الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات.
مِن أسماء الله الحسنى الخالق:
أيها الإخوة الكرام؛ مع اسم جديد من أسماء الله الحسنى، والاسم اليوم الخالق.
1 – ورودُ اسم الخالق في القرآن الكريم:
هذا الاسم ورد في مواضع كثيرة من القرآن الكريم، ورد في قوله تعالى:
﴿ هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (24)﴾
وورد أيضاً في قوله تعالى:
﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ (3)﴾
أيها الإخوة؛ اسم الخالق يعني أن الله أوجد كل شيء من لا شيء، وعلى غير مثال سابق، بينما إذا وصِف الإنسان مجازاً بأنه خالق بمعنى أنه صنع شيئاً واحداً من كل شيء، وعلى مثال سابق، فرق كبير بين أن تصِف الذي خلق السماوات والأرض بأنه خالق، خلق كلّ شيء مِن لا شيء، وعلى غير مثال سابق، وبين إنسان صنع شيئاً مِن كل شيء، وعلى مثال سابق.
2 – ورودُ اسم الخالق في السنة النبوية:
أيها الإخوة؛ هذا الاسم ورد أيضاً في مسند الإمام أحمد من حديث أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه:
(( أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إِنَّ اللهَ تعالى هو الخالِقُ، القابِضُ، الباسِطُ، الرازِقُ، الْمُسَعِّرُ، وإِنِّي لأرْجو أنْ ألقَى اللهَ، ولَا يَطْلُبُني أحدٌ بمظلَمَةٍ ظلمتُها إيَّاه في دمٍ ولا مالٍ. ))
وفي حديث آخر صحيح:
(( عن عمران بن حصين والحكم بن عمرو الغفاري: لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق. ))
كن مع الخالق ولا تخشَ أحدًا:
كنت ذكرت لكم من قبل أن الإمام الحسن البصري كان عند والي البصرة، فجاء توجيه من الخليفة، لو نفّذه لأغضب الله عز وجل، ولو لم ينفذه لأغضب الخليفة، وقع في حرج شديد، فقال مستنصحاً الإمام الحسن البصري: ماذا أفعل؟ قال له: إن الله يمنعك من يزيد، ولكن يزيد لا يمنعك من الله، ((لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق)) لأن الخالق يمنعك من المخلوق، بينما المخلوق لا يمنعك من الخالق، والإنسان كما تعلمون في قبضة الله عز وجل، سمعك بيده، بصرك بيده، ضربات قلبك بيده، ذاكرتك بيده، حركتك بيده، مَن حولك بيده، مَن فوقك بيده، مَن دونك بيده، إن الله يمنعك من يزيد، ولكن يزيد لا يمنعك من الله، و: ((لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق)) .
(( كَتَبَ مُعَاوِيَةُ إِلَى عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنْ اكْتُبِي إِلَيَّ كِتَابًا تُوصِينِي فِيهِ، وَلَا تُكْثِرِي عَلَيَّ، فَكَتَبَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا إِلَى مُعَاوِيَةَ: سَلَامٌ عَلَيْكَ، أَمَّا بَعْدُ؛ فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: مَنْ الْتَمَسَ رِضَا اللَّهِ بِسَخَطِ النَّاسِ كَفَاهُ اللَّهُ مُؤْنَةَ النَّاسِ، وَمَنْ الْتَمَسَ رِضَا النَّاسِ بِسَخَطِ اللَّهِ وَكَلَهُ اللَّهُ إِلَى النَّاسِ. ))
إخوتنا الكرام؛ حقيقة دقيقة، لو كنت في مكان، وبحسب معطيات البيئة والظرف والعصر، أو بحسب قوانين حركة الحياة هناك أشياء إن فعلتها قوِيَ مركزك، وهناك أشياء إن فعلتها ضعُف مركزك، إنسان بمكان، بمنصب، بحسب حركة الحياة هناك قوانين مستنبطة من حركة الحياة، هذه القوانين تعني أنك إذا فعلت كذا وكذا قوِي مركزك، وإن فعلت كذا وكذا ضعُف مركزك، الآن لو كنت في هذا المكان، وفي هذا المنصِب، وجاءك توجيه ممن هو فوقك، بما يُسخِط الله، ما الذي يحصل؟ أنت بحسب قوانين حركة الحياة المستنبطة من معطيات هذا المكان، وهذه البيئة، وهذا المجتمع يضعُف مركزك، فإذا وضعت مصلحتك تحت قدمك، وأرضيت الله عز وجل، وابتغيت رضوانه وجنته، ما الذي يحصل؟ يحصل أن الله يُخضِعك لقانون العناية الإلهية، فيزداد منصبك قوة عند مَن هو فوقك، هذه عناية خاصة، هذا معنى قول النبي الكريم:
((من أرضى الله بسخط الناس كفاه الله مُؤْنَةَ النَّاسِ)) بالمعنى الدقيق: لا إله إلا الله، لا خافض، ولا رافع، ولا مُعزّ، ولا مُذِلّ، ولا معطي، ولا مانع إلا الله، هذا هو التوحيد، وما تعلمت العبيد أفضل من التوحيد، اعمل لوجه واحد يكفِك الوجوه كلها،
(( عن عبد الله بن عمر: من جعَلَ الهُمومَ هَمًّا واحدًا كَفاهُ اللهُ ما هَمَّهُ مِن أمْرِ الدُّنيا والآخرةِ، ومَن تَشاعَبَتْ به الهُمومُ، لم يُبالِ اللهُ في أيِّ أوديةِ الدُّنيا هَلَكَ. ))
[ المستدرك على الصحيحين: صحيح الإسناد ]
مرة ثانية: هذا كلام دقيق جداً يحتاجه كل إنسان، بل كل مَن رفعه الله، بل كل مَن مكَّنه الله في الأرض، إن عملت عملاً بحسب معطيات بيئة هذا المكان، أو بحسب قوانين الحياة المستنبطة من هذا الظرف، وهذه البيئة، لو عملت عملاً في الظاهر يُضعِف مركزك، لكنه يُرضي الله، الله عز وجل يكافئك بمكافأة خاصة، يُخضِعك لقانون العناية الإلهية، فإذا بهذا العمل الذي في الظاهر يُسخط مَن هو فوقك، فإذا بهذا العمل يُقَوِّي مركزك عند مَن هو فوقك، كيف؟ لا نعلم.
لذلك المؤمن عنده جهة واحدة يخاف منها هي الله، يخاف من الله، ويرجو ما عند الله، ويبتغي رضوان الله، ويُقبِل على الله، ولا تأخذه في الله لومة لائم، هذه هي الحرية.
مِن معاني الخالق الشرعية:
أيها الإخوة؛ معاني هذا الاسم، هو في الصياغة اسم فاعل، من خلق يخلق خلقاً، فهو خالق اسم فاعل، قال تعالى:
﴿ الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنْسَانِ مِنْ طِينٍ (7)﴾
والخَلق بمعنى المخلوق، هذا معنى جديد، الخلق بمعنى المخلوق، قال تعالى:
﴿ هَذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ بَلِ الظَّالِمُونَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (11)﴾
أي هذه مخلوقات الله، الخَلق بمعنى المخلوق، ﴿هَذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ﴾ الله عز وجل أعطاك كلية بحجم البيضة، تعمل بصمت، بينما صنعة الإنسان كلية صناعية بحجم هذه الطاولة، وتحتاج أن تستلقي على السرير ساعات قد تصل إلى ست ساعات، في الأسبوع ثلاث مرات، ومع ذلك الدم لا يُصفَّى تصفية تامة، تبقى بعض المواد الضارة تُسَبب ضيقًا في التعامل، وألماً، ولكن الله سبحانه وتعالى جعل لك هذه الكلية التي تعمل بانتظام، وبلا صوت، وبلا اقتطاع من وقتك: ﴿هَذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ﴾ .
أعلى آلة تصوير رقمية احترافية، في الميليمتر المربع منها عشرة آلاف مستقبل ضوئي، بينما في شبكية العين بالميليمتر المربع منها يوجد مئة مليون مستقبل ضوئي، لذلك العين البشرية تُفَرِّق بين ثمانية ملايين لون: ﴿هَذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ﴾.
أيها الإخوة؛ الخلق من معاني الخلق التقدير الصحيح.
2 – الإيجادُ مِن عدم على غير مثال سابق:
من معاني الخلق إبداع الشيء من غير أصل، ومثال سابق، من معاني الخلق إيجاد شيء من لا شيء.
3 – من معاني الخلق الكذب:
من معاني الخلق الكذب.
﴿ إِنَّمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْثَانًا وَتَخْلُقُونَ إِفْكًا إِنَّ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَا يَمْلِكُونَ لَكُمْ رِزْقًا فَابْتَغُوا عِنْدَ اللَّهِ الرِّزْقَ وَاعْبُدُوهُ وَاشْكُرُوا لَهُ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (17)﴾
أي تكذبون على الله.
﴿ إِنْ هَذَا إِلَّا خُلُقُ الْأَوَّلِينَ (137)﴾
أي إن هذا إلا افتراءات الأوّلين.
4 – تقديرُ الأمور وتنفيذُها:
أيها الإخوة؛ الخلق بمعنى تقدير الأمور، وتنفيذها، التقدير أولاً والتنفيذ ثانياً.
﴿ ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ (14)﴾
تخطيط وتنفيذ.
الآن من مراحل الخلق أنّ الخالق يُقدِّر أولاً بعلم مسبق ثم يُقدِّر، بمعنى يُوجِد، ويصنع، ويُكَوِّن، على كلٍّ أيّ مخلوق مهما عظُم شأنه، أو دقَّ حجمه لابد من أن يمر بأربع مراتب.
المرتبة الأولى: علم الله السابق، هناك علم أزلي، وعلم الله السابق تقدير كل شيء قبل تصنيعه، وتنظيم الأمور قبل إيجادها بعلم الله السابق.
هناك مرحلة ثانية مرحلة الكتابة، كتب كلّ ما يخص كل مخلوق في لوح محفوظ، وفي هذا اللوح تفاصيل كل شيء، إيجاداً، ونشأة، وإعداداً.
المرحلة الثالثة مرحلة القدر، وهي مرتبة تقابل مرتبة المشيئة، فما شاءَ اللهُ كانَ، وما لم يشأْ لم يكن.
المرحلة الرابعة مرحلة خلق الأشياء على خصائصها وصورها التي هي عليها، علم أزلي مُسبق كتابة:
﴿ وَإِذَا جَاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِنَا فَقُلْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءًا بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (54)﴾
في اللوح المحفوظ، مرحلة التقدير، مرحلة التصنيع.
الخالق هو الجهة الوحيدة التي ينبغي أن تُتبع تعليماتها:
أيها الإخوة؛ الحقيقة الأولى الدقيقة أن الخالق هو الجهة الوحيدة التي ينبغي أن تُتبع تعليماتها، لأنها الجهة الخبيرة، أي بشكل طبيعي كل واحد منا يشتري آلة قد تكون غالية الثمن، وقد تكون معقدة التركيب، وقد تكون عظيمة النفع، فمن حرصه اللامحدود على سلامتها، وصيانتها، وأدائها الأداء الأمثل لا يستخدمها قبل أن يقرأ تعليمات الصانع.
وأقول لكم أيها الإخوة؛ الإنسان أعقد آلة في الكون، هذا التعقيد تعقيد إعجاز لا تعقيد عجز، ولهذه الآلة صانع حكيم، ولهذا الصانع الحكيم تعليمات التشغيل والصيانة، فمن باب الحفاظ على سلامة الإنسان، ومن باب الحفاظ على سعادته، ومن باب أدائه المهمة التي خُلق من أجلها، لابد من أن يتبع هذا الإنسان تعليمات الصانع، لأن كلّ إنسان مفطور على حبّ وجوده، وعلى حبّ سلامة وجوده، وعلى حبّ كمال وجوده، وعلى حبّ استمرار وجوده، على سطح الأرض ستة آلاف مليون إنسان، ما منهم واحد إلا وهو مجبول على حبّ وجوده، وعلى حبّ سلامة وجوده، وعلى حبّ كمال وجوده، وعلى حبّ استمرار وجوده، وسلامة الوجود، وكمال الوجود، واستمرار الوجود كل هذا منوط بتطبيق تعليمات الصانع، فمن باب محبتك لذاتك لا تحب أحداً، أحبّ ذاتك، طبق تعليمات الصانع، لأن الصانع هو الجهة الخبيرة التي ينبغي أن تُتبع تعليماتها، قال تعالى:
﴿ إِنْ تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ (14)﴾
علاقةُ الطاعة والمعصية بثمارهما علاقة سببٍ بنتيجةٍ:
بل إن العلاقة بين طاعة الله وبين ثمار هذه الطاعة علاقة علمية، بمعنى هي علاقة سبب بنتيجة، والعلاقة بين معصية الله ونتائج هذه المعصية علاقة علمية، بمعنى هي علاقة سبب بنتيجة، للتوضيح: لو أن طفلاً وضع يده على مدفأة مشتعلة تحترق يده، نقول: العلاقة بين احتراق اليد ووضع اليد على المدفأة علاقة علمية، أيّ طفل في أيّ مكان بالعالم، في أيّ وقت، في أيّ زمان، في أيّ مكان، إذا وضع الطفل يده على مدفأة مشتعلة تحترق اليد، هذه علاقة علمية.
أما لو أن الأب منع ابنه من الخروج من هذا الباب، يوجد للبيت بابان، ارتأى الأب أن يغلق الباب الثاني إغلاقاً تامّاً، وأن يُستخدم الباب الأول، لو أن طفلاً فتح الباب الثاني، وخرج منه استحق العقاب، لكن ليس هناك علاقة علمية بين هذا الضرب الذي تلقاه من أبيه وبين خروجه من هذا الباب، هو الباب صُنِع للخروج أيضاً، نقول: هذه علاقة وضعية، الأب وضعها.
لذلك رماة أُحد الذين عصوا رسول الله صلى عليهم، قال: لأنهم عصوا أمراً تنظيمياً، ولم يعصوا أمراً تشريعياً، هناك فرق بين أن تعصي أمراً تنظيمياً، وبين أن تعصي أمراً تشريعياً، الله عز وجل قال:
﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (21)﴾
أي الجهة الوحيدة التي ينبغي أن تُتبع تعليماتها هي الجهة الصانعة، بمثَل من واقعنا: لو عندك حاسوب من أعلى مستوى، من أرقى شركة، ولهذه الشركة ورشة صيانة في بلدك، هذا الحاسوب أصابه خلل، ولك جار تحبه كثيراً يبيع خضراوات، هل تدفع هذا الحاسوب إليه؟ مع أنك تحبه، تحبه، تحبه ولكنه لا علاقة له بدقائق صنعة هذا الحاسوب، تأخذه إلى الجهة الخبيرة، والآية واضحة جداً: ﴿وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ﴾ أنت أيها الإنسان حينما تطيع الله معنى ذلك أنك تحبّ نفسك، لأن الله هو الخبير، قال لك: اضبط لسانك يعلو مقامك، قال لك: كن أميناً يثق الناس بك، قال لك: غُضّ بصرك تسعد بزوجتك، حرر دخلك يبارك الله لك بمالك.
العلاقة بين الأمر ونتائجه وبين النهي ونتائجه علاقة علمية، علاقة سبب بنتيجة، بمعنى أنه لو جاء ملحد وطبق منهج الله يقطف ثماره، لذلك إيجابيات العالم الغربي أكثرها إسلامي، لا لأنهم يعبدون الله إطلاقاً، لكنهم أذكياء اكتشفوا أن هذه الأعمال تجعل هذا الإنسان يرتبط بهذه الجهة، لذلك أنا أقول دائماً: أعطِ الإنسان رغيف خبزه وكرامته وخذ منه كل شيء، أعطِ الإنسان رغيف خبزه وكرامته، أي أعطه حاجته، ومكانته، وخذ منه كل شيء.
منهج الله موضوعي مَن طبَّقه قطف ثمارَه:
هذه الحقائق جاءت في القرآن الكريم، لكن الذكي يكشفها من دون هذا الكتاب، فلذلك أحياناً الإنسان الذي شرد عن الله، دون أن يشعر يُطبق تعليمات الخالق، لا من باب عبادته، ولا من باب التقرب منه، ولكن ذكاءه هداه إلى أن هذا العمل لمصلحته، فإذا ذهب الإنسان إلى بلاد الغرب، ورأى دقة، وصنعة متقنة، والإنسان محترم مثلاً، هذه كُشِفت بالفكر البشري، لذلك إيجابيات العالم الغربي إسلامية من دون أن يكون هؤلاء مسلمين، ومنهج الله عز وجل منهج موضوعي، لو طبقه إنسان ليس مؤمناً بخالق هذا الكون يقطف ثمار هذا المنهج، لكن:
﴿ فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا فَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ (200)﴾
أي بشكل أو بآخر لو جئنا بإنسان يدير مؤسسة، يحمل أعلى اختصاص في إدارة الأعمال، وراقبناه، ثم جئنا بإنسان مؤمن، إيمانه من أعلى مستوى، وراقبناه، نكتشف اكتشافاً عجيباً، أن الأول الذي درس إدارة الأعمال يشبه في فعله الثاني الذي كان عابداً لله، الإدارتان تتشابهان من حيث النتائج، وتفترقان من حيث البواعث، المؤمن يطيع الله عز وجل فيربح الدنيا والآخرة معاً، غير المؤمن يطبق هذه التعليمات لأنها موضوعية فيربح الدنيا، إذا ربح الغربيون الدنيا لأنهم طبقوا تعليمات صحيحة، وإذا خسرنا الدنيا، ونحن معنا وحي السماء، لأننا خالفنا هذه التعليمات.
من يتبع هدى الله عز وجل لا يضلّ عقله ولا تشقى نفسه:
أيها الإخوة؛ الآية الدقيقة جداً: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾ الآية الثانية: ﴿وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ﴾ الآية الثالثة:
﴿ إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا (9)﴾
الآية الرابعة:
﴿ قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعًا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى (123)﴾
سورة طه
كلام خالق الأكوان، لا يضِلّ عقله، ولا تشقى نفسه.
﴿ قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْهَا جَمِيعًا فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (38)﴾
لو جمعنا الآيتين لكان الذي يتبع هدى الله عز وجل لا يضلّ عقله، ولا تشقى نفسه، ولا يندم على ما فات، ولا يخشى مما هو آت، ماذا بقي من سعادة الدنيا؟ لا يضِلّ عقله، ولا تشقى نفسه، ولا يندم على ما فات، ولا يخشى مما هو آت.
عطاء الله لا يُحَدّ بحدود:
الملخص أنك إذا أحببت نفسك فقط ينبغي أن تطبق تعليمات الصانع، لأنه:
﴿ يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا (71)﴾
فاز بالدنيا والآخرة.
﴿ وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ (46)﴾
وعطاء الله لا يُحَدّ بحدود، الحديث الصحيح
(( عَنْ ثَوْبَانَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اسْتَقِيمُوا وَلَنْ تُحْصُوا وَاعْلَمُوا أَنَّ خَيْرَ أَعْمَالِكُمْ الصَّلَاةُ وَلَا يُحَافِظُ عَلَى الْوُضُوءِ إِلَّا مُؤْمِنٌ. ))
[ الترغيب والترهيب: صحيح ]
المفعول به محذوف، وإذا حُذف المفعول أُطلق الفعل: ((اسْتَقِيمُوا وَلَنْ تُحْصُوا)) الخيرات، يا ترى راحة نفسية على سلامة جسدية على وفاق أسري على ابن بار على سمعة طيبة على سرور؟ ((اسْتَقِيمُوا وَلَنْ تُحْصُوا)) .
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم أعطنا ولا تحرمنا، أكرمنا ولا تهنا، آثرنا ولا تؤثر علينا، أرضنا وارض عنا، وصلى الله على سيدنا محمد النبي الأمي وعلى آله وصحبه وسلم.
الملف مدقق