وضع داكن
20-04-2024
Logo
الدرس : 20 - سورة الأنعام - تفسير الآية 60 ، النوم رحمة وعبادة
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا، إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.

 أيها الإخوة الكرام، مع الدرس العشرين من دروس سورة الأنعام .


النوم من نعم الله العظمى على الإنسان :


 ومع الآية الستين من هذه السورة، وهي قوله تعالى :

﴿  وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُمْ بِالنَّهَارِ ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ لِيُقْضَى أَجَلٌ مُسَمًّى ثُمَّ إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ ثُمَّ يُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ(60) ﴾

[ سورة الأنعام ]

 أولاً: من نِعَم الله العظمى على الإنسان النوم:

﴿ وَمِنْ ءَايَٰتِهِۦ مَنَامُكُم بِٱلَّيْلِ وَٱلنَّهَارِ وَٱبْتِغَآؤُكُم مِّن فَضْلِهِۦٓ ۚ إِنَّ فِى ذَٰلِكَ لَءَايَٰتٍۢ لِّقَوْمٍۢ يَسْمَعُونَ(23) ﴾

 

[ سورة الروم  ]

 فالنوم يعطي الجسد راحة يستعيد بها نشاطه، وقد فُسرت حقيقة النوم بأن الأعصاب في الجسم تتباعد وتقارب، الخلية العصبية هي نواة واستطالة، تأتي الخلية الثانية نواة واستطالة، فإذا أراد الإنسان أن ينام، أو حينما يدركه النوم تتباعد هذه الأعصاب عن بعضها فتنقطع السيّالة العصبية، لكن الأصوات الحادة تجعل السيالة تقفز هذه المسافة بين العصبين فجميع المهدئات تباعد هذه المسافات، وجميع المنشطات تقرب هذه المسافات، أما أن ينام الإنسان فترتاح أجهزته وأعصابه هذه من نِعم الله الكبرى.

 أنا أعرف شاباً، أنا أتصور لو يملك مئة مليون يدفعها بلا تردد مقابل أن ينام ليلة واحدة، حار به الأطباء، لا ينام أبداً .

قد يأتي الأمن عن طريق النوم :

 النوم من نعم الله الكبرى، والحقيقة النوم مرتبط بشكل أو بآخر بحالة الإنسان النفسية، فالإنسان حينما يقترف جريمة، أو يقترف إثماً، أو حينما تحاسبه نفسه حساباً عسيراً، أو حينما يخرج عن مبادئ فطرته، يكون بعده عن النوم وكأنه عقاب له، لذلك في بعض الفنادق في أوربا كُتبت لوحة على كل سرير : " إن لم تستطع أن تنام فالعلة ليست في فُرشنا، إنها وثيرة، ولكن العلة في ذنوبك " .

فالإنسان المؤمن لأنه لم يبنِ مجده على أنقاض الآخرين، ولم يبنِ غناه على فقرهم، ولم يبنِ حياته على موتهم، ولم يبنِ أمنه على خوفهم، ولم يبنِ عزه على ذلهم، ينام نوماً عميقاً، والنوم من نعم الله العظمى .

﴿  ثُمَّ أَنزَلَ عَلَيْكُم مِّنۢ بَعْدِ ٱلْغَمِّ أَمَنَةً نُّعَاسًا يَغْشَىٰ طَآئِفَةً مِّنكُمْ ۖ وَطَآئِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنفُسُهُمْ يَظُنُّونَ بِٱللَّهِ غَيْرَ ٱلْحَقِّ ظَنَّ ٱلْجَٰهِلِيَّةِ ۖ يَقُولُونَ هَل لَّنَا مِنَ ٱلْأَمْرِ مِن شَىْءٍۢ ۗ قُلْ إِنَّ ٱلْأَمْرَ كُلَّهُۥ لِلَّهِ ۗ يُخْفُونَ فِىٓ أَنفُسِهِم مَّا لَا يُبْدُونَ لَكَ ۖ يَقُولُونَ لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ ٱلْأَمْرِ شَىْءٌ مَّا قُتِلْنَا هَٰهُنَا ۗ قُل لَّوْ كُنتُمْ فِى بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ ٱلَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ ٱلْقَتْلُ إِلَىٰ مَضَاجِعِهِمْ ۖ وَلِيَبْتَلِىَ ٱللَّهُ مَا فِى صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحِّصَ مَا فِى قُلُوبِكُمْ ۗ وَٱللَّهُ عَلِيمٌۢ بِذَاتِ ٱلصُّدُورِ(154) ﴾

[ سورة آل عمران  ]

 هذا الأمن قد يأتي عن طريق النوم، شيء آخر، هو أن الله سبحانه وتعالى:

﴿  وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِبَاساً(10) وَجَعَلْنَا النَّهَارَ مَعَاشاً(11) ﴾

[  سورة النبأ  ]

 طاعته لله تكون في الليل أحياناً، قيامه في الليل، صلاته في الفجر، هذا وقت راحة للناس، إن أردت جواً صافياً لا إزعاج، ولا اتصال، ولا هاتف، ولا بكاء، ولا صراخ، ولا ضجيج، ولا شارع مزدحم، ولا أبواق سيارات، إن أردت جواً صافياً فعليك بوقت الفجر، وبعد العشاء، لقد ورد في بعض الأحاديث : 

(( إذا تَوضَّأَ أحدُكُم فأحْسَنَ الوضوءَ، ثمَّ خرجَ إلى المسجدِ لا ينزِعُهُ إلَّا الصَّلاةُ، لَم تزَلْ رِجْلُهُ اليُسرَى تمحو عنهُ سَيئةً، و تَكْتُبُ لهُ اليُمنَى حسنةً، حتَّى يدخلَ المسجدَ، ولَو يعلمُ النَّاسُ ما في العتْمَةِ والصُّبحِ لأتَوْهُما ولَو حَبْوًا ))

[ صحيح الجامع عن عبد الله بن عمر  ]


الله سبحانه وتعالى جعل النوم نوعاً من الموت المؤقت :


 إذاً الآية الكريمة : 

﴿وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُمْ بِالنَّهَارِ﴾ والحقيقة النوم ليس اختيارياً، هو من خلق الله عز وجل، إما أن تطلب النوم فلا تجده، وإما أن يأتيك ضيفاً فيريحك، النوم يأتي أما إذا طلبته قد لا يأتي، لذلك في الصيدليات أدوية تعين على النوم، مسكنات، مهدئات، هذا كله من ضعف الإنسان أمام هذه الحالة ، ضعيف أمام النوم، قد ينام وهو يقود سيارة فيُدمَّر ، وقد يريد أن ينام فلا ينام ، لذلك قالوا: النوم ضيف إن طلبته أتعبك ، وإن طلبك أراحك.

الشيء الذي نتصوره جميعاً أن الإنسان نفس وجسم، فمادامت النفس في الجسم فهي تفعل ما تريد، أنت مخير، تقف، تمشي، تجلس، تأكل، تشرب، تخرج من البيت، تعود إلى البيت، تقوم بهذا العمل، لا تقوم بهذا العمل، لكن الله سبحانه وتعالى جعل النوم نوعاً من الموت المؤقت ﴿وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ﴾ ونفسك في جسمك، وروحك في جسمك وأنت لا تستطيع أن تفعل شيئاً، فالنوم موت مؤقت، والموت نوم مستمر، النوم والموت مترابطان، الآية الكريمة: ﴿وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ﴾

﴿  إِذْ قَالَ ٱللَّهُ يَٰعِيسَىٰٓ إِنِّى مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَىَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَجَاعِلُ ٱلَّذِينَ ٱتَّبَعُوكَ فَوْقَ ٱلَّذِينَ كَفَرُوٓاْ إِلَىٰ يَوْمِ ٱلْقِيَٰمَةِ ۖ ثُمَّ إِلَىَّ مَرْجِعُكُمْ فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ فِيمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ(55) ﴾

[  سورة آل عمران  ]

 معنى ذلك لم يمت سيدنا عيسى .

﴿  وَجَعَلْنَا ٱبْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُۥٓ ءَايَةً وَءَاوَيْنَٰهُمَآ إِلَىٰ رَبْوَةٍۢ ذَاتِ قَرَارٍۢ وَمَعِينٍۢ (50) ﴾

[  سورة المؤمنون  ]

 فالنوم عملية قسرية يخلقها الله، وقد يطمئن الإنسان بالنوم، وقد يُدمر بالنوم، ولاسيما في أثناء قيادة مركبة، النوم يعني دمار كامل، بشكل أو بآخر الإنسان بيد الله عز وجل، والله رب العالمين طليق الإرادة، يعني قادر أن يكرمك بالنوم، وقادر أن يدمرك بالنوم ، وقادر أن تطلبه فلا تجده، وقادر أنه إذا جاءك يكون لك عوناً على مشقة النهار، لكن بشكل أو بآخر الإنسان الذي لم يبنِ مجده على أنقاض الآخرين، ولم يبنِ حياته على موتهم، ولا غناه على فقرهم، ولا أمنه على خوفهم، هذا الإنسان ينام، والنوم مكافئة له .


دقة صنعة الله عز وجل :


 إذاً : يمكن أن تكون النفس في الجسم وهي معطلة عن فعل شيء، لكن أيها الإخوة دققوا في دقة صنعة الله عز وجل، نحن في النهار نتنفس، والتنفس عند الأطباء تنفس غير إرادي، وقد يكون إرادي، وأنت في يقظتك تقول: شهيق زفير، هذا تنفس إرادي، لكن إذا خلدت إلى النوم لو أن التنفس إرادي ماذا تفعل؟ النوم يعني الموت، لذلك الله عز وجل رحمة بالعباد يعني يصيب حالات نادرة جداً.

 في طبيب بهذا البلد توفي رحمه الله، كان لا ينام أبداً، فاختُرِع دواء في بلاد الغرب غالٍ جداً، فوق طاقة الغني، هذا الدواء يمكن أن تنام، ولكن يجب أن تأخذ حبة كل ساعة في الليل، تضبط المنبه على الساعة الثانية عشرة تستيقظ تأخذ حبة، ثم تضبط المنبه على الواحدة، وعلى الساعة الثانية، وعلى الثالثة والرابعة والخامسة، هذا الطبيب اشترى هذا الدواء وجاء ابنه من أمريكا، وفرح به، وكان مجهز أربع منبهات معاً، أربع منبهات إلى جنب أذنه، المنبهات الأربعة رنت أجراسها فلم يستيقظ، فاستيقظ أهله فوجوده ميتاً .

 لو أن الله أسلم التنفس إلينا النوم يعني الموت، لو أسلم نبض القلب إلينا النوم يعني الموت، لو أسلم عمل الكليتين إلينا النوم يعني الموت، لو أسلم عملية الهضم إلينا النوم يعني الموت، تأكل وتنام، والمعدة، والأمعاء، والبنكرياس، والصفراء، وحركة الأمعاء، والعصارات، هذا كله يعمل بانتظام وأنت نائم، والقلب ينبض، والرئتان تتحركان، فضلاً عن ذلك وأنت نائم وغارق في النوم ما الذي يحصل؟ يجتمع اللعاب في فمك تصدر إشارة من الفم إلى الدماغ، الدماغ يأمر لسان المزمار أن يغلق فتحة التنفس، ويفتح فتحة المريء فتبلع ريقك، تبلع اللعاب الذي في فمك، وهذا يتضح لكم عند طبيب الأسنان، إذا أراد أن يعمل عملاً طويلاً وفمك مفتوح لا بد من أنبوب يسحب اللعاب من فمك، هذا أيضاً أيها الإخوة من دقة صنع الله، وأنت نائم مستغرق في النوم وزن العضلات التي فوق الهيكل العظمي، ووزن العضلات ووزن الهيكل العظمي يضغط على العضلات التي تحت الهيكل العظمي، هذا الضغط من نتائجه أنه يُضيِّق أوعية الدم، فتصاب هذه العضلات بما يسمى بنقص التروية فتشعر بخدر في النوم، وأنت نائم محل الضغط يوجد نقاط التحسس في الضغط ترسل للدماغ إشارة ، الدماغ يأمر الجسم فينقلب على شق آخر ، قال تعالى :

﴿ وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقَاظًا وَهُمْ رُقُودٌ ۚ وَنُقَلِّبُهُمْ ذَاتَ ٱلْيَمِينِ وَذَاتَ ٱلشِّمَالِ ۖ وَكَلْبُهُم بَٰسِطٌ ذِرَاعَيْهِ بِٱلْوَصِيدِ ۚ لَوِ ٱطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِرَارًا وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْبًا(18) ﴾

[  سورة الكهف  ]

 لولا هذا التقليب لتفسّخت عضلاتنا وجلودنا، لذلك أي إنسان يُصاب بالسُّبات يحتاج إلى من يقلبه، وإلا اللحم يُنزَع باليد من جسمه، والآن هناك أَسِّرة تقلب المريض آلياً، الله قال: ﴿وَنُقَلِّبُهُمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَذَاتَ الشِّمَالِ﴾ فأنت نائم تُقلب.


بعض الآيات الدالة على عظمة الله عز وجل :


 وأنت نائم لسان المزمار يعمل عملاً معقداً جداً، وأنت نائم القلب يعمل، وأنت نائم الرئتان تتحركان، وأنت نائم الكليتان تعملان، لكن وأنت نائم المثانة تكون بحالة سُبات، من أجل أن ترتاح، المثانة تعمل في النهار أضعاف عملها في الليل لئلا تقوم إلى الحمام كل ساعة، فالمثانة تنام في الليل معك حتى تنام نوماً عميقاً وطويلاً .

 أرأيتم إلى هذه الآيات الدالة على عظمة الله عز وجل ﴿وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ﴾ والإنسان مهما كان متعباً ينام ساعات طويلة فيصبح كالحصان في نشاطه، الحصان رمز النشاط إذا نام ساعات مريحة، فلذلك من نعمة الله عز وجل على الإنسان أنه ينام ، الآية : 

﴿ وَمِنْ آيَاتِهِ مَنَامُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَابْتِغَاؤُكُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ(23) ﴾

 

[ سورة الروم  ]

 يقول الأطباء: إن ساعة في أول الليل لا تعدلها ثلاث ساعات في آخر الليل، لذلك : 

((  بورك لأمتي في بكورها  ))

[  أخرجه الطبراني في الأوسط عن أبي هريرة  ]

أمة محمد صلى الله عليه وسلم تنام باكراً وتستيقظ باكراً، لكن الشيء المؤسف أن عالم الغرب في الساعة الرابعة صباحاً الطرقات ممتلئة بالحركة، لكننا في بلاد الشرق لا يُنجَز عمل قبل الساعة الحادية عشرة، المحلات مُفتّحة إلى أنصاف الليل في السهر، وهذا السهر الطويل يتناقض مع التصميم الإلهي، كان السلف الصالح عقب صلاة العشاء يخلدون إلى النوم، ويستيقظون، يعني أنت أحياناً تنام باكراً الساعة التاسعة أو العاشرة، تستيقظ على صلاة الفجر وكأنك حصان، ممكن أن تقرأ القرآن، ممكن أن تصلي قيام الليل، ممكن أن تذكر الله عز وجل، ممكن أن تتفكر في خلق السماوات والأرض، لذلك أراد العالم الغربي أن يعمم ثقافته في الحياة اليومية على الشعوب كلها، فجعل الليل يقظاناً، وجعل النهار للنوم والله قال: ﴿وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِبَاساً﴾ ﴿وَجَعَلْنَا النَّهَارَ مَعَاشاً﴾ .


الساعة البيولوجية :


لكن لو فرضنا إنساناً حارساً يجب ألا ينام في الليل، يعني الله عز وجل سمح للإنسان أن ينام في النهار، وهذه أيضاً نعمة كبرى، أحياناً الإنسان يسافر فينام في النهار .

 النقطة الدقيقة أيها الإخوة أن في الإنسان ساعة بيولوجية، هذه الساعة مرتبطة بقعر العين، ما دام بقعر العين ضوء فهذا الضوء يصل إلى هذه الساعة البيولوجية، أنت في النهار هناك عدد من الأجهزة كبير يحتاج أن يعمل عملاً خاصاً، فالضغط في النهار يرتفع، نبض القلب يزيد عشر درجات في النهار عنه في الليل، لو أن إنساناً استيقظ باكراً، وقاس نبضه يجده ستين نبضة، في النهار يجده ثمانين، فأنت بحاجة إلى نبضٍ عالٍ في النهار، وضغطٍ عالٍ في النهار، بحاجة إلى أن تعمل هرمونات النمو في الليل لا في النهار، هرمون النمو يعمل في الليل، أما هرمون الدرق يعمل في النهار، الموضوع طويل، جميع الغدد والأجهزة بدءاً من القلب والرئتين والمعدة والأمعاء وجهاز الإفراز الكلية والمثانة، هذه الأجهزة لها نظام في النهار ونظام في الليل، الآن بعض المقاسم يتبرمج برمجة نهار وبرمجة ليل، فالجسم هكذا مُبرمج، مُبرمج لعمل في النهار وعمل في الليل، ما الجهاز الذي يأمر الجسم أن يطبّق برنامج النهار؟ الساعة البيولوجية، وما الجهاز الذي يأمر الجسم أن يطبق برنامج الليل؟ الساعة البيولوجية، هذه الساعة مرتبطة بقعر العين، فإذا كان هناك ضوء بالعين يُطبَّق برنامج النهار، وإذا لم يكن هناك ضوء يُطبَّق برنامج الليل.

 الإنسان أحياناً يسافر من الشرق الأوسط إلى أمريكا هناك ظاهرة عجيبة، أول يومين أو ثلاثة لا ينام بالليل أبداً، ينام في النهار، لأن هذه الساعة مبرمجة على دمشق، فهذا الوقت وقت ليل، بالنهار تكاد تموت من شدة الرغبة في النوم، وفي الليل لا تنام أبداً، حتى يمضى ثلاثة أيام أي حتى تُبرمَج الساعة برمجة جديدة حتى تنام في الليل وتستيقظ في النهار، فإذا عدت إلى الشام مرة ثانية أيضاً عندك ثلاثة أيام تنام في النهار وتستيقظ في الليل، هذا متعلق بالساعة البيولوجية .


الإنسان بين حالين :


 إذاً قضية النوم قضية من أدق نعم الله عز وجل.

﴿وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُمْ بِالنَّهَارِ﴾ لذلك الإنسان بالليل لا يُحاسَب، لأنه فقد الإرادة، النوم موت مؤقت ﴿وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ﴾ نوم مؤقت، والموت نوم دائم، الله عز وجل طليق الإرادة، بمعنى أنك في النهار أعطاك حرية الحركة، أعطاك اختياراً، أعطاك قوة، لكنك في الليل لا تملك شيئاً، فكل ما يجري في الليل لا تحاسب عليه، لأنه خارج عن إرادتك، لكن أحياناً الإنسان في الليل يرى رؤى متعلقة بحالاته في النهار، فمن كان عقله الباطن الذي يتجلى فيما يرى من رؤى، إذا رأى في الليل هو في طاعة، وفي عمل صالح فهذه بشارة على أن عقله الباطن منسجم مع عقله الواعي، وإذا رأى نفسه في معصية كبيرة، أو في عمل لا يرضِي الله فهذا تحذير من الله أن عقله الباطن لم يرقَ إلى مستوى عقله الظاهر. 

الآن: ﴿وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُمْ بِالنَّهَارِ ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ﴾ الاستيقاظ بعث، لذلك كان عليه الصلاة والسلام إذا استيقظ يقول: 

((  الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي عَافَانِي فِي جَسَدِي وَرَدَّ عَلَيَّ رُوحِي  ))

[  الترمذي عن أبي هريرة  ]

 كان من الممكن ألا يستيقظ .

 أنا وصل إلى علمي أشخاص عديدون من هذا المسجد، أخلد إلى النوم، زوجته في أثناء الليل مست يدها يده فرأتها باردة، فانتفضت مذعورة، فإذا هو ميت، لذلك كان عليه الصلاة والسلام إذا آوى إلى فراشه يقول يا رب : 

((  إنْ أمْسَكْتَ نَفْسِي فارْحَمْها، وَإِنْ أرْسَلْتَها فاحْفَظْها  ))

[  رواه البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه  ]

 ممكن للإنسان إذا آوى إلى فراشه ألّا يستيقظ، أحد إخواننا من عادته أن يصلي الفجر في المسجد، قد يصلي وأهله لا يزالون في نوم، ففي الصباح الساعة التاسعة قالت الأم لابنها: أيقظ أباك كي يأكل طعام الإفطار، فتح الباب وجده ميتاً.

 صديق لي دكتور في الجامعة دخل إلى غرفته ليكتب، ليؤلف، استيقظ أهله صباحاً فإذا هو مُنكَبٌّ على المكتب، وقد توفاه الله عز وجل، لذلك كان يقول عليه الصلاة والسلام: (إنْ أمْسَكْتَ نَفْسِي فارْحَمْها، وَإِنْ أرْسَلْتَها فاحْفَظْها) فأنت بين حالين، لذلك ممكن لإنسان ينام ولا يستيقظ، ممكن يستيقظ ولا ينام، ممكن أن يخرج من البيت ولا يرجع، ممكن يرجع وما يخرج قائماً، يخرج بنعش، ممكن يدخل المسجد ليصلي، أو ليحضر درساً، ممكن يدخل ليصلَّى عليه.


من عدّ غداً من أجله فقد أساء صحبة الموت :


 أحد إخواننا قال لي: أحد الإخوة المصلين لطيف المعشر، كل يوم عقب صلاة الفجر وهو في الطريق إلى البيت يتحفهم بطرفة كل يوم، قال لي: والله صلينا الفجر معاً، والعصر صلينا عليه في الجامع نفسه، وقد توفاه الله وقت صلاة الظهر، ولا يشكو شيئاً، لذلك قالوا: من عدّ غداً من أجله فقد أساء صحبة الموت ﴿وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُمْ بِالنَّهَارِ﴾

لذلك يُروى من كلام قس بن ساعدة أنه قال:

إنكم لتموتن كما تنامون، ولتبعثن كما تستيقظون، ولا يجزون بالإحسان إحساناً وبالسوء سوءاً، وإنها لجنة أبدأً أو لنار أبداً 

 أيها الإخوة، الله عز وجل طليق الإرادة، الإنسان ممكن أن ينام في وقت هو في أشد الحاجة إلى اليقظة، حدثني صديق قال لي: أنا في طريقي من حمص إلى دمشق أخذتني سِنة من النوم، وأنا أقود مركبتي فوق المئة، ورأيت مناماً، لكن الله حفظني، وهذا من فضل الله عليه، لكن أحياناً أنا أضرب مثلاً: أبو لهب نزل قوله تعالى :

﴿  تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ (1)مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ (2)سَيَصْلَى نَاراً ذَاتَ لَهَبٍ (3)وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ (4)فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ (5) ﴾

[  سورة المسد  ]

 لو أن أبا لهب، ذهب إلى النبي منافقاً، وقال: أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أنك رسول الله لألغى الآية، أليس كذلك؟ فأنت في قبضة الله بكل شيء .


الرؤى تؤكد أن للإنسان حياة نفسية لا علاقة لها بالجسم إطلاقاً :


 قال تعالى:

﴿  سَيَقُولُ ٱلسُّفَهَآءُ مِنَ ٱلنَّاسِ مَا وَلَّىٰهُمْ عَن قِبْلَتِهِمُ ٱلَّتِى كَانُواْ عَلَيْهَا ۚ قُل لِّلَّهِ ٱلْمَشْرِقُ وَٱلْمَغْرِبُ ۚ يَهْدِى مَن يَشَآءُ إِلَىٰ صِرَٰطٍۢ مُّسْتَقِيمٍۢ (142) ﴾

[ سورة البقرة  ]

 يعني الله عز وجل يبين أن هؤلاء الذين سيقولون كذا وكذا، سفهاء ، لو أنهم فكروا لسكتوا، لألغوا الآية، أنت في قبضة الله، أنت مُريد وحر في اختيارك، لكن أي شيء أراده الله يكون، فأنت في قبضته ، أكثر شيء يؤكد هذه الحقيقة أنك في النوم، الآن وأنت نائم قد ترى أنك في مكة المكرمة، قد ترى أنك في المدينة وأمام مقام النبي، وتبكي وتناجي النبي، وكأنك في جنة، وقد ترى رؤيا تبقى شهراً أو أكثر وأنت مغموس في سعادة لا توصف، وقد ينام أخوك إلى جانبك، ويرى نفسه في المنام يتبعه ثعبان كبير، فيصرخ من شدة الخوف الظروف واحدة، الغرفة واحدة، الجو واحد، الحرارة واحدة، الفراش واحد، إنسان كان كأنه في جنة، وإنسان كان كأنه في نار، هذه الرؤى تؤكد أن للإنسان حياة نفسية لا علاقة لها بالجسم إطلاقاً، والرؤى تبين هذه الحقيقة.

 أيها الإخوة الكرام، كنت أقول دائماً وأكرر: إن لم تكن طرفاً في مؤامرة قذرة هدفها إفقار المسلمين، أو إضلالهم، أو إذلالهم، أو إفسادهم، أو إبادتهم، فأنت في سلامة ما بعدها سلامة، لذلك الإنسان لو كان يشكو من ضيق وضعه الاجتماعي، يشكو من قلة دخله، لكن لم يكن طرف في مؤامرة قذرة ينام ملء العين، العوام يقولون: ينام على ريش نعام، النوم العميق دليل حسن العلاقة مع الله عز وجل، بل إن النائم المؤمن له عند الله أجر لأنه ينام ليتقوى على طاعة الله، فالنوم رحمة والنوم عبادة، لكن النوم مؤشر أنه أنت على شيء من الطهارة والاستقامة، لأن الانهيار الداخلي، والقلق الشديد، والخوف هذا يلغي النوم في حياة الإنسان .


الإنسان إذا استقام وكان على صلة بالله متينة وعلى ود مع الله عز وجل فنومه عبادة :


 حدثني أخ، القصة جرت في بيروت، قال لي: سائق سيارة شاب دهس طفلاً بعد الساعة الثانية ليلاً، وتابع السير، ولا يمكن أن يُعرف هذا الذي قتل الطفل، سُجِّل الضبط ضد مجهول، وانتهى الأمر، يقول هذا السائق: مضى عليه أكثر من ثلاثين يوماً ما عرف طعم النوم، إلى أن التقى بطبيب نفسي، فالطبيب النفسي أشار عليه أن يدفع دية مجزية لوالده حتى ينام ففعل هذا، الحادث خطأ ليس قتلاً متعمداً، والحادث الخطأ يقابله دية.

﴿  وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَن يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلَّا خَطَـًٔا ۚ وَمَن قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَـًٔا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍۢ مُّؤْمِنَةٍۢ وَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إِلَىٰٓ أَهْلِهِ ۦٓ إِلَّآ أَن يَصَّدَّقُواْ ۚ فَإِن كَانَ مِن قَوْمٍ عَدُوٍّۢ لَّكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍۢ مُّؤْمِنَةٍۢ ۖ وَإِن كَانَ مِن قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُم مِّيثَٰقٌ فَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إِلَىٰٓ أَهْلِهِۦ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍۢ مُّؤْمِنَةٍۢ ۖ فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَةً مِّنَ ٱللَّهِ ۗ وَكَانَ ٱللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا(92) ﴾

[  سورة النساء ]

 لما دفع هذه الدية استطاع أن ينام، فالإنسان إذا استقام، وكان على صلة بالله متينة، وكان على ود مع الله عز وجل، فنومه عبادة لأنه لا يستحق أن يتقلب في الفراش ولا ينام، فأنت في النوم مُعفًى من الحساب، وإن رأيت رؤيا ترضي الله فهذا مؤشر مبشر لصالحك، فعلامة أن الإنسان له مع الله علاقة متينة أنه ينام هنيئاً.

﴿ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ لِيُقْضَى أَجَلٌ مُسَمًّى﴾ في برنامج كمبيوتري تعطيه تاريخ ولادتك يقول لك بالجواب: عمرك ست وستون سنة، وثمانية أشهر، وستة عشر يوماً، وأربع ساعات، وخمس دقائق، وثلاث ثوان، فأنت يجب أن تعرف أن لك عند الله عمر، كم ؟ الله أعلم .

 لذلك مرة كنت في زيارة مدير ثانوية، وحدثني عن مشاريعه المستقبلية فقدم طلباً ليُعار إلى الجزائر كمدرس مُعار، والراتب مضاعف، قال لي: سأذهب إلى هناك، وسأمضي خمس سنوات هناك، ولن آتي إلى دمشق في أثناء العطل الصيفية، قلت له: لماذا؟ قال لي: أريد أن أقضي صيفاً في فرنسا، وصيفاً في بريطانيا، وصيفاً في إسبانيا، وصيفاً في إيطاليا، قال لي: بعد أن أعود إلى الشام أقدم استقالتي من العمل التدريسي، وأحصل على التقاعد والتعويضات، وأفتح محلاً، قال لي: أبيع فيه التحف، هذه لا علاقة لها بالتموين، ولا تفسد مع مضي الوقت، وأولادي يجلسون في هذا المحل التجاري، وأجعله منتدى، وحدثني!! أنا والله الذي أذكره أنه تحدث عن عشرين سنة قادمة وانتهى اللقاء، وذهبت إلى البيت، وعندي عمل في مركز المدينة، أردت أن أعود إلى البيت مشياً على الأقدام، فإذا بنعوته على الجدران في اليوم نفسه، لذلك قالوا: من عدّ غداً من أجله فقد أساء صحبة الموت .


الفرق بين النوم والموت أن النائم يستيقظ لكن الميت لا يستيقظ :


 وكم حالة وفاة يرى أنه سيعيش طويلاً ؟ أحد أصدقاء أحد أقربائي كان مرحاً ورشيقاً، وصحته جيدة جداً، وأكله مدروس دراسة دقيقة، الخبز، السَّلطات، المشي، الروح المرحة، ففي سهرة قال: أنا لن أموت قريباً، فسألوه: ما السبب؟ قال لهم: إني رشيق، ومرِح، وأكلي منتظم، والرياضة يومية، يمشي ساعة كل يوم، وتمرينات سويدية، اللقاء الأسبوعي كل سبت، السبت الثاني كان مدفوناً تحت الأرض، الأجل لا أحد يملكه .

مرة أخ دعانا إلى مزرعة خارج دمشق، قال لي: لك أن تأتي بعشرة إخوة، فأنا اخترت عشرة إخوة، كان أخ كريم رئيس محكمة دستورية يجلس هناك، اخترته أحد المدعوين، دفناه الخميس، وخرجنا السبت من دونه، من يعلم متى سيموت ؟ لذلك :

كل مخلوق يمــــــوت ولا يبقَ  إلا ذو الـــــــعزة والجبروت

* * *

والليل مهما طال فلا بد من طلوع الفجر  والعمر مهما طال فلا بد من نزول القبر

* * *

وكل ابن أنثى وإن طالت سلامته يوماً  على آلة حــــــــدباء محمول

فإذا حملت إلى القبور جنـــــازة  فاعلم بأنك بعـــــــدها محمول

* * *

 الإنسان يموت كل يوم بالنوم، النوم قريب من الموت، لكن الفرق بين النوم والموت أن النائم يستيقظ، الميت لا يستيقظ (إنكم لتموتن كما تنامون، ولتبعثن كما تستيقظون، ولا يجزون بالإحسان إحساناً وبالسوء سوءاً، وإنها لجنة أبدأً أو لنار أبداً) .

﴿لِيُقْضَى أَجَلٌ مُسَمًّى﴾ لذلك قالوا: لا علاقة بين العمر وبين الصحة .

 سألني أخ كريم: ما جدوى إذاً الصحة أي الرياضة، والمشي، والجري، والدقة في تناول الطعام والشراب، وكل شيء مدروس؟ قلت له: مع الإشارة، لك عند الله سبعة وستون عاماً، إن اعتنيت بصحتك تمضيها واقفاً ومتحركاً ونشيطاً، وإن لم تعتنِ بها تمضيها على الفراش، فالرياضة والاهتمام بالطعام والشراب يكون مدروساً من أجل أن تمضي هذا الوقت الذي لك عند الله وأنت معافى صحيح وتتحرك، لكن سبحان الله! أي إنسان يؤلّه الرياضة يصاب بخيبة أمل فيها .

 طبيب بأمريكا كان يرى أن الجري هو الوقاية الوحيدة للقلب، يجري في اليوم عشرين كيلومتراً، وألَّف مقالات، وعمل مناظرات، وندوات في التلفزيون، وألف كتباً، يرى أن الجري هو الوقاية الوحيدة للقلب، فمات وهو يجري في السادسة والأربعين من عمره.


الإيمان الحقيقي هو الذي يدعو إلى التوكل على الله عز وجل :


 لذلك قال بعضهم: أنا هوايتي الوحيدة أن أمشي في جنائز الرياضيين، الحقيقة الرياضة ضرورية جداً، لكن إياك أن تؤلّهها، إياك أن تظن أنك بالرياضة لن تموت، أو سيتأخر الموت كثيراً، الأجل ما له علاقة بالصحة أبداً، لكن بين أن تمضي هذا العمر وأنت نشيط تقف على قدمين، تتحرك، أو أن يمضي هذا العمر وأنت طريح الفراش لا سمح الله ولا قدر هذه واحدة .

يوجد شيء آخر يمس الموضوع، أحياناً يكون طبيب مختص بالجهاز الهضمي عنده إحساس عام أنه لن يمرض بجهازه الهضمي، لأنه طبيب، اختصاصه، أستاذ في الجامعة، يعطي توجيهات للمرضى كل يوم مئات المرات، الذي ينسى أن الحافظ هو الله ، من أغرب ما أسمع من حين لآخر أن الأطباء الذين يعتمدون على علمهم دون الاعتماد على ربهم في وقاية أجسامهم في الأعم الأغلب يمرضون باختصاصهم، لأنهم توهموا أن اختصاصهم يحميهم أن يمرضوا في موضوع اختصاصهم، فلذلك ما تعلمت العبيد أفضل من التوحيد .

 مرة زرنا طبيباً في أمريكا في بيته، بيته شيء يصعب وصفه، دخلُ الطبيب هناك أعلى دخل في البلاد كلها، فهو دون الخمسين، جالس جلسة فيها كآبة، سألت ؟ فقيل لي: معه احتشاء بقلبه، طبيب قلب، عاش بما يسمى جنة، ومع ذلك يصاب الإنسان باختصاصه، لا تظنوا أنني أقلل من أن تعتني بصحتك، وأن تعتني باختصاصك، لا، إياك أن تعتقد أن صحتك مرتبطة باختصاصك، الموت لا علاقة له لا بالاختصاص ولا بالعلم، والإيمان الحقيقي هو الذي يدعو إلى التوكل على الله عز وجل.

والحمد لله رب العالمين 

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور