وضع داكن
29-03-2024
Logo
الدرس : 06 - سورة الأنفال - تفسير الآيات 15 - 18، الإعداد والمواجهة تضيق على العدو خطتهم - والله موهن كيد الكافرين
رابط إضافي لمشاهدة الفيديو اضغط هنا
×
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

الحمد لله رب العالمين  ، والصلاة والسلام على سيدنا محمدٍ الصادق الوعد الأمين  ، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم  ، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات  . 

 

من أراد أن يحدث ربه فليدعه ومن أراد أن يحدثه ربه فليقرأ القرآن :


أيها الإخوة الكرام . . . مع الدرس السادس من دروس سورة الأنفال ، ومع الآية الخامسة عشرة وهي قوله تعالى : 

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفاً فَلَا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبَارَ (15) ﴾

[ سورة الأنفال ]

أول شيء إذا قال الله تعالى : ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ﴾ ، أنت أيها المؤمن هل تشعر أنك معني بهذا الخطاب ؟ إذا كنت طبيباً وجاء بلاغ يا أيها الأطباء ، وأنت طبيب تشعر يقيناً أنك معني بهذا الخطاب ، فإذا كنت مؤمناً حقاً ، وقرأت قوله تعالى : ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ﴾ تشعر بكل كيانك أنك معني بهذا الخطاب . 

قال : إذا أردت أن تحدث ربك فادعه ، وإذا أردت أن يحدثك ربك فاقرأ القرآن ، أنت حينما تقرأ قوله تعالى : ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ﴾ ، أنت مؤمن ، الخطاب لك .

 

مخاطبة عامة الناس بأصول الدين ومخاطبة المؤمنين بفروع الدين :


الحقيقة الثانية أن الله خاطب عامة الناس بأصول الدين ، وخاطب المؤمنين بفروع الدين ، قال :

﴿  يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (21)﴾  

[ سورة البقرة ]

العبادة أصل كبير من أصول الدين ، أما حينما خاطب المؤمنين فقد قال : 

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (183)﴾

[  سورة البقرة  ]

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفاً فَلَا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبَارَ (15)﴾

[ سورة الأنفال ]

إذاً أول حقيقة ما دمت مؤمناً حقاً تشعر أنك معني بهذا الخطاب ، وأن هذا الخطاب لك ، وأن هذا الخطاب يقتضي أن تقف موقفاً ، إن كان أمراً ينبغي أن تأتمر ، إن كان نهياً ينبغي أن تنتهي ، إن كان آية كونية ينبغي أن تتفكر ، إن كان قصة لأقوام سابقين ينبغي أن تتعظ ، إن كان مشهداً من مشاهد أهل الجنة ينبغي أن تسعى إليها ، وإن كان مشهداً من مشاهد أهل النار ينبغي أن تتقي النار ولو بشق تمرة . 

 

تدبر آيات القرآن الكريم :


صدق أيها الأخ ما لم يكن لك موقف من أية آية ففي الإيمان خلل .

تصور مدير مؤسسة ، قائد جيش ، رئيس جامعة ، مدير مستشفى ، يوجه خطاباً إلى الأطباء ، أي معقول الطبيب لا يعبأ إطلاقاً بهذا الخطاب ، وهو يعنيه ، ومكلف بالخطاب أن يفعل شيئاً ؟

لذلك : امتحن إيمانك من هذا المقياس ، هل تشعر إذا قرأت القرآن وتلوت قوله تعالى  : ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ﴾   ، هل تشعر أنك معني بهذا الخطاب ؟ هذه واحدة . 

وهل تشعر أنه لا بدّ من أن تأخذ موقفاً فيما سيأتي بعد ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ﴾   ، إذا كان هناك أمر ائتمار ، إذا كان هناك نهي انتهاء ، إذا كان هناك آية كونية تفكر ، وإذا كان هناك مشهد من مشاهد الجنة تسعى لها ، مشهد من مشاهد أهل النار تفر منها ، إذا كان هناك قصة لأقوام سابقين ينبغي أن تتعظ ، عود نفسك أن تدبر القرآن الكريم أي أن تقف موقفاً من أية آية ، هذا التدبر . 

التفسير شيء آخر ، فهم القرآن شيء وتدبره شيء آخر ، الله عز وجل قال : 

﴿  أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا (24)﴾

[  سورة محمد  ]

التدبر أن تقف موقفاً من أية آية تقرؤها ، لأنك مؤمن والله سبحانه وتعالى يخاطب المؤمنين ، ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ﴾ ، هذه واحدة .

 

أركان النجاة :


الآن هل تصدق أن من أركان النجاة التي وردت في القرآن الكريم :

﴿ وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ (3)﴾

[ سورة العصر ]

ما سيأتي بعد إلا أركان النجاة :

﴿  وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ ﴾﴾

[ سورة العصر ]

﴿ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ ﴾ الدعوة إلى الله فرض عين على كل مسلم ، أنا أسألك : لماذا تصلي ؟ جوابك الرائع والبديهي والواحد والوحيد لأن الصلاة فرض ، فإذا أقنعتك بالدليل أن الدعوة إلى الله فرض عين ، قل لي : ما الدليل ؟ أقول لك : سورة العصر ، ﴿ وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا ﴾ أركان النجاة ﴿ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ ﴾ ، هذه الدعوة .

 

الدعوة إلى الله فرض عين على كل مسلم في حدود ما يعلم ومع من يعرف :


لكن أيها الأخ الكريم الدعوة إلى الله كفرض عين على كل مسلم في حدود ما تعلم ومع من تعرف ، في حدود ما تعلم ، سمعت درس علم ، حضرت خطبة تأثرت بها ، قرأت حديثاً أعجبت به ، قرأت تفسير آية تأثرت من هذا التفسير ، هذا الذي تأثرت به ينبغي أن تنقله إلى من حولك ، إلى زوجتك ، إلى أخيك ، إلى ابنك ، إلى صهرك ، إلى جارك ، إلى صديقك ، إلى شريكك ، الدعوة إلى الله كفرض عين في حدود ما تعلم ، ومع من تعرف .

أما الدعوة إلى الله كفرض كفاية فتحتاج إلى تفرغ ، وإلى تبحر ، وإلى تعمق ، وإلى قدرة أن ترد على كل الشبهات ، هذه اختصاص ، إنسان متفرغ كلياً ، دخل جامعات ، جاهد نفسه وهواه ، وصل لدرجة من العلم بحيث يستطيع أن يرد على كل شبهة ، هذا موضوع ثانٍ .

طبعاً الآية المتعلقة بفرض الكفاية قال تعالى : 

﴿ وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (104)﴾

[  سورة آل عمران  ]

﴿ مِنْكُمْ ﴾ ، من للتبعيض ، هذه فرض كفاية ، أما الدعوة إلى الله كفرض عين ﴿ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ ﴾   ، والآية الثانية : 

﴿ قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (108)﴾

[  سورة يوسف  ]

فإن لم تكن داعياً إلى الله أنت لست متبعاً لرسول الله ، وإن لم تكن متبعاً لرسول الله أنت لا تحب الله ، الدليل :

﴿ قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (31)﴾

[ سورة آل عمران  ]

هذا أول شيء .

إذاً  ، ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفاً فَلَا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبَارَ ﴾  ، أي أنت مكلف أن تدعو إلى الله ، لذلك إذا دعا داعي الجهاد ينبغي أن تستجيب ، لأن أحد أركان النجاة أن تسهم في ترسيخ معالم هذا الدين ، وأحياناً الجهاد القتالي أحد أسباب ترسيخ معالم هذا الدين .

 

حقيقة الإيمان ما إن تستقر في قلب المسلم حتى تعبر عن ذاتها بحركة نحو الآخرين :


أيها الإخوة ، علامة إيمانك – الآن دقق - ما إن تستقر حقيقة الإيمان في قلبك إلا وتعبر عن ذاتها بحركة نحو الآخرين .

أما ليس لي علاقة ، الناس لهم ربهم يحاسبهم ، لا تهتم بنشر الحق ، لا تهتم بمن حولك ، رأيتهم على ضياع وضلال ، ولم تعبأ بهم إطلاقاً ، لذلك هذا الموقف يغضب الله عز وجل والدليل :

(( عن جابر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أوحى الله إلى ملك من الملائكة أن اقلب مدينة كذا وكذا عل أهلها، قال : إن فيها عبدك فلانا لم يعصك طرفة عين ، قال : اقلبها عليه وعليهم ، فإن وجهه لم يتمعر في ساعة قط .  قال الهيثمي في المجمع ،  ))

[ رواه الطبراني في الأوسط من رواية عبيد بن إسحق العطار عن عمار بن سيف وكلاهما ضعيف ووثق عمار بن سيف ابن المبارك وجماعة ورضي أبو حاتم عبيد بن إسحاق ]

هذه  الحالة موجودة ، إنسان هداه الله إلى الدين ، مستقيم ، بيته إسلامي ، دخله حلال ، لا يوجد عنده مشكلة ، يقول لك : الناس هلكى ، مرتاح ، ألا تحاول أن تنقل هذا الدين لأخيك ؟ لأختك ؟ لصهرك ؟ لجارك ؟ لعمك ؟ لخالتك ؟ لمن حولك ؟ لشريكك ؟ لجيرانك ؟ ألا يوجد عندك رغبة إطلاقاً في أن تنقل شيئاً من الدين للآخرين ؟ ألا يوجد عندك رغبة إطلاقاً أن تدعو إنساناً لحضور درس ؟ صدق ولا أبالغ هذا الذي لا يعنيه أمر الناس إطلاقاً ، ولا يعبأ بانحرافهم ، وشرودهم عن الله بالمنظور الإسلامي يستحق الهلاك .

(( قال : اقلبها عليه وعليهم ، فإن وجهه لم يتمعر في ساعة قط . ))

 

علامة إيمانك أن تنقل الخير إلى الآخرين :


أقول لكم مرة ثانية : الدعوة إلى الله فرض عين بدليلين ، أول دليل الآية : ﴿ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ ﴾ ، والدليل الثاني : ﴿ قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي ﴾ .

فإن لم تدعُ على بصيرة أي بالدليل ، والتعليل ، والحديث الصحيح ، فأنت لا تتبع رسول الله ، والذي لا يتبع رسول الله قولاً واحداً لا يحب الله لقوله تعالى : ﴿ قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي ﴾ .

إذاً فكر ، لك ابن خالة ، ابن عم ، جار ، صديق ، له ثقة فيك ، واثق منك ، أعطه شريطاً ، أعطه موضوعاً ، اقتنيت كتاباً قل له : اقرأه ، حضرت درساً تأثرت فيه ، قل له : تعال احضر معي ، يجب أن تفكر بالآخرين ، ما إن تستقر حقيقة الإيمان في قلب المؤمن حتى تعبر عن ذاتها بحركة نحو الآخرين ، مؤمن سكوني ، مؤمن عنده إعجاب سلبي بالدين ، مؤمن يعظم الدين وما خطر في باله ولا لثانية أن ينقل هذا الحق للآخرين ، يوجد بإيمانه خلل كبير .

لذلك الله عز وجل عدّ من علامة الإيمان أن تنقل هذا الخير إلى الآخرين ، ﴿ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ ﴾ .

بالمناسبة : هناك باطل وهناك حق ، الحق له دوائر ، والباطل له دوائر ، إن أنت لم تدعُ إلى الله أنا أقول في حدود ما تعلم ، سمعت درساً فقط ، تأثرت فيه ، لهذا الدرس شريط اقتنِ شريطاً وأعطه لمن تتوسم فيه الخير ، درس علم تأثرت به كثيراً ، ادعُ من تثق به ومن يثق بك لحضور هذا الدرس .

 

أحسن الناس قولاً من دعا إلى الله وعمل صالحاً :


بالمناسبة : ما معنى قوله تعالى ؟

﴿ وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ (214)  ﴾

[ سورة الشعراء  ]

أي أنت هل تستطيع أن تقول لشخص في الطريق لا تعرفه اذهب معي إلى الجامع ؟ مستحيل ! ولا يرد عليك أساساً ، لا يعرف من أنت ، يخاف ، أما أخوك واثق منك ، صهرك واثق بك ، ابن عمك واثق بك ، ابن خالتك واثق بك ، فأنت استغل علاقة القربى ، فيها ثقة ، ﴿ وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ ﴾ .

والله أخ من أخواننا حضر دروساً لفترة طويلة ، الآن يوجد عشرة من أقربائه بالجامع ، بحكمة بالغة ، وأدب جم ، أعطاهم شريطاً ، وتكلم لهم عن بعض الكلمات ، لهم ثقة به فأتوا إلى المسجد ، وأصبحوا ملتزمين .

إذاً مرة ثانية : ما إن تستقر حقيقة الإيمان في قلب المؤمن إلا وتعبر عن ذاتها بحركة نحو الآخرين ، حركة عطاء ، أي المؤمن وعاء فإذا امتلأ يجب أن يفيض على من حوله ، إذا امتلأ الوعاء لابدّ من أن يفيض على من حوله ، وصدق ولا أبالغ الآية الكريمة التي نقرؤها ولا نقف عندها كثيراً : 

﴿ وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ (33)﴾

[  سورة فصلت  ]

أي لا يوجد على وجه الأرض إنسان أفضل : ﴿ وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ ﴾ .

 

الدعوة إلى الله تتذبذب بين أن تكون أقدس عمل وبين أن تكون أتفه عمل :


ولكن لابدّ من التحفظ ، الدعوة إلى الله تتذبذب بين أن تكون أقدس عمل على الإطلاق يرقى إلى صنعة الأنبياء ، وبين أن تكون أتفه عمل على الإطلاق لا يستأهل إلا ابتسامة ساخرة ، حينما تبذل من أجلها الغالي والرخيص تكون أثمن عمل ، فإذا انتفعت بها ، وتاجرت بها ، وارتزقت بها ، تغدو عملاً تافهاً لا قيمة له إطلاقاً .

لذلك الإمام الشافعي قال : " لأن أرتزق بالرقص أفضل من أن أرتزق بالدين" .

هذا الدين اجعله في السماء ، اجعله بعيداً عن وحول الأرض ، اجعله بعيداً عن المصالح ، اجعله بعيداً عن أن تنتمي إلى جهة أرضية ، أنت فوق الجهات ، فوق الانتماءات ، فوق التحزبات ، فوق الخلافات : ﴿ وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ ﴾ .

لذلك الآية : ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفاً ﴾   ، معنى الزحف الطفل يبدأ بالزحف ، أي يتنقل بيديه فقط ، ويسحب جسمه ، بعدها يحبو ، يستخدم ركبه وإليتيه ، ثم يقف ويمشي ، فهناك زحف ، وهناك حبو ، وهناك مشي . 

أما الزحف لماذا شبه الله  الذين كفروا ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفاً﴾ ؟

أي الكفار أجمعوا على محاربة المؤمنين لحكمة بالغةٍ بالغة الله عز وجل أراد ، وإرادته حكمة مطلقة أن يجتمع المؤمنون وغيرهم على وجه الأرض في كل مكان وزمان ، من اجتماعهم تنشأ معركة أزلية أبدية هي معركة الحق والباطل ، معركة أزلية أبدية هي معركة الحق والباطل .

 

معركة الحق والباطل معركة أزلية أبدية :


لذلك وطن نفسك ، هناك معركة لابدّ منها ، الله عز وجل قال :

﴿ أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِنًا كَمَنْ كَانَ فَاسِقًا لَا يَسْتَوُونَ (18)﴾

[  سورة السجدة  ]

﴿  أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ (35)﴾

[  سورة القلم  ]

في أي مكان تعيش به ، في بلاد الشرق ، في بلاد الغرب ، هناك معركة أزلية أبدية بين الحق والباطل ، أنت إذا دعوت إلى الله ، وأنت إذا لبيت دعوة الله بالجهاد في سبيل الله ، جهاد النفس والهوى ، أو جهاد الدعوة ، أو جهاد البناء ، أو جهاد القتال ، توسع دوائر الحق ، فإذا وسعت دوائر الحق ضيقت دوائر الباطل ، وإذا أهملت الدعوة ازداد الباطل ، وعمّ الباطل ، وعندئذٍ ضيق على الحق .

القضية خطيرة أيها الإخوة ، إن قلت : أنا ليس لي علاقة ، دوائر الباطل تنمو ، والطرف الآخر يكيد ، ويخطط ، أي لابدّ من أن تقف بوجه الطرف الآخر ، الطرف الآخر لا يدخر وسعاً في إحباط كل مسعى إسلامي ، هذه معركة شئت أم أبيت ، أعجبك أو لم يعجبك ، رضيت أو لم ترضَ ، هناك معركة أبدية أزلية بين الحق والباطل ، فطوبى لمن كان في خندق أهل الحق ، والويل لمن كان في خندق أهل الباطل .

 

السعي لإحباط كل عمل يهدف إلى إضعاف الأمة الإسلامية :


﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفاً ﴾ أيها الإخوة ؛ ينبغي أن تردوا عليهم بزحفٍ مثله ، أعداؤنا في فلسطين خططهم من النيل إلى الفرات ، فإذا استسلمنا لتخطيطهم ضاعت أراضينا ، رأيتم ماذا فُعل بالعراق ، ماذا فُعل بأفغانستان ، ماذا فُعل بغزة ، هؤلاء الطرف الآخر يريدون إفقارنا ، ثم إضلالنا ، ثم إفسادنا ، ثم إذلالنا ، ثم إبادتنا ، فإذا أردنا أن نستسلم انتهينا ، وإذا أبينا أن نستسلم :

﴿ وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (139)﴾

[  سورة آل عمران  ]

بالدول الإسلامية المحتلة المقاومة تركت أثراً كبيراً جداً ، أنا في خطبة الجمعة قبل أسبوع أو أسبوعين بينت أن تقرير  CIAيؤكد أن بقاء إسرائيل لا يزيد عن عشرين سنة قادمة ، يوجد سبب ؛ لأن عصا إسرائيل كُسرت ، كسرت مرتين ، مرة في ألفين وستة ، ومرة في ألفين و ثمانية ، لم تعد عصا غليظة ، إذاً هناك تطور ، حينما ترفض الاحتلال ، ترفض الاستعمار الاستيطاني ، ترفض أن تخضع لمشيئة أعداء الله ، طبعاً الأمر يتغير ، يتحول ، نحن نعلم أحياناً أنه يوجد حكماء صهيون بروتوكولات ، لم ينفذ كل شيء ، بوجود الإرادة التي تقاوم هذه الخطط الجهنمية قد لا تحقق هذه الخطط . 

 

كل إنسان يستطيع أن يسهم في قوة أمته وفي بنائها :


أنا أقول لكم : ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفاً ﴾ ، فواجهوهم بزحف مثله ، طبعاً كل واحد منا لو أنك أتقنت عملك أنت مجاهد ، طورت صناعتك أنت مجاهد ، استغنينا بصناعتك عن الاستيراد أنت مجاهد ، درست ، حصلت على درجة عالية جداً وعدت إلى بلدك المسلم ونفعت بها الناس أنت في جهاد .

هناك ولاية واحدة في أمريكا خمسة آلاف طبيب سوري معهم بورد ، آثروا أن يبقوا هناك ، وأن يخدموا الطرف الآخر ، أنت حينما تعود إلى بلدك أنت مجاهد .

أنا أقول : كل واحد منا مهما تكن هويته ، مهما يكن اختصاصه ، مهما يكن عمله ، مهما يكن سنه ، بإمكانه أن يسهم في قوة هذه الأمة ، وفي بناء هذه الأمة ، وفي صمود هذه الأمة ، وفي إفشال خطط أعداء الأمة .

طالب من الهند اخترع الهوت ميل ، وهو مسلم ، بعد عام عرض عليه بيل غيتس الاختراع بخمسين مليون دولار ، طلب خمسمئة مليون ، واشتراه منه بأربعمئة مليون ، وحل مشكلة منطقته الإسلامية بالهند بثلاثمئة مليون ، وأبقى لنفسه مئة مليون ، هذا واحد .

أنا أدعو الشباب لا تكن رقماً سهلاً ، مليارات من البشر جاؤوا ، وكبروا ، وتزوجوا ، وخلفوا أولاداً ، وماتوا ولم يعلم بهم أحد ، رقم سهل ، واحد من مليارات ، لكن سيدنا صلاح الدين الأيوبي تقرأ قصته فترتوي ، وقف أمام سبعة وعشرين جيشاً ، وسيدنا ابن الوليد خاض مئة معركة أو زهاءها ، ومع ذلك حقق نصراً كبيراً جداً ، من قال لك : إن العظماء جاؤوا سابقاً ولا يوجد عظماء بعدهم ؟ أبداً ، أساساً البطولة والتفوق موجود بكل بلد ، وبكل الأمم والشعوب بنسب واحدة أبداً .

 

الشباب عماد الأمة ومستقبلها :


أنا أتمنى هذه الهمة ، لمَ لا تكن إنساناً عظيماً ؟ أكلت ، وشربت ، ونمت ، يوجد غير هذا ؟ نأكل ، نشرب ، ونقول ما المواضيع التي تطرقت لها قناة الجزيرة ، لا يوجد عندنا غيرها ، ونحلل التحليلات ، شيء صحيح وشيء غير صحيح  ، وننام ، وإلى متى ؟ حتى يتفاجأ بأزمة قلبية إلى القبر ، هذا واقع المسلمين .

خطط ، إن لم تخطط يُخطط لك ، إن لم تكن رقماً صعباً كنت رقماً سهلاً عند أعدائك ، أليس كذلك ؟ أنا أرى الشباب أمامي ، الشباب عماد الأمة ، الشباب مستقبل الأمة ، الشباب قادة الأمة ، تفوق بالدراسة ، هذا العصر عصر علم الآن ، والحرب كانت بين ساعدين ، فأصبحت بين آلتين ، الآن الحرب بين عقلين ، يقول لك : طائرة بلا طيار ، تقصف بأدق الأهداف ، هذا اختراع عقل بشري ، طائرة بلا طيار إصابتها مئة بالمئة دقيقة وبدون طيار ، هذه مشكلة ، الآن حرب بين عقلين .

أيها الإخوة ، كما أنهم يزحفون ، ينبغي أن نزحف لهم ، وإن شاء الله الوعي بدأ يتنامى. 

 

التولي من الزحف من الكبائر :


الآن : 

﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِئَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفًا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَفْقَهُونَ (65)﴾

[  سورة الأنفال  ]

أي المؤمن القوي بإيمانه يساوي عشرة مقاتلين ممن غفل عن الله ، قال :

﴿ الْآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِئَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ (66)﴾

[ سورة الأنفال  ]

أي التولي من الزحف من الثلاثة ليس تولياً مع ضعف الإيمان ، لو توليت من ثلاثة ليست متولياً ، لو توليت من اثنين فأنت متولٍّ من الزحف ، وهو من الكبائر ، التولي من الزحف من الكبائر ، وقد قال الله عز وجل :

﴿ إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلًا كَرِيمًا (31)﴾  

[  سورة النساء  ]

 

على المسلم أن ينشر الحق من أجل الاستقرار والحياة الآمنة :


أيها الإخوة ، يوجد شيء ثالث : أنت مسلم ، مؤمن ، لا تكذب ، لا تسرق ، لا تزني  ، لا تقتل ، أنت حينما تعمم الهدى ، من أجل ألا يسرق مالك ، وألا تنهب ثروتك ، وألا يذل أولادك.

نشر الحق من أجل الاستقرار ، والحياة الآمنة ، لو أن الأقوياء تولوا كيف ترون ما يجري في العالم ؟ قوة كبيرة من دون إيمان ، تصور أن شعوباً تُقتل بأكملها ، تُدمر ، قُتل من سكان أمريكا الأصليين ثلاثمئة مليون قتلاً ، كذلك في أستراليا ، كذلك في جنوب إفريقيا ، فالطرف الآخر لا يرحم أبداً ، دينه القتل والإبادة ، مليون قتيل بالعراق ، مليون معاق ، خمسة ملايين مشرد ، ولا أحد ينطق بكلمة .

أثناء حرب غزة ثماني دول أوربية جاءت إلى شرم الشيخ ، التصريح الوحيد من أجل أن نمنع تهريب السلاح إلى المقاومة ، ومن أجل ثلاثمئة ألف طفل وامرأة قتلوا بـ "16 f " ، والأباتشي ،  لا يوجد أي تعليق ، والآن يزورون أسرة الأسير الوحيد ، و11800 أسير ، ألسنا بشراً ؟ 11800 لم يخطر لمن يزور بلادنا أن يخصهم بزيارة واحدة ؟

اختر أسرة لا على التعيين ، بشكل عشوائي ، اعمل أسرة بأسرة ، أما هم يزارون ، قال تعالى : 

﴿ هَا أَنْتُمْ أُولَاءِ تُحِبُّونَهُمْ وَلَا يُحِبُّونَكُمْ وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتَابِ كُلِّهِ وَإِذَا لَقُوكُمْ قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا عَضُّوا عَلَيْكُمُ الْأَنَامِلَ مِنَ الْغَيْظِ قُلْ مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (119)﴾

[  سورة آل عمران  ]

 

إذا ضعف الحق قوي الباطل وإذا قوي الباطل ضيق على الحق :


أيها الإخوة ، الآية الكريمة : ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفاً فَلَا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبَارَ ﴾ ، التولي من الزحف من الكبائر ، قال : ﴿ وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلَّا ﴾ التولي من الزحف كبيرة إلا بحالتين ، ﴿ إِلَّا مُتَحَرِّفاً لِقِتَالٍ ﴾ أحياناً يكون هناك انسحاب تكتيكي ، الظاهر انسحاب ، فالعدو يطمئن ثم ننقض عليه ثانية ، هذا انسحاب لا يعد تولياً من الزحف ، هذا يعد خطة عسكرية ذكية جداً . 

﴿ وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلَّا مُتَحَرِّفاً لِقِتَالٍ ﴾ المتحرف لقتال رسم خطة محكمة فكان انسحابه وفق خطة من أجل أن ينقض على العدو مرة ثانية . 

﴿ أَوْ مُتَحَيِّزاً إِلَى فِئَةٍ ﴾   هو ضعيف وحده انضم إلى جماعة أقوى منه ، ضمّ قوته إلى قوة مؤمنين أقوى منه ، بهاتين الحالتين لا يعد تولياً من الزحف . 

﴿ وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلَّا مُتَحَرِّفاً لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزاً إِلَى فِئَةٍ ﴾ انتقل إلى حيز فئة أكبر منه ، أما من يوليهم دبره ليس ﴿ مُتَحَرِّفاً لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزاً إِلَى فِئَةٍ َقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ ﴾    لأنه رفض أن يقوي الحق ، وإذا ضعف الحق قوي الباطل ، وإذا قوي الباطل ضيق على الحق ، ﴿ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ ﴾ .

أيهما أهون أن يموت الإنسان في سبيل الله فيستحق الجنة إلى أبد الآبدين أم أن يتولى من الزحف فيستحق النار إلى أبد الآبدين ؟ ﴿ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ ﴾ .

 

الإنسان لا يملك إلا الإرادة لكن الله يعينه ويمده بالقوة إن كان صادقاً :


قال تعالى : ﴿ فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلَاءً حَسَناً إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ﴾ ، آية دقيقة جداً .

إنسان يعجب من هذه الآية : ﴿ فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى ﴾ طبعاً الآيتان أو الفقرتان بالآية متعلقتان بحقيقة التوحيد أن الفعل فعل الله ، وأن الإرادة من الإنسان ، فالإنسان عندما ينوي أن يفعل شيئاً يمده الله بقوة لفعل هذا الشيء ، ففي الحقيقة لا يملك إلا الإرادة ، لكن الله أعانه ، فإذا انتصرت في الحرب هذه قوة الله ، أمدك بقوة منه ، لك أنت عند أجر الانبعاث ، الإرادة ، النية الطيبة ، ﴿ فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ ﴾ أي لا تعتدوا بفعلكم ، فعلكم من توفيق الله ، الكلام دقيق إن نجحت بالحرب ، بالتجارة ، بالدراسة ، أنت حينما رغبت أن تحقق شيئاً للمسلمين أمدك الله بالقوة ، فالكلام الدقيق : ليس هذا من فعلك لكنه فعل الله ، إلا أن الله أكرمك به ، لكن الله لماذا أكرمك أنت به ولم يكرم الآخر ؟ لأنك طلبت هذا الخير ، إذاً منك الانبعاث ومن الله عز وجل الفعل . 

﴿ فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى ﴾ كلام دقيق جداً نجحت بالدعوة ، الفضل لله عز وجل ، ألهمك الصواب ، أعانك ، لكن لولا أنك أردت هذا الشيء لما خصك الله به ، فجزء من الشيء منك هو الإرادة ، والاختيار ، والنية الطيبة ، والجزء الآخر منه من توفيق الله عز وجل ، لذلك : من شهد عمله فقد أشرك . 

 

من ارتقى إيمانه ازداد تواضعاً و شعوراً بفضل الله عليه :


أخواننا الكرام ، الإنسان أحياناً يفتن بالأسباب ، يقول لك : عملت خطة دقيقة جداً ونفذت كل شيء ، يفتن بالأسباب ، ينبغي أن يعلم علم اليقين أن الفعّال هو الله ، وأن فعلك من توفيق الله ، لذلك كلما ارتقى إيمانك يزداد تواضعك ، وكلما ارتقى إيمانك يزداد شعورك بفضل الله عليك .

﴿ فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ ﴾  الله أعانكم على الانتصار ، هذا النصر بتوفيق الله ، لكنكم صادقون استحققتم هذا النصر . 

﴿ فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى ﴾ أي أنت في الظاهر أنت الذي رميت ، ولكن في الحقيقة الله هو الذي رمى ، رمى عن طريقك ، فأنت لست فعالاً لكنك منفعل بفعل الله عز وجل . 

﴿ وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلَاءً حَسَناً ﴾ البلاء امتحان ، يفهم الناس البلاء أنه مصيبة ،  لا ، الابتلاء الامتحان ، الله امتحنكم فنجحتم  . 

﴿ وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلَاءً حَسَناً ﴾ الله عز وجل يمتحن كل عباده ، سُئل الإمام الشافعي : " أندعو الله بالابتلاء أم بالتمكين ؟ فقال : لن تمكن قبل أن تبتلى " . 

﴿ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ﴾ سميع بأقوالكم ، عليم بأحوالكم ، الإنسان حينما يبتلى فإما أن ينجح أو لا ينجح ، فإن لم ينجح الله عليم بقلبه ، وعليم بما قال ، وإذا نجح عليم بقلبه وسميع بما قال . 


  كل شيء وقع أراده الله وإرادة الله متعلقة بالحكمة المطلقة :


﴿ ذَلِكُمْ وَأَنَّ اللَّهَ مُوهِنُ كَيْدِ الْكَافِرِينَ ﴾ يا أخوان ؛ هناك أشياء كثيرة سلبية بحياتنا ، لكن كل هذه السلبيات لها إيجابيات ، أحياناً يُؤَلف كتاب يهاجم الدين ، قد يقول أحدكم : لِمَ سمح الله له أن يفعل هذا ؟ هو فعل هذا من أجل أن يوقظ العقول ، شبهة كبيرة طلاب العلم تأثروا ، اضطربوا ، سألوا علماءهم ، أعطوهم الجواب العميق القوي فازداد إيمانهم ، فأي إنسان مبطل لن يسمح الله عز وجل له أن يفعل شيئاً إلا ويوظف هذا الشيء لخدمة المؤمنين . لذلك : ﴿ذَلِكُمْ وَأَنَّ اللَّهَ مُوهِنُ كَيْدِ الْكَافِرِينَ ﴾ ، كيدهم تزول منه الجبال :

﴿ وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِنْدَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ (46)﴾  

[  سورة إبراهيم  ]

هذا المكر يعيننا الله على أن نحبطه ، فإذا أحبطناه ازددنا قوة ، وإيماناً ، وثقة بالله عز وجل ، يجب أن تؤمنوا أن كل شيء وقع أراده الله ، وأن كل شيء أراده الله وقع ، وأن إرادة الله متعلقة بالحكمة المطلقة ، والحكمة المطلقة متعلقة بالخير المطلق .

والله الذي لا إله إلا هو لا يقع شيء على وجه الأرض مهما كان مؤلماً إلا وسوف نكتشف بعد حين الإيجابيات التي امتن الله بها علينا ، حتى الحادي عشر من أيلول بعد حين إذا أمدّ الله بأعمارنا جميعاً ترون بركات الحادي عشر من أيلول كيف ساهمت بصحوة إسلامية ، كيف الدين كان في دائرة التعتيم أصبح في بؤرة الاهتمام ، كيف الدين كان ورقة خاسرة بيد الأقوياء أصبح ورقة رابحة ، كيف الدين عمّ في الأرض كلها ،فلذلك السلبيات هناك من يفكر في إيجابياتها ، ﴿ ذَلِكُمْ وَأَنَّ اللَّهَ مُوهِنُ كَيْدِ الْكَافِرِينَ ﴾ .

أيها الإخوة الكرام ، في درس قادم إن شاء الله نتابع شرح هذه السورة .

والحمد لله رب العالمين 

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

اللغات المتوافرة

إخفاء الصور