وضع داكن
27-04-2024
Logo
الدرس : 66 - سورة الأنعام - تفسير الآية 151 ، التوحيد والشرك الخفي
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا، إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين، أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات .

 أيها الإخوة الكرام، مع الدرس السادس والستين من دروس سورة الأنعام، ومع الآية الواحد والخمسين بعد المئة، وهي قوله تعالى :

﴿  قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ مِنْ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلَا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ(151)  ﴾ 

[ سورة الأنعام ] 


مقدمة حول  دائرة المحرمات :


 أيها الإخوة الكرام، آيات كثيرة سبقت هذه الآية تتحدث عن المحرمات من الطعام والشراب، وهذه القائمة الثانية من المحرمات تتحدث عن محرمات الاعتقاد والسلوك، الطعام والشراب قِوام حياة الجسد، من الطعام ما هو محرم كلحم الخنزير والدم، ومنه ما هو حلال، والمحرمات في الاعتقاد والسلوك هذه تعيق قوام الحياة الروحية، أنت لك حياتان، حياة الجسد، وحياة الروح، أو حياة النفس، الجسد قِوامه الطعام والشراب، والنفس قِوامها أن تعرف الله، وأن تبتعد عن الشرك به، فكما أن هناك محرمات تفسد صحتك هناك محرمات تفسد سعادتك . 


المحرمات الاعتقادية : قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ


 فالآن ننتقل إلى زمرة جديدة من المحرمات متعلقة بحياة النفس، وسلامتها وثقتها وسعادتها، وإقبالها على ربها . 


الفرق بين : تعالوا واقبلوا :


 لكن كلمة : 

﴿قُلْ تَعَالَوْا﴾  كأن كلمة أقبلوا تعني شيئاً، وكلمة تعالوا تعني شيئاً آخر، كأن كلمة أقبلوا تعني حركة أفقية، أو كلمة تعالوا تعني حركة شاقولية، أقبلوا من جهة إلى جهة أرضية، أما تعالوا من الأرض إلى السماء.أيها الإخوة ، يعني أقبل على أمر الله من أجل أن تعلو .

﴿ أُولَٰئِكَ عَلَىٰ هُدًى مِّن رَّبِّهِمْ  ۖ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (5) ﴾ 

[ سورة البقرة ] 

 الهدى رفعهم، الهدى سما بهم، الهدى طهّر قلوبهم، الهدى أسعدهم ﴿أُوْلَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ﴾ 

 (على)  تفيد العلو ، لكن : 

﴿ أَفَمَن شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ فَهُوَ عَلَىٰ نُورٍ مِّن رَّبِّهِ ۚ فَوَيْلٌ لِّلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُم مِّن ذِكْرِ اللَّهِ ۚ أُولَٰئِكَ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ  (22)﴾ 

[ سورة الزمر ] 

 (في) هو في كآبة، أو في السجن، على كلٍ شيء في شيء، الإنسان إما أن يكون طليقاً، فإذا عرف الله أصبح حراً ، وإما أن يكون عبداً لشهوته، عبداً للدرهم والدينار، عبداً للفرج، عبداً للبطن، عبداً للخميصة، لذلك المؤمن حر .

 أيها الإخوة الكرام، لا يليق بك كإنسان أن تكون لغير الله، لمجرد أن تكون لغير الله، لمجرد أن تجيّر لغير الله، لمجرد أن تكون محسوباً على غير الله، لمجرد أن تكون خطيئة لإنسان، أو نزوة لإنسان، لمجرد أن تحقق مصلحة لفلان فأنت محتقر نفسك، لا يليق بك أن تكون لغير الله، لا يجدر بك أن تكون لغير الله .

 لذلك قال بعض الصحابة الكرام:<< الحمد لله الذي أخرجنا من جور الحكام إلى عدل الإسلام>> ، المؤمن حر، المؤمن لا يخضع إلا لله، ولاؤه لله، محبته لله، ثقته بالله، يدع لله، يُقبل لله، يمنع لله، أمله لله عزوجل : 

﴿  قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ(162)  ﴾ 

[  سورة الأنعام  ] 

 إذاً بين أن أقول لك: أقبِلْ، وبين أن أقول لك: تعال، يعني أنت إذا طبقت هذا الأمر سمت نفسك، وكنت إنساناً، واستجبت لله الواحد الديان، وكنت حراً﴿قُلْ تَعَالَوْا﴾ .


ضعف تشريع الإنسان : وَخُلِقَ الْإِنسَانُ ضَعِيفًا


 أيها الإخوة، الإنسان إذا شرّع هو مساوٍ لك، أنت إنسان وهو إنسان، إذا شرّع الإنسان هو مساوٍ لك، لا بد من أن ينتفع من هذا التشريع، ولا بد من أن ينتفع على حساب الآخرين، ينتفع هو أو فئة ما، وتتأذى شرائح كثيرة من هذا التشريع، دون أن يشعر، ولو أنه بعقله الباطن حينما يشرع يعطي نفسه ما لا يستحق، ويأخذ نصيب من يستحق دون أن يشعر، لأن له مصالح، لأن له أهواء، لأن فيه ضعفاً.

﴿ يُرِيدُ اللَّهُ أَن يُخَفِّفَ عَنكُمْ ۚ وَخُلِقَ الْإِنسَانُ ضَعِيفًا (28) ﴾ 

[  سورة النساء  ] 

 لذلك أيّ تشريع أرضي فيه محاباة، وفيه ظلم، أيّ تشريع أرضي، أما إذا شرع الخالق، الرب، الإله، تشريعه كله لصالحك، كله لسلامتك، وكله لسعادتك، لذلك إذا كان المشرع بشراً يحابي نفسه، ويحرم غيره حقَّه، وإذا كان بشراً ففي أثناء التشريع تغيب عنه قضايا كثيرة، فإذا وُضِع التشريع في حيز التطبيق ظهرت الثغرات، من هنا كان التعديل يصدر قانونًا، تظهر الثغرات، يُعدّل التعديل الأول، يُعدّل أولاً، ثم يُعدل ثانياً، ثم يُعدل ثالثاً، ثم يُعدل رابعاً، ثم يلغى، ويصدر تشريع آخر. 

الآن هناك موضوع آخر غير أن المشرّع كان من بني البشر يحابي نفسه، ويظلم غيره دون أن يشعر، وبعقله الباطن ، هو تغيب عنه قضايا كثيرة .

 مرة على سبيل المثال من أجل عدم ارتفاع أسعار المركبات ارتفاعاً جنونياً صدر قانون بمنع بيع المركبات إلا بين الأقارب، القصد أنه ألا تزيد الأسعار عن الحد المعقول، نشأت مشكلة كبيرة جداً، صار هناك زواج السيارة، يعقد زواجًا صوريًّا ليبيع هذه السيارة، ثم يموت فجأة هذا الذي اشترى، وزوجته ترث ملايين مملينة من ثروته، كنا في حال فأصبحنا في حال آخر، عُدّل، ثم عُدّل، ثم أُلغي، ولو دخلنا في هذا المجال لرأينا العجب العجاب لأن المشرع لا يحيط بكل الجهات، بكل الظروف، بكل الأبعاد لا يحيط بها، المشرع أولاً يحابي نفسه، وثانياً يظلم غيره، وثالثاً تغيب عنه قضايا لا تظهر إلا بالتطبيق لذلك التشريع يجب أن يكون من حق الله تعالى، لأن الله عزوجل هو الخبير .

﴿ إِن تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ ۖ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ ۚ وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ  (14)﴾ 

[  سورة فاطر  ] 

 تشريعات لا تعد ولا تحصى صدرت، ثم عُدّلت، ثم عُدّلت، ثم عُدلت ثم ألغيت قد يحرم التشريع شيئاً أباحه الله لك في أصل الحياة، هذا التحريم يتحايل الناس عليه إلى أن يخرج المشرع من جلده، فيبيحه، كل هذا من قصور إدراك المشرع، لأنه بشر﴿وَخُلِقَ الْإِنسَانُ ضَعِيفًا﴾ لذلك إذا أقبلت على تشريع البشر ربما تفلتَّ من هذا التشريع ، كأوضح مثل :

 أنت في شهر رمضان، وإن كان الشهر في أيام الحر الشديد الذي لا يُحتمل واليوم 17 ساعة، والحرارة 45، وعند الساعة 12 تكاد تموت من العطش، ودخلت إلى بيتك، والباب مقفل، والنوافذ مقفلة، والماء عذب فرات بارد من الصنبور مباشرة، أو من الثلاجة، ولا تستطيع أن تضع قطرة ماء في فمك، هذا هو التشريع الإلهي .

أما التشريع البشري ممنوع عليك أن تستخدم الجوال في أثناء قيادة المركبة، مادام هناك شرطي لا تستخدمه، أو تقول: دعني قليلاً، الشرطي أمامي، أما إذا كنت في سفر وحدك تستخدمه، لأن واضع القانون لا ينالك علمه، ولا تنالك قدرته، أما إذا حرم الله شيئاً فالمؤمن بالله لا يمكن أن يعصي الله في هذا الشيء . 


مثال واقعي عن ضعف تشريع الإنسان :


 مرة بلد بعيد كأمريكا بسبب موضوعي محض أرادت أن تحرم الخمر، الآن لا يحضرني التفاصيل، 300 شخص أعدموا، و طُبعت خمسة مليارات نشرة، والأرقام التي ذُكرت في هذا الموضوع تكاد لا تصدق، وفي النهاية لم تستطع الحكومة تحريم الخمر، بُنيت بواخر لتهريب الخمور، ثم أطلق الخمر .

 يقول الله عزوجل : 

﴿  يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ(90)  ﴾ 

[  سورة المائدة  ] 

 تجد المسلمين يمتنعون عنه بشكل غير طبيعي، تقريباً في العالم الإسلامي المليار والنصف يمتنعون عن شرب الخمر، لأن آية في كتاب الله تحرمه، وانتهى الأمر .

 يعني من يستطيع أن يراقبك وأنت في البيت؟ من يستطيع أن يراقب صاحب المخبز وهو في المخبز؟ يعني الخوف من الله أكبر رادع .

 سيدنا عبد الله بن عمر لقي راعياً قال له: << بعني هذه الشاة، وخذ ثمنها فقال: ليست لي، قال: قل لصاحبها: ماتت، أو أكلها الذئب، قال : والله إنني لفي أشد الحاجة إلى ثمنها، ولو قلت لصاحبها : ماتت أو أكلها الذئب لصدقني، فإني عنده صادق أمين ، ولكن أين الله ؟ .

 كنت مرة في أمريكا، وأنا مع أحد الإخوة الكرام في مركبته، سمعت صوتاً عجيباً، سألته: ما هذا الصوت؟ قال لي: هذا صوت يشعرني أن جهاز الرادار الذي يراقب السرعات اقترب، فأنا بعد أن أسمع هذه الإشارات أخفض السرعة، فإذا تجاوزته عدت إلى سرعتي العالية، معنى ذلك أن الدولة حينما وضعت هذا القانون، ونصبت أجهزة لكشف السرعات الزائدة الإنسان قد يكون المشرَّع له أذكى من المشرِّع، اخترع هذا الجهاز، فمادام هناك صوت يخفّض السرعة إلى المئة، فإذا تجاوز هذا الكاشف عاد إلى ما كان عليه .

 يعني التشريع الأرضي معركة بين عقلين، عقل المشرع وعقل المشرَّع له، والإنسان قد يكون أذكى من المشرِّع، والحديث عن التحايلات التي يستخدمها الإنسان في تجاوز حدود القانون لا تعد ولا تحصى، فما دام قضية أرضية واضع التشريع إنسان له عقل، والمشرَّع له إنسان له عقل ويمكن أن تُخرَق هذه التشريعات بألف سبب وسبب.

 لذلك بين أن تقول: أقبلوا، حركة أفقية، وبين أن تقول: تعالوا، خالق الأكوان هو العليم، هو الحكيم، هو الخبير: ﴿وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ﴾  تشريعه فيه كمال مطلق، فيه علم مطلق، فيه حكمة مطلقة، ولما ترك الإنسان الوحي السماوي، ووضع تشريعاً من عنده هذه البشرية كما ترَى .

 يعني أنت ممكن أن تقتل 25 إنسانًا بما فيهم الأطفال الرضّع، وبحسب تشريعات الأرض تقول : صدر من هذا البيت إطلاق رصاص، فرددنا عليه بهذا القصف، أما لو كنت تؤمن بالله لا تستطيع أن تدوس نملة، أنا أعني ما أقول، ولا أبالغ، لا تستطيع أن تدوس نملة ظلماً، لذلك لا تصلح الحياة إلا بالتشريع الإلهي، لا تصلح أبداً، لأن كل قيد يضعه المشرع البشري يُتحايل عليه، وقصص التحايل على التشريع الأرضي لا تعد ولا تحصى، وكلما وضع المشرع قيداً يُخترق، يوضع قيد آخر يُخترق، قيد رابع يخترق، قيد خامس يخترق، ينشأ ما يسمى بالروتين، شيء لا يحتمل يعيق التقدم .

 من أجل أن تأخذ شيئًا بسيطًا جداً تحتاج إلى وثائق، وإلى براءات ذمة، وإلى حسن سلوك، وكله يمكن أن يزور، فالطريق مع التشريع الأرضي طريق مسدود، لكنك إذا كنت خاضعاً لتشريع خالق السماوات والأرض تشعر أنه معك .

 مثل آخر: لو كان مع شخص التهاب كبد وبائي، هذا مرض قاتل، حتى الآن ليس له دواء، ودخل إلى الحمام، ولم يغسل يديه جيداً، وكان موظفًا في مطعم، يستطيع أن ينقل هذا المرض إلى 300 إنسان من رواد هذا المطعم، معه التهاب كبد وبائي، ودخل إلى الحمام، ولم يغسل يديه جيداً، علق بين أظافره وأصابعه شيء من آثار مفرزاته، فإذا استخدم يديه في صنع طبق من الطعام يمكن أن يؤذي 300 زبوناً من زبائن هذا المطعم بمرض قاتل، أما المؤمن يخاف من الله .

 أنا بدأت بمثل بسيط جداً، يخاف المؤمن أن يدوس نملة، يخاف أن يؤذي إنساناً .

 أما بائع مواد تموينية، لو وجد فأرة في علبة الزيت يسحبها، ويتابع بيع الزيت، مَن الذي يمنعه من ذلك؟ إيمانه، إذا كان مؤمنًا لا يمكن أن يفعلها، يخرج الفأرة، ويستخدم الزيت في صناعة الصابون، أما أن يبيعه للناس مستحيل وألف ألف مستحيل .

 يمكن أن يستورد إنسان ضعيف النفس طعام للكلاب، ويضع لصاقات جديدة، فإذا هو طعام للبشر، والله الذي أسمعه عن مخالفات يفعلها بعض البائعين شيء لا يصدق، الإيمان هو القيد . 

((  الإيمان قيد الفتك ، لا يفتك مؤمن  )) 

[ أخرجه أبو داود والحاكم عن أبي هريرة  ] 

 في الأعم الأغلب القوي لا يسأل، يبالغ في الإساءة للآخرين، متوهماً أن الله لا يعلم، فإذا بمصيبة تمحقه دون أن يشعر، أما المؤمن ما دام مقيداً بالشرع فهو في ظل الله، وفي رعايته، وفي حمايته.

أيها الإخوة، ما من تشريع إلا ويحابي المشرِّع، وما من تشريع إلا ويظلم المشرَّع له أحياناً . 


قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُم


﴿قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ﴾  المحرمات كأكل لحم الخنزير، وأكل الدم هذه تؤذي جسم الإنسان، تفسد عليه صحته، تفسد عليه استقامة حياته، ولكن المحرمات هذه من نوع آخر، تفسد عليه سعادته .

﴿ سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ بِمَا أَشْرَكُوا  بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا ۖ وَمَأْوَاهُمُ النَّارُ ۚ وَبِئْسَ مَثْوَى الظَّالِمِينَ (151)﴾ 

[  سورة آل عمران  ] 

 صار خائفًا، صار قلقًا، صار حزيناً. 


المحرَّمات التي تحرم النفس السعادة :


1 – الشرك بالله :

 ﴿قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا﴾  هذه محرمات من نوع آخر، الشرك محرّم، وكل مُحرّم في القرآن والسنة يقابله أمر واجب، أنت منهيٌّ أن تشرك، مأمور أن توحّد، منهيٌّ أن تكذب، مأمورٌ أن تصدق، منهيٌّ أن تظلم، مأمورٌ أن تعدل، إذاً كل مُحرم يقابله أمر وواجب، وكل واجب يقابله محرم، لذلك النبي عليه الصلاة والسلام كان مرة يردف وراءه سيدنا معاذ بن جبل فقال له : 

((  هل تَدْرِي مَا حَقّ الله عَلَى الْعِبَادِ ؟ قَالَ : قُلْتُ : الله وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ ، قَالَ : فَإِنّ حَقّ الله عَلَى الْعِبَادِ أَنْ يَعْبُدُوهُ ، وَلاَ يُشْرِكُوا بِهِ شَيْئا ، ثُمّ سَارَ سَاعَةً ، ثُمّ قَالَ : يَا مُعَاذُ بْنَ جَبَلٍ ، قُلْتُ : لَبّيْكَ رَسولَ اللّهِ وَسَعْدَيْكَ ، قَالَ : هَلْ تَدْرِي مَا حَقّ الْعِبَادِ عَلَى الله إِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ ؟ قَالَ : قُلْتُ : الله وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ ، قَالَ : أَنْ لاَ يُعَذّبَهُمْ  )) 

[  البخاري عن أبي هريرة  ] 

 سأله ثانية وثالثة، ثم قال: يا معاذ: (حَقّ الله عَلَى الْعِبَادِ أَنْ يَعْبُدُوهُ)  هذا الأمر والواجب، يقابله: (وَلاَ يُشْرِكُوا بِهِ شَيْئا)  فكل أمر يقابله نهي، وكل نهي يقابله أمر، بعد قليل قال: يا معاذ: (مَا حَقّ الْعِبَادِ عَلَى الله إِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ ؟ قَالَ : قُلْتُ : الله وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: أَنْ لاَ يُعَذّبَهُمْ) .

 فأنت حينما تعبد الله، ولا تشرك به شيئاً أنشأ الله لك حقاً عليه، أنه يحميك، فاطمئنوا، ما دمت على استقامة على أمر الله فأنت في ظل الله في الدنيا والآخرة، ما دمت على استقامة على أمر الله، الله عزوجل خالق الكائنات يدافع عنك .

﴿إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا  ۗ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ (38) ﴾ 

[  سورة الحج  ] 

 إذا كنت مستقيماً على أمر الله كما قال الله عزوجل : 

﴿  إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدّاً(96) ﴾ 

[  سورة مريم  ] 

 هذه المودة التي تحصل بينك وبين خالق السماوات والأرض لا تقدر بثمن . 


فحوى دعوة الأنبياء : التوحيد ونبذ الشرك :


 إخواننا الكرام، الآن دخلنا في المحرم الأول الذي يحرم النفس سعادتها، أن تشرك بالله، هذا الموضوع هو الدين كله، بل فحوى دعوة الأنبياء جميعاً التوحيد، وما تعلمت العبيد أفضل من التوحيد، والتوحيد نهاية العلم، والتقوى نهاية العمل.

﴿ وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ(25)  ﴾ 

[ سورة الأنبياء  ] 

 الله عزوجل لخص دعوة الأنبياء جميعاً فقال: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ﴾  فحوى دعوة الأنبياء جميعاً التوحيد والعبادة، فالتوحيد نهاية العلم، والعبادة نهاية العمل، ما التوحيد ؟ ألا ترى مع الله أحداً، التوحيد أن ترى أن الله بيده كل شيء، وأنه :

﴿ وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ  فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ ۚ وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (123)﴾ 

[  سورة هود  ] 

 وأنه :

﴿ قُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُوا ۖ لَهُ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۖ أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ ۚ مَا لَهُم مِّن دُونِهِ مِن وَلِيٍّ وَلَا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَدًا (26) ﴾ 

[  سورة الكهف  ] 

 وأنه:﴿ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ ﴾ 

 وأنه :

﴿ وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَٰهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلَٰهٌ  ۚ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ (84) ﴾ 

[  سورة الزخرف  ] 

 وأن الأمر كله عائد إليه، والتوحيد ألا ترجو غير الله، وألا تثق إلا بالله، وألا تطلب إلا من الله، وألا تخاف إلا من الله، وألا تحب إلا الله، والحب في الله فرع من محبة الله، التوحيد أن تخلص الوجهة إلى الله، أن تقبل على الله، أن تأتمر بأمر الله، ألا تخشى غير الله، ألا تأخذك في الله لومة لائم . 


بين أن فهم الآيات وعيشِها فرق كبير 


 أيها الإخوة الكرام، هذه الكلمات واضحة جداً، لكن أن تفهمها شيء، وأن تعيشها شيء آخر، كيف؟ لو أن إنسانًا مؤمن بالله الواحد الديان، ومستقيم على أمره، ولحكمة أرادها الله دخله محدود جداً، وفقير، وله صديق في سنه عقيدته فاسدة، واستقامته منحرفة، ويأكل المال الحرام، وهو غني جداً، الآن الصديق الأول الفقير إذا تمنى أن يكون مكان صديقه المنحرف ما عاش الآية الكريمة :

﴿ يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ ۗ وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا  (71) ﴾ 

[  سورة الأحزاب  ] 

ما عاشها، فرق كبير بين أن تعيش الآية وأن تفهمها، الآية معناها واضح جداً، وسهل فهمه جداً، لكن أن تعيش هذه الآية شيء آخر، أن تعيشها، أن ترى أنك غني بمعرفتك بالّله، أن ترى أنك قوي بعبادتك لله، أن ترى أنك سعيد بإقبالك على الله، وأن هذا الذي يغوص في ملذات الحياة ومعه مال وفير ما ذاق طعم القرب من الله، لمجرد أن تقول: ليتني كنت مكانه فأنت لم تعش هذه الآية .

﴿ فَخَرَجَ عَلَىٰ قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ ۖ قَالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ (79)وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِّمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا  وَلَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الصَّابِرُونَ(80) ﴾ 

[  سورة القصص ] 

 فأنت لمجرد أن تتمنى أن تكون مكان العاصي ببيته الفخم، وبدخله الوافر، وبوسامته، وبأناقته على معاصيه فأنت لا تعرف الله، لذلك المؤمن يشعر بغنى لا يوصف، السبب أنه وصل إلى الحقيقة العظمى في الكون .

" ابن آدم ، اطلبني تجدني ، فإذا وجدتني وجدت كل شيء ، وإن فتك فاتك كل شيء ، وأنا أحب إليك من كل شيء " .

 أيها الإخوة، ورد أن النبي عليه الصلاة والسلام قال : 

((  ذنب لا يغفر ، وذنب لا يترك ، وذنب يغفر : فأما الذي لا يغفر فالشرك بالله وأما الذي يغفر فذنب العبد بينه وبين الله عز وجل ، وأما الذي لا يترك فظلم العباد بعضهم بعضا  )) 

[  رواه الطبراني عن سلمان وهو ضعيف  ] 

 حقوق العباد مبنية على المشاححة، بينما حقوق الله مبنية على المسامحة (فأما الذي لا يغفر فالشرك )  حديثنا عن الشرك : 

﴿ قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا ﴾  كيف هو الشرك ؟ 


ما هو الشرك ؟


 هناك مثل ضربته كثيراً : 

 لك دين على إنسان، ووعدك أن يسدده لك يوم الأحد فرضاً، الساعة 12، وهناك قطار من دمشق إلى حلب، يصل الساعة 11، ركبت هذا القطار، لكنك لم تركبه سابقاً، خبراتك محدودة جداً، فقطعت بطاقة من الدرجة الأولى، وجلست في مقطورة من الدرجة الثالثة دون أن تشعر، جلست مع أناس سيئي الخلق، أتعبوك طوال الطريق بمزاحهم الرخيص، وبصياحهم المرتفع، وبخصوماتهم السخيفة، تعبت منه كثيراً، ثم إنك جلست بعكس اتجاه القطار، فأصبت بالدوار، هذه خطيئة ثالثة، ثم إنك تتلوى من الجوع، ولم تعلم أن في القطار مقطورة فيها مطعم، فقطعت بطاقة من الدرجة الأولى، وجلست في مقطورة من الدرجة الثالثة، وكان من نصيبك شباب مراهقون متعبون صخابون، وجلست بعكس اتجاه القطار فأصبت بالدوار، وكنت تتلوّى من الجوع، وفي القطار مقطورة فيها طعام ولا تعلم، كل هذه الأخطاء مغفورة، لأنه في النهاية ستكون في حلب الساعة 11، وسوف تقبض المبلغ الكبير، لكن ثمة خطأ لا يغتفر، أن تركب بدل قطار حلب قطار مدينة درعا، ولو كان فخماً، ولو كان مريحاً، ولو كان مكيفاً ، لكن لا شيء من ورائه، الطريق مسدود ، ولا قبض للثمن .

﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَٰلِكَ لِمَن يَشَاءُ  ۚ وَمَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَىٰ إِثْمًا عَظِيمًا(48)﴾ 

[  سورة النساء  ] 

 إذا اتجهت إلى غيره فهذا هو الشرك، غيره ليس عنده شيء .

 سيد الخلق وحبيب الحق قال :

﴿  إِنِّي لَا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرّاً وَلَا رَشَداً(21)  ﴾ 

[  سورة الجن  ] 

﴿قُل لَّا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلَا ضَرًّا  إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ ۚ وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ ۚ إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (188) ﴾ 

[ سورة الأعراف ] 

﴿ قُل لَّا أَقُولُ لَكُمْ عِندِي خَزَائِنُ اللَّهِوَلَا أَعْلَمُ الْغَيْبَ  وَلَا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ ۖ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَىٰ إِلَيَّ ۚ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمَىٰ وَالْبَصِيرُ ۚ أَفَلَا تَتَفَكَّرُونَ (50) ﴾ 

[  سورة الأنعام ] 

أنت لمجرد أن تتجه إلى جهة أرضية، إنسان قوي، جماعة، فئة، أنت إذا اتجهت إلى جهة أرضية فقد وقعت في ذنب لا يغفر، إنه الشرك . 

((  إذا سألت فسأل اللَّه ، وإذا استعنت فاستعَنْ باللَّه  )) 

[  رواه الترمذي عن ابن عباس  ] 

 ينبغي أن تعطي لله، وأن تمنع لله، وأن ترضى لله، وأن تغضب لله، وأن تصل لله، وأن تقطع لله، هذا هو التوحيد، إن وحدت فأنت إنسان رباني، وإن لم توحّد فأنت إنسان شهواني، بين أن تكون ربانياً، وبين أن تكون شهوانياً .

 والله أيها الإخوة، لو وحدنا كأمة الإسلام، وعلمنا أن النصر بيد الله الواحد الديان، وأن الله سبحانه وتعالى إذا أراد أن يرفعنا ليس في الأرض جهة تستطيع أن تمنعه من ذلك، لكننا بدافع من الشرك أحياناً نظن أن إرضاء الجهة الفلانية تسلمنا، وإرضاء الجهة العلانية تنفعنا، فما دمنا نتوجه إلى غير الله فالطريق مسدود، على مستوى جماعي، وعلى مستوى فردي، أنت حينما تقول: يا رب، إني تبرأت من حولي وقوتي وعلمي، والتجأت إلى حولك وقوتك وعلمك، يا ذا القوة المتين، أنت وُصِلت بالله، وجاءك التوفيق، وجاءك المدد، وجاءتك الحكمة، وجاءك العون، وجاءك التأييد ، وجاءك النصر . 


دروس من مواقف الصحابة في الإخلاص :


1 – درس حنين :

 أما إذا قلت أنا! سوف أذكر لكم حادثة من وقع فيها؟ نخبة الخلق، صحابة رسول الله، ومن كان معهم؟ سيد الخلق، وحبيب الحق، قال عليه الصلاة والسلام : 

((  إن الله اختارني ، واختار لي أصحابي  )) 

[  رواه الطبراني عن عويمر بن ساعدة وهو ضعيف ] 

 فنحن نعتقد اعتقاداً جازماً أن خير الخلق جميعاً هو رسول الله، سيد ولد آدم حبيب الله، ومعه أصحابه وقعوا في شرك خفي، قالوا في حنين : 

((  لن نغلب اليوم من قلة  )) 

[ أخرجه الترمذي ] 

 اعتدُّوا بكثرتهم (لن نغلب اليوم من قلة)  قال الله عزوجل :

﴿ لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ ۙ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ ۙ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُم مُّدْبِرِينَ  (25)﴾ 

 

[ سورة التوبة  ] 

 هذا درس حنين، إذا أدّب الله صحابة رسوله فمن نحن حتى لا نؤدَّب؟ نحن نعتمد على الجهة الفلانية، والعلانية، ونرجو رضاء الجهة الفلانية، ونتقرب إلى الجهة العلانية، ما دمنا نتجه إلى من في الأرض فنحن في متاهة ما بعدها متاهة ﴿وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمْ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ﴾  هذا درس حنين .

2 – درس بدر :

 الآن درس بدر :

﴿ وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنتُمْ أَذِلَّةٌ  ۖ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (123) ﴾ 

[  سورة آل عمران ] 

 ضعاف، مفتقرون إلى الله، فالله عزوجل تجلى عليكم، وأمدكم بنصر، يعني قلة قليلة فقيرة، 300 صحابي تنتصر على أبطال قريش، وصناديد قريش الأغنياء الأقوياء، هكذا ، لذلك : 

﴿ فَلَمَّا فَصَلَ طَالُوتُ بِالْجُنُودِ قَالَ إِنَّ اللَّهَ مُبْتَلِيكُم بِنَهَرٍ فَمَن شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَن لَّمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي إِلَّا مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ ۚ فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلَّا قَلِيلًا مِّنْهُمْ ۚ فَلَمَّا جَاوَزَهُ هُوَ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ قَالُوا لَا طَاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ ۚ قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُّلَاقُو اللَّهِكَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ  ۗ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ (249)﴾ 

[  سورة البقرة ] 


بالتوحيد تسقط جميع الأوهام وتتبدد جميع شكوك :


 إخواننا الكرام: المسلمون حينما يتوهمون أن أعداءهم عندهم سلاح لا يقابَل هم واهمون، أعداؤهم بشر، وقلوبهم بيد الله عزوجل، ماذا أقول لكم ؟ إذا كان الله معك فمن عليك؟ وإذا كان عليك فمن معك؟ لمجرد أن نخلص لله عزوجل، وأن نعد لأعدائنا العدة التي نستطيعها ليس العدة التي تكافئ قوة العدو:

﴿ وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِندَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ وَإِن كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ (46) ﴾ 

[ سورة إبراهيم ] 

 الآن دقق: ﴿ وَعِنْدَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ﴾ .

 هذا كلام خالق الأكوان، يعني يمكن دول الأرض مجتمعة بكل قوتها العلمية والعسكرية والتقنية أن تنقل جبل قاسيون إلى درعا؟‍ هذا جبل قاسيون، قوى الأرض، دول العالم، المعسكر الشرقي والغربي، الدول الغنية والمتفوقة، والتي تملك من الأسلحة ما لا يوصف، هل تستطيع نقل قاسيون؟ الله عزوجل يقول في القرآن: ﴿ وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِنْدَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ ﴾ 

 معنى ذلك أن مكرهم عند الله، يقول الله عزوجل في آية ثانية :

﴿ إِن تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِن تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِهَا ۖ وَإِن تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا  ۗ إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ (120) ﴾ 

[  سورة آل عمران  ] 

 البوارج، حاملات الطائرات، القنابل العنقودية، القنابل الحارقة والخارقة، القنابل التي تسمى ذكية، قنابل الانشطارية، القنابل التي تلغي الاتصالات، الآن هناك قنابل تلغي الاتصالات، انتهت الحرب معناها، هناك قنابل تفني البشر، وتبقي الحجر، عشرون ألفا ماتوا بقنبلة واحدة، والأبنية كما هي، هذه الأسلحة الفتاكة، هذه الأقمار الصناعية، هذا الرصد، يعني من القمر الصناعي يمكن أن يصور إنسان مضجع على الأرض، وبيده كتاب، يمكن أن يقرأ عنوان الكتاب، هناك تقنية عالية جداً ، قال الله عزوجل: ﴿ وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا﴾  الكرة في ملعبنا .

﴿ قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَىٰ أَنفُسِهِمْلَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ  ۚ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا ۚ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (53) ﴾ 

[  سورة الزمر ] 

 ولا تيأسوا، والله عزوجل يمتحننا، ونحن في العناية المشددة، لكن ينتظر منا أن نعود إليه، وأن نصطلح معه، وأن نقبل عليه، وأن نتوب إليه، الأمر بيد الله عزوجل، القوة الشرقية التي تهاوت من الداخل كانت تملك من الأسلحة النووية ما يمكّنها من أن تدمر القارات الخمس خمس مرات، ومع ذلك تداعت من الداخل، إذا كان الله معك فمن عليك، وإذا كان عليك فمن معك ؟ 


إيّاكم وإيمان إبليس ‍!!!


﴿قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا﴾  إخواننا الكرام، الدين كله توحيد، والمشكلة ليست في أن تؤمن بأن الله خالق السماوات والأرض، هذا إيمان إبليسي، إبليس قال :

﴿ قَالَ فَبِعِزَّتِكَ  لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (82) ﴾ 

[  سورة ص  ] 

 إبليس قال :

﴿ قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ ۖ قَالَأَنَا خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ  (12) ﴾ 

[  سورة الأعراف  ] 

 إبليس قال :

﴿ قَالَ أَنظِرْنِي إِلَىٰ يَوْمِ يُبْعَثُونَ (14) ﴾ 

[  سورة الأعراف  ] 

 ليس مطلوباً أن تقول: الله خلق السماوات والأرض، الأجانب الذين يكتبون على عملتهم الخضراء: ثقتنا بالله، ماذا يفعلون في الأرض؟ يفسدون في الأرض .

﴿  أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ(6) إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ(7) الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلَادِ(8) وَثَمُودَ الَّذِينَ جَابُوا الصَّخْرَ بِالْوَادِ(9) وَفِرْعَوْنَ ذِي الْأَوْتَادِ(10) الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلَادِ(11) فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسَادَ(12)  ﴾ 

[  سورة الفجر  ] 

 هؤلاء قوم عاد الأولى والثانية ، الثانية موجودة الآن ﴿طَغَوْا فِي الْبِلَادِ﴾ ﴿فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسَادَ﴾ 

﴿  فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ(13) إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ(14)  ﴾ 

[  سورة الفجر  ] 

 يعني زلزال تسونامي وحده يساوي مليون قنبلة ذرية، فإذا كان الله معك فمن عليك؟ وإذا كان عليك فمن معك ؟ ﴿لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ﴾  لا تيأسوا ، لا تشعروا بالإحباط أبداً ، الكرة في ملعبنا .

﴿ إِن تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جَاءَكُمُ الْفَتْحُ ۖ وَإِن تَنتَهُوا فَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ ۖ وَإِن تَعُودُوا نَعُدْ وَلَن تُغْنِيَ عَنكُمْ فِئَتُكُمْ شَيْئًا وَلَوْ كَثُرَتْ وَأَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ (19) ﴾ 

[  سورة الأنفال ] 

 أيها الإخوة: ﴿قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا﴾ 

﴿  وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ(106)  ﴾ 

 

[ سورة يوسف ] 


ما هو الحد الأدنى من الشرك ؟!


 أتحبون أن تروا الحد الأدنى من الشرك، لأنه: ﴿وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ﴾  يعني أنت حينما يعتز بمالك، قال لي مرة شخص: الدراهم مراهم ، طبعاً هذه لا آية ولا حديث، سبحان الله ! إنسان والله أظنه صالحاً، ولا أزكي على الله أحداً، لكن الله أدبه، دخل المنفردة 64 يومًا، وفي هذه الأيام كلها في كل يوم يقول، الدراهم مراهم؟ تفضل حل مشكلتك، تفضل حلها بالدراهم، لا تحل بالدراهم، إذا اعتمدت على مالك فقد أشركت، إذا اعتمدت على ذكائك فقد أشركت .

 بالمناسبة الله عزوجل يحجب عن القوي الحكمة يرتكب حماقات هي سبب دماره، يحجب عن القوي الحكمة .

 قبل أسابيع قال بعض القادة الغربيين: ارتكبنا أخطاء لا تغفر، هناك أخطاء ارتكبت في العراق شيء يترفع عنها أطفال صغار . 

 فأنت حينما تكون مع الله تُلهم الحكمة، وحينما يكون الإنسان منقطعاً عن الله يلهم الحمق، يرتكب أخطاء قاتلة مدمرة، لأنه حُجب عن الله عزوجل، إذاً أنت حينما تؤمن بالله يحفظك الله عزوجل ، يلهمك الحكمة ، يقوي عزيمتك ، يشعرك أنه معك .

﴿  فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِقَالَ أَصْحَابُ مُوسَىٰ إِنَّا لَمُدْرَكُونَ(61( قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ (62) ﴾ 

 

[ سورة الشعراء  ] 

 سيدنا يونس، لا أعتقد أن إنسانًا مصيبته كهذه المصيبة، أن تجد نفسك فجأة في بطن حوت أزرق وزنه 150 طنًّا، وكل الإنسان بفمه كأنه لقمة صغيرة، يكون الواحد وزنه 170 كغ، بفم الحوت الأزرق لقمة صغيرة، وبإمكانه أن يقف في فمه على رجليه، في ظلمة الليل، وفي ظلمة البحر، وفي ظلمة بطن الحوت، ونبي كريم دخل بطنه ليس إنسانًا عاديًا .

﴿  وَذَا النُّونِ إِذ ذَّهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَىٰ فِي الظُّلُمَاتِ أَن لَّا إِلَٰهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ(87) فَاسْتَجَبْنَا لَهُ  وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ(88) ﴾ 

 

[ سورة الأنبياء  ] 

 أحيانا يكون معك هاتف محمول، وليس هناك تغطية، مشكلة كبيرة جداً، تكون في أمسّ الحاجة إلى استخدامه، يقول لك: خارج التغطية، أما سيدنا يونس فكان هناك تغطية في الأسفل: ﴿فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنْ الظَّالِمِينَ﴾﴿ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنْ الْغَمِّ ﴾ 

 أروع ما في الآية أن الله قلب هذه القصة إلى قانون قال: ﴿وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ﴾  لا تخف ولا تحزن، لا تيأس .

﴿ يَا بَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِن يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلَا تَيْأَسُوا مِن رَّوْحِ اللَّهِ ۖ إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ  (87)﴾ 

[  سورة يوسف ] 

 لا تقل: متى ؟ كن له كما يريد، يكن لك كما تريد، كن له كما يريد، ولا تعلمه بما يصلحك . 

((  مَنْ شَغَلَهُ القُرْآنُ عن ذِكْرِى ، مَسْألَتِي أَعْطَيْتُهُ أَفْضَلَ مَا أُعْطِى السّائِلِين  )) 

[  أخرجه الترمذي من حديث أبي سعيد وهو ضعيف ] 

 " عبدي أنت تريد ، وأنا أريد ، فإذا سلمت لي فيما أريد كفيتك ما تريد ، وإن لم تسلم لي فيما أريد أتعبتك فيما تريد ، ثم لا يكون إلا ما أريد " . 

 الآن : 

﴿وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ﴾ الحد الأدنى من الشرك، كلام سيدنا علي رضي الله عنه قال : << الشرك أخفى من دبيب النملة السمراء على الصخرة الصماء، في الليلة الظلماء >>  .

 إذا كنت في مكان ليلاً، وهناك نملة صغيرة جداً تمشي على صخرة، وأنت لا تراها، هل تسمع صوتها؟ الشرك الخفي أخفى في الإنسان من دبيب النملة السمراء، على الصخرة الصماء، في الليلة الظلماء، وأدناه أن ترضى على جور، وأن تبغض على عدل.

 يعني نصحك إنسان بأدب جم، انزعجت، انزعاجك الشديد دليل أنك ألّهت نفسك، عبدت ذاتك ، كيف يتجرأ وينصحني وأنا لي مقام كبير بالمجتمع؟ كيف يقول لي: أليس هذا التصرف خلاف كتاب الله؟ أسحقه، أدمره، أنت مشرك بهذه الحالة، إذا أبغضت من نصحني، ورفضت نصيحة لأنني أتوهم أنني لا أخطئ، وهذا هو شرك .

 أو إنسان في سلوكه ثغرة كبيرة جداً، قدم لك شيئاً تحبه، تتعامى عن أخطائه، لاحظوا الناس إذا أحسنت لأحدهم يتعامى عن كل أخطائك، وإذا أسأت لإنسان يتعامى عن كل ميزاتك، ليس هناك إنصاف أبداً، هذا الذي لا يحتمل النصيحة مشرك، وهذا الذي يرضى عن إنسان غير مستقيم، لكنه ينتفع منه مشرك، الشرك أخفى من دبيب النملة السمراء، على الصخرة الصماء في الليلة الظلماء، وأدناه أن تبغض على العدل، و أن ترضى على الجور.

 لذلك المؤمن لا تأخذه في الله لومة لائم، والمؤمن الصادق قد يوالي من أساء إليه إذا كان مؤمناً، وقد يتبرأ ممن أحسن إليه إذا كان مسيئاً، يؤمن بالله . 


لا تعتمد إلا على الله :


 إخواننا الكرام، إذا أردت أن تضغط الدين كله في كلمات فاقرأ قوله تعالى :

﴿  قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً(110)  ﴾ 

[  سورة الكهف  ] 

 في اللحظة التي تعتمد فيها على علمك، أو على قوتك، أو على مالك، أو على أسرتك، أو على نسبك فأنت مشرك.

 اعتمد أحد أغنياء اليهود على ماله فدخل إلى خزانته، وأُغلق الباب، وصاح فلم ينتبه إليه أحد، لأنه كثير الأسفار، ففي النهاية قبل أن يموت جرح إصبعه، وكتب على الحائط: " أغنى إنسان يموت جوعاً "، كان يقرض الحكومة البريطانية .

يعني إذا اعتمد الإنسان على ماله ضل، وإذا اعتمد على قوته ضعف، أما إذا اعتمد على الله يفلح . 


حاجة المسلمين إلى درس بدر وحنين :


 أريد أن أقول لكم أيها الإخوة : إن درس بدر وحنين تحتاجونه كل ساعة في اليوم كل يوم وكل ساعة، تقول: أنا، أنا مركزي قوي، أنا حصلت أموالاً طائلة بجهدي، أنا معي معارف كثيرون، معي هواتفهم، أي إنسان تطاول علي أتصل بأحدهم، لمجرد أن تقع بهذا الوهم يتولى الله تأديبك، فلا تجد معك أحداً، وهذا التأديب من الله تأديب نافع جداً، لمجرد أن تعتمد على جهة أرضية، وأن تثق بها، وأن تنسى الله فقد وقعت في الشرك . 

﴿قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا﴾  إياك أن تشرك، إياك أن تظن أن هذه الجهة القوية المتغطرسة في إرضائها سلامتك، وفي إغضابها شقاؤك، لا، في إرضاء الله سلامتك، وفي معصية الله هلاكك . 


مشكلتنا في الشرك الخفي :


 مشكلتنا أيها الإخوة في الشرك، مشكلتنا ليس عندنا شرك جلي، لو زرت العالم الإسلامي كله لا تجد من يقول: بوذا إله، إطلاقاً ، لكن هناك شرك خفي، الشرك الجلي غير موجود في عالم المسلمين، وما مِن إنسان يقول: هذا صنم هذا إله، في بلاد أخرى في آسيا تعبد آلهة من دون الله، أصناماً آلهة، لكن في عالمنا الإسلامي ليس هناك من يعتقد أن في الأرض إلهاً بالمعنى الذي عند الوثنيين، لكن عندنا شرك خفي﴿وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ﴾ أن ترضي فلاناً، أن تتملق فلاناً، أن تغض عن أخطاء فلان لأنه قوي، ألا تنصحه، أن تنتفع منه ، وأن تثني عليه ، هذا شرك . 


نتائج الشرك :


1 – الخوف :

 الآن أول رد فعل طبيعي، أو أول نتيجة لازمة للشرك، اسمعوا الآن ، أول نتيجة لازمة للشرك الخفي الخوف:﴿سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ بِمَا أَشْرَكُوا﴾  الأمن من حق المؤمنين فقط .

﴿ وَكَيْفَ أَخَافُ مَا أَشْرَكْتُمْ وَلَا تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُم بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا ۚ فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ ۖ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ(81) الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُولَٰئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ  (82) ﴾ 

[  سورة الأنعام  ] 

 الأمن لهم وحدهم، والله الذي لا إله إلا هو يوجد بقلب المؤمن من الأمن ما لو وزع على أهل بلد لكفاهم، إذا كان الله معك فمن عليك؟ أية جهة تستطيع أن تنال منك؟ عندك خوف، وعندك أمن ، في التوحيد هناك أمن، في الشرك هناك خوف، لذلك :

﴿  فَلَا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ فَتَكُونَ مِنَ الْمُعَذَّبِينَ(213)  ﴾ 

[  سورة الشعراء  ] 

 عذاب نفسي: ﴿ فَلَا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَتَكُونَ مِنْ الْمُعَذَّبِينَ ﴾ .

(( من جعل الهموم هماً واحداً هم المعاد كفاه الله سائر الهموم  )) 

[  رواه َعلِيّ بْن مُحَمَّد، والحسين بْن عَبْد الرحمن عن ابن مسعود  ] 

((  اعمل لوجه واحد يكفك الوجوه كلها  )) 

[ أخرجه ابن عدي عن أنس وهو ضعيف  ] 

 إخواننا الكرام، ديننا العظيم يُضغط كله في كلمة واحد التوحيد، وما تعلمت العبيد أفضل من التوحيد .

والحمد لله رب العالمين 

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور