وضع داكن
25-04-2024
Logo
الدرس : 28 - سورة الأنفال - تفسير الآيات 69 - 72 ، طاعة الله ورسوله
رابط إضافي لمشاهدة الفيديو اضغط هنا
×
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمدٍ الصادق الوعد الأمين ، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم ، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات .

 

ما من شهوة أودعها الله في الإنسان إلا جعل لها قناة نظيفة تسري خلالها :


أيها الإخوة الكرام ؛ مع الدرس الثامن والعشرين من دروس سورة الأنفال ، ومع الآية التاسعة والستين ، وهي قوله تعالى :

﴿ فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلَالاً طَيِّباً وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (69) ﴾

أيها الإخوة ، الله سبحانه وتعالى أودع في الإنسان الشهوات ، والحقيقة التي أكررها كثيراً أنه ما من شهوة أودعها الله في الإنسان إلا جعل لها قناة نظيفة تسري خلالها ، أودع فينا حب المرأة : 

﴿ زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ (14)﴾

[ سورة آل عمران ]

هذه الشهوات لها قنوات نظيفة ، أودع فينا حب المرأة ، وشرع لنا الزواج ، أودع فينا حب المال ، وشرع لنا الكسب المشروع ، فهذه الغنائم التي تؤخذ في الحرب مال حلال ، لكن الآية تلفت نظرنا إلى أن يتقي الإنسان ربه في إنفاق المال .

 

الطرق إلى الله لا تعد ولا تحصى :


المال له سؤالان : كيف اكتسبته ؟ وكيف أنفقته ؟ والمال قوة ، والله عز وجل يريدنا أن نكون أقوياء في الدنيا ، لأن النبي عليه الصلاة والسلام يقول : 

(( عن أبي هريرة رضي الله عنه  ، قال عليه الصلاة والسلام : المؤمنُ القويُّ خيرٌ وأحبُّ إلى اللهِ من المؤمنِ الضعيفِ وفي كلٍ خيرٌ . ))

[ أخرجه مسلم ]

فإذا كان طريق القوة - كلمة عامة - المال قوة ، والعلم قوة ، والمنصب قوة ، صاحب المنصب الرفيع بجرة قلم يحق حقاً ، أو يبطل باطلاً ، بتوقيع يقر معروفاً ، أو يزيل منكراً ، وصاحب المال الوفير بإمكانه أن يعمل أعمالاً صالحة لا تعد ولا تحصى ، بإمكانه أن يعالج المرضى ، بإمكانه أن يزوج الشباب ، بإمكانه أن ينشئ الجمعيات ، والمؤسسات ، كما قال ابن القيم : "الطرائق إلى الخالق بعدد أنفاس الخلائق" ، الحقيقة الدينية واحدة ، أما الطرق إلى الله لا تعد ولا تحصى فدائماً وأبداً : 

(( عن أبي هريرة رضي الله عنه ، قال عليه الصلاة والسلام : المؤمنُ القويُّ خيرٌ وأحبُّ إلى اللهِ من المؤمنِ الضعيفِ وفي كلٍ خيرٌ . ))

[ أخرجه مسلم ]

السبب : لأن فرص العمل الصالح أمام القوي بعلمه ، أو بماله ، أو بمنصبه ، لا تعد ولا تحصى . 

 

فرص العمل الصالح أمام القوي لا تعد ولا تحصى :


لذلك نستنبط  : إذا كان طريق القوة سالكاً وفق منهج الله يجب أن تكون قوياً ، لكن إذا كان طريق القوة سالكاً على حساب مبادئك ، وعلى حساب قيمك ، فالضعف وسام شرف لك ، هذا منهج ، إذا كان طريق القوة سالكاً وفق منهج الله يجب أن تكون قوياً ، لأن النبي الكريم يخبرك أن : 

(( عن أبي هريرة رضي الله عنه  ، قال عليه الصلاة والسلام : المؤمنُ القويُّ خيرٌ وأحبُّ إلى اللهِ من المؤمنِ الضعيفِ وفي كلٍ خيرٌ . ))

[ أخرجه مسلم ]

لأن فرص العمل الصالح أمام القوي لا تعد ولا تحصى .

سمعت عن إنسان في بلد إفريقي يزيد سكانه عن مئة وتسعين مليوناً ، هناك فقر يفوق حدّ الخيال ، وهناك ثروات لا يعلمها إلا الله ، ثروات لا يعلمها إلا الله ، وفقر لا يعلمه إلا الله ، إنسان من أهل الغنى أراد أن يأخذ أولاد هؤلاء الفقراء الذين يتسولون طوال النهار ، وأن يعلمهم ، وأن يكفي أهلهم ، صدقوا ولا أبالغ في هذا الوقت الصعب هناك أعمال صالحة لا تعد ولا تحصى ، يوجد أعمال متعلقة بالتعليم ، يوجد أعمال متعلقة بالتأهيل المهني ، أعمال متعلقة بالطبابة ، الأعمال الصالحة الموجودة لا تعد ولا تحصى ، فهنا في الآية إشارة : ﴿ فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلَالاً طَيِّباً ﴾ ، معنى ﴿طَيِّباً﴾   أن النفس تطيب بهذا المال .

أنت حينما تصنع طاولة متقنة ، وتأخذ أجرتك حلالاً زلالاً ، هذا المال نعمة ، هذا المال تنفقه على نفسك وعلى أهلك ، وأحد الصحابة الكرام يقول : "حبذا المال أصون به عرضي ، وأتقرب به إلى ربي"

 

الحياة الإنسانية حياة رائعة في ظلّ طاعة الله عز وجل :


وأنتم أيها الشباب حينما تتزوجون إن شاء الله ، وحينما تعملون أعمالاً متقنة ، وحينما تكسبون أموالاً ، هذا المال تنفقه على أهلك ، على أولادك ، تكفيهم ، تمتن علاقتك بهم ، تأخذ بيدهم إلى مبادئ الإسلام ، فالحياة رائعة في طاعة الله ، في الدنيا جنة ، من لم يدخلها لم يدخل جنة الآخرة ، بل إن الآية الكريمة يفهمها بعض العلماء : 

﴿ وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ (46) ﴾

[ سورة الرحمن  ]

جنة في الدنيا ، وجنة في الآخرة ، فالمرأة ، أُودع حبّ المرأة في قلوب البشر ، وأُودع في قلوب النساء حبّ الشباب والرجال ، شهوة مشتركة ، جعل الله لها قناة نظيفة هي الزواج ، المال ؛ أودع الله فينا حب المال ، جعل لنا قناة نظيفة في كسب المال ، وفي إنفاقه .

فهنا الآية التاسعة والستين تشير إلى إنفاق المال ﴿فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلَالاً طَيِّباً ﴾   ، ومرة ثانية  : المال الحلال تطيب النفس به ، والمرأة الحلال تطيب النفس بها ، بعد جهد جهيد حصّلت شهادة عليا ، حصّلت حرفة ، لك دخل ، بحثت على زوجة صالحة ، تسرك إن نظرت إليها ، وتحفظك إذا غبت عنها ، وتطيعك إن أمرتها ، جئت إلى البيت ، رأيت امرأة تحبها وتحبك ، تكرمها وتكرمك ، أنجبت منها أولاداً ملؤوا البيت فرحة وسعادة ، فهذا شيء رائع جداً .

﴿ فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلَالاً طَيِّباً ﴾ فالإنسان قد يقارب أهله ، ويقوم لصلاة الليل ، ويبكي في الصلاة ، لأن الحركة وفق منهج الله .

 

الحلال تطيب النفس به وتحلو :


صدق ولا أبالغ ، أعيدها مرة ثانية ، وثالثة ، ورابعة : ما من شهوة أودعها الله فينا إلا جعل الله قناة نظيفة طاهرة تسري خلالها .

بتعبير آخر ؛ ليس في الإسلام حرمان إطلاقاً ، هناك سعادة وهناءة .

والله في الجامع الصغير عدد كبير من الأحاديث الشريفة التي تبدأ بكلمة حق ، كثيرة ، حق المسلم على المسلم ، حق الجار على جاره ، حق الأب على أولاده ، حق الأولاد على آبائهم ، أحاديث كثيرة ، لكن يوجد حديث إذا قرأته يقشعر جلدك : "حق المسلم على الله أن يعينه إذا طلب العفاف" .

وأنا أخاطب الشباب : غضّ بصرك عن محارم الله ، ولك حق عند الله أن يكرمك بزوجة تسرك إن نظرت إليها ، وتحفظك إذا غبت عنها ، وتطيعك إن أمرتها .

أيها الإخوة ؛ ﴿ فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلَالاً طَيِّباً ﴾ حلالاً تحلو به النفس ، وطيباً تطيب به النفس ، أحياناً يعقد عقد زواج ، يوم العرس السيارات تطلق أبواقها ، ألا يستحيون ؟ لا ، لا يستحيون ، هذا عمل مشروع ، هكذا أراد الله أن تكون العلاقة بالأنثى علاقة زواج ، تجد الكل يبارك ، ويهنئ ، ويفرح ، لو كان هناك اتصال هاتفي مشبوه بين ذكر وأنثى كأنه يعمل جريمة ، هذا خلاف منهج الله ، علاقة شائنة ، علاقة غير مشروعة ، علاقة فيها خيانة ، علاقة فيها معصية ، فدائماً الحلال تطيب النفس به ، الحلال ترقى النفس به ، الحلال تُقبل النفس به على الله .

لذلك اعتقد يقيناً أنه ما من شهوة أودعها الله فيك إلا ولها قناة نظيفة تسري خلالها ، فابحث عن الحلال ، و :

(( عن سالم عن أبيه مرفوعاً : ما ترك عبد شيئاً لله إلا عوضه الله خيراً منه في دينه ودنياه . ))

[ رواه أبو نعيم عن ابن عمر مرفوعاً ]

 

المال قوام الحياة :


أيها الإخوة ؛ ﴿ فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلَالاً طَيِّباً وَاتَّقُوا اللَّهَ ﴾ بإنفاق المال ، المال أيها الإخوة قد تنفقه في وجه حلال فترقى ، ولا سمح الله ولا قدر وقد ينفقه إنسان في وجه حرام فيهوي ، إنفاق المال مهم جداً ، إن أنفقته في طاعة ، أو في عمل صالح ، أو في بر ، أو في تقوى ، ترقى إلى الله ، والمال قوام الحياة ، وقد جعل الله المال نعمة كبيرة ، فإذا متعك الله بمال حلال ولو كان قليلاً ، القليل الحلال فيه بركة ، يبارك الله فيه ، والكثير غير الحلال يمحق الله بركته . 

﴿ فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلَالاً طَيِّباً وَاتَّقُوا اللَّهَ ﴾ ، هنا ﴿ وَاتَّقُوا اللَّهَ ﴾ في إنفاقه ، أن تنفقه في وجه حلال .

لذلك ورد في بعض الآثار أن البشر أصناف أربع ، فريق جمع المال في حلال وأنفقه في حلال ، فريق جمع المال من حرام وأنفقه في حرام ، يقال : خذوه إلى النار ، يوجد حالتان ، فريق جمع المال من حلال ، تجارة مشروعة ، وأنفقه في حرام يقال : خذوه إلى النار ، حسابه سريع ، أي تجارة مشروعة وانحرف بهذا المال ليقتنص الشهوات المحرمة ، وفريق جمع المال من حرام ، من قمار ، وأنفقه في حلال ، تزوج فيه مثلاً ، يقال : خذوه إلى النار ، ما دام في طرف حرام ، من حرام إلى حرام قطعاً ، طرف حرام قطعاً ، أما الذي جمع المال من حلال وأنفقه في حلال قال هذا يقال : قفوه فاسألوه ، هل تاه بماله على من حوله ؟ هل قال من حوله : يا رب أغنيته بين أظهرنا فقصر في حقنا ؟ 

 

إنفاق المال في المباحات مع عدم الإسراف والتبذير :


الحياة دقيقة جداً ، إذا أعطاك الله مالاً ينبغي أن تتقي الله بهذا المال ، فإنفاق المال مهم جداً . 

﴿ وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَحْسُورًا (29) ﴾

[  سورة الإسراء ]

المبذر  :  

﴿ إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا (27) ﴾

[ سورة الإسراء ]

والمبذر في القرآن الذي ينفق المال في معصية ﴿ إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُوراً ﴾ .

شيء آخر ؛ المسرف في المباحات ، دائماً وأبداً الشيطان يوسوس لك بالكفر ، فإذا وجدك على إيمان يوسوس للإنسان بالشرك ، فإذا وجده على توحيد وسوس له بالكبائر ، فإذا وجده على طاعة وسوس لك بالصغائر ، فإذا وجده على ورع بقي معه ورقتان رابحتان ، يوسوس لك بالتحريش بين المؤمنين ، أنت من أي حلقة  ؟ شيخك لا يفهم ، أنت من أي جامع  ؟ هذا من عمل الشيطان والله ، يجب أن تعرف هذا لمن تابع ؟ ما هذه الشهوة المرضية  ؟ مؤمن .

 

من لم ينتمِ إلى مجموع المؤمنين فليس منهم :


إخواننا الكرام ؛ لا يضاف على كلمة مسلم ولا كلمة ، والله عز وجل قال  : 

﴿ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (10) ﴾

[ سورة الحجرات ]

وما لم تنتمِ – دقق - إلى مجموع المؤمنين فلست مؤمناً ، وما لم يكن انتماؤك إلى مجموع المؤمنين كل مؤمن على العين والرأس ، الإسلام ليس خطاً رفيعاً لمجرد أن تخرج عنه قيد أنملة خرجت من الدين ، لا ، الإسلام شريط عريض ، كل من في هذا الشريط إن صحت عقيدته ، واستقام سلوكه ، على العين والرأس .

ومرة ثانية ؛ ما لم يكن انتماؤك إلى مجموع المؤمنين فلست مؤمناً لقوله تعالى : ﴿ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ ﴾ أنت أخ لكل مؤمن ، بأي جامع آخر ، ما دامت العقيدة صحيحة ، والمنهج قويماً ، والسلوك مستقيماً ، ولك أعمال صالحة ، انتهى ، أنت أخي في الله على العين والرأس .

 

آخر ورقة رابحة بيد الشيطان أن يوسوس للإنسان بالمباحات :


إذاً الشيطان يوسوس بالكفر ، ثم بالشرك ، ثم بالكبائر ، ثم بالصغائر ، ثم بالتحريش بين المؤمنين ، بقي معه ورقة أخيرة ، ورقة المباحات ، يوسوس لهذا الإنسان أن يمضي وقته كله في بيته ، وفي تزيين بيته ، وفي نشاطاته الدنيوية ، لا يوجد حرام ، لكن لا يوجد عمل صالح ثم يفاجئه الموت ، فالانغماس في المباحات إلى أقصى درجة ، والعناية غير المعقولة بالدنيا ، واستهلاك الوقت الطويل بتحسين الدنيا ، ثم يأتي ملك الموت ، وهذا الإنسان الذي أمضى وقته في الاستمتاع بالدنيا الحلال جاء فقير اليدين ، فلذلك آخر ورقة رابحة بيد الشيطان أن يوسوس للإنسان بالمباحات . 

إذاً : ﴿ فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلَالاً طَيِّباً وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ ، لما مضى ، ولخطأ لم يكن مقصوداً .

 

من أنفق شيئاً في سبيل الله وكان راضياً ضاعفه الله له أضعافاً كثيرة :


ثم يقول الله عز وجل : ﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِمَنْ فِي أَيْدِيكُمْ مِنَ الْأَسْرَى إِنْ يَعْلَمِ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْراً يُؤْتِكُمْ خَيْراً مِمَّا أُخِذَ مِنْكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ ، قالوا : الحمد لله على وجود الله ، والحمد لله أن الله يعلم ، أي الله عز وجل مطلع على قلبك ، فيه طيب ، فيه نية طيبة ، فيه براءة ، فيه نظافة ، فيه سلامة صدر ، لا يوجد فيه حقد ، لا يوجد فيه احتيال ، الحمد لله على وجود الله .

إنسان وقع أسيراً ، أُخذت منه فدية ، أعطاها عن طيب خاطر ، وبعدها تاب إلى الله توبة نصوحة قال : ﴿ يُؤْتِكُمْ خَيْراً مِمَّا أُخِذَ مِنْكُمْ ﴾ أي شيء تنفقه في سبيل الله ، أو تنفقه بقضاء من الله وقدر ، إذا كنت راضياً فالله عز وجل يضاعف لك الجزاء أضعافاً مضاعفة .

كلكم يعلم كيف أن سيدنا العباس كان في مكة ، وكان مسلماً ، والدليل عندما جاءه الخبر من الحجاج لم يستطع أن يقف على قدميه ، فلما علم أن النبي صلى الله عليه وسلم ذهب إلى خيبر ، وانتصر عليهم ، وتزوج صفية بنت زعيمهم ، أعتق الذي أبلغه هذا الخبر ، وأعتق معه عشرة من العبيد ، فلذلك سيدنا العباس كان في أعلى درجات الإيمان ، لكن دفع فدية ، بحسب النظام العام دفع فدية ، فيقول سيدنا العباس هذه الآية نزلت فيّ : ﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِمَنْ فِي أَيْدِيكُمْ مِنَ الْأَسْرَى إِنْ يَعْلَمِ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْراً يُؤْتِكُمْ خَيْراً مِمَّا أُخِذَ مِنْكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾  . . .

 

علاقة الإنسان بربه يجب أن تُبنى على الحب :


أيها الإخوة الكرام ، الإنسان علاقته بالله ينبغي أن تبنى على الحب ، الله عز وجل هو إلهنا ، هو خالقنا ، هو مربينا ، هو مسيرنا ، أمرنا بيده ، نحن في قبضته ، في أي شيء نحن في قبضته ، ومع ذلك ما أراد أن تكون علاقته بنا علاقة إكراه ، قال : 

﴿ لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انْفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (256)  ﴾

[ سورة البقرة  ]

أراد الله سبحانه وتعالى أن تكون علاقتنا به علاقة حب ، قال : 

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (54)﴾

[  سورة المائدة ]

الإله العظيم الذي مالك فيك كل شيء ، حياتك ، صحتك ، أجهزتك ، أعضاؤك ، حواسك الخمس ، سمعك ، بصرك ، زوجتك ، أولادك ، عملك ، من هم فوقك ، من هم معك ، من هم دونك ، كل شيء بيد الله ، ومع كل هذا وأنت في قبضته ما أراد أن تعبده خوفاً ، أراد أن تعبده حباً ، لذلك قالوا في تعريف العبادة : هي طاعة طوعية ، ممزوجة بمحبة قلبية ، أساسها معرفة يقينية ، تفضي إلى سعادة أبدية .

 

الله عزّ وجل يعلم كل شيء وهو مطلع على قلب كل إنسان :


أيها الإخوة ؛ ﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِمَنْ فِي أَيْدِيكُمْ مِنَ الْأَسْرَى إِنْ يَعْلَمِ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْراً ﴾ صدق أيها الأخ الله عز وجل مطلع على قلبك ، وهو أقرب إليه من حبل الوريد ، علم ما كان ، وعلم ما يكون ، وعلم ما سيكون ، وعلم ما لم يكن لو كان كيف كان يكون ، لا تخفى عليه خافية . 

﴿ وَإِنْ تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى (7) ﴾

[  سورة طه  ]

أي ما أسررته ، ﴿ وَأَخْفَى ﴾ ، ما خفي عنك ، ﴿يَعْلَمُ السِّرَّ ﴾ الذي أضمرته ، ويعلم أبضاً ما خفي عنك أنت ، فالله عز وجل يعلم ، فإذا أنت على حق ، وإذا كنت طاهراً ، بريئاً ، نظيفاً ، مستقيماً ، فعلم الله بك يكفيك ، لذلك قالوا : الحمد لله على وجود الله : ﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِمَنْ فِي أَيْدِيكُمْ مِنَ الْأَسْرَى إِنْ يَعْلَمِ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْراً ﴾ .

 

القلب السليم أكبر مكسب يكسبه الإنسان في الدنيا :


إذاً : ما هو أكبر مكسب تكسبه في الدنيا ؟ أقول لكم : أكبر مكسب على الإطلاق القلب السليم ، والدليل قال تعالى : 

﴿ يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ (88) إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ (89) ﴾

[ سورة الشعراء ]

ومن أدق تعريفات القلب السليم هو القلب الذي لا يشتهي شهوة لا ترضي الله ، قال تعالى : 

﴿ فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنَ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (50)﴾

[  سورة القصص ]

ماذا يستنبط من هذه الآية ؟ ﴿ وَمَنْ أَضَلُّ ﴾ أي لن تجد على وجه الأرض إنساناً أضلَّ ﴿ مِمَّنَ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ ﴾ عند علماء الأصول معنى اسمه : المعنى المخالف ، العكسي ، فالذي يتبع هواه وفق هدى الله لا شيء عليه ، فالذي يشتهي المرأة فيتزوج ، يشتهي المال يكسبه مشروعاً من طريق مشروع ، يشتهي أن يكون إنساناً كبيراً ، يشار إليه بالبنان طلب العلم ، وعلّم العلم ، وخدم الناس ، فما من شهوة أودعها الله فينا إلا لها قناة نظيفة ، لذلك الذي يتبع هواه وفق منهج الله لا شيء عليه ﴿ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنَ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ ﴾ .

أيها الإخوة ، فالقلب السليم هو القلب الذي لا يشتهي شهوة لا ترضي الله .

 

أكثر شيء ينفعك عند الموت قلب سليم لا يشتهي شهوة لا ترضي الله :


شيء آخر ؛ ولا يصدق خبراً يتناقض مع وحي الله ، ولا يعبد غير الله ، ولا يحتكم إلا لله ، أربع خصائص للقلب السليم ، وعند الموت لا ينفعك إلا قلب سليم ، الإنسان حينما يأتيه ملك الموت ، وتنتهي حياته ، ويساق إلى القبر ، ليوضع في القبر ، لا ينفعه في هذا القبر إلا قلبه السليم ، ﴿ يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ ﴾ ترك أربعة مليارات ، أعرف إنساناً ترك أربعة مليارات ، وكان في بلد بيت الله الحرام ، ما صلى ركعتين ، ولا حجّ ، ولا اعتمر ، وأمضى الصيف في بلد رائع جداً في الشمال ، وفي الفندق جاءته أزمة قلبية أودت بحياته ، ما انتفع بهذا المال إطلاقاً ﴿ يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ ﴾ .

أكبر شيء يمكن أن ينفعك عند الموت قلب سليم ، قلب لا يشتهي شهوة لا ترضي الله ، ولا يصدق خبراً يتناقض مع وحي الله ، ولا يحتكم إلا لله ، ولا يعبد غير الله ، لذلك ﴿ يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ﴾ .

 

من كان مع الله كان الله معه :


إذاً : ﴿ إِنْ يَعْلَمِ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْراً ﴾ أي قلبك سليم ، لا يوجد فيه حقد ، ولا احتيال ، ولا خداع ، ولا انحراف ، ولا أكل مال حرام ، ولا عدوان على أعراض الناس ، قلب سليم مستقيم ، هذا المستقيم يعيش حياة في جنة ، وبعد الموت له جنة ، ﴿ وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ ﴾ جنة في الدنيا وجنة في الآخرة ، وبعضهم قال : ماذا يفعل أعدائي بي ؟ بستاني في صدري - أي جنته في داخله - إن أبعدوني فإبعادي سياحة ، وإن حبسوني فحبسي خلوة ، وإن قتلوني فقتلي شهادة ، فماذا يفعل أعدائي بي ؟ إذا كنت مع الله كان الله معك .

أطع أمرنا نرفع لأجلك حجبنا

* * *

لم يعد هناك حجاب بينك وبين الله ، طاعة .

أطع أمرنا نرفع لأجلك حجبنـا             فـإنا منحنا بالرضا من أحبنا 

 ولذ بحمانا واحتمِ بجنـابنــــــــــا            

 * * *

ومما جاء في الآثار القدسية في الكتب السماوية السابقة :


(( خلقت لك ما في الكون من أجلك فلا تتعب ، وخلقت من أجلي فلا تلعب ، فبحقي عليك لا تتشاغل بما ضمنته لك عما افترضته عليك ، لي عليك فريضة ، ولك عليّ رزق ، فإذا خالفتني في فريضتي لم أخالفك في رزقك ، وعزتي وجلالي إن لم ترضَ بما قسمته لك لأسلطن عليك الدنيا ، تركض فيها ركض الوحش في البرية ، ثم لا ينالك منها إلا ما قسمته لك ولا أبالي وكنت عندي مذموماً ، أنت تريد وأنا أريد ، فإذا سلمت لي فيما أريد كفيتك ما تريد ، وإن لم تسلم لي فيما أريد أتعبتك فيما تريد ، ثم لا يكون إلا ما أريد ، ما من مخلوق يعتصم بمخلوق دوني أعرف ذلك من نيته ، إلا جعلت الأرض هوياً تحت قدميه ، وقطعت أسباب السماء بين يديه ، وما من مخلوق يعتصم بي من دون خلقي ، أعرف ذلك من نيته فتكيده أهل السماوات والأرض إلا جعلت له من بين ذلك مخرجا ))

 

زوال الكون أهون على الله من ألا يحقق وعوده للمؤمنين :


إخواننا الكرام ، إذاً حينما قال الله عز وجل - دققوا - : 

﴿ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (55)  ﴾

[ سورة النور ]

هذا قانون إلهي ، قانون الاستخلاف ﴿وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ﴾ نحن لسنا مستخلفين الآن ، هذه الحقيقة المرة ، ﴿كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ﴾ قانون ، ﴿وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ﴾ ونحن أيضاً لسنا ممكنين ، ﴿وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً﴾ ونحن أيضاً لسنا آمنين ، لسنا مستخلفين ، ولسنا ممكنين ، ولسنا آمنين ، أين الخلل ؟ أجاب في هذه الآية عن الخلل ، قال تعالى : 

﴿ فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا (59) ﴾

[ سورة مريم  ]

إذاً ماذا ينفعنا ؟ قلب سليم ، أضاعوا الصلاة ، وقد أجمع العلماء على أن إضاعة الصلاة لا يعني تركها ، بل يعني تفريغها من مضمونها ، ﴿ فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيّاً ﴾ ولقد لقينا ذلك الغي ، خمس دول إسلامية محتلة الآن ، نُهبت ثرواتها ، قُتل شبابها ، ملايين قتلوا ، وأُعيقوا ، وشُردوا ، وزوال الكون أهون على الله من ألا يحقق وعوده للمؤمنين ، هناك قواعد ثابتة ، هناك قوانين ، زوال الكون أهون على الله من ألا يحقق وعوده للمؤمنين ، والله عز وجل وعدنا بالنصر قال : ﴿ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي ﴾

 

القلب السليم مع إحكام الصلة بالله سبب النصر :


إذاً : ﴿ فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيّاً ﴾ القلب السليم لا يشتهي شهوة لا ترضي الله ، ولا يصدق خبراً يتناقض مع وحي الله ، ولا يعبد إلا الله ، ولا يحتكم إلا لشرع الله ، من هنا : ﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِمَنْ فِي أَيْدِيكُمْ مِنَ الْأَسْرَى إِنْ يَعْلَمِ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْراً ﴾ أي بطولتك الأولى أن تملك قلباً سليماً ، قلباً مؤمناً ، قلباً طاهراً ، قلباً مقبلاً ، قلباً متمسكاً بأهداب الشرع ، قلباً جعلك تختار زوجة مؤمنة ، تسرك إن نظرت إليها ، وتحفظك إذا غبت عنها ، وتطيعك إن أمرتها .

القلب السليم مع إحكام الصلة بالله سبب النصر ، والله عز وجل قال : 

﴿ وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ رُسُلًا إِلَى قَوْمِهِمْ فَجَاءُوهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَانْتَقَمْنَا مِنَ الَّذِينَ أَجْرَمُوا وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ (47)﴾

[ سورة الروم  ]

الإيمان الذي يحملك على طاعة الله ، الإيمان المنجي هو الإيمان الذي يحملك على طاعة الله . 

بعض الأسرى الذين وقعوا أسرى في معركة بدر ، قالوا : نحن معنا مال يا رسول الله ، لكن اسمح لنا أن نسافر ، ونأتي بالمال ، المؤمن كما قال النبي الكريم : 

(( رواه القضاعي في "مسند الشهاب" ، وأبو الشيخ الأصبهاني في "الأمثال" من طريق سُلَيْمَانَ بْنِ عَمْرٍو النَّخَعِيِّ  ، عَنْ أَبَانَ  ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ  ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : الْمُؤْمِنُ كَيِّسٌ فَطِنٌ حَذِرٌ  . ))

[  إسناد موضوع  ]

إنسان ضعيف باللغة قرأها : المؤمن كيس قطن ، قال : سيدي ! كيف كيس قطن ؟ قال له : قلبه أبيض يا بني ، ولين بالمعاملة (( الْمُؤْمِنُ كَيِّسٌ فَطِنٌ حَذِرٌ )) فالله عز وجل قال  : ﴿ وَإِنْ يُرِيدُوا خِيَانَتَكَ فَقَدْ خَانُوا اللَّهَ مِنْ قَبْلُ فَأَمْكَنَ مِنْهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ﴾ ، فالله عز وجل أخبر النبي أن هذا الطلب غير مشروع ، أرادوا بهذا الطلب أن يفروا من الأسر ، ﴿ وَإِنْ يُرِيدُوا خِيَانَتَكَ فَقَدْ خَانُوا اللَّهَ مِنْ قَبْلُ فَأَمْكَنَ مِنْهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ﴾ لذلك إذا كان الله معك فمن عليك ؟ وإذا كان عليك فمن معك ؟ ويا رب ماذا فقد من وجدك ؟ وماذا وجد من فقدك ؟

 

الله عز وجل مع المؤمنين بالنصر والحفظ والتأييد :


النقطة الدقيقة أيها الإخوة ، أن الإنسان حينما يكون مع الله فإن الله معه في آيات كثيرة ، دققوا في هذه الآيات إذ قال الله عز وجل : 

﴿ هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (4)﴾

[ سورة الحديد  ]

هذه معية عامة لا تعني إلا أنه يعلم ما أنتم عليه ، معية العلم فقط ، أما إذا قال الله عز وجل : ﴿ وَأَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ ﴾ ، إن الله ﴿ مَعَ الصَّادِقِينَ﴾ ، إن الله مع التوابين ، قال : هذه معية خاصة ، معية النصر ، والتأييد ، والحفظ ، والتوفيق ، والفوز ، فإذا كان الله معك فمن عليك ؟ وإذا كان عليك فمن معك ؟ ويا رب ماذا وجد من فقدك ؟ وماذا فقد من وجدك ؟ لذلك الآية الكريمة : ﴿ وَإِنْ يُرِيدُوا خِيَانَتَكَ فَقَدْ خَانُوا اللَّهَ مِنْ قَبْلُ فَأَمْكَنَ مِنْهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ﴾ . .

 

الآية التالية العالم الإسلامي اليوم في أمس الحاجة إليها :


ونحن في درس قادم إن شاء الله ، نتحدث عن آية دقيقة جداً ، والعالم الإسلامي اليوم في أمس الحاجة إليها ، أقرؤها لكم قراءة  : ﴿ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولَئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهَاجِرُوا مَا لَكُمْ مِنْ وَلَايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتَّى يُهَاجِرُوا وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ إِلَّا عَلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ * وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ إِلَّا تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ * وَالَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقّاً لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ ﴾ ، وهذه الآيات إن شاء الله سوف نشرحها بتوفيق الله في الدرس القادم .

بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين ، اللهم أعطنا ولا تحرمنا ، أكرمنا ولا تهنا ، آثرنا ولا تؤثر علينا ، أرضنا وارض عنا ، وصلى الله على سيدنا محمد النبي الأمي وعلى آله وصحبه وسلم .

والحمد لله رب العالمين

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور