِلَّا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَيَمْشُونَ فِي الْأَسْوَاقِ ﴾

[سورة الفرقان: 20]

 مفتقرون في وجودهم إلى الطعام والشراب، ومفتقرون إلى ثمن الطعام والشراب، لأنهم بشر يأكلون الطعام، ويمشون في الأسواق، الله عز وجل جعل الحاجة إلى الطعام والشراب، والحاجة إلى الزواج، والحاجة إلى التفوق، جعلها مناسبات لامتحان الإنسان، فنحن في دار التواء أي دار ابتلاء، لا دار استواء، ونحن في منزل ترح لا منزل فرح، فمن عرف حقيقة الحياة الدنيا لم يفرح لرخاء، ولم يحزن لشقاء، قد جعلها الله دار بلوى، وجعل الآخرة دار عقبى، فجعل بلاء الدنيا لعطاء الآخرة سبباً، وجعل عطاء الآخرة من بلوى الدنيا عوضاً، فيأخذ ليعطي ويبتلي ليجزي، إذاً مادمت في الحياة الدنيا أنا كائن معي منهج، منهج الذي صنعني، الذي خلقني، الذي رباني، هذا المنهج هو الوجه الصحيح الوحيد، لأنه ما من جهة ينبغي أن تتبع تعليماتها إلا الجهة الصانعة، لأنها الجهة الخبيرة، قال تعالى:

﴿ وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ ﴾

[ سورة فاطر: 14]

 الله عز وجل جعل الإنسان كائناً متحركاً تحركه شهوته إلى الطعام والشراب، وشهوته إلى الزواج، وشهوته إلى التفوق، من خلال هذه الحاجات التي تلبى كل يوم يمتحن الإنسان، يمتحن هل يأكل المال الحلال أم الحرام؟ هل يتحرك بدافع شهوته وفق المنطقة التي سمح الله بها أم المنطقة الحمراء؟ ما من شهوة أودعها الله فينا إلا جعل لها قناة نظيفة تسري خلالها، فالإنسان إذا اشتهى المرأة هناك الزواج، إذا اشتهى المال هناك العمل، أية شهوة أودعها الله فينا لها قناة نظيفة رائعة تلبى من خلالها، المعصية تلبية شهوة بغير القناة النظيفة، والدليل الكبير قال تعالى:

﴿ وَمَن أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَواهُ بِغَيرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ ﴾

[سورة القصص: ٥٠]

 المعنى المخالف الذي يتبع شهوته وفق منهج الله لا شيء عليه، قال تعالى:

﴿ قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ ﴾

[سورة الأعراف: 32]

﴿ وَمَن أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَواهُ بِغَيرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ ﴾

[سورة القصص: ٥٠]

 فالذي يتبع هواه وفق هدى الله لا شيء عليه.
 أنا أريد أن أقنع أخوتي المستمعين لا تتخيل أن الإسلام قيود، الإسلام حدود، أوامر الدين ليست حداً لحريتك، لكنها ضمان لسلامتك، أنت تمشي في فلاة وهناك خطوط كهرباء ثمانية آلاف فولط، يقول: ابتعد ثمانية أمتار عن التيار الكهربائي، هذه اللوحة ضمان لسلامتك، ليست حداً لحريتك.
المذيع :
 هل القرار هو فردي للإنسان أن يكون من أهل صنائع المعروف كما ورد في حديث النبي صلى الله عليه وسلم؟

عظمة هذا الدين أنه دين الأفراد و المجتمعات معاً :

الدكتور راتب:
 الحقيقة أن عظمة هذا الدين أنه دين الأفراد ودين المجتمعات معاً، فإذا طبقه الفرد وحده قطف كل ثماره الفردية، أنت في البيت أديت الصلوات الخمس، قرأت القرآن، أحسنت إلى زوجتك، لك والدان أحسنت إليهما، فأنت يمكن أن تقطف كل ثمار الدين الفردية إذا طبقت الدين وحدك، فأنت ليس لك علاقة بالجماعة مبدئياً، أما الجماعة أما الأمة إذا طبقت الدين قطفت كل ثماره الجماعية فتنتصر، أنت كفرد قال تعالى:

﴿ مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ ﴾

[ سورة النساء : 147]

 الكون مسخر لنا تسخير تعريف، موقفي من تسخير التعريف أن أؤمن، ومسخر تسخير تكريم، موقفي من تسخير التكريم أن أشكر، فإذا آمنت وشكرت كفرد توقفت كل المعالجات الإلهية، أما كأمة، كجماعة، كقطر، إذا طبقت هذا الدين فهي في مأمن من عذاب الله:

﴿ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ ﴾

[ سورة الأنفال : 33 ]

 أمة إذا طبقت منهج النبي عليه الصلاة والسلام لا تعذب، هم في مأمن من عذاب الله، هذه بشارة، تطبق الدين كفرد تقطف ثماره الفردية، تطبقه كأمة تقطف ثماره الجماعية.
المذيع :
 يقول النبي صلى الله عليه وسلم: " صنائع المعروف تقي مصارع السوء ". نريد أن نشرح هذا الحديث ما المقصود به؟ وأن نتوسع في معانيه ودرره ما المقصود به؟

للمؤمن معاملة خاصة من الله عز وجل :

الدكتور راتب:
 قال تعالى:

﴿ وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ ﴾

[ سورة الرحمن : 46]

 شراح القرآن الكريم قالوا: جنة في الدنيا وجنة في الآخرة. والمؤمن في الدنيا في جنة هي جنة القرب، والآية تقول:

﴿ وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ ﴾

[ سورة محمد: 6]

 يوم القيامة:

﴿ عَرَّفَهَا لَهُمْ ﴾

[ سورة محمد: 6]

 في الدنيا، ذاقوا طعمها في الدنيا. حتى إن بعض العلماء يقول: ماذا يفعل أعدائي بي؟ بستاني في صدري، إن حبسوني فحبسي خلوة، وإن أبعدوني فإبعادي سياحة، وإن قتلوني فقتلي شهادة، فماذا يفعل أعدائي بي؟ المؤمن يشعر بسعادة وبحالة أمن لا تقدر بثمن، بل إن حالة الأمن له وحده، وليس لغيره، قال تعالى:

﴿فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ*الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ ﴾

[سورة الأنعام81-82]

 لو أن الله قال: أولئك الأمن لهم ولغيرهم، لا يوجد قصر، أما حينما أقدم شبه الجملة في الجملة الاسمية على المبتدأ فصار عندي قصر، قال تعالى:

﴿ إِيّاكَ نَعبُدُ ﴾

[‏ سورة الفاتحة: ٥]

 لو أن الآية: نعبد إياك ولا تمنع أن نعبد غيرك، أما

﴿ إِيّاكَ نَعبُدُ ﴾

 فقد قدمنا الضمير الذي هو في محل مفعول به على الفعل، لذلك أولى ثمار الاستقامة والعمل الصالح حياة طيبة بكل معاني الكلمة، وهذا الوعد الإلهي زوال الكون أهون على الله من ألا يحقق وعوده للمؤمنين، حياة طيبة في أي وضع، في أي ظرف، في أي بلد، في أي نظام، في أي حكم، هذا وعد خالق الأكوان، و زوال الكون أهون على الله من ألا يحقق وعوده للمؤمنين، المؤمن له معاملة خاصة، استثنائية، هي الجزاء الأول قبل الآخرة لاستقامته:

((اسْتَقِيمُوا وَلَنْ تُحْصُوا ))

[ رواه ابن ماجه وأحمد والدارمي عَنْ ثَوْبَانَ]

صنائع المعروف :

 إذاً صنائع المعروف أنت أطعمت جائعاً، هذا معروف، أويت مشرداً، عالجت مريضاً، يبدو أن إنسانة فقيرة زارت طبيب أسنان، قال لها: أنت بحاجة إلى تقويم، يبدو أن المبلغ كبير جداً، بلغها المبلغ قالت له: شكراً، عندما قالت له شكراً عرف أنها لا تملك هذا المبلغ، فهذا الطبيب أراد التقرب إلى الله، قال لها: أختي هل تقبلين هذا التقويم هدية مني، قالت له: نعم، شكراً، يقسم بالله هذا الطبيب أنه شعر بسعادة خلال المعالجة وكأنه في جنة، الإنسان عندما يعمل عملاً طيباً يقال له: ثواب، ما هذا الثواب؟ هو عندما رفع العمل إلى الله ثاب أي رجع من الله حال لهذا الإنسان، حينما رفع إنسان عملاً إلى الله، والعمل الصالح يرفع الإنسان إلى الله، يعود من الله على هذا الإنسان الذي صنع معروفاً حال اسمه السكينة، هذا الحال لا يقدر بثمن، هذا الحال أعظم عطاء إلهي، حتى إنني أعرف السكينة تعريفاً متواضعاً تسعد بها ولو فقدت كل شيء، وتشقى بفقدها ولو ملكت كل شيء.
 هذه السكينة تنزلت على يونس وهو في بطن الحوت، الحقيقة الحوت الأزرق الذي يزن مئة وخمسين طناً، لقمة واحدة، قال تعالى:

﴿ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ * فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ ﴾

[ سورة الأنبياء: 87-88]

 الإنسان عندما يكون له علاقة مع الله يستقر في قلبه سعادة والله لا توصف، والله لو وزعت على أهل بلد لكفتهم، أنت مع من؟ مع الله، مع الخالق، مع الغني، مع القوي، مع الجميل، كل شيء بيده.
المذيع :
 هنا جاء إرشاد النبي صلى الله عليه وسلم أن نقوم بصنائع المعروف لنستفيد نحن بها، ماذا تقصد بمصارع السوء؟

مصارع السوء :

الدكتور راتب:
 الإنسان أحياناً تنتهي حياته بشكل مأساوي، بسبب تافه، بحادث سير، أو تنتهي حياته بأمراض عضالة، يتأفف أقرب الناس إليه، أقرب الناس إليه يقول له: خفف الله عنك، أخي الكريم الطفل عندما يولد كل من حوله يضحك، وهو يبكي وحده، فإذا وافته المنية كل من حوله يبكي، فإذا كان بطلاً فليضحك وحده، قال تعالى:

﴿ قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ قَالَ يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ ﴾

[سورة يس: 26]

 الأعمال الصالحة التي سبقت منه في الدنيا، أعرف شخصاً من كبار المحسنين لا أبالغ، ما في شاب من عائلته الكبيرة وليست الصغيرة، إلا وزوجه، واشترى له بيتاً، أي أنفق ثروته على إعفاف الشباب، جاءته المنية ليلة القدر وهو يقرأ القرآن الكريم.
 أحد الدعاة في مصر كان يدعو ربه دائماً: يا رب لا تمتني إلا وأنا ساجد، يوم توفي كان يوم الجمعة وهو خطيب المسجد، دخل إلى المسجد وصلى ركعتين وهو في السجود وافته المنية، فصنائع المعروف أعمال طيبة طوال عمره.
المذيع :
 الميتة بهذا الشكل هي علامة خير؟
الدكتور راتب:
 بالمسجد وهو يصلي، طبعاً هذه إكرام للإنسان، هناك إنسان يموت بالمرحاض، يموت بمرض وبيل، طبعاً أنا لا أحكم، هذا من شأن الله وحده، أي هناك ميتة بين أهلك، أنا أذكر عالماً في الشام أعرفه تماماً، حضرنا تعزية، وكان جالساً إلى جانبي وسألني وسألته، وصار بيننا مودة بالغة، انطلق من بيت التعزية لا يوجد عنده سيارة، هو يرتدي عمامة وجبة شخصية مرموقة في الشام، يبدو أن شاباً محباً لله ورسوله رأى هذا الشيخ قال له: هل تحب أن أوصلك إلى البيت أستاذ؟ قال له: جزاك الله خيراً يا بني، ركب السيارة ومشى، وصل إلى البيت، بيته في الطابق الرابع، دخل إلى البيت نزع العمامة، وخلع الجبة، استلقى على الفراش، وسلم روحه إلى الله، هذا لو تأخر عشر دقائق كان مات في الطريق إلى المستشفى وتحقيقات وعلى البراد، صنائع المعروف تقي مصارع السوء، سخر الله له شاباً لا يعرفه، أوصله إلى البيت بأسرع وقت، صعد الدرج أربعة طوابق، ودخل إلى بيته، خلع العمامة والجبة، واستلقى على الفراش وسلم روحه إلى الله عز وجل، هناك قصص كثيرة جداً عن حالات الموت، الحقيقة ليس القصد رواية هذه القصص لكن القصد أن الإنسان إذا اصطلح مع الله له معاملة خاصة.
المذيع :
 هل مصرع السوء هو فقط في الموت؟
الدكتور راتب:
 قد يكون مرضاً عضالاً قبل الموت يتأفف منه كل من حوله، أحياناً الإنسان يموت بسرعة، لا يترك أثراً سلبياً، ما من إنسان تأفف منه، ما من إنسان تمنى موته.
المذيع :
 بعض الأمراض التي تفتك بالجسم وتكون صعبة كالسرطان، حتى تصيب بعض العلماء والحفظة والأئمة .

كلما ارتقى علم الإنسان جاءت أحكامه محددة :

الدكتور راتب:
 أنا لا أستطيع أن أعمم، التعميم من العمى، كنت مرة في جامعة أحضر درجة الدكتوراه فيها، فكان هناك مناقشة أطروحة أمامي، يبدو أن الطالب ذكر عبارة في تلخيص أطروحة الدكتوراه فيها تعميم، رئيس الجامعة قال له: قف هنا، لا تنسى أن التعميم من العمى، هذه الكلمة دخلت إلى أعماق أعماق أعماقي، لا تعمم، الله عز وجل ما عمم، قال تعالى:

﴿ وَإِنَّ مِن أَهلِ الكِتابِ ﴾

[سورة آل عمران: ١٩٩]

 ما قال: وإن أهل الكتاب، فكلما ارتقى علم الإنسان جاءت أحكامه محددة، لا يوجد بها تعميم، لا تعمم لا على أهل بلد، ولا على أهل عصر معين، يسمون هذا النقد الموضوعي.
المذيع :
 تحدثنا عن حديث النبي صلى الله عليه وسلم:" إن صنائع المعروف تقي مصارع السوء، إن صدقة السر تطفىء غضب الرب، وإن صلة الرحم تزيد في العمر" هل لنا أن نتوقف مع مجموعة من الأمثلة حول صنائع المعروف لعلها تفتح أبواب الخير...

أمثلة حول صنائع المعروف :

الدكتور راتب:
 كنت في جلسة إيمانية أتحدث عن الإيمان، وعن عظمة الإيمان، وعن سعادة المؤمن، يبدو في الجلسة إنسان بعيد عن الدين كلياً، لعله يرفض الدين أصلاً، قال: تقول: المؤمن سعيد، لا ليس سعيداً، قلت له: تفضل، قال: إذا كان هناك موجة حر شديدة يتحملها مثل غيره، وإذا كان هناك غلاء أسعار يتحملها مثل غيره، خطر في بالي جواب دقيق، قلت له: إنسان فقير جداً، عنده خمسة أولاد، ودخله لا يكفيه عشرة أيام، وبيته بالأجرة، وعليه دعوى إخلاء، لديه عم يملك خمسمئة مليون، ومات بحادث، وليس عنده أولاد، من وريثه الوحيد؟ ابن أخيه، خلال ثانية انتقل هذا المبلغ له، لكن الإجراءات القانونية وحصر الإرث والروتين بكل بلادنا قبل سنة لن يقبض شيئاً، لماذا في هذا العام أسعد إنسان؟ ما تملك قرشاً واحداً، لكنه دخل في الوعد، قال تعالى:

﴿ أَفَمَن وَعَدناهُ وَعدًا حَسَنًا فَهُوَ لاقيهِ ﴾

[‏ سورة القصص: ٦١]

 خالق السموات والأرض يعد المؤمن بجنة، هذا الوعد الإلهي للمؤمن يمتص كل متاعب المؤمن، حتى في بعض الآثار النبوية أن المؤمن عندما يقترب أجله، ويرى مقامه في الاخرة يقول: لم أر شراً قط، وحينما يدنو أجل غير المؤمن ويرى مكانه في النار يقول: لم أر خيراً قط، فلذلك السعادة التي يحياها المؤمن لا توصف بحال وهي خاصة به، والآية تقول:

﴿فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ*الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ ﴾

[سورة الأنعام81-82]

 ما قال الله عز وجل: أولئك الأمن لهم، الأمن لهم ولغيرهم، أما لهم الأمن فهناك تقديم بين المبتدأ والخبر، عندما نقدم شبه الجملة التي هي خبر على المبتدأ صار هناك قصر كإياك نعبد، فإن لم يكن بالإيمان سعادة لا توصف، إن لم يكن هناك توفيق إلهي، إن لم يكن هناك سكينة تسعد بها ولو فقدت كل شيء، وتشقى بفقدها ولو ملكت كل شيء، إن لم يكن هناك طمئأينة للمستقبل، أنا أريد أن أقول كلمة دقيقة: عندنا ذهب، عياره أربعة وعشرون، و واحد وعشرون، ثمانية عشر، أحد عشر، نسبة الذهب إلى النحاس أقل كلها ذهب إلا أن نسبة الذهب إلى النحاس متفاوتة، نقول: هنا الفرق بالدرجة، أما حينما آتي بمعدن خسيس كالتنك، الفرق بين المؤمنين فقط بعيارات الذهب، أما الفرق بين المؤمن وغير المؤمن فهو فرق بين الذهب والتنك.
المذيع :
 ما الفرق بين المؤمنين؟

الفرق بين المؤمنين :

الدكتور راتب:
 مستويات إيمانهم وأعمالهم، الدليل قال تعالى:

﴿ وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا ﴾

[ سورة الأنعام: 132]

 حجم الإنسان عند الله بحجم عمله الصالح.
المذيع :
 كلنا نطمح إلى الأعلى.
الدكتور راتب:
 لذلك قالوا: علو الهمة من الإيمان.
المذيع :
 اضرب لنا مثلاً لصنائع المعروف ماذا نفعل؟

من لزم الشرع خضع لقانون العناية الإلهية :

الدكتور راتب:
 أنت حينما تكون في مجتمع يمكن أن نستنبط من حركة الحياة في هذا المجتمع مقولات، هذه المقولات غير صحيحة، الإنسان إذا لم يقدم رشوة لا تتحقق مصالحه، في مجتمع فيه فساد كبير لا بد من الرشوة، يأتي المؤمن هذه المقولة مرفوضة عنده، لأن معه الله، وهو له ثقة بالله كبيرة، يرفض هذا السلوك، أو يرفض هذه المقولة، أصلاً يتحرك وفق منهج الله، الآن الله إكراماً له يخضعه لقانون آخر ليس القانون الذي استنبط من حركة الحياة، الرشوة لا بد منها، يخضع إلى قانون آخر هو العناية الإلهية، لذلك أقول كلمة والله لا أشبع منها:

(( ما ترك عبد شيئاً لله إلا عوضه الله خيراً منه في دينه ودنياه ))

[ الجامع الصغير عن ابن عمر ]

المذيع :
 لو اصطدم شيء من عاداتنا وتقاليدنا مع شرع الله؟
الدكتور راتب:
 مع أحكام الشرع، وركلت بقدمك العادات والتقاليد ولزمت الشرع لك معاملة خاصة من الله استثنائية، لذلك قال تعالى:

﴿أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِنًا كَمَنْ كَانَ فَاسِقًا لَا يَسْتَوُونَ﴾

[سورة السجدة:18]

﴿أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ ﴾

[سورة الجاثية:21]

 أقسم لك بالله هذه الآية وحدها لو لم يكن في القرآن إلا هذه الآية لكفت:

﴿أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ﴾

[سورة الجاثية:21]

 هذا يتناقض مع عدل الله عز وجل، دقق:

﴿ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ﴾

[سورة الجاثية:21]

 بيته، زواجه، أولاده، مكانته، وظيفته، دخله، سعادته، هيبته، شخصيته، صار من نوع آخر:

﴿أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِنًا كَمَنْ كَانَ فَاسِقًا لَا يَسْتَوُونَ﴾

[ سورة السجدة:18]

 لذلك الإيمان مرتبة علمية، ما اتخذ الله ولياً جاهلاً، لو اتخذه لعلمه، والإيمان مرتبة أخلاقية، والإيمان مرتبة جمالية، علمية أخلاقية جمالية، المؤمن أخلاقي، قال تعالى:

﴿ وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ ﴾

[ سورة القلم: 4 ]

 المؤمن مستحيل أن يخدعك، مستحيل أن يكذب عليك، مستحيل أن يورطك، مستحيل أن يتخلى عنك في ساعة الشدة، هذا مؤمن.
المذيع :
 أبدأ مع إسلام تفضلي أختي..
السائل:
 الأخوان يعملون الخير، عندنا إيمانيات قوية، ولكن غائبة عنا الجدوى من هذا الشيء، أريد أن أقول لكم قصة واقعية، زوجي قدم لجامعة ليدرس، لكن تعثرت أمور دراسته وانتهى وقت التسجيل، وكان لنا جار يحتاج إلى إبر بشكل دوري، وزوجي يعمل في صيدلية، فحاول أن يشتريهم بأقساط على راتبه، والوضع على قدر حاله، فكانت جارتنا كلما نحضر لهم إبرة تقول: ربنا ييسر له الدراسة، فسبحان الله اتصلت بنا إحدى الجامعات كان قد قدم لها من قبل، أن هناك مقعداً أو مقعدين بعد أن بدأ الدوام..

الاستقامة تولّد السعادة و التوفيق :

الدكتور راتب:

(( استقيموا ولن تحصوا ))

[ ابن ماجه عن ثوبان]

 لن تحصوا، سعادة على توفيق على نجاح على شخصية قوية على حب..
المذيع :
 أخ محمود تفضل..
السائل:
 أنا عندما أريد أن أقرأ الفاتحة أقول على روح النبي وروح المؤمنين، هل هذا يجوز؟

على الإنسان أن يهتم بشأنه أولاً :

الدكتور راتب:
 أنت تريد أن تهديها إلى رسول الله، هو غني عن هذا الإهداء، أنت اشتغل بشأنك الخاص، أحياناً يقول لك الإنسان: هذه عمرة عن أخي، هذه عن خالي، هذه عن أبي، أنا أتمنى الآن دبر شأنك الأول، أنقذ نفسك.
المذيع :
 يحب أن يتصدق عن أخ متوف.
الدكتور راتب:
 لا يوجد مانع، لكن إياك أن تظن أنه يمكن أن ينقل عمل إلى عمل، أبداً، أي العمل الصالح لا بد من أن يقوم به صاحبه، لذلك:

(( يُغْفَرُ للشهيد كلُّ ذَنْب إلا الدَّيْنَ ))

[ مسلم عن عبد الله بن عمرو بن العاص ]

 صحابي توفي:

(( أعليه دين؟ قالوا: نعم، قال : صلوا على صاحبكم، ولم يصلِ عليه، إلى أن قال أحدهم: عليّ دينه يا رسول الله، فصلى عليه، في اليوم التالي سأل هذا الذي تعهد الدين: أأديت الدين؟ قال: لا، سأله في اليوم الثالث: أأديت الدين؟ قال: لا، سأله في اليوم الرابع: أأديت الدين؟ قال: نعم، قال: الآن بردت عليه جلده ))

[أحمد عن جابر ]

 أريد أن أقول: الإنسان قبل أن يوزع ثوابه على الناس يا ترى هل هو ناج؟ يهتم بشأنه الخاص أولاً، ولم ترد أن يقول على روح النبي صلى الله عليه وسلم، الميت يصله العمل الصالح.
المذيع :
 هل يصل ثواب العمل الصالح أي أنا أعمل عمرة عن إنسان متوف؟

وصول ثواب الدعاء والصدقة والقرآن إلى المتوفى :

الدكتور راتب:
 المتوفي هو الله عز وجل، المتوفى إذا أوصى بحج يقبل، إذا ما أوصى، محاولة، أنت بعثت هدية إلى ابن بأمريكا قد لا تصل وقد تصل، محاولة..
المذيع :
 الدعاء..
الدكتور راتب:
 الدعاء والصدقة والقرآن هذه تصل، أما سقوط صلاة فلا تصل، وصيام، وحج، وما تركوا شيئاً ما فعلوه وهم أغنياء.
المذيع :
 أخ محمود سؤال ثان...
 أبي متوف وأنا فعلت له عمرة وأريد أن أحج عنه.

قبول الحج عن المتوفى إن كان ابناً للميت :

الدكتور راتب:
 حجة البدل لا بد من أن تكون في وصية من قبل الذي تحج عنه، إلا الابن عن أبيه تقبل لأن هذا الأب لو لم يربّ ابنه تربية دينية صحيحة ما حج عنه، فيحج عنه وتقبل.
المذيع :
 أخ فريد تفضل...
 نسمع في قوله تعالى:

﴿ أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ ﴾

.

[ سورة الزمر الآية : 36]

 بمقارنة مع أحوال المسلمين والذل والهوان الذي يعيشه المسلمون في سوريا وفلسطين وليبيا واليمن، وتأمر الأعداء علينا، كيف نطبق الآية على أرض الواقع؟

ما نزل بلاء إلا بذنب ولا يرفع إلا بتوبة :

المذيع :
 أريد أن أقول لك حقائق مطلقة: ما نزل بلاء إلا بذنب، ولا يرفع إلا بتوبة، هذه حقيقة دقيقة جامعة مانعة، هذه قاعدة فقهية، والله عز وجل غني عن تعذيبنا لقوله تعالى:

﴿ مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ ﴾

[ سورة النساء : 147]

 وقوله تعالى:

﴿ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ ﴾

[ سورة الأنفال : 33 ]

 لا يوجد عند الله عذاب للعذاب، يوجد عذاب كعلاج، لذلك قال تعالى:

﴿ إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعاً ﴾

[ سورة القصص: 4]

 والفراعنة كثر، قال تعالى:

﴿ إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعاً يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ * وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ * وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ ﴾

[ سورة القصص: 4-6]

 عندنا ابتلاء، هدفه الإسراع إلى الله عز وجل، تكلمت قبل قليل الأنبياء مصائبهم كشف، والمؤمنين دفع ورفع، وغير المؤمنين ردع وقصم، ما من مخلوق إلا وله عند الله رزق، لكن كيف والكلام دقيق؟ لو فرضنا دخلت إلى بستان فيه تفاح، الشجرة الرابعة، الفرع الثالث، الغصن الرابع، التفاحة الخامسة هذه لفلان، الآن طريقة وصول التفاحة له، باختيار فلان، قد يشتريها بماله، وقد تقدم له هدية، وقد يتسولها، وقد يسرقها، طريقة وصول الشيء للإنسان باختياره، أما هي فله، فأنت حينما تؤمن إيماناً قطعياً أن الله عز وجل لا يمكن إلا أن يرزقك الرزق المناسب، قد يكون الرزق قليلاً لحكمة بالغة قال تعالى:

﴿ وَأَنْ لَوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقاً * لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ ﴾

[ سورة الجن: 16-17 ]

 وقد يحرم المرء بعض الرزق بالمعصية، الله عز وجل جعل حياتنا ومرضنا ورزقنا أدوات تربية.
المذيع :
 أخي أبو محمد تفضل...
 سيدي سؤال إلى أين متجهة الأمة الإسلامية؟ والاستفسار عندما سمع النبي صلى الله عليه وسلم أحدهم يقول: لبيك الله حج أو عمرة عن شرذمة، قال: أحججت عن نفسك؟ قال: لا، قال: حج عن نفسك أولاً.. وموضوع العمرة الذي يذهب ويعمل أربع عمرات، هل هذا جائز؟

السنة أو النفل لا يلغيان الفرض :

الدكتور راتب:
 طبعاً يوجد حكم حج بدل، حكم فقهي، لك أن تعدد الحج والعمرة، لكن أقول: هناك سنة تطبقها على حساب فرض تقصر فيه، الذي عنده ابن شاب، وكل سنة يحج، والابن بحاجة إلى زواج، أنا أقول: لو حج مرة أو مرتين أو ثلاث وزوج ابنه له أجر كبير، لا أريد سنة، أو نافلة تلغي فرضاً.
المذيع :
 يقصد من يذهب إلى العمرة وفي نفس الوقت يعود إلى الميقات ويعتمر من جديد.
الدكتور راتب:
 ورد أن النبي صلى الله عليه وسلم اعتمر مرة واحدة، أقول: أرجو الله أن يقبل العمرة عنه.
المذيع :
 إلى أين ترى الأمة تسير؟

أساليب الله عز وجل في هداية خلقه :

الدكتور راتب:
 أولاً: الله عز وجل له قوانين ثابتة في علاقته مع الأمم، أول شيء الهدى البياني، الله عز وجل أنزل كتاباً، بعث رسولاً، يوجد علماء، دعاة، الحق واضح للناس، بكبسة زر تسمع تفسير أي آية، أي حديث، تشاهد محاضرة، تحضر مجلس علم في مسجد، هذا الهدى البياني، الهدى البياني الموقف الكامل منه الاستجابة، قال تعالى:

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكم ﴾

[ سورة الأنفال : 24 ]

 دقق ما استجاب، الهدى البياني لا يوجد به شيء، سماع محاضرة، سماع خطبة، قراءة قرآن، قراءة حديث، الموقف الكامل الاستجابة، ما استجاب الآن يخضعه الله لأسلوب آخر، التأديب التربوي، قال تعالى:

﴿ وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ﴾

[ سورة السجدة : 21]

 الموقف الكامل من التأديب التربوي أن يتوب، لا استجاب ولا تاب الآن يخضعه الله لأسلوب ثالث الإكرام الاستدراجي، قال تعالى:

﴿ فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ ﴾

[ سورة الأنعام : 44]

 الموقف الكامل من الإكرام الاستدراجي أن يشكر، الموقف الكامل من الهدى البياني أن يستجيب، بالتأديب التربوي أن يتوب، بالإكرام الاستدراجي أن يشكر، لا تاب ولا استجاب ولا شكر يوجد قصم بعد ذلك.
 أرجو الله عز وجل أن يكون أخوتي المستمعين في المرحلة الأولى الهدى البياني، الحق بين يديك، تستمع إلى القرآن، تقرأ القرآن، تقرأ التفسير، تحضر مجلس علم بمسجد، تقرأ كتاب علم، كتاب فقه، حديث، سيرة، هذا هدى بياني، والموقف أن تستجيب هذا أكمل موقف، ما استجاب يوجد تأديب، ما استجاب يوجد إكرام استدراجي، ما استجاب يوجد قصم بالأخير.
المذيع :
 معنا أبو محمد تفضل..
 أنا عندي قصة؛ عندما كنا في سوريا كان بعض النازحين ينزحون لعندنا إلى البلد، فأحد الأشخاص قال لي: إنه يوجد أختان متزوجتان، فأخذت زوجتي وذهبت وأعطيت ألف ليرة لكل واحدة، شاءت الأقدار جئنا نحن كلاجئين إلى الأردن، أحد الأشخاص كان لي صداقة قديمة بيني وبينه منذ ثلاثين سنة، فأرسل لي أحد الأشخاص من أصدقائه أعطاني ألفي دولار، سبحان الله الله عوض لي بسبعين ضعفاً.

أخلاق الله عز وجل :

الدكتور راتب:
 هذا شيء طبيعي جداًـ هذه أخلاق الله عز وجل، وتخلقوا بأخلاق الله..
المذيع :
 في هذه الدقائق المتبقية قصة مؤثرة عالقة في ذاكرة فضيلة الأستاذ الدكتور محمد راتب النابلسي تحت عنواننا: صنائع المعروف تقي مصارع السوء.

قصة مؤثرة عن أن صنائع المعروف تقي مصارع السوء :

الدكتور راتب:
 في حي بالشام، حيّ تراثي سوق ساروجة، فيه جامع الورد، خطيب المسجد رأى النبي عليه الصلاة والسلام، قال له النبي في الرؤيا: قل لجارك فلان إنه رفيقي في الجنة، جاره إنسان بسيط جداً، فهذا الذي يخطب على المنبر وإمام تأثرَ تأثراً سلبياً جداً، هذه الرؤيا كان من الممكن أن تكون لي، لماذا لهذا الجار؟ طرق بابه، قال له: لك عندي بشارة، لن أقولها لك إلا إذا أخبرتني ماذا فعلت مع ربك؟ فامتنع، فبعد إلحاح شديد قال له: تزوجت إنسانة بالشهر الخامس من زواجي كان حملها في الشهر التاسع، واضح، قال له: بإمكاني أن أسحقها، وأن أفضحها، وأن أطلقها، والشرع معي، وأهلها معي، والمجتمع معي، والقانون معي، والمحكمة معي، لكن أردت أن أعينها على التوبة، جاء لها بمن يولدها، ولدت، وحمل الجنين المولود تحت عباءته، وتوجه إلى جامع الورد في دمشق، وبقي واقفاً أمام الباب حتى نوى الإمام صلاة الفجر، دخل ووضع المولود إلى جانب الباب والتحق بالمصلين، فلما انتهت الصلاة بكى هذا الصغير، تحلق المصلون حوله، وتأخر هو حتى يكتمل تحلق المصلين حوله، ثم اقترب، قال: ما القصة؟ قال: تعال انظر! جنين مولود لقيط، قال: أنا أكفله، فأخذه، ودفعه إلى أمه من أجل أن تربيه، وسترها، أحياناً لك أن تقيم العدل، والعدل تطليقة، لكن الإحسان فوق العدل، حملها على طاعة الله ورباها، والله الذي لا إله إلا هو هذه القصة لاقت قبولاً في دعوتي منذ ثلاثين سنة، بإمكاني أن أسحقها، وأن أفضحها، وأن أطلقها، والشرع معي، وأهلها معي، والمجتمع معي، والقانون معي، لكن حملها على التوبة بأسلوب ذكي جداً..
المذيع :
 فماذا كانت البشارة؟
الدكتور راتب:
 قل لجارك فلان إنه رفيقي في الجنة، والخطيب رجل معروف بالصلاح، كان مفتياً عاماً، والجامع جامع الورد، والحي حي ساروجة، هذه القصة تبين أن الإحسان فوق العدل، أحياناً يمكن أن تقيم العدل لكن الإحسان أبلغ.
المذيع :
 حينما نتحدث عن المعروف هل يجرب الله إذا أراد بعض الناس أن يفعلوا معروفاً ويرون هل يرد الله إليه؟ هل هذه المنهجية في التفكير صحيحة؟

التعامل مع الله عز وجل بيقين تام :

الدكتور راتب:
 هذا ليس وارداً إطلاقاً، أنا أذكر أن واحدة ابنها أصيب بالشلل فوراً، قالت: يا رب إذا شفيت ابني أدفع صدقة، قال لها أخوها: ادفعي الصدقة من دون شرط، الإنسان يجب ألا يشترط على الله عز وجل، يتعامل بيقين، الله بيده كل شيء، قال لها: ادفعي الصدقة فقط، وأنا أقول: الصدقة تقع في يد الله قبل أن تقع في يد الفقير والله يسترضى بعمل صالح، يوجد زلة قدم، يوجد خطأ الله يسترضى بالعمل الصالح.
المذيع :
 الله يفتح عليكم دكتور نختم حلقتنا بالدعاء؟

الدعاء :

الدكتور راتب:
 اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا، وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا، وأصلح لنا آخرتنا التي إليها مردنا، واجعل الحياة زاداً لنا من كل خير، واجعل الموت راحة لنا من كل شر، مولانا رب العالمين، اللهم اكفنا بحلالك عن حرامك، وبطاعتك عن معصيتك، وبفضلك عمن سواك، اللهم لا تؤمنا مكرك، ولا تهتك عنا سترك، ولا تنسنا ذكرك، اللهم أعطنا ولا تحرمنا، أكرمنا ولا تهنا، آثرنا ولا تؤثر علينا، أرضنا وارض عنا، اجعل هذا البلد آمناً سخياً رخياً وسائر بلاد المسلمين، واحقن دماء المسلمين في كل مكان، واحقن دماءهم في الشام، وصلى الله على سيدنا محمد النبي الأمي، وعلى آله وصحبه وسلم، والحمد لله رب العالمين، الفاتحة.

خاتمة و توديع :

المذيع :
 أختم بما قال شيخنا: الله يسترضى بعمل صالح، بارك الله بكم فضيلة العلّامة الدكتور محمد راتب النابلسي، إلى هنا مستمعينا ينتهي هذا اللقاء، صنائع المعروف تقي مصارع السوء كان هذا عنوانها، سبحانك اللهم وبحمدك، نشهد أن لا إله إلا أنت، نستغفرك ونتوب إليك.

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور