الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات.
1 – المهيمن لا يخفى عليه شيء:
أيها الإخوة الكرام؛ لا زلنا في اسم المهيمن، والمهيمن كما تبين في الدرس السابق هو الذي:
﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ (5)﴾
2 – المهيمن يُحقق مصالح من يهيمن عليهم:
المهيمن هو القادر على تحقيق مصالح من يهيمن عليهم، قدرة علم، وقدرة قوة.
3 – المهيمن إليه المصير وحْده:
المهيمن إليه المصير، إليه مصير كل شيء.
الآيات القرآنية ذات الصلة باسم المهيمِن:
أيها الإخوة؛ مع الآيات القرآنية، الله عز وجل يقول:
﴿ لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلَا مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَالٍ (11)﴾
أيّة حركة، أية سكنة، أية كلمة، أي موقف، أي عطاء، أي منع، أية صلة، أية قطيعة: ﴿لَهُ مُعَقِّبَاتٌ﴾ من الملائكة ﴿مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ﴾ .
لأنه ﴿لَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ﴾ .
المعنى الآخر:
﴿ يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ الرَّحِيمُ الْغَفُورُ (2)﴾
﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ﴾ مهيمن.
﴿ قُلْ أَتُعَلِّمُونَ اللَّهَ بِدِينِكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (16)﴾
عليم علماً مطلقاً، علم تعلق بكل ممكن.
أيها الإخوة؛ قادر قدرة علم، وقدرة قوة، قال تعالى:
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ هَمَّ قَوْمٌ أَنْ يَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ فَكَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (11)﴾
أنت حينما تشعر أيها المؤمن أن الله يحفظك، وأنه أقوى من كل قوي، وأن أمرك بيده، ومصيرك بيده، وأنه ما أمرك أن تعبده إلا بعد أن طمأنك، قال لك:
﴿ وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (123)﴾
أنت حينما تشعر أن كل طموحاتك، وأن كل مصالحك عند الله عز وجل.
﴿ إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ (54)﴾
﴿ اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ (62)﴾
المهيمن بيده مصائر الخلق، بيده كل مَن حولك، مَن كان فوقك، ومَن كان دونك، ومن كان في مستواك، أقرب الناس إليك، أبعد الناس عنك، أقوى الأقوياء، أضعف الضعفاء، مهيمن ﴿وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ﴾ .
﴿ وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلَهٌ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ (84)﴾
﴿ قُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُوا لَهُ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ مَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَدًا (26)﴾
﴿ إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّمَا يَنْكُثُ عَلَى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا (10)﴾
هؤلاء الأقوياء الذين يتوهم عامة الناس لضعف إيمانهم، وضعف توحيدهم أن الأمر بيدهم، هذا نوع من الشرك، كيف يأمرك أن تعبده وقد أسلمك إلى غيره؟ كيف؟ قال لك: ﴿وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ﴾ فالمهيمن نهاية العلم، ﴿يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا﴾ المهيمن ﴿لَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ﴾ المهيمن ﴿وَاللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ﴾ .
الآن قادر، هناك معلومات دقيقة جداً، وهناك قدرة لا نهاية لها، قادر قدرة علم وقدرةَ قوة أن يحقق لك مصالحك.
العناية الربانية بموسى صورةٌ من صورِ اسم المهيمن:
أيها الإخوة؛ والمهيمن مَن إليه المصيرُ.
﴿ وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ (7)﴾
طفل، أيّ طفلٍ في عهد فرعون ينبغي أن يُقتل، ﴿وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ﴾ دقق: ﴿فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ﴾ شيء يدعو للعجب ﴿فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ﴾ أي هذا الصندوق يتحرك بأمر الله، ﴿وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ﴾ المصير بيده، طفل صغير في صندوق في نهر، يتحرك بأمر الله، ساقه الله إلى قصر فرعون، وأوقفه عند غصن، وألقى في رُوع امرأة فرعون أن انزلي إلى الشط، فتحت الصندوق رأت طفلاً جميلاً، ألقى حبَّه في قلبها.
﴿ وَقَالَتِ امْرَأَةُ فِرْعَوْنَ قُرَّةُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ لَا تَقْتُلُوهُ عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (9)﴾
مهيمن، تروي الروايات أن فرعون رأى أن طفلاً سيقضي على ملكه، القضية سهلة جداً، بيده الأمر فيما يبدو، فأمر بقتل أبناء بني إسرائيل، وأيّة ولّادة، أو أية امرأة تُوَلِّد لا تخبر عن طفل ذكر تُقتل مكانه، أما الطفل الذي سيقضي على ملكه رباه في قصره، لأن الله هو المهيمن، تصور من قدرة الله اللانهائية أنه يحفظك بأقلّ الأسباب، كما تروي بعض الروايات بخيط العنكبوت حفظت هذه البعثة، وأنه يدمر الإنسان بأتفه الأسباب، لأنه مهيمن.
أيها الإخوة؛ ﴿وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ﴾ هناك أمران، ونهيان، وبشارتان، ﴿أَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ﴾ أول أمر، ﴿فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ﴾ الأمر الثاني، نهيان: ﴿وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي﴾ بشارتان: ﴿إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ﴾ .
من فروع اسم المهيمن أن هذه الهيمنة هيمنة حبّ وشفقة:
الآن من فروع اسم المهيمن أن هذه الهيمنة هيمنة حبّ وشفقة، كيف أن الأم تحوم حول سرير طفلها المريض، تراقب أنفاسه، وحركاته، وحرارته، والأدوية، هيمنة حب، هيمنة شفقة، هيمنة اهتمام: ﴿لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ﴾ هيمنة حب وشفقة، لا هيمنة سيطرة واستغلال.
الهيمنة أيضاً فيها معنى الحفظ.
﴿ قَالَ هَلْ آمَنُكُمْ عَلَيْهِ إِلَّا كَمَا أَمِنْتُكُمْ عَلَى أَخِيهِ مِنْ قَبْلُ فَاللَّهُ خَيْرٌ حَافِظًا وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (64)﴾
في بعض الآثار أن الله عز وجل يسأل عبداً يوم القيامة: أن يا عبدي أعطيتك مالاً فماذا صنعت فيه؟ لا يوجد كذب يوم القيامة، يقول: يا رب لم أنفق منه شيئاً مخافة الفقر على أولادي مِن بعدي، يقول له: ألم تعلم بأني أنا الرزاق ذو القوة المتين، إن الذي خشيته على أولادك من بعدك قد أنزلته بهم، يقول لعبد آخر: أعطيتك مالاً فماذا صنعت فيه؟ يقول: يا رب أنفقته على كل محتاج ومسكين لثقتي بأنك خير حافظاً وأنت أرحم الراحمين، يقول الله له: أنا الحافظ لأولادك من بعدك.
أي مهيمن، كل شيء بيده، الإنسان يحب القوي، يحب المسيطر، بأي مكان إذا كان هناك رجل قوي الأنظار إليه، الثقة به، الطلب منه، لأنه قوي، الله مهيمن هيمنة لا حدود لها.
أيها الإخوة؛ الآن المصير له، ماذا فعل إخوة يوسف؟ ألقوه في البئر ليموت، ما الذي كان؟ أنه صار عزيز مصر.
يوجد بهذه القصة الطويلة آية واحدة تقول:
﴿ وَقَالَ الَّذِي اشْتَرَاهُ مِنْ مِصْرَ لِامْرَأَتِهِ أَكْرِمِي مَثْوَاهُ عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ وَلِنُعَلِّمَهُ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (21)﴾
أيها الإخوة؛ نهاية العلم، نهاية القدرة، المصير إليه، الحب والشفقة، الأمانة والحفظ، الأمر كله بيد الله، هذه بعض معاني اسم المهيمن مع الآيات التي تؤكد هذه المعاني.
التطبيق العملي لاسم المهيمن عند المسلم:
1 – على المؤمن التخلُّقُ ببعض كمال الله:
لكن ما التطبيق العملي؟ نحن قلنا كثيراً في لقاءات سابقة:
﴿ وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (180)﴾
أي يجب أن تتخلّق بكمال مشتق من كمال الله، حتى تتقرب إلى الله بهذا الكمال، أي إن رحمت الخلق تتقرب بهذه الرحمة إلى الرحيم، إن كنت منصفاً تتقرب بهذا الإنصاف إلى العدل، إن كنت حكيماً تتقرب بهذه الحكمة إلى الحكيم، ﴿وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا﴾ أي اجعل هذا التخلق بالكمال الإلهي وسيلة إلى الله.
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ وَجَاهِدُوا فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (35)﴾
اجعل هذا التخلق بالكمال الإلهي وسيلة إلى الله: ﴿وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا﴾ .
2 – على المؤمن ألا يتّجه إلى غير الله:
هناك معنى آخر؛ أنت حينما تعلم أن الله هو المهيمن لا تتجه إلى غيره، ولا تشرك به، ولا تُعَلّق الأمل على غيره، تتجه إليه، تتوكل عليه، تُخلِص له، تطيعه ولا تطيع أحداً في معصيته، معنيان دقيقان، تقرب إلى الله بكمال مشتق من كماله، واجعله وسيلة لك، المعنى الأول، أو تعرّف على أسماء الله الحسنى حتى تتجه إليه، وحتى تُعرِض عن غيره.
3 – على الرجل القيادي الإحاطة علماً بالمهيمن عليه:
التطبيقات العملية لهذا الاسم، إذا كنت في موقع قيادي، أقلُّ موقع قيادي أن تكون أباً، إن كنت أباً فما فوق ذلك، إلى أن تكون على رأس أمة، إن كنت أباً فما فوق ذلك، لن تكون مهيمناً هيمنة حبّ وشفقة إلا إذا كانت معك المعلومات الدقيقة، أي ابنك مَن صديقه؟ لماذا تأخر البارحة؟ أين كان في هذه الساعة؟ إن لم تملك المعلومات الدقيقة لن تستطيع أن تسيطر، إذا قلت: سيطرة، أعني بها سيطرة الحب والشفقة، لا أعني بها سيطرة القوة والاستعلاء إطلاقاً: ﴿وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا﴾ يجب أن تكون معك معلومات دقيقة جداً، غابت ابنتك ليلة أين كانت؟ هي قالت: عند صديقتها، هل تحققت من ذلك؟ لن تستطيع أن تربي أولادك إلا إذا ملكت المعلومات الدقيقة جداً.
أيها الإخوة؛ النقطة الدقيقة هنا أن المعلومات الصحيحة أساس القرار الصحيح، وأي قرار خاطئ هذا القرار مستند إلى معلومات غير صحيحة، فلذلك لن تستطيع أن تُحكِم قيادة هذا الإنسان إلا إذا كانت المعلومات عنه دقيقة صحيحة، الآن يسمونه: تقصّي الحقائق، قبل أن يُتَّخذ قرار، تُرسَل لجان إلى موقع المشكلة لتقصّي الحقائق، عوِّد نفسك أن تتقصى الحقائق.
﴿ قَالَ سَنَنْظُرُ أَصَدَقْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْكَاذِبِينَ (27)﴾
هذه صفة يحتاجها أولياء الأمور، يحتاجها أي إنسان في أي موقع قيادي، والأب بموقع قيادي، والمعلم بموقع قيادي، لابد من تقصّي الحقائق، لابد من معلومات صحيحة، هذا أول تخلُّق بهذا الاسم، إنسان تجري من تحته المياه وهو لا يدري، هذا لن يكون مهيمناً إطلاقاً على أسرته.
صورة نبوية حيّة لأهمية المعلومات الدقيقة للقيادة الحكيمة:
شيء آخر؛ مثلاً النبي عليه الصلاة والسلام قال: لا تقتلوا عمي العباس، في موقعة بدر، عمه العباس مقيم في مكة، هناك صحابي قال: أينهانا عن قتل عمه وأحدنا يقتل أباه وأخاه؟ ثم تبيّن أن عمه العباس كان مُسلماً، وكان عينه في مكة، هناك قيادة ذكية جداً، بمعنى أيّ قرار يُتّخذ في مكة عمه العباس ينقله له، فيعلم ما عند الطرف الآخر، فقيادة النبي كانت ذكية جداً، فكان العباس قد أسلم إسلاماً حقيقياً، وقال له: ابقَ في مكة، الآن جاءت موقعة بدر، دقق، إن لم يشارك كَشَفَ نفسه، وانتهت مهمته، إذاً العباس سيشارك في المعركة من جهة قريش، والنبي إن قال: عمي لقد أسلم، كشفه وانتهت مهمته، هذه الثانية، لو سكت لقتلوه، أعطى توجيهاً مختصراً، ولا يُضاف عليه ولا كلمة، لا تقتلوا عمي العباس، فهذا الصحابي الذي قال: أينهانا عن قتل عمه وأحدنا يقتل أباه وأخاه؟ كُشِفت له الحقيقة هذا الصحابي، يقول هذا الصحابي: ظللت أتصدق عشر سنين رجاء أن يغفر الله لي سوء ظني برسول الله.
أي قيادة حكيمة، لابدّ لها من معلومات دقيقة، أنا أُخاطب الآباء، لماذا أكثر هذا الطفل أو هذا الطالب اللقاء مع هذا الطالب بالذات؟ المعلم يجب أن يكون دقيقاً، هذه ظاهرة، ما وراءها؟ لعل وراءها انحرافًا، لابد من أن تكون المعلومات عندك صحيحة.
4 – مبدأ المتابعةِ لدى الرجل القيادي:
أيها الإخوة؛ وإذا كنت في موقع قيادي يقتضي ذلك المتابعة، أعطيت أمراً، إن لم تتابع هذا الأمر لا قيمة لهذا الأمر، بالدول النامية أوامر لا تعد ولا تحصى، كلها لا تُنَفّذ.
أيها الإخوة؛ إذاً المتابعة من خصائص المهيمن، والمعلومات الدقيقة من خصائص المهيمن.
5 – العلم سمةٌ أساسيةٌ لدى الرجل القيادي:
الآن إن لم تكن أعلم ممن حولك لن تهيمن، طبيب من الدرجة العاشرة لن يستطيع أن يدير مستشفى فيها عمالقة من الأطباء، أقلّ علماً منهم، لذلك الله عز وجل قال:
﴿ الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا (34)﴾
لأنك أعلم من زوجتك، لأنك أتقى منها، لأنك أبعد نظراً منها تُهيمن، أما إن لم تكن متعلماً وهي متعلمة، هي المهيمنة، لابد إن أردت أن تقود مجموعة أن تكون فوقهم علماً وتقى، وورعاً وقدرة، والآية دليل: ﴿الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ﴾ أحياناً يكون الإنسان بقرار صار مديرًا عامًا، عنده موظفون في أعلى مستوى، إذا كان في العلم فوقهم يخضعون له نفسياً، أما إذا كان بحكم القرار الذي كُلِّف به هو المدير العام يخضعون له شكلياً، إن أردت الخضوع الحقيقي يجب أن تكون متفوقاً على مَن حولك.
6 – القدرة على حلِّ المعضلاتِ صفةٌ هامّةٌ لدى الرجل المهيمن:
الآن الهيمنة قدرة، قدرة على حلّ مشكلة، القدرة لها شطران؛ شطر علمي، وشطر تكتيكي، عملي، فإن لم تملك خطة علمية لحل مشكلة في جزئياتها علاقات علمية، علاقات سبب بنتيجة لن تكون مهيمناً، وعندك حلّ لهذه المشكلة، حلاً علمياً، إن لم تملك حلاً علمياً لمشكلات من حولك لن تُهيمن عليهم.
7 – القدرة على تحقيق طموحات المهيمَن عليه:
الآن إن لم تملك لمن تُديره أن تُحَقِّق له أقصى طموحاته لن تكون مهيمناً، أب لا يعمل، عمله قليل، دخله قليل جداً، كل طموحات أولاده ليست عنده، لذلك ينصرف عنه الأبناء إلى غيره، إلى أصدقائهم الأغنياء، أما إذا أنت تعمل، ولك دخل معقول جيد تُحقق به طموحات أولادك أنت تبقى مسيطراً عليهم، لذلك العمل في بعض معانيه عبادة، حبذا المال أصون به عرضي، وأتقرب به إلى ربي.
أنت حينما تعمل، ولك دخل معقول تُحقّق به حاجات مَن حولك مِن زوجة وأولاد، عندئذٍ تملك أسباب السيطرة عليهم، أما إذا كان كل شيء لا يوجد معي، طبعاً أنا لا أتحدث في الفقر إلا عن فقر الكسل فقط، فقدر القدر صاحبه معذور، وفقر الإنفاق صاحبه مشكور، أما فقر الكسل، لا يوجد إتقان، يوجد إرجاء، يوجد عدم اهتمام، ميل للراحة، ميل للبطالة، هذا الإنسان يكون فقيراً فقر كسل، فهذا لن يستطيع أن يربي أولاده.
8 – علاقةُ المهيمِن مع المهيمَن عليه علاقة حبٍّ وشفقةٍ:
الآن إن لم تكن العلاقة بينك وبين من تديره علاقة حبّ وشفقة لن تُهيمن، بعض البلاد أمريكا أول دولة سابقاً في صناعة السيارات، وأول دولة في استهلاك السيارات، فوجئت بعد حين أن كل عشر سيارات بأمريكا ثماني سيارات صُنع اليابان، مشكلة كبيرة جداً، أرسلت وفوداً إلى اليابان لتقصّي الحقائق، فالإجابة كانت عجيبة جداً، الفرق ليس فرقاً تقنيًّا، بل فرقاً اجتماعياً، العامل هناك له صفات وله خصائص لا يملكها العامل في بلاد الغرب، مستقبله مضمون، يُعدّ صهر صاحب المعمل، له حصة من الأرباح، لا يُسَرَّح العامل هناك، فهذه الضمانات الاجتماعية، والمدير العام يأكل مع عماله، هذا الود الحقيقي والحب بين صاحب المعمل وبين عماله، هذا سبّب إتقان العمل، هذه قاعدة، الشيء الدقيق أنك أنت مَن حولك يجب أن تكون العلاقة بينك وبينهم علاقة حب، تقدير، احترام، لا علاقة قهر وهيمنة وخضوع، لذلك لابد من أن تكون العلاقة بينك وبين من تديره علاقة حب.
لن تكون مُهيمناً إلا إذا شعر مَن حولك أن مصالحه معك، هناك تجربة ببلد إسلامي، بماليزيا، هناك مؤامرة لضرب عُملتها، فالمواطنون تدافعوا إلى المصارف لإعطاء الدولار وأخذ العملة الماليزية، على عكس ما يجري في بلاد نامية، يبدو أن المواطن يشعر أن القيادة حريصة على مستقبله ومستقبل أولاده، هذا الحرص الشديد يعمل أعمالاً مذهلة، هذه تجربة قرأتها، أُعجِبت بها، أنه بالأزمات الطاحنة بدل أن تشتري الدولار وتدفع بالعملة الوطنية كان العكس، يشترون العملة الوطنية يدفعون بالدولار، فالأزمة مرت بسلام، معنى ذلك أنك أنت لما يشعر الآخر أنك حريص على مصالحه، وعلى مستقبله، يتفانى في خدمتك، هذه من علامات نجاح الهيمنة.
9 – المهيمِن إذا قلّده المهيمنُ عليه في الخير له أجرُه وأجرُ مَن قلّده:
الآن المهيمنون من القادة، أنت أب إذا كنت ملتزماً، مؤدياً للصلوات الخمس، غاضاً لبصرك، ضابطاً للسانك، إذا قلّدك أولادك بهذه الأخلاق، وكانوا كذلك، لك أجرك لطاعتك لله، ولك أجر أولادك لأنهم قلّدوك لهيمنتك عليهم.
﴿ وَمَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صَالِحًا نُؤْتِهَا أَجْرَهَا مَرَّتَيْنِ وَأَعْتَدْنَا لَهَا رِزْقًا كَرِيمًا (31)﴾
﴿ يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفًا (32)﴾
في موقع قيادي، أنتم قدوة، فالمهيمن إذا كان كاملاً، وقلّده مَن هيمن عليهم تقليداً صحيحاً له أجره وأجر مَن قلّده لهيمنته، بالمقابل والمهيمن إن لم يكن مُلتزماً، كان يُدَخن مثلاً، وقلّده مَن حوله فعليه وزره ووزر الذي قلّده.
سيدنا عمر كان إذا أراد إنفاذ أمر جمع أهله وخاصته، وقال: إني قد أمرت الناس بكذا، ونهيتهم عن كذا، والناس كالطير، إن رأوكم وقعتم وقعوا، وايم الله لا أوتينّ بواحد وقع فيما نهيت الناس عنه إلا ضاعفت له العقوبة لمكانه مني، فصارت القرابة من عمر مصيبة.
على الإنسان أن يأخذ من اسم المهيمن الخصائص كي يكون قائداً لمَن حوله:
من تطبيقات هذا الاسم العظيم أن تكون كأب، كمعلم، كمدير مؤسسة، كمدير مستشفى، كمدير جامعة، الأبوة فما فوقها، أن تأخذ من هذا الاسم الخصائص كي تكون قائداً لمَن حولك إلى طريق الخير والرشاد.
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم أعطنا ولا تحرمنا، أكرمنا ولا تهنا، آثرنا ولا تؤثر علينا، أرضنا وارض عنا، وصلى الله على سيدنا محمد النبي الأمي وعلى آله وصحبه وسلم.
الملف مدقق
