اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات.
التطبيقات العملية لاسم الله الرفيق:
أيها الإخوة الكرام؛

لازلنا في اسم الرفيق، فهذا الاسم له تطبيقات عملية تخصّ الإنسان المؤمن، بل إن كل اسم من أسماء الله الحسنى هناك تطبيقات عملية تخصّ المؤمن،
(( عن عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: يَا عَائِشَةُ، إِنَّ اللَّهَ رَفِيقٌ يُحِبُّ الرِّفْقَ، وَيُعْطِي عَلَى الرِّفْقِ مَا لَا يُعْطِي عَلَى الْعُنْفِ، وَمَا لَا يُعْطِي عَلَى مَا سِوَاهُ. ))
(( عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: إِنَّ الرِّفْقَ لَا يَكُونُ فِي شَيْءٍ إِلَّا زَانَهُ، وَلَا يُنْزَعُ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا شَانَهُ. ))
حظُّ المؤمن من اسم الرفيق:
1 – الرفق بالنفس في التكاليف والعبادات:
ما حظّ المؤمن من هذا الاسم؟
أولاً: ينبغي أن يكون الإنسان رفيقاً بنفسه، فقد يفعل من الأعمال ما لم يحتمل تبِعتها، نفسك مطيتك إلى الله فارفق بها، هناك أعمال تُسبّب بعدًا عن الله، هناك أعمال تُسبّب حجاباً بينك وبين الله، فارفق بنفسك ولا تُحَمّلها ما لا تطيق، فهذا الذي يستقيم على أمر الله عز وجل، هذا الذي يقف عند حدود الله، هذا الذي يتقرب إلى الله يُسعد نفسه بالقرب من الله، أما إذا عمل أعمالاً لا ترضي الله أقام باختياره وبفعل يده حجاباً بينه وبين الله، فحمّل نفسه من آلام البعد وجفوة المعصية ما لا يُطيق، لذلك ورد في الأثر: نفسك مطيتك فارفق بها، فأول حظّ من حظوظ المؤمن من هذا الاسم أن استقامته على أمر الله تجعل هذه الاستقامة الطريق إلى الله سالكاً، إذاً هو ينعُم في جنة القرب، وفي الدنيا جنة من لم يدخلها لم يدخل جنة الآخرة، والدليل:
﴿ وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ عَرَّفَهَا لَهُمْ (6)﴾
وقال بعض العلماء: مساكين أهل الدنيا، جاؤوا إلى الدنيا وخرجوا منها ولم يذوقوا أطيب ما فيها، إن أطيب ما في الدنيا القرب من الله عز وجل، هذه اسمها جنة القرب.
يقول بعض العلماء: ماذا يفعل أعدائي بي؟ بستاني في صدري، إن أبعدوني فإبعادي سياحة، وإن حبسوني فحبسي خلوة، وإن قتلوني فقتلي شهادة، فماذا يفعل أعدائي بي؟
أيها الإخوة؛ فالإنسان يسعد بقربه من الله، فإذا فعل من المعاصي والآثام، أو إذا قصّر في أداء الحقوق كان حجاب بينه وبين الله، فحمّل نفسه ما لا تطيق، لذلك نفسك مطيتك فارفق بها، هذه من ناحية.
من ناحية ثانية لو أن الإنسان حمّل نفسه من العبادات ما لا يطيق ينطبق عليه قول النبي عليه الصلاة والسلام:
(( عن جابر: إنَّ هذا الدِّينَ مَتينٌ فأوغِلْ فيه برِفقٍ؛ فإنَّ المُنبَتَّ لا أرضًا قَطَعَ، ولا ظَهرًا أبقى. ))
[ البخاري: المصدر: فيض القدير: خلاصة حكم المحدث: الراجح إرساله ]
لذلك افعل من الأعمال ما تطيق:
(( فعَنْ عَائِشَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ عَلَيْهَا وَعِنْدَهَا امْرَأَةٌ، قَالَ: مَنْ هَذِهِ؟ قَالَتْ: فُلَانَةُ، تَذْكُرُ مِنْ صَلَاتِهَا، قَالَ: مَهْ، عَلَيْكُمْ بِمَا تُطِيقُونَ، فَوَاللَّهِ لَا يَمَلُّ اللَّهُ حَتَّى تَمَلُّوا، وَكَانَ أَحَبَّ الدِّينِ إِلَيْهِ مَادَامَ عَلَيْهِ صَاحِبُهُ. ))
(( وعَنْ عَائِشَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: سَدِّدُوا، وَقَارِبُوا، وَاعْلَمُوا أَنْ لَنْ يُدْخِلَ أَحَدَكُمْ عَمَلُهُ الْجَنَّةَ، وَأَنَّ أَحَبَّ الْأَعْمَالِ إِلَى اللَّهِ أَدْوَمُهَا وَإِنْ قَلَّ. ))
أي افعل من العبادات ما تستطيع أن تستمر عليها، أما هذا الذي يفور، ثم يضعُف، خطه البياني صاعد صعوداً حاداً، ثم يهبط هبوطاً مريعاً، ليست هذه حكمة من عند المؤمن، ((فَوَاللَّهِ لَا يَمَلُّ اللَّهُ حَتَّى تَمَلُّوا)) افعلوا ما تطيقون، ((وَأَنَّ أَحَبَّ الْأَعْمَالِ إِلَى اللَّهِ أَدْوَمُهَا وَإِنْ قَلَّ)) كان عمله صلى الله عليه وسلم ديمة، فالإنسان له مجلس علم يُحَافظ عليه، له أوراد يحافظ عليها، له تلاوة قرآن يومية يُحافظ عليها، بالاستمرار تنشأ حالة اسمها: التراكم، تراكم العبادات، تراكم الأذكار، تراكم التلاوات، هذه تفعل فعلاً عجيباً، تعمل قُرباً من الله عز وجل، لذلك أول بنود الرفق: ارفق بنفسك، لا تُحَمّلها من المعاصي والآثام ما لا تطيق، لا تجعلها في جفوة عن الله عز وجل، ولا تُحمّلها من العبادات ما لا تُطيق، عندئذ تكون هناك نكسة، البطولة أن تكون العبادات مستمرة، ((أَحَبَّ الْأَعْمَالِ إِلَى اللَّهِ أَدْوَمُهَا وَإِنْ قَلَّ)) أي هو الغلو إما بالتفريط أو بالإفراط، إذًا نفسك مطيتك فارفق بها، هذا أول بند من تطبيقات اسم الرفيق.
الرفق بالإنفاق من تمام الرفق بالنفس:
حتى بالإنفاق، قال تعالى:
﴿ وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (195)﴾
من أدق تفسيرات الآية أنفق في سبيل الله لأنك إن لم تنفق تُلقِ بنفسك في التهلكة، وقال بعض المفسرين: أنفق في سبيل الله، فإنك إن أنفقت مالك كله تُلقِ نفسك في التهلكة، لذلك سيدنا رسول الله ما قَبِل من صحابي ماله كله، إلا الصّدّيق، كان يرفض أن يأخذ مال الصحابي كله، ﴿وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ﴾ تهلك إن لم تُنفق، وتهلك إن أنفقت مالك كله، أي بساعة فورة إيمان تنفق مالك كله، فإذا أصبحت فقيراً ربما انتكس الإنسان، لذلك نفسك مطيتك فارفق بها، هذا المعنى الأول.
أقرب الناس إليك زوجتك، لذلك قيل: أكرموا النساء، فو الله ما أكرمهن إلا كريم، ولا أهانهن إلا لئيم، هذه رفيقة العمر، هذه شريكة العمر، ينبغي أن ترفق بها، هي أقرب الناس إليك، وهي أولى الناس بحُسن معاملتك، ولا يوجد إنسان كامل،
(( عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: اسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ، فَإِنَّ الْمَرْأَةَ خُلِقَتْ مِنْ ضِلَعٍ، وَإِنَّ أَعْوَجَ شَيْءٍ فِي الضِّلَعِ أَعْلَاهُ، فَإِنْ ذَهَبْتَ تُقِيمُهُ كَسَرْتَهُ، وَإِنْ تَرَكْتَهُ لَمْ يَزَلْ أَعْوَجَ، فَاسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ. ))

وكسرهن طلاقهن فاستمتعوا بهن على عِوج، هذا رفق بالإنسان، الإنسان بالحكمة يسعد بزوجة من الدرجة الخامسة، ومن دون حكمة، وعن طريق العنف يشقى بزوجة من الدرجة الأولى، لذلك أكبر عطاء إلهي الحكمة، قال تعالى:
﴿ يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ (269)﴾
أكرموا النساء، فوالله ما أكرمهن إلا كريم، ولا أهانهن إلا لئيم، ((اسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ)) النبي الكريم يوصيك بالمرأة، ومن أدق ما قرأت عن قوله تعالى:
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا وَلَا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا (19)﴾
قال بعض المفسرين: ليست المعاشرة بالمعروف أن تمتنع عن إيقاع الأذى بها، بل أن تحتمل الأذى منها، هذا رفق بالإنسان، البيت فيه لطف، فيه إلقاء سلام، فيه ابتسامة، كان إذا دخل بيته بسّاماً ضحّاكاً، كان يقول عن النساء: إنهن المؤنسات الغاليات، والحب تصنعه أنت بيدك، بابتسامة، بإلقاء سلام، بالتسامح أحياناً، بالمعاونة،
(( عَنْ الْأَسْوَدِ قَالَ: سَأَلْتُ عَائِشَةَ: مَا كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصْنَعُ فِي أَهْلِهِ؟ قَالَتْ: كَانَ فِي مِهْنَةِ أَهْلِهِ، فَإِذَا حَضَرَتْ الصَّلَاةُ قَامَ إِلَى الصَّلَاةِ. ))
كان يكنس داره، ويرفو ثوبه، ويحلِب شاته، وكان في مهنة أهله، فمعاملة الزوجة برفق شيء رائع جداً، بل إن النبي صلى الله عليه وسلم جعل الخيرية في البيت،
(( فعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: خَيرُكُمْ خَيْرُكُمْ لِأَهْلِهِ، وَأَنَا خَيْرُكُمْ لِأَهْلِي. ))
يمكن أخلاق الإنسان خارج البيت يمكن أن تنضوي تحت مصلحته، بالتعبير المستعمل الآن بيزنس، لطفه وأناقته وسلامه وابتسامته جزء من عمله، حتى ينتزع إعجاب الناس، ويحقق مصالحه، لطيف، لكن في البيت لا يوجد رقابة، لذلك بطولة المؤمن أن يكون في البيت رفيقاً بأهله، محتملاً بعض الأخطاء، لا يوجد شيء يعكر الصفاء بينه وبين زوجته، يتسامح معها، تتسامح معه، وليأتمر كل منهما بمعروف، قال تعالى:
﴿ أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ وَلَا تُضَارُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ وَإِنْ كُنَّ أُولَاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَأْتَمِرُوا بَيْنَكُمْ بِمَعْرُوفٍ وَإِنْ تَعَاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرَى (6)﴾
لذلك بند آخر من بنود الرفق، بالمناسبة قال تعالى:
﴿ وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (180)﴾
من معاني هذه الآية أنك تتقرب إلى الله بالتخلق بكمالاته، الله عز وجل رفيق يحب كل رفيق، فمن التخلق بكمالات الله أن تكون رفيقاً، فإن كنت رفيقاً كان الرفق وسيلة إلى الدخول على الله عز وجل، نقطة دقيقة جداً تتقرب إلى الله بالتخلق بكمالاته، فإذا كان الله رفيقاً بعباده أنت كن رفيقاً بمن حولك، وأقرب الناس إليك زوجتك.
السيدة عائشة مرة حدثت النبي صلى الله عليه وسلم قصة طويلة عن أبي زرع وأم زرع، وحدثته عن شجاعته وعن كرمه، وأنه كان زوجًا نموذجياً، لكنها تأسفت أشدّ الأسف حينما أعلمته في النهاية أنه طلقها، فكان عليه الصلاة والسلام رفيقاً بها، قال: أنا لك كأبي زرع لأم زرع، غير أني لا أطلقك.
هذه الزوجة مَن لها غيرك؟ أحياناً لا يحلو للزوج إلا أن يُمَازح زوجته بشأن الزوجة الثانية والطلاق، هذا ليس مزاحاً، يقيم هُوة بينه وبينها، يجرحها، وقد يكسرها بهذا المزاح، لذلك ترفّق بهذه المرأة التي جعلها الله هدية لك، إذًا أكرموا النساء فوالله ما أكرمهن إلا كريم، ولا أهانهن إلا لئيم، إنهن المؤنسات الغاليات، كان عليه الصلاة والسلام إذا دخل بيته بسّاماً ضحّاكاً، كان في مهنة أهله، وهذا نوع من الرفق، وكمال الإنسان يتبدى أوضح ما يتبدى في بيته، وينبغي أن تكون بيوتات المسلمين جنة بالود، ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان، لو جئت بطعام نفيس، لو أسكنتهم بيتاً فخماً، يريدون مودتك، يريدون الابتسامة، يريدون الحب، والمرأة بالذات الحب يغلب عليها، أطعمها طعاماً خشناً وكن لطيفاً معها أفضل ألف مرة من أن تطعمها طعاماً نفيساً ثم تقسو عليها، والحب بيدك، وهناك مقولات يقولها العوام: بعد فترة يألف كل منهما صاحبه، وينعدم الحب بينهما، هذا كلام بخلاف ما قاله النبي عليه الصلاة والسلام، قال عليه الصلاة والسلام: الحمد لله الذي رزقني حبّ عائشة، ومن سعادة المرء أن يحب زوجته، لأنها حليلته، ولأنها أم أولاده، والأمر بيدك، الله عز وجل ما كلفنا ما لا نطيق، قال تعالى:
﴿ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلَانَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ (286)﴾
ينبغي أن تكون رفيقاً بنفسك ورفيقاً بزوجتك.
الآن وينبغي أن تكون رفيقاً بأولادك، الحديث الرائع: علِّموا ولا تُعنّفوا، فإن المعلم خير من المعنف، علِّم ولا تُعَنف،

استخدم المكافآت بدل العقوبات، إذا أحدهم لم يصلّ الصبح سوف أضربه، هناك كلام آخر، من صلى معي الفجر سوف أكافئه بمبلغ من المال أو بهدية، أسلوب المكافآت رائع جداً، اجعل العلاقة بينك وبين أولادك علاقة طيبة، أنا لا أشك بأن كل أب يحب أولاده، لكن يقسو عليهم اجتهاداً، وهذا خطأ كبير، شيء دقيق جداً، فلذلك الرفق أيضاً بالأولاد، علِّموا ولا تُعنفوا، فإن المعلم خير من المعنف.
بقي الوالدان.
إخواننا الكرام؛ العطف في اللغة يفيد التجانس، مثلاً أنت لا تقل: اشتريت مئة دنم أرضاً وملعقة، لا يوجد تناسب إطلاقاً، اشتريت أرضاً وبيتاً، أرضاً ومركبة، مركبة وبيتاً، ملعقة وشوكة، هل تصدق أن الله سبحانه وتعالى رفع بر الوالدين إلى مستوى عبادته، الدليل؛ قال تعالى:
﴿ وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا (23)﴾

لأنه عطف الإحسان للوالدين على عبادة رب العالمين فرفع البر إلى أعلى مستوى،
﴿وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً﴾ فلذلك لو أن في اللغة كلمة أقلّ من كلمة أف لقالها الله عز وجل، وإرضاء الأب والأم طبعاً ليس في معصية، أحياناً الأوراق تختلط، لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، والدليل:
﴿ وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (15)﴾
إذًا لابدّ من الترفق في معاملة الوالدين، حتى لو عصيتهما في معصية لله ينبغي أن تترفق في عدم تلبية رغبتهما، لا بعنف ولا بقسوة.
أيها الإخوة؛ الأب والأم كانا سببي وجودك في الحياة، فلذلك الله عز وجل خلق الإنسان:
﴿ هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئًا مَذْكُورًا (1)﴾
لكن هذا الإنسان كان عن طريق هذين الأبوين، فلابد من بر الوالدين، والترفق بهما، لذلك: ﴿إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا﴾ إنسان يقول: أنا عندي أربعة أولاد، لما الإنسان يتقدم في السن، أين تسكن؟ والله عند ابني، كان أولاده عنده فأصبح عندهم، والأب أحياناً الذي سنه معتدلة بره سهل جداً، لكن أحياناً يتقدم الإنسان في السن، وبعد سن معينة يكون هناك تكلس بالعقل أحياناً، يكون هناك قصة تعاد مئة مرة أحياناً، يكون هناك دخول بأشياء لا علاقة له بها، فبر الوالدين بسن متأخرة وهما عندك في البيت شيء يحتاج إلى جهد كبير، لكن هذا العمل البطولي: ﴿إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا﴾ .
صدقوا أيها الإخوة؛ الذي يموت والداه وهما راضيان عنه يشعر بسعادة مدى حياته، أنه أدى واجبه بالكمال والتمام، لذلك شيء عجيب الرفق، مع النفس، مع الزوجة، مع الأولاد، مع الوالدين، المؤمن رفيق لأن الله رفيق، ولأن هذا الكمال اشتّقه من الله عز وجل، وبه يتقرب إلى الله، كاد الحليم أن يكون نبياً، الحلم سيد الأخلاق.
الآن أنت موظف، تحت يدك يوجد عشرة موظفين، هؤلاء من هم؟ أتباعك، موكل بهم، تحاسبهم في تفوقهم، وفي تقصيرهم، لذلك الحديث الذي ينخلع القلب له يقول عليه الصلاة والسلام:
(( عن عائشة: اللَّهُمَّ مَنْ وَلِيَ مِنْ أَمْرِ أُمَّتِي شَيْئًا فَشَقَّ عَلَيْهِمْ فَاشْقُقْ عَلَيْهِ، وَمَنْ وَلِيَ مِنْ أَمْرِ أُمَّتِي شَيْئًا فَرَفَقَ بِهِمْ فَارْفُقْ بِهِ. ))

مدير مدرسة، مدير ثانوية، مدير جامعة، مدير مؤسسة، مدير أي مكان، تحت يدك عشرة أشخاص،
((اللَّهُمَّ مَنْ وَلِيَ مِنْ أَمْرِ أُمَّتِي شَيْئًا فَشَقَّ عَلَيْهِمْ فَاشْقُقْ عَلَيْهِ)) أحياناً يُحَمّل المدير العام الموظفين شيئًا لا يُحتمل، يطالبهم بأشياء فوق طاقاتهم، ويمنع عنهم كل إضافات، يُحمّلهم ما لا يطيقون، بحكم أنه يملك سلطة عليهم، لا يوجد رحمة بقلبه.
بالمناسبة أيها الإخوة؛ ورد في الأثر القدسي: إذا أردتم رحمتي فارحموا عبادي ، حتى بالامتحانات يكون مستوى السؤال فوق طاقة الطلاب جميعاً، تجد البيوت فيها مآسٍ، سؤال لا يُحتمل، لأن المدرِّس أحياناً يرى بطولته في وضع أسئلة تعجيزية، هذا خطأ كبير، أو سؤال غير مدروس، معناها ما كان رفيقاً بطلابه، أحياناً مدير عام يُكلف الموظفين بعمل فوق طاقتهم، فلذلك: ((اللَّهُمَّ مَنْ وَلِيَ مِنْ أَمْرِ أُمَّتِي شَيْئًا فَشَقَّ عَلَيْهِمْ فَاشْقُقْ عَلَيْهِ، وَمَنْ وَلِيَ مِنْ أَمْرِ أُمَّتِي شَيْئًا فَرَفَقَ بِهِمْ فَارْفُقْ بِهِ)) أيّ مدير عام، أيّ منصب قيادي، ارحم هؤلاء الذين هم دونك، كن واقعياً، تلطّف بهم.
مرة كنت بدائرة، المدير العام قال للمستخدم: كيف صحتك يا بني؟ مرتاح؟ هل يلزمك شيء؟ يا الله يمكن أن يمضى شهر لا ينسى المستخدم هذه الكلمات، هذا إنسان مثلك، فكلما تواضع الإنسان مع من حوله كلما قدّر صعوبات الحياة، كلما قدّر المتاعب التي يعانيها الموظف، فأحياناً يعرف المدير العام أن المعاش قليل جداً، ولا يكفي، ويكلفه فوق طاقته، وبكلام قاسٍ، بحكم السلطة التي يملكها، أعيد الحديث مرة ثانية: ((اللَّهُمَّ مَنْ وَلِيَ مِنْ أَمْرِ أُمَّتِي شَيْئًا فَشَقَّ عَلَيْهِمْ فَاشْقُقْ عَلَيْهِ، وَمَنْ وَلِيَ مِنْ أَمْرِ أُمَّتِي شَيْئًا فَرَفَقَ بِهِمْ فَارْفُقْ بِهِ)) .
صور من رفق سيدنا عمر بالرعية:
سيدنا عمر سأل والياً أراد أن يمتحنه، قال له: ماذا تفعل إذا جاءك الناس بسارق أو ناهب؟ حسب الحكم الشرعي قال: أقطع يده، قال له عمر: إذًا مَن جاءني مِن رعيتك مَن هو جائع أو عاطل فسأقطع يدك، إن الله قد استخلفنا عن خلقه لنسُدّ جوعتهم، ونستر عورتهم، ونوفر لهم حرفتهم، فإن وفّينا لهم ذلك تقاضيناهم شكرها، إن هذه الأيدي خُلِقت لتعمل، فإذا لم تجد في الطاعة عملاً التمست في المعصية أعمالاً، فاشغلها بالطاعة قبل أن تشغلك بالمعصية، يوجد رحمة.
كان سيدنا عمر كلما قَدِم إليه والٍ من الولاة يسأله: كيف الأسعار عندكم؟ من شدة رحمته برعيته، وكان العلماء يسألون أتباعهم إن جاؤوا من سفر: كيف الأمطار عندكم؟ هذه رحمة، سيدنا عمر لما تولّى الخلافة كان شديداً، فخاف الناس من شدته، فقال: أيها الناس! كنت خادم رسول الله وسيفه المسلول، وجلواذه، وتوفي وهو عني راض، الحمد لله على هذا كثيراً، وأنا به أسعد، ثم كنت خادم أبي بكر، وسيفه المسلول، وجلواذه، وتوفي وهو عني راض، وأنا أحمد الله على هذا كثيراً، وبهذا أسعد، ثم آلت الأمور إليّ، فاعلموا أيها الناس أن تلك الشدة قد أُضعِفت، وإنما تكون على أهل المعصية والفجور، أما أهل التقوى والعفاف فأنا ألْيَنُ لهم من أنفسهم، وسأضع رأسي على الأرض ليطؤوه بأقدامهم، لكم عليّ أيها الناس خمس خصال، خذوني بهن، لكم عليّ ألا آخذ من أموالكم شيئاً إلا بحقه، وألا أنفقه إلا بحقه، ولكم على ألا أُجَمّركم في البعوث، وإذا غبتم في البعوث فأنا أبو العيال حتى ترجعوا، ولكم عليّ أن أزيد عطاياكم إن شاء الله تعالى، هكذا كان.
أيها الأخوة؛ من نماذج الرحمة عمير بن وهب، هذا رجل وقع ابنه أسيراً في معركة بدر، كان جالساً مع صفوان بن أمية، قال له: والله يا صفوان لولا ديون لزمتني ما أطيق سدادها، ولولا أولاد صغار أخشى عليهم العنت من بعدي لذهبت وقتلت محمداً وأرحتكم منه، صفوان من ألدّ أعداء النبي، قال له: أما أولادك فهم أولادي ما امتدت بهم الحياة، وأما ديونك فعلي بلغت ما بلغت فامضِ لما أردت، فهذا الرجل سقا سيفه سماً، وتنكّب هذا السيف، وركِب ناقته إلى المدينة ليقتل محمداً، لكن دخوله للمدينة مبرر، جاء ليفتدي ابنه من الأسر، لما وصل المدينة رآه سيدنا عمر، سيدنا عمر له بصيرة، فقال: هذا عدو الله جاء يريد شراً، فقيّده بحمالة سيفه وساقه إلى النبي عليه الصلاة والسلام، فقال: يا رسول الله هذا عدو الله جاء يريد شراً، سيدنا رسول الله قال له: يا عمر أطلقه، أطلقه، قال له: يا عمير ادنُ مني، دنا منه، قال له: سلِّم علينا، قال له: عمت صباحاً، قال له: قل: السلام عليكم، قال: هذا سلامنا، بمنتهى الغلظة، قال له: يا عمير ما الذي جاء بك إلينا ؟ انظر إلى التلطف، قال له: جئت أفدي ابني، قال له: وهذه السيف التي على عاتقك؟ قال له: قاتلها الله من سيوف وهل نفعتنا يوم بدر؟ فقال له النبي الكريم: ألم تقل لصفوان: لولا ديون ركبتني ما أُطيق سدادها، ولولا أولاد أخشى عليهم العنت من بعدي لذهبت وقتلت محمداً وأرحتكم منه؟ فوقف عمير وقال: أشهد أنك رسول الله، يقول سيدنا عمر: دخل عمير على رسول الله والخنزير أحبّ إليّ منه، وخرج من عنده وهو أحبّ إليّ من بعض أولادي، ((إِنَّ الرِّفْقَ لَا يَكُونُ فِي شَيْءٍ إِلَّا زَانَهُ، وَلَا يُنْزَعُ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا شَانَهُ)) .
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم أعطنا ولا تحرمنا، أكرمنا ولا تهنا، آثرنا ولا تُؤثر علينا، أرضنا وارض عنا، وصلى الله على سيدنا محمد النبي الأمي وعلى آله وصحبه وسلم.
الملف مدقق