وضع داكن
09-09-2025
Logo
أسماء الله الحسنى - إصدار 2008 - الدرس : 006 أ - اسم الله الرفيق 1
رابط إضافي لمشاهدة الفيديو اضغط هنا
×
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات.
 

من أسماء الله الحسنى الرفيق:


أيها الإخوة الكرام؛ مع اسم جديد من أسماء الله الحسنى وهو الرفيق، هذا الاسم ورد في السنة النبوية الصحيحة، ورد مطلقاً معرّفاً بأل، مراداً به العلمية، دالاً على كمال الوصفية،

(( فقد ورد في صحيح البخاري ومسلم من حديث عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: يَا عَائِشَةُ، إِنَّ اللَّهَ رَفِيقٌ يُحِبُّ الرِّفْقَ، وَيُعْطِي عَلَى الرِّفْقِ مَا لَا يُعْطِي عَلَى الْعُنْفِ، وَمَا لَا يُعْطِي عَلَى مَا سِوَاهُ. ))

[ صحيح مسلم  ]

فالله سبحانه وتعالى هو الرفيق. 
 

معنى اسم الله الرفيق:


لو أردنا أن نقف وقفة متأنية عند معاني هذا الاسم، أولاً: الرفيق هو اللطيف، والرفيق هو الذي يرافقك، والرفيق هو الذي يتصرف برفق، هو لطيف، وهو مرافق، وهو الذي يتصرف برفق، لو أردنا أن نرى هذا الاسم من خلال أفعال الله قد نقف عند ومضات من رفقه جلّ جلاله.

  مظاهر رفق الله بمخلوقاته:


الطفل الصغير له أسنان لبنية، هذه الأسنان كيف تسقط من دون ألم، ما من طبيب أسنان إلا وهو مضطر إلى أن يعطي الإنسان مخدراً حتى يقلع هذا السن، إعطاء إبرة المخدر مؤلمة، أما الطفل حينما يسقط سنّه يذوب شيئاً فشيئاً إلى أن يراه مع لقمة طعامه، فنزع سنّ الطفل نوع من اللطف، الله عز وجل يقول:

﴿ هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (4)﴾

[   سورة الحديد  ]

أنت لا تحتمل أن يكون معك إنسان دائماً، تخرج من جلدك من رفقته، لكن الله معنا بلطف، معنا دون أن نشعر، مثلاً الهواء لطيف، يحمل طائرة وزنها ثلاثمئة وخمسين طنًّا، وأنت تمشي ضمن الهواء، وتستنشق الهواء، ولا ترى الهواء، الهواء مما يؤكد معنى أن الله رفيق.
أيها الإخوة؛ رحمته بعباده رفق، مغفرته لعباده رفق، قبول توبته من عباده رفق، تحريمه التدريجي للخمر رفقٌ، ((إِنَّ اللَّهَ رَفِيقٌ يُحِبُّ الرِّفْقَ، وَيُعْطِي عَلَى الرِّفْقِ مَا لَا يُعْطِي عَلَى الْعُنْفِ، وَمَا لَا يُعْطِي عَلَى مَا سِوَاهُ)) والإنسان دائماً عليه أن يتخلّق بالكمالات الإلهية، لذلك كاد الحليم أن يكون نبياً، والحلم سيد الأخلاق، والحلم رفق، المعالجة بحكمة من الرفق، الحلم من الرفق، العفو من الرفق، المغفرة من الرفق، التسامح من الرفق.
 

الرفقُ من صفات المؤمن:


لذلك حينما قال الله عز وجل: 

﴿ وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (180)﴾

[ سورة الأعراف ]

من معاني هذه الآية الكريمة أنك إذا تخلّقت بالكمال الإلهي تستطيع أن تُقبل عليه، أحد أسباب اتصالك به أنك تتوسل إلى الاتصال به للتخلق بكمالاته، إن الله رفيق يحب الرفق في الأمر كله، يحب الرفق في تربية الأولاد، يحب الرفق في معاملة الزوجة، يحب الرفق في التعامل التجاري،

(( عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: رَحِمَ اللَّهُ عَبْدًا سَمْحًا إِذَا بَاعَ، سَمْحًا إِذَا اشْتَرَى، سَمْحًا إِذَا اقْتَضَى. ))

[ صحيح البخاري  ]

المؤمن من صفاته أنه رفيق، لطيف، وإذا كان معك ظله خفيف، لا ينتقد، لا يُحاسب، لا يُدقق، لا يؤاخذ، لا يقسو، لطيف، المؤمن لين العريكة، يألف ويُؤلف، الحقيقة ليس الفرق بين المؤمن وغير المؤمن أن المؤمن يصلي، هناك فرق جوهري كبير جداً، حينما تعامل المؤمن تراه لطيفاً، وحينما ترافق المؤمن ترى ظله خفيفاً، وحينما تتعامل مع المؤمن تراه سمحاً، تراه عَفوًّا، تراه متسامحاً، فلذلك أيها الإخوة؛ التخلق بالكمال الإلهي أحد أسباب الاتصال به، التخلق بالكمال الإلهي أحد أسباب الاتصال به، قال تعالى: ﴿وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا﴾ أي توسل إلى الله بأن تتخلّق بالكمال الإلهي، وما من اسم من أسماء الله الحسنى إلا ولك منه موقف، إذا كان من أسماء الله الحسنى أنه عفو كريم ينبغي أنت أن تعفو عمن ظلمك، ورد في بعض الأحاديث: أمرنى ربي بتسع، خشية الله في السر والعلانية، كلمة العدل في الغضب والرضا، القصد في الفقر والغنى، وأن أصل من قطعني، وأن أعفو عمن ظلمني، وأن أُعطي من حرمني، وأن يكون صمتي فكراً، ونطقي ذكراً، ونظري عبرة.
 

كلما ارتقت شفافية الإنسان يعبد الله كأنه يراه:


إذاً ﴿وَهُوَ مَعَكُمْ﴾ من رفقه، رفيق، هو معنا دائماً، لكن كلما ارتقت شفافية الإنسان يعبد الله كأنه يرى الله:

(( عن أبي هريرة وأبي ذر الغفاري كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً بازراً للناس، فأتاه رجل فقال: يا رسول الله، ما الإيمان؟ قال: أن تُؤمن بالله، وملائكته، وكتابه، ولقائه، ورُسُلِهِ، وتؤمنَ بالبعث الآخر، قال: يا رسول الله ما الإسلام؟ قال: الإسلام أن تعبُدَ الله، لا تُشْركُ به شيئاً، وتُقيمَ الصلاةَ المكتوبة، وتؤدي الزّكاة المفروضة، وتصوم رمضان، قال: يا رسول الله ما الإحسان؟ قال: أن تعبد الله كأنك تراه، فإنك إن لم تره فإنَّه يراك، قال: يا رسولَ الله، مَتَى السَّاعَةُ؟ قال: ما المسؤول عنها بأعلَمَ من السَّائل، ولكن سأُحَدِّثُكَ عَنْ أشْراطها: إذا ولَدت الأمةُ ربَّتها. ))

[ متفق عليه ]

لكنه لطيف، لذلك هؤلاء الذين يعصون ربهم في رابعة النهار، نهاراً، جهراً، وينسون أن الله معهم، وأن الله يراقبهم، لذلك من أرقى مستويات الإيمان أن تؤمن أن الله معك:

﴿ أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا (78) وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا (79) وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَاجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطَانًا نَصِيرًا (80)﴾

[  سورة الإسراء ]

قال تعالى: 

﴿ فَلَا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَتَكُونَ مِنَ الْمُعَذَّبِينَ (213) وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ (214) وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (215) فَإِنْ عَصَوْكَ فَقُلْ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ (216) وَتَوَكَّلْ عَلَى الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ (217) الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ (218) وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ (219) إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (220)﴾

[  سورة الشعراء ]

يراك حين تقوم، هو رفيق، هو معنا، ولكن معنا بعلمه، معنا من دون أن نشعر، كيف أنك تمشي في الهواء من دون أن تشعر، وتستنشق الهواء من دون أن تشعر، ولا ترى الهواء وأنت لا تشعر، لكنه موجود، والدليل إذا هبت العواصف دمرت المدن بأكملها، الهواء يحمل الطائرات، موجود، وله وجود قوي لكنك لا تتضايق من الهواء، بل تستنشق الهواء. 
 

لابد من الرفق للوصول إلى الأهداف:


أيها الإخوة، عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ((إِنَّ الرِّفْقَ لَا يَكُونُ فِي شَيْءٍ إِلَّا زَانَهُ، وَلَا يُنْزَعُ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا شَانَهُ)) وعَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ((يَا عَائِشَةُ، إِنَّ اللَّهَ رَفِيقٌ يُحِبُّ الرِّفْقَ، وَيُعْطِي عَلَى الرِّفْقِ مَا لَا يُعْطِي عَلَى الْعُنْفِ، وَمَا لَا يُعْطِي عَلَى مَا سِوَاهُ)) لذلك ما كان الرفق في شيء إلا زانه ولا نُزع من شيء إلا شانه، أي توسل إلى أهدافك بالرفق، انصح، عِظ موعظة حسنة، جادل بالتي هي أحسن، لا تكن فظاً غليظ القلب، النبي عليه الصلاة والسلام وهو سيد الخلق، وحبيب الحق، وسيد ولد آدم أُوتي المعجزات، أُوتي الوحي، أوتي القرآن، كان جميل الصورة، كان فصيح اللسان، كان رحيماً، كان حليماً، كان متواضعاً، ومع كل هذه الصفات يقول الله له للتقريب: أنت أنتَ أنت بكل هذا الكمال:

﴿ فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ (159)﴾

[ سورة آل عمران  ]

﴿وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ﴾ فكيف بإنسان ليس نبياً، ولا رسولاً، ولا يُوحَى إليه، ولا أوتي القرآن، وليس فصيحاً، وليس جميل الصورة، وليس رحيماً، وليس، وليس، ومع ذلك فهو فظ غليظ القلب، لذلك

(( عن عائشة: مَهْلًا يَا عَائِشَةُ، فَإِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الرِّفْقَ فِي الْأَمْرِ كُلِّهِ. ))

[ صحيح البخاري ]

إذا دخلت إلى البيت قل: السلام عليكم، إذا أردت أن تربي أبناءك قل: يا بني، هذا الشيء يؤذيك، أنا ناصح أمين لك، من دون أن تبدأ بالضرب والشتم والقسوة.
صفات المؤمن صفات كاملة، لذلك هذا الحديث أساسي جداً في حياتنا، البيت الذي فيه رفق فيه حبّ، فيه هدوء، فيه تواصل، فيه راحة نفسية، فيه أولاد ينشؤون نشأة صحية، يرون أباهم وأمهم على وفاق، وعلى وئام، الكلام منخفض، النصيحة مهذبة، مَن أمر بمعروف فليكن أمره بمعروف، ومن نهى عن منكر فليكن نهيه من دون مُنكر، بطريقة ليست مُنكَرة، لا تكن فظاً غليظ القلب، أثنى الله عز وجل على النبي عليه الصلاة والسلام، بماذا أثنى عليه؟ هو سيد الخلق، هو نبي، هو رسول، أُعطِي المعجزات، هذه كلها من وسائل الرسالة، لكنه أثنى عليه بشيء مِن كسبِه، قال تعالى: 

﴿ وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ (4)﴾

[ سورة القلم ]

إذاً الرفق هو اللطف، والرفق هو من يرافقك، لذلك لا يوجد جهة يمكن أن تكون معك في سفرك، وتستخلفها في بيتك إلا الله، من أدعية النبي عليه الصلاة والسلام ما ثبت

(( عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا سَافَرَ فَرَكِبَ رَاحِلَتَهُ قَالَ: اللَّهُمَّ أَنْتَ الصَّاحِبُ فِي السَّفَرِ، وَالْخَلِيفَةُ فِي الْأَهْلِ، اللَّهُمَّ اصْحَبْنَا بِنُصْحِكَ، وَاقْلِبْنَا بِذِمَّةٍ، اللَّهُمَّ ازْوِ لَنَا الْأَرْضَ، وَهَوِّنْ عَلَيْنَا السَّفَرَ، اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ وَعْثَاءِ السَّفَرِ، وَكَآبَةِ الْمُنْقَلَبِ.  ))

[  صحيح الترمذي ]

الإنسان إذا سافر، وقبل أن يسافر قال: اللهم أنت الرفيق في السفر، والخليفة في الأهل والمال والولد، بغيابك لو أن إبريقاً من الماء الساخن وقع فوق وجه طفل صغير، وشُوِّه وجهه يجعل حياة هذه الأسرة جحيماً لا يطاق، إذاً الله رفيق في السفر، والخليفة في الأهل والمال والولد، هذه أدعية النبي عليه الصلاة والسلام. 
 

من معاني الرفيق:


إذاً الرفيق هو اللطيف، والرفيق هو الذي يُرَافقك، والرفيق هو الذي يتولى الأمر برفق.
قال بعض العلماء: الرفيق سبحانه وتعالى هو اللطيف بعباده، القريب منهم: ﴿وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ﴾ الله عز وجل يحول بين المرء وقلبه، أقرب إليك من حبل الوريد، أقرب إليك من خواطرك، أقرب شيء إليك خواطرك، هو أقرب إليك من حبل الوريد، من خواطرك، يحول بينك وبين قلبك.
 يغفر ذنوبهم، ويتوب عليهم، لأنه رفيق بهم، وتكفلهم بالتربية والعناية من غير عِوض، لا يوجد إنسان يدخل على إنسان اختصاصي بالطب أو الهندسة أو المحاماة إلا يحتاج إلى أجر، إلا أنك إذا لجأت إلى الله يتولاك الله من دون عِوَض، لأنه رفيق بك، قدّر أرزاق العباد، أحياناً يكون هناك وعل بقمة جبل، هناك نبع، مستودع هذا النبع من جبل أعلى من أجل هذا الوعل الذي يعيش في قمم الجبال، قدّر لعباده ولمخلوقاته أرزاقهم وطعامهم وشرابهم، وأمدّهم بما يحتاجون، هداهم لما يصلحهم.
 

هداية الله لمخلوقاته:


الهداية كما تعلمون أربع مراحل، هدى المخلوقات إلى مصالحها، الإنسان إذا كان الطعام فاسداً يشم أنفه رائحة الطعام الفاسد، والطعام الفاسد له رائحة كريهة، فرائحة الطعام الفاسد الكريهة، والأنف الذي فوق الفم هداك إلى ألا تأكل هذا الطعام، وإذا كان في المعدة طعام فاسد الإنسان يتقيؤه، والتقيؤ من رحمة الله عز وجل، هداك إلى أن تُخرجه من جوفك، إذا كنت تمشي وملت قليلاً تُصحح الميل عن طريق جهاز معقد جهاز التوازن، لأنه رفيق بك، إذا كان البرد شديداً هناك آلية معقدة جداً في الجسم تُكافح البرد، إذا كان هناك حر شديد هناك آلية مُعقدة ثانية آلية العرق، العرق يخرج الماء فيمتص حرارة الجلد، بهذه الطريقة يتعدل الجلد في حرارته.
إذًا: الله عز وجل رفيق في أفعاله، لذلك يُقَدّر لهم أرزاقهم، ويهديهم لما يصلحهم، الإنسان ينام، عندما ينام تتباعد الخلايا العصبية، لذلك السيالة في النوم لا تتخطى الفراغ، إنسان نائم يتكلمون أمامه كلاماً كثيراً لا يستيقظ، أما إذا كان الصوت عالياً جداً فهذا الصوت العالي جداً يقفز، ويتجاوز هذا الفراغ فيستيقظ الإنسان، هداك إلى مصالحك، والحديث عن هداية الله عز وجل لمصالح الإنسان شيء لا ينتهي، أنت ترى الخطر بعينك في البيت، هناك مدفأة خرج الدخان منها كثيفاً، معنى هذا هناك خلل ببناء المدفأة، لكن أحياناً تستمع إلى صوت في غرفة ثانية، فالبصر محدود بالجدران، أما الصوت فيتجاوز الجدران، يقول لك: هناك حركة، وإذا كان هناك حيوان صغير مات تحت السرير،لا تشاهده ولا تسمع صوته، بعد أيام تشم رائحة كريهة، فهداك إلى مصالحك بالنظر، وهداك إلى مصالحك بالسمع، وهداك إلى مصالحك بالشم، أيّ شيء له عَرَض، أعراض الأمراض من رفق الله بنا، لو لم يكن هناك عرض للمرض فالمشكلة كبيرة، هداك إلى مصالحك، الله جعل في العظم عصباً حسياً، ما فائدة العصب الحسي؟ لأنه رفيق بنا، إذا صار كسر الألم الشديد الذي لا يُحتمل يجعلك تدع العظم المكسور كما هو، وأن تدعه كما هو أربعة أخماس معالجته، حكمة العصب الحسي في العظام حكمة كبيرة، وحكمة أن الشعر لا يوجد به عصب حسي، لو كان بالشعر عصب حسي لاحتجت إلى مستشفى، وإلى تخدير كامل من أجل أن تحلق شعرك.
إذًا هو رفيق بنا، ببنية أجسامنا، بوظائف أجسامنا، إنسان يتوضأ براحة، لكن لو وضعت ماء بارداً على ظهره لا يحتمل، أعصاب الحس في الأماكن المكشوفة التي تقتضي التنظيف الدائم ضعيفة جداً، وفي الأماكن المستورة أعصاب الحس قوية جداً، لذلك توزع أعصاب الحس فيه حكمة بالغة في الإنسان، هذا المرفق لولاه كيف تأكل؟ لابدّ من أن ينبطح الإنسان كالهرة ليأكل، لكن له مرفق، هذا المرفق يوصل الطعام إلى فمك، وإلا ليس هناك طريق ثان، الله رفيق في بنية أجسامنا، رفيق في وظائف أعضائنا، رفيق فيما حولنا، البطيخ ينمو على الأرض، لو كان ينمو على الأشجار قد تقتل حبة البطيخ إنساناً، القطع الكبيرة على الأرض، والقطع اللطيفة على الأشجار، لأن الله رفيق.
 

الإنسان محاسَب عن كل شيء فينبغي أن يتخلق بكمال الله عز وجل:


إخواننا الكرام؛ هذا الاسم واسع جداً، أحياناً تأكل تفاحة، أولاً طعمها طيب، ورائحتها طيبة، وحجمها معتدل، وقِوامها يتناسب مع الأسنان، وفيها فوائد، لو كان هناك طعم طيب، ولا يوجد فوائد، فوائد والطعم كريه، فوائد والطعم طيب لكن بنيتها قاسية كالصخر، هذه الفاكهة من رفق الله بنا، هذا الاسم واسع جداً، ((فَإِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الرِّفْقَ فِي الْأَمْرِ كُلِّهِ)) أي تخلّق بكمالات الله، تخلّق بهذا الكمال، المؤمن حليم، المؤمن لطيف، المؤمن يألف ويُؤْلَف، المؤمن يقدم نصيحة بلطف شديد.
لذلك هداهم إلى مصالحهم، فنعمته عليهم سابغة، وحكمته فيهم بالغة، يُحِبّ عباده الموحدين، ويتقبّل أعمالهم الصالحة، ويُقربهم، وينصرهم على عدوهم، يعاملهم بعطف ورحمة وإحسان، ويدعو من خالفه إلى التوبة والغفران، رفيق في خفاء وستر، يُحاسِب المؤمنين بفضله ورحمته، ويُحاسِب المُخالفين بعدله وحكمته، ترغيباً لهم في توحيده، وحلماً منه عليهم في تقصيرهم، الله عز وجل رفيق، هذا حديث رائع جداً: ((إِنَّ اللَّهَ رَفِيقٌ يُحِبُّ الرِّفْقَ، وَيُعْطِي عَلَى الرِّفْقِ مَا لَا يُعْطِي عَلَى الْعُنْفِ، وَمَا لَا يُعْطِي عَلَى مَا سِوَاهُ)) أوضح مثلٍ وأنت في البيت، وأنت تُربّي أولادك، والله حدثونا في الجامعة في علم النفس أن الأم التي تُرضع ابنها بقسوة ينشأ قاسياً، أحياناً تكون متعبة منه، تقول له: تسمم، كُلْ وخلصني، هذا الوضع يجعل عند الطفل عقدة، والبيت الذي يُربى فيه الطفل بالعطف والحنان والمودة والإكرام تجد هذا الطفل متعاطفاً، صار هناك علم نفس للجنين، أي الأم التي تقرأ القرآن لها ابن وضعه خاص، والتي تشرب الدخان له وضع خاص.
لذلك أيها الإخوة؛ الإنسان محاسَب عن كل شيء، لذلك ينبغي أن يتخلق بكمال الله عز وجل.
 

الله مع المؤمنين لا بعلمه فحسب بل بتوفيقه وإكرامه وحفظه:


أيها الإخوة؛ من معاني أن الله سبحانه وتعالى لطيف أو رفيق، قال تعالى: 

﴿ أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلَا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (7)﴾

[ سورة المجادلة ]

الله رفيق أي معنا، ثلاثة رجال جالسون الله موجود معهم، الأربعة الله عز وجل خامسهم، الخمسة هو سادسهم، ﴿وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ﴾ معكم بعلمه، لكنه بلطف، رفيق، لكن أجمل شيء أن الله مع المؤمنين لا بعلمه فحسب، بل بتوفيقه، بل بإكرامه، بل بحفظه، بل بتأييده، بل بنصره معهم، قال تعالى: 

﴿ إِنْ تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جَاءَكُمُ الْفَتْحُ وَإِنْ تَنْتَهُوا فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَإِنْ تَعُودُوا نَعُدْ وَلَنْ تُغْنِيَ عَنْكُمْ فِئَتُكُمْ شَيْئًا وَلَوْ كَثُرَتْ وَأَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ (19)﴾

[ سورة الأنفال ]

وإذا كان الله معك فمن عليك؟ وإذا كان عليك فمن معك؟ والدعاء الذي ذكرته قبل قليل: ((اللَّهُمَّ أَنْتَ الصَّاحِبُ فِي السَّفَرِ، وَالْخَلِيفَةُ فِي الْأَهْلِ)) والمال والولد، والنبي عليه الصلاة والسلام حينما خُيِّر بين أن تكون الدنيا له، خُيّر بين زهرة الحياة الدنيا، وبين أن يكون مع الرفيق الأعلى، قال: بل الرفيق الأعلى، وعلامة المؤمن أنه في أسعد لحظات حياته حينما يأتيه ملك الموت، قال تعالى: 

﴿ قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ قَالَ يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ (26)﴾

[ سورة يس ]

بل إن من بعض معاني الحديث الشريف:

(( عن عمر بن الخطاب: إنَّ المَيَّتَ ليُعذَّبُ ببكاءِ الحيِّ. ))

[ صحيح البخاري ]

أي إذا ميت مؤمن واستحق الجنة، ورأى مقامه في الجنة، ورأى أهله يبكون يتألم منهم، أنا في جنة، أنا في سعادة كبيرة جداً.
فلذلك أيها الإخوة؛ لا يكفي الإنسان أن يؤدي الصلوات أداءً شكلياً، الدين كمالات، الدين لطف، الدين أب إذا دخل إلى البيت كان عند أهل البيت عيد، لكن هناك أب إذا خرج من البيت كان الوضع عندهم عيداً، الفرق كبير بين أن يكون العيد إذا دخلت أم إذا خرجت، لأن المؤمن ينبغي أن يكون رفيقاً، ((إِنَّ اللَّهَ رَفِيقٌ يُحِبُّ الرِّفْقَ، وَيُعْطِي عَلَى الرِّفْقِ مَا لَا يُعْطِي عَلَى الْعُنْفِ، وَمَا لَا يُعْطِي عَلَى مَا سِوَاهُ))
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم أعطنا ولا تحرمنا، أكرمنا ولا تهنا، آثرنا ولا تؤثر علينا، أرضنا وارض عنا، وصلى الله على سيدنا محمد النبي الأمي وعلى آله وصحبه وسلم.

الملف مدقق

والحمد لله رب العالمين

الاستماع للدرس

00:00/00:00

نص الزوار

نص الدعاة

اللغات المتوافرة

إخفاء الصور