وضع داكن
28-03-2024
Logo
الدرس : 13 - سورة الأنعام - تفسير الآية 46 ، الفكر والجوارح والنعم
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا، إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.

 أيها الإخوة الكرام، مع الدرس الثالث عشر من دروس سورة الأنعام .


حظ السمع والبصر والفكر أدوات معرفة الله عز وجل :


 ومع الآية السادسة والأربعين، وهي قوله تعالى:

﴿  قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَخَذَ اللَّهُ سَمْعَكُمْ وَأَبْصَارَكُمْ وَخَتَمَ عَلَى قُلُوبِكُمْ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِهِ انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآيَاتِ ثُمَّ هُمْ يَصْدِفُونَ(46) ﴾

[ سورة الأنعام ]

 أيها الإخوة، من توفيق الإنسان في الدنيا أن يفهم حكمة ما أودع الله فيه من أجهزة، أودع فيه عينين، ولساناً، وشفتين، وأذنين، أودع فيه عقلاً، أو فكراً، هذه الأجهزة التي أودعها الله فيه ينبغي أن يعلم لماذا أُودِعت فيه؟ ينبغي أن يرى بعينيه آيات الله الدالة على عظمته، وينبغي أن يصغي بأذنيه إلى الحق إذا تُلِي عليه، وينبغي أن يُحِكم محاكمته لمعرفة سر وجوده، وغاية وجوده، هذه الحظوظ، حظ السمع والبصر والفكر أدوات معرفة الله عز وجل، ومعرفة الله عز وجل سر السعادة الأبدية.

 أيها الإخوة، نحن في فرصة لا تتكرر لسعادةٍ إلى أبد الآبدين، لكن الذي غفل عن هُوّيته عن أنه إنسان مخلوق أول، أودع الله فيه هذه الأجهزة كي تكون أدوات بين يديه لمعرفة الله عز وجل، هذا الذي يرى بعينيه ما لا يرضي الله، ويُصغي بأذنيه إلى الباطل، ويُعمِل تفكيره في غير ما خُلِقَ له.

 مثلاً: أنا حينما آتي بآلة تصوير ملوَّنة، يمكن أن أستخدمها في تصميم أغلفة الكتب والتقاويم، وأشياء لا تعد ولا تحصى، ويمكن أن أستخدمها أيضاً فأجمع منها ثروة طائلة، أما أن أستخدمها في تزوير العملة عندئذٍ ينتهي بي المصير إلى السجن، أنا حينما أُسجَن لأنني استخدمت آلة تصوير ملونة في تزوير العملة أقول: أنا استخدمت الآلة لغير ما صُنِعَت له، صُنِعت للتصاميم، للأشياء الموافقة للقوانين، أما حينما أستخدم هذه الآلة للتزوير ينتهي بي المصير إلى السجن .


حينما تعبد الله كأنك تراه فأنت في أعلى درجات العبادة :


 الآن السؤال : 

﴿  أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ(8) ﴾

[  سورة البلد  ]

 يعني عين؛ والله الذي لا إله إلا هو، تحار العقول في دقة صنعها، ذكرت مراراً أن أعلى آلة تصوير على الإطلاق صُنِعت حتى الآن الرقمية، وأعلى آلة تصوير يقتنيها مصور محترف في الميليمتر مربع عشرة آلاف مستقبل ضوئي، بينما في العين التي هي من صنع الله في الميليمتر مربع مئة مليون مستقبل ضوئي، العين البشرية السليمة تميز بين ثمانية ملايين لون، لو أن كل لون دُرِّج ثمانمئة ألف درجة لميزت العين السليمة بين درجتين، والحديث عن المطابقة، وأن القرنية تتغذى بالحلول، والله لا أذكر من دقائق العين إلا واحداً بالمليار ﴿أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ﴾ أيُعقَل أن تكون هاتان العينان من أجل أن ترى بهما عورات المسلمين؟ أم من أجل أن ترى بهما دقيق صنع الله عز وجل! فالله عز وجل زوّدنا بعينين. شيء آخر، الذي أعطاك العينين لترى بهما ألا يراك؟

﴿  أَيَحْسَبُ أَنْ لَمْ يَرَهُ أَحَدٌ (7) ﴾

[  سورة البلد  ]

﴿أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ﴾ الذي خلق لك العينين ألا يراك؟ وأعظم إيمان المرء أن يعلم أن الله معه حيث كان، هذا الإيمان، أنت حينما تعبد الله كأنك تراه فأنت في أعلى درجات العبادة، فالله عز وجل يقول: 

﴿قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَخَذَ اللَّهُ سَمْعَكُمْ وَأَبْصَارَكُمْ﴾ يعني هذه اللغة التي تفضّل الله بها علينا حيث قال الله عز وجل :

﴿  الرَّحْمَنُ(1) عَلَّمَ الْقُرْآنَ(2) خَلَقَ الْإِنْسَانَ(3) عَلَّمَهُ الْبَيَانَ(4) ﴾

[  سورة الرحمن  ]

 يعني بكلمة يستجيب الناس لك، تصوَّر دولة ليس فيها لغة، فإذا أردت أن أنقل للناس شيئاً ما الوسيلة؟ لو أردت أن أمنع التجول، أحتاج إذا كان عندي سبعة عشر مليون إنسان أحتاج إلى سبعة عشر مليون شرطي ليدفعهم إلى البيوت، لكن ببلاغ واحد لا يستغرق دقيقة لا ترى أحداً في الطرقات، ما هي أداة الاتصال بينك وبين الناس؟ هذه اللغة .

من تكريم الله للإنسان أنه علمه البيان :

 من تكريم الله للإنسان أنه علمه البيان، تعبّر عن أفكارك، تعبر عن مشاعرك، تطّلع على أفكار الآخرين، على مشاعرهم، تتعلم الخبرات التي تراكمت عبر الأجيال، تتعلم العلوم التي كشفتها بقية الأمم عن طريق الترجمة، فضل الله علينا باللغة فضل كبير .

﴿  اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ(1) خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ(2) اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ(3) الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ(4) ﴾

[  سورة العلق  ]

 فالله عز وجل جعل لنا عينين، وجعل لنا أذنين، متكلّم واحد يسمعه الآن ملايين مُملينة، الملايين المملينة يقفون على ما قال بشكل مباشر، فقضية اللغة من أدق تعاريفها أنها أداة اتصال بين أفراد النوع، أداة اتصال، وأداة تعبير، وأداة مشاركة، وأداة يرقى بها الإنسان، كل إنسان حصَّل العلم جمع علمه في كتاب، هذه الثقافة تراكمت، يعني ما قاله الإمام القرطبي قبل ألف عام نقرأه اليوم من خلال اللغة، ولولا اللغة لما حُفِظَ علمٌ ،ولا انتُفِع منه إطلاقاً .

 إذاً: هذا الذي أعطانا الفكر، وأعطانا السمع، وأعطانا العينين، من أجل ماذا ؟ من أجل أن نؤمن به، وإذا آمنا به سعدنا بقربه في الدنيا والآخرة، يعني أنت حينما تكشف علة وجودك في الدنيا أن الله سبحانه وتعالى خلقك كي تعرفه، وإن عرفته عرفت كل شيء، وإن فاتك فَاتك كل شيء، أنت حينما تعلم أن هذه الحياة الدنيا فرصة ذهبية لا تتكرر لنيل سعادة أبدية لا توصف:

((  أَعْدَدْتُ لِعِبَادِي الصَّالِحِينَ مَا لَا عَيْنٌ رَأَتْ، وَلَا أُذُنٌ سَمِعَتْ، وَلَا خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ.  ))

[  صحيح البخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ]


علينا أن نستعمل الفكر والجوارح فيما خلقت له :


 فالله عز وجل يقول : 

﴿قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَخَذَ اللَّهُ سَمْعَكُمْ﴾ الأصم أبكم، هذا الطفل ينشأ في بيئة يفهم بعد حين كل شيء، وينطق بكل شيء، الإنسان يسمع ويرى، السمع نافذة على العالم الخارجي، والرؤية نافذة على العالم الخارجي، والفكر هو الذي يتلقّى هذه الصور وتلك الأصوات، ويحللها ويفهمها، لذلك قال تعالى :

﴿  وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِۦ عِلْمٌ ۚ إِنَّ ٱلسَّمْعَ وَٱلْبَصَرَ وَٱلْفُؤَادَ كُلُّ أُوْلَٰٓئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْـُٔولً ا(36) ﴾

[  سورة الإسراء  ]

 والذي أتمنى أن يكون واضحاً أيها الإخوة أنه ينبغي أن تستعمل الجوارح فيما خُلِقَت له، وينبغي أن تستعمل الفكر الذي أودعه الله فيك فيما خُلِقَ له، في دماغ الإنسان يوجد  مئة وأربعون مليار خلية سمراء استنادية لم تُعرف وظيفتها بعد، وعلى سطح الدماغ أربعة عشر مليار خلية قشرية تتمّ فيها عمليات تفوق حد الخيال، تتم المحاكمة في ناصية الرأس، وهناك مركز للسمع، والبصر، والشم، والمحاكمة، والاستنباط، تتم عمليات فكرية في الدماغ تفوق حد الخيال، في بعض المقالات العلمية أنهم فتحوا دماغ إنسان، وأعطوا منطقة الذاكرة تياراً كهربائياً ضعيفاً جداً فالذكريات التي كانت قبل ثلاثين عاماً تذكرها، فلما رفعوا شدة التيار انقلبت الذكريات إلى صورٍ أمامه، يعني لا يزال الدماغ عاجزاً عن أن يفهم ذاته حتى الآن، وهو أعقد جهاز في الإنسان .

 أيها الإخوة، حينما يتفضل الله تعالى علينا بالسمع والبصر، يعني عندك ذاكرة لا يزيد حجمها على حبة العدس يمكن أن تستوعب ستين مليار صورة خلال عمر معتدل متوسط .


الله سبحانه وتعالى لكرامة الإنسان عنده منحه بعض صفاته :


 ذكرت قبل ذلك أن الله سبحانه وتعالى لكرامة الإنسان عنده منحه بعض صفاته، فالإنسان فرد لا يتكرر، علامات فرديته أن قزحية عينه لا يمكن أن يشبهه فيها إنسان على وجه الأرض، لذلك استُخدِمت هذه الخاصة في الإنسان الآن لمكافحة ما يُسمّى بالإرهاب، فإذا دخلت إلى مطار في بلاد الغرب أول شيءٍ تُؤخَذ صورة لقزحية العين، وتُوضَع على الجواز، عندئذٍ لا يمكن لهذا الجواز أن يُزَوَّر، الآن صُنِعت أقفالٌ لا تُفتَح إلا على قزحية العين، يعني هناك إنسان واحد على الأرض يستطيع فتح هذا القفل، وهو صاحب هذا القفل، يضع عينيه عليه ويفتحه، فأنت فرد في قزحية العين، لا يمكن أن يشبهك إنسان آخر على وجه الأرض في شكل قزحية العين، وأنت فرد في نبرة الصوت، لك نبرة صوتٍ تتميز بها من بين الستة آلاف مليون، وأنت فرد في رائحة الجلد، وحديث بعض النساء لنُصح بناتهن يوم الزفاف: " والماء أطيب الطيب المفقود " لأن لكل جلدٍ رائحة زكية، فإذا نظفت جلدك فلجلدك رائحة مقبولة، ورائعة، لكن بشرط أن تكون نظيفاً، وعلى أساس هذه الرائحة تعمل الكلاب البوليسية، لأن الكلب أودع الله فيه حاسة شمٍّ تفوق حاسة الإنسان بمليون ضعف، لذلك إن أعطيته حاجةً لامست جلد إنسان مطلوب يبحث عنه من بين مئات الألوف، ويهتدي إليه لمسافاتٍ بعيدةٍ جداً، فرائحة جلد الإنسان هُوّية، ونبرة صوته هُوّية، وقزحية عينه هُوّية، وبصمته هُوّية.

 أحد المجرمين الذي أدمن الإجرام أجرى عملية ونزع جلد إبهاميه، وضع مكانهما جلداً من رجليه، بعد شهرين ظهرت على الجلد الذي زُرِع خطوط بصمته السابقة .

 يعني حدثني أخٌ محامٍ، قال لي : في أيّ عَقدٍ مهمٍّ احرص على أن يبصم الطرف الآخر ببصمته على العقد، قلت له: لماذا؟ قال: لأن التوقيع يُقلّد، والادّعاء بأن هذا التوقيع ليس توقيعي قائم، والمحاكمة قد تستمر عشر سنوات، للتأكد من التوقيع، بينما بصمة الإنسان لا تُقلَّد، عرضوا بصمة على مئة ألف بصمة، والبصمة فيها تقريباً مئة علامة، لا يمكن أن تتشابه من البصمتين سبع علامات، وإن توافقت سبع علامات بين البصمتين فهما لإنسان واحد، وأنت فرد في بصمتك.

الآن هناك شيء اسمه الزمرة النسيجية، لذلك الإنسان حينما يزرع كليةً، ويرفضها الجسم لتباعد الزمرتين، وليس على وجه الأرض إنسان يشبهك في زمرتك النسيجية، هذه غير الزمرة الدموية، كل إنسان له زمرة نسيجية .

 وأنت فرد في بلازما الدم، السائل الذي تسبح فيه الكريات الحمراء، أنت بهذا أيضاً فرد، فلكرامتك عند الله منحك الله صفة الفردية، وهي صفتك .


لكرامتك عند الله سمح الله لك أن تشرع وأن تبتدع :


 وإذا قرأنا الحديث الشريف يمكن أن نفهم هذا الحديث في ضوء هذه المُعطيات، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : 

((  إِذَا قَاتَلَ أَحَدُكُمْ أَخَاهُ فَلْيَجْتَنِبْ الْوَجْهَ ، فَإِنَّ اللَّهَ خَلَقَ آدَمَ عَلَى صُورَتِهِ   ))

[ البخاري والنسائي عن أبي هريرة  ]

 فأنت المخلوق الأول، أنت المخلوق لجنة عرضها السماوات والأرض، وأن هذه الدنيا دار عمل وليست دار أمل، ودار تكليف لا دار تشريف ، وأنت فرد حينما سمح الله لك أن تُشرِّع من خلال نصوص قرآنية ظنّية الدلالة سمح الله للعلماء الكبار أن يستنبطوا أحكاماً فقهية فرعية من نصوص كلية. إذاً : لكرامتك عند الله سمح الله لك أن تُشرِّع .

 ولكرامتك عند الله أيضاً سمح لك أن تبتدع، الآن توصلوا إلى وردة سوداء، إلى نباتات هجين، أساساً معظم النباتات التي نأكلها بذورها أُجرِيت عليها تعديلات وراثية، يعني نأخذ من هذا النبات مقاومته للبرد، ومن هذا النبات محصوله الغزير، ومن هذا النبات قدرته على العطاء المستمر، نجمعها في نبات واحد، إذاً: سُمِح للإنسان أن يبدع من خلال الجينات.

 ومن يصدق أن في الإنسان تقريباً ثلاثين ألف جينة للإنسان، وكل جينة مؤلفة من حروف، يعني في بويضة المرأة وحوين الرجل، وفي النواة يوجد معلومات مبرمجة، حروفها تقترب من آلاف الملايين، تمّ اكتشاف ثلاثين جيناً حتى الآن، وهناك تسعة آلاف مرض تعود أسبابها إلى الجينات، وأن الذي كان يُقال في العالم الغربي من أن المنحرف جنسياً له جيناتٌ خاصة كلام سقط تحت الأقدام، وثبت بالبحوث الدقيقة أنه لا علاقة بين الجينات وبين انحراف الإنسان، إنما هو من فعله واختياره .

 إذاً: السمع؛ والله لا تزال الأذن من عجائب خلق الله في الإنسان، كيف يُفرِّق الإنسان بين النغم وبين الضجيج؟ قد تضع تحت باب الغرفة قطعة زجاج، فإذا فتحت الباب تكاد تخرج من جلدك من انزعاجك من هذا الصوت، وقد تقف أمام شلال كشلالات نياغارا، فلا تتأذّى من هذا الصوت، هذا صوت ماء يَخِرّ مقبول عند الإنسان، حتى الآن السر في التفريق بين النغم والضجيج مجهول حتى الآن، ما في الأرض الآن آلة تُكبِّر الصوت، وتُخمِّد الصوت كغشاء الطبل، إن كان الصوت ضعيفاً كبّره، وإن كان قوياً خفّفه، وأنت لا تعلم، غشاء طبل، وقناة سمعية، وأربع عظام، ما الفرق بين أن تأتيك الأصوات وبين أن تفهمها؟ لو جلست بين اثنين يتحدثون الفارسية مثلاً، تأتيك الأصوات فقط، لكن لو جلست بين اثنين يتحدثون العربية تأتيك الأصوات والمعاني والأفكار والمشاعر، في أي مكان تفهم الكلام .


بطولة الإنسان أن يستخدم جوارحه لما خلقت له :


 هناك شيء دقيق في الأذن؛ اجلس مع صديق حميم في الغرفة، وضع على طرف النافذة آلة تسجيل، وأدر معه حديثاً حميماً عميقاً لساعة، ثم اسأله: ماذا سمعت من أصوات في الطريق؟ لا يسمع شيئاً، مع أن هناك أصوات وسيارات، وبائع وقود سائل، وصوت ارتطام، ما هذه الأذن التي تصطفي لك ما أنت بحاجة إليه، وبقية الأصوات لا تسمعها أبداً؟ افتح المسجلة، كل هذه الأصوات التي سجلتها لم تسمعها، ما هذه الدقة في الصنع ؟ قال تعالى :

﴿ وَتَرَى ٱلْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِىَ تَمُرُّ مَرَّ ٱلسَّحَابِ ۚ صُنْعَ ٱللَّهِ ٱلَّذِىٓ أَتْقَنَ كُلَّ شَىْءٍ ۚ إِنَّهُۥ خَبِيرٌۢ بِمَا تَفْعَلُونَ(88)﴾  

[ سورة النمل  ]

﴿  وَهُوَ ٱلَّذِىٓ أَنشَأَ لَكُمُ ٱلسَّمْعَ وَٱلْأَبْصَٰرَ وَٱلْأَفْـِٔدَةَ ۚ قَلِيلًا مَّا تَشْكُرُونَ(78) ﴾

[  سورة المؤمنون ]

 صُنعت الأذن كي تتلقّف بها الحق، وصُنِعت العين كي ترى بها آيات الله الدالة على عظمته، وقُدِّمَ لك الدماغ أو الفكر من أجل أن تعرف الله عز وجل، فكل بطولتك أن تستخدم هذه الجوارح لما خُلِقَت له، إذاً الآية: ﴿قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَخَذَ اللَّهُ سَمْعَكُمْ وَأَبْصَارَكُمْ وَخَتَمَ عَلَى قُلُوبِكُمْ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِهِ انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآيَاتِ ثُمَّ هُمْ يَصْدِفُونَ﴾ .


النعم التي أنعم الله علينا بها لا تقدر بثمن :


يعني حينما قال الله عز وجل :

﴿  قُلِ ٱللَّهُمَّ مَٰلِكَ ٱلْمُلْكِ تُؤْتِى ٱلْمُلْكَ مَن تَشَآءُ وَتَنزِعُ ٱلْمُلْكَ مِمَّن تَشَآءُ وَتُعِزُّ مَن تَشَآءُ وَتُذِلُّ مَن تَشَآءُ ۖ بِيَدِكَ ٱلْخَيْرُ ۖ إِنَّكَ عَلَىٰ كُلِّ شَىْءٍۢ قَدِيرٌ(26) ﴾

[  سورة الملك  ]

 من يملك عينيه؟ لي صديقُ صديقٍ جاء من فرنسا يحمل أعلى شهادة، وتولى منصباً رفيعاً جداً، وتزوج امرأة، وأتى معه بامرأة من فرنسا، وسكن بأرقى أحياء دمشق، وكان متألقاً إلى أبعد الحدود، فجأة فَقَدَ بصره، فنوع من المجاملات بقي في بيته شهرين أو ثلاثة يأتيه الموظف الذي دونه بالبريد، يقرؤه له ، ويأخذ توجيهاته، بعد حين سُرّح، يروي لصديقه ما يلي، يقول: والله، أتمنى أن أجلس على الرصيف أتكفّف الناس، وليس عليّ إلا معطف، وأن يردّ الله إليّ بصري، فالذي يملك العينين نعمتان لا تُقدّران بثمن، والذي يملك الأذنين نعمتان لا تُقدّران بثمن، والذي يملك عقلاً في رأسه فهو نعمة .

 مرة كنا في حفل عيد مولد نبوي، إنسان فقَدَ عقله، رفع صوته بالسُّباب والشتائم، وسبّ الدين، وسبّ مَن في المجلس، يعني ألغى كل هذا الحفل، فلما انصرفنا، قلت: يا رب، ما الحكمة من وجود هذا الإنسان المُختَل؟! قلت: من أجل أن نعرف نعمة العقل، الذي أعطاه الله عز وجل عقلاً برأسه يتكلم الكلام المناسب، يسكت في الوقت المناسب، يغضب في الوقت المناسب، يحلم في الوقت المناسب، يربي أولاده بطريقة حكيمة، هذه نعمةٌ لا تُقَدَّر بثمن، فالله عز وجل يلفت النظر إلى نعمة السمع والبصر ونعمة العقل.

 بالمناسبة، الدماغ يمكن أن نُسمّيه فكراً، أما العقل فيكون في القلب لا في المضخة الصنوبرية، لا، في قلب النفس، لقوله تعالى :

﴿  وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِّنَ ٱلْجِنِّ وَٱلْإِنسِ ۖ لَهُمْ قُلُوبٌ لَّا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَّا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ ءَاذَانٌ لَّا يَسْمَعُونَ بِهَآ ۚ أُوْلَٰٓئِكَ كَٱلْأَنْعَٰمِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ ۚ أُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلْغَٰفِلُونَ(179) ﴾

[ سورة الأعراف الآية : 179 ]

﴿انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآيَاتِ ثُمَّ هُمْ يَصْدِفُونَ﴾ يعني يصدفون أيْ ينصرفون عن الحق إلى غيره. 


جهاز المناعة المكتسب في جسمنا فيه ست فرق :


 أيها الإنسان، ما دام الحديث عن آيات الله الدالة على عظمته في خلق الإنسان، هل تعلم أن في جسمك جيشاً بكل ما في الكلمة من معنى؟ هذا الجيش اسمه جهاز المناعة المُكتسَب ، فيه ست فرق:

 الفرقة الأولى: سلاح الإشارة ، كيف تتواصل، الفرقة الأولى مع الثانية مع الثالثة مع الرابعة مع الخامسة مع السادسة، عن طريق فرقة سلاح الإشارة .

 الفرقة الثانية: فرقة الاستطلاع أو الاستخبارات ، هذه إذا دخل جرثوم إلى الجسم ذهبت إليه، وأخذت شفرته الكيماوية فقط، وترجع إلى فرقة ثالثة تُصنَّع فيها الأسلحة في العُقَد الليمفاوية، في هذه العُقَد تُصنَّع الأسلحة، أما هذه العقد تملك ذاكرة عجيبة، فإذا صنعت سلاحاً مضاداً لجرثوم، وشُفِي هذا الإنسان عن طريق هذا السلاح المضاد تُودَع خصائص هذا السلاح في مِلف، فلو عاد الجرثوم بعد سبعين عاماً، الملف جاهز، ولولا هذا الملف لَمَا كان هناك جدوى من التلقيح إطلاقاً، ما التلقيح؟ نعطي الطفل جرثوم الكوليرا، العُقد الليمفاوية تصنع المصل المضاد لهذا الجرثوم، ويُحفَظ في ملفٍّ خاص، فإذا عاد الجرثوم بعد سبعين عاماً، الملف جاهز والسلاح جاهز، فالفرقة الأولى إشارة، والثانية استطلاع، والثالثة تصنيع أسلحة، والرابعة فرقة المقاتلين .

 الفرقة الأولى: سلاح الإشارة، والفرقة الثانية: سلاح الاستطلاع والاستخبارات، والفرقة الثالثة: مؤسسة معامل الدفاع، والفرقة الرابعة: المشاة والمقاتلون، الفرقة الخامسة: فرقة سلاح الهندسة ، لتنظيف أرض المعركة من جثث القتلى .


جهاز المناعة المكتسب يقويه الحب والأمن ويضعفه الخوف والقلق :


 أحيانا يحدث ورم داخله سائل أبيض في الجسم، هذه نتائج المعركة، الشيء الذي لا يُصدَّق أنه إلى جانب القلب غدة بحجم حبة الحمص اسمها التَّيموس، إلى عقدين من الزمن أجمعت كتب الطب أنها غدةٌ لا وظيفة لها، هذا يُدرَّس في الجامعات، ثم اكتُشف أن هذه الغدة التي اسمها التّيموس هي أخطر غدة على الإطلاق في الإنسان، ما هي هذه الغدة؟ هي مدرسة حربية، الفرقة الرابعة فرقة المقاتلين، عنصر قوي معه سلاح فتاك، لكنه جاهل، سماها العلماء الغدة التائية الهمجية، فإذا دخلت إلى هذه المدرسة الحربية تعلمت من هو الصديق ومن هو العدو، تمكث هذه الكريات في هذه الغدة التيموس سنتين، تتعرفان إلى كل العناصر الصديقة، وإلى كل العناصر العدوة، ولا بد من امتحان، ما الامتحان؟ تُعطَى هذه الكرية عنصراً صديقاً، فإذا قتلته ترسب وتُقتَل، وإذا لم تقتله تنجح وتتخرج، ثم تُعطَى عنصراً عدواً، فإذا لم تقتله ترسب وتُقتَل، وإن قتلته تنجح وتتخرج، الآن هذا الجيل الأول الذي تلقّى التعليم يعلم الأجيال اللاحقة إلى نهاية العمر، وعندئذٍ تنتهي مهمة هذه المدرسة، وتغلق أبوابها وتضمر.

 في سن الستين، أو السبعين، أو الخمسين، تنشأ حالة اسمها خرف مناعي، يضعف التعليم، فتنشأ في الجسم حرب أهلية، يعني هذه العناصر القوية التي معها سلاح بدل أن تقاتل أعداء الجسم الجراثيم تقاتل العناصر الصديقة، لذلك الأطباء عدُّوا سبعة أمراضٍ تتأتّى من هذه الحرب الأهلية ، منها التهاب المفاصل الحاد، هذا مرض سببه حرب أهلية في الجسم لضعف التعليم.

أيها الإخوة، جهاز المناعة المُكتَسب هذا الجهاز إدارته خارج الجسم، عناصره في الجسم ست فرق، لكن هناك فرقة اكتُشفت عام سبعة وستين اسمها فرقة المغاوير، الكومندس، هذه الفرقة تستطيع أن تكتشف الخلية السرطانية في وقت مبكر وأن تلتهمها، هذه الفرقة، وفي أحدث بحث عن الخلايا السرطانية في الجسم: كل إنسان من بني البشر فيه مليارات الخلايا السرطانية، لكن يوجد على كل خلية قامع يقمعها أن تؤذي صاحبها، ما الذي يفك القامع عنها؟ قال أربعة أشياء: الشدة النفسية، الخوف، القلق، الحقد ، لذلك التوحيد صحة، الموحِّد لا يخاف، الموحد لا يحقد، الموحد لا يقلق .

﴿  قُل لَّن يُصِيبَنَآ إِلَّا مَا كَتَبَ ٱللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلَىٰنَا ۚ وَعَلَى ٱللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ ٱلْمُؤْمِنُونَ(51) ﴾

[  سورة التوبة  ]

 فلذلك هذا الجهاز يقويه الحب والأمن، ويضعفه الخوف والقلق .


المؤمن واثق من نصر الله ولو تأخر قليلاً :


 فهذه الخلايا السرطانية على كل خلية قامع يقمعها، فالشدة النفسية التي تتأتّى من الشرك بالله، والآية:

﴿  فَلَا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ فَتَكُونَ مِنَ الْمُعَذَّبِينَ(213) ﴾

[  سورة الشعراء  ]

 إن الله عز وجل يقول:

﴿  وَلِلَّهِ غَيْبُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلْأَرْضِ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ ٱلْأَمْرُ كُلُّهُۥ فَٱعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ ۚ وَمَا رَبُّكَ بِغَٰفِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ(123)﴾

 

[ سورة هود  ]

﴿  وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ(30) ﴾

[  سورة الشورى  ]

 فالشدة النفسية أخطر شيء على جهاز المناعة المكتَسب، وكم من إنسان تلقى نبأً سيئاً فأُصِيب بمرض خبيث، ضعف جهاز المناعة يعني الخلية السرطانية تتحرر من قامعها عن طريق الشدة النفسية، والشدة النفسية سببها الشرك.

 النبي عليه الصلاة والسلام علّمنا؛ إنسان كل من في الجزيرة ضده، أُهدِر دمه، مئة ناقة لمن يأتي به حياً أو ميتاً، تبعه سراقة، قال له: يا سراقة كيف بك إذا لبست سواري كسرى؟ ما هذا الحل؟! يعني أنا سأصل، وسأؤسس كياناً إسلامياً، وسأحارب أكبر دولة وقتها، وسأنتصر عليها، وسوف تأتيني غنائم كسرى إلى المدينة، ويا سراقة لك سوار كسرى، فالمؤمن واثق من نصر الله ولو تأخر قليلاً .

﴿  وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ(139) ﴾

[  سورة آل عمرا ]

ن 

 أنا أقول لكم أيها الإخوة: الآن أخطر شيءٍ يدمّرنا أن ننهزم من الداخل، أن نقنط من رحمة الله، أن نقول: انتهينا، أعداؤنا أقوياء جداً وبيدهم كل شيء ونحن انتهينا، لا إنما نحن مُمتَحنون ﴿وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾ .

 الذي يفك هذا القامع أيضاً ذرة البترول، الذي يعمل بمشتقات البترول ولا ينظف يديه كثيراً، ويأكل بيديه، فإذا وصل إلى جوفه بعض هذه المواد البترولية ربما هذا يسبب ضعفاً في جهاز المناعة. .

 وأيضاً البلاستيك مع الحرارة والحمض والكشط كما يقال، إما أن يصل إلى جوفك بحركة ميكانيكية عن طريق السكين والكيس، أو بالحمض مع البلاستيك، أو بالحرارة مع البلاستيك، ثم الإشعاع النووي، أربعة أشياء تُضعِف القامع الذي يقمع الخلية السرطانية .


الحب والأمن من ثمار الإيمان :


 أيها الإخوة، هذا خلق الله، جهاز المناعة المكتسب -استمعوا لهذه الحقيقة- يقويه الحب، ويقويه الأمن، والحب والأمن من ثمار الإيمان .

﴿ وَكَيْفَ أَخَافُ مَآ أَشْرَكْتُمْ وَلَا تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُم بِٱللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِۦ عَلَيْكُمْ سُلْطَٰنًا ۚ فَأَىُّ ٱلْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِٱلْأَمْنِ ۖ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ(81) الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ (82) ﴾

[  سورة الأنعام  ]

 الأمن لهم وحدهم، والله الأخطار التي تنتظر المسلمين لا تعد ولا تحصى، والله التهديدات التي يُهدّد بها الأقوياء العالم الإسلامي والله لا تعد ولا تحصى، والأسلحة التي يملكها أعداؤنا يصعب تصورها من شدة فتكها، ومع ذلك الله عز وجل يطمئننا أن الأمر كله بيده ﴿وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ﴾ .

﴿  وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلَهٌ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ(84) ﴾

[  سورة الزخرف  ]

﴿  قُلِ ٱللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُواْ ۖ لَهُۥ غَيْبُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلْأَرْضِ ۖ أَبْصِرْ بِهِۦ وَأَسْمِعْ ۚ مَا لَهُم مِّن دُونِهِۦ مِن وَلِىٍّۢ وَلَا يُشْرِكُ فِى حُكْمِهِۦٓ أَحَدًا (26) ﴾

[  سورة الكهف  ]

﴿  إِنَّ ٱلَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ ٱللَّهَ يَدُ ٱللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ ۚ فَمَن نَّكَثَ فَإِنَّمَا يَنكُثُ عَلَىٰ نَفْسِهِۦ ۖ وَمَنْ أَوْفَىٰ بِمَا عَٰهَدَ عَلَيْهُ ٱللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا(10) ﴾

[  سورة الفتح  ]

﴿ فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَٰكِنَّ ٱللَّهَ قَتَلَهُمْ ۚ وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَٰكِنَّ ٱللَّهَ رَمَىٰ ۚ وَلِيُبْلِىَ ٱلْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلَآءً حَسَنًا ۚ إِنَّ ٱللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ(17) ﴾

 

[ سورة الأنفال ]


نحن في أمس الحاجة إلى التوحيد وإلى أن نرى أن يد الله تعمل وحدها في الكون :


 نحن الآن أيها الإخوة في أمسّ الحاجة إلى التوحيد، إلى أن نرى أن يد الله تعمل وحدها في الكون:

﴿ وَعِندَهُۥ مَفَاتِحُ ٱلْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَآ إِلَّا هُوَ ۚ وَيَعْلَمُ مَا فِى ٱلْبَرِّ وَٱلْبَحْرِ ۚ وَمَا تَسْقُطُ مِن وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍۢ فِى ظُلُمَٰتِ ٱلْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍۢ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِى كِتَٰبٍۢ مُّبِينٍ(59) ﴾

[  سورة الأنعام  ]

 أما وما تسقط من قنبلة يعلمها من باب أولى، ما دامت ورقة زيتون إذا سقطت يعلمها، الصاروخ والقنبلة والزلزال بيده، سيدنا موسى حينما كان في صندوق دققوا في هذا الكلام:

﴿  وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ(7) ﴾

[  سورة القصص ]

 ما هذا الكلام؟  إذا خفت عليه ألقيه في اليم! لمن هذه القصة؟ لنا، صندوق في نهر من يحركه ؟ الله جل جلاله، من ساقه إلى شاطئ قصر فرعون؟ من جعله يقف أمام غصن؟ من ألهم امرأة فرعون أن تأتي إلى شاطئ القصر؟ من جعل هذا؟

وجد أحدهم نفسه فجأة في بطن حوت، في ظلمة بطن الحوت، وفي ظلمة أعماق البحر، وفي ظلمة الليل، في ظلمات ثلاث، الأمل كم بالنجاة؟ ولا واحد بالمليار .

﴿  وَذَا ٱلنُّونِ إِذ ذَّهَبَ مُغَٰضِبًا فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَىٰ فِى ٱلظُّلُمَٰتِ أَن لَّآ إِلَٰهَ إِلَّآ أَنتَ سُبْحَٰنَكَ إِنِّى كُنتُ مِنَ ٱلظَّٰلِمِينَ(87) فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَٰلِكَ نُۨجِى ٱلْمُؤْمِنِينَ (88) ﴾

[  سورة الأنبياء  ]

 القصة انتهت، جاء القانون الذي قلبها إلى قانون ﴿وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ﴾


إن اتقينا ربنا وصبرنا فالتقوى والصبر طريقنا إلى النصر :


 فرعون بقوته العسكرية المخيفة، وبحقده الدفين، وبلحاقه لموسى وأصحابه، والبحر أمامهم، النجاة احتمالها كم؟ صفر.

﴿  فَلَمَّا تَرَٰٓءَا ٱلْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَٰبُ مُوسَىٰٓ إِنَّا لَمُدْرَكُونَ(61) قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ (62) ﴾

[  سورة الشعراء  ]

 نحن أيها الإخوة في أمسّ الحاجة إلى الثقة بالله، ولكن الحقيقة المرة أفضل ألف مرة من الوهم المريح، إن اتقينا ربنا وصبرنا فالتقوى والصبر طريقنا إلى النصر، وإن عصينا وصبرنا فهي الطريق إلى القبر، الحال مؤلم، نعصي ونصبر، ونصبر تجاوزاً مقهورون، أما حينما نتّقي ونصبر هو طريق النصر. الآية أيها الإخوة :

﴿قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَخَذَ اللَّهُ سَمْعَكُمْ وَأَبْصَارَكُمْ وَخَتَمَ عَلَى قُلُوبِكُمْ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِهِ انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآيَاتِ ثُمَّ هُمْ يَصْدِفُونَ﴾ يصدفون عن الحق، لذلك ما أكثر العِبرَ وما أقلّ المعتبرين، نحن بأمسّ الحاجة في هذه الظروف العصيبة التي يكيد لنا أهل الأرض، لا ليُضعفونا، ليستأصلونا، أقول لكم بكل صراحة: نحن أمام حربٍ عالميةٍ ثالثةٍ موجهةٍ ضد المسلمين، ينبغي أن نستعد بالإيمان، وبالعمل، وبالتعاون، وبالتضامن، فلعل الله سبحانه وتعالى يحبط مسعاهم .

والحمد لله رب العالمين 

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور