وضع داكن
19-04-2024
Logo
سبل الوصول - الدرس : 21 - تعظيمك لله من محبتك له
رابط إضافي لمشاهدة الفيديو اضغط هنا
×
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات.

الفرق بين الإيمان و التعظيم :

أيها الأخوة الكرام، مع موضوعٍ جديد من موضوعات: "سبل الوصول وعلامات القبول" ألا وهو موضوع تعظيم الله، فرقٌ كبير بين أن تؤمن به وبين أن تعظمه، إبليس آمن به:

﴿ قَالَ فَبِعِزَّتِكَ ﴾

[ سورة ص الآية: 82 ]

قال:

﴿ خَلَقْتَنِي ﴾

[ سورة ص الآية: 76 ]

قال:

﴿ فأَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ ﴾

[ سورة ص ]

فالإيمان بالله شيء، وتعظيمه شيءٌ آخر، تعظيمه يحملك على طاعته، تعظيمه يدفعك إلى أن تقبل عليه، تعظيمه يعني أن تخشاه، تعظيمه يعني أن تحبه، تعظيمه يعني أن تطيعه، فالتعظيم شيء والإيمان به، هذا الإيمان التقليدي الأجوف شيءٌ آخر، وما أوصل المسلمين إلى ما وصلوا إليه من ضعفٍ وتخاذلٍ إلا لأنهم آمنوا ولم يعظموا، أي أهل الأرض مؤمنون بالله حتى الذين يتفننون في سحق الشعوب، ومحو ثقافات الشعوب، ونهب ثروات الشعوب، وقتل الشعوب، كُتب على عملتهم ثقتنا بالله، فأن تقول: أنا مؤمن قضيةٌ سهلةٌ جداً، لكن الذي يدفعك إلى طاعته تعظيمه.

 

بطولة الإنسان أن يُعظم الله لا أن يقول أنا مؤمن :

أخواننا الكرام، في هذا الموضوع آيةٌ هي الأصل، قال تعالى:

﴿ يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لَا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ* فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ* إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلَاقٍ حِسَابِيَهْ* فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ* فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ* قُطُوفُهَا دَانِيَةً* كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئاً بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخَالِيَةِ* وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ فَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيَهْ* وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيَهْ* يَا لَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةَ* مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيَهْ* هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ* خُذُوهُ فَغُلُّوهُ* ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ* ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعاً فَاسْلُكُوهُ* إِنّهُ كَانَ لَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ ﴾

[ سورة الحاقة ]

ما عظمه، ما عظم حرماته، ما عظم شعائره، ما عظم بيته، ما عظم أهل العلم، ما عظم الصحابة الكرام، ما عظم الأنبياء والمرسلين، فالبطولة لا أن تقول: أنا مؤمن، إبليس قال: أنا مؤمن، البطولة أن تُعظم الله، لذلك كيف أنك إذا قرأت هذه الآية:

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْراً كَثِيراً ﴾

[ سورة الأحزاب ]

التركيز لا على الذكر، بل على الذكر الكثير، لأن المنافق يذكر الله، قال تعالى:

﴿ وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلاً ﴾

[ سورة النساء ]

تعظيم الله من خلال آياته أحد سبل الوصول إليه :

إذاً حينما نقول: إيمان، نقصد أن تؤمن بالله العظيم، إذاً أحد سبل الوصول إلى الله أن تعظمه من خلال آياته:

﴿ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ ﴾

[ سورة المرسلات الآية: 50 ]

﴿ وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ﴾

[ سورة الزمر الآية: 67 ]

إذاً الإيمان بالله العظيم يقتضي التفكر في خلق السماوات والأرض.
أيها الأخوة، كنت أضرب هذا المثل كثيراً: إذا قال طفل: معي مبلغ عظيم، والده مدرس، عقب أحد الأعياد قال: معي مبلغ عظيم، أن أقدره بعملتنا مئتي ليرة، فإذا قال إنسان يحتل منصباً رفيعاً في البنتاغون: أعددنا لهذه الحرب مبلغاً عظيماً، كلمة عظيم قالها الطفل فقدرناها بمئتي ليرة، فإذا قال هذا الموظف الكبير: أعددنا لهذه الحرب مبلغاً عظيماً، نحن نقدرها بمئتي مليار، الرقم اختلف، الكلمة واحدة قالها طفل وقالها مسؤول كبير، فإذا قال ملك الملوك، ومالك الملوك، وخالق السماوات والأرض:

﴿ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيماً ﴾

[ سورة النساء ]

إذاً ليس عند الله شيءٌ أعظم من أن تعرفه.

(( ابن آدم اطلبني تجدني، فإذا وجدتني وجدت كل شيء، وإن فتك فاتك كل شيء))

[ تفسير ابن كثير]

يا ربي ماذا فقد من وجدك؟ وماذا وجد من فقدك؟ وإذا كان الله معك فمن عليك؟ وإذا كان عليك فمن معك؟ التعظيم أن تعظم الله.

(( يا رب أي عبادك أحبّ إليك حتى أحبه بحبك؟ قال: أحبّ عبادي إليّ تقي القلب، نقي اليدين، لا يمشي إلى أحدٍ بسوء، أحبني وأحبّ من أحبني وحببني إلى خلقي، قال: يا ربي إنك تعلم أني أحبك، وأحب من يحبك، فكيف أحببك على خلقك؟ قال: ذكرهم بآلائي ))

[ من الدر المنثور عن ابن عباس]

التفكر في الكون طريق الإنسان للوصول إلى الخالق سبحانه :

عندما تكون المسافة بين الأرض وبين أقرب نجم ملتهب أربع سنوات ضوئية، وابنك الصغير بدقائق معدودة يحسب لك كم هذه المسافة، الضوء يقطع في الثانية ثلاثمئة ألف كيلو متر، في الدقيقة ضرب ستين، في الساعة ضرب ستين، في اليوم ضرب أربع وعشرين، في السنة ضرب ثلاثمئة وخمسة وستين، في أربع سنوات ضرب أربع، بدقيقة تحسب هذه المسافة، فلو كان هناك طريق سالك إلى هذا النجم، ومعك مركبة أرضية، والسرعة مئة، 

أي قسم هذه المسافة على مئة تعرف كم ساعة تحتاج كي تصل؟

قسم على أربع وعشرين كم يوم؟ قسم على ثلاثمئة وخمسة وستين كم سنة؟ فمن أجل أن تصل إلى أقرب نجمٍ ملتهبٍ إلى الأرض تحتاج إلى خمسين مليون عام، خمسون مليون عام قيادة مركبة أرضية بسرعة مئة، من أجل أن تصل إلى أقرب نجم ملتهب، متى تصل إلى نجم القطب؟ أربع آلاف سنة ضوئية، متى تصل إلى مجرة المرأة المسلسلة؟ مليونا سنة ضوئية، متى تصل إلى بعض النجوم التي اكتشفت حديثاً والتي تبعد عنا أربع وعشرين مليون سنة ضوئية ؟ الأربع سنوات تحتاج إلى خمسين مليون عام إذاً: الأربع والعشرون مليون كم سنة تحتاج لنصل إليها؟.
أيها الأخوة، قال تعالى:

﴿ فلا أقسم بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ* وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ ﴾

[ سورة الواقعة ]

هذا الإله العظيم ألا يخطب وده؟ ألا ترجى جنته؟ ألا تخشى ناره؟.

﴿ مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ ﴾

[ سورة القلم ]

﴿ فَأَيْنَ تَذْهَبُونَ ﴾

[ سورة التكوير ]

التفكر في مخلوقات الله طريق تعظيم الله عز وجل :

إذاً موضوع اليوم تعظيم الله، طريق تعظيمه التفكر في مخلوقاته:

﴿ إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ* الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ﴾

[ سورة آل عمران ]

إذاً ننطلق من قوله تعالى:

﴿ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيماً ﴾

إذا إنسان معه مال عظيم يدعه عند الموت، لا يدخل في قبره إلا كفنٌ رخيص، ليس هناك دفتر شيكات، ولا أموال منقولة وغير منقولة، ولا بيوت فخمة، قبر، من بيتٍ فخمٍ إلى قبر، ماذا أعددنا في القبر؟ الذي لم يؤمن بالله لابدّ من أن يعتدي على خلق الله، أي إذا إنسان أُُطفئت مصابيحه وهو يقود سيارة في طريق متعرج، لابدّ من أن يقع في الوادي ما دام قد أطفئ مصباحه: 

﴿ وَإِنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ عَنِ الصِّرَاطِ لَنَاكِبُونَ ﴾

[ سورة المؤمنون ]

﴿>أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ* فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ ﴾

[ سورة الماعون ]

﴿فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ ﴾

[ سورة القصص الآية: 50 ]

فالإنسان إن لم يكن هناك علاقة بين اعتقاده وبين سلوكه، فليعتقد ما يشاء، لأنه ما من اعتقادٍ يعتقده إلا وينعكس سلوكاً يسلكه، فإن صحت العقيدة صحّ العمل، والعالم بين أيديكم، هؤلاء الذين ما آمنوا بالله أصلاً ماذا يفعلون؟ يدمرون الشعوب، ينهبون الثروات، يبيدون الأمم، هم مرتاحون، لذلك:

﴿ أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ* فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ ﴾

ما من إنسانٍ يضعف إيمانه إلا وينحرف سلوكه، فإذا أنكر وجود الله أصلاً أصبح مجرماً، فالعقاب ليس على عدم الإيمان ولكن على العدوان.

 

تتبع كلمة عظيم في القرآن الكريم :


أيها الأخوة، الآن لو تتبعنا كلمة عظيم في القرآن، أنا أقول لكم هذه الملاحظة: إذا قال العظيم: هذا شيءٌ عظيم، يجب أن نعظمه، فإن لم نعظمه إذاً نحن لم نؤمن بالله، أي الله عز وجل قال:

﴿ وَإِذْ نَجَّيْنَاكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ يُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ وَفِي ذَلِكُمْ بَلَاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ ﴾

[ سورة البقرة ]

فالله عنده بلاء عظيم، عنده بلاء تحار منه العقول، أنا حدثني أخ مقيم بالقاهرة، في أثناء زلزال القاهرة، هو صديقٌ لي مقيم هناك، قال لي: عندما وقع الزلزال من شدة الخوف انطلقت امرأته إلى خارج البناء، وقد حملت طفلها الرضيع، في الطريق اكتشفت أن هذا الذي حملته ليس طفلها بل حذاء زوجها:

﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ* يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ ﴾

[ سورة الحج ]

﴿ قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَاباً مِنْ فَوْقِكُمْ ﴾

[ سورة الأنعام الآية: 65 ]

هذه الصواعق، والآن الصواريخ:

﴿ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ ﴾

[ سورة الأنعام الآية: 65 ]

هذه الزلازل، والألغام، دققوا في الثالثة: 

﴿ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ ﴾

[ سورة الأنعام الآية: 65 ]

الحروب الأهلية.

﴿ إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعاً ﴾

[ سورة القصص الآية: 4 ]

إذاً إذا قال الله: هذا شيء عظيم، من علامات إيماننا أننا نصدق العظيم إذا قال عن شيءٍ عظيم

﴿ وَفِي ذَلِكُمْ بَلَاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ ﴾

البهتان :


قال تعالى:

﴿ وَبِكُفْرِهِمْ وَقَوْلِهِمْ عَلَى مَرْيَمَ بُهْتَاناً ﴾

[ سورة النساء الآية: 156 ]

من أدق تعريفات البهتان هو الباطل الذي يتحير في بطلانه ـ هناك تعبير معاصر و هو كلمة ليست عربية تسمى سيناريو ـ يقول لك: سيناريو مطلق، أي مكر، وتمثيلية، هم خبثاء ومجرمون، ولكن يقدمون إجرامهم بقالب إنساني، جئناكم من أجل الحرية، من أجل الديمقراطية، من أجل حقوق الإنسان، ينتهكون حقوق الإنسان كل ساعة، ويتحدثون عن حقوق الإنسان، هذا هو البهتان، باطل لكنه متقن:

﴿ وَبِكُفْرِهِمْ وَقَوْلِهِمْ عَلَى مَرْيَمَ بُهْتَاناً عَظِيماً ﴾

[ سورة النساء ]

البهتان هو الباطل التي تحار به العقول.

 

مقاييس أهل الدنيا لا قيمة لها :

الآن:

﴿ إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَاداً أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ ﴾

[ سورة المائدة ]

إذا قال العظيم:

﴿ عَذَابٌ عَظِيمٌ ﴾

ما هذا العذاب العظيم؟ فالطفل إذا قال: معي مبلغ عظيم فيقدر بمئتي ليرة، أما إذا قال إنسان كبير في مؤسسة عسكرية أعددنا مبلغاً عظيماً فيقدر هذا المبلغ بمئتي مليار، فإذا قال ملك الملوك:

﴿ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيماً ﴾

أي أن تعرف الله شيء ثمين جداً جداً، كل واحد منا يحب الجمال، والكمال، والنوال، يحب الشيء العظيم، يحب الإنسان العظيم، يحب البيت العظيم، المرتبة العظيمة، المركز العظيم، هذه جبلتنا، هذه فطرتنا.
لذلك كل واحد منا عنده مقاييس للتفوق، أهل الدنيا يعظمون بعضهم بعضاً، أهل الدنيا يعظمون رب المال، يقول لك: فلان حجمه كذا مليار ـ بلكيت حجمه المالي يقدر بتسعين ملياراً ـ فلان مئة وثلاثون ملياراً، فلان دخله خمسمئة ألف دولار بالشهر، مدراء البنوك في العالم الغربي رواتبهم فلكية، فدائماً أهل الدنيا يعظمون أهل الدنيا، فأنت من تعظم؟

 

بطولة الإنسان أن تأتي مقاييسه مطابقة لمقاييس خالق السماوات و الأرض :

الله عز وجل قال:

﴿ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً ﴾

[ سورة الأحزاب ]

هل تأتي مقاييسك وفق مقاييس خالق السماوات والأرض؟ أهل الدنيا يعظمون الأغنياء، والأقوياء، والأذكياء، ومن وهبهم الله وسامةً، وذكاءً، وطلاقة لسان، وقوة تأثير، وشخصية قوية، هذه مقاييس أهل الدنيا، لكن الله بمقاييس القرآن ما القيم التي ترجح في القرآن الناس بعضهم على بعض؟ قيمتان فقط، قيمة العلم، وقيمة العمل:

﴿ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ ﴾

[ سورة الزمر الآية: 9 ]

﴿ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيماً ﴾

العلم، والعمل والعمل:

﴿ وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا ﴾

[ سورة الأحقاف الآية: 19 ]

فما لم تأتِ مقاييسك وفق مقاييس القرآن فلن تفلح، مادامت مقاييسك مقاييس أخرى، المال؟ تجمع المال، والإنسان أي شيء طلبه بصدق يناله:

﴿ كُلّاً نُمِدُّ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُوراً ﴾

[ سورة الإسراء ]

فما مقياسك؟ لذلك بطولتك أن تأتي مقاييسك وفق مقاييس خالق السماوات والأرض، ما دامت مقاييسك تطابق مقاييس القرآن الكريم فأنت ناجح، قال تعالى:

﴿ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً ﴾

الكسب و الرزق :

عندنا فضل عظيم:

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَاناً وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ ﴾

[ سورة الأنفال ]

فضلٌ عظيمٌ جداً أن يلقي الله في قلبك نوراً ترى به الحق حقاً والباطل باطلاً، فضلٌ من الله عظيمٌ جداً أن تستقيم على أمره، أن تحسن إلى خلقه، أن تقبل عليه، لذلك في مقاييسك أيها المؤمن ما الفضل العظيم؟ يقول لك: أخذنا أرضاً ارتفع سعرها مئتي ضعف، يظن نفسه حقق النجاح المطلق، لأنه أخذناها بأثمان بخسة، كان هناك تنظيم للأرض فارتفع سعرها مئتي ضعف، يمشي مزهواً، قد يموت ويتركها ولم ينتفع بها، والفرق كبير جداً بين الرزق وبين الكسب، الرزق ما انتفعت به فقط، الطعام الذي أكلته، الثياب التي ترتديها، السرير الذي تنام عليه، المركبة التي تركبها، وما سوى ذلك كسبٌ لم تنتفع به، ستحاسب عليه، ليس لك إلا ما أكلت فأفنيت، أو لبست فأبليت، أو تصدقت فأبقيت، فكل الأرقام بالحسابات أرقام لا تعني شيئاً، وأساساً الأزمة المالية الكبيرة، التي هي زلزال العصر، هذه الأزمة تعني أن الذي كان يكبر ويكبر هو وهمٌ يكبر ويكبر، فلما انكشف القناع انهارت هذه النظم المالية الغربية.

 

الفضل العظيم أن يرى الإنسان الحق حقاً والباطل باطلاً :

إذاً الفضل العظيم أن ترى الحق حقاً والباطل باطلاً:

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ ﴾

[ سورة الحديد الآية: 28 ]

دقق:

﴿ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُوراً تَمْشُونَ بِهِ ﴾

[ سورة الحديد الآية: 28 ]

فإذا ألقى الله في قلبك نوراً ترى به الخير خيراً، والشر شراً، والحق حقاً، والباطل باطلاً، فهذا أكبر فضلٍ عليك،

﴿ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيماً ﴾

تتبعوا في القرآن الآيات التي تنتهي بقوله تعالى:

﴿ وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ﴾

[ سورة النساء ]

﴿ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ ﴾

[ سورة آل عمران ]

من لم يُعظم ما عظمه الله فهذا ضعفٌ كبير في إيمانه :

أيها الأخوة:

﴿ لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ* فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ ﴾

[ سورة التوبة ]

قال عليه الصلاة والسلام:

(( اللهم رب السماوات السبع ، ورب العرش العظيم ، كن لي جاراً ))

[ أخرجه الطبراني عن عبد الله بن مسعود ]

أخواننا الكرام، من الأدعية التي كان يدعو بها النبي عليه الصلاة والسلام:

(( اللَّهمَّ إِني أعوذ بك من زوال نِعْمَتِكَ ))

[ أخرجه مسلم وأبو داود عن عبد الله بن عمر ]

تتمتع بسمعٍ، وبصرٍ، ولسانٍ، وعقلٍ، وصحةٍ، وحركةٍ.

(( اللَّهمَّ إِني أعوذ بك من زوال نِعْمَتِكَ ))

أن تزول نعمة الصحة، أن تزول نعمة المال فجأةً، تصادر الأموال كلها، أن تزول نعمة السمع والبصر:

(( واجعَلْهُ الوارثَ مني ))

[ أخرجه الترمذي عن عائشة أم المؤمنين ]

(( اللَّهمَّ إِني أعوذ بك من زوال نِعْمَتِكَ، وتَحَوُّلِ عافِيَتك ))

[ أخرجه مسلم وأبو داود عن عبد الله بن عمر ]

فجأةً خثرة فقد الحركة، تشمع كبد، فشل كلوي، خثرة في الدماغ، جلطة في القلب، احتشاء قلب، نعوذ بك من عضال الداء، ومن شماتة الأعداء، ومن السلب بعد العطاء.

(( اللَّهمَّ إِني أعوذ بك من زوال نِعْمَتِكَ، وتَحَوُّلِ عافِيَتك، وفُجاءةِ نِقمَتك، وجميع سخطِك ))

[ أخرجه مسلم وأبو داود عن عبد الله بن عمر ]

أيها الأخوة الكرام، أتمنى عليكم أنك إذا قرأت القرآن الكريم ومرت معك كلمة عظيم أن تعظم ما عظمه الله، فإن لم تعظم ما عظمه الله فهذا ضعفٌ في إيمانك كبير. 

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

اللغات المتوافرة

إخفاء الصور