وضع داكن
29-03-2024
Logo
الدرس : 28 - سورة المائدة - تفسير الآيات 55 - 58، الولاء والبراء.
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا، إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا إتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.

الولاء والبراء :

 أيها الأخوة المؤمنون؛ مع الدرس الثامن والعشرين من دروس سورة المائدة ومع الآية الخامسة والخمسين، وهي قوله تعالى: 

﴿ إِنَّمَا وَلِيُّكُمْ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ (55)﴾

[ سورة المائدة  ]

أيها الأخوة؛ ما معنى كلمة الولي؟ الذي يتولاك، الذي يربيك، الذي يمدك، الذي يعالجك، الذي يحبك، الذي يرحمك.

 في الإسلام شيء دقيق جداً هو: الولاء والبراء، فإذا كان الله وليك ينبغي أن تكون وليه أنت، أن ترجع إليه، أن تهتدي بهداه، أن تحب من يحبه وأن تبغض من يبغضه، أن تعين المؤمنين، أن تنصحهم، أن تكون في خدمتهم، لذلك لا يكون المؤمن مؤمناً إلا إذا اتضح عنده الولاء والبراء، أن يوالي المؤمنين، ولو كانوا ضعافاً، وأن يبرأ من الكفار والمشركين، ولو كانوا أقوياء، ما لم يكن عندك ولاء للمؤمنين، وبراء من غيرهم فلست مؤمناً، الله عز وجل يقول: " إنما "، إنما أداة حصر وقصر، أي لو أن الله عز وجل قال: الله وليكم، هذا لا يمنع أن يكون لكم ولي آخر، أما حينما يقول الله عز وجل: ﴿ إِنَّمَا وَلِيُّكُمْ اللَّهُ ﴾ فلا يمكن، ولا يقبل، ولا يعقل أن تتخذ ولياً غير الله عز وجل، وغير رسوله، وغير المؤمنين، بل محرم عليك أشد التحريم أن توالي أعداء الله، أن تميل نحوهم، أن تسترشد بهم، أن تهتدي بمناهجهم، أن تقلدهم، أن تقف معهم، أن تتبع توجيهاتهم، هذا محرم عليك أشد التحريم.


فرق كبير جداً بين من كان الله وليه وبين من لا ولي له :

 أيها الأخوة: 

﴿ ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لَا مَوْلَى لَهُمْ (11) ﴾

[ سورة محمد ]

 للتقريب، أب نموذجي بأعلى درجة من العلم والحكمة والقدرة والغنى والرحمة والعطف، وله ابن يرعى شؤونه كلها، يرعى صحته، يرعى دراسته، يرعى تربيته، يرعى أخلاقه، يرعى دينه، يخطط لمستقبله، يدفعه إلى أعلى مراتب التفوق، نقول: هذا الأب ولي لهذا الابن، لو تصورنا ابناً مات أبوه، وتزوجت أمه وأهمله المجتمع، فمن انحراف إلى آخر، ومن مخفر إلى مخفر، ومن سجن إلى سجن، يتعاطى المخدرات، ينغمس في وحل الرذيلة، نقول: فرق كبير جداً بين طفل له ولي كبير، أب حكيم، أب عالم، أب مقتدر، وبين طفل مات أبوه، وتزوجت أمه، وشرد على أنظمة المجتمع، واستحق الضياع والسجن، هل هناك ما يقارب هؤلاء مع هؤلاء؟ هل هناك نسبة بين الولدين؟ ﴿ ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لَا مَوْلَى لَهُمْ ﴾ أنت كمؤمن لك مرجع، لك منهج، لك قيم، لك توجيهات من الله عز وجل، في حياتك فرائض، وواجبات، ومباحات، ومكروهات، ومحرمات، وسنن، لك قدوة، النبي قدوتك، والصحابة قدوتك، والقرآن منهجك، والسنة دليلك، فرق كبير جداً بين من كان الله وليه، وبين من لا ولي له.

الله تعالى حينما ألزمك أن تجعل الله وليك أراد لك الولي المطلق الذي لا يعجزه شيء:

 لذلك أيها الأخوة، بعيد جداً، ويكاد أن يكون مستحيلاً أن يقع المؤمن في ورطة كبيرة، لأن منهج الله يحرسه، لأن أمر الله ونهيه يحميه، لأن علمه أن الله موجود، وأنه يحاسب، وأنه يعاقب، وأن الله معه، ولا يتخلى عنه، هناك حقائق كثيرة جداً تحمي الإنسان من أن ينحرف، هؤلاء الذين يدمرون، هؤلاء الذين يسحقون، هؤلاء الذين يفضحون، هؤلاء لم يتخذوا الله ولياً لهم، ليس لهم مرجع إلا شهواتهم ومصالحهم ونزواتهم، لذلك يقعون في ورطة ما بعدها ورطة، الله عز وجل يقول: ﴿ إنما ﴾ أي أنت لست مكلفاً أن توالي ربك فقط، بل وأن تحصر ولاءك لله عز وجل، الله وليك، أي أن الله سبحانه وتعالى منحك نعمة الإيجاد، ونعمة الإمداد، ونعمة الهدى والرشاد، يربيك، ويهديك، ويصحح مسارك، ويصوب أفعالك، ويحاسبك، ويشدد عليك، ويضيق عليك أحياناً، ثم يوفقك، ثم يجمعك مع أهل الحق، ثم يعينك على صلاح دنياك، وصلاح آخرتك، هذا معنى قوله تعالى: ﴿ إِنَّمَا وَلِيُّكُمْ اللَّهُ ﴾ لماذا لم يرد الله لنا أن نتخذ ولياً غيره؟ لأنه إذا كان وليك الإنسان فالإنسان بالأساس محدود، علمه محدود، قدراته محدودة، عواطفه محدودة، الإنسان محدود وضعيف، فقد يرشدك إلى شيء فيه هلاك لك، لأن علمه محدود، قد يدلك على شيء فيه إخفاق لك، لأن علمه محدود، وقد يكذب عليك، ويبين لك أنه وليك، وهو في الحقيقة ليس وليك، ففيه احتمال المحدودية، واحتمال الكذب، لماذا لم يرد الله أن يكون الإنسان وليك، ولو كان كبيراً أو عظيماً؟ لأن أي إنسان محدود، لم يرد الله لك أن يكون المرجع محدوداً، ولا أن يكون منافقاً، لكن الله سبحانه وتعالى حينما ألزمك أن تجعل الله وليك، أراد لك الولي المطلق الذي لا يعجزه شيء لا في الأرض ولا في السماء، أراد لك أن يكون الولي غنياً وقوياً ومهيمناً ومتصرفاً، أراد لك أن تقوى بقوته، وأن تغتني بغناه، وأن تكون حكيماً بحكمته، وأن تسعد بالقرب منه، لو خيرت بين أن يكون لك مرجعان: مرجع فقير جاهل، ومرجع قوي غني عالم، الشيء الطبيعي والبديهي أن تؤثر أن ترجع إلى القوي، إلى الغني، إلى الرحيم، فكيف إذا كان الله عز وجل بيده كل شيء، بَدْءاً من صحتك، إلى أجهزتك، إلى أعضائك، إلى حواسك، إلى أهلك، إلى أولادك، إلى من فوقك، إلى من تحتك، إلى الرزق، إلى الرحمة، إلى السكينة، كل شيء بيد الله عز وجل، اجعله وليك، إذا كنت مع القوي فأنت القوي، نحن في المنظور الأرضي أضعف دولة، لو أن دولة قوية دعمتها لأصبحت أقوى دولة، أنت حينما تكون مع الله كان الله معك، كلمات لا أدري أين تصل إليكم، إذا كان الله معك فمن عليك؟ لا تستطيع قوى الأرض أن تنال منك، ألا ترون واقع المسلمين اليوم؟ في وضع لا يحسدون عليه.

القرآن منهج الله في الأرض وفيه تعليمات الصانع :

 قال الله عز وجل: 

﴿ َقَدْ مَكَرُوا مَكْرَُهُمْ وَعِنْدَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ (46) ﴾

[ سورة إبراهيم ]

 أعداؤهم مكروا، مكر أعداء المؤمنين تزول منه الجبال، وفي آية قصيرة يقول الله عز وجل: 

﴿  إِن تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِن تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُواْ بِهَا ۖ وَإِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْـًٔا ۗ إِنَّ ٱللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ (120) ﴾

[ سورة آل عمران ]

 الخلاص في هذه الآية، كمجند بفرقة هل يخشى هذه الرتب المخيفة إذا كان أبوه قائد الجيش؟ انتهى كل شيء، الله عز وجل ينتظر منا أن نجعله ولياً لنا، أن نجعله مرجعاً لنا، أن نجعله ملاذاً لنا، أن نجعله ملجأ لنا، أن نجعله هادياً لنا. 

(( عَنِ النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ فِيما رَوَى عَنِ اللهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى، أنَّهُ قالَ: يا عِبَادِي، إنِّي حَرَّمْتُ الظُّلْمَ علَى نَفْسِي، وَجَعَلْتُهُ بيْنَكُمْ مُحَرَّمًا، فلا تَظَالَمُوا، يا عِبَادِي، كُلُّكُمْ ضَالٌّ إلَّا مَن هَدَيْتُهُ، فَاسْتَهْدُونِي أَهْدِكُمْ، يا عِبَادِي، كُلُّكُمْ جَائِعٌ إلَّا مَن أَطْعَمْتُهُ، فَاسْتَطْعِمُونِي أُطْعِمْكُمْ، يا عِبَادِي، كُلُّكُمْ عَارٍ إلَّا مَن كَسَوْتُهُ، فَاسْتَكْسُونِي أَكْسُكُمْ ، يا عِبَادِي، إنَّكُمْ تُخْطِئُونَ باللَّيْلِ وَالنَّهَارِ، وَأَنَا أَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا، فَاسْتَغْفِرُونِي أَغْفِرْ لَكُمْ، يا عِبَادِي، إنَّكُمْ لَنْ تَبْلُغُوا ضَرِّي فَتَضُرُّونِي، وَلَنْ تَبْلُغُوا نَفْعِي فَتَنْفَعُونِي، يا عِبَادِي، لو أنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وإنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ، كَانُوا علَى أَتْقَى قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ مِنكُمْ؛ ما زَادَ ذلكَ في مُلْكِي شيئًا، يا عِبَادِي، لوْ أنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وإنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ، كَانُوا علَى أَفْجَرِ قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ؛ ما نَقَصَ ذلكَ مِن مُلْكِي شيئًا، يا عِبَادِي، لو أنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وإنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ، قَامُوا في صَعِيدٍ وَاحِدٍ فَسَأَلُونِي، فأعْطَيْتُ كُلَّ إنْسَانٍ مَسْأَلَتَهُ؛ ما نَقَصَ ذلكَ ممَّا عِندِي إلَّا كما يَنْقُصُ المِخْيَطُ إذَا أُدْخِلَ البَحْرَ، يا عِبَادِي، إنَّما هي أَعْمَالُكُمْ أُحْصِيهَا لَكُمْ، ثُمَّ أُوَفِّيكُمْ إيَّاهَا، فمَن وَجَدَ خَيْرًا فَلْيَحْمَدِ اللَّهَ، وَمَن وَجَدَ غيرَ ذلكَ فلا يَلُومَنَّ إلَّا نَفْسَهُ. وفي روايةٍ: إنِّي حَرَّمْتُ علَى نَفْسِي الظُّلْمَ وعلَى عِبَادِي، فلا تَظَالَمُوا ))

[ أخرجه مسلم عن أبي ذر الغفاري ]

 إذاً الله عز وجل يقول: ﴿ إِنَّمَا وَلِيُّكُمْ اللَّهُ وَرَسُولُهُ ﴾ أي الله في قرآنه، هذا القرآن منهج الله في الأرض، هذا القرآن تعليمات الصانع، هذا القرآن الكريم لا يأتيه الباطل لا من بين يديه ولا من خلفه، الحلال ما أحله الله، والحرام ما حرمه الله، والحسن ما سمح الله به، والقبيح ما نهى الله عنه.

السنة منهج تفصيلي والقرآن منهج كلي :

 قال تعالى: ﴿ إِنَّمَا وَلِيُّكُمْ اللَّهُ وَرَسُولُهُ ﴾ في كتابه، والله وليكم في الدعاء أيضاً، ادعوه يستجب لكم، إن دعوتموه أولاً: يسمعكم، وثانياً: هو قادر على إجابة دعائكم، وثالثاً: يحب أن يرحمكم، موجود ويسمع، وقادر ويرحم، وليكم فيما ينبغي أن تعتقدوا، وليكم في أنه قدم لكم تفسيراً شاملاً متناسقاً لحقيقة الكون، وحقيقة الحياة، وحقيقة الإنسان وليكم هو معكم، تدعونه سراً وعلانية، تدعونه سراً وجهراً، وليكم إذا رآكم قد انحرفتم يربيكم، يضيق عليكم: 

﴿ وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (21) ﴾

[ سورة السجدة ]

 وليك في عقيدتك، وليك في المنهج القويم الذي إذا سرت عليه سلمت وسعدت، وليك في أنه تدعوه فيستجيب لك، وليك في أنه يربيك، الآن الإنسان أحياناً يهمه ممن يعمل معه أن يقوم بواجبه أتم القيام، لكن لا يعنيه دينه، ولا استقامته، ولا خلقه، لكن الله خلقك ليسعدك، ليرحمك، فإذا قصرت ضيق عليك، إذا قصرت شدد عليك، أوحى ربك إلى الدنيا أن تكدري، وتضيقي، وتشدي على أوليائي حتى يحبوا لقائي، هناك متابعة من الله عز وجل: ﴿ إِنَّمَا وَلِيُّكُمْ اللَّهُ وَرَسُولُهُ﴾ الله عز وجل أنزل هذا الكتاب، والنبي عليه الصلاة والسلام بيَّنه وفصَّله، فالسنة منهج تفصيلي، والقرآن منهج كلي، لذلك النبي عليه الصلاة والسلام بأقواله وأفعاله وإقراره كان تفسيراً وتوضيحاً وبياناً لما في كتاب الله عز وجل فالنبي إذا أمرك بأمر ينبغي أن تأتمر. 

﴿ مَّآ أَفَآءَ ٱللَّهُ عَلَىٰ رَسُولِهِۦ مِنْ أَهْلِ ٱلْقُرَىٰ فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِى ٱلْقُرْبَىٰ وَٱلْيَتَٰمَىٰ وَٱلْمَسَٰكِينِ وَٱبْنِ ٱلسَّبِيلِ كَىْ لَا يَكُونَ دُولَةًۢ بَيْنَ ٱلْأَغْنِيَآءِ مِنكُمْ ۚ وَمَآ ءَاتَىٰكُمُ ٱلرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَىٰكُمْ عَنْهُ فَٱنتَهُواْ ۚ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ ۖ إِنَّ ٱللَّهَ شَدِيدُ ٱلْعِقَابِ (7) ﴾

[ سورة الحشر ]

المؤمن نصوح يرشدك ويقدم لك العون :

 النبي إذا وجهك توجيهاً ينبغي أن تستجيب له: 

﴿ فَإِن لَّمْ يَسْتَجِيبُواْ لَكَ فَٱعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَآءَهُمْ ۚ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ ٱتَّبَعَ هَوَىٰهُ بِغَيْرِ هُدًى مِّنَ ٱللَّهِ ۚ إِنَّ ٱللَّهَ لَا يَهْدِى ٱلْقَوْمَ ٱلظَّٰلِمِينَ (50) ﴾

[ سورة القصص ]

﴿ وَالَّذِينَ آمَنُوا ﴾ المؤمن نصوح، المؤمن ينصحك ولا يسكت على انحراف، المؤمن يرشدك، المؤمن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، المؤمن يقدم لك العون، المؤمن يغار على مصلحتك، المؤمن يغار على سمعتك، المؤمن يغار على مصيرك، فالله ورسوله والذين أمنوا واحد، الأصل أن الله ولينا، فرع من هذا الأصل أن النبي عليه الصلاة والسلام ولينا، فرع آخر من الفرع المؤمنون أولياؤنا، لذلك المؤمن يرجع إلى القرآن لأن الله وليه، يرجع إلى السنة لأن النبي عليه الصلاة والسلام وليه، الآن يستشير المؤمنين لأن المؤمنين أولياؤه، أي لو استشرت إنساناً شارداً عن الله، الله عز وجل قال: 

﴿ وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً (28) ﴾

[ سورة الكهف ]

 هناك آلاف القضايا، إن استشرت مؤمناً نصحك، وأرشدك، ومنحك النصيحة، وأخلص لك، إن استشرت غير مؤمن لم يدلك على ما فيه مصلحتك، مثلاً: لو أنت في محل تجاري، واستشرت صاحب المحل أتابع دراستي أم لا؟ إذا كان مؤمناً ينصحك بمتابعة الدراسة ولو خسرك، بينما غير المؤمن يزهدك في الدراسة، يقول لك: ابقَ هنا، الدراسة لا تطعم الطعام، لمصلحته، يرشدك لمصلحته، بينما المؤمن يرشدك لمصلحتك.

لا يجوز أبداً أن تستنصح غافلاً ولا شارداً ولا أن تستشيره ولا أن تركن إليه :

 إذاً هذه الآية دقيقة جداً: ﴿ إِنَّمَا وَلِيُّكُمْ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا ﴾ لماذا المؤمن يجب أن ترجع إليه؟ لأنه اهتدى بهدى الله عز وجل، وطبق سنة رسول الله، لكن بشكل أدق: ﴿ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ ﴾ متصل بالله، قلبه مستنير بنور الله، أي إذا عرض عليك عمل كان فيه نفع كبير مادي، لكن فيه مخاطرة كبيرة جداً في الدين، لو سألت مؤمناً ينهاك عن هذا العمل، تقول له: خمسة أمثال الدخل، يقول لك: إذا ضاع دينك خسرت كل شيء، استشر إنساناً آخر شارداً عن الله، ينصحك بأن تقبل على هذا العمل من دون تردد ولا يعبأ بدينك، إنه يعبأ بالمال فقط، لذلك: ﴿وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً ﴾ لا يجوز بحال من الأحوال أن تستنصح غافلاً ولا شارداً، ولا أن تستشيره، ولا أن تركن إليه: 

﴿ وَلَا تَرْكَنُوٓاْ إِلَى ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ فَتَمَسَّكُمُ ٱلنَّارُ وَمَا لَكُم مِّن دُونِ ٱللَّهِ مِنْ أَوْلِيَآءَ ثُمَّ لَا تُنصَرُونَ (113) ﴾

[ سورة هود ]

 ولا أن تتمنى أن يقربك أبداً، يجب أن تزهد به.

الاستخارة لله عز وجل والاستشارة لأولي الخبرة من المؤمنين :

 قال تعالى: ﴿ إِنَّمَا وَلِيُّكُمْ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ ﴾ هذا موصول بالله عز وجل، موصول بالمطلق، موصول بنور السماوات والأرض، الله نور السماوات والأرض، موصول بالحكيم، موصول بالعليم، موصول بمن خلقنا ليسعدنا، لا ليمتعنا في الدنيا لسنوات معدودات ثم تنتظرنا جهنم وبئس المصير، لا، فالمؤمن ينظر إلى آخرتك، إذاً: ﴿ إِنَّمَا وَلِيُّكُمْ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ ﴾ من لوازم إقامة الصلاة أنهم يؤتون الزكاة، وكأن الله اختار من أركان الإسلام عبادة شعائرية، وعبادة تعاملية، واحدة اتصال بالله، والثانية إحسان للخلق، والثانية دليل الأولى، والأولى سبب الثانية، فهذا المؤمن المتصل بالله، وهذا المؤمن الذي له أعمال صالحة في خدمة الناس، هذا ينبغي أن تستشيره، والاستشارة لأولي الخبرة من المؤمنين، أجمل ما في هذه الآية أن المؤمن له مرجع، له مرجع يسأل، إن علم الحكم الشرعي علم الحكم الشرعي، وإن لم يعلم سأل، ما الحكم الشرعي في هذا الزواج؟ ما الحكم الشرعي في هذه التجارة؟ ما الحكم الشرعي في هذه السفرة؟ ما الحكم الشرعي في شراء هذا البيت؟ له مرجع يخاف أن يخرج عن منهج الله، إن علم الحكم علم الحكم، وإن لم يعلم الحكم سأل من يعلم، قال تعالى: 

﴿ وَمَآ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا نُّوحِىٓ إِلَيْهِمْ ۚ فَسْـَٔلُوٓاْ أَهْلَ ٱلذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (43)﴾

[ سورة النحل ]

من صفات المؤمن أنه يسأل لأن له مرجعية :

 إذا كانت القضية متعلقة بالله عز وجل: 

﴿ ٱلَّذِى خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِى سِتَّةِ أَيَّامٍۢ ثُمَّ ٱسْتَوَىٰ عَلَى ٱلْعَرْشِ ۚ ٱلرَّحْمَٰنُ فَسْـَٔلْ بِهِۦ خَبِيرًا (59)﴾

[ سورة الفرقان ]

 لأن الله مرجعك، ولأن رسوله مرجعك، ولأن أولي الخبرة من المؤمنين مرجعك، ينبغي أن تسأل، لذلك ورد في القرآن آيات كثيرة: 

﴿ يَسْـَٔلُونَكَ عَنِ ٱلْخَمْرِ وَٱلْمَيْسِرِ ۖ قُلْ فِيهِمَآ إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَٰفِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَآ أَكْبَرُ مِن نَّفْعِهِمَا ۗ وَيَسْـَٔلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلِ ٱلْعَفْوَ ۗ كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ ٱللَّهُ لَكُمُ ٱلْءَايَٰتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ (219) ﴾

[ سورة البقرة ]

﴿ وَيَسْـَٔلُونَكَ عَنِ ٱلْمَحِيضِ ۖ قُلْ هُوَ أَذًى فَٱعْتَزِلُواْ ٱلنِّسَآءَ فِى ٱلْمَحِيضِ ۖ وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّىٰ يَطْهُرْنَ ۖ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ ٱللَّهُ ۚ إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلتَّوَّٰبِينَ وَيُحِبُّ ٱلْمُتَطَهِّرِينَ (222) ﴾

[ سورة البقرة ]

﴿ يَسْـَٔلُونَكَ عَنِ ٱلْخَمْرِ وَٱلْمَيْسِرِ ۖ قُلْ فِيهِمَآ إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَٰفِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَآ أَكْبَرُ مِن نَّفْعِهِمَا ۗ وَيَسْـَٔلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلِ ٱلْعَفْوَ ۗ كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ ٱللَّهُ لَكُمُ ٱلْءَايَٰتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ(219) ﴾

[ سورة البقرة ]

 من صفات المؤمن أنه يسأل، لأن له مرجعية، أقول مرة ثانية: قلّما يُدَمَّر المؤمن، قلّما يُسحَق، قلّما يُفتضَح، لماذا؟ لأن له مرجعية، ويتحرك بنور الله، يطبق منهج الله، يسعى لنيل رضوان الله عز وجل، المؤمن قد تأتيه بعض الامتحانات، وبعض المصائب لكنها معقولة جداً، خفيفة، لطيفة، سريعة.

الكافر يعيش لحظته وإن عرضت له شهوة يقتنصها :

 أحياناً الإنسان يُدَمَّر، هذا الذي يرتكب جريمة ثم يعدم، هذا مقطوع عن الله، لو كان مع الله لما أقدم على هذا، لا تنسوا هذا المثل: ابن له أب كبير بعلمه، ورحمته، وحكمته، وخبرته، وماله، هيأ له أجواء رائعة، اعتنى بصحته، اعتنى بعقله، اعتنى بنفسه، اعتنى بعلاقاته، اعتنى بدراسته، رسم له مستقبلاً مشرقاً، تفرغ له، هذا الابن هل يوازى مع ابن مات أبوه، وتزوجت أمه، وسكن في المخافر، وفي مأوى الشاردين، ومن مخفر إلى مخفر، ومن سجن إلى سجن، وهو غارق في المخدرات وفي الانحرافات والشذوذ، هذا كهذا؟ أين الثرى من الثريا: 

﴿ ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لَا مَوْلَى لَهُمْ (11) ﴾

[ سورة محمد ]

 الكافر يعيش لحظته، عرضت له شهوة فيقتنصها، حرام أو حلال، عرض له مال يأخذه، لا يسأل أيجوز أو لا يجوز.

 سمعت عن إنسان فقير جداً يعمل في بستان بأجر زهيد، أعطي عشرين دونماً من ملاك كبير بقوة القانون، فهذا اختل توازنه من الفرح، فذهب إلى شيخه ومرجعه يبشره بهذا العطاء، انتقل من أجير إلى مالك، من فقير إلى غني، فقال له شيخه، وأنا لا أعلق على حكم الشيخ في هذا الموضوع، لكن يهمني المغزى، قال له: هذه الأرض مغتصبة، لا يجوز أن تأخذها، كأن فرحته في هذه الأرض جمرة أطفأتها بكأس ماء، همد، لا يجوز، ماذا أفعل يا سيدي؟ قال له: ليس لهذا وجه شرعي، إذا أردت فاشترِ الأرض من صاحبها، قال له: لا أملك ثمنها، قال له: لعله يبيعك إياها تقسيطاً، فذهب إلى صاحب الأرض الذي أخذت منه، قال: يا سيدي أعطوني من أرضك عشرين دونماً، وسألت شيخي فقال: لا يجوز أن آخذها منك، لأنها أخذت منك غصباً، هل تبيعني إياها؟ تأمله ملياً، وقال له: يا بني أنا أخذوا مني أربعمئة دونم، لم يأتِ إلي إلا أنت، هذه هدية لك، خذها وتملكها، وازرعها، وانتفع بخيرها، هي هدية لك، بارك الله لك بها، له مرجع، تملكها حلالاً، له مرجع، المؤمن له مرجع، قبل أن يسافر، قبل أن يغامر، قبل أن يتزوج، قبل أن يعمل في جهة لا ترضي الله، قبل أن يكتب، قبل أن ينال شهادة في فن لا يرضي الله، له مرجع: ﴿ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ﴾ .

قلّما يُدمَّر المؤمن لأنه يتحرك وفق منهج الله :

 والله أيها الأخوة، إنسان جمع أموالاً طائلة للاستثمار، ثم أقام مسابقة لانتخاب ملكة جمال، الذين أودعوا معه أموالاً من المتدينين رابهم هذا الأمر، فسألوا مشايخهم، فقال: يا بني اسحبوا أموالكم، هذا إنسان يبدو على غير منهج، الذين سحبوا أموالهم في الوقت المناسب هم الذين نجوا وحدهم من الإفلاس، المؤمن له مرجعية، يسأل، الله عز وجل ما دام يعلم منك صدقاً يلهم الذي تسأله أن يقدم لك النصح، أقول لكم مرة ثانية: قلّما يُدمَّر المؤمن، قلّما يُسحَق، قلّما يُفضَح، لماذا؟ لأن له مرجعاً يتحرك وفق منهج الله، يتحرك في مظلة الله، يتحرك بتوجيه كتاب الله، يتحرك بهدي رسول الله، يستنصح المؤمنين، لذلك لست وحدك في الحياة، أنت عضو بأسرة، أجمل ما في الإيمان هذا الجمع، أنت عضو بأسرة، الكل لواحد، والواحد للكل، ألف أخ مؤمن ينصحك ويعينك، فإذا كنت مع المؤمنين ألف مؤمن يساعدك، ألف مؤمن يعاونك، والله التضحيات التي تراها في مجتمع المؤمنين تكاد لا تصدق، أنت في جماعة، أنت مع المؤمنين، لذلك قال تعالى: ﴿ إِنَّمَا وَلِيُّكُمْ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ﴾ في بعض أسباب النزول قد لا تقبلونها، أنه أثناء الركوع سائل سأل سيدنا علي، مد له يده، وفيها خاتم فسحبه، فلذلك أدى الزكاة وهو راكع، لكن المعنى الذي يليق بقرآن الله عز وجل، أنه يؤدي الزكاة، وهو خاضع لله في منهجه، يطبق منهج الله عز وجل، هناك إنسان يدفع مالاً، معه مال وفير، هو غارق في شهوته، لكنه يعطي من ماله ما يشاء، لا: ﴿وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ﴾ خاضعون لمنهج الله عز وجل.

مستحيل أن تكون من حزب الله وأن تُغلَب :

 قال تعالى: 

﴿ وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمْ الْغَالِبُونَ (56) ﴾

[ سورة المائدة ]

 مستحيل وألف أَلف ألف مستحيل أن تكون من حزب الله وأن تُغلَب، مستحيل أن تكون جندياً لله، وأن تُغلَب. فإن لم تَغلِب فيجب أن تشك في جنديتك لله، وإن لم تَغلِب أنت لست من حزب الله بالمعنى القرآني طبعاً: ﴿ فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمْ الْغَالِبُونَ﴾ .

﴿ إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ فِى ٱلْحَيَوٰةِ ٱلدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ ٱلْأَشْهَٰدُ (51) ﴾

[ سورة غافر ]

 هكذا حكم الله عز وجل: 

﴿ وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ (173) ﴾

[ سورة الصافات ]

﴿ وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ رُسُلًا إِلَىٰ قَوْمِهِمْ فَجَآءُوهُم بِٱلْبَيِّنَٰتِ فَٱنتَقَمْنَا مِنَ ٱلَّذِينَ أَجْرَمُواْ ۖ وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ ٱلْمُؤْمِنِينَ (47) ﴾

[ سورة الروم ]

﴿ ٱلَّذِينَ يَتَرَبَّصُونَ بِكُمْ فَإِن كَانَ لَكُمْ فَتْحٌ مِّنَ ٱللَّهِ قَالُوٓاْ أَلَمْ نَكُن مَّعَكُمْ وَإِن كَانَ لِلْكَٰفِرِينَ نَصِيبٌ قَالُوٓاْ أَلَمْ نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ وَنَمْنَعْكُم مِّنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ ۚ فَٱللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ ٱلْقِيَٰمَةِ ۗ وَلَن يَجْعَلَ ٱللَّهُ لِلْكَٰفِرِينَ عَلَى ٱلْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا (141)﴾

[ سورة النساء ]

حينما لا يظلم بعضنا بعضاً ننتصر على أعدائنا :

 كل هذا وعد الله عز وجل، وزوال الكون أهون من ألا يحقق وعوده للمؤمنين، فإن لم تحقق هذه الوعود فالخلل عندنا، والكرة في ملعبنا، الخلل عندنا، في إنسان يسأل لمَ لم ينصرنا الله على أعدائنا؟ عندما يبلغك أنه ستة وسبعون مليون اتصال هؤلاء قيمتهم النقدية مليارات من أجل اختيار مغنية أو أخرى، هذا واقع المسلمين، سبعون مليون اتصال تكلف مليارات فقط من أجل أن تتصل، وتقول: أنا أحب هذه المغنية، هؤلاء كلهم مسلمون، فلذلك لا تعتبوا على الله، زوال الكون أهون على الله من ألا يحقق وعوده للمؤمنين: ﴿ إِنَّمَا وَلِيُّكُمْ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ*وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمْ الْغَالِبُونَ﴾ هذا قول خالق الأكوان. 

(( عن سليمانَ بنِ يَسارٍ أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم كان يبعَثُ عبدَ اللهِ بنَ رواحةَ يخرِصُ بينه وبين يهودِ خَيبرَ ، قال : فجعلوا له حُلِيًّا من حُليِّ نسائِهم فقالوا : هذا لك فخفِّفْ عنَّا وتجاوزْ في القَسْمِ ، فقال عبدُ اللهِ بنُ رواحةَ يا معشرَ اليهودِ واللهِ إنَّكم لمن أبغضِ خَلقِ اللهِ إليَّ وما ذلك بحاملي على أن أحيفَ عنكم فأمَّا ما عرضتم من الرِّشوةِ فإنَّها سُحتٌ وإنَّا لا نأكلُها ، فقالوا : بهذا قامت السَّماواتُ والأرضُ . ))

ونحن حينما لا يظلم بعضنا بعضاً ننتصر على أعدائنا. 

(( ابغوني الضَّعيفَ ، فإنَّكُم إنَّما تُرزَقونَ ، وتُنصَرونَ بضعفائِكُم ))

[ صحيح النسائي ]

 الضعيف، أنت قوي، حينما تعطيه حقه، وحينما توفر له كرامته، يكافئك الله على أن نصرت من هو أضعف منك بأن ينصرك على من هو أقوى منك، يكافئك الله، لأنك نصرت من هو أضعف منك ينصرك على من هو أقوى منك، وأنت حينما تعطي كل إنسان حقه، وتعطيه كرامته، تعطيه رغيف خبزه وكرامته تأخذ منه كل شيء، ويصبح المجتمع متماسكاً لا يخرق.

من أرضى الناس بسخط الله سخط عنه الله وأسخط عنه الناس :

 بربكم قوة اليهود من أسلحتهم فقط؟ من معلومات، من أعطاهم إياها؟ كيف اغتالوا فلاناً وفلاناً؟ من أين جاءتهم المعلومات؟ معنى ذلك هناك خطأ وخلل كبير في حياتنا ﴿ وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمْ الْغَالِبُونَ﴾ لا تنسوا هذه المقولة، زوال الكون أهون على الله من ألا يحقق وعوده للمؤمنين، مستحيل وألف أَلف ألف مستحيل أن تؤمن بالله، وأن تعد لأعدائك ما تستطيع ثم لا تنتصر، هناك خلل إما في الإعداد أو في الإيمان، الخلل إما في الإيمان أو في الإعداد، أما آمنت بالله الإيمان الحق، وأعددت لعدوك ما تستطيع ولا تنتصر، هذا يتناقض مع القرآن الكريم، ثم يقول الله عز وجل: 

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَكُمْ هُزُواً وَلَعِباً مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَالْكُفَّارَ أَوْلِيَاءَ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ (57) ﴾

[ سورة المائدة ]

 أقول لكم: المسلم المقصر دون أن يشعر إن رأى جهة قوية مسيطرة غنية يميل إليها على حساب دينه، يميل إليها على حساب كرامته، فإذا والى الواحد منا الطرف الآخر، ولم يوال المؤمنين خيب الله مسعاه، من أرضى الناس بسخط الله سخط عنه الله، وأسخط عنه الناس، وفي تجارب المسلمين مع الطرف الآخر هل جاءنا خير منهم؟ أبداً، الله عز وجل قال: 

﴿ وَٱللَّهُ أَعْلَمُ بِأَعْدَآئِكُمْ ۚ وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ وَلِيًّا وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ نَصِيرًا (45) ﴾

[ سورة النساء ]

﴿ وَإِذَا نَادَيْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ اتَّخَذُوهَا هُزُواً وَلَعِباً ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْقِلُونَ (58) ﴾

[ سورة المائدة ]

لا تصاحب من لا يرى لك من الفضل مثل ما ترى له :

 أيها الأخوة، بتوجيه من الله عز وجل يقول: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَكُمْ هُزُواً وَلَعِباً ﴾ أي لا تصاحب من لا يرى لك من الفضل مثل ما ترى له، لا يراك عظيماً يراك سخيفاً، يراك جاهلاً، يراك ضيق الأفق، يهزأ بدينك، يهزأ بقرآنك، يهزأ بسنة نبيك، يهزأ بقبلتك، يهزأ باعتقادك، لماذا تصاحبه؟ لماذا ترتاح له؟ لماذا تجامله؟ لماذا تداهنه؟ ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَكُمْ هُزُواً وَلَعِباً مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَالْكُفَّارَ أَوْلِيَاءَ ﴾ ممنوع أن تصاحبه، فكيف إذا اتخذته ولياً؟ استهديت بهديه، سألته، استشرته، نصحك أن تفعل كذا، أن تتاجر بهذه التجارة، يقول لك: هذه تجارة مربحة، أين عقلك؟ فيها ربا، فيها مادة محرمة، لا تهتدي بهديه، لا تصغ إلى توجيهه، لا تعرض له مشكلتك، فيشمت بك، من اشتكى إلى مؤمن فكأنما اشتكى إلى الله، ومن اشتكى إلى كافر فكأنما اشتكى على الله، لا تضعف أمامه لا تظهر نقاط ضعفك أمامه أبداً: ﴿ لَا تَتَّخِذُوا الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَكُمْ هُزُواً وَلَعِباً مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَالْكُفَّارَ أَوْلِيَاءَ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ ﴾ اجعلوا الله وليكم، اجعلوا رسوله وليكم، اجعلوا توجيه المؤمنين وليكم، والدليل الآخر ( وَإِذَا نَادَيْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ اتَّخَذُوهَا هُزُواً وَلَعِباً ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْقِلُونَ ) أنت في حياتك مقدسات، هذا الذي لا يقيم وزناً لمقدساتك ينبغي ألا تصغي إليه، وألا تصاحبه، وألا تقيم معه علاقات حميمة، لا يجوز، علاقات العمل مسموح بها، أما علاقات حميمة، زيارات طويلة، سهرات إلى وقت متأخر، رحلات مشتركة، شراكة اندماجية، هذه علاقة حميمة ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَكُمْ هُزُواً وَلَعِباً مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَالْكُفَّارَ أَوْلِيَاءَ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ*وَإِذَا نَادَيْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ اتَّخَذُوهَا هُزُواً وَلَعِباً ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْقِلُونَ﴾ نحن في حياتنا إذا إنسان متفوق في العلم، وعنده مكتبة ضخمة، وهذه المكتبة استوعبها، وهي تجري في دمه، لو التقى بإنسان جاهل يهزأ به، يقول له: هذه المكتبة لا تطعمك الخبز، افعل كذا وكذا، لا يعرف قدر العالم إلا العالم، فأنت حينما تصاحب من لا يرى لك فضلاً تكون قد أخطأت خطأ فاحشاً، لا تصاحب إلا مؤمناً، ولا يأكل طعامك إلا تقي. 

والحمد لله رب العالمين 

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور