وضع داكن
26-04-2024
Logo
الصلاة - الدرس : 18 - صلاة المريض
  • الفقه الإسلامي / ٠5العبادات الشعائرية
  • /
  • ٠3الصلاة
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد لله رب العالمين، و الصلاة و السلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا و انفعنا بما علمتنا و زدنا علماً، و أرنا الحق حقاً و ارزقنا اتباعه، و أرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، و أدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.

صلاة المريض :

 أيها الأخوة المؤمنون، درسنا اليوم: "صلاة المريض"، والمرض شيء يطرأ على الإنسان، والشرع الحكيم لم يدع قضيةً أو ظرفاً صعباً إلا وشرع له، ولكن لابد من تفصيلات.
 يجوز أن يصلي المؤمن قاعداً، وأن يصلي جالساً، وأن يصلي مضطجعاً، وأن يصلي مستلقياً، وأن يومئ برأسه، ففي كل الأحوال يجوز أن يصلي، و هناك استنباط بسيط من هذا الإجمال، فما هذا الاستنباط؟ يجب أن تصلي واقفاً، فإن لم تستطع فقاعداً، فإن لم تستطع فمضطجعاً، فإن لم تستطع فمستلقياً، فإن لم تستطع فمومياً برأسك، فإن لم تستطع فمومياً بعينيك، ماذا تستنبطون من هذا الإجمال؟ الصلاة عماد الدين من أقامها فقد أقام الدين، ومن هدمها فقد هدم الدين.
 لا يجوز لرجل مؤمن أن يدع الصلاة بأي حال من الأحوال، يحارب عدوه فهناك صلاة الحرب، إذ يقف النبي عليه الصلاة والسلام ويأتم نصف الجنود وراءه، ويصلون ركعةً واحدة، والنصف الآخر يحرسه، فمادامت الصلاة يجب أن تكون حتى في ساعة اللقاء مع العدو فالصلاة هي الدين، لذلك قال عليه الصلاة والسلام:

((من ترك الصلاة فقد كفر جهاراً))

[ الطبراني عن ابن مسعود]

 و:

((بين الرجل والكفر ترك الصلاة))

[ مسلم عن جابر]

((عَنْ أُمِّ أَيْمَنَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: لا تَتْرُكِ الصَّلاةَ مُتَعَمِّدًا فَإِنَّهُ مَنْ تَرَكَ الصَّلاةَ مُتَعَمِّدًا فَقَدْ بَرِئَتْ مِنْهُ ذِمَّةُ اللَّهِ وَرَسُولِهِ ))

[أحمد عَنْ أُمِّ أَيْمَنَ]

الحالات التي يجوز فيها للمصلي أن يصلي قاعداً :

 قال العلماء: إذا تعذر على المريض كل القيام، كان يصلي واقفاً فوجد نفسه تضايق فيتابع جالساً، طبعاً القيام الحقيقي أن تقف على قدميك أو تعثر، ما الفرق بين التعذر والتعثر؟ التعذر الاستحالة لكن التعثر الصعوبة، كما هو الفرق بين التعذر في الإعراب منع من ظهورها التعذر، ومنع من ظهورها الثقل، إذا قلت: منع من ظهورها التعذر يستحيل على اللسان أن يحرك الألف، لكن الحركات على الواو لا تظهر للثقل، لأنه يثقل على اللسان أن يلفظ الواو مضمومةً أو مكسورةً.
 إذا تعذر أو تعثر كل القيام لوجود ألم شديد فهذه أول حالة، أو خاف زيادة المرض، أو بطء الشفاء، أي وجود ألم حقيقي، هناك حالة لا يوجد ألم حقيقي، ولكن يتوقع إذا وقف أن يزداد المرض، ويتوقع أيضاً أنه إذا وقف مصلياً يتأخر الشفاء، هنا يوجد سؤال دقيق جداً فمن الذي يقول إنه إذا صليت واقفاً يتأخر الشفاء أو يزداد المرض؟ قال العلماء: إذا غلب على ظنه، فعندنا ظن، وإذا غلب على ظنه، أو أخبره طبيب مسلم حاذق، أو ظهر الحال في أثناء الوقوف، فعندنا ثلاث حالات تجعلك إذا وقفت يزداد المرض، أو يتأخر الشفاء، أو تحس بألم شديد، بشرط أن يغلب هذا على ظنك بتجربةٍ سابقة، أو أن يخبرك طبيب، أو أن يظهر الألم فجأةً، ففي هذه الحالات السابقة يجوز أن تصلي قاعداً لعدم وجود ألم حقيقي، أو ألم متوقع، أو تأخير شفاء، أو زيادة الداء.
 إذا تعذر أو تعثر كل القيام بوجود ألم شديد فهذه أول حالة، أو خاف زيادة المرض، أو بطء الشفاء صلى قاعداً بركوع وسجود، قاعداً كما يقعد للجلوس الأخير، وقد مرّ معنا سابقاً أن الإنسان المتعب له الحق أن يصلي النوافل قاعداً، ولا يقبل منه الفرض قاعداً إذا كان متعباً، فالفرض يجب أن تؤديه قائماً، أما إذا كان هناك مرض فبحث آخر، لك أن تصلي الفرض والسنن قاعداً بركوع وسجود.
 ورجل لا يستطيع أن يقعد على الطريقة التي نألفها في القعود النظامي لألم بعظام رجليه، له أن يقعد كيف يشاء، وله أن يقعد متربعاً، أو على طرفين، أو على ساقيه بأي شكل يريحه، و له أن يجلس، و بقدر ما يستطيع أن يجلس أيضاً يصح ذلك كما قلت قبل قليل.

من تعذر عليه الركوع و السجود يصلي قاعداً :

 قال: وإذا تعذر عليه الركوع والسجود - إذا كان معه انزلاق غضروفي بفقراته وآلام لا تحتمل فإذا فعل هكذا شعر بألم شديد نقول له: صلّ قاعداً واركع واسجد برأسك، لكنه يجب أن يجعل إيماءه للسجود أخفض من إيمائه للركوع، فإن لم يخفضه عنه لا تصح صلاته، أما أن يضع شيئاً عالياً يسجد عليه فهذا مما نهى عليه النبي صلى الله عليه وسلم، كان يضع كرسياً عالياً يسجد عليه فهذا مما نهى عليه النبي صلى الله عليه وسلم.

((عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ رَضِي اللَّهم عَنْهم قَالَ: كَانَتْ بِي بَوَاسِيرُ فَسَأَلْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الصَّلاةِ فَقَالَ: صَلِّ قَائِمًا فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَقَاعِدًا فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَعَلَى جَنْبٍ ))

[الترمذي عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ رَضِي اللَّهم عَنْهم ]

 وزاد النسائي: " فإن لم تستطع فمستلقياً لا يكلف الله نفساً إلا وسعها "
 و

((عَنْ جَابِرٍ أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَادَ مَرِيضًا فَرَآهُ يُصَلِّي عَلَى وِسَادَةٍ ، فَأَخَذَهَا فَرَمَى بِهَا ، فَأَخَذَ عُودًا لِيُصَلِّيَ عَلَيْهِ فَأَخَذَهُ فَرَمَى بِهِ ، فَقَالَ : صَلِّ عَلَى الأَرْضِ إِنِ اسْتَطَعْتَ ، وَإِلا فَأَوْمِئ إِيمَاءً وَاجْعَلْ سُجُودَكَ أَخْفَضَ مِنْ رُكُوعِكَ))

[ البيهقي عن جابر]

 يوجد عندنا إيماء بالرأس والسجود والركوع العاديين، وهو قاعد الركوع زاوية متوسطة بين القيام والسجود العادي، والنبي عليه الصلاة والسلام يقول:

((من استطاع منكم أن يسجد على الأرض فليسجد ومن لم يستطع فلا يرفع إلى جبهته شيئا يسجد عليه بركوعه وسجوده يومئ برأسه ))

[الطبراني في الأوسط عن ابن عمر]

من تعثر عليه القعود في الصلاة أومأ مستلقياً أو على جنبه :

 وإذا تعثر القعود أومأ مستلقياً أو على جنبه، عمليات جراحية تكون في طرفه اليمين مضمد ومجبصن، فاستلقاؤه على جنبه، يجوز أن يصلي مستلقياً على جنبه الأيمن، أو الأيسر، أو على ظهره، أو قاعداً بأية صورة يرتاح معها، أو قائماً، لكن العلماء نهوا عن أن يستلقي الرجل على ظهره تماماً ويصلي ورأسه إلى السماء، أي النظر إلى السماء في الصلاة مكروه، ولذلك قالوا: يجب أن يوضع تحت رأسه وسادة تجعل نظره نحو الأمام لا نحو السماء.
 ويجعل تحت رأسه وسادةً ليصير وجهه إلى القبلة لا إلى السماء.
 الآن إذا كان مستلقياً باتجاه القبلة أي رجلاه نحو القبلة قالوا: الأدب أن ينصل ركبتيه لئلا يجعل ركبتيه نحو القبلة، وأحياناً الإنسان يستلقي على ظهره ويرفع ركبتيه نحو الأعلى، فهذا وضع فيه أدب أكبر مما جعل رجليه ممدودتين باتجاه القبلة وهذا من باب الأدب إذا قدر، وإذا كان المرض في عموده الفقري، أما كان المرض في ركبتيه فيجعلهما على طبيعتهما.
 إذا تمكن الإنسان أن يكون سريره في غرفة نومه من الشرق إلى الغرب فرأسه نحو الغرب ووجهه نحو القبلة فليفعل أكمل نومة، أي السرير شرق غرب، ومكان الوسادة نحو الغرب، فإذا استلقى الإنسان على شقه الأيمن فيصير وجهه نحو القبلة وقدماه نحو الشرق ورأسه نحو الغرب ووجهه نحو القبلة، والإنسان بغرفة النوم ينتبه إلى هذا.

من عجز عن الإيماء و فهم الخطاب عليه أن يصلي ما فاته فإذا لم يفهم رفعت عنه :

 وإذا تعذر الإيماء قال: أخرت عليه الصلاة مادام يفهم الخطاب، فإذا لم يفهم الخطاب رفعت عنه الصلاة، لا يوجد وعي بل غيبة مطلقة مستلقياً على فراش في المستشفى غيبوبة تامة، ارتفع ضغطه وفقد وعيه، إذا كان يعجز عن الإيماء و يفهم الخطاب عليه أن يصلي ما فاته من صلوات عندما يستعيد قدرته، فإذا غاب عن الوعي سقطت عنه الصلاة فإذا كانت الصلوات خمسة أوقات فما فوق، و إذا كانت أقل من خمسة أوقات لا تسقط ولو غاب عن الوعي فعليه أن يقضيها. سقوط القضاء إذا دام عجزه عن الإيماء أكثر من خمس صلوات فبعض العلماء قال: إن استطاع أن يومئ بجفنيه تقبل صلاته لعظم شأن الصلاة، وفي درس آخر إن شاء الله ننتقل إلى بحث آخر عن قضاء الفوائت.

* * *

الدعاء هو العبادة :

 والآن إلى فصل من إحياء علوم الدين متعلق بالدعاء، طبعاً بعد أن انتهينا من موضوع آداب الدعاء، ننتقل إلى بعض الأدعية المأثورة عن النبي عليه الصلاة والسلام، لا أدري إذا كان الأمر واضحاً لديكم، فالدعاء هو العبادة، والصلاة هي الدعاء، والصلاة الدائمة هي الدعاء، قال تعالى:

﴿ الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ دَائِمُونَ ﴾

[ سورة المعارج: 23]

 يدعون الله إذا خرجوا من بيوتهم، وإذا دخلوا مساجدهم، وإذا دخلوا إلى السوق، وإذا استلقوا على فرشهم، وإذا واجهوا صعوبةً، وإذا لبسوا ثوباً جديداً، وإذا تناولوا طعاماً، وإذا دعوا إلى وليمة، وإذا جاءهم مولود، أي في كل حركة وسكنة ذكر لله عز وجل، أي إذا الإنسان أحبّ أن يعرف هذه الأشياء الدقيقة الدقيقة يقتني كتاب الأذكار للنووي، وهذا الكتاب فيه كل أحوال النبي صلى الله عليه وسلم في حله وترحاله، ونومه ويقظته، وصحوه، ومع أصحابه، وكل حركة وسكنة ماذا كان يفعل.

بعض الأدعية المأثورة عن النبي عليه الصلاة والسلام :

 هناك بعض الأدعية المأثورة عن النبي عليه الصلاة والسلام، من هذه الأدعية دعاء كان النبي عليه الصلاة والسلام يدعو به بعد ركعتي الفجر، قال ابن عباس رضي الله عنهما بعثني العباس إلى النبي صلى الله علية وسلم فأتيته ممسياً، فقام يصلي من الليل فلما صلى ركعتي الفجر قبل صلاة الصبح قال:

((اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِكَ ....))

 فالله عز وجل خلقنا ليرحمنا، ورحمته لا يعرفها إلا من ذاقها، فإذا ذقت رحمة الله عز وجل تصغر الدنيا في عينيك، وتنتقل من قلبك إلى يديك، وإذا ذاق قلب المؤمن رحمة الله عز وجل زهد في الدنيا، فمن عرف الله زهد فيما سواه، ولا يعرف هذه الرحمة إلا من ذاقها.
 فالعسل صف لي إياه، أحلو هو مثل الدبس؟ لا، أمثل القطر؟ صفه لنا، أمثل العنب الحلواني؟ كيف أصفه لك؟ يجب أن تذوقه، ومن ذاق عرف، ولا يعرف مـا نقول إلا من اقتفى أثر الرسول.

الإنسان مفطور على السلامة و السعادة :

 إذاً يقول عليه الصلاة والسلام:

((اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِكَ ....))

 قلت لكم في الدرس الماضي الأزمة أزمة معرفة، فلو أن الضال عرف ما عرفه النبي عليه الصلاة والسلام لأحب الله حبه، ولأقبل عليه إقباله، ولانضبط انضباطه، ولفعل الصالحات فعله، فالأزمة أزمة معرفة، لأن كل إنسان مفطور على حب السلامة والسعادة، و لا يوجد إنسان على وجه الأرض إلا ويرجو السلامة والسعادة، لا يوجد إنسان على وجه الأرض إلا ويتوخى السعادة، فلماذا يشقى الناس؟ لأن بعضهم يتوهمها في شيء ليس أهلاً لها، ويتوهمونها في جمع المال، قال تعالى:

 

﴿ قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ﴾

 

[ سورة يونس : 58]

 يتوهمونها في الملذات الرقيقة، والله سبحانه وتعالى قال:

﴿ وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى ﴾

[ سورة طه: 124 ]

((عن ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: سَمِعْتُ نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ لَيْلَةً حِينَ فَرَغَ مِنْ صَلاتِهِ اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِكَ تَهْدِي بِهَا قَلْبِي وَتَجْمَعُ بِهَا أَمْرِي وَتَلُمُّ بِهَا شَعَثِي وَتُصْلِحُ بِهَا غَائِبِي وَتَرْفَعُ بِهَا شَاهِدِي وَتُزَكِّي بِهَا عَمَلِي وَتُلْهِمُنِي بِهَا رُشْدِي وَتَرُدُّ بِهَا أُلْفَتِي وَتَعْصِمُنِي بِهَا مِنْ كُلِّ سُوءٍ اللَّهُمَّ أَعْطِنِي إِيمَانًا وَيَقِينًا لَيْسَ بَعْدَهُ كُفْرٌ وَرَحْمَةً أَنَالُ بِهَا شَرَفَ كَرَامَتِكَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الْفَوْزَ فِي الْعَطَاءِ وَنُزُلَ الشُّهَدَاءِ وَعَيْشَ السُّعَدَاءِ وَالنَّصْرَ عَلَى الْأَعْدَاءِ اللَّهُمَّ إِنِّي أُنْزِلُ بِكَ حَاجَتِي وَإِنْ قَصُرَ رَأْيِي وَضَعُفَ عَمَلِي افْتَقَرْتُ إِلَى رَحْمَتِكَ فَأَسْأَلُكَ يَا قَاضِيَ الْأُمُورِ وَيَا شَافِيَ الصُّدُورِ كَمَا تُجِيرُ بَيْنَ الْبُحُورِ أَنْ تُجِيرَنِي مِنْ عَذَابِ السَّعِيرِ وَمِنْ دَعْوَةِ الثُّبُورِ وَمِنْ فِتْنَةِ الْقُبُورِ اللَّهُمَّ مَا قَصُرَ عَنْهُ رَأْيِي وَلَمْ تَبْلُغْهُ نِيَّتِي وَلَمْ تَبْلُغْهُ مَسْأَلَتِي مِنْ خَيْرٍ وَعَدْتَهُ أَحَدًا مِنْ خَلْقِكَ أَوْ خَيْرٍ أَنْتَ مُعْطِيهِ أَحَدًا مِنْ عِبَادِكَ فَإِنِّي أَرْغَبُ إِلَيْكَ فِيهِ وَأَسْأَلُكَهُ بِرَحْمَتِكَ رَبَّ الْعَالَمِينَ اللَّهُمَّ ذَا الْحَبْلِ الشَّدِيدِ وَالْأَمْرِ الرَّشِيدِ أَسْأَلُكَ الْأَمْنَ يَوْمَ الْوَعِيدِ وَالْجَنَّةَ يَوْمَ الْخُلُودِ مَعَ الْمُقَرَّبِينَ الشُّهُودِ الرُّكَّعِ السُّجُودِ الْمُوفِينَ بِالْعُهُودِ إِنَّكَ رَحِيمٌ وَدُودٌ وَأَنْتَ تَفْعَلُ مَا تُرِيدُ اللَّهُمَّ اجْعَلْنَا هَادِينَ مُهْتَدِينَ غَيْرَ ضَالِّينَ وَلَا مُضِلِّينَ سِلْمًا لِأَوْلِيَائِكَ وَعَدُوًّا لِأَعْدَائِكَ نُحِبُّ بِحُبِّكَ مَنْ أَحَبَّكَ وَنُعَادِي بِعَدَاوَتِكَ مَنْ خَالَفَكَ اللَّهُمَّ هَذَا الدُّعَاءُ وَعَلَيْكَ الْإِجَابَةُ وَهَذَا الْجُهْدُ وَعَلَيْكَ التُّكْلَانُ اللَّهُمَّ اجْعَلْ لِي نُورًا فِي قَلْبِي وَنُورًا فِي قَبْرِي وَنُورًا مِنْ بَيْنِ يَدَيَّ وَنُورًا مِنْ خَلْفِي وَنُورًا عَنْ يَمِينِي وَنُورًا عَنْ شِمَالِي وَنُورًا مِنْ فَوْقِي وَنُورًا مِنْ تَحْتِي وَنُورًا فِي سَمْعِي وَنُورًا فِي بَصَرِي وَنُورًا فِي شَعْرِي وَنُورًا فِي بَشَرِي وَنُورًا فِي لَحْمِي وَنُورًا فِي دَمِي وَنُورًا فِي عِظَامِي اللَّهُمَّ أَعْظِمْ لِي نُورًا وَأَعْطِنِي نُورًا وَاجْعَلْ لِي نُورًا سُبْحَانَ الَّذِي تَعَطَّفَ الْعِزَّ وَقَالَ بِهِ سُبْحَانَ الَّذِي لَبِسَ الْمَجْدَ وَتَكَرَّمَ بِهِ سُبْحَانَ الَّذِي لَا يَنْبَغِي التَّسْبِيحُ إِلَّا لَهُ سُبْحَانَ ذِي الْفَضْلِ وَالنِّعَمِ سُبْحَانَ ذِي الْمَجْدِ وَالْكَرَمِ سُبْحَانَ ذِي الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ قَالَ أبو عِيسَى هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ لَا نَعْرِفُهُ مِثْلَ هَذَا مِنْ حَدِيثِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى إِلَّا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ وَقَدْ رَوَى شُعْبَةُ وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ عَنْ كُرَيْبٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْضَ هَذَا الْحَدِيثِ وَلَمْ يَذْكُرْهُ بِطُولِهِ))

[الترمذي عن ابْنِ عَبَّاسٍ]

((... اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِكَ تَهْدِي بِهَا قَلْبِي وَتَجْمَعُ بِهَا أَمْرِي ...))

[الترمذي عن ابْنِ عَبَّاسٍ]

المؤمن بجهد قليل يحقق نتائج باهرة و الكافر يجعل الله أمره فرطًا :

 انظر الآن إلى الكافر وكان أمره فرطاً، بيته غير منضبط، زوجته غير منضبطة، و مواعيده غير مضبوطة، وعلاقاته غير صحيحة، وبيعه وشراؤه فاسد، وكلامه فيه ظنون، ومعتقداته فيها انحرافات، قال تعالى:

﴿ وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً ﴾

[ سورة الكهف: 28 ]

((... وَتَجْمَعُ بِهَا أَمْرِي...))

[الترمذي عن ابْنِ عَبَّاسٍ]

 لذلك قال النبي الكريم عليه الصلاة والسلام:

(( من أصبح وأكبر همه الآخرة جعل الله غناه في قلبه، وجمع عليه شمله وأتته الدنيا وهي راغمة...))

[الترمذي عن أنس]

 أي بجهد قليل يحقق نتائج باهرة، فالله عز وجل جمع له شمله، و إذا أراد الله عز وجل أن يؤدبه يبذل جهوداً جبارة تعجز عنها الرجال، ومع ذلك لا يحقق شيئاً، ويشغله بصفقة ثلاث سنوات ثم يخسره بها مئة ألف، و يقول لك: يا ليتني أغلقت المحل وذهبت نزهات، أو نمت، إذ يشغله بطريق مسدود، وبطرق كلها متاهات، ولذلك:

(( من أصبح وأكبر همه الآخرة ...))

 أي:

(( اعمل لوجه واحد يكفِك الوجوه كلها ))

[ أخرجه ابن عدي والديلمي عن أنس ]

(( من جعل الهموم هماً واحداً كفاه الله الهموم كلها ))

[ الجامع لأحكام القرآن ]

(( من شغله ذكري عن مسألتي أعطيته فوق ما أعطي السائلين ))

[ من الدر المنثور عن عمر بن الخطاب ]

 "عبدي كن لي كما أريد أكن لك كما تريد، كن لي كما أريد ولا تعلمني بما يصلحك، أنت تريد وأنا أريد فإذا سلمتني فيما أريد كفيتك ما تريد، وإن لم تسلمني فيما أريد أتعبتك فيما تريد ثم لا يكون إلا ما أريد."

امتحان الإنسان من قِبل الله كشف لمعدنه :

 نقرأ قصة سيدنا يوسف لماذا نقرأها؟ هل هي تسلية أم للمتعة؟ قال تعالى:

﴿ وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ ﴾

[ سورة يوسف: 21 ]

 عشرة أخوة أشداء ائتمروا على أخيهم الصغير، وأرادوا أن يقتلوه، قال قائل منهم: اجعلوه في غيابت الجب، وضعوه في بئر جاءت سيارةً فأرسلوا واردهم قال: يا بشرى، أسروه بضاعة، اشتروه بثمن بخس وكانوا فيه من الزاهدين، دخل قصر العزيز وكان خادماً عبداً و لكنه كان مخلصاً لله عز وجل وعفيفاً، عف عن المحارم، دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال: إني أخاف الله رب العالمين، قال: معاذ الله إنه ربي أحسن مثواي، وفي النهاية صار عزيز مصر، قالوا: أ إنك لأنت يوسف؟ قال: أنا يوسف وهذا أخي قد منّ الله علينا إنه من يتقِ ويصبر فإن الله لا يضيع أجر المحسنين. هذه القصة ما معناها؟

﴿ وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ ﴾

[ سورة يوسف: 21 ]

 ربنا عز وجل يخلق لك ظروفاً صعبة تضيق عليك الدنيا، ويفتحها من طريق فيه حرام، فهذا هو الامتحان الصعب، إذ لا يوجد أعمال إطلاقاً، ومفتوح عمل لا يرضي الله عز وجل، فالمؤمن الصادق الصابر يقول: أنا لو مت جوعاً لن أفعل هذا؟ والأقل صدقاً يقول: ماذا أفعل أنا مضطر وليس لي خيار في الأمر؟ لقد رسب في الامتحان، ولكن إذا كان إيمانك بالله قوياً فهذا الآمر العظيم خالق الكون هل يدعك بلا شيء إذا اخترت رضاه؟ وإذا آثرت رضاه هل يدعك خلف الناس؟ حاشا لله ،وهذا يتنافى مع أبسط قواعد الوفاء، وأنت تؤثر رضاه ثم يتركك!! محال أن تطلب رضاه ولا يرضيك، لكن يؤخر لك العطاء قليلاً حتى ينكشف المعدن و هذه على موضوع

((....وَتَجْمَعُ بِهَا أَمْرِي ...))

 فالمؤمن مجموع الشمل و أموره ميسرة.

المؤمن لا يصدق إلا ما جاء به القرآن الكريم :

 يا أخوان: التيسير له قانون لا تسموه حظاً، لا يوجد حظ، لا تقولوا: فلان يده خضراء، لا يوجد يد خضراء، لا تسموا فلاناً مرزوقاً، لا يوجد مرزوق يوجد الله هو الرازق، لا تقولوا: فلان القدر تبسم له، فهذا كلام فارغ، لا تقولوا: إن الأيام رفعته، فلا يوجد أيام، ولا يوجد إلا الله، لا تقولوا: الدهر كان له بالمرصاد، لا يوجد إلا الله، فهذه كلها كلمات الشرك، وكلمات الكفر، هذا قدمه نحس، ما هذا الكلام؟ فالله يؤدبه، دخل فلان البيعة فضت، ما هذا الكلام؟ يقول: أخي قدمه نحس، هذا الشيء توهم من الشيطان، لا إله إلا الله، لا خيرة ولا كهانة ولا سحر فالمؤمن لا يصدق إلا ما جاء به القرآن الكريم، قال تعالى:

﴿ قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ*مَلِكِ النَّاسِ*إِلَهِ النَّاسِ*مِنْ شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ*الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ*مِنْ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ﴾

[ سورة الناس: 1-6 ]

﴿ قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ*مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ﴾

[ سورة الفلق: 1-2 ]

((... وَتَجْمَعُ بِهَا أَمْرِي وَتَلُمُّ بِهَا شَعَثِي وَتُصْلِحُ بِهَا غَائِبِي وَتَرْفَعُ بِهَا شَاهِدِي وَتُزَكِّي بِهَا عَمَلِي...))

[الترمذي عن ابْنِ عَبَّاسٍ]

 كل هذا من رحمة الله.

الابتعاد عن الفتن :

 هذه الرحمة تهدي بها قلبي، وتجمع بها شملي، وتلم بها شعثي المتفرق، وترد بها الفتن عني، وأحياناً الإنسان ينتكس، ويحضر جهاز لهو إلى البيت، يفسد له حياته المنزلية، وقعت جريمتان في دوما وفي الزبداني بسـبب جهـاز الفيديو، إنسان وجد ابنه فوق ابنته بسبب جهاز اللهو، وترد بها الفتن هذه فتنة طوبى لمن وسعته السنة ولم تستهوه البدعة:

(( عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي إِذَا رَأَيْتُكَ طَابَتْ نَفْسِي وَقَرَّتْ عَيْنِي فَأَنْبِئْنِي عَنْ كُلِّ شَيْءٍ، فَقَالَ: كُلُّ شَيْءٍ خُلِقَ مِنْ مَاءٍ، قَالَ قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنْبِئْنِي عَنْ أَمْرٍ إِذَا أَخَذْتُ بِهِ دَخَلْتُ الْجَنَّةَ؟ قَالَ: أَفْشِ السَّلامَ وَأَطْعِمِ الطَّعَامَ وَصِلِ الأرْحَامَ وَقُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّاسُ نِيَامٌ ثُمَّ ادْخُلِ الْجَنَّةَ بِسَلامٍ))

[أحمد عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ]

 ترد بها الفتن عني، يا رسول الله بم أنجو من عذاب الله؟ قال:

(( عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ قَالَ: قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا النَّجَاةُ؟ قَالَ أَمْسِكْ عَلَيْكَ لِسَانَكَ وَلْيَسَعْكَ بَيْتُكَ وَابْكِ عَلَى خَطِيئَتِكَ ))

[الترمذي عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ]

 فهذه الفتن ولاسيما في هذه الأيام الفتن يقظى، الفتنة نائمةٌ لعن الله من أيقظها، قال تعالى:

﴿ إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنْ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالْأَنْعَامُ حَتَّى إِذَا أَخَذَتْ الْأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ﴾

[سورة يونس: 24]

 كل شيء مزين، الأسواق مزينة جداً، البضاعة معروضة عرضاً يسير لها اللعاب، و في الأسواق إضاءة، وعرض جميل، والأسواق كلها تضج بحاجات الإنسان، قال رسول الله: "شر البلاد أسواقها وخيرها مساجدها"، فهنا يوجد رحمة، وتذكير بالآخرة، وبساعة اللقاء، وبساعة الفراق.

((... اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِكَ تَهْدِي بِهَا قَلْبِي وَتَجْمَعُ بِهَا أَمْرِي وَتَلُمُّ بِهَا شَعَثِي وَتُصْلِحُ بِهَا غَائِبِي وَتَرْفَعُ بِهَا شَاهِدِي وَتُزَكِّي بِهَا عَمَلِي وَتُلْهِمُنِي بِهَا رُشْدِي وَتَرُدُّ بِهَا أُلْفَتِي وَتَعْصِمُنِي بِهَا مِنْ كُلِّ سُوءٍ))

[الترمذي عن ابْنِ عَبَّاسٍ]

طريق الإيمان طريق مصيري :

 أحياناً الإنسان له فورة يأتي إلى الجامع ويسمع الحق ويتأثر، ويثور و يحب الحق، وأنا يبلغني هذا الأمر، أقول لهذا الرجل: ثبتك الله يا أخي، لأن البطولة بالثبات وليست البطولة بالفورة ثم ينتكس نكسة شديدة، إذا الإنسان بنى إيمانه على علم لا ينتكس، أما إذا بناه على انفعالات وعلى عواطف فهذه خطرة، وهذه لها فورة، وعندما تنتهي الفورة يعود إلى ما كان عليه، وربما انتكس نكسةً خطيرة، فيفجر فجوراً لا يفجره أهل الفجور، والثبات نبات كما يقولون، أنت سلكت طريق الإيمان وهذا طريق مصيري، قال تعالى:

﴿ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً ﴾

[سورة الأحزاب: 23]

 أي ليس مؤقتاً، قال تعالى:

﴿ وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ ﴾

[سورة الحج: 11]

 فإذا عمله قلَّ في المحل يقول: بعد أن آمنا هكذا صار معنا، والله كنت لا أهدأ من البيع، والآن بعدما لحقنا الدين نضب موردي.
 يجب أن توطن نفسك أن تحب الله، وأن تستقيم على أمره في السراء والضراء، وفي الغنى والفقر، وفي إقبال الدنيا و إدبارها، إن كنت متزوجاً أو عازباً، جاءك أولاد أم لم يأتك، جاءك بنات أو ذكور، دخلك محدود أو غير محدود، الصحة طيبة أم غير ذلك، أنت آمنت بالله عز وجل؟ هكذا الصحابة كانوا.

المصائب محك الرجال :

 سيدنا علي يقول: "الرضى بمكروه القضاء أرفع درجات اليقين"، والله الذي لا إله إلا هو إذا الإنسان أصابته مصيبة وتوجه إلى الله وقال: يا ربي لك الحمد على هذه المصيبة، لاشك أن فيها حكمةً ورحمةً وعلماً، أنا فقير إليها، هل تعلمون أن هذا نجاح باهر عند الله، ابتلاه ونجح، ويوجد أشخاص على المصائب يتغير إيمانهم، وهناك أشخاص على المصائب الثقيلة يقول لك: أين الله؟ ينكر وجوده، فالإنسان يطلب من الله السلامة، ولكن إذا جاء البلاء فالمصائب محك الرجال.
 وسيدنا رسول الله كان من الممكن ألا يواجه أعداء إطلاقاً، وكان من الممكن أن يضعه الله في بيئة كلها مؤمنة، مثلاً نشأ في مكة و لا يوجد فيها أي كافر وكلها مؤمنون، فلما جاءت الرسالة آمنوا به جميعاً، لا يوجد حروب، ولا أعداء، ولا شيء إطلاقاً، فالدعوة تنتشر بسرعة، والناس مقبلون عليها، وأصحابه محبون له، وإكرامهم شديد له، كان من الممكن، ولكن معدنه الثمين لا ينكشف في هذا، له معدن ثمين صلى الله عليه وسلم فلا ينكشف إلا في غار ثور، قال: "يا أبا بكر لا تحزن إن الله معنا، قال له: لو نظر أحدهم إلى موضع قدمه لرآنا، قال له: يا أبا بكر ما ظنك باثنين الله ثالثهما؟ قال له: لقد رأوني، قال: يا أبا بكر ألم تقرأ قوله تعالى:

﴿ وَإِنْ تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدَى لَا يَسْمَعُوا وَتَرَاهُمْ يَنظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ﴾

[سورة الأعراف: 198]

 يجب أن يمر بموقف صعب، وأن يذهب إلى الطائف ثمانية كيلو مترات مشياً، فأنت اذهب إلى دوما مشياً فهل تستطيع؟ سبعة عشر كيلو حتى تصل والطائف ثمانون وليس الطريق سهلاً، شق طرقات إلى الطائف شيء لا يصدقه العقل، جبال وعرة كأنها جدر، وصل النبي الكريم مشياً على قدميه إلى الطائف ليدعوهم إلى الله ورسوله، فأبوا، وأنكروا، واستهزؤوا، وكفروا، وعاد إلى مكة مخذولاً، وقال له أحدهم استهزاءً: ألم يجد الله أحداً غيرك يبعثه إلينا؟ وقال له آخر: والله لو أنك نبي حقاً لمزقت أثواب الكعبة، فماذا قال عليه الصلاة والسلام؟ قال: "إن الله ناصر نبيه".
 توفيت زوجته، وتوفي عمه، وضيق عليه المشركون، ألجؤوهم إلى الشعاب، ونصح أصحابه بالهجرة إلى الحبشة، وهاجر إلى المدينة، وتبعه سراقة ليأخذ الجائزة، مئتا ناقة لمن يأتي به حياً أو ميتاً، قال: يا ربي اكفنا إياه كما شئت وكيف شئت، فغاصت قدما الفرس في الرمل فوقع من على فرسه المرة الثانية والثالثة فعرف أنه ممنوع منه، وأنه نبي قال له: مرني قال: خذل عنا، فعاد سراقة ورد الناس عن النبي، قال: هذا الوجه ليس فيه أحد كفيتكموه.
 يجب أن يمر في ظرف صعب، فإذا الإنسان خاف لا يحزن فالأنبياء مروا في ظروف صعبة، فيجب أن تخاف مرة، و أن يقل دخلك مرة، وأن تشعر بشبح مصيبة كبيرة فلا تقل نفسك: ما هذا الدين؟ يا رب إني راض.

الحيان امتحان وكل شِدّة وراءها شَدّة إلى الله عز وجل :

 الإمام الشافعي رضي الله عنه أثناء الطواف سمع رجلاً يقول: يا رب ارض عني، إنه رجل عادي، فقال له: يا هذا لو رضيت عن الله لرضي الله عنك، قال: من أنت يرحمك الله؟ قال له: أنا محمد بن إدريس الشافعي، قال له: وكيف أرضى عنه وأنا أتمنى رضاه؟ ما هذا الكلام ما قنع به، فقال الإمام الشافعي: يوم تسر بالنقمة سرورك بالنعمة فقد رضيت عن الله، وهذا المقياس الدقيق، شيء لا تحبه فعليك أن تقول من أعمق أعماقك: يا رب لك الحمد، أنا راض.
 قال لي طبيب بمستشفى: جاءنا مريض معه سرطان في الأمعاء وآلام هذا المرض لا تحتمل، كلما دخل عليه زائر يقول له: اشهد يا أخي أنني راض عن الله، يا ربي لك الحمد، شيء غريب كلما دخل زائر يقول له: اشهد أنني راض عن الله.
 هكذا المؤمن فإذا الله بعث بمشكلة - وهذه نصيحة لوجه الله - لا يفتر لسانه عن الحمد لله، يا ربي لك الحمد، فلابد من حكمة وراء هذه المشكلة، ولابد من رحمة وراءها، ولابد من قفزة، كل شِدّة وراءها شَدّة إلى الله.
الحياة امتحانات من الذي قال لك: إنه ممكن أن تعيش حياة هادئة لا يوجد فيها ولا مشكلة؟ أين الامتحان؟ قال تعالى:

﴿ أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ ﴾

[ سورة العنكبوت : 2]

 تريد حياة على تصميمك لا يوجد فيها مرض، ولا انزعاج، ولا مشكلة مع الزوجة أبداً، ولا مشكلة مع الأولاد، ولا يظهر حلمك، ولا علمك، ولا رحمتك، و لا تظهر حكمتك، إن لم يكن هناك مشاكل أين حكمتك؟ لا تظهر، أحضر أغبى إنسان ضعه في موقف ميسور تجده بشكل جيد، ضع إنساناً في منصب ولا يوجد مشكلة في المعمل، ولكن المشكلة إذا الآلة تعطلت، أو العامل شذّ، أو مادة فقدت، فهنا تبدو حكمة المدير العام كيف يوفر المادة.

موقف النبي من الأنصار و حكمته العظيمة :

 النبي صلى الله عليه وسلم جاءه صحابي جليل يقول له: إن قومي وجدوا عليك في أنفسهم:

((عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ لَمَّا أَعْطَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا أَعْطَى مِنْ تِلْكَ الْعَطَايَا فِي قُرَيْشٍ وَقَبَائِلِ الْعَرَبِ وَلَمْ يَكُنْ فِي الْأَنْصَارِ مِنْهَا شَيْءٌ وَجَدَ هَذَا الْحَيُّ مِنَ الأنْصَارِ فِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى كَثُرَتْ فِيهِمُ الْقَالَةُ حَتَّى قَالَ قَائِلُهُمْ لَقِيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَوْمَهُ فَدَخَلَ عَلَيْهِ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ هَذَا الْحَيَّ قَدْ وَجَدُوا عَلَيْكَ فِي أَنْفُسِهِمْ لِمَا صَنَعْتَ فِي هَذَا الْفَيْءِ الَّذِي أَصَبْتَ قَسَمْتَ فِي قَوْمِكَ وَأَعْطَيْتَ عَطَايَا عِظَامًا فِي قَبَائِلِ الْعَرَبِ وَلَمْ يَكُنْ فِي هَذَا الْحَيِّ مِنَ الأنْصَارِ شَيْءٌ قَالَ: فَأَيْنَ أَنْتَ مِنْ ذَلِكَ يَا سَعْدُ قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا أَنَا إِلا امْرُؤٌ مِنْ قَوْمِي وَمَا أَنَا قَالَ فَاجْمَعْ لِي قَوْمَكَ فِي هَذِهِ الْحَظِيرَةِ قَالَ: فَخَرَجَ سَعْدٌ فَجَمَعَ النَّاسَ فِي تِلْكَ الْحَظِيرَةِ قَالَ فَجَاءَ رِجَالٌ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ فَتَرَكَهُمْ فَدَخَلُوا وَجَاءَ آخَرُونَ فَرَدَّهُمْ فَلَمَّا اجْتَمَعُوا أَتَاهُ سَعْدٌ فَقَالَ قَدِ اجْتَمَعَ لَكَ هَذَا الْحَيُّ مِنَ الأنْصَارِ قَالَ فَأَتَاهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ بِالَّذِي هُوَ لَهُ أَهْلٌ ثُمَّ... ))

[أحمد عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ ]

 انظروا إلى هذا الموقف، طبعاً هو موقف نبوي لكن علماء السياسة اعتبروه أذكى موقف سياسي.

((... قَالَ يَا مَعْشَرَ الأنْصَارِ مَا قَالَةٌ بَلَغَتْنِي عَنْكُمْ وَجِدَةٌ وَجَدْتُمُوهَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَلَمْ آتِكُمْ ضُلالاً فَهَدَاكُمُ اللَّهُ وَعَالَةً فَأَغْنَاكُمُ اللَّهُ وَأَعْدَاءً فَأَلَّفَ اللَّهُ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ قَالُوا بَلِ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمَنُّ وَأَفْضَلُ قَالَ: أَلا تُجِيبُونَنِي يَا مَعْشَرَ الأنْصَارِ قَالُوا وَبِمَاذَا نُجِيبُكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَلِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ الْمَنُّ وَالْفَضْلُ قَالَ أَمَا وَاللَّهِ لَوْ شِئْتُمْ لَقُلْتُمْ فَلَصَدَقْتُمْ وَصُدِّقْتُمْ أَتَيْتَنَا مُكَذَّبًا فَصَدَّقْنَاكَ وَمَخْذُولاً فَنَصَرْنَاكَ وَطَرِيدًا فَآوَيْنَاكَ وَعَائِلاً فَأَغْنَيْنَاكَ أَوَجَدْتُمْ فِي أَنْفُسِكُمْ يَا مَعْشَرَ الأنْصَارِ فِي لُعَاعَةٍ مِنَ الدُّنْيَا ... ))

[أحمد عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ ]

 أنا واثق من إيمانكم، أحياناً يأتيك ضيف ويكون عندك ثلاث برتقالات، تضعهم للضيف فيأكلهم، و ابنك لم يأكل برتقالاً لكنه يتحملك لأنه من أهل البيت، ويقول: أنا ما أكلت برتقالاً يا والدي، هذا طفل أحمق، نعم تأكل أما الآن فنريد أن نبيض وجهنا أمام الضيف.

((... أَوَجَدْتُمْ فِي أَنْفُسِكُمْ يَا مَعْشَرَ الأنْصَارِ فِي لُعَاعَةٍ مِنَ الدُّنْيَا تَأَلَّفْتُ بِهَا قَوْمًا لِيُسْلِمُوا وَوَكَلْتُكُمْ إِلَى إِسْلامِكُمْ... ))

[أحمد عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ ]

 بأنفسهم أشياء كثيرة، نحن استقبلنا رسول الله، ونحن نصرناه، فهذه خواطر داخلية، ونحن منعناه، و جاهدنا معه، و لنا ميزة.

((... أَمَا وَاللَّهِ لَوْ شِئْتُمْ لَقُلْتُمْ فَلَصَدَقْتُمْ وَصُدِّقْتُمْ أَتَيْتَنَا مُكَذَّبًا فَصَدَّقْنَاكَ وَمَخْذُولاً فَنَصَرْنَاكَ وَطَرِيدًا فَآوَيْنَاكَ وَعَائِلاً فَأَغْنَيْنَاكَ...))

[أحمد عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ ]

 قال لهم يا معشر الأنصار ألم تكونوا ضلالاً فهداكم الله بي؟ وعالة فأغناكم الله؟ وأعداء فألف الله بينكم؟ ما بدأ بنعم رسول الله، بدأ بما يفكرون هم:

((... أَفَلا تَرْضَوْنَ يَا مَعْشَرَ الأنْصَارِ أَنْ يَذْهَبَ النَّاسُ بِالشَّاةِ وَالْبَعِيرِ وَتَرْجِعُونَ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي رِحَالِكُمْ فَوَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَوْلا الْهِجْرَةُ لَكُنْتُ امْرَأً مِنَ الأنْصَارِ وَلَوْ سَلَكَ النَّاسُ شِعْبًا وَسَلَكَتِ الأنْصَارُ شِعْبًا لَسَلَكْتُ شِعْبَ الأَنْصَارِ اللَّهُمَّ ارْحَمِ الأنْصَارَ وَأَبْنَاءَ الأنْصَارِ وَأَبْنَاءَ أَبْنَاءِ الأنْصَارِ قَالَ: فَبَكَى الْقَوْمُ حَتَّى أَخْضَلُوا لِحَاهُمْ، وَقَالُوا: رَضِينَا بِرَسُولِ اللَّهِ قِسْمًا وَحَظًّا ثُمَّ انْصَرَفَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَفَرَّقْنَا))

[أحمد عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ ]

 ألا ترضون أن هذا أخذ غنمة، وهذا شاة، وهذا أخذ بعيراً فرح به، ألا ترضون، طمأن بين قلوبهم، وطمأنهم، وجبر خاطرهم، وسلاهم، واعتذر لهم تقريباً، وذكر ما يدور في خواطرهم، وبيّن له فضله عليهم، فهذا الموقف النبوي.

تواضع النبي صلى الله عليه و سلم :

 صلى الله عليه جاءه صحابي وقال له:

(( عن عِتْبَانَ بْنَ مَالِكٍ وَهُوَ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِمَّنْ شَهِدَ بَدْرًا مِنَ الأنْصَارِ أَنَّهُ أَتَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ: قَدْ أَنْكَرْتُ بَصَرِي وَأَنَا أُصَلِّي لِقَوْمِي فَإِذَا كَانَتِ الأمْطَارُ سَالَ الْوَادِي الَّذِي بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ لَمْ أَسْتَطِعْ أَنْ آتِيَ مَسْجِدَهُمْ فَأُصَلِّيَ بِهِمْ وَوَدِدْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنَّكَ تَأْتِينِي فَتُصَلِّيَ فِي بَيْتِي فَأَتَّخِذَهُ مُصَلًّى... ))

[ مسلم عن عِتْبَانَ بْنَ مَالِكٍ]

 النبي الكريم صلى الله عليه وسلم كان متواضعاً جداً:

((... فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: سَأَفْعَلُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ ))

[عن عِتْبَانَ بْنَ مَالِكٍ]

 ومن علامة النية أنه لا يوجد عنده كبر أبداً، ما دعاك، إجابة الدعوة فرض، شأنه قليل و قال له النبي: على العين والرأس:

(( رب أشعث أغبر ذي طمرين، مدفوع بالأبواب، لو أقسم على الله لأبره ))

[ أخرجه الحاكم في المستدرك وأبو نعيم في الحلية عن أبي هريرة ]

 لا تعرف قد يكون أعلى منك هذا الرجل.

((... سَأَفْعَلُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ ... ))

 انظر لو قال له غداً آتيك صار هناك إحراج، وسوف يغديه، انظر إلى الكمال النبوي ما حدد له موعداً معيناً لئلا يتكلف قال له:

((.. سَأَفْعَلُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ قَالَ عِتْبَانُ: فَغَدَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبُو بَكْرٍ حِينَ ارْتَفَعَ النَّهَارُ فَاسْتَأْذَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَذِنْتُ لَهُ فَلَمْ يَجْلِسْ حَتَّى دَخَلَ الْبَيْتَ ثُمَّ قَالَ أَيْنَ تُحِبُّ أَنْ أُصَلِّيَ مِنْ بَيْتِكَ... ))

 جاء إلى مهمة محددة.

((.. قَالَ: فَأَشَرْتُ لَهُ إِلَى نَاحِيَةٍ مِنَ الْبَيْتِ فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَكَبَّرَ فَقُمْنَا فَصَفَّنَا فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ سَلَّمَ قَالَ وَحَبَسْنَاهُ عَلَى خَزِيرَةٍ صَنَعْنَاهَا لَهُ قَالَ فَآبَ فِي الْبَيْتِ رِجَالٌ مِنْ أَهْلِ الدَّارِ ذَوُو عَدَدٍ فَاجْتَمَعُوا... ))

 سيدنا النبي صلى الله عليه يمكن كل واحد من الصحابة في ذاكرته يعرف مشكلته، هذا متقدم وهذا متأخر، وهذا غاب وهذا جاء.

(( فَقَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ أَيْنَ مَالِكُ بْنُ الدُّخَيْشِنِ أَوِ ابْنُ الدُّخْشُنِ؟ فَقَالَ بَعْضُهُمْ ذَلِكَ مُنَافِقٌ لا يُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لا تَقُلْ ذَلِكَ أَلا تَرَاهُ قَدْ قَالَ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ يُرِيدُ بِذَلِكَ وَجْهَ اللَّهِ، قَالَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ قَالَ: فَإِنَّا نَرَى وَجْهَهُ وَنَصِيحَتَهُ إِلَى الْمُنَافِقِينَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فَإِنَّ اللَّهَ قَدْ حَرَّمَ عَلَى النَّارِ مَنْ قَالَ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ يَبْتَغِي بِذَلِكَ وَجْهَ اللَّهِ، قَالَ ابْنُ شِهَابٍ ثُمَّ سَأَلْتُ الْحُصَيْنَ بْنَ مُحَمَّدٍ الأنْصَارِيَّ وَهُوَ أَحَدُ بَنِي سَالِمٍ وَهُوَ مِنْ سَرَاتِهِمْ عَنْ حَدِيثِ مَحْمُودِ بْنِ الرَّبِيعِ الأنْصَارِيِّ فَصَدَّقَهُ بِذَلِكَ ))

[ مسلم عن عِتْبَانَ بْنَ مَالِكٍ]

 ما هذه لا، البلاغة بكلمة لا فقط، لو أضاف لها كلمة ثانية ما عدّ نبياً، ولو أنه سكت لعدّ سكوت النبي عليه الصلاة والسلام إقراراً، و لو قال قائل منهم: لقد نافق مالك بن الدخشن وسكت النبي فهو منافق، ولو قال الثاني: إنه بغيض الله ورسوله وسكت النبي لكان كذلك، ولو قال الثالث: إن حديثه في المنافقين وسكت النبي لكان كذلك، ولو أن أحدهم قال: نافق مالك يا رسول الله، فقال: لا ليس منافقاً وهو منافق لطعن بهذه الشهادة، إنسان منافق فعلاً، قال: هذا ليس منافقاً أي هؤلاء الأصحاب القلة شكوا في حكمه منافق، ولم يعد نبياً في نظرهم، أما كلمة لا فتحتمل معنيين، تحتمل ليس كذلك وتحتمل لا تقولوا كذلك، فإذا نقلت هذه القصة إلى مالك بن الدخشن، يا رجل قال عنك فلان إنك منافق فقال عنك النبي: لا، كيف يفهمها مالك؟ ليس كذلك إنه نفى عني النفاق يميل قلبه نحو النبي صلى الله عليه وسلم، ولو سمعها واحد في المجلس أنه منافق وقال: لا، يفهمها ألا تقولوا هذا أمامي، أحب أن أخرج وأنا سليم الصدر، لا تحدثوني عن أصحابي بما أكره.

الابتعاد عما يجرح شعور الآخرين :

 أحياناً يكون أخ يمشي مع رجل بعلمه يحبه، فيأتي منافق ويقول له: هذا منافق، و هذا عنده الجهاز الفلاني، وزوجته سافرة، و ماله حرام، فلماذا تقول هذا الكلام دعه يمشي معنا، من المحتمل بعد شهرين أن يبيع هذا الجهاز، وبعد شهرين يحجب امرأته، وهذه المصلحة يتركها، لماذا أنت تقول هذا؟ إذا أنت غرت عليه فانصحه ولا تدريني، إذا ما دريتني فالأفضل أن يبقى بيني وبينه مودة، وهذه المودة تتصاعد ثم تجده ترك كل هذا، أما إذا أوغرت صدر هذا الإنسان على هذا الأخ فصار فساد بالعلاقة فقد وقعت بإثم، فكلمة لا تحير، هذه الكلمة لها معنيان أي لا تقولوا كذلك، وإذا سمعها مالك ليس كذلك.

((.... لا تَقُلْ ذَلِكَ أَلا تَرَاهُ قَدْ قَالَ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ يُرِيدُ بِذَلِكَ وَجْهَ اللَّهِ قَالَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ قَالَ: فَإِنَّا نَرَى وَجْهَهُ وَنَصِيحَتَهُ إِلَى الْمُنَافِقِينَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فَإِنَّ اللَّهَ قَدْ حَرَّمَ عَلَى النَّارِ مَنْ قَالَ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ يَبْتَغِي بِذَلِكَ وَجْهَ اللَّهِ....))

 هذا الكلام لا ينطبق عليه، انظروا إلى الذكاء، هذا كلام منطقي وليس له علاقة بالماضي، انتهت القصة.
 وعندما انتهت القصة تصورت أن هذا منافق، ولكن رسول الله ما أحب أن يجرح شعوره، ولا أحب أن يفضحه، وما أحب أن يسكت، لأنه لو سكت صار إقراراً، وقعت تحت يدي مجلة فيها مقالة عن تبوك، قرأت المقالة فإذا في نصفها الآخر إشارة كدت أذوب لما فيها فرحاً، المنافقون بنوا مسجد ضرار، وهذا المسجد مذكور في القرآن، فبعث النبي عليه الصلاة السلام صحابيين جليلين هما مالك بن الدخشن وآخر ليهدما هذا المسجد، ومعنى هذا أن سيدنا مالك لما بلغته القصة أنه قال عنك: فلان منافق، وقال عنك: إن حديثك في المنافقين، وقال عنك فلان: تبغض الله ورسوله، وكل مرة يقول رسول الله لا، فصار له ميل لرسول الله وبهذا الميل عاد وأسلم، وحسن إسلامه، وصار مجاهداً، وبعثه النبي بمهمة، هذه نتائج كلمة لا، هذه النبوة، لا تقل كلمة فيها جرح لشعور إنسان.

ا

تحميل النص

إخفاء الصور