وضع داكن
26-04-2024
Logo
الصلاة - الدرس : 14 - صلاة الضحى وصلاة الحاجة - إحياء الليالي
  • الفقه الإسلامي / ٠5العبادات الشعائرية
  • /
  • ٠3الصلاة
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.

إحياء العشر الأخير من رمضان :

 أيها الأخوة المؤمنون، تابع فصل تحية المسجد، وصلاة الضحى، وإحياء الليالي، وكنا قد وصلنا في الدرس الماضي إلى صلاة الحاجة، وتحدثنا عن أن الإنسان إذا واجه مشكلة عويصة وظنها كبيرة قام الليل، وصلى ركعتين صلاة الحاجة، فإن الله قدير على حلّ هذه المشكلة المعضلة! وقال مؤلف الكتاب: ونُدِبَ إحياء العشر الأخير من رمضان، لما روي عن عائشة رضي الله عنها:

((أن رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا دَخَلَ الْعَشْرُ، أَحْيَا اللَّيْلَ، وَأَيْقَظَ أَهْلَهُ وَجَدّ، وَشَدَّ الْمِئْزَرَ))

[مسلم عَنْ عَائِشَةَ رَضِي اللَّهم عَنْهَا ]

 والقصد منه إحياء ليلة القدر، فإن العمل فيها خير من عمل في ألف شهر خالية منها! وروى أحمد عن النبي الكريم أنه:

((مَنْ صَامَ رَمَضَانَ، وَقَامَهُ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ، وَمَنْ قَامَ لَيْلَةَ الْقَدْرِ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ ))

[أحمد عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ]

 وقد بَسَطْتُ هذا في دروسٍ سابقة من أن ليلة القدر معناها أن معرفة الإنسان بربه بلغت الحدَّ الذي يخشاه منه، فأي إنسان يعصي الله سبحانه وتعالى لا يعرف ربه، فإذا عرفه حق المعرفة فإنه يطيعه، وإذا قدّر الله عز وجل تقديراً صحيحاً فإنه لا يعصيه، فلا عبادة كالتفكر، التفكر يفضي إلى الطاعة!

إحياء ليلتي العيدين :

 ونُدِبَ إحياء ليلتي العيدين، الفطر والأضحى، لحديث النبي الكريم:

((مَنْ قَامَ لَيْلَتَيِ الْعِيدَيْنِ مُحْتَسِبًا لِلَّهِ لَمْ يَمُتْ قَلْبُهُ يَوْمَ تَمُوتُ الْقُلُوبُ ))

[ابن ماجة عَنْ أَبِي أُمَامَةَ]

 ويستحب الإكثار من الاستغفار بالأسحار، وسيد الاستغفار: "اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت خلقتني وأنا عبدك، وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت، أعـوذ بك من شر ما صنعت، أبوء لك بنعمتك عليّ، وأبوء بذنبي- أي أعـترف بنعمتك يا رب- وأعترف بذنبي، فاغفر لي فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت"، والدعاء في إحدى ليلتي العيدين مستجاب.

إحياء ليلة النصف من شعبان و ليلة الجمعة :

 ونُدِبَ إحياء ليلة النصف من شعبان، لأنها تكفَّر ذنوب السنة، ونُدِبَ إحياء ليلة الجمعة.
 فمعنى الإحياء إذا أردنا أن نتوسع فيه، إذا جلس الإنسان بعد العشاء بعض الوقت، وقرأ كتاب الله، وذكر الله عز وجل، ودعا إلى الله، وتذاكر مع إخوانه المؤمنين في بعض موضوعات الإيمان، وتفكَّر في بعض الآيات الكونية، وإذا زاد عن العشاء، أو قام قبل الفجر فهذا عند الله إحياء، لا أن تفهموا مني أن الإحياء ألا ينام الإنسان أبداً، هذا جسد وله حاجات.

((عبد الله بْنُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ قَالَ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَا عبد الله أَلَمْ أُخْبَرْ أَنَّكَ تَصُومُ النَّهَارَ، وَتَقُومُ اللَّيْلَ؟ قُلْتُ، بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ، فَلا تَفْعَلْ، صُمْ وَأَفْطِرْ، وَقُمْ وَنَمْ، فَإِنَّ لِجَسَدِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وَإِنَّ لِعَيْنِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وَإِنَّ لِزَوْجِكَ عَلَيْكَ حَقًّا))

[البخاري عن عبد الله بْنُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ]

 فهذه المرأة التي جاءت سيدنا عمر رضي الله عنه قائلة له "، يا أمير المؤمنين إن زوجي قوّامٌ قوّامٌ، سيدنا عمر يبدو أنه مشغول فظن أنها تمدحه، فقال، بارك الله لك فيه! قوّام في النهار، قوّام في الليل، سيدنا علي رضي الله عنه قال: يا أمير المؤمنين إنها تشكو زوجها! فانتبه سيدنا عمر، و قال: يا أبا الحسن إن كنت فهمت هذا فاحكم بينهما، فأخذ الإمام علي كرم الله وجهه أن الإنسان المؤمن المسلم يحق له أن يتزوج أربع نساء، فإذا تزوج أربع نساء نصيب الواحدة منهن ليلة كل أربع ليال، فحكم سيدنا علي لهذه المرأة أن يتفرغ لها ليلة في كل أربع ليالي، فلما بلغ عمر بن الخطاب هذا الحكم أُعجِب به" حكم صحيح.

معنى الإحياء :

 فإذا قلنا: إحياء الليالي يعني إحياء تام من دون نوم إطلاقاً فهذا لا يتحمله الإنسان، ولكن يتحمله في العام مرات عديدات، أما هنا نُدِبَ إحياء ليلة الجمعة أي طوال ليلة الجمعة لم ينم، وإذا جاء إلى الخطبة ينام في المسجد، فمعنى الإحياء زاد عن الحد المعقول، وزاد عن العشاء جلسة، وإذا الإنسان سَهِرَ مع إخوانه المؤمنين في موضوع ديني فهذا إحياء! قام قبل الفجر، وصلى ركعات، فهذا إحياء!
 ونُدِبَ إحياء ليلة النصف من شعبان؟ لأنها تكفّر ذنوب السنة، وليلة الجمعة لأنها تكفر ذنوب الأسبوع، ولكن يوجد هنا نقطة دقيقة: إذا ظن أحدكم أن عنده رصيداً ناجحاً يقوم بفعل الذنوب طوال الجمعة ويكفرها الخميس، يقوم بفعل الذنوب أثناء العام وفي شهر شعبان القادم على الطريق نكفر به عن ذنوبنا، هذا فهم سقيم، ومغلوط، فيما لو صدر من إنسان ذنب من دون قصد، أو تصميم، أو من دون إرادة، أو من دون رغبة، فإن جلسة إحياء هذه الليالي يشفيه من هذا المرض الذي سبب له الوقوع في الذنب. وقد قال عليه الصلاة والسلام:

((من أحيا الليالي الخمسة، وجبت له الجنة، ليلة التروية، وليلة عرفة، وليلة النحر، وليلة الفطر، وليلة النصف من شعبان))

[ الترغيب و الترهيب عن معاذ بن جبل]

 وقد قال عليه الصلاة والسلام:

((مَنْ قَامَ لَيلَةَ النِصْفِ مِنْ شَعْبَانْ، ولَيْلَتَيِ الْعِيدَيْنِ مُحْتَسِبًا لِلَّهِ، لَمْ يَمُتْ قَلْبُهُ يَوْمَ تَمُوتُ الْقُلُوبُ ))

[ابن ماجة عَنْ أَبِي أُمَامَةَ]

 نقطة دقيقة، وعن ابن عباس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

((مَنْ صَلَّى الْعِشَاءَ فِي جَمَاعَةٍ، فَهُوَ كَمَنْ قَامَ نِصْفَ اللَّيْلِ، وَمَنْ صَلَّى الصُّبْحَ فِي جَمَاعَةٍ، فَهُوَ كَمَنْ قَامَ اللَّيْلَ كُلَّهُ ))

[أحمد عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ رَضِي اللَّهم عَنْهم ]

 هذا الذي قلته قبل قليل، إذا الإنسان استيقظ الساعة الخامسة أو الرابعة والنصف في هذه الأيام وصلّى قيام الليل، وذهب إلى المسجد فهذا قيام ليل، أي أحيا هذه الليلة، وإذا كان بعد العشاء عنده موعد، في موضوع فيه ذكر، فيه مذاكرة، فيه قرآن، فيه مذاكرة للحديث الشريف.. فهذا المجلس إن ذُكِرَ بعد العشاء فهذا إحياء! فالنبي الكريم كان رؤوفاً بأمته، وهناك أشياء لم يفعلها، كان صائماً في السفر فأفطر، فهل شعر بحاجة ماسة للطعام؟ أنا أظن قد يكون لا، ولكن لماذا أفطر؟ لئلا يشق على أمته، وهناك بعض السنن التي تركها ثم فعلها، ليست مؤكدة، أليس بإمكانه فعلها؟ نعم بإمكانه، لكن عمله تشريع، ومخالفة التشريع معصية، لا أنسى المرأة التي جاءت النبي عليه الصلاة والسلام تشكو زوجها، فقال النبي الكريم لها:

((أَنَّ زَوْجَ بَرِيرَةَ كَانَ عَبْدًا يُقَالُ لَهُ: مُغِيثٌ، كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَيْهِ يَطُوفُ خَلْفَهَا يَبْكِي وَدُمُوعُهُ تَسِيلُ عَلَى لِحْيَتِهِ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلْعَبَّاسِ: يَا عَبَّاسُ أَلا تَعْجَبْ مِنْ حُبِّ مُغِيثٍ، بَرِيرَةَ وَمِنْ بُغْضِ بَرِيرَةَ مُغِيثًا؟ فَقَالَ لَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لَوْ رَاجَعْتِيهِ فَإِنَّهُ أَبُو وَلَدِكِ، قَالَتْ، يَا رَسُولَ اللَّهِ أَتَأْمُرُنِي؟ قَالَ، لا إِنَّمَا أَنَا شَفِيعٌ، قَالَتْ، فَلا حَاجَةَ لِي فِيهِ ))

[النسائي عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ]

 لَوْ رَاجَعْتِيهِ فَإِنَّهُ أَبُو وَلَدِكِ أي لو أنك ترضين بما يقول، قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَتَأْمُرُنِي؟ -أمرك منفَّذ- ومعصية أمرك معصية، قَالَ: لا إِنَّمَا أَنَا شَفِيعٌ، ما رضي النبي الكريم أن يضع مقامه مقام الرسالة مقام النبوة في الضغط على زوجة، قَالَ: لا إِنَّمَا أَنَا شَفِيعٌ، ولو أنني أمرتك لوجب التنفيذ، ولكانت المخالفة معصية كبيرة، قَالَ: لا إِنَّمَا أَنَا شَفِيعٌ.

الجماعة رحمة والفرقة عذاب :

((مَنْ صَلَّى الْعِشَاءَ فِي جَمَاعَةٍ، فَهُوَ كَمَنْ قَامَ نِصْفَ اللَّيْلِ، وَمَنْ صَلَّى الصُّبْحَ فِي جَمَاعَةٍ، فَهُوَ كَمَنْ قَامَ اللَّيْلَ كُلَّهُ ))

[أحمد عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ رَضِي اللَّهم عَنْهم ]

 فالإنسان إذا استيقظ قبل الفجر، وتوضأ وذهب إلى المسجد، إلى أين هو ذاهب؟ سؤال؟ إنه ذاهب إلى الله! إني ذاهب إلى ربي، ليس شيئاً سهلاً، لا يوجد طعام ولا شراب ولا دعوة، لا شيء في المسجد إلا الصلة بالله عز وجل، والصلة في بيته أشد، فإذا صليت الفجر في جماعة فكأنما أحييت الليل كله.
 سبحان الله عندما يعتاد الإنسان صلاة الفجر في جماعة تنقلب هذه الصلاة إلى عادة ثابتة، فمن عاداته أنه ينام الساعة الواحدة ويستيقظ الرابعة والنصف، وينام الساعة الثانية، ويستيقظ في الرابعة والنصف، يكون مسافراً فيستيقظ بالرابعة والنصف، ويكون متعباً فيستيقظ الرابعة والنصف، الجماعة رحمة، والفرقة عذاب.

((خَطَبَنَا عُمَرُ بِالْجَابِيَةِ فَقَالَ، يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي قُمْتُ فِيكُمْ كَمَقَامِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِينَا، فَقَالَ، أُوصِيكُمْ بِأَصْحَابِي ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ يَفْشُو الْكَذِبُ حَتَّى يَحْلِفَ الرَّجُلُ، وَلا يُسْتَحْلَفُ وَيَشْهَدَ الشَّاهِدُ، وَلا يُسْتَشْهَدُ، أَلا لا يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ إِلا كَانَ ثَالِثَهُمَا الشَّيْطَانُ، عَلَيْكُمْ بِالْجَمَاعَةِ، وَإِيَّاكُمْ وَالْفُرْقَةَ، فَإِنَّ الشَّيْطَانَ مَعَ الْوَاحِدِ، وَهُوَ مِنَ الاثْنَيْنِ أَبْعَدُ، مَنْ أَرَادَ بُحْبُوحَةَ الْجَنَّةِ فَلْيَلْزَمِ الْجَمَاعَةَ، مَنْ سَرَّتْهُ حَسَنَتُهُ، وَسَاءَتْهُ سَيِّئَتُهُ فَذَلِكُمُ الْمُؤْمِنُ))

[الترمذي عَنْ ابن عمر]

 رجل يصلي وحده، يقول: أبقى نائماً، الله غفور رحيم، لست مرتاحاً، يأتي لجسدك معلومات من الشيطان معقولة، لو قمت للصلاة لن تفهم شيئاً منها لأنك نعسان، أما إذا عوّدت نفسك على الصلاة في جماعة، لحصل وضع آخر، أصبحت هذه الصلاة راسخة.

من اقتطع من وقته الثمين وقتاً لله عز وجل وفّر الله له وقته وبارك له فيه :

 أخوة كثيرون يقولون لي: بعد أن صلينا الفجر في جماعة، أصبحت هذه الصلاة جزءاً من حياتنا، فلو أن مرة واحدة فاتتنا هذه الصلاة لتعكّر يومنا كله! وكأنهم فقدوا شيئاً ثميناً، "لا تعجز عن ركعتين قبل الشمس، أكفك النهار كله".
فإذا الإنسان توضأ وارتدى ثيابه وتوجه إلى المسجد، إلى أين هو ذاهب؟ إلى الله، إذا كان قد جاء من مكان بعيد، من طرف المدينة، إلى المسجد فهذا شيء ثمين! والأجداد قالوا -رحمهم الله - : الثواب على قدر المشقة! أخ يجلس معنا هنا قد قَدِم من دوما، من حرستا، من زملكا، من عربين، من جوبر، ركب الباص الأول والثاني، و الباص لا يوجد فيه محلات، وانتظر، وتحمل الطريق ساعة ونصفاً حتى وصل، وعنده ساعة ونصف للعودة، والله هذا أجره لا يمكن أن يكون مثل الذي يسكن أمام الجامع، رب العالمين والله يقدر الليل والنهار، يقدر المسافات، ويقدر أزمة المواصلات، و الركوب في الباصات، ويقدر دفع المبلغ الكبير للتاكسي مثلاً، وجدت نفسك تأخرت فأخذت تكسي، فطلب منك تسع ليرات، والله يقدر الليل والنهار كله بقدر، يقدر حجم التضحية تماماً، وأحياناً تكون على أحر من الجمر، وأحياناً يكون عندك موسم شديد جداً تقول: وقت الله مقدس، لا أعتدي عليه، توقف العمل وتتوجه إلى المسجد، حق على الله سبحانه وتعالى أن يكرمك، أنا أعتقد وجازم بهذا القول: إذا أغلقت المحل قبل الوقت المعتاد كي تتوجه إلى مجلس العـلم، أنا أعتقد جازماً والله الذي لا إله إلا هو لا يمكن أن تفوتك بيعة، هذا الذي يأتـيك ويراك قد أغلقت الدكّان سبحان الله يتعلق بهذا المحل، ويقول: غداً آتيه، و جارك الملاصق يكون عنده نفس البضاعة، فيريد من عندك.
 والله عز وجل يلفت نظر الناس إليك، ويجعل قلوب الناس تهوي إلى هذا المحل، إنه مغلق وجاره لديه البضاعة نفسها، لا، لأن هذا أغلق محله ليتوجه إلى المسجد فهو في حفظ الله، وهذا الشاري لن يشتري من عند غيره، أنا أرى محلاً يبيع عصيراً في سوق الحميدية أذّن الظهر فأغلق محله، ينتظر الزبون نصف ساعة ليأتي البائع، اذهب وصلِّ معه، ينتظره حتى يعود من الصلاة ليسقيه كأساً من العصير! فالله عز وجل بيده قلوب العباد، وأنا أقول لكم كلاماً أعني ما أقول تماماً، مثلما ربنا عز وجل أمرنا بـزكاة المال، أيضاً أمرنا بزكاة الوقت.
 وأنا قلت اليوم لأخ: أحياناً ينكسر برغي وسط آلة، تنكسر قطعة منه فتجد نفسك لا يوجد حل، حتى تفك هذه الآلة وتأخذ لها سيارة إذا كان حجمها معقولاً أو تأخذ لها ونشاً، أو لمحل ليضعوا عليها ملحمة يلحمون عليها البرغي، وقد تأخذ من وقتك عشر ساعات أو عشرين ساعة، أو ثلاثين ساعة، وأحياناً تنكسر قطعة بآلة تضطر أن تسافر لبلد آخر لتحضر مثلها، الله عز وجل قادر أن يضيع من وقتك مئات الساعات، عدا النفقات، فلو أنك اقتطعت من وقتك الثمين وقتاً لله عز وجل، لا تحيد عنه، لوفّر الله لك وقتك، ولبارك الله في حياتك.

من أخَّر الصلاة عن وقتها أذهب الله البركة من عمره :

 أذكر حديثاً آخر:

((قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَا أَبَا ذَرٍّ كَيْفَ تَصْنَعُ إِذَا أَدْرَكْتَ أُمَرَاءَ يُؤَخِّرُونَ الصَّلاةَ عَنْ وَقْتِهَا؟ قُلْتُ، مَا تَأْمُرُنِي يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ، صَلِّ الصَّلاةَ لِوَقْتِهَا، وَاجْعَلْ صَلاتَكَ مَعَهُمْ نَافِلَةً ))

[الترمذي عَنْ أَبِي ذَرٍّ ]

 أنه من أخَّر الصلاة عن وقتها أذهب الله البركة من عمره ! أحياناً يجلس الرجل ليسهر مع أهله فلا يصلي صلاة العشاء، شيء يزعجه، لا يهنأ بقصة، ولا بحديث، ولا بقراءة مقالة، إذا فضّل الجلوس مع أهله وقرأ لا يهنأ لأنه لم يصلِّ العشاء، أصبحت الساعة الحادية عشرة نَعِسَ فقام للصلاة بكل نفس ذائقة الموت! إذا كان الإنسان يريد أن ينام لا يصلِّ فليرقد قليلاً حتى يصحو، إذا كان سيصلي وهو في تعب شديد ليست هذه صلاة، إذا كان صلى الصلاة في المسجد مع أذان الظهر يأتي إلى البيت يأكل وينام وليس عليه شيء، أما إذا كان لم يصلِّ يريد أن يأكل وأكثر من الطعام لا يبقى به قوة للصلاة، وإذا صلى وكان جائعاً جداً فعقله بالطعام، وهذه مشكلة، فصلِّ الظهر في وقته، يبارك لك في وقتك.
 من أخّر الصلاة عن وقتها أذهب الله البركة من عمره ! أحب الأعمال إلى الله الصلاة في أوقاتها.

كره الاجتماع على إحياء ليلة من هذه الليالي المتقدم ذكرها :

 وهنا شيء جديد بالكتاب، يكره الاجتماع على إحياء ليلة من هذه الليالي! لأن قيام الليل من عمل السر، والإخلاص، ولو أنه أُبْدِيَ في جماعة لأصبح ذلك مشوباً بالنفاق! وقيام الليل إحياء الليالي هذا كما قال العلماء، يُكره الاجتماع على إحياء ليلة من هذه الليالي المتقدم ذكرها في المساجد ! وليس محرّماً، إذا الإنسان لم يحيها وحده إطلاقاً، لماذا الآن يقومون بالإحياء في المساجد؟ لعدم وجود الهمة الفردية بأن تحييها وحدك، وقديماً كان الإنسان عنده رغبة عظيمة جداً للتقرب من الله عز وجل، وهذه صلاة قيام الليل، تبكي، تطوّل، تقصر.. تركع أحياناً ربع ساعة، بالسجود لك عند الله قائمة مطاليب فطلبتها كلها في هذا السجود، أنت حر في بيتك، وأحياناً الإنسان يأتيه الخشوع ويطيل في السجود ويطيل في الركوع فهذه الصلاة خاصة جداً من خصوصيات المؤمن، لذلك النبي الكريم كان يصليها في البيت، ويكره أن تصلى في جماعة في المساجد.
 لكن أفسر لكم لماذا الناس الآن يحيون هذه الليالي في المساجد؟ لأن همة الإنسان الآن ضعيفة جداً، فأنا أقول: إحياؤها في المسجد في جماعة خير من عدم إحيائها كلياً، وهذه مكروهة، إذا كانت مكروهة أن تصلى في المسجد في جماعة وأنت لا تصليها فأنا أفتي لك أن تصليها في المسجد في جماعة! ولو بلغك أن هناك جامعاً فيه إحياء ليلة العيد وأنت لم تنوِ إحياءها وحدك اذهب واحضر الإحياء في المسجد، وصلِّ قيام الليل في جماعة! فهو مكروه كراهة، أما لو عندك همة عالية وتحيي الليلة وحدك فأفضل، وأقرب، وأشد إخلاصاً، وتأكيداً لنفسك أنك مخلص، لماذا يُكْرَه؟ ليس هناك نهي إطلاقاً بالمناسبة! ولكن لأن النبي الكريم لم يفعل هذا لا هو ولا أصحابه، فالنبي الكريم وأصحابه الكرام ما فعلوا هذا، ولكن ربنا عز وجل قال:

﴿ إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَى مِنْ ثُلُثَي اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطَائِفَةٌ مِنْ الَّذِينَ مَعَكَ﴾

[ سورة المزمل: 20]

 و الله عز وجل في القرآن الكريم ثبت قيام الليل للنبي ولأصحابه، ولم يصل النبي هذا القيام في المسجد في جماعة، لكن نحن في عصر متأخر جداً، إذا الإنسان لم يصلّ وحده وسمع أن هناك إحياء ليل لا مانع! أنا أحبذ أن يصلى قيام الليل في جماعة لأن همة الناس قد ضعفت! وفي درس قادم إن شاء الله نتابع هذه الموضوعات.

 

* * *

 

الاتصال بالله جوهر الدين :

 والآن إلى فصل مختار من إحياء علوم الدين؛ الاتصال بالله جوهر الدين، والدين فيه نصوص، وعلوم، وتجويد، وفقه، وعلم فرائض، وتاريخ، فيه علوم كثيرة، وعندما يتقن الإنسان علوم الدين الظاهرة وقلبه خاوٍ من ذكر الله، و من الصلة بالله، كأنه جسد بلا روح! والنبي عليه الصلاة والسلام يقول: " إِنَّ لِلإِسْلاَمِ مَنَارَاً وَ ضِيَاءً ".
 ما قيمة هذه المنارة إن كان مصباحها منطفئاً؟ لا شأن لها! وما قيمة هذا المصباح إن كان على الأرض؟ لا قيمة له، فالإسلام له جسد، وله روح، روحه الاتصال بالله عز وجل، وهيكله هذه العبادات؛ الصلاة، والصيام، والحج، والزكاة، وتنفيذ الأوامر، فالإنسان إذا كان قلبه لا يوجد فيه محبة لله عز وجل كان جسداً بلا روح!، " ألا لا إيمان لمن لا محبة له، ألا لا إيمان لمن لا محبة له، ألا لا إيمان لمن لا محبة له ".
 لو أن دمعة هطلت على خدك من خشية الله لكان هذا أفضل من عبادة طويلة خالية من الخشوع!

((عَنْ أَبِي رَيْحَانَةَ أَنَّهُ كَانَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَزْوَةٍ، فَسَمِعَهُ ذَاتَ لَيْلَةٍ وَهُوَ يَقُولُ: حُرِّمَتِ النَّارُ عَلَى عَيْنٍ سَهِرَتْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَحُرِّمَتِ النَّارُ عَلَى عَيْنٍ دَمَعَتْ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ، قَالَ: وَقَالَ الثَّالِثَةَ فَنَسِيتُهَا! أَبُو شُرَيْحٍ سَمِعْتُ مَنْ يَقُولُ ذَاكَ: حُرِّمَتِ النَّارُ عَلَى عَيْنٍ غَضَّتْ عَنْ مَحَارِمِ اللَّهِ، أَوْ عَيْنٍ فُقِئَتْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ))

[الدارمي عَنْ أَبِي رَيْحَانَةَ]

 ومن باب التصميم، هذه عين لم تنظر إلى عورة ومن عادتها غض البصر تُحرمُ منها؟ لا والله، هذه الأذن ما استمعت إلى غناء إطلاقاً فهل تصاب بالصمم؟ لا والله، حاشا لله هذه اليد لم تفعل إلا الخير فهل تصاب بالشلل؟ لا والله، و هذه الرجل لم تتحرك إلا إلى المساجد و الطاعات و الأعمال الصالحة فهل تصاب بالقعود؟ لا والله ، ومتعنا اللهم بأسماعنا وأبصارنا وقوتنا وعقولنا ما أحييتنا، هذا الدماغ الذي يحفظ كتاب الله، الذي يفهم ويعي كتاب الله وسنة رسوله يصاب بالخرف؟ لا والله، من قرأ القرآن متعه الله بعقله حتى يموت، أنت تعامل من؟ تعامل خالقاً، إذا أحدكم عامل بشراً تجد بعض الوفاء، فتقول: هذا أعاننا بزمانه، إنسان لو أعان إنساناً لئيماً لا ينساها لك، فأنت تعامل إلهاً، وتعامل خالق السموات والأرض، وتعامل من له الأسماء الحسنى، تعامل الوفي، وتعامل الكريم والغني القدير..
 وتغض بصرك عن محارم الله وتفقد بصرك؟ لا تسمع الغناء بأذنيك، بل تسمع القرآن وتفقد سمعك؟ لا والله، هذه الحواس إذا أطعت الله فيها فطاعة الله عز وجل ضمان من أن تفقدها، في ضمان ذلك: الـحمد على النعمة أمان من زوالها، رجل نظر بالمرآة فرأى أن وجهه كامل، قال: يا رب لك الحمد الذي حسّنت خَلقي، وكما حسّنت خَلقي فحسن خُلُقي، إذا نظرت إلى وردة وقلت: والله إن الحمد لله بصرت، هذا الشكر بنعمة البصر أمان من زوالها.

الحمد على النعمة أمان من زوالها :

 أنا أطمئنكم مهما قيل إن الأمور مثلاً أحياناً العالم يتجه نحو مجاعة، نقص في المواد الغذائية، وارتفاع أسعار شديد مثلاً مهما قيل هذا إن كنت شاكراً لنعمة الله عز وجل فلن تفقد هذه النعمة! هذا قرآن قال:

﴿ وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ ﴾

[ سورة إبراهيم : 7]

 حمدك على نعمة الله أمان من زوالها، كل منكم ينظر لوضعه راض عن وضعه الحمد لله على أحسن وليس على أسوأ كما يقول الناس، هناك أناس متشائمون، يجلس بمجلس يملأ قلوب الناس ضيقاً، هذه سيرتفع سعرها، وهذه ستفقد، وهذه لا توجد، وهذه توجد.. تجد الذي يجلس معه تشاءم، الله عز وجل قال:

﴿ مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً ﴾

[ سورة النحل: 97 ]

 هذا وعد إلهي، وليس في بعض البلاد فقط، بكل البلاد مطبّق، لكل الأزمان والعصور، أنا أتمنى من كل أخ إذا قرأ آية، فهناك من يقرأ القرآن تبركاً، تجده متضايقاً نفسياً، متشائماً، عنده سوداوية، و المستقبل مظلم بنظره، ويقرأ قرآناً، الله عز وجل خالقك وخالق كل شيء، يقول لك:

﴿ مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً ﴾

[ سورة النحل: 97 ]

 كل هذا الوعد وتقلق وتيئس وتسوَّد الدنيا في عينيك؟ إذاً لا تقبل هذا الكلام! لست مصدقاً له.

علامة الإيمان أن الذي يقوله الله يدخل إلى أعماق قلب الإنسان :

 الحقيقة علامة الإيمان أن الذي يقوله الله سبحانه وتعالى يدخل إلى أعماق أعماق قلبك! إذا كنت أنت على وشك الزواج، وخطبت فتاتين الواحدة منهن وسط نسبة جمالها، لكنها صاحبة دين، ومن أسرة ديّنة، والثانية جميلة لكن هناك رقة في دينها، وإذا أنت اخترت الذي أمرك به:

﴿ وَلَا تَنكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ ﴾

[ سورة البقرة: 221]

 هل تكون مخطئاً؟ ممكن أن تتعب مع المؤمنة؟ لا والله، لم تسعدك، تشقى بها، إذا أنت آثرت ما يقوله الله عز وجل:

﴿ وَلَا تَنكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ ﴾

[ سورة البقرة: 221]

 فهل باختيارك الصحيح بما يرضي الله تشقى بها؟ لا والله، هنا يظهر المؤمن، إذا قلت: صدق الله العظيم، إذا قال الله:

﴿ يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ ﴾

[ سورة البقرة: 276 ]

 أنت تصدقه؟ يا أخي عصر صعب كل الناس هكذا، ماذا نفعل؟ تجد نفسك تمشي مثل الناس، وتأكلها مثل الناس، أما إذا كنت تقول: أخاف الله رب العالمين، تميزت عنهم، بعملك، وبمعاملة الله لك، رجل قال: والله هو شيء أنا أسمعه آلاف المرات، لكنه اليوم قال لي: البلاء يعم، والرحمة خاصة، قلت له: والله إذا كنت أنت معلماً، وقلت لطلابك افتحوا الوظائف، وفتحوها وكلهم لم يكتبوها، وغضبت، ومسكت العصا، وأمرتهم بفتح يديهم بالدور مقعداً مقعداً! المقعد الثالث أول طالب كاتب الوظيفة، كلمة كلمة مضبوطة وبخط جميل اضربه هيا تفضل! أنا قلت: سأضرب الجميع، لماذا الجميع؟ ماذا فعل هذا الطالب المجد؟ إن ضربته فلست معلماً! تُذَم، أنت لا تضربه.

الله عز وجل لا ينسى المؤمن :

 أنا قلت كلمة اليوم: لو أن الله عز وجل أراد أن يهلك من في الأرض جميعاً بذنوبهم وكان في الستة آلاف مليون فقط إنسان مستقيم على أمر الله لا يمكن إلا أن ينجيه الله سبحانه وتعالى، هذه قصة أنا أرويها دائماً....قال تعالى:

﴿ قَالَ سَآوِي إِلَى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاءِ قَالَ لَا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ ﴾

[ سورة هود: 43]

 وغرق، وسيدنا نوح في قمة الموج، وفي أشد اضطرابه تذكر المرأة التي لم يدعها فظن أنها ماتت، قال: بعدما انتهى الطوفان جاءته هذه المرأة وقالت له: يا نوح متى الطوفان؟ قصة لها معنى، إذا هو نسيها لكن الله لا ينساها، الله لا ينسى!

﴿ قَالَ عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي فِي كِتَابٍ لَا يَضِلُّ رَبِّي وَلَا يَنسَى ﴾

[ سورة طه: 52]

الله عز وجل رحمته مطلقة :

 ما معنى الله مطلق؟ أن رحمته مطلقة، ولا غلطة مع أيٍ كان، فالرحمة خاصة، والبلاء خاص، قال:

﴿ قَالَ فَمَا خَطْبُكُمْ أَيُّهَا الْمُرْسَلُونَ*قَالُوا إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمٍ مُجْرِمِينَ*لِنُرْسِلَ عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِنْ طِينٍ*مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُسْرِفِينَ*فَأَخْرَجْنَا مَنْ كَانَ فِيهَا مِنْ الْمُؤْمِنِينَ*فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ ﴾

[ سورة الذاريات: 31-36]

 أول شيء أخرجناهم، ثم أهلكنا الباقي! هكذا القرآن الكريم، أي عقيدة تعتنقها خلاف كتاب الله فهي ضلال كبير.

﴿ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنْ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ ﴾

[ سورة الأنبياء: 88]

 تأكد بأي عصر وأي مصر لو جاء بلاء عام، لو جاء زلزال، يجب ألا يضر بيت المؤمن! أو ربنا عز وجل يخلق له حاجة في بلد آخر فيبتعد عن البلد فيأتي الزلزال! والله مشكلة ففي هذه الأيام نسمع قصصاً كثيرة منها إنسان كان بمكان و تركه لو بقي لمات، أنت لماذا غادرت البناء؟ قال: خطر ببالي أن آخذ ربطة من الخبز قبل خمس دقائق غادرت البناء فصارت المشكلة، الله عز وجل يحفظ المؤمن، يخلق له حاجة خارج هذا المكان، يصرفه، أنت ما دخلت بهذا!

﴿ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنْ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ ﴾

[ سورة الأنبياء: 88]

 إذا قال لك: أنا سأعيشك حياة طيبة أو لا تصدق، كن متفائلاً دائماً، أما أحياناً فالإنسان البعيد عن الله سوداوي المزاج، متشائم، ليس عنده إلا خبر السوء دائماً، ويجمعها بكثافة بحيث تجتمع على الإنسان فتهلكه، تجده قد أصيب بالشلل ليس به قدرة ليتحرك.

* * *

آداب الدعاء :

1 ـ أن يترصد الإنسان بدعائه الأوقات الشريفة :

 تحدثنا في الدرس الماضي عن فضيلة الدعاء، والآن نتحدث عن آداب الدعاء:
 قال الإمام الغزالي: آداب الدعاء عشرة: الأول: أن يترصد بدعائه الأوقات الشريفة، هناك أوقات شريفة للدعاء، كيوم عرفة من السنة، ورمضان من الأشهر، ويوم الجمعة من الأسبوع، ووقت السحر من ساعات الليل.
على مستوى اليوم هذه الأوقات الشريفة التي يستحب أن يدعو بها المؤمن ربه، قال تعالى:

﴿ وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ ﴾

[ سورة الذاريات : 18]

 وقال عليه الصلاة والسلام:

((يَنْزِلُ رَبُّنَا تَبَارَكَ وَتَعَالَى كُلَّ لَيْلَةٍ إِلَى سَمَاءِ الدُّنْيَا، حِينَ يَبْقَى ثُلُثُ اللَّيْلِ الآخِرُ فَيَقُولُ: مَنْ يَدْعُونِي فَأَسْتَجِيبَ لَهُ، مَنْ يَسْأَلُنِي فَأُعْطِيَهُ، مَنْ يَسْتَغْفِرُنِي فَأَغْفِرَ لَهُ))

[أبي داوود عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ]

 من يحب أنا جاهز، نائم لا أحد لأحد، نام متأخراً لأنه كان يتابع فيلماً، وقيل: إن يعقوب صلى الله عليه وسلم قال:

﴿ قَالَ سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ﴾

[ سورة يوسف: 98]

 لماذا سوف؟ الآن استغفر ربك، يقصد للوقت الشريف. أي أخّر الدعاء لوقت السحر، هناك إشارات في القرآن دقيقة جداً على كلمة سوف.

 

2 ـ أن يغتنم الأحوال الشريفة :

 

 الأدب الثاني: أن يغتنم الأحوال الشريفة، قال أبو هريرة رضي الله عنه:

(( إن أبواب السماء تُفَتَّح عند زحف الصفوف في سبيل الله تعالى- هذه حالة شريفة- وعند نزول الغيث، وعند إقامة الصلوات المكتوبة، فاغتنموا الدعاء فيها))

[ إحياء علوم الدين عن أبي هريرة]

 لماذا بعد الصلاة دعاء؟ هذا حال شريف فلو كان الرجل لاهياً يدعو، وصلى صلاة متقنة، نفسه صفت وأشرقت بنور الله، فالآن إذا دعا الدعاء فهو مقبول! أول أدب: الوقت شريف، أما الآن الحال شريف، وقت وحال، وقال مجاهد: إن الصلاة دعيت في خير الساعات، فعليكم بالدعاء خلف الصلوات، وقال صلى الله عليه وسلم:

((لا يُرَدُّ الدُّعَاءُ بَيْنَ الأَذَانِ وَالإِقَامَةِ ))

[أبي داود عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ]

 فإذا أذّن العشاء، أغمض عينيه ودعا الله عز وجل بين الإقامة والأذان فلا يرد!

((عَنِ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الصَّائِمُ لا تُرَدُّ دَعْوَتُهُ ))

[ أحمد عَنِ أَبِي هُرَيْرَةَ]

 والحقيقة يرجع شرف الأوقات إلى شرف الحالات، كأن الأدبين أدب واحد، شرف الأوقات يرجع إلى شرف الحالات، وشرف الحالات إلى شرف الأوقات، لدينا شرف الأوقات على مستوى اليوم السحر، وعلى مستوى الأسبوع الجمعة، وعلى مستوى الأشهر رمضان، وعلى مستوى السنة يوم عرفة.

((أَقْرَبُ مَا يَكُونُ الْعَبْدُ مِنْ رَبِّهِ وَهُوَ سَاجِدٌ، فَأَكْثِرُوا الدُّعَاءَ))

[مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ]

 إذا صلّى الإنسان وحده في البيت وسجد وقال: سـبحان ربي الأعلى ثلاثاً، يقول: يا رب ارزقني رزقاً حلالاً طيباً، والله شيء جميل، يا رب زوجة صالحة لأنه على وشك الزواج، لا يعرف من يخطب؟ يا رب مأوى، يا رب الهدى، يا رب اجمعني مع أحبابك، يا رب اجمعني مع أهل الحق، مع الصادقين الذين تحـبهم، هذا دعاء، له ابن مريض يدعو: يا رب اشفه، له ابن ضال: يا رب اهده.

 

3 ـ أن يدعو مستقبلاً القبلة ويرفع يديه بحيث يرى بياض إبطيه :

 

 الأدب الثالث: أن يدعو مستقبلاً القبلة، وينتبه باتجاه القبلة، ويرفع يديه بحيث يرى بياض إبطيه، هناك تذلل.

((رَكِبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى أَتَى الْمَوْقِفَ فَجَعَلَ بَطْنَ نَاقَتِهِ إِلَى الصَّخَرَاتِ، وَجَعَلَ حَبْلَ الْمُشَاةِ بَيْنَ يَدَيْهِ، وَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ فَلَمْ يَزَلْ وَاقِفًا يَدْعُو حَتَّى غَرَبَتِ الشَّمْسُ وَذَهَبَتِ الصُّفْرَةُ قَلِيلا حَتَّى غَابَ الْقُرْصُ....))

[ابن ماجة عَن جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ]

 وفي غزوة بدر دعا النبي صلى الله عليه و سلم حتى سقط الرداء، سيدنا الصديق أشفق عليه، قال له:" يا رسول الله بعد مناشدتك ربك إن الله سينصرك، لكن هناك قصة لم أكن أفهمها كيف أصيب سيدنا الصديق بذعر شديد في غار ثور، لقد رأونا، قال له:

(( عَـنْ أَنَسٍ، عَنْ أَبِي بَكْرٍ رَضِي اللَّه عَنْهم قَالَ: قُلْتُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَا فِي الْغَارِ: لَوْ أَنَّ أَحَدَهُمْ نَظَرَ تَحْتَ قَدَمَيْهِ لأَبْصَرَنَا فَقَالَ: مَا ظَنُّكَ يَا أَبَا بَكْرٍ بِاثْنَيْنِ اللَّهُ ثَالِثُهُمَا ))

[البخاري عَـنْ أَنَسٍ]

 نحن مع الله عز وجل، وإذا كان أحدكم على حق فعليه ألا يخاف.

﴿ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّكَ عَلَى الْحَقِّ الْمُبِينِ ﴾

[ سورة النمل: 79]

 أنت مستقيم لا تخف، ولا تجعل قلبك يمتلئ ذعراً من أحد، أنت مع الله، الله لن يتخلى عنك، غير معقول أن يتخلى عنك ولا بأي شكل، هذه أولى قواعد الإيمان، أنت في حفظ الله، بأعيننا، فكيف سيدنا أبو بكر في غار ثور النبي الكريم طمأنه، وكيف الصديق رضي الله عنه- الآن الآية معكوسة- يطمئن النبي في بدر؟ قال بعضهم: إن النبي الكريم في غار ثور أخذ كل الأسباب، فلم تبق خطة أفضل من هذه، خرج باتجاه البحر، وأمّن دليلاً، وأمّن رواحل، وأمّن إنساناً يأخذ الأخبار، وأمّن إنساناً يمحو الآثار.. ووضع خطة محكمة مئة بالمئة، ليس فيها أي ثغرة، وبعد أن أدى الأسباب توكل على رب الأرباب، ولكن في بدر خاف أن يكون هناك تقصيراً بالأسباب، ألا يكون هناك إعداداً صحيحاً.

الفهم السقيم للتدين الشكلي مرفوض والتوكل أن تأخذ بكل الأسباب :

 طالب مؤمن الله ينجحه هذا كلام فارغ، لن تنجح إلا إذا بذلت كل طاقتك، سوء أدب، لا أدرس أنا مؤمن، ما هذا المؤمن؟ هل الله سيغير القوانين لأجلك؟ سيغير قوانين الكون كله، فأنت لا تقرأ وتريد أن تنجح؟ هذا لا يصح، فالفهم السقيم للتدين الشكلي مرفوض، والتوكل أن تأخذ بكل الأسباب.
 وسيدنا عمر وجد أناساً فقراء فقال: من أنتم؟ قالوا: نحن المتوكلون، قال: كذبتم! المتوكل من ألقى حبة في الأرض ثم توكل على الله، ازرع الأرض، اليد العليا خير من اليد السفلى، ما فتح عبد باب مسألة إلا فتح الله عليه باب فقر! عندما ينوي أن يطلب باب فقر، عندما ينوي العمل باب غنى.
 يا أخي خذ نصف مالي، خذ تفضل، الأنصاري للمهاجر لدي بيتين خذ واحداً منها، وبستانين خذ واحداً منها، هبة وليس مؤقتاً، لكن الزوجتين ليست واردة إطلاقاً ولا يصدقها أحد، فهذه خلاف الأصول وخلاف الـدين، قال له: خذ واختر واحدة منهن، هذه غير واردة، أما بستانين فخذ واحداً منها صحيحة، اسمعوا الجواب والإيمان: قال له: بارك الله لك في مالك، ولكن دلني على السوق! أنت أعطيت، لا أنا أعمل، إنسان شديد عتيد شاب قوي يطلب؟! عندما يفتح الإنسان باب عمل يفتح الله له الخير، يفتح باب مسألة يسدها في طريقه.

((لأَنْ يَأْخُذَ أَحَدُكُمْ أَحْبُلَهُ، فَيَأْتِيَ الْجَبَلَ، فَيَجِئَ بِحُزْمَةِ حَطَبٍ عَلَى ظَهْرِهِ، فَيَبِيعَهَا فَيَسْتَغْنِيَ بِثَمَنِهَا، خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَسْأَلَ النَّاسَ أَعْطَوْهُ أَوْ مَنَعُوهُ ))

[سنن ابن ماجة عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ]

 وسأقول لكم كلمة أدق من هذه: كن عزيز النفس، واطلب من الله عز وجل، يا رب أنت الرزاق، عطاء ربنا عز وجل لا يوجد أحلى منه، فالإنسان لئيم ممكن ألا يتكلم ولا كلمة بخمس سنوات، ويمر بظرف صعب يقول لك: أنا أعطيتك، ولذلك ازهد بما في أيدي الناس يحبك الناس، وارغب بما في يدي الله يحبك الله.
 أريد أن أوضح لكم نقطة كيلا يذهب الظن بكم إلى موضوع لا أريده: إذا الإنسان بذل طاقته في كسب المال، وواجه مشكلة فوق طاقته، وطلب معاونة أخوانه، فهذه ليست مسألة، أي إذا بذل كامل طاقته، أما إذا ادخر الطاقة، ولم يبذل، ولم يعمل، وطلب، هذا المقصود، أحياناً الإنسان يقع بأزمة يحتاج لأخيه المؤمن أن يساعده، فهذا إذا قبل المعاونة له أجر، والذي عاون له أجر، أما إذا لم يبذل جهداً، وجلس مستريحاً في البيت لا يعمل، وطلب معاونة، فهذا المقصود، من فتح باب مسألة فتح الله عليه باب فقر، ولكن إذا الإنسان بذل كل ما يستطيع ووقف به الجهد إلى هذا المكان، وهناك مسافة أبعد واحتاج لمعاونة فهذا شيء مشروع وليس فيه مانع.
 إذاً أن يدعو مستقبلاً القبلة، ويرفع يديه.

((كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا يَرْفَعُ يَدَيْهِ فِي شَيْءٍ مِنْ دُعَائِهِ إِلا فِي الاسْتِسْقَاءِ، وَإِنَّهُ يَرْفَعُ حَتَّى يُرَى بَيَاضُ إِبْطَيْهِ))

[البخاري عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ]

 ولا يشير بإصبعه، فالدعاء بكامل الأصابع، وسوف نتابع آداب الدعاء في درس قادم إن شاء الله تعالى.

خاتمة :

 كنت أعددت موضوعاً عن زواجه صلى الله عليه وسلم، وعن خطبة النكاح، و لكن الوقت ما اتسع لهذا الموضوع، إن شاء الله في أسبوع قادم، والآن لدي ورقة من جهة تريد من الأخوة الأكارم الضيوف الأفارقة من كان بحاجة إلى عمل فهنا مجال لعمل جيد وأجر معقول، فكل أخ يحب أن يعمل من الأخوان الأفارقة الضيوف إذا لديهم وقت فراغ غير الدراسة مثلاً بعد الدرس يلتقون معي، وهنا رجل عارض عملاً بمزرعة فمن يحب من الأخوة الأفارقة وبحاجة للعمل ينتظرني بعد الدرس حتى أعطيه مواصفات العمل، والحمد لله رب العالمين.
 بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم اجعل جمعنا هذا جمعاً مباركاً مرحوماً، واجعل تفرقنا من بعده تفرقاً معصوماً، ولا تجعل فينا ولا منا ولا معنا شقياً ولا محروماً، اللهم كما هديتنا للإسلام فثبتنا عليه، اللهم ألزمنا سبيل الاستقامة لا نحيد عنها أبداً، واهدنا لصالح الأعمال لا يهدي لصالحها إلا أنت، اللهم أعنا على دوام ذكرك وشكرك وحسن عبادتك، وارزقنا الشوق إلى لقائك ولذة النظر إلى وجهك الكريم، اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنباه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

تحميل النص

إخفاء الصور