وضع داكن
24-04-2024
Logo
سبل الوصول - الدرس : 35 - التذوق من حلاوة الإيمان
رابط إضافي لمشاهدة الفيديو اضغط هنا
×
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات.

بطولة الإنسان لا أن يدرك حقائق الإيمان بل يذوق حلاوته :

أيها الأخوة الأكارم، مع موضوعٍ جديد من موضوعات:"سبل الوصول وعلامات القبول"، والموضوع اليوم: "الذوق"، والذوق أن تذوق حلاوة الإيمان، والذوق ينطلق من قوله تعالى:

﴿ قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ ﴾

[ سورة الحجرات الآية: 14 ]

أخواننا الكرام، يوجد بالدين حقائق يدركها العقل، يقبلها، يؤمن بها، يقتنع بها، يدعو إليها، هذا نشاط عقلي، وفي الدين أحوال، الإنسان يحب الله، يتصل به، تأتيه سكينة من الله يسعد بها، هذه أحوال.
إذاً هناك أقوال، وأحوال، وحقائق، وأذواق، من أين جِئت بهذا الكلام؟ من قول النبي عليه الصلاة والسلام:

(( ذََاقَ طَعْمَ الإيمانِ مَنْ رَضِيَ بالله ربّاً، وبالإسلام ديناً، وبمحمَّدٍ صلى الله عليه و سلم نبياً و رَسُولاً ))

[ أخرجه مسلم والترمذي عن العباس بن عبد المطلب ]

ذاق طعم الإيمان، الإيمان له حقائق، وله طعم، فمن لم يذق طعم الإيمان لا يصل إلى مبتغاه، البطولة لا أن تدرك حقائق الإيمان، البطولة أن تذوق حلاوة الإيمان، والبون شاسعٌ جداً بين حلاوة الإيمان وبين حقائق الإيمان، أي إنسان يملك تفكيراً سليماً، يدرك أن لهذا الكون خالقاً، يدرك أن هذا الخالق عظيم، كبير، غني، قوي، بل إن إبليس اللعين:

﴿ قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ ﴾

[ سورة ص ]

قال:

﴿ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ ﴾

[ سورة ص ]

فإدراك حقائق الإيمان من دون أن تذوق حلاوة الإيمان لا تقطف ثمار الدين إطلاقاً، لذلك قال عليه الصلاة والسلام:

(( ذََاقَ طَعْمَ الإيمانِ مَنْ رَضِيَ بالله ربّاً ـ أي خضع لأمره ـ وبالإسلام ديناً ـ كمنهج ـ وبمحمَّدٍ صلى الله عليه و سلم نبياً و رَسُولاً ))

الحديث التالي هو الحديث الأصل في موضوع حلاوة الإيمان :

ولكن الحديث الأصل في هذا الموضوع، أن النبي صلى الله عليه و سلم قال:

(( ثلاثٌ من كنَّ فيه وجد حَلاوَةَ الإيمان وطَعْمَهُ؛ أنْ يكون اللَّهُ ورسوله أحبَّ إليه مما سواهُما ))

[ أخرجه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي عن أنس بن مالك ]

أنا أعلق تعليقاً، لو سألت مليار وخمسمئة مليون مسلم، أليس الله ورسوله أحب إليك مما سواهما؟ لا يتردد واحد في أن يؤكد هذا المعنى، يقول: نعم، ليس هذا هو المعنى، قال علماء شرح الحديث: أن يكون الله في قرآنه، والنبي صلى الله عليه وسلم في سنته، أحب إليك من مصالحك المتوهمة القريبة إذا تعارضت مع الكتاب والسنة.
وكيل شركة، دخله فلكي، لأنه الوكيل الحصري، جاءه مندوب، طلب مطعماً فيه خمر، فحينما لا يعبأ بالتحريم، ويقدم له هذا المشروب المحرم، من أجل مصلحته، فهو بهذا لم يدفع ثمن حلاوة الإيمان، حلاوة الإيمان شيء يصعب تصوره، الناس يعيشون بحقائق الإيمان، يقول لك: الحمد لله نحن مسلمون، لكن لو ذقت حلاوة الإيمان لكنت إنساناً آخر.

(( ثلاثٌ من كنَّ فيه وجد حَلاوَةَ الإيمان وطَعْمَهُ: أنْ يكون اللَّهُ ـ أي في قرآنه، والنبي عليه الصلاة والسلام في سنته ـ أحبَّ إليه مما سواهُما ))

من الدنيا وما فيها حينما تتعارض مصالحك المتوهمة، حينما تتعارض مصالحك القريبة، مع كلام الله، وسنة رسوله، وتؤثر طاعة الله، وتضع تحت قدمك هذه المصالح المتوهمة، عندئذٍ تكون قد دفعت ثمن حلاوة الإيمان، وعندئذٍ تذوق حلاوة الإيمان، وعندئذٍ تقول: أنا أسعد الناس، إن لم تقل: أنا أسعد الناس، إلا أن يكون أحدٌ أتقى مني لم تذق حلاوة الإيمان:

(( أنْ يكون اللَّهُ ورسوله أحبَّ إليه مما سواهُما ))

البند الأول.

 

الولاء و البراء :

البند الثاني:

((ومَنْ أحبَّ عبداً لا يُحِبُّهُ إلا لله ))

[ أخرجه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي عن أنس بن مالك ]

هذا سماه العلماء الولاء والبراء، أنت توالي المؤمنين، ولو كانوا ضعافاً وفقراء، وتتبرأ من الكفار والمشركين، ولو كانوا أغنياء وأقوياء، أنت مع المؤمنين، هذا هو الولاء والبراء، ويكاد يكون الولاء والبراء الفريضة السادسة، توالي من أنت؟ توالي الأقوياء ولو كانوا أعداءً للدين؟ توالي الأغنياء لأن مصالحك معهم؟ أم توالي أهل الإيمان وتحمل همهم وتتمنى انتصارهم ويؤلمك ما يعانون من مآس؟.

(( ومن يكْرهُ أن يعودَ في الكفر ))

[ أخرجه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي عن أنس بن مالك ]

(( كما يكرَه أن يُلقى في النار ))

[ أخرجه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي عن أنس بن مالك ]

أي هناك إنسان يعبد الله على حرف، مادامت مصالحه مؤمّنة، ما دام وضعه العام جيد، هو مؤمن، صالح، لكن حينما تهدد مصالحه، يتنكر لهذا الدين، هذا الحديث الصحيح أصلٌ في موضوع الذوق:

(( ثلاثٌ من كُنُّ فيه وجدَ بهنَّ طَعْمَ الإيمان: مَن كان اللَّهُ ورسولُهُ أحبَّ إليه مما سواهما، ومَنْ أحبَّ عبداً لا يُحِبُّهُ إلا لله، ومن يكْرهُ أن يعودَ في الكفر بعد أن أنقذه الله منه كما يكرَه أن يُلقى في النار ))

[ أخرجه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي عن أنس بن مالك ]

من لم يكن محباً لله مؤثراً طاعته على كل شيء فقد أهمل شطر الدين :

أخواننا الكرام، مرة ثانية: في الإنسان عقلٌ، وقلبٌ، وجسم، العقل غذاؤه العلم، والجسم غذاؤه الطعام والشراب، والقلب غذاؤه الحب، فالذي يهمل قلبه أهمل شطر الدين، قال تعالى:

﴿ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ ﴾

[ سورة المائدة الآية: 54 ]

قال تعالى:

﴿ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبّاً لِلَّهِ ﴾

[ سورة البقرة الآية: 165 ]

فالقلب غذاؤه الحب، وما لم تكن محباً لله، مؤثراً طاعته على أي شيء آخر، فقد أهملت شطر الدين، الإيمان حقائق، وأذواق، الإيمان أقوال، وأحوال، فالحال متعلق بالقلب، والأقوال متعلقة بالعقل، فأنت عقلٌ تدرك، غذاؤه العلم، وقلبٌ يحب، غذاؤه الحب.
أخواننا الكرام، بعض الذين نظموا الشعر يقول:

فلو شاهدت عيناك من حسننا الذي رأوه لما وليت عنا لغيرنــــا
ولـو سمعت أذناك حسن خطابنا خلعت عنك ثياب العجب وجئتنـا
ولــو ذقت من طعم المحبة ذرة ً عذرت الذي أضحى قتيلاً بحبنـا
* * *
ولــو نسمت من قربنا لك نسمةٌ لمت غريباً واشتياقاً لقربنــــا
فمـــا حبنا سهلٌ وكل من ادعى سهولته قلنا له قد جهلتنــــا
* * *

مكارم الأخلاق مخزونةٌ عند الله تعالى فإذا أحبّ الله عبداً منحه خلقاً حسناً :

أيها الأخوة، الذوق أن تذوق طعم القرب، قال بعض العلماء: في الدنيا جنة، من لم يدخلها، لم يدخل جنة الآخرة، إنها جنة القرب، وفي توجيه بعض المفسرين في قوله تعالى:

﴿ وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ ﴾

[ سورة الرحمن ]

جنةٌ في الدنيا، وجنةٌ في الآخرة، يؤكد هذا المعنى قول الله عز وجل:

﴿ وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ عَرَّفَهَا لَهُمْ ﴾

[ سورة محمد ]

في الدنيا، أي ذاقوا طعمها، إنها جنة القرب، يقول بعض العلماء: ماذا يفعل أعدائي بي؟ بستاني في صدري، إن أبعدوني فإبعادي سياحة، وإن حبسوني فحبسي خلوة، وإن قتلوني فقتلي شهادة، فماذا يفعل أعدائي بي؟.
أي ما لم تتمتع، ما لم تشعر، ما لم تتصل، ما لم تقبل، ما لم يشعر قلبك بالسكينة، بمشاعر الإيمان، فأنت أهملت شطر الدين، الدين عقائد، وعبادات، العبادة اتصال بالله، الصلاة من أجل الصلاة، والصيام من أجل الصلاة، والحج من أصل الصلاة، والذكر من أجل الصلاة، والدعاء من أجل الصلاة، الصلاة عماد الدين، من أقامها أقام الدين، ومن تركها هدم الدين، الصلاة غرة الطاعات، ومعراج المؤمن إلى رب الأرض والسماوات، والصلاة هي الفرض الوحيد الذي لا يزول بحال، الفرض الوحيد المتكرر الذي لا يسقط بحال، الصيام يسقط عن المريض والمسافر، والحج يسقط عن المريض والفقير، والزكاة تسقط عن الفقير، والشهادة ينطق بها مرةٌ واحدة، أما الفرض الوحيد المتكرر الذي لا يسقط بحال إنه الصلاة.
لذلك أيها الأخوة الكرام، أنت بالصلاة الحقيقية، بالاتصال الحقيقي، تكتسب الكمال الذي وعدك الله به، إن مكارم الأخلاق مخزونةٌ عند الله تعالى، فإذا أحب الله عبداً، منحه خلقاً حسناً.

 

أمثلة عن صحابة ذاقوا حلاوة الإيمان :

لو أن أتيت لكم بأمثلة عن هؤلاء الذين ذاقوا حلاوة الإيمان، سيدنا خبيب بن عدي، قبض عليه المشركون ليصلبوه، انتقاماً من قتلى بدر، فجاء أبو سفيان وسأله، دققوا أتحب أن يكون محمدٌ مكانك؟ هذا الصحابي الجليل ذاق حلاوة الإيمان، ماذا قال؟ قال: والله ما أحب أن أكون في أهلي وولدي ـ أي أمامي زوجتي وأولادي، والإنسان الذي عنده زوجة وأولاد وهما أمامه شيء مريح ـ وعندي عافية الدنيا، ونعيمها ـ أي بالتصور المعاصر بيت فخم، إطلالة رائعة، مساحة واسعة، أجهزة كهربائية كاملة، الثلاجة ممتلئة بما لذّ وطاب، من الطعام، والشراب، والفواكه، والحلويات، والورود ـ والله ما أحب أن أكون في أهلي، وولدي، وعندي عافية الدنيا ونعيمها، ويصاب رسول الله بشوكة.
هذا الصحابي الجليل ذاق حلاوة الإيمان، والله ما أحب أن أكون في أهلي وولدي، وعندي عافية الدنيا ونعيمها، ويصاب رسول الله بشوكة.
أيها الأخوة، صحابيٌ آخر، اسمه سعد بن الربيع، هذا سأل عنه النبي عقب معركة أُحد، فلم يعلم أحد عنه شيئاً، كلف أحد الصحابة أن يتفقده في أرض المعركة، ذهب إلى أرض المعركة، فرأى القتلى، وبعض الجرحى، وكان سعد بن الربيع بينهم، فقال له: يا سعد! أنت مع الأموات أم مع الأحياء؟ أي جرحك بسيط أم جرحك كبير؟ قال له: أنا مع الأموات، قال له: النبي الكريم أرسلني كي أتفقدك، اسمعوا ماذا قال، قال: أبلغ رسول الله أن جزاك الله خير ما جزى نبياً عن أمته، وهو يموت! وهو سيلاقي الدار الآخرة! أبلغ رسول الله مني السلام، وقل له: جزاك الله خير ما جزى نبياً عن أمته، وأبلغ أصحابه أنه لا عذر لكم إذا خُلص إلى نبيكم وفيكم عينٌ تطرف، وهذا الصحابي أيضاً ذاق حلاوة الإيمان.
أخواننا الكرام، امرأةٌ ذاقت حلاوة الإيمان، بلغها في أُحد أن النبي قُتل، فانطلقت إلى ساحة المعركة، فرأت أباها مقتولاً، فقالت: ما فعل رسول الله؟ ثم رأت زوجها مقتولاً، فقالت: ما فعل رسول الله؟ ثم رأت ابنها مقتولاً، فقالت: ما فعل رسول الله؟ ثم رأت أخاها مقتولاً، رأت أباها، وزوجها، وابنها، وأخاها، وهي تقول: ما فعل رسول الله؟ إلى أن وقعت عينها عليه، فاطمأنت، وقالت: يا رسول الله كل مصيبةً بعدك جلل، هذه امرأةٌ ذاقت حلاوة الإيمان.

من ذاق حلاوة الإيمان كان أسعد الناس :

والله أيها الأخوة، لو ذاق أحدنا حلاوة الإيمان لكان إنساناً آخر، نحن نؤمن بالله ورسوله، وبالكتاب، وبالقضاء والقدر، ونصلي، ونصوم، ونحج، ونزكي، لكن لو ذقت حلاوة الإيمان لكنت إنساناً آخر، هؤلاء الصحابة القلة الذين وصلوا إلى أطراف الدنيا، الذين دانت لهم الدنيا شرقاً وغرباً، ذاقوا حلاوة الإيمان، كانوا أسعد الخلق، وإن لم تقل أنا أسعد الناس، إلا أن يكون أحدهم أتقى مني، فلم تذق حلاوة الإيمان، الإيمان أن تكون مع الله، الإيمان أن تكون مع القوي، مع الغني، مع الرحيم، الإيمان أن تتصل به، أن تسعد بقربه، لذلك هناك حقائق الإيمان، يدركها جميع المسلمين، وهناك حلاوة الإيمان، هذا الذي قال:

فليتك تحلو والحياة مــريرةٌ ولــيتك ترضى والأنام غضابُ
ولـيت الذي بينك وبيني عامرٌ وبينـــي وبين العالمين خرابُ
وليت شرابي من ودادك سائغٌ وشربي مـن ماء الفرات شرابُ
إذا صح منك الوصل فالكل هينٌ وكــل الذي فوق التراب ترابُ
* * *

أنت حينما تذوق حلاوة الإيمان تكون أسعد الناس، كما كان إبراهيم في النار:

﴿ يَا نَارُ كُونِي بَرْداً وَسَلَاماً عَلَى إِبْرَاهِيمَ ﴾

[ سورة الأنبياء ]

أنت حينما تذوق حلاوة الإيمان تكون أسعد الناس، وأنت في بطن الحوت، سيدنا يونس:

﴿ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ ﴾

[ سورة الأنبياء ]

أنت حينما تذوق حلاوة الإيمان تكون أسعد الناس، وأنت ملاحق، وقد هدر دمك، ووضع مئة ناقةٍ لمن يأتي بك حياً أو ميتاً، النبي الكريم، وهو في الغار، قال له الصديق: يا رسول الله لقد رأونا:

(( فقال : يا أبا بكر ما ظنك باثنين الله ثالثهما؟ ))

[ أخرجه البخاري ومسلم والترمذي عن أنس بن مالك ]

أنا أقدم لكم نماذج ذاقوا حلاوة الإيمان، النبي الكريم في الغار، مهدورٌ دمه، ذاقوا حلاوة الإيمان في بطن الحوت، ذاقوا حلاوة الإيمان في النار، ذاق أهل الكهف حلاوة الإيمان وهم في الكهف.

 

الفرق الكبير بين حقائق الإيمان و حلاوة الإيمان :

أيها الأخوة، فرقٌ كبير بين أن تدرك حقائق الإيمان وبين أن تذوق حلاوة الإيمان، مثلاً على الطاولة هناك خارطة قصر، ما شاء الله! الغرف ثمانية أمتار بستة أمتار، الشرفات واسعة، الإطلالة رائعة، الصالونات، الغرف، غرف النوم، غرف الجلوس، لكن هذا ورق، هذه خارطة، و هو لا يملك كوخاً، الذي يملك هذه الخارطة، التي هي حقائق الإيمان، لا يملك كوخاً يسكنه

كم هو الفرق بين أن تملك خارطة قصر وبين أن تسكن هذا القصر؟ مسافة كبيرة جداً، كم هي المسافة بين صورة لسيارة حديثة جداً وبين أن تملك هذه السيارة؟ كم هي المسافة بين أن تقول: ألف مليون دولار، بين أن تنطق بها وبين أن تملكها؟ صدقوا ولا أبالغ المسافة بين حقائق الإيمان وبين حلاوة الإيمان كالمسافة بين أن تنطق بمئة مليون دولار، وبين أن تملكها في هذه الظروف الصعبة مثلاً، لذلك حلاوة الإيمان شيء، هذا الذي لو سعى إليه الإنسان، لقال: أنا إنسان آخر.

هؤلاء الصحابة الكرام، أبطال، مؤمنون، قال سيدنا الصديق لسيدنا عمر: ابسط يدك لأبايعك، القصة لها روايات عديدة، بعض هذه الروايات، قال له: أي أرضٍ تقلني، وأي سماءٍ تظلني، إذا كنت أميراً على قومٍ فيهم أبو بكر؟ معقول! قال له: يا عمر أنت أقوى مني، قال له: أنت أفضل مني، قال له: قوتي إلى فضلك، أي نتعاون، هكذا كان الصحابة الكرام، صدقوا ولا أبالغ أكثر ما يروى من خلافاتهم والله كذب بكذب، هناك روايات باطلة كتبت في عصور كان فيها صراعات، وكان فيها أشياء كثيرة، أنا أقول لكم كلمة حق: ما أتيح للتاريخ الإسلامي رجال كعلماء الحديث عكفوا عليه، ونقحوا رواياته، في التاريخ ما هب ودب.

الإمام الحسن البصري ذاق حلاوة الإيمان :


أيها الأخوة، الحسن البصري ذاق حلاوة الإيمان، وأدى رسالة العلماء في إنكار المنكر، في عهد الحجاج، والحجاج كان بطاشاً، بلغه أن هذا العالم الجليل أنكر المنكر، فقال لمن حوله: يا جبناء، والله لأروينكم من دمه، وأمر بقتله، وجاء بالسياف، ومُدّ النطع ـ النطع جلد يمد تحت قدمي المقتول، لئلا يصيب الدم الأثاث الفاخر ـ جاء بالسياف، ومُدّ النطع، وطلب أن يأتوا به، فلما دخل على الحجاج، حرك شفتيه، لم يفهم أحداً ماذا قال، فإذا بالحجاج يقف له، ويقول له: أهلاً بأبي سعيد، أنت سيد العلماء، وما زال يدنيه من مجلسه، حتى أجلسه على سريره، وقال الرواة: سأله، واستفتاه، وقدم له ضيافةً، وعطره، وودعه إلى باب القصر، هذا السياف صعق، جيء به ليقطع رأس هذا العالم، جيء به ليقتله، مُدّ النطع ، تبعه الحاجب قال له: يا أبا سعيد، لقد جيء بك لغير ما فُعل بك فماذا قلت لربك؟ بعد إلحاح قال له: حينما دخلت، ورأيت السياف، والنطع قد مدّ، عرفت أنني مقتول، فناجيت ربي، قلت: يا رب، يا ملاذي عند كربتي، يا مؤنسي في وحشتي، اجعل نقمته علي برداً وسلاماً، كما جعلت النار برداً وسلاماً على إبراهيم، فإذا بالحجاج ما الذي حدث؟ ماذا تصور؟ قال له: أهلاً بأبي سعيد، أنت سيد العلماء، وأجلسه على سريره، واستفتاه، وقدم له ضيافةً، وعطره، وشيعه إلى باب القصر.
أي أنت إذا ذقت حلاوة الإيمان أصبحت إنساناً آخر، أنت مستجاب الدعوة.

(( ما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فأكون أنا سمعه الذي يسمعه، وبصره الذي يبصر به، ولسأنه الذي ينطق به، وقلبه الذي يعقل به، فإذا دعاني أجبته وإذا سألني أعطيته ))

[ أخرجه الطبراني عن أبي أمامة الباهلي ]

حلاوة الإيمان لا يضحي بها الإنسان ولو فقد كل شيء :

حلاوة الإيمان شيء آخر، أن تذوق طعم القرب، حلاوة الإيمان لا تضحي بها ولو أن الدنيا بأكملها ذهبت من يدك، هذا الذي نرجوه من أخوتنا الكرام، أن يحاولوا أن يذوقوا طعم حلاوة الإيمان، إسلام كبير واضح، والعبادات واضحة، والصلاة، والصوم، والحج، والزكاة، والأفكار كثيرة، والنصوص واضحة

لكن جرب أن تذوق حلاوة الإيمان، جرب أن تعمل عملاً خالصاً لله، جرب أن تتقرب إلى الله بنافلة، بصلاة، بخدمة، بعمل صالح، هذا الإنسان بنيان الله، وملعون من هدم بنيان الله، انصحه، ارحمه، سامحه، اغفر له، أعنه، أنفق عليه، الإنسان كما قلت قبل قليل: بنيان الله، لا تغشه، لا توهمه، لا تخوفه، لا تبتز ماله، لا تضحك عليه، لا تحتال عليه، هذا الإنسان بنيان الله، الله خلقه، فأنت إذا أكرمت الإنسان أكرمت الواحد الديان، إذا أكرمت أخاك المؤمن أكرمت الله، إذا أكرمت إنساناً لا تعرفه ولو كان مجوسياً أكرمت الله، لأن هذا الذي تعرفه قد يكون شارداً عن الله، فإذا رأى منك إحساناً صعقته، وأعلمته أنك على حق.

أيها الأخوة الكرام، مرةً ثالثة:

(( ذََاقَ طَعْمَ الإيمانِ مَنْ رَضِيَ بالله ربّاً، وبالإسلام ديناً وبمحمَّدٍ صلى الله عليه و سلم نبياً و رَسُولاً ))

(( ثلاثٌ من كُنُّ فيه وجدَ بهنَّ طَعْمَ الإيمان: مَن كان اللَّهُ ورسولُهُ أحبَّ إليه مما سواهما، ومَنْ أحبَّ عبداً لا يُحِبُّهُ إلا لله، ومن يكْرهُ أن يعودَ في الكفر بعد أن أنقذه الله منه كما يكرَه أن يُلقى في النار ))

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور