- موضوعات متنوعة
- /
- ٠4موضوعات متفرقة
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيّدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهمّ لا علم لنا إلا ما علَّمتنا إنَّك أنت العليم الحكيم، اللهمّ علِّمنا ما ينفعنا، وانْفعنا بما علَّمتنا، وزِدنا علمًا، وأرِنا الحقّ حقًا وارزقنا اتِّباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجْتِنابه، واجْعلنا مِمَّن يستمعون القَوْل فيتَّبِعون أحْسَنَهُ، وأدْخِلنا بِرَحمتِكَ في عبادك الصالحين.
تماسك الأسرة أساس في سلامة صحة الأولاد النفسية :
أيها الأخوة الكرام: بدأنا في الدرس الماضي في موضوع بعض المخالفات التي يرتكبها النساء والمتعلّقة بشُؤون حياتهنّ، وقد بيّنتُ لكم في الدرس الماضي أنّ للمرأة دورًا خطيرًا في الأسرة، ذلك إذا كانتْ تعرف ربّها ومنهجه، انعكَسَتْ معرفتها والتِزامها على أسرتها، واعلموا أن تربية الأولاد من أخطر ما يترتّب على المسلمين؛ لأنّ قوة الأمّة بهذه الأجيال الصاعدة، فإذا فسدَتْ هلكَتْ الأمّة، وكلّ ما من شأنه تقوية هذه الأجيال الصاعدة هو ذُخْرٌ للأمّة ومستقبلها، والأمَل معقود على المرأة، الزوجة، الأمّ، فالأمّ مدرسةٌ إذا أعددْتها أعددت شعباً طيّب الأعراق، والله أيّها الأخوة ولا أُبالغ إنّ هناك من النساء المؤمنات الصادقات الملتزمات، قلامةُ ظفر إحداهنّ تعدل عند الله مئة ألف رجل، هذا إن كانت هذه المرأة تعرف ربّها، وتؤدّي حقّها تّجاه زوجها، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم للمرأة بعد أن سألته:
((انصرفي أيتها المرأة وأعلمي من خلفك من النساء أن حسن تبعل إحداكن لزوجها، وطلبها مرضاته، واتباعها موافقته، يعدل ذلك كله - يعني الجهاد في سبيل الله - فأدبرت المرأة وهي تهلل وتكبر استبشارا))
والله الذي لا إله إلا هو لو أنّ امرأةً قالت: أنا أحملُ دكتوراه من أرقى جامعات العالم، وأحمل البورد من أمريكا، وأكريجي من فرنسا، و frs من إنجلترا، وكانتْ مهملةً لزوجها وأولادها، فليس لها عند الله شأن لأنّها لمْ تعبد الله فيما أقامها، أقامها أُمًّا وزوجةً، عبادتها الأولى أن تعتني بزوجها وأولادها، بل إنّ أعلى شهادةٍ تحملها المرأة أولادها، إذا دفعَتْ للمجتمع أولادًا عقيدتهم سليمة، وأخلاقهم رصينة، و عاداتهم طيّبة، و في قلوبهم شفقةٌ ورحمة، فهذا أعظم عملٍ تفعله المرأة أن تقدّم للمجتمع عناصر طيّبة، ولعلّ أحدكم يتعامل في حياته اليوميّة مع أناسٍ في قلوبهم رحمة، فهذا من أثر تربية أمّهاتهم، وفي قلوبهم عطْف، وعندهم إنصاف، و أثر تربية الأمّ لا حدود له، ولكن ما قولك في طفلٍ وُجد في الحديقة لقيطاً، هذا الطّفل اللّقيط بماذا يشعر؟ بكراهية للمجتمع، وفي قلبه قَسْوةٌ لا حدود لها، ناقمٌ على المجتمع، ما قولك بمجتمعٍ أربعون بالمئة من أولاده لقَطاء؟ في بعض بلاد الغرب أربعون بالمئة من عدد الأطفال لقطاء
هؤلاء حينما يكبرون يتسـلّمون مناصب، قلوبهم خالية من الرحمة لأنّهم لمْ يَسْتقوها من أُمّهاتهم، فالرحمة أيها الأخوة يستقّيها الطّفل الرضيع مع حليب أمّه، أنا لا أقول أسرة غنية، ولكن أُسرة متماسكة، فقد تسكن في غرفة، وقد يأكلون أخشن الطعام، ولكنها أُسرة متماسكة وفيما بين أفرادها حبّ، و الزوج وفيّ، والزوجة مخلصة، والأولاد نشؤوا على محبّة والديهم، بينهم وُدّ وإخلاص، فأوّل ثمرة يقطفها الزوج من وفاقه مع زوجته، وأوّل ثمرة تقطفها الزوجة من وفاقها مع زوجها أولاد أصحّاء نفسيًّا.
أخواننا المعلّمون حينما يرَوْن طفلاً شاذًّا، لو تتبّعوا حياته الخاصّة لوجدوا أنّ أمه مُطلّقة مثلاً، أو بين أمّه وأبيه خلافات لا تنتهي، فلذلك تماسك الأسرة أساس في سلامة صحة أولادهم النفسية قد تسكن أُسرة في بيت متواضع جدًّا، وقد يكون دخلها قليل جدًّا، ومع ذلك فهذه الأسرة متماسكة، وهناك حبّ، و كلام السيّد المسيح رائع: " ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان" السعادة لا تأتي من بيت، ولا من دخْل، ولا من جمال، ولا من مكانة، ولكنّها تأتي من اتّصال بالله عز وجل.
آيات القرآن الكريم لها معنى سياقي و سباقي و لحاقي :
نحن عندنا قانون يغفل عنه الناس، ذلك أنّ آيات القرآن الكريم لها معنى سياقي، ومعنى سباقي، ومعنى لِحاقي، أما لو نزعْتَ هذه الآية من مكانها لكان لها معنًى مستقلّ، فهي وحدها منهج، في سورة الطلاق مثلاً قوله تعالى:
﴿وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً﴾
فمعناها السياقي من يتّقِ الله في تطليق زوجته - وفق السنّة طلّقها طلقةً واحدة، في طُهرٍ ما مسّها فيه- يجعل الله له مخرجًا إلى إرجاعها، لو أنّه أخطأ بإمكانه أن يسترجعها بكلمة، حتى لو مضَت عِدّتها ولم يسترجعها بإمكانه أن يُرجعها بِعَقدٍ جديد، أما حينما يطلّق امرأته تطليقًا بدْعِيًّا ثلاث طلقات دفعة واحدة، و لم يتّق الله في تطليق زوجته، فلمّا لم يتّق الله في تطليق زوجته لم يجعل الله له مخرجًا إلى إرجاعها، هذا المعنى السياقي.
أما لو نزعْتَ الآية من مكانها، الآية تصبحُ منهجاً، فمن يتّق الله في كسب ماله يجعل الله له مخرجًا من إتلاف المال، ومن يتّق الله في تربية أولاده يجعل الله له مخرجًا من عقوق الأولاد، من يتق الله في اختيار زوجته يجعل الله له مخرجًا من الشّقاء الزوجي، من يتق الله في بر الوالدين يجعل الله له مخرجًا من عقوق الأولاد، فهذه الآية يُكتب عليها مجلّدات، في سياقها لها معنى، وحينما تنزع من سياقها لها معنى آخر.
وقوله تعالى:
﴿فَنَسُوا حَظّاً مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ﴾
هذا الحديث عن أهل الكتاب، أي لم يُطيعوا الله عز وجل، كأنّ هذه الآية تُشير إلى قانون العداوة والبغضاء، متى نتعادى؟ و متى يبغض بعضنا بعضًا؟ متى تنشبُ الخلافات فيما بيـننا؟ متى نصبح ممزّقين؟ حينما نخالف جميعًا منهج الله تعالى، هذا قانون، وهذا على مستوى زوجين وأخوين، وعلى مستوي شريكين، وعلى مستوى جارين، حينما يقصّر أحدهما في طاعة الله ينشأ بينهما عداوةٌ وبغضاء لا حدود لها، إذا نظرْت إلى مجتمعٍ شاردٍ عن الله عز وجل، شيءٌ عجيب، في الأسرة الواحدة خلافات، في المدينة الواحدة، في البلد الواحد، وفي القرية، الناس ممزّقون، قال تعالى:
﴿وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ ﴾
المرأة في عهد النبي كانت في مستوى زوجها :
إذًا أيها الأخوة الكرام: المرأة حينما تصلحُ تصْلُح كلّ أسرتها، وأنا من خلال دعوتي المتواضعة إلى الله تعالى عندي عشرات الأخوة الأكارم، بل مئات، سببُ هدايتهم زوجاتُهم، فمن آيات الله الدالة على عظمته هذه الزوجة، قال تعالى:
﴿وَمِنْ آيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ﴾
﴿ وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ﴾
﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ﴾
المشكلة أنّ المرأة في عهد النبي عليه الصلاة والسلام كانت في مستوى زوجها، زوجٌ يريد أن يخرج إلى عمله، تستوقفهُ زوجته وتقول: يا فلان اتّق الله فينا، نصبرُ على الجوع، ولا نصبر على الحرام، نحن بك إن اسْتَقَمْتَ اسْتقَمْنا، وإن اعْوَجَجْتَ اعْوَجَجْنا، لسان حال المرأة المعاصرة تضغط على زوجها، غيّر الطّقم، وسِّعْ البيت، واشتر لنا كذا وكذا، فالضّغط اليومي لا يُحتمل فإذا بالزوج دون أن يشعر يتجرّأ على أخذ المال الحرام، و يمدّ يده إلى الحرام، ضغطَتْ عليه حتى أوقعته في الحرام، لذلك حينما قال الله عز وجل:
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ عَدُوّاً لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ ﴾
قال بعض العلماء: هذه عداوَة مآل، وليسَت عداوَة حال، هو يحبّها وتحبّه ولكن حينما يتردى في النار يوم القيامة يرى أنّ سبب تردّيه في النار زوجته، عندئذ يراها عدوّةً له، عداوة مآل، هي زوجته وهو يحبّها، ولكن حينما ضغطَتْ عليه حتى حملتْهُ على معصيَة رأى أن سبب هلاكه زوجته.
تعليم المرأة وحثّها على طلب العلم ومعرفة الله شيء أساسيّ في حياة المسلمين :
فيا أيها الأخوة: قضيّة تعليم المرأة وتفقيهها، وحثّها على طلب العلم، ومعرفة الله عز وجل شيء أساسيّ جدًّا في حياة المسلمين، مرَّةً قلتُ لشاب على وشك الزواج، و قد قال لي: انْصحني؟ فقلتُ له: والله النصيحة ثمنها غالٍ جدًّا، وتحتاج إلى جهد كبير، قال نعطيك، فقلتُ له: لن تسْعَدَ بِزَوجتك - تفاجأ - إلا إذا عرّفتها بالله تعالى، وعرّفتها بمنهج الله، وعرّفتها بحقّ الزوج، وسعدتْ بمعرفة الله تعالى، واتّصلَت به، وذاقَتْ طعم القرب منه، عندئذٍ تُسعدك، تُسعدك إذا سعِدَتْ بالله تعالى، أما إن لم تسعد بالله فأنّى لها أن تسعدك، بل تُشقيك، بيوت المسلمين حينما تقوم على الضّغط تغدو قطعة شقاء، صدّقوني أيّها الأخوة ولا أبالغ، مرّةً دخلتُ بيتًا في سفح جبل قاسيون، والبيت متواضع جدًّا، و أرضه ليست مبلطة، الأثاث بساط فقط، لا أعرف بماذا شعرتُ ؟ شعرتُ أنّ هذا البيت قطعة من الجنّة، يبدو أنّ هناك وفاقاً، ووُدّاً، ونظافة، ومحبّة، فبيتٌ صغير مع المحبّة يصبح جنّة، أنا أدعوكم إلى العناية بِبُيوتكم، لأنّ الرجل يعاني متاعب خارج البيت، والبيت سكَن له، فإذا وجد ضغطًا بالعمل، ومشاكل لِكَسب المال، وعليه دفع، ولا يوجد قبض، وعليه ديون، هذه كلّها هموم، المفروض أن يأتي الإنسان إلى بيته لِيَستريح.
آلية عمل العين و كيفية المحافظة عليها :
حدّثني طبيب عيون، وما كنتُ أعرف هذه الحقيقة، وهو أنّ الأصبغة التي في شبكيّة العين، تُستهلك في النهار، لأنّ أساس العين أن تقوم بنقل الصورة، تماماً كنقل الصورة عبر الفضاء، آلة التصوير في الأستديو عبارة عن عدسة أمامها شخص، هذا الشخص عليه إضاءة شديدة جدًّا، صار هذا الشّخص عاكساً للضّوء فالمصباح منبع للضّوء، أما نحن الآن فنعكس الضّوء، نرى بعضنا بعضًا بالضّوء المنعكس على وُجوهنا، هذا الإنسان الذي يقف أمام آلة التصوير المعدّة لنقل الصورة عبر الفضاء، ماذا يحصل معه؟ ملامح هذا الوجه الذي يعكس ضوء المصابيح يدخل إلى العدسة، ومن العدسة إلى لوحة مَطليّة بمادّة نادرة جدًّا، هذه المادّة إذا جاءها أثر ضوئي أطلقَت إلكتروناً، وكلّما كان الأثر شديدًا كان الإطلاق كثيفًا، فيتشكّل وجه الرّجل على هذه اللّوحة بحسب الإضاءة، قالوا: هناك مدفع إلكتروني يمشي على خطوط يمسحُ هذه الخطوط، ويرّمم هذه اللّوحة، لما رمَّمَها أصبح هذا التيار الذي رمّم هذه اللّوحة التي فقدَت بعض إلكتروناتها من خلال أثر الصورة الضوئي، فهذا التيار المتفاوت الشدّة هو الصورة، تُبثّ عبر الفضاء، وتلتقطها أجهزةٌ معاكسةٌ لآلة التصوير، فترى أنت هذا المذيع مثلاً على الشاشة بآلة معاكسة، هذه العمليّة معقّدة جدًّا، وأنا بسَّطتها جدًّا، لكنّ العين أعقدُ من ذلك، هناك مئة وثلاثون مليون مخروط وعصيّة، هذه لها أصبغة كيماويّة، فإذا جاءها الضّوء فقدَت هذه الأصبغة ألوانها، وينشأ عن فقد هذه الألوان تيار كهربائي ينتقل هذا التيار إلى الدّماغ، وإلى مكان الصورة فيرى الإنسان الأشياء أمامه عن طريق تيار كهربائي، ينتقل من شبكيّة العين إلى مركز الرؤية في الدماغ، المبدأ ذاته على شكل أعقد بكثير، فهذه العصيات والمخاريط مع استهلاك أصبغتها، لابدّ لها من أن ترتاح و أن ترمّم الأصبغة التي فقدتها، فسألت الطبيب اليوم وقلتُ له: كيف نعتني بِعُيوننا؟ و الجواب بعد قليل، قال لي مرّة طبيب يختص بالكلية البوليّة، قلتُ له: كيف نعتني بكليتنا؟ فقال: بشُرب الماء
فالإنسان عليه أن يشرب باليوم اثني عشر كأسًا، عطشان أو غير عطشان هذا موضوع آخر، ولو لم تشعر بالحاجة إلى الماء، هذه أكبر صيانة للكليتين، وبالمناسبة الناس يتوهّمون أنّ القلب خطير جدًّا، ولكنّ الكليتين أخطر، ممكن أن يعيش الإنسان بقلبٍ عليل عشرين سنة أو أكثر، دارِهِ تعِشْ به، وأنا أقول طرفة: قلبك وزوجتك ومركبتك دارهن تعش بهن.
فالكليتان لو توقَّفتا عن العمل لتوقّفت الحياة، ولا يوجد حلّ، فالكليتان صيانتهما بِشرب الماء، قلت لهذا الطبيب – طبيب العيون-: كيف نصون أعيُننا؟ فقال: بالغذاء، لأنّنا في النهار استهلكنا الأصبغة التي في الشبكيّة، وفي الليل لابدّ من أن ترمّم العين ذاتها، بأن تعود الأصبغة إلى نسبها العالية، و ذكر لي فكرة لطيفة ؛ قال: لو أدخلنا إنسانًا إلى مغارة مظلمة، و الضوء معدوم، و الظلامٌ دامس، فالإنسان مبرمج، ففي ساعات النهار خارج المغارة ترميم أصبغة الشبكيّة قليل، وفي ساعات الليل خارج المغارة ترميم أصبغة الشبكيّة عالٍ جدًّا
فأنت مبرمج، فبعض الهواتف لها برنامج نهاري وليلي، فأنت في النهار لك ضربات قلب معيّنة، و لك ضغط معيّن، ولك طرْح للسكريات معيّن، ولك استهلاك للفيتامينات معيّن، هناك أكثر من خمسين بندًا، لها وضعُها بالنهار، ووضعها بالليل، ففي الليل تنخفض ضربات القلب، وينخفض ضغط الدمّ، و ينخفض استهلاك السكّر، فهناك برنامج ليلي، وآخر نهاري، وقد عبّروا عنها بساعة الرأس، الإنسان إذا سافر إلى بلد بعيد كأمريكا مثلاً، فهو مبرمج على نهار دمشق، وليل دمشق، فلمّا سافر عشرين ساعة أصبح النهار ليلاً والليل نهاراً، يقضي يومين من دون نوم، لأنّه في الليل تجده مبرمجاً على نهار دمشق فينام، وتكون ضربات قلبه كثيرة، ونشاطه مركّز، ولا ينام، تعاد برمجة الأجهزة بأمريكا مرة ثانية حتى ينام، وكذا عندما يرجع إلى بلده يقضي يومين من دون نوم، لأنّه عندما صار بالشام فهو بالليل، ولكنّه في أمريكا كان بالنهار، والله تجد أشياءَ بالجسم تحار لها العقول لدقّة الخَلق
فقال: هذه العين، لو وضعنا إنساناً بِمَغارة في وقت الليل يرتفع ترميم الأصبغة، وفي النهار يضعف ترميم الأصبغة، و ما هو أكبر عقاب نعاقب به الإنسان؟ أن نجعل له إضاءة شديدة بالليل، دون أن تضربه، ودون أن تقيده، فقط خمسة آلاف شمعة بالليل، الضوء يُعيق ترميم الأصبغة، لذلك من أشدّ أنواع العقوبات أن تجعل المصباح متألّقاً جدًّا في الليل، قال تعالى:
﴿وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِبَاساً * وَجَعَلْنَا النَّهَارَ مَعَاشاً ﴾
فالليل يعين على ترميم الأصبغة، فإذا نام شخص والإضاءة عالية فالأصبغة لا ترمّم، هذه الإضاءة العالية تُسهم في ضَعف بصره في وقت مبكِّر، فأنا أنصح، أصحاب البيوت الذين لديهم إضاءة عالية بالليل، الإضاءة ليلاً ينبغي أن تكون إلى أقلّ درجة، كي تترمّم أصبغة العين
فمن أجل الترميم أيضاً تحتاج إلى غذاء معيّن، و هناك فيتامينات، و هناك قاعدة معروفة أنّ الغذاء الجيّد أرخص من الدّواء، فإذا شخص أهمل غذاءه فسيضطرّ إلى أن يمرض، وإذا مرض فسيدْفع ثمن الدواء غالياً، وقد يكون عشرة أضعاف، فإذا أكلت مثلاً خُضارًا رخيصة، كاللّفت، والفجل، و البصل، و الفليفلة، فهذه كلّها فيتامينات، فأنت إذا أعرضْت عن أكل هذه الخضار، ستضْطرّ لشراء دواء ثمنه ستّمئة أو سبعمئة ليرة، و أعود و أكرر فالكلية صيانتها شرب الماء، والعين صيانتها بالغذاء والنوم الكافي والظلام في الليل، ظلمة الليل، والنوم الكافي، والعناية بالغذاء، وخلال عدّة دروس ذكرتُ لكم أنّ هناك هرماً للغذاء، فأكبر قاعدة الحبوب، وثاني قاعدة الخضار والفواكه، وأقلّها اللّحوم، فالناس إذا كانوا في بحبوحة أكثروا من أكل اللّحوم، فهل تصدّقون أنّ أمراض القلب والأوعية في بلاد الغرب الغنيّة ثمانية أضعاف البلاد الفقيرة، وهناك أشياء بالطبّ دقيقة، فإذا الإنسان ما مضغَ تراجع عظم الفكّ، الآن اشرب عصيراً و كل أكلاً رخواً، فتقل حركةُ الهضم، أعلى نسب بمرض سرطان القولون موجودة باليابان، لأنّ جلّ أكلهم عصير، ومسحوق، ومهروس، ومطبوخ، ومن دون جهد، والحقيقة أنّ بذْل الجهد أساسي لصِحّة الإنسان.
مقارنة بين صحتنا و صحة أجدادنا :
قال لي مرّة طبيب: إن صحّة أجدادنا وقوّة بنْيتهم الجهد العضلي العالي، ومع هذا الجهد راحة نفسيّة عالية جدًّا، أحد أسباب شيوع المرض في هذا العصر أن الجهد العضلي قلَّ جداً، إذ تجد في كلّ بيت مريضَين أو ثلاثة، مرّة دعاني هذا إلى أن أقول: هذه وجبة ستوك! عجيب لهذا الأمر فلا يخلو بيت من مريضين أو ثلاثة، ولا توجد بنية قويّة، وهذا يُعزى إلى الكسل العضلي، وإلى الشدّة النفسيّة، أجدادنا والسّلف الصالح كانت لهم راحة نفسيّة، وجهد عضلي عالٍ، فالمركبة الآن مريحة، ولكن تجلبُ أمراض القلب والكبد والكليتين، حدّثني أخ جاء من أمريكا فقال لي: رأيتُ برنامجًا هناك مفادُهُ أنّ ركوب الخيل يدفع عن الإنسان أمراض القلب والكبد والكليتين، وذلك عن طريق الاهتزاز، أما هذا المقعد المريح، والطريق المعبّد، والراحة التامّة فهي أحد مشكلات العصر، فكلامنا كله يدور حول أنّ الليل سكَن، والنهار معاش، وأنّ العناية بالعين تحتاج إلى نوم، وإلى ظلام، وإلى عناية بالغذاء، وهذا قادنا إلى أنّ البيت المسلم فيه وُدّ، وحبّ، وصحّة نفسيّة، وأنا لا أذكر كلمة عن الغنى والفقر، فقد تكون بأدنى درجة اجتماعيًّا واقتصاديًّا، لكنك بأعلى درجة من السعادة، وقد تكون بأعلى درجة من الشقاء، مع أنك بأعلى درجة من النواحي المالية.
من أخطاء النساء المسلمات أيضاً :
1 ـ عدم العناية بتربية أولادهن :
أيها الأخوة: المرأة لها دورٌ خطير جدًّا في تربية الأولاد، المرأة الجاهلة ماذا تقول لزوجها؟ فلو كانت عقيماً لا تنْجب، والزوج أراد الولد، فرغِبَ أن يتزوَّج امرأةً ثانية كي تنجب له أولادًا، تقول له الأولى: إما أن تطلّقني وإما أن تبقى من دون زوجة ثانية، هذه فيها قليل من الدِّين، و لكن قد تقول له امرأة أخرى: اذْهب وازن ولا تتزوّج !! إلى هذه الدرجة، وهذه كلمات تقولها النساء الجاهلات.
من أخطاء النساء المسلمات عدم العناية بتربية أولادهنّ، لا تنتبه لنفسها تخرج أثناء غيبة زوجها من البيت، ويأتي زوجها وعلى مسْمعٍ من ابنتها تقول له إن سألها أين ذهبت: لم أذهب إلى أيّ مكان ! فالبنت ترى أن أمّها تكذب على أبيها، و الطّفل يتشرَّب الكذب من أمّه وأبيه، والنبي علّمنا، إذ كان مرة عليه الصلاة والسلام في بيت أحد أصحابه، فقالت الأمّ لابنها: تعال هاكَ، تعال خُذ، وبيدها شيء، فقال عليه الصلاة والسلام: ماذا أردت أن تُعطيه؟ قالت: تمرة، فقال عليه الصلاة والسلام:
((أما إنّك لو لمْ تفعلي لعُدَّتْ عليك كِذبة ))
ذات مرّة حدّثني أخ، و تألّمتُ أشدّ الألم لحَال المسلمين، قال لي: والدتي من بلاد أمريكا الشماليّة، وكانت مع ابنها، أعطتْهُ سكّرة فأكلها، وطلبتْ منه أن يرمي غلاف السكّرة في حاوية تبعد ثلاثمئة متر، فالنظافة تحتاج إلى تربية، وكذا الصّدق والأمانة والحياء، كلّ هذا يحتاج إلى أمّ منتبهة، فإذا الأمّ كان همّها الزيارات، واللّقاءات، والحديث الفارغ، وأولادها في الطرقات فهؤلاء أولاد أيتام، نحن نفهم اليُتم من لا أب ولا أم له، ولكن اليتيم من يجد أمًّا تخلّت، أو أبًا مشغولاً، هذا هو اليتيم الحقيقيّ.
2 ـ طلب الطلاق من غير بأس :
من أخطاء الزوجات طلب الطلاق من غير بأس، وأيّما امرأة سألت زوجها الطلاق من غير بأس لم ترح رائحة الجنّة، أنا أقول لكم هذه الكلمة الدقيقة، الزواج نعمة، فهناك زوج يكفرُ نعمة الزواج، لأتْفه سبب يقسو على زوجته، لأتفه سبب يُرسلها إلى بيت أهلها، مثل هذا الزوج يكفرُ نعمة الزواج، وهناك زوجة لأتفه سبب تقول: طلِّقني! أنا لستُ مبسوطة عندك، وهناك امرأة تتمنّى زوجًا و لو كان دونها بكثير، مرَّةً وقع تحت يدي كتاب مؤلّفته أديبة من أديبات مصر، الكتاب فيه عشرون أو ثلاثون قصّة، لنِساء تفوَّقْن في الدراسة، وفاتهنّ قطار الزواج، فَعِشْنَ آلامًا لا تنتهي، ذلك أنّ توجيه البيت كان غير مهتمّ بالزواج و يهتم بالدراسة فقط!! نحن مع العلم، ولكن حينما يأتي من نرضى دينه وخُلقه، فيجب أن نزوّجه.
والأصل الزواج، فحينما تهملُ المرأة شأن زواجها، وتسعى إلى نيل مرتبة عالية جدًّا، ثمّ تكتشف أنّ كيان المرأة بِزَواجها، وفي تربية أولادها، وفاتها قطار الزواج، وكانت تحتقر الزواج، وتردّ على الخاطبين بكلمات قاسية، وهي مُعتدّة بدِراستها و بمكانتها الاجتماعيّة، فهذه بعد حينٍ تعضّ على أصابعها ندمًا، لذا يجب أن نوجّه البنات إلى أنّ خيرَ ما يضمن مستقبل المرأة أن يتزوّجها شابّ مؤمن، وإلا فإن العزوف عن الزواج بدعةٌ من بدَع المجتمع الإسلاميّ، كِبْر، واستعلاء، ورغبة بالتفوّق، وعزوف عن الزواج، ولكن حينما تكتشف هذه المرأة أن كيانها و مستقبلها بِزَوجها وأولادها تندم و لات ساعة مندم، بل إنّ النبي عليه الصلاة والسلام سئل: " من أعظم الناس حقًّا على المرأة ؟ قال: زوجها، قال: فمن أعظم النّاس حقّاً على الرجل؟ قال: أمّه" فأعظم امرأة في حياة الإنسان أمّه، وأعظم إنسان في حياة المرأة زوجها.
3 ـ نشر ما يدور بينها و بين زوجها :
هناك خطأ من أخطاء الزوجات، وهو أنّه لا سِرَّ بينها وبين زوجها كلّ ما بينها وبين زوجها تعرفه أمها و أختها وخالتها وعمّتها، هذا الزوج مفضوحٌ دائمًا، أيّ شيء يفعله تشيعه عنه، تأتي أختها فتعطيها قائمة، هكذا فعل وكذا وكذا... النبي عليه الصلاة والسلام مدَح المرأة المسلمة وقال: " إنّها سِتِّيرة" والمرأة غير المسلمة الفاسقة تجدها فضّاحة، أجل: المسلمة ستِّيرة، والله مرّة كان هناك إنسان سويًّا فأصبح له لوثة في عقله، هذا أصبح وضعه بالبـيت خطير، و له زوجة دون العشرين، وبقي بهذه الحال أكثر من سنتين، المفاجأة التي فوجئتُ بها أنّ أهلها لا يعلمون شيئًا، فزوجها أصبح بالبيت مخيفًا، فحِفاظًا على سمعته ومكانته لم تَبُح لهذا لأحد، والله هناك نساء على مستوى عالٍ من الحكمة، لكن أخريات يطلبن الطلاق من غير بأسٍ فهذه نقيصة للمرأة، لأنّها بهذا تكفر نعمة الزوج، ونشْرُ ما يدور بين الزوجين من أحاديث وخلافات وأسرار طبعاً نقيصة كبيرة، أما الشيء الذي لا يقبل هو ما يجري بينها وبين زوجها في المعاشرة الزوجية، وكأنّ شيطانًا قاربَ شيطانةً على عرض الطريق، هذه التي تفشي سرّ ما بينها وبين زوجها في العلاقة الحميمة، فيبدو للآخرين كأنّ زوجها يقاربها على قارعة الطريق، وقد نبّه النبي عليه الصلاة والسلام على عظم هذه المخالفة.
4 ـ صيام التطوّع من دون إذْن الزوج :
و من المخالفات أيضًا صيام التطوّع من دون إذْن الزوج، فهذه مخالفة تقع بها بعض النساء في شأن العبادات، يقول عليه الصلاة والسلام:
((لا يحِلّ لامرأة أن تصوم وزوجها شاهدٌ إلا بإذنه))
فهذا يتعلق بصيام النّفل وليس الفرض، لأنّ في الفرض لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق.
عدم التساهل في اختيار الزوج المناسب للفتاة :
أيها الأخوة: التساهل في اختيار الزوج للفتيات من غير المؤمنين الصادقين مشكلة كبيرة، يروون أنّ إنساناً جاءَهُ خاطب لابنته، قال له الأب: يا بني هل عندك بيت؟ قال له: نعم، فقال الأب: أريد أوراقه، أبٌ فطِن للدنيا، فأعطاه أوراق البيت، فقال الأب: ماذا تشتغل؟ قال: عندي معمل، فقال الأب: أريد سجلّه الصناعي فأتى به، ثم قال: هل عندك سيارة؟ قال: نعم، فقال: أريد أوراقها، ما ترك قضيّة إلا و تأكّد منها، فوافق الأب، وأصبح الشاب خاطبًا لابنته، وصار هذا الرجل يدخل بيته، ومرّة زاره بمحله التّجاري فقال للحاضرين: هذا صهري، فأحد الجلوس اندهشَ! لماذا؟ لأنّ ذاك الشاب لم يكن مسلمًا!!! فلما بحث معه الموضوع قال: لقد سألتني عن كلّ شيء إلا عن ديني!! قد تكون القصّة مبالغ بها لكنها تحمل العبرة الكاملة.
مرّةً كنت أمشي ببعض الأسواق، فدعاني أحدهم لدخول متجره، و استشارني في قضيّة، قال لي: هناك شابّ خطب ابنتي، وهو جيّد، شكله مقبول، وله معمل، ووضعه المادّي جيّد جدًّا، ولكن دينه رقيق فماذا أعمل؟ فقلتُ له: أنت تقرأ القرآن؟ فقال: نعم، فقلتُ له: إذا انتهيت من التلاوة ماذا تقول؟ قال: أقول: صدق الله العظيم، فقلتُ له: يقول الله عز وجل:
﴿وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُم﴾
و انتهت الزيارة و غادرت. ثمّ بلغني أنّه زوّجه ابنته، وبعد سبعة عشر يومًا طُلِّقَتْ! هل نطمعُ بإنسانٍ دُنياه عريضة ودينه رقيق؟ هذه مشكلة كبيرة جدًّا، وهذا توجيه النبي عليه الصلاة والسلام فاسمعوه حيث قال:
((إذا خطبَ إليكُمْ من ترضونَ دينهُ وخلقهُ، فزوِّجوهُ. إلاَّ تفعلوا تكنْ فتنةٌ في الأرضِ وفسادٌ عريضٌ ))
لأنّ الشاب المؤمن يغنيه الله، أما الشاب الفاسق فمآله إلى الدمار، وهذا الموضوع مهمّ سنُتابع الحديث عنه في درس ثالث وأخير.