وضع داكن
26-04-2024
Logo
حياة المسلم 1- إذاعة حياة إف إم- الحلقة : 059 - الطبائع والحظوظ بين التكليف والتزييف.
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

مقدمة :

المذيع:
 بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وأتم الصلاة وخير التسليم على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته، أهلاً ومرحباً بكم مستمعينا الكرام، نتواصل في حلقة جديدة من حلقات برنامجكم مع الدكتور محمد راتب النابلسي، وباسمكم نرحب بفضيلة العلّامة الأستاذ الدكتور محمد راتب النابلسي، حياكم الله دكتور.
الدكتور راتب :
 بارك الله بكم، ونفع بكم، وأعلى قدركم.
المذيع:
 نتحدث اليوم في قضية تلامس واقع الناس كثيراً، نتحدث عن الطبائع والحظوظ بين التكليف والتزييف، كثير من الناس يدرك أن الطباع التي هو عليها إذا كان محاسباً فهي باختياره، وبعض الناس تزيف نفسه أنه أنا ليس لي شأن بهذا، فقد قدر عليّ أن أكون هكذا، هذا هو ملفنا وأبدأ مع حضرتك بتوضيح مصطلح الطبائع ومصطلح الحظوظ وتأصيله الشرعي.

الجنة عطاء لا نهائي من الله و الثمن عبادته سبحانه :

الدكتور راتب :
 لكن قبل أن أبدأ إن سمحت لي لمجرد أن يتوهم المتوهم أن الله أجبر عباده على الطاعة، أو على المعصية، أو أنه تركهم هملاً، هذه أفسد عقيدة يعتقدها الإنسان، وقد تفضي به إلى سوء المصير، لأن الله غني عن تعذيبنا، ولأن الله خلقنا ليرحمنا، قال تعالى:

﴿ إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ ﴾

[ سورة هود:119]

 وأن الجنة ندخلها بسبب أعمالنا، قال تعالى:

﴿ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ﴾

[ سورة النحل: 32]

 لكن ندخلها برحمة الله، ونقتسمها بأعمالنا، لو فرضنا أباً غنياً وعد ابنه إن نجح بتفوق أن يقدم له سيارة، فهذا الابن لسبب أو آخر عندما نال الدرجة الأولى في النجاح ذهب إلى بائع السيارات وقال له: أريد هذه السيارة، فقال له: أين ثمنها؟ الإله العظيم خلقنا للجنة، سمح لنا أن ندفع ثمن دخولها لا ثمنها، فرق كبير بين أن تمتلك قصراً ثمنه مئة مليون، وبين أن تشتري مفتاحه بدينار، نحن سمح لنا أن ندفع ثمن المفتاح فقط، ولم يسمح لنا أن ندفع ثمنها، لأنها لا تقدر بثمن، الجنة عطاء لا نهائي، عطاء أبدي، لذلك خلقنا للجنة، وجاء بنا إلى الدنيا لندفع ثمنها، وثمنها أي ثمن مفتاحها فقط عبادة الله عز وجل، علة وجودنا أننا خلقنا للجنة.
المذيع:
 الطبائع والحظوظ أبدأ معك بالمفهوم.

التعريف بمفهوم الحظوظ :

الدكتور راتب :
 أولاً نبدأ بالحظوظ، السلامة من الأمراض هذا حظ، لا يوجد عنده مرض عضال، لا يوجد تضيق شرايين، لا يوجد شلل، مادام هو معافى هذا حظ الصحة.
المذيع:
 ما معنى حظ؟
الدكتور راتب :
 نصيب، مثلاً حظي من هذه الشركة خمسون بالمئة أي نصيبي، الحظ هو النصيب، الحظوظ موزعة في الدنيا توزيع ابتلاء، وسوف توزع في الآخرة توزيع جزاء، قال تعالى:

﴿ انْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ ﴾

[ سورة الإسراء: 21 ]

 انظر، قال تعالى:

﴿ وَلَلْآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلاً ﴾

[ سورة الإسراء: 21 ]

 أي هل يستوي منصب وزير دفاع مع جندي في مكان في الجبهة، والدنيا شتاء شديد؟ هذا غير هذا، هل يستوي أكبر التجار مع بائع على عربة؟ وهذا أيضاً تاجر، لكن:

﴿ انْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ ﴾

[ سورة الإسراء: 21 ]

 معلم ابتدائي بقرية بعيدة مع أستاذ جامعة؟

﴿ انْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ ﴾

[ سورة الإسراء: 21 ]

 وبين منصب رفيع ومنصب وضيع، هذه الحظوظ موزعة في الدنيا توزيع ابتلاء، الآن الكلمة الدقيقة جداً: نحن خلقنا للابتلاء، والدليل قال تعالى:

﴿ الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً ﴾

[ سورة الملك: 2 ]

﴿ وَإِنْ كُنَّا لَمُبْتَلِينَ ﴾

[ سورة المؤمنون : 30]

 فعلة وجودنا في الدنيا الابتلاء الإمام الشافعي رحمه الله تعالى حينما سُئل: ندعو الله بالابتلاء أم بالتمكين؟ فقال: لن تمكن قبل أن تُبتلى. أنا لا أصدق أن إنساناً واحداً يشم رائحة الجنة دون ابتلاء.
المذيع:
 ما معنى الابتلاء والتمكين؟

الابتلاء و التمكين :

الدكتور راتب :
 الامتحان، والتمكين قال تعالى:

﴿ إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الْأَرْضِ ﴾

[ سورة الكهف: 84]

 أعطيناه سلطة، هذا ممكن بعلمه، والثاني ممكن بماله، والثالث ممكن بصلاحيته، بتوقيعه، فالغني ممكن بالمال، امتحن بالمال، مادة امتحانه مع الله هو المال، إذا أنفقه على كل محتاج ومسكين، كان متواضعاً نجح بالامتحان، والفقير ممتحن بفقره، فإن تذلل، وإن تضعضع أمام الغني والقوي رسب بالامتحان، وصاحب الحكم - السلطة - ممكن بسلطته بجرة قلم يحق حقاً ويبطل باطلاً، فإذا استخدم صلاحيته، وقوته الإدارية في إحقاق الحق نجح في الامتحان، إذا استخدم هذه القوة لمصالحه الخاصة رسب في الامتحان، فالإنسان ممتحن في الأرض، علة وجودنا في الدنيا الابتلاء، قال تعالى:

﴿ أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ ﴾

[ سورة العنكبوت : 2]

 الفتنة معناها الامتحان فقط، ليس لها معنى سلبي، ولا إيجابي، ممتحن، فلان امتحن فنجح، فلان امتحن فلم ينجح، نحن علة وجودنا في الدنيا الابتلاء، قال تعالى:

﴿ وَإِنْ كُنَّا لَمُبْتَلِينَ ﴾

[ سورة المؤمنون : 30]

﴿ الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً ﴾

[ سورة الملك : 2 ]

 الشافعي عندما سُئل: ندعو الله بالابتلاء أم بالتمكين؟ - يكون غنياً أو قوياً، يكون عالماً كبيراً- فقال: لن تمكن قبل أن تُبتلى. أنا لا أصدق أن إنساناً واحداً يشم رائحة الجنة إلا بعد أن يبتلى، فينجح، وقد لا ينجح.
المذيع:
 قدرة الإنسان على اتخاذ القرار بين إيجابي وبين سلبي نقول التمكين، أي مكن فكان صاحب قرار، هذا ابتلاء قد ينجح أو لا ينجح.

تكليف الإنسان يكون دائماً ضمن استطاعته :

الدكتور راتب :
 لا يمكن أن نكلف فيما لا نستطيع، هذا شيء مستحيل، لأن التكليف ضمن الاستطاعة، سمي تكليفاً لأنه ذو كلفة، مثلاً شخص يركب دراجة، والطريق مستو، وصل إلى طريقين؛ الأول منزلق هابط، و الآخر صاعد، و من المعلوم أن الطريق الهابط بالنسبة لراكب الدراجة مريح جداً، لا يوجد به جهد، لو فرضنا هذا الطريق الهابط ينتهي بحفرة مالها من قرار، فيها وحوش جائعة، مكتوب: ينتهي هذا الطريق بوحوش جائعة مفترسة، ويوجد منظار ترى معالم الوحوش، والصاعد غير معبد، ترابي، فيه أكمات وغبار ومتاعب، الطريق الصاعد ينتهي ببستان جميل جداً هو لمن وصل إليه، وهناك شرح في البداية كما يوجد منظار، إما أن تقرأ أو ترى، عندما يختار الإنسان الطريق الهابط أي اختار شهوته، وطغت شهوته على عقله، والذي اختار الطريق الصاعد اختار عقله على شهوته، لذلك رُكِّب الملَك من عقل بلا شهوة، وركِّب الحيوان من شهوة بلا عقل، وركِّب الإنسان من كليهما، فإن سما عقله على شهوته أصبح فوق الملائكة، وإن سمت شهوته على عقله أصبح دون الحيوان. فأنا أقول: أنا مبتلى بأي شيء؟ مبتلى بزوجتي، هل أحسن إليها أم أسيء؟ مبتلى بأولادي، هل ربيتهم على طاعة الله أم أهملتهم؟
المذيع:
 مبتلى هنا أي ممتحن؟
الدكتور راتب :
 ممتحن فقط، وممتحن لا تعني أنه رسب بالامتحان، قد نجح، ممتحن بالزوجة، ممتحن بالأولاد، عنده بنت جميلة، فلما تفلتت في ثيابها ولبست ثياباً فاضحة، وأعجبه جمالها، وهي ابنته، ابتلي بابنته فلم ينجح، أما عندما وجهها توجيهاً أخلاقياً، قال لها: يا بنيتي هذا الجمال لمحارمك ولزوجك فقط، فلما وجهها نجح في الامتحان، أقول لك: يمكن أن نمتحن مئة امتحان كل يوم.
المذيع:
 التوزيع الذي تحدثت عنه أن الله أعطى فلاناً المال، وفلاناً الفقر، هذا التوزيع ماذا يسمى؟

توزيع الحظوظ في الدنيا توزيع ابتلاء و في الآخرة توزيع جزاء :

الدكتور راتب :
 حظوظ، الحظوظ موزعة في الدنيا توزيع ابتلاء، والتوزيع مؤقت، قال تعالى:

﴿ انْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ ﴾

[ سورة الإسراء: 21 ]

 رئيس جامعة غير أستاذ في قرية، رئيس غرفة تجارة غير بائع متجول.
المذيع:
 ما المقصود: الحظوظ موزعة في الدنيا توزيع ابتلاء، وسوف توزع في الآخرة توزيع جزاء، قال تعالى:

﴿ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ ﴾

[ سورة الإسراء: 21 ]

الدكتور راتب :
 بالدخل، بالمكانة.
المذيع:
 أقصد التفضيل علامة تميز عند الله عز وجل؟
الدكتور راتب :
 لا، هذه حكمة إلهية، الله عز وجل لحكمة بالغة بالغة امتحن هذا بالمال، وآخر بالفقر.
المذيع:
 لا يعني هذا علامة رضا وغضب.
الدكتور راتب :
 الغنى والفقر بعد العرض على الله، من هو الغني؟ الذي نجح بالابتلاء، من هو الفقير؟ الذي كان مليونيراً لكنه لم ينجح، استعلى بماله، واستعلى بمكانته، وأهمل الفقراء والضعفاء.
المذيع:
 أما في الدنيا فالله فضل إنساناً على إنسان أي وسع على هذا بالمال، ولم يوسع على الآخر، ولا يعني هذا أن ربنا راض أو ساخط؟

اختيارات الإنسان مؤقتة تنتهي عند الموت :

الدكتور راتب :
 لا، أبداً، الحظوظ موزعة توزيع ابتلاء، ولحكمة بالغة بالغة الذي أنت فيه هو أفضل شيء لك، أي يوم القيامة تنكشف الحقائق، تكشف الأسرار، يكشف سر القضاء والقدر، فمالك إلا أن تقول مهما كنت: الحمد لله رب العالمين على أن جعلني ولدت في الشرق الأوسط، أنت يوجد أشياء ليست باختيارك، كونك صادقاً أميناً باختيارك، عفيفاً باختيارك، ورعاً باختيارك، كون الآخر كاذب، منحرف، يرتكب الفواحش باختياره، هذه الاختيارات مؤقتة، عند الموت ينتهي الاختيار، فالذي امتحن بالفقر ونجح في الامتحان فكان عفيفاً، ولم يتضعضع أمام قوي أو غني رضي عن الله عز وجل، هذا إذا نجح في الامتحان، والآخر رسب، الغني استكبر بماله، واستعلى به، وأهمل الفقير، فالغني الذي عاش معه رسب في امتحان الغنى، والفقير نجح بامتحان الفقر، النتيجة أن هذا الفقير استحق الجنة إلى أبد الآبدين، وهذا الغني استحق العذاب إلى أبد الآبدين.
المذيع:
 نتحدث عن الحظوظ.
الدكتور راتب :
 أنت مبتلى فيما أعطاك، ومبتلى فيما زوي عنك، الدعاء:

((اللَّهُمَّ مَا رَزَقْتَنِي مِمَّا أُحِبُّ فَاجْعَلْهُ قُوَّةً لِي فِيمَا تُحِبُّ، اللَّهُمَّ وَمَا زَوَيْتَ عَنِّي مِمَّا أُحِبُّ فَاجْعَلْهُ فَرَاغًا لِي فِيمَا تُحِبُّ ))

[ الترمذي عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ الْخَطْمِيِّ الْأَنْصَارِيِّ ]

 إنسان يحب المال، الله رزقه المال، فسخر هذا المال للفقراء والمساكين، لمعالجة المرضى، لإيواء المشردين، للتعليم.

العمل الصالح علة وجود الإنسان :

 الغنى قوة كبيرة جداً، النبي صلى الله عليه وسلم قال:

(( المؤمن القويُّ خيْر وأحبُّ إلى الله من المؤمن الضعيف ))

[ مسلم عن أبي هريرة]

 لماذا؟ علة وجودك العمل الصالح، الدليل قال تعالى:

﴿ رَبِّ ارْجِعُونِ* لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ ﴾

[ سورة المؤمنون : 99-100]

﴿ وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا ﴾

[ سورة الأنعام: 132]

 مادام علة وجودك العمل الصالح، الغنى يتيح لك أعمالاً صالحة ليست متاحة للفقير، تعمل معهداً شرعياً، تنشئ مستشفى، تعمل مشروعاً خيرياً، تطعم طلاب علم يدرسون على حسابك، الطرائق إلى الخالق بعدد أنفاس الخلائق، فمتاح للغني ما لم يتح للفقير، الغنى قوة، أنا أقول: إذا كان طريق القوة سالكاً وفق منهج الله ينبغي أن تكون قوياً، لأن خيارات القوي في العمل الصالح لا تعد ولا تحصى.

من ارتفعت مكانته اتسعت دائرة اهتمامه :

 أنا أذكر مرة جئت إلى بلدي - القصة من عدة سنوات- وكان قائد الطائرة أحد تلاميذي قديماً، وضعني إلى جانبه في غرفة القيادة، عندما دخلنا القطر العربي السوري رأيت بأم عيني طرطوس وصيدا، رأيت أربعمئة وخمسين كيلومتراً بنظرة واحدة، ورأيت حمص والشام، علمتني هذه التجربة أن الإنسان كلما ارتفعت مكانته اتسعت دائرة اهتمامه، واتسعت عاطفته، نحن إسلامنا أممي، قال تعالى:

﴿ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ﴾

[ سورة الحجرات: 13]

 ما عندنا أشياء تمنعنا من فعل الخير مع الآخرين، قال تعالى:

﴿ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ ﴾

[ سورة الحجرات الآية: 10 ]

 هذا الذي أتمنى أن يكون واضحاً، أنا حينما أؤمن إيماناً واضحاً أجعل عملي صالحاً، والعمل الصالح علة وجودي.
المذيع:
 إذاً الحظوظ موزعة توزيع ابتلاء.
الدكتور راتب :
 ابتلاء مؤقت في الدنيا فقط، وسوف توزع توزيع جزاء، توزيع الابتلاء محدد في الدنيا، أما توزيع الجزاء فأبدي.
المذيع:
 هذه الحظوظ مثل المال، الشكل، الوسامة، الذكاء، من عائلة معينة لها نفوذها، هذا كله من الحظوظ، دكتور فكرة الحظ عندنا بمفهومنا القديم محرمة في الشريعة، الألعاب التي تعتمد على الحظ كالنرد.

الحكمة من تحريم الألعاب المبنية على الحظ كحجر النرد :

الدكتور راتب :
 هذا المفهوم غير صحيح، الحظ هو النصيب، أنا حظي من المال..
المذيع:
 هل هناك مشكلة من الألعاب التي تعتمد على الحظ كحجر النرد؟
الدكتور راتب :
 طبعاً.
المذيع:
 كيف نربط بين هذا الحظ و هذا الحظ؟
الدكتور راتب :
 نحن مسموح لنا فرضاً أن نلعب الشطرنج فرضاً، هو غير مسموح لنا لكن العلماء غضوا البصر عنه لأنه لا يوجد به نرد، فيه فكر.
المذيع:
 لماذا حرمت الألعاب المبنية على الحظ كحجر النرد؟
الدكتور راتب :
 ليس لك فضل فيها، كل عطائك يكون بحجر النرد، إذا جاء ستة ستة ربحت، لا يوجد به جهد شخصي، جهد عشوائي.
المذيع:
 هذه فكرة الحظوظ وممكن الله يوزعها مثل المال، والشكل، وسوف يسأل عما فعل.
الدكتور راتب :
 أما بالآخرة فموزعة توزيع جزاء، والتوزيع أبدي، قال تعالى:

﴿ انْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَلَلْآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلاً ﴾

[ سورة الإسراء: 21 ]

 بالآخرة أبدي، في الدنيا مؤقت.
المذيع:
 في الآخرة التفضيل علامة رضوان، أما في الدنيا فعلامة ابتلاء، ماذا عن ملف الطباع؟

تعريف الطّباع :

الدكتور راتب :
 إنسان يحب الأناقة بشكل غير اعتيادي، عنده بدلات بعدد كبير، وأنيق جداً، إنسان يعتني بمركبته، إنسان يعتني ببيته، هذا التفوق في الطباع، الطباع لا تتناقض مع الشرع، لا يوجد مانع أن تقتني سيارة فارهة.
المذيع:
 هذه الطباع جبلنا عليها أم اخترناها؟
الدكتور راتب :

(( يُطْبَعُ الْمُؤْمِنُ عَلَى الْخِلَالِ كُلِّهَا إِلَّا الْخِيَانَةَ وَالْكَذِبَ ))

[ أحمد عن أبي أمامة ]

 الإنسان له طبع لم يكن باختياره، لكن هو مناسب له، علم الله كبير جداً، يعلم الله عز وجل أن هذا الإنسان إذا كان غنياً يكون أقرب إلى الدين مما لو كان فقيراً، وهذا الغنى يفسده، وهناك إنسان الغنى يفسده، وإنسان الغنى يعينه على طاعة الله، هذا شيء في علم الله عز وجل، قال تعالى:

﴿ أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ ﴾

[ سورة الملك: 14 ]

 إنسان امتحن بالغنى، حظه من الدنيا الغنى، وامتحانه هو الغنى، فإذا أنفق المال على عباد الله الفقراء، والصالحين، نجح في الامتحان، فجاءت الجنة بعدها، وأنا حينما أتمنى أن أدعو لإنسان من أعماق قلبي أقول له: اللهم اجعل لهذا الأخ الكريم نعم الدنيا متصلة بنعم الآخرة، يعيش عمره أديباً مع الله، واسع الرزق، يعطي الفقراء ومن حوله، يموت إلى الجنة رأساً، جمع بين نعم الدنيا والآخرة، الإنسان أحياناً يبتلى بالغنى غير المنضبط، غني كبير، مستعل، مستكبر، يموت والعياذ بالله إلى جهنم وبئس المصير، فالعبرة الغنى والفقر بعد العرض على الله، أنا لا أسمي الغني غنياً في الدنيا، ولا أسمي الفقير فقيراً، بل أسمي الغني غنياً إذا استخدم ماله في طاعة الله، والآية الدقيقة جداً:

﴿ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ ﴾

[سورة القصص: 24]

 سيدنا موسى من أولي العزم لما سقى للفتاتين قال:

﴿ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ ﴾

[سورة القصص: 24]

 أنا مفتقر للعمل الصالح، لذلك أعلى افتقار إلى العمل الصالح.
المذيع:
 هذه الطباع التي فطرنا عليها بعضها مرتبط بالتكليف، ممكن هذا الإنسان الذي يحب اللباس يصل إلى مرحلة الإسراف، هل هنا هو مسؤول عنها؟

العقيدة الجبرية أخطر عقيدة يعتقدها الإنسان وهي باطلة لا أصل لها :

الدكتور راتب :
 لا، أولاً أنت مخير، لا يستطيع إنسان أن يدّعي أنه مجبر، وأي دعوة إلى الإيمان بالجبر دعوة لإلغاء الدين، وهناك فئة جبرية أنك أنت ليس لك خيار، أنت أقامك بمكان هكذا، هذه العقيدة الجبرية أخطر عقيدة يعتقدها الإنسان، باطلة ليس لها أصل إطلاقاً، قال تعالى:

﴿ إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً ﴾

[سورة الإنسان: 3]

﴿ وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ ﴾

[سورة البقرة: 148]

 هو موليها، الآن دقق قال تعالى:

﴿ سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلَا آبَاؤُنَا وَلَا حَرَّمْنَا مِنْ شَيْءٍ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ حَتَّى ذَاقُوا بَأْسَنَا قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَخْرُصُونَ ﴾

[سورة الأنعام: 148]

 أي إنسان يقول لك: الله قدر عليّ ذلك، مثلاً جيء لسيدنا عمر بشارب خمر فقال: أقيموا عليه الحد، فقال: والله يا أمير المؤمنين إن الله قدر عليَّ ذلك، فقال: أقيموا عليه الحد مرتين، مرة لأنه شرب الخمر، ومرة لأنه افترى على الله، قال له: ويحك يا هذا إن قضاء الله لم يخرجك من الاختيار إلى الاضطرار.
 أنا لا أصدق إنساناً يوهم الناس أنك أنت مسير وأحترمه، أنت مخير، مخير فيما كلفت، ولست مخيراً بوالديك، ولا مخيراً بمكان ولادتك، ولا مخيراً كونك ذكراً أم أنثى، ولا قدراتك العامة، كل شيء لم تكن مخيراً فيه اعتقد يقيناً كما تعتقد بوجودك أن هذا أفضل شيء لك.
المذيع:
 الطباع التي نحن فطرنا عليها وتفضلت أن الإنسان يطبع على الطبائع كلها مثلاً إنسان طبعه يميل إلى المزح، إنسان اجتماعي، إنسان يغضب، ووصية النبي صلى الله عليه وسلم أن يبتعد عن الغضب.
 نتحدث عن الطبائع والحظوظ بين التكليف وبين التزييف، مثلاً هناك طبع الغضب، إنسان لا يحتمل، عدم القدرة على المسامحة، نجد إنساناً تستفزه كلمة وإنساناً آخر عشر كلمات لا تستفزه، إنسان يسامح بسهولة وإنسان آخر قلبه لا يستطيع المسامحة.

يطبع المؤمن على الخلال كلها إلا الكذب و الخيانة :

الدكتور راتب :
 أولاً النص الذي أعرفه:

(( يُطْبَعُ الْمُؤْمِنُ عَلَى الْخِلَالِ كُلِّهَا ...))

[ أحمد عن أبي أمامة ]

 تجد مؤمناً أنيقاً جداً، مؤمناً أقل أناقة، لكن لا تجد مؤمناً قذراً إطلاقاً، القذارة تتناقض مع دينه، نظيف، قد يكون عنده أذواق عالية بتناسق الألوان، وهناك إنسان لا يهتم بهذا كثيراً، هذه طباع، تجد مؤمناً يعتني ببيته عناية فائقة، كل شيء في مكانه، وهناك انسجام بالألوان، وانسجام بالأشياء الثمينة، وإنساناً بيته أقل من عادي:

(( يُطْبَعُ الْمُؤْمِنُ عَلَى الْخِلَالِ كُلِّهَا ... ))

[ أحمد عن أبي أمامة ]

 إنسان سيارته أنيقة جداً يختار ألوانها بدقة بالغة، ويعتني بها عناية بالغة:

(( ... إِلَّا الْخِيَانَةَ وَالْكَذِبَ ))

[ أحمد عن أبي أمامة ]

 فإذا خان أو كذب هذا يتناقض مع وجود الإنسان، لم يعد مؤمناً، تجد مؤمناً أنيقاً، مؤمناً أقل أناقة، لكن كلاهما نظيف، النظافة متعلقة بالدين.
المذيع:
 الخيانة والكذب هذه صفات مكتسبة.
الدكتور راتب :

(( يُطْبَعُ الْمُؤْمِنُ عَلَى الْخِلَالِ كُلِّهَا إِلَّا الْخِيَانَةَ وَالْكَذِبَ ))

[ أحمد عن أبي أمامة ]

 الخيانة والكذب هذا سلوك سيئ.
المذيع:
 ماذا عن الغضب وهو سلوك سيئ أيضاً؟

المؤمن الصادق الورع غضبه لا يخرجه عن طاعة الله :

الدكتور راتب :
 يوجد إنسان غضوب لكنه يضبط نفسه.
المذيع:
 هل خلق غضوباً؟
الدكتور راتب :
 هذا طبع، إلا أن المؤمن لا يخرجه غضبه عن طاعة الله، هذه الفكرة دقيقة، المؤمن الصادق الورع قد يكون عنده حساسية بالغة فيغضب سريعاً، وغضبه لا يخرجه عن طاعة الله، وله أجر.
المذيع:
 قلت دكتور قبل قليل: فلان أعطي حظوظاً، أعطي المال، فلان أعطي الوسامة، لكنه يمتحن، هل هذه الطباع السلبية الموجودة فينا نمتحن بها؟

امتحان كل إنسان بطباعه و حظوظه :

الدكتور راتب :
 نمتحن بحظوظنا وطباعنا.
المذيع:
 ومن كان طبعه سرعة الغضب فإن امتحانه بالسيطرة عليه.
الدكتور راتب :
 وله أجر أكبر.
المذيع:
 وغيره من الناس يمتحن بطبع آخر من باب العدالة الإلهية، فلان يحب المال، وفلان لا يهمه المال، هي توزيع من الله.
الدكتور راتب :
 الحظوظ موزعة توزيع ابتلاء لحكمة بالغة، أنا مخير فيما كلفت فقط، أنا كلفت بطاعة الله، أنا مخير أطيع أو لا أطيع، مخير في الإنصاف، أنصف أو لا أنصف، أنا مكلف فيما خيرت، وأنا غير مكلف بمكان ولادتي في الأرض، الله ما سألني، وما سألني تحب أن تكون ذكراً أو أنثى؟ ما سألني من تحب أن يكون أبوك وأمك؟ قد يكونوا بمنصب رفيع جداً، ويوجد ثروات بين أيديهم طائلة، وهناك إنسان ولد فقيراً، ممكن، فالشيء الذي لم يكن من خياري - سوف أقول كلمة مؤمن بها بكل خلية في جسمي- هو أكمل شيء لك، عبر عنه الإمام الغزالي: ليس في الإمكان أبدع مما كان، أو ليس في إمكاني أبدع مما أعطاني، فالذي أعطيته من الله هو أكمل لك شيء بالذات، هذا إيمان آخر، الحظوظ التي أنا فيها، هذه أكمل شيء لي، إن من عبادي - هنا الجواب- من لا يصلحه إلا الفقر، فإذا أغنيته أفسدت عليه دينه، و إن من عبادي من لا يصلحه إلا بالغنى، فإذا أفقرته أفسدت عليه دينه، شخص يصلحه الفقر، مثلاً مئة إنسان فقير، الناجحون كانوا ثمانين بالمئة، مئة إنسان غني، الناجحون عشرة بالمئة، لأن الغنى مطغ، مغر، كل شيء بين يديك، أنا أقول دائماً وأبداً: امتحان الغني أصعب من امتحان الفقير، الغني سافر إلى أوروبا، بإمكانه أن يقترف جميع المعاصي والآثام، ولا أحد يعلم به، لكنه خشي الله في الغنى، من الفندق إلى المركز التجاري لمتابعة أعماله، انضباطه في البلاد البعيدة حيث لا رقابة عليه إطلاقاً يرفع قدره عند الله، الله عز وجل كل واحد له وضع، هذا الوضع أنسب شيء له، وليس في الإمكان أبدع مما كان، أو ليس في إمكاني أبدع مما أعطاني.
المذيع:
 الطباع الصعبة الموجودة لدينا هل هي طباع فطرنا عليها أم هي مكتسبة؟

الخيانة و الكذب من اختيار الإنسان :

الدكتور راتب :
 فطرنا عليها، إلا أن:

(( يُطْبَعُ الْمُؤْمِنُ عَلَى الْخِلَالِ كُلِّهَا إِلَّا الْخِيَانَةَ وَالْكَذِبَ ))

[ أحمد عن أبي أمامة ]

 الخيانة والكذب لا يطبع عليها هذا من فعله، هذا من اختياره.
المذيع:
 هذه الطباع التي فطرنا عليها ماذا يطلب مني ألغيها بشكل كامل أم أسيطر عليها حتى لا تتجه باتجاه خاطئ.

توظيف الطباع في طاعة الله عز وجل :

الدكتور راتب :
 أن أوظفها في طاعة الله، أنت تحب المال وجاءك المال، هذا المال أؤدي زكاته، لذلك برئ من الكبر من حمل حاجته بيده, وبرئ من الشح من أدى زكاة ماله, وبرئ من النفاق من أكثر من ذكر الله. ثلاثة أشياء، أنا لا أستطيع أن أقول عن إنسان أنه بخيل وقد أدى زكاة ماله، ولا عن شخص أنه متكبر لأنه حمل حاجته بيده.
المذيع:
 إذا كان طبعي محبة المال لا بأس فيه إذا وظفته لطاعة الله.
الدكتور راتب :
 ما من مانع، أنا أقول لك الآية:

﴿ لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ ﴾

[ سورة البقرة: 177 ]

 أنفق المال على حبه ثم آتى الزكاة، الزكاة فرض أما على حبه فهذا الذي ترقى به عند الله، الصدقة هذه ترقى بها كثيراً، مثل إنسان أدى الضريبة، هذه واجب عليه، إنسان قدم للدولة بناء لجامعة، يقام له حفل تكريمي، لا يقام له حفل تكريمي إذا أدى الضريبة.
المذيع:
 لكن كترتيب أولويات نبدأ بالفريضة ومن ثم النوافل، لكن صدق العلاقة مع الله النوافل التي تأتي بعد الفرائض.
 دكتور بعض الطباع يقول بعض الناس لا أستطيع التخلي عنها، مثلاً إنسان غير اجتماعي، لا يستطيع أن يرى أحداً، يقطع الرحم، هذا فيه خلل بنصوص شرعية.

تغيير طباعنا وتسييرها ضمن شرع الله :

الدكتور راتب :
 لا تصدق أن تكلف ما لا تستطيع، إذا توهمت أن هذا الشيء لا تستطيع أن تفعله فاعتقد يقيناً أن هذا الشيء لا تريد أن تفعله، لأن الله عز وجل قال:

﴿ لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا لَهَا ﴾

[ سورة البقرة : 286 ]

المذيع:
 كيف يمكن لنا أن نجاهد طباعنا لتغييرها وتسييرها ضمن شرع الله؟
الدكتور راتب :

(( إنما العلم بالتعلم، وإنما الحلم بالتحلم، وإنما الكرم بالتكرم ))

[الطبراني عن أبي الدرداء ]

 التحلم ليس طبعاً بل تكليفاً، تتكلف الحلم، تكلف الحلم ثمن الحلم الحقيقي، تكلف الكرم ثمن الكرم الحقيقي، هذه إنما أداة التعلم، طريق العلم:

(( إنما العلم بالتعلم، وإنما الحلم بالتحلم.. ))

[الطبراني عن أبي الدرداء ]

 ضبطت أعصابي ضبطاً قوياً، انتقلت من التحلم إلى الحلم:

(( .. وإنما الكرم بالتكرم ))

[الطبراني عن أبي الدرداء ]

 أنفقت وأنا متضايق..
المذيع:
 أنا إنسان بعيد عن الحلم، لا أسامح، حينما حلمت وتصنعت الحلم مرة ثم مرة أصبحت حليماً.
الدكتور راتب :
 حينما دفعت ثمن فضيلة الحلم وهو التحلم، تصنع الحلم، ثم الكرم هو التكرم، ثمن العلم هو التعلم.
المذيع:
 الطبع ممكن أن يغير، هل من همسة تحب أن تقولها للناس حول الطباع التي يحملونها ويرفضون تغييرها حتى لو لم توافق الشريعة؟

من يخطب ودّ الله و يستقيم على أمره يؤتى الحكمة :

الدكتور راتب :
 لو أن هذا الإنسان الذي يتوهم أنه لا يستطيع أجبر نفسه على طاعة الله لرأى من السعادة ما لا يوصف، لذلك إذا رجع العبد العاصي إلى الله نادى مناد في السماوات والأرض أن هنئوا فلاناً فقد اصطلح مع الله، حينما يخطب العبد ود ربه، الله عز وجل يخطب ود عبده، شيء ليس بالقليل إله يتودد إليك، أحياناً بالصحة، أحياناً بالمكانة، أحياناً بالحكمة، أحياناً بالعلم، أحياناً بالنظر الثاقب، أحياناً بالتوازن، أحياناً بالسكينة، والله عطاء الله لا ينتهي، يعطي السكينة تسعد بها ولو فقدت كل شيء، وتشقى بفقدها ولو ملكت كل شيء، تعطى الحكمة تنجح بزواج من الدرجة العاشرة، من دون حكمة تشقى بزوجة من الدرجة الأولى.
المذيع:
 هل الحكمة من الطباع؟
الدكتور راتب :
 يؤتى الحكمة من الله، الحكمة أعظم مكافأة يكافأ بها المؤمن، من يؤتى الحكمة.
المذيع:
 هل له جهود فيها دكتور؟
الدكتور راتب :
 إخلاصه وصدقه، حينما خطب ود الله واستقام على أمره وضبط شهواته وفق منهجه يكافأ بالحكمة.
المذيع:
 هل يمكن أن يرزق الحكمة إنسان غير مؤمن بالله؟
الدكتور راتب :
 لو أنها أعطيت لغير المؤمن نقع في مشكلة لا تنتهي، يأتي الكافر ويكون حكيماً يقنع الناس بالكفر، أما لا بد من أن يروا فيه التناقض والطباع السيئة.
المذيع:
 يمكن أن يرزقك الحكمة في الشؤون الدنيوية؟
الدكتور راتب :
 ممكن، لأن الدنيا تعطى لمن يحب ولمن لا يحب.
المذيع:
 سؤال بعض الصفات نستثقل تغيرها هل هذا طبيعي أم علامة نفاق؟

استثقال تغيير بعض الصفات نتيجة ضعف الإيمان :

الدكتور راتب :
 علامة ضعف إيمان.
المذيع:
 مثلاً أنا لا أستطيع أن أسيطر على الغضب.
الدكتور راتب :
 حينما لا تستطيع السيطرة هذا يتناقض مع التكليف، أنا الله كلفني تكليفاً لا أطيقه.
المذيع:
 كلما قوي إيماني بالله كلما أسيطر عليه.
الدكتور راتب :

﴿ لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا لَهَا ﴾

[ سورة البقرة : 286 ]

المذيع:
 سؤالي الأخير ما هو أجر من يغير طبعاً دام عليه سنوات لكنه يخالف الشريعة؟ ما أجره عند الله من هجر الدنيا وطباعه وهاجر إلى طبع جديد يوافق منهج الله عز وجل؟

الأجر العظيم لمن جاهد نفسه و هواه :

الدكتور راتب :
 والله لا يعلم الأجر إلا الله، لأنه في الحقيقة جاهد جهاداً كبيراً، جاهد نفسه وهواه، لذلك النبي صلى الله عليه وسلم قال: " رجعنا من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر، جهاد النفس والهوى ".
المذيع:
 نختم بدعاء.

الدعاء :

الدكتور راتب:
 اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا، وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا، وأصلح لنا آخرتنا التي إليها مردنا، واجعل الحياة زاداً لنا من كل خير، واجعل الموت راحة لنا من كل شر، مولانا رب العالمين، اللهم اكفنا بحلالك عن حرامك، وبطاعتك عن معصيتك، وبفضلك عمن سواك، اللهم لا تؤمنا مكرك، ولا تهتك عنا سترك، ولا تنسنا ذكرك، اللهم صن وجوهنا باليسار، و لا تبذلها بالإقتار فنسأل شر خلقك، و نبتلى بحمد من أعطى، و ذم من منع، و أنت من فوقهم ولي العطاء، و بيدك وحدك خزائن الأرض و السماء، اللهم أعطنا ولا تحرمنا، أكرمنا ولا تهنا، آثرنا ولا تؤثر علينا، أرضنا وارض عنا، اجعل هذا البلد آمناً سخياً رخياً وسائر بلاد المسلمين، واحقن دماء المسلمين في كل مكان، واحقن دماءهم في الشام، وصلى الله على سيدنا محمد النبي الأمي، وعلى آله وصحبه وسلم، والحمد لله رب العالمين، الفاتحة.

خاتمة و توديع :

المذيع :
بارك الله بكم فضيلة العلّامة الدكتور محمد راتب النابلسي، متحدثاً عن الطبائع والحظوظ بين التكليف وبين التزييف، سبحانك اللهم وبحمدك، نشهد أن لا إله إلا أنت، نستغفرك ونتوب إليك.

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور