وضع داكن
24-04-2024
Logo
الدرس : 44 - سورة الأنعام - تفسير الآيات 112-114 ، معركة الحق والباطل معركة أزلية أبدية
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا، إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.

 أيها الإخوة الكرام، مع الدرس الرابع والأربعين من دروس سورة الأنعام.


من سنة الله في خلقه الصراع بين الحق والباطل :


 ومع الآية الثانية عشرة بعد المئة، وهي قوله تعالى :

﴿  وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوّاً شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ(112) وَلِتَصْغَى إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَلِيَرْضَوْهُ وَلِيَقْتَرِفُوا مَا هُمْ مُقْتَرِفُونَ(113) ﴾

[ سورة الأنعام ]

 أيها الإخوة، هناك سؤال كبير يراود بعض المؤمنين: لماذا سمح الله للطرف الآخر أن يتهجّموا على الدين، وأن ينالوا منه، بل أن يتطاولوا على نبي المسلمين، بل على كلام رب العالمين؟ أليس الأمر بيد الله ؟ لماذا يسمح الله لأعداء الحق أن ينالوا من أهل الحق ؟ 

 الإجابة عن هذا السؤال الكبير في هذه الآية، يبدو أن لله حكمةً بالغةً بالغةً في أن يكون هناك صراعٌ بين الحق والباطل، هذا من سُنّة الله في خلقه، وإذا أردنا أن نستشفّ الحكمة يبدو أن الحق لا يقوى إلا بالتحديات، وأن أهل الحق لا يتحركون إلا إذا واجهوا التحديات، وأن الدور الذي يقوم به أهل الباطل دورٌ إيجابيٌّ للحق من دون أن يشعروا، ومن دون أن يريدوا.


المعركة بين الحق والباطل أرادها الله عز وجل :


 أحياناً يكون للطالب قريبٌ ينافسه، لا شيء يدفع هذا الطالب إلى متابعة الدراسة، وإلى التفوق من هذا الذي ينافسه، ويتمنى أن يكون من المُخفِقين في دارستهم، إذاً: الحكمة البالغة أن الله أراد أن تكون معركة الحق والباطل أزلية أبدية، هذا قدرنا، وهذا اختيار الله لنا، ونحن لا نقوى إلا بالتحدي، لا نقوى إلا بالمعارضة، لا نقوى إلا بمن يُقلّل من قيمة ما تحمل من حق، الطرف الآخر همه الأول أن يُقلل من قيمة الحق، وأن يجعله عملاً يومياً، قد يُعزى الحق إلى عادات وتقاليد، وفلكلور، وموروثات ثقافية ورثناها عن الآباء والأجداد .

 الحقيقة أن المعركة بين الحق والباطل أرادها الله عز وجل، يعني بشكل بديهي، أليس بالإمكان أن يخلق الله أهل الباطل في قارة، وأن يخلق أهل الحق في قارة؟ لا يوجد صدامات، ولا يوجد مماحكات، ولا يوجد تراشق تهم، كل أناس لهم قارة، لكن أراد الله عز وجل أن يكون الحق والباطل في مكان واحد، وفي مدينة واحدة، وفي حي واحد، بل وفي أسرة واحدة .

 يبدو أن هذه المفارقة بين الحق والباطل تقوّي الحق وتصونه عن أن يخطئ، لو أنك في عمل، ولك منافس قوي، هذا المنافس يتصيّد أعمالك، لوجود هذا المنافس، لوجود هذا العدو، لوجود هذا الذي يتربّص بك أنت حريص على ضبط أمورك، قد لا يكون الحرص على الضبط إلا بوجود هذا المنافس، لذلك ينبغي أن تستسلم لحكمة الله، أراد الله أن يكون ثمّة حق وباطل، وخير وشر، ومُنصِف وجاحد، ومُحسن ومُسيء، وصادق وكاذب، هذه يمكن أن نسميها الاثنينية ، وفي الحياة يوجد اثنينية، إنسان صادق لا يكذب وإنسان كاذب لا يصدق، إنسان رجل مبدأ يضحي بالدنيا من أجل مبدئه وإنسان رجل مصلحة يضحي بكل مبادئه من أجل مصلحته، إنسان رجل شهواني وإنسان رجل رحماني، الشهواني يرى أن اقتناص الشهوة مغنماً كبيراً لا يفوِّته، والرحماني يرى أن معصية الله هي الطامة الكبرى ولا يسمح أن تقع نفسه في ثنياتها .

 إذاً: ﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ﴾ يعني قد تقول: المؤمن يخطئ ويصيب، لكن هذا النبي المعصوم عصمه الله من أن يخطئ في أقواله، وأفعاله، وإقراره، النبي إنسان قمة في الكمال، قمة في الإحسان، قمة في الوضوح، قمة في الرحمة، قمة في العدل، قمة في الإنصاف، ومع ذلك هذا الإنسان الكامل الذي وصل إلى قمة الكمال البشري له عدو من شياطين الإنس والجن .


هناك تناقض كبير بين الحق والباطل فهما لا يجتمعان :


 إذاً في الأصل إن كنت ـ لا سمح الله ولا قدر ـ مع الباطل فأنت عدو للحق وأهله، شئت أم أبيت، إن كان الإنسان مع أهل الباطل، أو إن كان الإنسان مُبطِلاً، أو يؤمن بشيء غير صحيح، يؤمن بالشهوة لا بالمبدأ، يؤمن بالمصلحة لا بالقيمة، يؤمن بالدنيا لا بالآخرة، يؤمن بأن الحياة هكذا والقوي هو المتمتع بالحياة، وأن الحق مع القوي، وأن القوي تخضع له الرقاب، وقوله الحق، وعدوانه حق، وسِلْمه حق، إن كان الإنسان مُبطِلاً يؤمن بالباطل فهو عدو لأهل الحق، والذي مع الحق لا يقبل أهل الباطل، لأن هناك تناقضاً كبيراً بين الحق وبين الباطل، فهما لا يجتمعان، تماماً لو قلت: ظلام ونور، لا يجتمعان، هذان شيئان متناقضان، وجود أحدهما ينقض الآخر، لذلك نبي كريم وهو في قمة الكمال البشري، ومع ذلك لا بد له من أعداء ﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوّاً﴾ هناك قضية ولاء وبراء، فالمؤمن يوالي المؤمنين، يوالي منهج السماء، يوالي الأنبياء والمرسلين، يوالي قيم الحق، يوالي قيم الخير، يوالي السلام، لا يحب العدوان، أهل الباطل قد يجتمع نخبتهم، كبار مفكريهم، ويُسألون: أيهما خير لنا الحرب أم السِّلم؟ يأتي الجواب: الحرب، لذلك تبني دولة قوية كل خططها على الحرب، في الحرب تروج بضاعتهم، وتروج أسلحتهم، ويكون بيع الأسلحة بعقود إذعان لا بعقود مراضاة للتراضي، فحينما تبني أمة مجدها على إيقاع الآلام بالشعوب، ونهب ثرواتها، فهذه أمة باطلة، من يقف معها؟ أهل الباطل، الذين يؤثرون مصالحهم على مبادئهم .

 فلذلك أيها الإخوة، لا تقلقوا، هي معركة أزلية أبدية بين الحق والباطل، لكن لحكمة أرادها الله عز وجل في زمن من الأزمان يقوى أهل الحق، وتكون الكلمة العليا لهم، وفي زمن آخر يقوى أهل الباطل وتكون الكلمة العليا لهم، وهذا مصداق قوله تعالى :

﴿ إِن يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ ٱلْقَوْمَ قَرْحٌ مِّثْلُهُۥ ۚ وَتِلْكَ ٱلْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ ٱلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَآءَ ۗ وَٱللَّهُ لَا يُحِبُّ ٱلظَّٰلِمِينَ(140) ﴾

[  سورة آل عمران ]


الله عز وجل فطر الإنسان على معرفة الحق وحبّه :


 فقد تمر البشرية بوقتٍ الكلمة الأولى والعليا لأهل الكفر والشرك والعدوان، وقد تمر البشرية بأزمانٍ تكون الكلمة العليا لأهل الحق وأهل الأديان .

 فلذلك حينما ترى أن هذه سنة من سنن الله عز وجل هذا يخفّ عليك طرح أسئلة لا تنتهِي، أين الله؟ الله عز وجل من امتحاناته الصعبة أنه يقوّي الكافر، ويقوّيه، ويقوّيه، إلى أن تتوهّم أنه يفعل ما يريد، ولا أحد بإمكانه أن يردعه عن خططه، بل إن ضِعاف الإيمان ينطقون بهذا، الذي تريده الدولة الفلانية لا بد من أن يقع، وكأن هذه الدولة جُعلت إلهاً يُعبَد من دون الله، فإلى أن يقول ضعاف الإيمان: أين الله؟ تأتي آية الله الباهرة، عندها يقول كبار الكفار: لا إله إلا الله، الله عز وجل كبير، وله امتحانات صعبة، وأقول لكم ونحن في هذا الوقت: نمر بأصعب الامتحانات الصعبة التي شاءها الله للمسلمين، كل قوى الشر تحارب المسلمين، تسفّه دينهم، تتهمهم بالقتل، بالتخلف، بالإرهاب، بالعدوان، بالجهل، بالفقر، بالفوضى، يصنعون الفوضى لنا، ونُتَّهم بها، يصنعون التفجيرات من الداخل، ويتهمون هذا الدين العظيم، لذلك هذه الآية : 

﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوّاً شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ﴾ طبعاً الإنس والجن زمرتان من مخلوقات الله مُخيّرة، معنى مُخيّرة أي مُكلّفة، أُودِعت فيها الشهوات، وُضع لها منهج، وأُمرت أن تسلك هذا المنهج، لذلك :

﴿  سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَا الثَّقَلَانِ(31) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ(32) ﴾

[  سورة الرحمن  ]

﴿يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ﴾ كلمة يوحي يعني الإعلام بخفاء ﴿بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ﴾ يعني عناصر الإنس فيما بينها، أو عناصر الجن فيما بينها ، أو فيما بين الإنس والجن، و﴿يُوحِي﴾ الإعلام بخفاء، لماذا بخفاء؟ لأن الباطل لا يمكن أن يُعرَض تحت ضوء الشمس، لأن الباطل مرفوض بفطرة الإنسان، يُقبل سراً، يُقبل همساً، يُقبل في أمكنة مظلمة، يُقبل كمؤامرة، يُقبل كتخطيط، أما أن تنادي بالباطل جِهاراً نهاراً لا تستطيع، لأن الحق مركوز في أصل النفوس، والله عز وجل فطر الإنسان على معرفة الحق، وعلى حب الحق :

﴿ وَٱعْلَمُوٓاْ أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ ٱللَّهِ ۚ لَوْ يُطِيعُكُمْ فِى كَثِيرٍۢ مِّنَ ٱلْأَمْرِ لَعَنِتُّمْ وَلَٰكِنَّ ٱللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ ٱلْإِيمَٰنَ وَزَيَّنَهُۥ فِى قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ ٱلْكُفْرَ وَٱلْفُسُوقَ وَٱلْعِصْيَانَ ۚ أُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلرَّٰشِدُونَ(7) ﴾

[  سورة الحجرات  ]


كل القيم الباطلة تعرض عرضاً مزخرفاً :


 أيها الإخوة ﴿يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ﴾ الإيحاء إذاً إعلامٌ بخفاء، همساً، فرادى، في ضوء خافت، تحت الأرض، في أقبية، هذا الباطل، دائماً يرافقه مؤامرة الباطل، لأنه شيء غير مقبول لا بالفطرة، ولا بالمنطق، ولا بالأخلاق، ولا بالشعور الإنساني العام.

﴿يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ﴾ يعني أن الباطل باطل ، لكن الباطل يُزيَّن بكلمات مُنمّقة، يعني أنت إذا أردت أن تجعل المرأة بشكل فاضح، أن تخلع معظم ثيابها، وأن تعرض كل مفاتنها في الطريق، وأمام كل عين، ماذا تقول؟ تقول: تحرير المرأة، تقول: هذه نصف المجتمع، تقول: هذه من حقها أن تظهر ما عندها، الشيء الذي ترغبه أنت تحقيقاً لشهوتك تعرضه عرضاً آخر، كل القيم الباطلة تُعرَض عرضاً مزخرفاً، يعني حينما تريد إلغاء آية قرآنية، إلغاء حكم شرعي ثابت بالقرآن والسنة، ومن عند خالق الكون، ومن عند خالق الإنسان، تقول: لا بد من تعديل قانون الأحوال الشخصية، كي تُساوى المرأة بالرجل في الميراث، مع أن خالق الكون، وخالق الإنسان أعطاها حقها وزيادة، نفقتها على زوجها، ومهرها من زوجها، وليس لها إلا أن تربي أولادها، لذلك أعطاها نصف ما يعطي الرجل، لأنها ليست مُكلّفة إطلاقاً بالإنفاق على البيت، هذه تُغفل، لكن الذي يُبرز أنها تأخذ نصف الرجل، إذاً لا بد من المساواة بينه وبينها في الميراث، مع أن هذه آية في القرآن الكريم والقرآن الكريم قطعي الثبوت .

 على كلٍ ما من دعوة إلى الباطل إلا تُغلّف بغلاف مزخرف، يعني الحرية كلمة رائعة لكن نقصد فيها أن نفعل ما نشتهي من دون قيد أو شرط، لك أن تفتح محلاً تعرض فيه كل المحرمات، لك أن تفتح ناديّاً ليليّاً، هذا من الحرية، وأن تجلب الراقصات، وأن تجلب المومسات، وأن تقول: هذه حرية للإنسان، له أن يفعل هذا أو هذا، لك أن تفتح كل منافذ الأمراض الوبيلة كالإيدز، ثم نصرخ: لماذا وصلنا إلى هذه النسبة العالية جداً في مرض الإيدز ؟


الغرور أن تتوهم شيئاً واقعه عكس ما توهمت :


 الحقيقة أيها الإخوة، نحن أمام كلام مزخرف لا يصمد أمام التحقيق الدقيق، والواقع الذي يفصم الأمر فصماً كاملاً : 

﴿يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً﴾ معنى غرور: يعني أحياناً يرى الإنسان علبة ثمينة جداً على الرصيف، فيتوهم أن فيها عقد ماسٍ، فينحني ويأخذها، ويحرص على اقتنائها، ويسرع في المشي، ثم يكتشف أن قمامة المحل التجاري وُضعت في هذه العلبة، كيف تكون الصدمة؟ توقع عقد ماسٍ، فإذا بها قمامة محل تجاري، هكذا الغرور، أن تتوهم شيئاً واقعه عكس ما توهمته .

 لذلك قد يُغر الإنسان ببعض المبادئ الهدامة، كالاختلاط، يقول لك: حضارة، المرأة نصف المجتمع، تعليم مختلط، علاقات مختلطة، كل شيء مختلط، الحقيقة هي دافع شهواني عميق جداً عند الرجال، لكن يُعرض عرضاً لطيفاً أنه بدافع تحرير المرأة، وإخراجها من بوتقتها، وإخراجها من عزلتها، هذا الذي يُطرح في الأوساط الشعبية حول ما يسمى بتحرير المرأة، مع أن الإسلام أعطاها كل حقوقها كاملة .

 كلمة: ﴿غُرُوراً﴾ غروراً: إظهار ميزات غير صحيحة، وإخفاء أخطار مخيفة، أنت حينما تقنع الإنسان بشرب الخمر بأن الخمر تنسيك الهموم، تجعلك في سعادة، تجعلك في أحلام ممتعة، وتخفي أن الخمر قد تصيبه بتشمع الكبد، وقد تدمر حياته، وقد تُذهِب عقله، حينما تقنع إنساناً بالدخان، تقول له تعال إلى حيث النكهة، وتُغفل أمامه ما ينتظر المدخّن من أورام خبيثة في الرئة، وفي بعض أجهزته، الغرور أن تُظهِر شيئاً ليس صحيحاً وأن تخفي خطراً حقيقياً، هذا الغرور ، لذلك قال تعالى :

﴿  يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ (5) ﴾

[  سورة فاطر  ]

 أحياناً الدنيا تغر، وتضر، وتمر، ففي البدايات الإنسان يرى الدنيا شيئاً كبيراً جداً، يحلم بالمرأة، يحلم ببيت له هندسة خاصة، يحلم بدخل مرتفع، يحلم بمركبة معينة، يحلم بأولاد نجباء، يعيش في الأحلام، لكن بعد حين حينما تُحدَّد حياته، وتصبح محصورة في زوجة معينة، وبيت معين، وأولاد معينين يُصدم، لذلك الغرور أن تعطي الشيء حجماً أكبر من حجمه، هذا الغرور.


رسم الله عز وجل منهجاً في العلاقة بين الأنثى والذكر وهو الذي يعلم أسباب السلامة :


 يعني إذا قال طالب لطالب: لا تدرس، سنقدم للأستاذ هدية قبل الامتحان بيومين فيعطينا الأسئلة، هذا شيء مريح جداً، ألغى الدراسة، أمضى وقته في النوم، وفي متابعة المسلسلات، وفي الطريق مع أصحاب السوء، وفي دور السينما، فلما جاء الامتحان وطرقا باب المدرس كي يعطيهما الأسئلة صفعهما وطردهما، الآن صحا . 

 الغرور أن تعيش في وهم، أن تعيش في حلم، أن تعيش في شيء غير صحيح، الغرور تماماً كأن تكون لك دعوى عند قاض، ويقول لك أحدهم: هذا القاضي يقبل الهدية، قدم له هدية ويحكم لك، فلما أردت أن تقدم له الهدية ردك أصعب رد، وحكم عليك، فصحوتَ، فالبطولة أن تصحو قبل فوات الأوان.

﴿ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً ﴾ لقد رسم الله عز وجل منهجاً في العلاقة بين الأنثى والذكر، علاقة الزوجين، فلما يغتر الإنسان بما يُقال في الاختلاط، وفي الانفتاح، وفي الروح الرياضية بين الذكور والإناث، وفي الصداقة البريئة، هذه كلها أوهام، حينما يكتشف أن امرأته قد خانته بحكم الاختلاط، وبحكم التواصل بين الذكور والإناث، وبحكم الانفتاح والحرية، فعندئذٍ يندم يوم قبِل بهذه الأفكار، لأن تشريع الله عز وجل من عند الخبير، من عند الخالق .

﴿  وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى(45) ﴾

[  سورة النجم  ]

 وهو الذي يعلم أسباب السلامة ، وأسباب السعادة .

 إذاً: كلمة: ﴿يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً﴾ يعني نحن نغتر بزخارف الباطل، يعرضون علينا الباطل مزخرفاً، كلمة حرية ، كلمة حقوق المرأة مثلاً، كلمة الانفتاح، كلمة العلمانية، كلمة الموقف العلمي ، هذه كلمات براقة ولطيفة في الحقيقة، لكن يُمرر من خلالها كل أفكار أهل الباطل، تمرر فيها الإباحية أحياناً، يمرر فيها الفن، يكون الإنسان ساقطاً أخلاقياً، لكن يضفون عليه اسماً آخر، لذلك هناك أسماء الآن كلها غير صحيحة، إذا أكل الإنسان مالاً حراماً يسمى عند الناس شاطراً، والفتاة المتفلتة تفلّتاً كلياً من أية قيمة أخلاقية تسمى في التعبير الأجنبي (سبور) ، والإنسان المنافق الذي يُرضي جميع الجهات، ينافق لكل جهة حتى يصعب عليك أن تكتشف هُويته يقال له: لبق ومرن، ومتجاوب مع كل الفئات، لا هوية له، المنافق هويته أنه ينافق لكل الجهات مجتمعة في وقت واحد .


البطولة أن تستوعب كلام الله وسنة رسوله لتكون قادراً على تقييم ما يطرحه أهل الباطل :


 إذاً :﴿ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً﴾ السؤال الدقيق ﴿وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ﴾   يعني أن الله عز وجل يريد أن يمتحننا، وهذه الدنيا دار ابتلاء، والله عز وجل يسمح للطرف الآخر أن يوسوس ويزخرف، لكن الطرف الآخر لا يستطيع أن يفعل شيئاً، وأوضح ما يؤكد هذه الحقيقة قول الله عز وجل :

﴿  وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلَا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ(22) ﴾

[  سورة إبراهيم  ]

 يعني الإنسان مخيّر، وهناك أهل الباطل يوسوسون له الباطل مزخرفاً، وهناك أهل الحق يلقون إليه الحق ناصعاً، وأنت مُخيّر، إما أن تستجيب لزخرفة أهل الباطل، أو أن تستجيب لنداء أهل الحق: 

﴿ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ ﴾ فبهذه الطريقة يتحرك الإنسان ، لكن ما مِن إنسان يضل إنساناً في المناسبة، هذا شيء مستحيل، الله لا يسمح لإنسان أن يضل إنساناً، لكن يسمح لإنسان أن يزخرف الباطل، فالذي عنده استعداد للباطل يستجيب لهذه الدعوة المزخرفة البراقة، لذلك البطولة أن تستوعب كلام الله، وأن تستوعب سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، حتى يكون الوحيان الكتاب والسنة مرجعَين لك في تقييم ما يطرحه أهل الباطل .


مواقف من كيد أعداء الإسلام للإسلام :


 يعني في الحقيقة أيها الإخوة، الآن نحن أمام طروحات ضلالية لا تنتهِي ، وهناك هجمة ـ واللهِ ـ على الإسلام لا يصدقها العقل، فيما مضى تناولت السنة الآن وصلت إلى القرآن، وصلت إلى الوحي، وصلت إلى نبي الإسلام، يوجد تهجم كبير جداً، هم يلقون هذه الوسوسات مزخرفة، وفيها غرور كبير، وأخطار الباطل الحقيقية مُعتّم عليها، وثمة أشياء براقة تبرز أمامنا لتستجيب لها النفس، هذا من كيد أعداء الإسلام للإسلام .

 مثلاً: إذا ألّفت قصة لعمل فني، البطل الإيجابي تُسقط عليه كل القيم الأخلاقية، من نجدة، من مروءة، من شهامة، لكنه يشرب الخمر، لكنه يجلس مع نساء حاسرات الرؤوس، وبقية أعضائهن مكشوفة، هذا الإنسان البطل ما عنده قيود إطلاقاً، ما عنده شيء اسمه حرام، لكن من جهة أخرى تُسقط عليه بعض القيم الأخلاقية، فالصغير يتعلق به، الفتاة تتعلق بامرأة متفلتة تماماً، لكنها سيدة أنيقة، وسيدة لها مكانة اجتماعية، هذا أسلوب من أجل تحطيم الحق، وهذا نوع من الكيد .

 الحقيقة قضية أن تهاجم الإسلام مباشرة هذه قضية انتهت، لأن أعداء الإسلام أيقنوا أنه لا سبيل إلى مواجهة مع الإسلام، لكنهم أيقنوا أنه يمكن أن يفجَّر هذا الدين من داخله، تصطنع نماذج غير مقبولة، فتقوم بعمل أنت تخرج من جلدك منه ويُنسب إلى المسلمين، هذا أكبر تحطيم للحق، أن تصطنع عملاً لا يرضَى عنه إنسان في الدنيا، ويُنسب إلى المسلمين، فكلما كان هناك مجتمع موالي للمسلمين يصنعون فيه عملاً، فيُقتل البريئون قتلاً عنيفاً بلا سبب، ويُقتل مواطن مسلم بلا سبب، ويُنسب هذا إلى المسلمين، فهناك كيد كبير الآن للمسلمين، وهذا الكيد لا يتخذ صورة كلام بل هو أفعال لا يحتملها إنسان، تنسب إلى المسلمين، حتى يسبّب هذا العمل نقمة عارمة على المسلمين في كل أنحاء العالم ، قال الله عز وجل :

﴿  وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِنْدَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ (46) ﴾

[  سورة إبراهيم  ]

 إله عظيم يصف مكر أعداء الحق بأن مكرهم تزول منه الجبال .

﴿  فَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ (47) ﴾

[  سورة إبراهيم  ]


حينما يواجه الدعوة الإسلامية تحدٍّ فهذا التحدي ينشط الدعوة إلى الله :


﴿وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ﴾ إذاً لا يقع شيء في الكون إلا بإرادة الله، ولا يقع شيء في الكون إلا أن يسمح الله به، أن يقع بالكون شيء يتناقض مع إرادة الله هذا غير مقبول إطلاقاً، لا يليق بألوهية الإله أن يقع بملكه ما لا يريد إذاً : 

﴿وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ﴾ حينما يطلع علينا مؤلف يكتب عن قراءات معاصرة، ويصف القرآن أنه يبيح السلوك الإباحي، وهذا كتاب طُبع عشر طبعات، ولقى رواجاً كبيراً في أوساط المثقفين، لأن المثقف لما يعصي الله يختل توازنه، فأعاد له الكتاب التوازن، يمكن وهو في أعلى درجات المعصية والإباحية أن يكون مطبقاً لبعض الآيات ، فلذلك: 

﴿وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ﴾ كل كتاب يتهجم على الأديان وعلى دين الإسلام بالذات، هذا الكتاب سمح الله به، لأنه يحدث حركة في البلد، الآن انظر عندما يظهر إنسان، ويتكلم كلاماً غير صحيح، تقوم الدنيا ولا تقعد، يتجدد نشاط الدعاة، يتناولون هذا الكتاب بالنقد الدقيق، أنت لا تعلم ما الذي يجري، الذي يجري حينما يواجه الدعوة الإسلامية تحدٍّ فهذا التحدي ينشط الدعوة إلى الله، ينشط الدعاة، يشحن الدعاة بشحنة إضافية، فلا تقلق، في النهاية النصر لهذا الدين العظيم .

 أيها الإخوة الكرام، الذي يحصل بعد هذه الآية أن ﴿شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً﴾ ليغتر الناس بكلامهم، فيخفون الأخطار الحقيقية، ويظهرون المُرغبات الواهية التي تغرر بالنفس . الذي يحصل :

﴿  وَلِتَصْغَى إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَلِيَرْضَوْهُ وَلِيَقْتَرِفُوا مَا هُمْ مُقْتَرِفُونَ (113) ﴾

[  سورة الأنعام  ]


كل علاقاتك مع من حولك أساسها إدراك ثم انفعال ثم سلوك :


 إذاً هذا امتحان، والإنسان المؤمن بالآخرة تصور الجنة وما فيها من نعيم مقيم، وتصور النار وما فيها من عذاب لا يحتمل، لذلك يوازن بين هذه المتعة الطارئة، ألا رب شهوة ساعة أورثت حزناً طويلاً، يرفض هذا، وأيّ إنسان يؤمن بالآخرة يرفض هذه الدعوة المزخرفة التي تغر الإنسان، والتي تخفي أخطار المعصية، وتبرز متعتها فقط، والحقيقة الواقعية المعاصي فيها متعة، والمعاصي مُحبّبة للإنسان، فأهل الباطل يبرزون المتعة فقط، ويخفون العواقب، المتعة تزول وتبقى العواقب، وجهد الطاعة ينقضي، ويبقى بعد جهد الطاعة الثواب والجنة، لذلك هذه الزخارف من القول، وهذا التغرير بالناس، وهذا الباطل المزين، من يصغي إليه ؟ 

﴿الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ﴾ الذين همهم الدنيا فقط، ما دام همه الدنيا، فهو يعيش للمتعة، وهذه دعوة إلى المتعة، دعوة إلى المتعة بشكل مُكثف، فلذلك حينما تُعرض الأمور هكذا، حينما يعرض الباطل، حينما تُعرض المعصية، حينما تُعرض الشهوة، حينما تُعرض المتعة عرضاً مزخرفاً فيه تعتيم على أخطارها المستقبلية، وفيه إبرازٌ لمتعها الآنية، حينما تُعرض هذه المتع بهذه الطريقة لا يستجيب لها إلا من لا يؤمن بالآخرة، وفي الآية إشارة دقيقة جداً إلى علاقة الإنسان بالمحيط، وهذه العلاقة بالمحيط مبنية على قانون: إدراك، انفعال، سلوك .

 أنت تمشي في بستان، وجدت أفعى، إذا أدركت أنها أفعى، أولاً أدركت أنها أفعى تتحرك،  تضطرب، فالإدراك أولاً، والاضطراب ثانياً، والسلوك ثالثاً، فإما أن تقتلها، وإما أن تهرب منها.

 إذاً: كل علاقاتك مع من حولك أساسها هذا القانون، إدراك، انفعال، سلوك، الآن إذا كان هناك إدراك، ولم يكن هناك انفعال، فالإدراك غير صحيح .

 يعني قال لك شخص ما: على كتفك عقرب، فبقيت هادئاً تماماً، والتفت إليه، وابتسمت، وشكرته على هذه الملاحظة، معنى ذلك أنك لم تدرك ماذا قال لك، لأن من علامة صحة الإدراك الانفعال، ومن علامة الانفعال أن تقفز، وأن تخلع معطفك الذي على كتفك، إذاً هذا قانون، إدراك، انفعال، سلوك، الله عز وجل قال : 

﴿وَلِتَصْغَى إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ﴾ هذا الإدراك ، ثم قال:﴿وَلِيَرْضَوْهُ﴾ هذه استجابة نفسية، انفعال، الثالثة: ﴿وَلِيَقْتَرِفُوا مَا هُمْ مُقْتَرِفُونَ﴾ .


المؤمن وقاف عند كتاب الله :


 إذاً حكمة ربنا من هذا الباطل المزخرف المُزين هو ليفرز من يدّعي أنه مؤمن، وليس كذلك ممن يكون مؤمناً حقاً، المؤمن الحق لا يضحي بالآخرة أبداً ، لا يضحي بالآخرة من أجل متع رخيصة، ولا من أجل شهوة عابرة .

 فالمؤمن الذي أيقن بالآخرة لا يضحِي بها من أجل متعة رخيصة، هذا هو المقصود من هذا الابتلاء، الباطل مُزين، وطِّنوا أنفسكم، كل يوم هناك كتاب، وكل يوم هناك محاضرة، وكل يوم هناك ندوة، وبالإنترنت، وبالنوادي الثقافية، وبالمحاضرات، هناك دعوة إلى الباطل، دعوة إلى نبذ أحكام الله عز وجل، هناك كلام مزين مزخرف رائع، هذا لقاح لكم، فوطّنوا أنفسكم على هذا، نحن في عصر الشبهات، في عصر الضلالات، في عصر الكلام المزخرف، في عصر إخفاء أخطار الباطل وإبراز إيجابيات ليست صحيحة، بل هي خلّبية .

 إذاً: المؤمن وقاف عند كتاب الله، مرجعيته كلام الله، مرجعيته سنة رسول الله، أما أهل الباطل فيمرحون ويسرحون بالصحف وبالمجلات وبالندوات وبالمنتديات وبالإنترنت وبالمؤلفات وبالكتيبات، وبالمحاضرات يوجد طرح يناقض منهج الله عز وجل، وهذه الآية توضح ذلك تماماً : 

﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوّاً شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ﴾ ﴿وَلِتَصْغَى إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَلِيَرْضَوْهُ وَلِيَقْتَرِفُوا مَا هُمْ مُقْتَرِفُونَ﴾ هاتان الآيتان لخّصتا ما يجري الآن في العالم الإسلامي، والبطولة أن تبقى ثابتاً . 

((  والله يا عمّ ، لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في شمالي على أن أترك هذا الأمر ما تركته ، حتى يظهره الله أو أهلك دونه  ))

[ أخرجه لبن إسحاق في المغازي وفي سنده ضعف ]


المؤمن عنده ثوابت وعلى رأسها كلام الله :


 المؤمن عنده ثوابت، وعلى رأس هذه الثوابت كلام الله :

﴿ يُثَبِّتُ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ بِٱلْقَوْلِ ٱلثَّابِتِ فِى ٱلْحَيَوٰةِ ٱلدُّنْيَا وَفِى ٱلْآخِرَةِ ۖ وَيُضِلُّ ٱللَّهُ ٱلظَّٰلِمِينَ ۚ وَيَفْعَلُ ٱللَّهُ مَا يَشَآءُ (27) ﴾

[  سورة إبراهيم  ]

 هذا كلام خالق الأكوان، هذا كلام خالق الإنسان، هذا كلام الخبير، هذا كلام العليم، هذا كلام الذي عنده أسباب سعادتنا وسلامتنا، فينبغي على الإنسان ألا يؤخذ بما يقرأ من مجلات ومن صحف، وبما يُدعى إليه من ندوات ومحاضرات، هذه في بعضها الأكثر يدعو إلى مناقضة ما في الكتاب والسنة. 

﴿وَلِتَصْغَى إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَلِيَرْضَوْهُ وَلِيَقْتَرِفُوا مَا هُمْ مُقْتَرِفُونَ﴾ أحياناً يتمنى الإنسان أن يكون لانحرافه تغطية إيديولوجية، فإذا عثر على تغطية إيديولوجية لانحرافه تمسّك بها أيّما تمسك، وسبحان الله! الشبهات حينما يأتيها غطاء إيديولوجي معين أو فكر معين تجد المنحرفين قد تمسكوا بهذا الغطاء تمسكاً لا حدود له، أما المؤمن فيتمسك بكتاب الله، ويتمسك بفهمه فهماً أصولياً، يتمسك بسنة رسول الله الصحيحة، يتمسك بإجماع الأمة، لقول النبي عليه الصلاة والسلام : 

(( إِنَّ اللهَ تعالى لا يجمَعُ أمتي على ضلالَةٍ ، و يدُ اللهِ على الجماعَةِ ))

[  الألباني عن عبد الله بن عمر ]

 الباطل قد يكون غريباً .

(( بَدَأَ الْإِسْلَامُ غَرِيباً وَسَيَعُودُ كَمَا بَدَأَ غَرِيباً فَطُوبَى لِلْغُرَبَاءِ  ))

[  رواه مسلم والترمذي وابن ماجة عن أبي هريرة ]

 أناس صالحون في قوم سوء كثير، من يعصيهم أكثر ممن يطيعهم، فيجب أن نعلم أننا نحن في معركة الحق والباطل، وهذه معركة أزلية أبدية، فوطّنوا أنفسكم على طرح ضلالات لا تعد ولا تحصَى، وعلى تهجم على هذا الدين، وعلى كتابه الكريم، وعلى نبيه عليه أتم الصلاة والتسليم، واعلموا علم اليقين أن هذا كلام الله لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، وأن الإنسان كلما تعمق في فهم كلام الله ازداد إيماناً وازداد قوة على ما يُطرح من ضلالات في الساحة التي يعيش فيها .

والحمد لله رب العالمين 

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور