وضع داكن
18-04-2024
Logo
الدرس : 17 - سورة الأنعام - تفسير الآية 54 ، التوبة النصوح
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا، إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.

 أيها الإخوة الكرام، مع الدرس السابع عشر من دروس سورة الأنعام .


للآية التالية اتصال بآيات سابقة :


 ومع الآية الرابعة والخمسين، وهي قوله تعالى:

﴿  وَإِذَا جَاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِنَا فَقُلْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءاً بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ(54) ﴾

[ سورة الأنعام  ]

 أيها الإخوة، لهذه الآية اتصال بآياتٍ سابقة، حيث قال الله عز وجل في آية سابقة:

﴿  وَلَا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَمَا مِنْ حِسَابِكَ عَلَيْهِمْ مِنْ شَيْءٍ فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ(52) ﴾

[  سورة الأنعام  ]

 لما أبى زعماء قريش أنْ يجلسوا في مجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم مع المؤمنين الضِّعاف الفقراء، ورأوا في هذا الجلوس المشترك ما يخدش أو ما يقلِّل من قيمتهم أبَوا على النبي صلى الله عليه وسلم  أن يحضروا ما دام هؤلاء الفقراء في مجلسه، ثم اقترحوا عليه أن يكون يومٌ لهم ويومٌ للزعماء، وكأن النبي صلى الله عليه وسلم باجتهاد منه وبطمع أن يُسلم هؤلاء الكبار، ولهم أتباع كثر، فكأنه فكّر في أن يوافق، فجاء التوجيه الإلهي : 

﴿وَلَا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ﴾


الآية السابقة جاءت لتعزز مكانة هؤلاء الذين استصغرهم زعماء قريش :


 طبعاً النبي عليه الصلاة والسلام معصوم في أقواله، وأفعاله، وإقراره، لكن لحكمة بالغة بالغةٍ بالغة تُرِك له هامشٌ ضيق جداً للاجتهاد، فإن أصاب أقرّه الوحي على ذلك، وإن ترك الأَولَى، وهذا الاجتهاد يمكن أن يكون وسام شرف له، فرق كبير بين أن تجلس مع من يحبك ومع من يؤمن بك، وبين أن تجلس مع خصمٍ لدودٍ وقحٍ، لا يعبأ بك، ولا برسالتك، ومع ذلك النبي عليه الصلاة والسلام اختار الأصعب، اختار الأصعب طمعاً بهداية الخلق، فاجتهاده وسام شرف له، وإذا عتب الله عليه عتب له ولم يعتب عليه، وفرق كبير بين أن يعتب الله له وبين أن يعتب عليه، لكن الوحي وحي السماء هو الحق المطلق، فالله عز وجل نهاه عن أن يجعل لزعماء قريش يوماً، ولهؤلاء الفقراء الضعاف يوماً، فقال : 

﴿وَلَا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَمَا مِنْ حِسَابِكَ عَلَيْهِمْ مِنْ شَيْءٍ فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ﴾ لكن في هذه الآية التي بين أيدينا يقول الله عز وجل: هؤلاء الضعاف، هؤلاء الفقراء، هؤلاء الذين يبتغون وجه الله، لعل قلامة ظفرهم تساوي آلافاً مُؤلّفة من الأقوياء الأغنياء، جاءت الآية لتعزز مكانة هؤلاء الذين استصغرهم زعماء قريش، قال: 

﴿وَإِذَا جَاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِنَا﴾ بآياتنا الكونية، بآياتنا القرآنية، بآياتنا التكوينية، هؤلاء الذين أرادوا أن يعرفوا الله، هؤلاء الذين أرادوا أن يصلوا إلى الله، هؤلاء الذين ابتغوا وجه الله، هؤلاء الذين آمنوا بآيات الله، آمنوا بعظمته، آمنوا بعدله، آمنوا برحمته، ابتغوا رضوانه، هدفهم طاعته، هدفهم نيل رضوانه، قال: ﴿وَإِذَا جَاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِنَا فَقُلْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ﴾ هذا وسام شرف لهم، سلام مِن الله عليكم، أنتم في مكان عَلٍيٍّ، لذلك أيها الإخوة لا تعبأ بمرتبتك الاجتماعية، فقد تكون في الدرجة الدنيا، لأن رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول:

((  كَمْ مِنْ أَشْعَثَ أَغْبَرَ ذِي طِمْرَيْنِ لَا يُؤْبَهُ لَهُ ، لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللَّهِ لَأَبَرَّهُ  ))

[ الترمذي عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ ]

 لا تظنن أنك لو كنت في الدرجة الدنيا من السُّلم الاجتماعي ليس لك عند الله شأن، لا، ربما كانت قُلامة ظفر مؤمنٍ مغمورٍ إذا غاب لم يُفتَقد، وإذا حضر لم يُعرَف، أفضل من ملايين من البشر الشاردين التائهين ﴿فَقُلْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ﴾

الله عز وجل هو السلام وإذا عرفته هداك سبل السلام :

﴿ إِذَا وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ(1) لَيْسَ لِوَقْعَتِهَا كَاذِبَةٌ(2) خَافِضَةٌ رَافِعَةٌ(3) ﴾

[  سورة الواقعة  ]

 الذي كان في قمم الحياة الدنيا صار في حضيضها، والذي كان في حضيضها صار في قممها ﴿خَافِضَةٌ رَافِعَةٌ﴾ العبرة أن تكون مؤمناً إيماناً صحيحاً، مستقيماً على أمر الله، مُحسناً إلى خلق الله، ليس عندك مواقف مزدوِجة، سريرتك كعلانيتك، وسرك كجهرك، وخلوتك كجلوتك، ولا تُضمِر حقداً، ولا غشاً، ولا مكراً، ولا حسداً لأحد، تأتي الله عز وجل بقلب سليم .

﴿  يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ(88) إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ(89) ﴾

[  سورة الشعراء  ]

 فلذلك هذه الآية تُسرّي عن هؤلاء المؤمنين الضعاف، ترفع من شأنهم، تُعلِي قدرهم : 

﴿وَإِذَا جَاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِنَا فَقُلْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ﴾ أنتم في سلام، أنتم بعين الله، أنتم بحفظه، أنتم  بتوفيقه، أنتم بمحبته، أنتم في ظلال الله عز وجل يوم لا ظل إلا ظله ﴿وَإِذَا جَاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِنَا فَقُلْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ﴾ والله عز وجل هو السلام، ومنه السلام، ويدعو إلى دار السلام، وإذا عرفته هداك سبل السلام، حياة المؤمن لا بد من أنْ تكون متميزةً أشد التميز عن حياة غير المؤمن، هو سلام، ويدعو إلى السلام، أنت في سلام معه، وفي سلام مع خلقه، وفي سلام مع نفسك، وفي سلام في بيتك، وفي سلام في عملك، وفي سلام في كل علاقاتك، لأن الله إذا كان معك فمن عليك؟ وإذا كان عليك فمن معك؟ 


الله عز وجل لحكمة منه يخاطبنا بقيمنا :


﴿وَإِذَا جَاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِنَا فَقُلْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ﴾ الذات الإلهية لا تحتاج أن تكتب، الكتابة للبشر، إنك إن عقدت عقداً شفهياً تشعر بقلق، فإذا وثّقت هذا العقد بنصٍّ موقعٍ ومصدقٍ من جهة رسمية تنام ناعم البال، لأن من شأن البشر أن ينقضوا عهودهم، فإذا كنت دقيقاً في معاملتك أبرمت كل عقودك كتابة، لكن الله عز وجل هل من قوة تجبره على خلاف ما يريد، إرادته مطلقة، لكن الله يطمئننا، يعني هو يخاطبنا على قدر عقولنا، نحن إذا اشترينا بيتاً ومعنا عقد مُوثّق، أو حكم محكمة أقوى، أو في السجلات الرسمية وثيقة خضراء أقوى وأقوى، هذا شأن البشر، والله عز وجل لحكمةٍ منه يخاطبنا بقيمنا، يخاطبنا بما نظنه أقوى، فلذلك يقول الله عز وجل: ﴿وَإِذَا جَاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِنَا فَقُلْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ﴾ والحقيقة كلمة ﴿يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِنَا﴾ تنقلنا إلى أناس يؤمنون بالغرب، يؤمنون بالمادة، يؤمنون بالمال فقط، يؤمنون بالسلطة فقط، يؤمنون بالقوة فقط، هؤلاء ضلوا سواء السبيل، الله عز وجل موجود، وواحد، وكامل، وبيده كل شيء .

﴿  وَهُوَ ٱلَّذِى فِى ٱلسَّمَآءِ إِلَٰهٌ وَفِى ٱلْأَرْضِ إِلَٰهٌ ۚ وَهُوَ ٱلْحَكِيمُ ٱلْعَلِيمُ(84) ﴾

[  سورة الزخرف ]

﴿ قُلِ ٱللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُواْ ۖ لَهُۥ غَيْبُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلْأَرْضِ ۖ أَبْصِرْ بِهِۦ وَأَسْمِعْ ۚ مَا لَهُم مِّن دُونِهِۦ مِن وَلِىٍّۢ وَلَا يُشْرِكُ فِى حُكْمِهِۦٓ أَحَدًا (26)﴾

 

[ سورة الكهف  ]

﴿وَإِذَا جَاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِنَا فَقُلْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ﴾ أنت في سلام .

﴿ قُل لَّن يُصِيبَنَآ إِلَّا مَا كَتَبَ ٱللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلَىٰنَا ۚ وَعَلَى ٱللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ ٱلْمُؤْمِنُونَ(51) ﴾

[  سورة التوبة  ]

 ولم يقل: علينا ﴿لَنَا﴾ تفيد الملكية، لن يصيبنا في المستقبل إلا ما كتب الله لنا؛ أي من الخير، من راحة البال، من الطمأنينة، من السعادة، من البِشر .


حال من شرد عن الله عز وجل :


 إخوتنا الكرام ، هؤلاء الذين شردوا عن الله عز وجل في قلوبهم من الخوف، ومن القلق، ما لو وُزِّع على أهل بلد لكفاهم.

إذا كنت في كل حال معــي       فعن حملي زادي أنا في غنـى

فأنتم هو الحق لا غيركــم             فيا ليت شعري أنا من أنـا

* * *

كن مع الله تر الله معــــك       واترك الكل وحاذر طمعـــك

وإذا أعطاك من يمنعــــه      ثم من يعطي إذا ما منعـــك

* * *

أطع أمرنا نرفع لأجلك حُجْبنا       فإنا منحنا بالرضا من أحبنـا

ولُذ بحمانا واحتمِ بجنابنـــا        لنحميك مما فيه أشرار خلقنـا

وعن ذكرنا لا يشغلنَّك شاغـل      واخلص لنا تلق المسرة والهنا

وسلم الأمر لنا في كل ما يكن       فما القرب والأبعاد إلا بأمرنـا

فيا خجلتي مـنـه إذا ما قال لي           أيا عبدنا ما قرأت كتابنــــا

أما تستحي منا ويكفيك ما جرى     أما تختشي من عتبنا يوم جمعنا

أما آن أن تقلع عن الذنب راجعاً          وتنظر ما به جـاء وعدنـــا

* * *

 لذلك أيها الإخوة، هؤلاء الفقراء الضعاف، يقول الله لنبيه الكريم: ﴿وَإِذَا جَاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِنَا﴾ هؤلاء الذين رفض كفار قريش أن يجلسوا معهم، هؤلاء الذين ازدراهم زعماء قريش، هؤلاء الذين استنكف هؤلاء الأعلام في قريش أن يكونوا معهم في مجلس واحد.


مشاعر القهر والحقد والإحباط هذه المشاعر ليست مشاعر المؤمنين :


﴿وَإِذَا جَاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِنَا فَقُلْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ﴾ الله عز وجل رحيم، وكلمة (رحيم) كلمة واسعة جداً، تبدأ من أنه يرحمك بصحتك، بل ويرحمك بزوجتك، ويرحمك بأولادك، يرحمك بحرفتك، بمهنتك، يرحمك بعلاقاتك، يرحمك بأن يلقي في قلبك السكينة، يرحمك بأن يلقي في قلبك الرضا، يرحمك بأن يلقي في قلبك السعادة، يرحمك بأن يطمئنك أن الأمر بيد الله وحده، مشاعر القهر والحقد والإحباط هذه المشاعر ليست مشاعر المؤمنين .

﴿  إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعاً(19) إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً(20) وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً(21) إِلَّا الْمُصَلِّينَ(22) ﴾

[  سورة المعارج  ]

 المصلي لا يرى الأقوياء إلا وحوشاً قد قُيِّدت بأزِمَّةٍ بيد الله عز وجل، فعلاقة الإنسان العاقل المؤمن ليست مع الوحوش بل مع من يملكها، بدليل أن الله عز وجل يقول :

﴿ مِن دُونِهِۦ ۖ فَكِيدُونِى جَمِيعًا ثُمَّ لَا تُنظِرُونِ(55) إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ(56) ﴾

[ سورة هود  ]


أعراض الإعراض عن الله عز وجل :


 علاقتك ليست مع الوحوش ولكن مع من يملكها، فإذا رضي عنك الذي يملكها أبعدها عنك، وإذا لم يرضَ عنك الذي يملكها قرّبها إليك، هذا هو التوحيد، في التوحيد لا يوجد قهر، و في التوحيد لا يوجد إحباط، وفي التوحيد لا يوجد قلق، وفي التوحيد لا يوجد انسحاق، وفي التوحيد لا يوجد شعور باليأس، كل هذه المشاعر هي أعراض لمرض واحد، هو الإعراض عن الله عز وجل، أعراض الإعراض ﴿وَإِذَا جَاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِنَا فَقُلْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ﴾ هذه كتابة ذاتية، وحيث ما وردت كلمة (على) مع ذات الله عز وجل تفيد الإلزام الذاتي .

﴿  وَمَا مِن دَآبَّةٍۢ فِى ٱلْأَرْضِ إِلَّا عَلَى ٱللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا ۚ كُلٌّ فِى كِتَٰبٍۢ مُّبِينٍۢ(6) ﴾

[ سورة هود  ]

 حيثما جاءت كلمة (على) مع الذات الإلهية لا تفيد الإلزام الخارجي، ليس فوق الله أحد، تفيد الإلزام الذاتي.

 

﴿ إِنَّ عَلَيْنَا لَلْهُدَى(12) ﴾

[  سورة الليل  ]

 يعني أن الله عز وجل ألزم نفسه بهداية الخلق.

﴿ وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ ﴾


ما شرعت التوبة إلا لأن الإنسان قد يخطئ :


 قال تعالى :

﴿  إِنِّى تَوَكَّلْتُ عَلَى ٱللَّهِ رَبِّى وَرَبِّكُم ۚ مَّا مِن دَآبَّةٍ إِلَّا هُوَ ءَاخِذٌۢ بِنَاصِيَتِهَآ ۚ إِنَّ رَبِّى عَلَىٰ صِرَٰطٍۢ مُّسْتَقِيمٍۢ(56) ﴾

[ سورة هود  ]

 الله عز وجل ألزم نفسه بالاستقامة، وألزم نفسه برحمة العباد، وألزم نفسه بكل خير، فكلمة (على) وكلمة (كتب) الكتابة الذاتية و(على) الإلزام الذاتي، لأن الله سبحانه وتعالى يقول في الحديث الصحيح القدسي :

(( عَنِ النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ فِيما رَوَى عَنِ اللهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى، أنَّهُ قالَ: يا عِبَادِي، إنِّي حَرَّمْتُ الظُّلْمَ علَى نَفْسِي، وَجَعَلْتُهُ بيْنَكُمْ مُحَرَّمًا، فلا تَظَالَمُوا ، يا عِبَادِي، كُلُّكُمْ ضَالٌّ إلَّا مَن هَدَيْتُهُ، فَاسْتَهْدُونِي أَهْدِكُمْ، يا عِبَادِي، كُلُّكُمْ جَائِعٌ إلَّا مَن أَطْعَمْتُهُ، فَاسْتَطْعِمُونِي أُطْعِمْكُمْ، يا عِبَادِي، كُلُّكُمْ عَارٍ إلَّا مَن كَسَوْتُهُ، فَاسْتَكْسُونِي أَكْسُكُمْ، يا عِبَادِي، إنَّكُمْ تُخْطِئُونَ باللَّيْلِ وَالنَّهَارِ، وَأَنَا أَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا، فَاسْتَغْفِرُونِي أَغْفِرْ لَكُمْ، يا عِبَادِي، إنَّكُمْ لَنْ تَبْلُغُوا ضَرِّي فَتَضُرُّونِي، وَلَنْ تَبْلُغُوا نَفْعِي فَتَنْفَعُونِي، يا عِبَادِي، لو أنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وإنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ، كَانُوا علَى أَتْقَى قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ مِنكُمْ؛ ما زَادَ ذلكَ في مُلْكِي شيئًا، يا عِبَادِي، لوْ أنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وإنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ، كَانُوا علَى أَفْجَرِ قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ؛ ما نَقَصَ ذلكَ مِن مُلْكِي شيئًا، يا عِبَادِي، لو أنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وإنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ، قَامُوا في صَعِيدٍ وَاحِدٍ فَسَأَلُونِي، فأعْطَيْتُ كُلَّ إنْسَانٍ مَسْأَلَتَهُ؛ ما نَقَصَ ذلكَ ممَّا عِندِي إلَّا كما يَنْقُصُ المِخْيَطُ إذَا أُدْخِلَ البَحْرَ، يا عِبَادِي، إنَّما هي أَعْمَالُكُمْ أُحْصِيهَا لَكُمْ، ثُمَّ أُوَفِّيكُمْ إيَّاهَا، فمَن وَجَدَ خَيْرًا فَلْيَحْمَدِ اللَّهَ، وَمَن وَجَدَ غيرَ ذلكَ فلا يَلُومَنَّ إلَّا نَفْسَهُ. وفي روايةٍ: إنِّي حَرَّمْتُ علَى نَفْسِي الظُّلْمَ وعلَى عِبَادِي، فلا تَظَالَمُوا.  ))

[ مسلم عن أبي ذر ]

 لكن البشر ليسوا كذلك، هم يستبدون، ويطلبون من الدول الضعيفة ألّا تستبد، هم يستبدّون بحق النقض في مجالسهم، ويطلبون من الدول الفقيرة ألّا تكون مستبدةً، نحن لسنا مع الاستبداد قطعاً، لكن هم مستبدون (يَا عِبَادِي إِنِّي حَرَّمْتُ الظُّلْمَ عَلَى نَفْسِي، وَجَعَلْتُهُ بَيْنَكُمْ مُحَرَّماً، فَلَا تَظَالَمُوا)

 إذاً معنى: ﴿كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ﴾ أي كتابة ذاتية، تطميناً للعباد الذين يتوهّمون أن الشيء المكتوب أشد قوة من الشيء الموعود من دون كتابة، هؤلاء الضِّعاف، هؤلاء الذين يبتغون وجه الله، قد تزلّ قدمهم أحياناً، المؤمن مذنب تواب :

(( كلُّ ابنِ آدمَ خطَّاءٌ، فخَيرُ الخطَّائينَ التوَّابونَ ، ولو أنَّ لابنِ آدمَ واديَينِ مِن مالٍ، لَابتَغى لهما ثالثًا، ولا يَملَأُ جَوفَ ابنِ آدمَ إلَّا التُّرابُ. ))

[ شعيب الأرناؤوط عَنْ أَنَسٍ  ]

 وما شُرِعت التوبة إلا لأن الإنسان قد يخطئ، فهؤلاء الذين يؤمنون بآيات الله، وهؤلاء الذين كتب الله على نفسه الرحمة لهم: 

﴿أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءاً﴾ يعني عمل عملاً يسوءه في المستقبل، قد يرضيه في الحال، الإنسان إذا أقبل على معصية قد يتوهم أنها ستمنحه لذة، لكن بعد هذه اللذة تكون الكآبة، ويكون البعد، ويكون الجفاء من الله عز وجل، لذلك المؤمن إذا وصل إلى الصلة بالله عز وجل لا يضحي بها بمخالفة تقطعه عن الله عز وجل.


البطولة أن تحترم ذاتك :


 إذاً: ﴿مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءاً﴾ يعني أي عملٍ يسوءه، الأعمال الصالحة تسعده، الأعمال الصالحة كلما تذكرها أقبل على الله، الأعمال الصالحة تجعله محموداً عند الله، ومحموداً عند الناس، ومحموداً عند نفسه، والأعمال السيئة إن لم يعلم بها الناس تجعل صاحبها ينهار من الداخل، هذا عذاب الفطرة، هذا عذاب الضمير، هذا الشعور بالذنب، هذا الشعور بالنقص هذا مركب النقص.

 فلذلك البطولة أن تحترم ذاتك، قد تستطيع أن تفعل شيئاً لا يرضي الله، ولا يرضي الناس، لكن لا أحد يعلم به إطلاقاً، لكنك لفطرتك العالية تشعر بانهدام داخلي .

 مرةً في فندق في ألمانيا كُتب على بعض الأَسِرّة أنه " إن لم تنم طوال الليل، وتقلبت قلقاً فاعلم أن العلة ليست في فُرشنا، إنها وثيرة، ولكن العلة في ذنوبك ".

 أسعد الناس هو الذي ينام وليس في عنقه شيء، لا حق مادي ولا حق معنوي، قد يكون بيته متواضعاً، ودخله لا يكفي، لكن البطولة أن تنام ناعم البال، ليس هناك إنسان تعلق حقه بك، أن تنام ولم تبنِ مجدك على أنقاض الناس، ولم تبنِ غناك على فقرهم، ولا حياتك على موتهم، ولا أمنك على خوفهم، ولا عزك على ذلهم، ومعظم الذين يصلون إلى مراتب عالية بسرعة كبيرة في الأعم الأغلب يكون هذا الوصول على حساب قيمهم، وعلى حساب مبادئهم.

فهؤلاء: ﴿الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِنَا فَقُلْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءاً﴾ يعني عملاً يسوءه، يسوءه إذا علمه الناس، ولإيمانهم أن الله مطّلع عليهم يسوءهم إذا اطّلع الله عليه، فهو يطّلع عليه دائماً، فإن توهّم أن الناس لم يعلموا إطلاقاً يسوءه لأن نفسه قد فُطِرت فطرة سليمة عالية، فتحاسبه أشد الحساب. 

ما معنى بجهالة؟ الحقيقة أن الإنسان الجاهل لا يعني أنه ليس عنده معلومات، عنده معلومات كثيرة جداً لكن كلها ليست صحيحة، هذا هو الجاهل، يقول الشاعر في الجاهلية :

فإن كنت لا تستطيع دفع منيتي        فدَعني أبادرها بما ملكتْ يدي

* * *

البطولة أن تأتي تصوراتك مطابقة لمنهج الله عز وجل ولمقاييس القرآن الكريم :


 وهناك أناس كثيرون يقولون: أنت الآن شاب، افعل كل شيء من أجل أن تستمتع بشبابك، غداً تتوب، هذا الذي يدعو إلى المعصية، هذا الذي يدعو إلى المتعة، محرمةً كانت أو مشروعةً، هذا جاهل، هذا الذي يدعو إلى معصيةٍ، أو إلى تفلّتٍ، أو إلى اختلاطٍ، أو إلى ممارسة شهوةٍ محرمة، هذا جاهل، هو يرى أنه يسعد بذلك، والحقيقة أن السعادة شيء واللذة شيء آخر، السعادة نفسية تنبع من الداخل، يملكها كل إنسان، مُتنامية تنتهي إلى الجنة، بينما اللذة خارجية تأتي من الخارج، تحتاج إلى أموال، وإلى وقت، وإلى جهد ومتناقصة، وتعقبها كآبة ﴿مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءاً بِجَهَالَةٍ﴾ يعني بتصوُّرٍ غير صحيح، هذا الذي يتوهّم أنه كلما استمتع بالملذات المُحرمة كان أذكى، وكان أعقل، وهناك أناس كثيرون يرون المعصية مغنماً، والانحراف عن الطريق الصحيح تحرراً، والانغماس في الملذات تمتعاً، وكسب المال الحرام شطارة، هؤلاء الجهلة، ليس معنى جاهل أنه لا يعلم، لا، يعلم معلومات غير صحيحة، إذا توهم الإنسان أنه كلما أكثر الملح في الطعام انخفض ضغطه، هذا جاهل أم عالم؟ هذا جاهل، يحب الملح الكثير فيكثر منه كثيراً، ويقول: لا، الملح يسهم في تخفيض الضغط، مثلاً، هذا جاهل، كل إنسان يتوهم أنه إذا غش الناس يزداد ربحه، لكن بعد حين ينفض الناس عنه، البطولة أن تأتي تصوراتك مطابقة لمنهج الله عز وجل، البطولة أن تأتي قيمك قيم القرآن الكريم، البطولة أن تأتي مقاييس الفوز عندك كمقاييس القرآن الكريم.

﴿ يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَٰلَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ ۗ وَمَن يُطِعِ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا (71) ﴾

[  سورة الأحزاب  ]

﴿ كلُّ نَفْسٍۢ ذَآئِقَةُ ٱلْمَوْتِ ۗ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ ٱلْقِيَٰمَةِ ۖ فَمَن زُحْزِحَ عَنِ ٱلنَّارِ وَأُدْخِلَ ٱلْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ ۗ وَمَا ٱلْحَيَوٰةُ ٱلدُّنْيَآ إِلَّا مَتَٰعُ ٱلْغُرُورِ (185) ﴾

[ سورة آل عمران  ]

 إذاً: ﴿مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءاً بِجَهَالَةٍ﴾ فالبطولة أن تُصحح تصوراتك، وأن تصحح مقاييسك، وأن تصحح منطلقاتك، وأن تصحح أهدافك، كي تأتي أهدافك ومنطلقاتك وتصوراتك ومقاييسك وفق منهج الله عز وجل، وإلّا فهذا هو الجهل، بالتعبير الدارج الجاهل ليس وعاؤه فارغاً من المعلومات، سيتفجر معلومات، لكن كلها غلط، كل تصوراته غلط، مثلاً فتاة جاهلة، تتوهم كلما تبرجت، وأظهرت مفاتنها، وتفلّتت، وصاحبت أي شابٍّ، ودخلت في أمكنة لا ترضي الله يكون زواجها قريباً، بينما المؤمنة ترى أنها بقدر استقامتها وطاعتها لله يعدها الله بزوج صالح يعني يملأ حياتها سعادة، فحينما تبتغي أمراً بمعصية تكون جاهلاً، ومن ابتغى أمراً بمعصية كان أبعد مما رجا، وأقرب مما اتقى.


إذا كانت التوبة علماً وحالاً وعملاً عندئذٍ تكون التوبة نصوحاً :


 إخواننا الكرام، هذا الإنسان الذي زلّت قدمه، وعمل سوءاً بجهالة، أي بتصور خاطئ.

هناك معنى آخر للجهالة: كان في ظرف، ما كان ينوي أن يعصي الله إطلاقاً، لكن لظرف طارئ ضعفت نفسه فعصى الله، طبعاً هذا يتضح كيف؟ إنسان أراد أن يسافر إلى بلد بعيد في الشرق ليرتكب الفاحشة، وسأل وخطط، وأخذ العناوين، ووصل إلى بعض المعلومات، وأزمع السفر ليرتكب الفاحشة، هذا لم يفعل السوء بجهالة، لكن إنسانٌ كان في سفر، وُجِد في ظرف، وصار في خلوة، وضعفت نفسه، فزلت قدمه، هذا الثاني غير الأول، لم يكن ينوي أن يعصي الله عز وجل.

 فلذلك العلماء يفرقون بين من يعصي الله عن قصد وعمد وتخطيط، وبين من يعصي الله عز وجل عن ضعف وغلَبة، لذلك أن تعصيه استكباراً، وتخطيطاً، وعامداً، ومخططاً شيء، وأن تعصيه في لحظة ضعف، ثم تبكي كثيراً، وتتوب إلى الله عز وجل، هذا شيء آخر.

 إذاً الآية: ﴿وَإِذَا جَاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِنَا فَقُلْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءاً بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ التوبة أيها الإخوة تعني أن هناك علماً، وحالاً، وعملاً، هناك علم : هذه معصية، هذه مخالفة، هذه كبيرة، هذه صغيرة، لو طلبت العلم لعرفت المعاصي والآثام، والفحشاء والمنكر، والإثم والعدوان، والكفر والشرك، والنفاق والإلحاد، والفجور والذنب...إلخ فلا بد لها من علم، وإن كنت صادقاً فيما تعلم لا بد من أن يرافق التائب ندم شديد، حال، يوجد علم، ويوجد حال، أما العمل فينقسم إلى ثلاثة اتجاهات، أن تعقد العزم في الحاضر على ألا تعود، وأن تنوي ألا تفعل هذا في المستقبل، وتنوي أن تصحح ما مضى، إصلاح لما مضى، وترك فوري في الحاضر، وأن تعقد العزم على ألا تفعل هذا الذنب في المستقبل، فإذا كانت التوبة علماً وحالاً وعملاً، بعضه يتجه إلى الماضي بالإصلاح، وبعضه يتجه إلى الحاضر بالإقلاع، وبعضه يتجه إلى المستقبل بالعزم على ألا تعود، عندئذٍ تكون التوبة نصوحاً، والله عز وجل يحب أن نتوب إليه .

﴿ وَٱللَّهُ يُرِيدُ أَن يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ ٱلَّذِينَ يَتَّبِعُونَ ٱلشَّهَوَٰتِ أَن تَمِيلُواْ مَيْلًا عَظِيمًا(27) ﴾

[ سورة النساء ]


الله عز وجل غفور رحيم بعد التوبة والإصلاح :


 الله عز وجل أفرح بتوبة عبده من الضال الواجد، والعقيم الوالد، والظمآن الوارد . قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :

((  لَلَّهُ أَشَدُّ فَرَحاً بِتَوْبَةِ عَبْدِهِ حِينَ يَتُوبُ إِلَيْهِ مِنْ أَحَدِكُمْ كَانَ عَلَى رَاحِلَتِهِ بِأَرْضِ فَلَاةٍ ، فَانْفَلَتَتْ مِنْهُ ، وَعَلَيْهَا طَعَامُهُ وَشَرَابُهُ ، فَأَيِسَ مِنْهَا ، فَأَتَى شَجَرَةً فَاضْطَجَعَ فِي ظِلِّهَا ، قَدْ أَيِسَ مِنْ رَاحِلَتِهِ ، فَبَيْنَا هُوَ كَذَلِكَ إِذَا هُوَ بِهَا قَائِمَةً عِنْدَهُ ، فَأَخَذَ بِخِطَامِهَا ، ثُمَّ قَالَ مِنْ شِدَّةِ الْفَرَحِ : اللَّهُمَّ أَنْتَ عَبْدِي ، وَأَنَا رَبُّكَ ، أَخْطَأَ مِنْ شِدَّةِ الْفَرَحِ  ))

[ مسلم َعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ ]

 إذاً: 

﴿وَإِذَا جَاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِنَا فَقُلْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءاً بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ هذه الآية أيها الإخوة دليل على عكس ما يتوهم معظم الناس، افعل ما بدا لك، والله غفور رحيم، الله عز وجل غفور رحيم بعد التوبة وبعد الإصلاح.

﴿  ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ عَمِلُوا السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَحِيمٌ(119) ﴾  

[ سورة النحل  ]


المغفرة محو الذنب :


﴿ نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ(49) وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الْأَلِيمُ(50) ﴾

[  سورة الحجر  ]

﴿ قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ(53) وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ(54) ﴾

[  سورة الزمر  ]

 إذاً: هذا الذي يتوهم أن القضية سهلة جداً، أن تتوب توبة نصوحاً قضية سهلة جداً، أما أن تتوهم أن الله غفور رحيم من دون توبة، ومن دون استقامة، ومن دون ندم، ومن دون إصلاح لما مضى، ومن دون ترك للذنب فوراً، ومن دون أن تعقد العزم على ألا تعود له فهو واهم وخاطئ .

﴿وَإِذَا جَاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِنَا فَقُلْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءاً بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ المغفرة: محو الذنب، والرحمة: العطاء، يعني تخلية وتحلية، تطهير وتعطير، مسح الذنب، ثم العطاء .

والحمد لله رب العالمين 

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور