وضع داكن
28-03-2024
Logo
الدرس : 31 - سورة الأعراف - تفسير الآيات 94- 96 ، عقاب الله تعالى للشاردين أن يأخذهم بالبأساء والضراء
رابط إضافي لمشاهدة الفيديو اضغط هنا
×
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمدٍ الصادق الوعد الأمين، وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين، وعلى صحابته الغر الميامين، أمناء دعوته، وقادة ألويته، وارضَ عنا وعنهم يا رب العالمين .

أيها الإخوة الكرام، مع الدرس الواحد والثلاثين من دروس سورة الأعراف، ومع الآية الرابعة والتسعين، وهي قوله تعالى :

﴿  وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَبِيٍّ إِلَّا أَخَذْنَا أَهْلَهَا بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَضَّرَّعُونَ(94)  ﴾

[ سورة الأعراف ]


وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَبِيٍّ إِلَّا أَخَذْنَا أَهْلَهَا بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَضَّرَّعُونَ


1 – معنى القرية :

أنا لا أعتقد أن هناك آية في كتاب الله تنطبق على حال المسلمين اليوم كهذه الآية، القرية هي البلدة التي تجمع فيها مصالح سكانها، يعني فيها مواد، فيها سلع، فيها متاجر، فيها محكمة، فيها قاضٍ، فيها حاكم، بلدة. 

2 – التأديب والمعالجة الربانية للمكذبين :

﴿وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ﴾ يعني العبارة شمولية، أية قرية أرسل الله لها رسولاً فكذبوه، لما كذبوه خضعوا لمعالجة تربوية، المربي يختلف في موقفه عن غير المربي، غير المربي إن وجد مَن لا يستجيب له يدعه وشأنه، لكن المربي لا بد بسبب من رحمته التي في قلبه من معالجة هذا الذي يربيه.

إذاً: إلهنا وربنا رب العالمين، يربينا جميعاً، فإذا كذبنا أنبياءه، لم نستجب لهم، لم نطبق أمرهم، تلبّسنا بالمعاصي، أكلنا المال الحرام، اعتدينا على أعراض بعضنا بعضاً، إذا غفلنا عن ربنا، ولم نؤدِّ واجب العبودية له، ضحينا بآخرتنا، سرنا في طريق الهاوية، لا يُعقل ولا يُقبَل من رب كريم رحيم أن يدعنا وشأننا، هذا كلام دقيق .

 تمشي في الطريق، ترى شباباً ثلاثة، الأول ابنك، والثاني ابن أخيك، والثالث صديق ابن أخيك، لو رأيتهم في حالة لا ترضي، يدخنون فرضاً، فإنك تغضب، وتتألم أشد الألم بسبب رحمتك بابنك، وتقول لابن أخيك: هكذا رباك أبوك؟! أما أعلى درجة من الغضب، أعلى درجة من الألم، أعلى درجة من القلق على ابنك، لأنه جزء منك، لأنه امتدادك، لأنه قدرك، الغضب 50% يهبط على ابن أخيك، الأب مسؤول، والده هو المسؤول، أما صديق ابن أخيك فتقول له: انصرف، وهذا شيء طبيعي جداً .

فكأن الألم والحرص والرأفة متناسبة مع القرب، أقرب جهة إلى العبد ربه، هو الذي خلقه، هو الذي يربيه، لا تعجبوا إذا شرد الواحد من الناس عن الله أن يدعه الله وشروده، لا تصدقوا إذا خرج العبد عن منهج الله أن يدَعه الله وخروجه، لا، لا بد من معالجة .


طرق المعالجة الربانية للشاردين :


1 ـ الدعوة البيانية :

دائماً وأبداً أذكركم بأن الله سبحانه وتعالى من رحمته يبدأ مع عبده بما يسمى بمرحلة سلمية، هي الهدى البياني، يسمعك خطبة، يسمعك درساً  تقرأ كتاباً، تسمع ندوة، تسمع محاضرة، توضح هذه المحاضرة سر وجودك، وغاية وجودك، فأنت إن استجبت فهذا أسلم طريق، أكمل طريق، أريح طريق.

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ ۖ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (24) ﴾

[  سورة الأنفال  ]

أرقى علاقة مع الله أنه إذا دعاك إليه تستجيب له، ببساطة، القرآن واضح كالشمس، خلقك الله ليسعدك في الدنيا والآخرة، خلقك لجنة عرضها السماوات والأرض، قال لك: افعل ولا تفعل، وأيّ أمر إلهي علاقته بنتائجه علاقة علمية، أي علاقة سبب بنتيجة.

حينما تؤمن أن الأشياء التي حرمها الله عليك ما حرمها عليك تضييقاً عليك، ولا حدّاً لحريتك، ولكنها ضمان لسلامتك، تماماً كما لو رأيت لوحة كتب عليها: حقل ألغام، ممنوع التجاوز، أنت لا تحقد على واضع هذه اللوحة، بالعكس يمتلئ قلبك امتناناً منه، لأنه حرص على سلامتك فنبهك، في اللحظة التي تعتقد أن المحرمات، وأن الأشياء التي نهى الله عنها، لم ينهَ عنها تقييداً لحريتك، ولا لجعل حياتك متعبة أبداً، ولكنه نهاك عنها ضماناً لسلامتك، هذا هو الفقه، أن ترى هذه الأوامر لصالحك .

﴿ يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ ۗ وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا (71) ﴾

[  سورة الأحزاب  ]

﴿ كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ۗ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ۖ فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ ۗ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ (185) ﴾

[  سورة آل عمران  ]

إخوتنا الكرام، الإنسان بفطرته يحب أن يكون فائزاً، الفوز كل الفوز، النجاح كل النجاح، التفوق كل التفوق، الفلاح كل الفلاح، العقل كل العقل، الذكاء كل الذكاء، في طاعة الله، لا تحب أحداً، أحب نفسك، إنك مجبول على حب وجودك، وعلى حب سلامة وجودك، وعلى حب كمال وجودك، وعلى حب استمرار وجودك، سلامة وجودك في طاعة الله، وكمال وجودك في طاعة الله، واستمرار وجودك في جنة عرضها السماوات والأرض إلى أبد الآبدين في طاعة الله.

أيها الإخوة، الموضوع دقيق، الله عز وجل أرحم بنا من أنفسنا، خلقنا ليسعدنا، خلقنا لجنة عرضها السماوات والأرض، فإذا لم نستجب، لم ننصع له، لم نخضع، لم نفكر، لم ننضبط، لم نلتزم، أيُقبَل من رب رحيم أن يدع هذا العبد وشأنه؟

أضرب لكم مثلاً أرجو أن يكون واضحاً: لو كان هناك ابن في الصف الخامس قال لأبيه مرة واحدة: لا أحب الدراسة، قال له: دعها، في اليوم الثاني لم يذهب إلى المدرسة، فلا دوام، ولا استيقاظ باكراً ، ولا وظائف، ولا أستاذ، ولا ضرب إذا ما كتب الوظيفة، بل نام إلى الظهر، ما هذه الحياة، إنها مريحة جداً! خرج من البيت، عاشر رفقاء السوء، تصور أنه في سعادة كبيرة جداً، فلا أعباء، ولا مسؤولية، ولا عقاب، ولا محاسبة، ولا وظائف، ولا استيقاظ باكراً، لما كبر وجد نفسه بلا وظيفة، ولا تجارة، ولا طب، ولا هندسة، ولا زوجة، ولا بيت، فهو إنسان شارد ضائع، فحقد على أبيه، جاءه، وقال له: يا أبتِ، يوم سألتك: لا أحب الدراسة لمَ لم تضربني ضرباً مبرحاً؟ لمَ سمحت لي أن أدع الدراسة ؟ 

﴿  وَلَوْلَا أَنْ تُصِيبَهُمْ مُصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَيَقُولُوا رَبَّنَا لَوْلَا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولاً فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ(74)﴾

[ سورة القصص  ]

يوم القيامة ﴿رَبَّنَا لَوْلَا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولاً فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ﴾ .


المصائب رسائل عملية ربانية مفهومة المقصد :


دققوا في كلمة: ﴿لَوْلَا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولاً﴾ سمّى الله المصيبة التي ساقها لعباده التائهين سماها رسولاً من الله، رسالة عملية، في اللحظة التي تفهم بها أن المصائب رسائل من الله، تجمع مالاً حراماً، هذا المال يُدمَّر، فتدمير المال رسالة من الله أن يا عبدي تُب، لقد أخطأت .

﴿ فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا ۗ إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا كَانُوا خَاطِئِينَ (8) ﴾

[  سورة القصص  ]

أحببت امرأة لشكلها، ولجمالها، ولم تعبأ بدينها الرقيق، فأذاقك الله بهذا الزواج ألوان الشقاء، ألوان الشقاء التي أذاقك الله من خلال هذا الزواج رسالة من الله، وفي اللحظة التي تفهم أن معاملة الله لك رسائل عندئذٍ أنت فقيه .

إذاً: لا تنتظر من الرحيم أنك إذا سرت في طريق الهاوية أن يدعك وشأنك، قال تعالى:

﴿ فَإِن كَذَّبُوكَ فَقُل رَّبُّكُمْ ذُو رَحْمَةٍ وَاسِعَةٍ وَلَا يُرَدُّ بَأْسُهُ عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ (147) ﴾

[  سورة الأنعام ]

ماذا تقتضي رحمته الواسعة ؟ ﴿فَقُلْ رَبُّكُمْ ذُو رَحْمَةٍ وَاسِعَةٍ وَلَا يُرَدُّ بَأْسُهُ عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ﴾

يعني تقتضي رحمته الواسعة ألا يرد بأسه عن القوم المجرمين، الذين مشوا في طريق الهلاك، فأنت حينما تفقه حقيقة كمال الله عز وجل تشعر أن الله حينما يضيق على الإنسان فمن أجل أن يرده إليه، وسبحان الله! الله ثبّت ملايين ملايين ملايين القوانين، كله ثابت، دورة الأفلاك، خصائص المواد، قوانين الفيزياء، الكيمياء، قوانين الفلك، الحركة، لكنه حرك الرزق والصحة، هما بيد الله، وهناك أمراض لا حل لها حتى الآن، يعني الورم الخبيث شيء مخيف، الفشل الكلوي شيء مخيف، تشمع الكبد، خثرة في الدماغ، هناك أمراض وبيلة، فالله سبحانه وتعالى إن رأى عباده شردوا عنه، وساروا في طريق الشهوة، بل ساروا في طريق الهاوية، بل ساروا في طريق ينتهي بهم إلى النار، أيُعقَل ويُقبَل من رب العزة، من الرحمن الرحيم أن يدعنا وشأننا؟ أبداً ، هذه الآية : 

﴿وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَبِيٍّ﴾ أرسلنا نبياً إلى قرية فكذبته، لم تستجب له، لم تعبأ برسالته. 

3 – إِلَّا أَخَذْنَا أَهْلَهَا بِالْبَأْسَاءِ 

﴿إِلَّا أَخَذْنَا أَهْلَهَا بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ﴾ الباساء: يقول لك: 15 ألف بيتاً بلاستيكياً أُتلِف في الصقيع الماضي، وهي حقول كان من الممكن أن تنتج ستة ملايين طناً من القمح، لكن لم تنتج حبة واحدة . 

﴿إِلَّا أَخَذْنَا أَهْلَهَا بِالْبَأْسَاءِ﴾ نقص في المواد، زلزال، بركان، والزلزال له تفسير علمي؛ اضطراب في القشرة الأرضية، لكن مَن هو مسبب الأسباب؟ رب العالمين، الجفاف، سنوات عجاف، النبات يموت، الحيوان يموت، الإنسان يهاجر . 

4 – وَالضَّرَّاءِ 

﴿وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَبِيٍّ إِلَّا أَخَذْنَا أَهْلَهَا بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ﴾ الضراء: الأمراض، الضراء: مصيبة تصيب الإنسان ذاته، قد تكون ببتر عضو، أو فقد بصر، أو قطع رجل أحياناً، أو شلل، هذه الضراء، والبأساء جفاف .

من السنن الكونية الجارية على الشاردين :

﴿ قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَىٰ أَن يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِّن فَوْقِكُمْ أَوْ مِن تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا وَيُذِيقَ بَعْضَكُم بَأْسَ بَعْضٍ ۗ انظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآيَاتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ (65) ﴾

[  سورة الأنعام  ]

هذه الصواعق، والآن والصواريخ ﴿أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ﴾ الزلازل، والألغام. أما أخطر شيء: ﴿أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً﴾ الطائفية .

﴿  إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعاً يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ(4)﴾

[  سورة القصص  ]

﴿أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ﴾ أيها الإخوة، هذه الآية تفسر ما يجري في العالم الإسلامي، المسلمون مليار و500 مليوناً شردوا عن الله، انبهروا بالغرب، آثروا الشهوة على طاعة الله، أكلوا المال الحرام، اعتدوا على أعراض بعضهم بعضاً، لم يعبؤوا بمنهج الله، لم يطبقوا منهج الله، تعلقوا بالغناء، وتركوا القرآن، كنا أمة اقرأ، الآن الأمة أمة ارقص لا اقرأ، لما شردوا عن الله عز وجل، لما هان أمر الله عليهم هانوا على الله، خمس دول إسلامية محتلة، ثرواتها نُهبت، شبابها قُتلوا، أمرها ليس بيدها، يتفنن أعداء الأمة بإذلال شبابها، واعتقالهم، وهدم بيوتهم، كما تسمعون وترون، أين الله ؟ هذا فعل الله، لحكمة بالغة بالغة بالغة عرفها من عرفها، وجهِلها مَن جهلها . 

﴿وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَبِيٍّ إِلَّا أَخَذْنَا أَهْلَهَا بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ﴾ البأساء: مصائب كبيرة تصيب زراعتهم، أو ثرواتهم، ثرواتهم تنهب، أرضهم تجف فيها الينابيع، تنقطع فيها الأمطار، آفات زراعية تبيد كل شيء . 

﴿وَالضَّرَّاءِ﴾ الأمراض، والهموم، والمتاعب، والقهر، والفقر، والمرض، لماذا يا رب؟ كلام خالق السماوات والأرض قال : 

5 – لَعَلَّهُمْ يَضَّرَّعُون

﴿لَعَلَّهُمْ يَضَّرَّعُونَ﴾ من أجل أن تسجد في الليل، وتقول: يا رب، لقد تبت إليك، سامحني، يا رب، ليس لي إلا أنت، يا رب، أستغفرك من ذنب وقعت فيه، من أجل أن نتضرع .

صدقوا أيها الإخوة، والله الذي لا إله إلا هو لو تضرعنا إلى الله كما ينبغي لأُزيحت عنا كل المصائب، لماذا ؟ لأن الله عز وجل يقول :

﴿  مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ وَكَانَ اللَّهُ شَاكِراً عَلِيماً(147)  ﴾

[  سورة النساء  ]

يعني ببساطة إذا كان الطفل الأول في صفه، مهذباً، أخلاقه عالية، نظيفاً، أنيقاً، مهما كان الأب سيئاً أيعقل أن يضربه؟ لمَ تضربني يا أبتِ؟ ماذا فعلت حتى تضربني؟ الأب لا يفعلها، دقق: ﴿مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ وَكَانَ اللَّهُ شَاكِراً عَلِيماً﴾ أيها الإخوة، آية دقيقة جداً: 

﴿وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَبِيٍّ﴾ هذه الدعوة البيانية، نبي كريم، معه معجزة، قال لك: أنا رسول رب العالمين، هذا تكليفه، هذا منهجه، افعل ولا تفعل، هذا حرام، وهذا حلال، إن استجبت فشيء رائع، ووقفت أرقى موقف، استجبت لدعوة الله البيانية .

أحياناً يقول لك الطبيب: معك التهاب معدة حاد، هذا المرض قد ينقلب إلى قرحة خطيرة، والقرحة قد تنتهي بثقب المعدة، وعندئذٍ تحتاج إلى عمليه جراحية كبيرة، لكن من الممكن أن تشفى شفاء تاماً عن طريق حمية صارمة، فأنت إنسان مثقف وعاقل، فأقنعك الطبيب بحمية صارمة، طبقت الحمية الصارمة، شفيت معدتك، الطبيب تكلم كلاماً فقط، وأنت استجبت له، فإن لم تستجب له فلا بد من عمل جراحي، يقول لك: أنت السبب، أنا عرضت عليك الحمية الصارمة فرفضت، ادفع الثمن، لا بد من عمل جراحي . 

2 ـ التأديب التربوي :

الآن المرحلة الثالثة، الثانية التأديب التربوي، التأديب التربوي أكمل موقف فيه التوبة إلى الله.

إخواننا الكرام، الآيات دقيقة جداً، ونحن في أشد الحاجة إلى فهمها فهماً صحيحاً، لأن الحل في هذه الآيات : 

﴿وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَبِيٍّ﴾ طبعاً هناك معنى ضمني، لم يستجيبوا، لم يتوبوا، لم يقبلوا، رفضوا ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَبِيٍّ إِلَّا أَخَذْنَا أَهْلَهَا بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ﴾ إرسال النبي دعوة بيانية، لكن البأساء والضراء تأديب تربوي، الدعوة البيانية أكمل موقف فيها الاستجابة : 

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ﴾ أما التأديب التربوي فأكمل موقف فيه التوبة. 

﴿إِلَّا أَخَذْنَا أَهْلَهَا بِالْبَأْسَاءِ﴾ بأموالهم، بحقولهم، بزراعتهم، بمصانعهم، بعدوان، باجتياح، بأخذ أموال، فقد نُقِلت مليارات ممليرة من الشرق إلى الغرب في العشرين السنة الماضية، مئات ألوف المليارات نقلت. 

﴿إِلَّا أَخَذْنَا أَهْلَهَا بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ﴾ أمراض، الإيدز، لماذا ؟ 

﴿لَعَلَّهُمْ يَضَّرَّعُونَ﴾ إذا تضرعوا، واصطلحوا مع الله وتابوا أزيحت عنهم هذه المصائب.

يعني أمة ـ دققوا ـ انحرفت، فقيض الله لها عدواً قوياً، يتفنن في قهرها، في حالة واحدة إذا عادت إلى الله، واستقامت على أمره، أزاح الله عنها هذا الكابوس : 

﴿وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَبِيٍّ إِلَّا أَخَذْنَا أَهْلَهَا بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَضَّرَّعُونَ﴾

﴿  ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ(41)  ﴾

[  سورة الروم  ]

﴿  وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ(21)  ﴾

[  سورة السجدة  ]

3 ـ الإكرام الاستدراجي :

في المرحلة الثانية في التأديب التربوي لم تكن هناك توبة، هناك مرحلة ثالثة، والمرحلة الثالثة خطيرة، أنا سميتها الإكرام الاستدراجي .

﴿  ثُمَّ بَدَّلْنَا مَكَانَ السَّيِّئَةِ الْحَسَنَةَ حَتَّى عَفَوْا وَقَالُوا قَدْ مَسَّ آبَاءَنَا الضَّرَّاءُ وَالسَّرَّاءُ فَأَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ(95)﴾

[  سورة الأعراف  ]


ثُمَّ بَدَّلْنَا مَكَانَ السَّيِّئَةِ الْحَسَنَةَ حَتَّى عَفَوْا وَقَالُوا قَدْ مَسَّ آبَاءَنَا الضَّرَّاءُ وَالسَّرَّاءُ


1 – ثُمَّ بَدَّلْنَا مَكَانَ السَّيِّئَةِ الْحَسَنَةَ حَتَّى عَفَوْا

أمطار غزيرة، دخل وفير، غلاّت كبيرة، رفاه، بيوت، سفر، فنادق، نساء كاسيات عاريات، حفلات مختلطة، ولائم : 

﴿ثُمَّ بَدَّلْنَا مَكَانَ السَّيِّئَةِ الْحَسَنَةَ حَتَّى عَفَوْا﴾ فهموا الدنيا هكذا، يوم لك ويوم عليك، فهموا الدنيا أنها للقوي، للذكي، لمن يملك المال، الجنة في الدنيا للأقوياء، لأصحاب الأموال، أنت قوي، إذاً: أنت على حق، الحق للقوة .

قال تعالى :﴿ثُمَّ بَدَّلْنَا مَكَانَ السَّيِّئَةِ الْحَسَنَةَ حَتَّى عَفَوْا وَقَالُوا قَدْ مَسَّ آبَاءَنَا الضَّرَّاءُ وَالسَّرَّاءُ﴾

2 – وَقَالُوا قَدْ مَسَّ آبَاءَنَا الضَّرَّاءُ وَالسَّرَّاء

هذه طبيعة الحياة، وأحيانا الإنسان يرفض أن يكون التأديب الإلهي تأديباً إلهياً، يراه حظاً سيئاً، يقول لك: قلب لي الدهر ظهر المِجَنّ، القدر سخر مني، هذا كلام لا معنى له . 

﴿قَدْ مَسَّ آبَاءَنَا الضَّرَّاءُ وَالسَّرَّاءُ﴾ هذه المرحلة الثالثة، الإكرام الاستدراجي، وأكمل موقف فيه الشكر لله عز وجل .

يعني عشرين مليون رأس غنم يُطلَق عليها الرصاص في بلد مشهور لتصدير الأغنام حفاظاً على السعر المرتفع، والشعوب تموت من الجوع ! أحياناً تُتلَف محاصيل الحمضيات بألوف الأطنان حفاظاً على السعر المرتفع! أحياناً تُتلَف مشتقات الحليب بحجم يساوي أهرامات مصر، حفاظاً على السعر المرتفع، والشعوب تموت من الجوع! 

﴿ثُمَّ بَدَّلْنَا مَكَانَ السَّيِّئَةِ الْحَسَنَةَ حَتَّى عَفَوْا﴾ أيْ: وسّع الله عليهم في الدنيا، هذا اسمه استدراج، أخطر شيء الاستدراج، إذا رأيت الله يتابع نعمه عليك، وأنت تعصيه فاحذره، فإنّ مطبًا كبيرًا أمامك. 

﴿ثُمَّ بَدَّلْنَا مَكَانَ السَّيِّئَةِ الْحَسَنَةَ حَتَّى عَفَوْا وَقَالُوا قَدْ مَسَّ آبَاءَنَا الضَّرَّاءُ وَالسَّرَّاءُ﴾ هذا شيء طبيعي، والحياة هكذا، وقد يرفض الإنسان البعيد عن الله أن يعدّ المصيبة من الله تأديباً له، بل يقول: هذا حظي، هكذا الدنيا، حينما ترفض ما جاء به القرآن .

﴿ أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُم مُّصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُم مِّثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّىٰ هَٰذَا ۖ قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنفُسِكُمْ ۗ إِنَّ اللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (165)﴾

[ سورة آل عمران ]

الله قال: ﴿قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ﴾

﴿  وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ(30)  ﴾

[  سورة الشورى  ]

3 – فَأَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ

﴿قَدْ مَسَّ آبَاءَنَا الضَّرَّاءُ وَالسَّرَّاءُ فَأَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً﴾ فجأة، تجد يقول لك: أعاصير سببت خسائر ثلاثين مليار دولار، حرائق غابات، جفاف أحرق الأخضر واليابس : 

﴿فَأَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ﴾ في المرحلة الثالثة كان من الممكن أن يشكروا ربهم على هذه النعم، لكنهم جحدوا بها، وكفروها .

﴿ قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَىٰ عِلْمٍ عِندِي ۚ أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَهْلَكَ مِن قَبْلِهِ مِنَ الْقُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعًا ۚ وَلَا يُسْأَلُ عَن ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ (78) ﴾

[  سورة القصص  ]

لا يعزو الفضل إلى الله أبداً، يعزو الفضل إلى نفسه ﴿فَأَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ﴾ .

أيها الإخوة، ثم يقول الله عز وجل :

﴿  وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ(96)﴾

[  سورة الأعراف  ]

طبعاً قبل أن نتابع هناك آية متعلقة بهذا الموضوع، هنا الآية : 

﴿ثُمَّ بَدَّلْنَا مَكَانَ السَّيِّئَةِ الْحَسَنَةَ حَتَّى عَفَوْا وَقَالُوا قَدْ مَسَّ آبَاءَنَا الضَّرَّاءُ وَالسَّرَّاءُ فَأَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ﴾ في آية أخرى :

﴿ فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّىٰ إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُم بَغْتَةً فَإِذَا هُم مُّبْلِسُونَ (44)﴾

[  سورة الأنعام  ]


وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا 


1 – الإيمان والتقوى سببان لـ : بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ :

الآن : 

﴿وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا﴾ ما قال آمنوا، نحن الآن والحمد لله مؤمنون، لكن بعضنا لا يتقي الله عز وجل ﴿آمَنُوا وَاتَّقَوْا﴾

﴿وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ﴾ هل من آية أوضح من هذه الآية؟ آمن واتقِ، هل تصدقون أن حل مشكلات العالم الإسلامي بكلمتين في آية .

﴿ إِن تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِن تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِهَا ۖ وَإِن تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا ۗ إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ (120) ﴾

[  سورة آل عمران  ]

﴿  وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِنْدَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الجِبَالُ(46) فَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ(47)  ﴾

[  سورة إبراهيم  ]

﴿وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً﴾ انتهى كل شيء . 

﴿وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ﴾ سؤال: إذا شرد الناس عن الله، وأنت واحد، ما علاقتك بهذا الموضوع؟ اسمع إلى هذا الجواب: عظمة هذا الدين أنه للمجموع، لكن لو أن الفرد وحده طبقه لقطف ثماره، وله معاملة خاصة. دققوا في كلامي: الناس شردوا عن الله، لم يستجيبوا له، لا تنظروا إلى هذا الجمع الغفير، رواد المساجد في الشام مجتمعين يوم الجمعة، في كل مساجدها، لا يزيدون عن 500 ألف إنساناً، سكان دمشق 5 ملايين ونصف مليون، أي العشر، المجموع في شرود عن الله عز وجل .


المستقيم في زمن الشاردين له معاملة خاصة :


لو أن الناس شردوا، لم يستجيبوا، غارقون في شهواتهم، في كسب الأموال الحرام، في الاعتداء على الأعراض، في الانغماس في المتع الرخيصة، وأنت واحد، لو طبقت منهج الله فلك من الله معاملة خاصة .

أطمئنك أيها الشاب، هناك فساد عام صحيح، لكن الله عز وجل لا يأخذ واحداً بذنب غيرِه .

﴿ وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىٰ ۚ وَإِن تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلَىٰ حِمْلِهَا لَا يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَىٰ ۗ إِنَّمَا تُنذِرُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُم بِالْغَيْبِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ ۚ وَمَن تَزَكَّىٰ فَإِنَّمَا يَتَزَكَّىٰ لِنَفْسِهِ ۚ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ (18) ﴾

[  سورة فاطر ]

أنت مستقيم، لك حفظ من الله، لك مستقبل مريح، لك زوجة تسعدك إن شاء الله، لك بيت يؤويك، لك دخل يكفيك، لك سمعة طيبة .

﴿  إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ(30) نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ(31) نُزُلاً مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ(32) ﴾

[  سورة فصلت  ]

لك معاملة خاصة .

﴿ ذَٰلِكَ جَزَيْنَاهُم بِمَا كَفَرُوا ۖ وَهَلْ نُجَازِي إِلَّا الْكَفُورَ (17) ﴾

[  سورة سبأ  ]

﴿  فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ(7) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ(8)﴾

[  سورة الزلزلة  ]

أعرابي قال للنبي الكريم: يا رسول الله عظني ولا تطل، فتلا عليه هذه الآية، قال: كُفيت، تكفيك هذه الآية: ﴿فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ﴾ ﴿وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ﴾


وعودٌ ربّانية عظيمة للمتقين :


﴿وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ﴾ أنا أخاطب الشباب، أنا أعلم علم اليقين أن كل شاب منكم بحاجة ماسة إلى عمل، وإلى بيت، وإلى زوجة، أليس كذلك؟ كل شاب منكم بحاجة إلى عمل يدرُّ عليه مبلغاً يغطي حاجاته، وإلى بيت يسكنه، وإلى زوجة يسعد بها، الحل ـ دقق ـ أقسم لكم بالله العظيم لزوالُ الكون أهون على الله من ألا تُحقَّق هذه الآية .

﴿ فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِّنكُمْ وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ ۚ ذَٰلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ مَن كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ۚ وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا (2) ﴾

[  سورة الطلاق  ]

إله، أنا أعتمد على كلام الإله، كلام الإله هو أكبر ضمان لكم .

﴿  أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كَانَ فَاسِقاً لَا يَسْتَوُونَ(18)  ﴾

[  سورة السجدة  ]

دققوا :

﴿ أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ(21) ﴾

[  سورة جاثية  ]

هذا ظنك بالله عز وجل؟ شاب مؤمن، مستقيم، عفيف، يغض بصره، يضبط لسانه، يخدم الناس، دخله حلال، يؤدي صلواته كاملة، هل هذا يعامَل كما يعامَل إنسان فاسق؟ هل هذا ظنك بالله عز وجل ؟ ﴿أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كَانَ فَاسِقاً لَا يَسْتَوُونَ﴾ .

﴿  أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ(35) مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ(36)﴾  

[  سورة القلم  ]

﴿ أَفَمَن وَعَدْنَاهُ وَعْدًا حَسَنًا فَهُوَ لَاقِيهِ كَمَن مَّتَّعْنَاهُ مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ هُوَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنَ الْمُحْضَرِينَ (61)﴾

[  سورة القصص  ]

أما الآية الدقيقة جداً : 

﴿أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ﴾ دعك من الآخرة، الآخرة حق، في الدنيا، وأنت في الدنيا، شاب مؤمن، له زوجة صالحة إن شاء الله، له دخل يغطي حاجاته، له بيت يؤويه، له سمعة طيبة، يسعده الله عز وجل، هذه الآية شعار كل شاب: ﴿أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ﴾ تفاءلوا، والله مع الإيمان بالله لا ألم، ولا هم، ولا حزن، ولا قلق، ولا يأس، ولا إحباط، الإحباط الذي يعم المسلمين من ضعف إيمانهم، الله موجود، وما سلّمك إلى أحد، كيف يقول لك: اعبدني ؟ وأمْرُنا بيد آخر؟ هذا مستحيل!

﴿ وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ ۚ وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (123)﴾

[  سورة هود  ]

أنا متحرّق على شاب مؤمن بالله، علاقته مع الله طيبة، يتقي الله، يضبط جوارحه، يضبط يده، يضبط حركته، يضبط دخله، يسعى لمرضاة الله، له جامع يؤويه، له مرجع ديني يستشيره، يحب أن يخدم أمته، هذا الشاب والله لزوال الكون أهون على الله مِن ألاّ يرى نتيجة عمله توفيقًا في الدنيا.

﴿ قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِن كُنتُ عَلَىٰ بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّي وَرَزَقَنِي مِنْهُ رِزْقًا حَسَنًا ۚ وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَىٰ مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ ۚ إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ ۚ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ ۚ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ (88) ﴾

[ سورة هود ]

هذه آية وحيدة بالقرآن، لا ينجح شيء في الأرض إلا بتوفيق الله :

﴿وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ﴾ كما قدمت قبل قليل: لو أن شاباً واحداً آمن واتقى، لا أهل القرى، لو أن شاباً واحداً آمن واتقى لفتح الله عليه خير الدنيا والآخرة، لأنه لا إله إلا الله، لا رافع، ولا خافض، ولا معز، ولا مذل، ولا معطي، ولا مانع إلا الله . 

﴿وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ﴾ .

2 – وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ 

سألوا مرة تيمور لنك، من أنت؟ طاغية كبير، أجاب إجابة توحيدية، قال: أنا غضب الرب، إنسان يغضب فيرفع صوته، يدفع الباب بعنف، إذا غضب رب الأرباب يبعث تيمور لنك، هذا غضب الرب .

لذلك ورد في الآثار القدسية : 

(( أنا مالك الملوك وملك الملوك قلوب الملوك بيدي ، وإن العباد إذا أطاعوني حولت قلوب ملوكهم عليهم بالرأفة والرحمة ، وإن العباد إذا عصوني حولتها عليهم بالسخط والنقمة فلا تشغلوا أنفسكم بسب الملوك ، وادعوا لهم بالصلاح ، فإن صلاحهم بصلاحكم ))

[  أخرجه الطبراني عن أبي الدرداء وهو ضعيف جداً ]

مرة الحجاج كما يروى سأل إنساناً ليحرجه، قال له: بمَ تقيم الحجاج؟ إذا قال له: مؤمن كبير، يقول له: أنت أكبر منافق، إذا قال له: أنت مجرم يقتله، ماذا يقول له؟ قال له: ذنوبنا تجسدت بالحجاج، أنت ذنوبنا .

يروى أن بالجزائر فيما أذكر بعدما احتُلت، وقف قائد كبير فرنسي جاء بعالم مشهور له بالصلاح، قال له في قرآنكم :

﴿ الَّذِينَ يَتَرَبَّصُونَ بِكُمْ فَإِن كَانَ لَكُمْ فَتْحٌ مِّنَ اللَّهِ قَالُوا أَلَمْ نَكُن مَّعَكُمْ وَإِن كَانَ لِلْكَافِرِينَ نَصِيبٌ قَالُوا أَلَمْ نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ وَنَمْنَعْكُم مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ ۚ فَاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ۗ وَلَن يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا (141)﴾

[  سورة النساء  ]

قال له: ها نحن لنا عليكم ألف سبيل وسبيل، أين الآية؟ قال له: صدق الله العظيم، نحن قصّرنا مع ربنا، فكنت أنت العلاج، هذا الواقع .

أيها الإخوة، أرجو الله سبحانه وتعالى في درس قادم أن نتابع هذه الآيات .

والحمد لله رب العالمين 

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم أعطنا ولا تحرمنا، أكرمنا ولا تهنا، آثرنا ولا تؤثر علينا، أرضِنا وارضَ عنا، وصلى الله على سيدنا محمد النبي الأمي وعلى آله وصحبه وسلم، والحمد لله رب العالمين.

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

اللغات المتوافرة

إخفاء الصور