وضع داكن
24-04-2024
Logo
سبل الوصول - الدرس : 14 - يجب أن يكون المسلم مرآة مستوية يعكس كل فضيلة من خلال أخيه المسلم
رابط إضافي لمشاهدة الفيديو اضغط هنا
×
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم، إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات.

 

علة خيرية هذه الأمة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر :

أيها الأخوة الكرام، لا زلنا في موضوع الأخوة الإيمانية كوسيلةٍ من وسائل سبل الوصول وعلامات القبول، بادئ ذي بدء الله عز وجل حينما قال:

﴿ كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ ﴾

[ سورة آل عمران الآية: 110 ]

آيةٌ رائعة، لكن البطولة أن تتابع هذه الآية:

﴿ كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ ﴾

[ سورة آل عمران الآية: 110 ]

قال بعض العلماء: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هو الفريضة السادسة، فإن لم نأمر بالمعروف ولم ننهَ عن المنكر فقدنا خيريتنا، علة خيريتنا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فإن لم نأمر بالمعروف ولم ننهَ عن المنكر فقدنا خيريتنا كأمة، وأصبحنا أمةً كأية أمة لا وزن لنا عند لله تعالى، لذلك قال عليه الصلاة والسلام:

(( كيف بكم إذا لمْ تأمروا بالمعروفِ ولم تَنْهَوْا عن المنكر؟ قالوا: يا رسول الله وإنَّ ذلك لكائن؟ قال: نعم، وأشدُ، كيف بكم إذا أمرتُم بالمنكر، ونهيُتم عن المعروف؟ قالوا: يا رسول الله وإنَّ ذلك لكائن؟ قال: نعم، وأَشدُّ كيف بكم إذا رأيتُمُ المعروفَ منكرا والمنكرَ معروفا ))

[ أخرجه زيادات رزين عن علي بن أبي طالب ]

إذا أصبح المعروف منكراً والمنكر معروفاً انتهت هذه الأمة.

 

التناصح أساس الأخوة الإيمانية :

فيأيها الأخوة الكرام، تقتضي الأخوة الإيمانية التناصح، لذلك يقول عليه الصلاة والسلام في حديثٍ رائع:

(( المؤمن مرآة المؤمن ))

[ أخرجه الطبراني والبزار عن أنس بن مالك ]

هذا الحديث له أبعادٌ كثيرة في العلاقة بين المؤمنين، فالمؤمن مرآةٌ تريه محاسن أخيه ومعايبه، الآن إذا شخص وجهه جميل جداً نظر في المرآة يرى جماله في المرآة، ولا سمح الله إذا فيه عاهة أيضاً هذه المرآة تريه العاهة، فالمرآة تريه المحاسن والمساوئ، قال عليه الصلاة والسلام:

(( المؤمن مرآة المؤمن ))

لكن هذه المرآة تري المحاسن وتري المساوئ من دون ضجيج، من دون صخب، من دون فضائح، من دون شماتة، من دون تشهير، هي صامتة، لكنها تريك المحاسن والمساوئ، لذلك المرآة تظهر العيوب من دون صخب، من دون ضجيج، من دون فضائح، وأنت أيها المؤمن ينبغي أن تكون مرآة أخيك، ينبغي أن تريه الأخطاء من دون صخب بينك وبينه، النصيحة أمام الملأ فضيحة، بينما النصيحة بينك وبين أخيك جزءٌ من الدين.

(( الدِّينُ النصيحة ))

[ أخرجه الترمذي، عن أبي هريرة ]

لكن بينك وبينه، إن كنت مخلصاً لا تنصحه أبداً أمام الملأ، إن أردت أن تطبق هذه العبادة ينبغي أن تنصحه فيما بينك وبينه، كالمرآة تريك المحاسن والمساوئ من دون صخب، من دون ضجيج، من دون فضائح، من دون مشكلات.

 

على المؤمن أن ينصح أخاه بألطف عبارة من دون صخب أو ضجيج :

أيها الأخوة، التوجيه الأول من هذا الحديث: انصح أخاك بينك وبينه بألطف عبارة، أي:

﴿ ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ ﴾

[ سورة النحل الآية: 125 ]

الموعظة الحسنة، من أمر بمعروف فليكن أمره بمعروف، ومن نهى عن منكر فليكن نهيه من دون منكر، بألطف عبارة، والمنهج: 

﴿اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ ﴾ 

[ سورة طه الآية: 43 ]

فرعون قال:

﴿ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى ﴾

[ سورة النازعات ]

فرعون قال:

﴿مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي ﴾

[ سورة القصص الآية: 38 ]

هذا الذي قال:

﴿ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى ﴾

هذا الذي قال:

﴿ مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي ﴾

هذا فرعون، فقال الله عز وجل:

﴿ اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى * فَقُولَا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً ﴾

[ سورة طه الآية: 43 -44 ]

إذا كان خالق السماوات والأرض يأمر نبيه وهو من أولي العزم أن يقول لفرعون قولاً ليناً، فلِمَ الغلظة يا أخي؟ لِمَ القسوة؟ قال تعالى:

﴿ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ ﴾

[ سورة فصلت ]

علامة إيمان المرء أنه مرآة لأخيه ينصحه دون تهويل أو تشهير :

الآن إذاً أنت كمؤمن أنت مرآة أخيك، ينبغي أن تنصحه من دون فضيحة، من دون صخب، من دون تهويل، من دون تشهير، اعكس له بعض الثغرات في سلوكه بصمت لأنك مرآة أخيك، علامة إيمانك أنك مرآة أخيك.
أحياناً أضرب هذا المثل كثيراً: تأتي إلى بيتك ابنة أخيك، ترتدي أفضح الثياب، أضيق الثياب، تستقبلها، وترحب بها، وتسألها عن أبيها، وعن أمها، تثني على جمالها، تثني على شبابها، لكن ألم يخطر في بالك أن تنصحها، أنت عمها، يا بنيتي أنت شابة مؤمنة مسلمة، هذه الثياب تتناقض مع دينك واستقامتك.
فحينما يكف الناس عن التناصح عند الله ينتهون، لأن الله أهلك بني إسرائيل لأنهم كانوا لا يتناهون عن منكرٍ فعلوه، وعندما تحل المجاملة، والتلطف، والترحيب، محل التناصح انتهينا عند الله.

(( المؤمن مرآة المؤمن ))

لكن من دون صخب، من دون ضجيج، من دون فضيحة، من دون تشهير، كيف أن المرآة تريك المعايب بصمت، وتريك المحاسن بصمت، كن أيها المؤمن كما قال عليه الصلاة والسلام:

(( المؤمن مرآة المؤمن ))

من علامات الإيمان أن يبرز المؤمن محاسن أخيه :

النقطة الدقيقة هذه المرآة ليست مصممة للعيوب هي حيادية، تريك العيوب والمحاسن، لماذا ترى المحاسن فتسكت؟ لماذا ترى الفضائل فتسكت؟ لماذا لا تبرز المحاسن أيضاً؟ فلذلك من علامات الإيمان أن تبرز محاسن أخيك.

(( اذكروا محاسِنَ موتاكم ))

[ أخرجه أبو داود والترمذي عن عبد الله بن عمر ]

اذكر محاسن أخيك لأنك مرآة، فكما كأنها تعكس العيوب ينبغي أن تعكس الفضائل، اذكر أخيك أمام الناس، ادعمه، ادعم الحق، كان عليه الصلاة والسلام يُحسن الحسن ويصوبه، ويُقبح القبيح ويوهنه، كما أنك مكلفٌ أن تنقل لأخيك بعض العيوب بأدب، برقة، بلطف، إن رأيت فيه فضلاً، 

كرماً، عطاءً، ورعاً، شجاعةً، أبرز هذه من أجل التواصل.
أيها الأخوة الكرام، هناك من يعتم على من حوله، كان عليه الصلاة والسلام يقول:

(( لو كانَ بعدي نبيّ لكانَ عمرَ بن الخطاب ))

[ أخرجه الترمذي عن عقبة بن عامر ]

((إن أبا بكر لم يسؤني قط))

[ الطبراني عن سهل]

(( أمين هذه الأمة أبو عبيدة بن الجراح ))

[ أخرجه ابن حبان والحاكم عن أنس بن مالك ]

(( خالد بن الوليد سيف من سيوف الله ))

[ أخرجه الحاكم عن أنس بن مالك ]

مع أنه سيد الخلق وحبيب الحق، مع أنه شمس، مع ذلك لم يكن يعتم على أحدٍ حوله، أبرز المحاسن، اذكر أخاك بخير، له عمل طيب، مستقيم، اذكر استقامته، ورع اذكر ورعه، متمسك بمنهج لله عز وجل أثني على تمسكه، لأنك مرآة، كما أن المرآة تريك العيوب أيضاً تريك المحاسن، وأنت مؤمن.

من أراد أن ينصح الآخرين فليذكر مع النصيحة الإيجابيات :

أيها الأخوة الكرام، يمكن عن طريق إظهار محاسن أخيك وأمام الملأ أن تزداد المودة بين المؤمنين، النبي عليه الصلاة والسلام كان يصلي مع أصحابه، دخل صحابي من شدة حرصه على إدراك ركعةٍ مع النبي أحدث في المسجد ضجيجاً، فلما انتهى النبي من الصلاة ماذا قال له؟ قال له:

(( زادك الله حرصاً ولا تعُدْ ))

[ أخرجه البخاري وأبو داود والنسائي عن أبي بكرة ]

أي أثنى على حرصه مع أنه أخطأ، فكان عليه الصلاة والسلام إذا أراد أن ينصح يذكر مع النصيحة الإيجابيات، أنت مدير مؤسسة، مدير جامعة، مدير مدرسة، مدير مستشفى، عندك موظف يتأخر، لكنك موقن أنه مستقيم، ينبغي أن تثني على استقامته أولاً ثم أن تلفت نظره إلى خطئه، عود نفسك مع ابنك، مع من حولك، مع من فوقك، أظهر المحاسن أولاً، ثم اذكر بعض العيوب من أجل إصلاحها، والنية إصلاح، لأنه إذا سكتنا جميعنا يبقى الخطأ خطأ، نحن علة خيريتنا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
لذلك من أمر بمعروف فليكن أمره بمعروف، ومن نهى عن منكر فليكن نهيه من دون منكر، إلا إذا غلب على ظنك أن إنكار المنكر ينتج عنه منكرٌ أكبر، عندئذٍ تمسك بقول سيدنا عمر: "ليس بخيركم من عرف الخير، ولا من عرف الشر، ولكن من عرف الشريَّن، وفرق بينهما واختار أهونهما".

 

الموضوعية قيمةٌ من قيم العلم والأخلاق :


أيها الأخوة، هناك نقطة دقيقة أنت حينما تظهر المحاسن بشكل موضوعي، وحينما تلفت النظر بأدبٍ جم بينك وبين أخيك للمساوئ بشكل موضوعي، أنت عالم، وأنت أخلاقي، لأن الموضوعية قيمة، قيمةٌ من قيم العلم، وقيمةٌ من قيم الأخلاق، ولا يلتقي العلم والأخلاق إلا بهذه القيمة، أي أنت أخلاقي إذا كنت موضوعياً، وأنت أخلاقي وأنت عالمٌ إذا كنت موضوعياً، فقيمة الموضوعية أن تذكر الشيء من دون زيادة ومن دون نقصان.
لذلك النبي عليه الصلاة والسلام استعاذ بالله من جار سوء، إن رأى خيراً كتمه، وإن رأى شراً أذاعه، واستعاذ بالله من إمام السوء، إن أحسنت لم يقبل، وإن أسأت لم يغفر، فإنك مرآة أخيك، يجب أن تريه المحاسن بشكل موضوعي، وأن تريه المساوئ بشكل موضوعي، أي أن تريه المساوئ بينك وبينه، و تريه المحاسن أمام الملأ، لذلك يقول عليه الصلاة والسلام:

(( لا يَفْرَكْ مؤمن مؤمنة، إِن كَرِه منها خُلُقاً رضي منها آخَرَ ))

[ أخرجه مسلم عن أبي هريرة ]

أحد ملوك الأندلس يمشي في حديقته، رأى بركة ماء، جاء الريح عليها فجعلها كالزرد، قال: نسج الريح على الماء زرد، لم يتمكن من إكمال البيت، وراءه جارية قالت له: يا له درعاً منيعاً لو جمد، أُعجب بها وبشعرها فتزوجها، هي جارية أكرمها إكراماً ما بعده إكرام، مرة اشتهت حياة التقشف، اشتهت أن تمشي في الطين كما كانت في السابق، فجاء لها بالمسك والعنبر وجبله بماء الورد وقال: هذا هو الطين، بعدئذٍ عزل من منصبه ودخل السجن، وساءت أحواله، فقالت له مرةً: ما رأيت منك خيراً قط، قال لها: ولا يوم الطين؟ هناك إنسان ينسى الفضل، قال لها: ولا يوم الطين؟.

 

على الإنسان ألا يتصدى لنصح الآخرين و فيه عيوب و أخطاء و تقصيرات :


أيها الأخوة، يجب أن تبرز المحاسن والمساوئ، المحاسن أمام الملأ، والمساوئ بينك وبينه، الآن المرآة المطلوبة يجب أن تكون مسطحة، هناك مرآة مقعرة تكبر العيوب، لا تكبر العيوب، أعطِ العيب حجمه الحقيقي، وهناك مرآة محدبة ما دام هناك مصلحة تصغر العيوب، يجب أن تكون المرآة مسطحة لا تكبر ولا تصغر، لا تبالغ ولا تختصر، إذا ارتكب الخطأ إنسان لك معه مصلحة فالخطأ لا يذكر إطلاقاً، وإذا ارتكب إنسان آخر ليس لك عنده مصلحة تكبر هذا الخطأ حتى تخرجه من الدين، الموقفان لا يليقان بالمؤمن، لا تكن مرآةً مقعرة تكبر ولا مرآة محدبة تصغر.
أيها الأخوة، لكن النقطة الدقيقة أن المرآة لا تعكس العيوب ولا المحاسن إلا إذا كانت نظيفةً صافية، إذا كان لك أخطاء كثيرة فاسكت، أصلح خطأك أولاً، ما دام هناك أخطاء، و عيوب، و تقصيرات، إياك أن تتصدى للنصح، عندئذٍ يتطاول الناس عليك، يقولون لك: يا طبيب طبب نفسك، لا يمكن للمرآة أن تعكس الفضائل والمساوئ إلا إذا كانت نظيفة، صقيلة، ملمعة، لذلك طوبى لمن شغله عيبه عن عيوب الناس:

(( من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه ))

[ أخرجه الترمذي ومالك عن أبي هريرة ]

اهتم بنفسك، اهتم باستقامتك، اهتم بإصلاح عيوبك، اهتم بسد الثغرات في شخصيتك.

 

من كان منضبطاً كانت نصيحته أبلغ و أفضل :


لذلك أيها الأخوة، لذلك كلما كنت منضبطاً أكثر جاءت نصيحتك أبلغ، أما إذا لم تكن مطبقاً لما تقول تضعضعت، الآن هذه المرآة تعكس العيوب والمحاسن ولا تبالي من أمامها، أما المؤمن إذا أبرز عيوب الضعفاء، وسكت عن عيوب الأقوياء، لا يكون مرآة صادقة، المرآة تعكس عيوب الكبراء والصغراء، الكبير والصغير، القوي والضعيف، الغني والفقير، أما حينما يتعامى الناس عن أخطاء الغني، وعن أخطاء القوي، ويبرزون بحقدٍ أخطاء الضعيف والفقير ليسوا مرآةً صافية، لذلك:

(( إنما هلك الذين من قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد، و أيم الله لو كانت فاطمة بنت محمد لقطعت يدها ))

[ أخرجه الطبراني عن أم سلمة أم المؤمنين ]

كن مرآةً تعكس الفضائل وتعكس المعايب، المعايب بينك وبين أخيك والفضائل أمام الملأ، كن مرآةً مستويةً ليست مقعرةً وليست محدبة، الآن كن مرآةً نظيفةً من أجل أن تعكس الوضع بشكلٍ موضوعي، الآن المرآة ينبغي أن تعكس العيوب ولا تبالي من أمامها، أنت إما أن تأخذ موقف النصح تنصح الكبير والصغير، والقوي والضعيف، والغني والفقير، أو اسكت، أما أن تعتدي على الضعيف، أن تستضعف إنساناً، تقسو عليه بالنصيحة، ليس هذا من شيم المؤمنين.
أيها الأخوة الكرام، الحديث الشريف:

(( إنما هلك الذين من قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد، و أيم الله لو كانت فاطمة بنت محمد لقطعت يدها ))

[ أخرجه الطبراني عن أم سلمة أم المؤمنين ]

ما لم يطبق الحد على كل الناس، ما لم تطبق القواعد على كل الناس، فعندئذٍ يقع الخلل الخطير.

 

المؤمن لا يحقد بل ينصح و لا يفضح :

أيها الأخوة، المرآة تؤدي واجبها ولا تنتظر مغنماً ولا مغرماً، وأنت إن أردت أن تكون مرآة أخيك انصحه من دون أن تنتظر منه شيئاً، انصحه لوجه الله.
لذلك العمل إذا كان مربوط بمكسب مادي اختلف الوضع، أما إذا كان العمل لوجه الله خالصاً، لا ترجو ثواباً ولا عقاباً تكون هذه مرآة صادقة، فلنقرأ هذا التشبيه الرائع من النبي الكريم:

(( المؤمن مرآة المؤمن ))

وفي رواية: مرآة أخيه، أي مؤمن ينصح ولا يسكت، ينصح ولا يفضح، يثني على الخير ويرشد إلى الخطأ، الآن هذه المرآة لو كسرتها تبقى مرآة، ينصح في حال القوة وفي حال الضعف، في حال أن النصيحة أجادت أو لم تجدِ، مع أنك كسرتها تبقى تريك الشيء الحسن حسناً، والشيء السيئ سيئاَ.
أيها الأخوة، سيدنا عمر لما رأى أحد الأشخاص قد علق على عاتقه سيفاً قال : هذا عمير بن وهب جاء يريد شراً، فقد كان عمير جالساً مع صفوان بن أمية، قال: يا صفوان لولا ديونٌ لزمتني ما أطيق سدادها، ولولا أطفالٌ صغار أخشى عليهم العنت من بعدي، لذهبت وقتلت محمداً وأرحتكم منه، فقال له صفوان: ديونك عليّ بلغت ما بلغت، وأولادك أولادي مهما كبروا، فاذهب لما أردت، فسقى سيفه سماً، وركب ناقته، وتوجه إلى المدينة، تحت غطاء أن يفدي ابنه، ابنه كان أسيراً، فلما وصل إلى المدينة رآه سيدنا عمر، قال: هذا عدو الله عمير جاء يريد شراً، فقيده بحمالة سيفه وساقه إلى النبي، النبي عليه الصلاة والسلام قال لسيدنا عمر: أطلقه يا عمر، فأطلقه، ثم قال له: ابتعد عنه، فابتعد عنه، قال له: ادنُ مني، فاقترب منه، قال له: سلم علينا، فقال له: عمت صباحاً، قال له: قل: السلام عليكم، قال له: هذا سلامنا ليس عندنا غيره بغلظة، قال له: ما الذي جاء بك إلينا؟ قال: جئت أفدي ابني، قال له: وهذه السيف التي على عاتقك، قال له: قاتلها الله من سيوف، وهل نفعتنا يوم بدر؟ قال له: ألم تقل لولا ديونٌ لزمتني ما أطيق سدادها، ولولا أطفالٌ أخشى عليهم العنت من بعدي لذهبت وقتلت محمداً وأرحتكم منه؟ قال له: أشهد أنك لرسول الله، لأن هذا الذي جرى بيني وبين صفوان لا يعلمه إلا الله وأنت رسول الله وأسلم، الشاهد ليس هنا، الشاهد يقول سيدنا عمر: دخل عمير على رسول الله والخنزير أحبّ إليّ منه، وخرج من عنده وهو أقرب إليّ من بعض أولادي.
المؤمن لا يحقد، هذه المرآة أظهرت العيب، فلما ابتعد عنها صاحب العيب لا يوجد شيء بالقلب، لا يوجد حقد، ولا غيبة، ولا نميمة، أنت رأيت عيباً وأظهرته بنية الإصلاح وانتهى الأمر، فالمؤمن لا يحقد، فكما أن سيدنا عمر قال: دخل على رسول الله والخنزير أحبّ إليّ منه وخرج من عنده وهو أحب إليّ من بعض أولادي، هكذا المؤمن.

 

الله عز وجل وحده مطلعٌ على السرائر :

أيها الأخوة، هناك شيء ثان: المرآة تظهر العيب الظاهر، لكن المرآة لا تقول: نيته ليست جيدة، لا تعلم ذلك، فكل شيء متعلق بالنوايا، وأنا أنصح الأخوة الكرام بالبعد عن ذلك، هذا ليس من شأنك، هذا من شأن الله وحده، الله عز وجل مطلعٌ على السرائر، أما أنت تنصب نفسك مكان الإله، وتحكم على الأشخاص بغير علم، فهذا خطأ كبير.
أنا أحاول أن أبين خصائص المرآة، وماذا يمكن أن يكون المؤمن من خلالها، يجب أن تظهر المحاسن والمعايب، المحاسن أمام الملأ، والمعايب فيما بينك وبينه، يجب أن تكون حيادياً، يجب ألا تكون مرآة مقعرة أو محدبة تخفف أو تبالغ في العيوب، هذه كلها من خصائص المؤمن، فعلاقتك بأخيك المؤمن علاقة مقدسة، تحكمها هذه المرآة، فأنت كلما درست خصائصها، وتعمقت في ميزاتها، اكتشفت أنك تقدم لأخيك خدمةً كبيرة إذا كنت مرآةً له.

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور