- تفسير القرآن الكريم / ٠2التفسير المطول
- /
- (006)سورة الأنعام
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا، إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات.
أيها الإخوة الكرام، مع الدرس الثاني والستين من دروس سورة الأنعام، ومع الآية الثانية والأربعين بعد المئة، وهي قوله تعالى :
﴿ وَمِنَ الْأَنْعَامِ حَمُولَةً وَفَرْشاً كُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ(142) ﴾
أيها الإخوة، الآية التي قبلها :
﴿ وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ جَنَّاتٍ مَعْرُوشَاتٍ وَغَيْرَ مَعْرُوشَاتٍ وَالنَّخْلَ وَالزَّرْعَ مُخْتَلِفاً أُكُلُهُ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُتَشَابِهاً وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ(141) ﴾
الشكر في مقابِل عظيمِ نعمِ الله :
جاءت آية اليوم معطوفة عليها :
﴿وَمِنْ الْأَنْعَامِ﴾
في الأثر : قال داود عليه السلام :
(( يا رب ! أي عبادك أحب إليك أحبه بحبك ؟ قال : يا داود ! أحب عبادي إلى نقي القلب ، ونقي الكفين ، لا يأتي إلى أحد سوءا ولا يمشي بالنميمة ، تزول الجبال ولا يزول أحبني وأحب من يحبني وحببني إلى عبادي ، قال : يا رب ! إنك لتعلم أني أحبك وأحب من يحبك فكيف أحببك إلى عبادك ؟ قال ؛ ذكرهم بآلائي وبلائي ونعمائي ))
أي ذكرهم بآلائي كي يعظموني، وذكرهم بنعمائي كي يحبوني، وذكرهم ببلائي كي يخافوني.
إذاً لا بد من أن يجتمع في قلب المؤمن تعظيم لله ، يوم القيامة :
﴿ إِنّهُ كَانَ لَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ(33) ﴾
هو آمن بالله ، لكنه ما آمن به عظيماً .
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْراً كَثِيراً(41) ﴾
المنافق يذكر الله، لكن قليلاً، فالتركيز في قوله الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا﴾
الوضع الصحي السوي للمؤمن أنه بقدر ما يعظمه يخافه، وبقدر ما يخافه يحبه، يعظمه من آلائه، ويحبه من نعمائه ، ويخافه من بلائه ، فالله عز وجل يبين لنا نعمه، وقد ورد في الحديث الشريف :
(( أحبوا الله لما يغذوكم به من نعمه ))
إذا استيقظ الإنسان صحيح الجسم هذه نعمة كبيرة، إذا مشى قوته فيه، إذا رأى، إذا سمع، في ببيته زوجة ، وأولاد، يملك ما ينفق عليهم، الله مكنه من كسب الرزق بخبرة يتقنها، فأنت دائماً وأبداً اذكر ما عندك، ولا تذكر ما لا تملك، الإنسان الموفق والمؤمن مشغول بشكر نِعَم الله عزوجل .
﴿ وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ
هناك أشخاص سوداويون، متشائمون، لا يتحدثون إلا بما ينقصهم، وكل نِعَم الله التي أسبغها عليهم لا يعبؤون بها، هذا من لؤم الإنسان، لذلك كان عليه الصلاة والسلام تعظم عنده النعمة مهما دقت .
هناك إنسان يعيش على السيروم، سمح لك أن تذوق طعم الطعام، وسمح للطعام أن يقويك، والفضلات خرجت ببساطة، هذه نعمة، كان عليه الصلاة والسلام إذا استيقظ يقول:
(( إذا استيقظ أحدُكم فلْيَقُلْ : الحمدُ للهِ الذي ردَّ علَيَّ روحي ، وعافاني في جسدي ، وأذِنَ لي بذكْرِهِ ))
يعني سمح لي أن أعيش يوماً جديداً (وعافاني في جسدي)
وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لاَ تُحْصُوها
لذلك أيها الإخوة ، دققوا في هذا الذي يقوله الله عز وجل :
﴿ وَإِن تَعُدُّوا
هو يُتوقع : وإن تعدوا نعم الله لا تحصوها ولكن الآية: ﴿ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا﴾
يعني لو أمضيت كل عمرك في تعداد بركات نعمة واحدة لا تنتهي: ﴿وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا﴾
معنى : وَمِنْ الْأَنْعَامِ حَمُولَةً
﴿وَمِنْ الْأَنْعَامِ حَمُولَةً﴾
اجعل مركبة في طريق صاعدة، وحاول أن تدفعها متراً واحداً لا تستطيع، مركبة وزنها طنَّان، وبطريق صاعدة، لا تستطيع لا أنت ولا عشرة أشخاص أن تدفعها، ما بالها تنطلق في طريق صاعدة صعوداً حاداً وعلى متنها خمسة رجال؟! ما هذا الوقود السائل الذي ينفجر فيعطي هذه القوة؟ لأن الله عز وجل قال :
﴿ وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً وَيَخْلُقُ مَا لَا تَعْلَمُونَ(8) ﴾
هذه الشاحنة التي تحمل عشرين طنًّا في طريق صاعدة، ما هذه القوة التي تدفع هذه الأطنان في طريق صاعدة ؟
هذا الشيء خطر في بالي مرة، يعني مركبة بمنحدر، وتعطل محركها في هذا المنحدر، عشر رجال بكل قوتهم لم يستطيعوا دفعها بعكس المنحدر نحو الأعلى، ما هذا الوقود السائل الذي ينفجر، فيدفع هذه المركبة بأوزانها الكبيرة !؟
أحيانا هناك شاحنات تحمل ستين طنًّا، والطريق صاعد، ما هذا الوقود السائل الذي يدفع هذه المركبة؟ ﴿ وَيَخْلُقُ مَا لَا تَعْلَمُونَ ﴾
إذاً: ﴿وَمِنْ الْأَنْعَامِ حَمُولَةً وَفَرْشًا﴾
أحد إخوتنا عنده بقرة أصابها الجنون، فقتلت أول رجل، وثاني رجل، واضطر أن يطلق عليها النار حتى يقتلها، ثمنها سبعون ألفًا، من جعل هذه البقرة مُذلّلة؟ من جعل هذا الجمل مذللاً؟ العقرب غير مذلل، لو رأيته تخرج من جلدك، صغير، الأفعى غير مذللة، أما الغنم مذلل، البقر مذلل، الإبل مذلل، قال تعالى :
﴿ وَذَلَّلْنَاهَا لَهُمْ فَمِنْهَا رَكُوبُهُمْ وَمِنْهَا يَأْكُلُونَ(72) ﴾
إذاً: ﴿ وَمِنْ الْأَنْعَامِ حَمُولَةً ﴾
﴿ وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ إِلَىٰ بَلَدٍ لَّمْ تَكُونُوا بَالِغِيهِ إِلَّا بِشِقِّ الْأَنفُسِ
وتحمل أثقالكم بطريقة رائعة، هي حينما تجلس على الأرض تجلس جِلسة نظامية، فإذا حمّلت عليها وهي منخفضة سهل جداً أن تحمّل عليها وهي جالسة، لو أنها تجلس على جنبها كالدواب الأخرى يكون التحميل مستحيلاً، تجلس جلسة نظامية، ولها سفينات، السفينات مكان متقرن في أرجلها وفي أيديها، وكأنهم قواعد لاستقرارها على الأرض، فإذا حمّلت عليها ما تشاء دعوتها فقامت ﴿وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ إِلَى بَلَدٍ لَمْ تَكُونُوا بَالِغِيهِ إِلَّا بِشِقِّ الْأَنفُسِ﴾
وَيَخْلُقُ مَا لَا تَعْلَمُونَ
الآن هناك بواخر تحمل مليون طناً، وطائرات عملاقة تحمل ألف راكباً، حديثة جداً، وهناك طائرات شحن، فهذه الطاقة التي أودعها الله في الأرض .
﴿ الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ نَاراً فَإِذَا أَنْتُمْ مِنْهُ تُوقِدُونَ(80) ﴾
الشجر الأخضر إحدى نظريات تشكل البترول أنه في عصور مطيرة جداً، هذه الغابات العملاقة دُفنت تحت سطح الأرض فشكلت البترول، لأن الملمح: ﴿الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنْ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ نَارًا فَإِذَا أَنْتُمْ مِنْهُ تُوقِدُونَ﴾
أنت حينما ترى طائرة عملاقة تحمل ألف راكباً، أو ترى سفينة تحمل مليون طناً، أو ترى شاحنة تحمل ستين طنًّا، وتنطلق بهذا الوقود السائل، أو بالطاقة النووية، حاملات الطائرات شيء لا يصدق، مئة طائرة لها أماكن تحت سطحها، فيها 7000 إنسان يعيشون وكأنهم في مدينة، وتعمل بالطاقة الذرية، الحاملات شيء أغرب من الخيال، من أودع في الأرض هذه الطاقات؟ الله جل جلاله، من أودع البترول في داخل الأرض؟ الله جل جلاله، ولحكمة بالغةٍ بالغةٍ الشعوب المتفوقة في الصناعة ليس عندها بترول، والشعوب النائمة عندها بترول، لو أن البترول عند هؤلاء لمات هؤلاء من الجوع، أناس ضعيفو الهمة في التصنيع والعمل والنشاط عندهم ثروات باطنية، وأناس يملكون الطاقة والصناعة الدقيقة والتقنية ليس عندهم بترول، فالله عز وجل لحكمة بالغةٍ بالغةٍ وزّع هذه الثروات، وفي قوله تعالى :
﴿ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا
الآن دققوا: ﴿وَمَا تَحْتَ الثَّرَى﴾
﴿ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ(21) ﴾
قرأت مقالة عن سحابة في الفضاء الخارجي يمكن أن تملأ محيطات الأرض 60 مرة في اليوم الواحد بالمياه العذبة ﴿ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنَا خَزَائِنُهُ ﴾
مرة طبيب حدثني وهو عضو في حوض دمشق، قال لي دمشق مهددة بالجفاف، الجفاف الذي يدعو إلى أن تُهجَر، والله الحديث الذي حدثني إياه لم أستطع أن أقف بعدها، وفي العام نفسه هطل في دمشق 350 مم مكعبًا، الذي أذكره أن مياه نبع منين وصل إلى القابون، وأن 30 نبعاً في الغوطة من 30 سنة غارت، عادت فتفجرت، وأن عين الصاحب عادت فتفجرت، الله عز وجل يعطي، تقنين الله لا يمكن إلا أن يكون تقنين تأديب لا تقنين عجز .
﴿ وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ وَلَٰكِن يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَّا يَشَاءُ
إذاً: ﴿وَمِنْ الْأَنْعَامِ حَمُولَةً﴾
معنى : وَفَرْشًا
﴿وَفَرْشًا﴾
(( إذا أكَلَ أحدُكم طَعامًا، فلْيَقُلْ: اللَّهُمَّ بارِكْ لنا فيه، وأطْعِمْنا خَيرًا منه، وإذا سُقيَ لَبَنًا، فلْيَقُلْ: اللَّهُمَّ بارِكْ لنا فيه، وزِدْنا منه، فإنَّه ليس شَيءٌ يُجزِئُ من الطَّعامِ والشَّرابِ إلَّا اللَّبَنُ ))
إذاً تنتفع بلحمها، وتنتفع بأمعائها، وتنتفع بجلدها، وتنتفع بصوفها، الآن الخيوط الصناعية أيها الإخوة حتى الآن لا يمكن أن تحل محل الخيط الطبيعي، الآن بدؤوا يصنعون خيطًا يشبه خيط الصوف، خيط الصوف مفرغ من الداخل، كم هو دقيق، من داخله مفرَّغ، فلذلك ننتفع بأوبارها، وننتفع بأشعارها، وننتفع بصوفها، وننتفع بجلدها، وننتفع بلبنها، وحليبها، وكل مشتقات الألبان، وننتفع بها فتحملنا، وتحمل أثقالنا، هذه الأنعام :
﴿ وَالْأَنْعَامَ خَلَقَهَا ۗ لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ (5) ﴾
خصيصاً، يعني أحياناً تدعو إنسانًا له مكانة إلى طعام، هذا اسمه في عرف هذه الوليمة ضيف الشرف، هذه الدعوة من أجله، هذا الطعام من أجله، هذا الإكرام من أجله، قد يُطرق بابك يأتيك ضيف على غير موعد، ومن دون دعوة، تدعوه ليجلس ويأكل، نقول هذه المائدة صنعت خصيصاً لضيف الشرف، أما هذا أكل عرضاً، هذا معنى كلمة: (لَكُمْ)
﴿ وَمِنْ الْأَنْعَامِ حَمُولَةً وَفَرْشًا ﴾
نكتة قرآنية رائعة : التركيز على كلمة ( كلوا ):
﴿كُلُوا﴾
﴿وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ جَنَّاتٍ مَعْرُوشَاتٍ وَغَيْرَ مَعْرُوشَاتٍ وَالنَّخْلَ وَالزَّرْعَ مُخْتَلِفًا أُكُلُهُ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُتَشَابِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ كُلُوا﴾
الآية الأولى:﴿كُلُوا﴾
﴿ كُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمْ اللَّهُ ﴾
التحليل والتحريم من شأن الله وحدَه : وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ :
﴿وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ﴾
﴿ وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا نُّوحِي إِلَيْهِمْ ۚ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ
﴿ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ ﴾
وقد مر بي أن السلف الصالح يتحرّجون أشد التحرّج أن يقولوا: حرام أو حلال بهذه البساطة، الحلال ما أحله الله، والحرام ما حرمه الله، والأشياء لا تُحرّم إلا بالنص قطعي الثبوت، وقطعي الدلالة، الأشياء الأصل فيها الإباحة، ولا يُحرّم شيء إلا بالنص الثابت قطعي الدلالة، لذلك هناك من يقول هذا حرام، والله أسمع كلمات حرام من آلاف من يعملون في الحقل الديني بلا دليل، شيء ما أعجبه حرام، الحلال والحرام من شأن الله وحده، هو الذي يحلل، وهو الذي يحرم، والحلال الذي يحله الله نسعد به، والحرام الذي حرمه الله لو أخذناه يحرمنا من السعادة .
مثلاً : قال تعالى عن رجال الدين من الكتابيين :
﴿ ثُمَّ قَفَّيْنَا عَلَىٰ آثَارِهِم بِرُسُلِنَا وَقَفَّيْنَا بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَآتَيْنَاهُ الْإِنجِيلَ وَجَعَلْنَا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ
هذا من ابتداعهم، هم حينما كتبوها على أنفسهم ظنوا من أجل مرضاة الله تعالى لأنها فوق طاقتهم، ولأنها ليست من عند خالق الأكوان، قال: ﴿فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا﴾
(( أشدكم خشية لله أنا ، أنام وأقوم ، أصوم وأفطر ، أتزوج النساء ، آكل اللحم هذه سنتي ، فمن رغب عنها فليس من أمتي ))
إخواننا الكرام، البطولات في الدين ليست سلبية، إيجابية، ليست البطولة أن تصوم صوماً مستمراً، لكن البطولة أن تعمل عملاً عظيماً.
كنت أقول دائماً: أمتنا مع أننا والله هؤلاء الذين يموتون في سبيل الله، والله نصغر أمامهم، ولكننا في النهاية فقدناهم، طاقة شابة، مؤمنة، مستنيرة، ورعة، معطاءة، مضحية، فقدناهم، كما أن أمتنا في أمسّ الحاجة إلى من يموت في سبيل الله، هي أيضاً في أمسّ الحاجة إلى من يعيش في سبيل الله، ويقدم لها الخير.
﴿وَمِنْ الْأَنْعَامِ حَمُولَةً وَفَرْشًا كُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمْ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ﴾
أيها الإخوة، أنت حينما تأخذ ما أحله الله لك تزداد قرباً من الله .
يعني مثلاً: إنسان اشتهى المرأة فتزوج، قارب أهله في ليل، وقام لصلاة الفجر، وقد يبكي في الصلاة، لأن هذا وفق منهج الله، ما فعل شيئاً، أما لو أقام علاقة خارج الزواج مع أية امرأة يُحجب عن الله، الله عز وجل أودع فينا الشهوات، وجعل لهذه الشهوات قنوات نظيفة .
أساليب الشيطان في إضلال الناس :
﴿وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ﴾
وَمِنْ الْأَنْعَامِ
﴿ وَمِنْ الْأَنْعَامِ ﴾
أيها الإخوة، كلمة: ﴿كُلُوا﴾
ثم يقول الله عز وجل :
ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ مِنْ الضَّأْنِ اثْنَيْنِ وَمِنْ الْمَعْزِ اثْنَيْنِ
﴿ ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ ۖ مِّنَ الضَّأْنِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْمَعْزِ اثْنَيْنِ
الضأن معروف، الذكر كبش، والأنثى نعجة، والمعز أيضاً، فيه ذكر هو التيس، وهناك أنثى، والبقر البقرة تطلق على الذكر والأنثى، الذكر ثور، والأنثى ثورة، هذا في اللغة طبعاً، لذلك :
﴿ ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ مِنْ الضَّأْنِ اثْنَيْنِ ﴾
ليس هناك تحريم مزاجي : قُلْ أَالذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمْ الْأُنْثَيَيْن
﴿مِنْ الضَّأْنِ اثْنَيْنِ وَمِنْ الْمَعْزِ اثْنَيْنِ قُلْ أَالذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمْ الْأُنْثَيَيْن﴾
﴿قُلْ أَالذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمْ الْأُنْثَيَيْنِ أَمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحَامُ الْأُنثَيَيْنِ نَبِّئُونِي بِعِلْمٍ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ ﴾
يعني دائماً وأبداً أذكر لكم أن هناك علاقة بين الحلال وثماره، والحرام وثماره، ودائماً وأبداً ما دام التشريع إلهياً فالعلاقة بين الحلال وثماره علاقة علمية، بمعنى أنها علاقة سبب بنتيجة، والعلاقة بين الحرام ونتائجه علاقة علمية أي أنها علاقة سبب بنتيجة .
نكتة ولطيفة في كلمة( أزواج ):
أيها الإخوة، هناك لفت نظر لطيف جداً بما يتعلق بكلمة الأزواج، قال: الزوج يُطلق على الشيء معه ما يقارنه، شيء معه شيء ملازم له دائماً، يطلق عليه الزوج، تقول: زوج حذاء، ونحن في أعرافنا نأخذ الزوج على الاثنين، هذا خطأ، إلا أنه إذا لم يكن هناك فارق بين الاثنين بحيث لا يتم الانتفاع بأحدهما إلا مع الآخر، ولكن لا تمييز لأحدهما عن الآخر كالجوربين، جوربين متماثلين 100 % ، لكن لا يستعمل الجوربين إلا مثنى، معه ما يلازمه دائماً، ولا يختلف عنه، فكلمة زوج تطلق على الاثنين معاً.
أما الذكر والأنثى من بني البشر فكلمة زوج لا على الاثنين معاً، تطلق على الواحد، والدليل :
﴿ وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ
يعني إذا هناك شيء يلازمه شيء آخر مختلف عنه، فالزوج تطلق على الواحد، أما إذا كان شيئًا يلازم شيئًا آخر، ولا يختلف عنه تطلق الزوج على القطعتين معاً، واضح ؟ هذا الدليل الأول .
﴿ وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى(45) ﴾
مادام هناك تكامل، يعني بتعبير آخر، إذا كان ثمة تكامل بين شيئين يُستعملان معاً يقال لكل واحد منهما: زوج، يعني الذكر غير الأنثى، بنيته غير بنية الأنثى، وظيفته غير وظيفة الأنثى، إذاً الزوج تُطلق على الواحد منهما ﴿اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ﴾
ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ مِنْ الضَّأْنِ اثْنَيْنِ
﴿ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ ۖ مِّنَ الضَّأْنِ اثْنَيْنِ﴾
أيها الإخوة، الضأن ذكره الكبش، وأنثاه النعجة، المعز اثنين، ذكره التيس والأنثى عنزة، البقر زوج ، ذكره الثور وأنثاه الثورة، الإبل زوج ذكره الجمل، والأنثى الناقة .
﴿ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ﴾
﴿
أيها الإخوة، ذكرت لكم سابقاً أن الله رتّب المعاصي ترتيباً تصاعدياً، فذكر الفحشاء والمنكر، وذكر الإثم والعدوان، وذكر الشرك، وذكر الكفر، وجعل على رأس هذه المعاصي والآثام :
﴿ إِنَّمَا يَأْمُرُكُم بِالسُّوءِ وَالْفَحْشَاءِ وَأَن تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ
وبعض الأئمة يقول: لأن يرتكب العوام الكبائر أهون من أن يقولوا على الله ما لا يعلمون، لذلك في قضية التحريم والتحليل ﴿فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾
بالمناسبة التحريم يُحسِنه كل إنسان، ولو كان جاهلاً، يقول لك: حرام، أغرب شيء يتصل بي إنسان يقول لي: قالوا لي: هذا حرام، من قال لك ؟ يعني شخص بأي درجة من العلم قد يكون جاهلاً، يقول: حرام، أكثر شيء يعاني منه من يُسأل حول بعض الأحكام أن أي إنسان يعمل في الحقل الديني من دون علم، من دون دليل يحرم فالتحريم سهل، ويحسنه كل إنسان، ولكن البطولة أن تعطي الرخصة مع الدليل .
وشيء آخر: هناك مرض أنا أراه من أخطر الأمراض أن الإنسان يأخذ نفسه بالرخص، فإذا سُئل أفتى بالعزائم، لكن بعض الأئمة الكرام كابن حنبل أخذ نفسه بالعزائم، فإذا سُئل أفتى بالرخص.
لا تكلف الناس مالا يطيقون، أفتِ الناس بالرخص، وخذ أنت بالعزائم، لا العكس .
الأصل في الأشياء الإباحة وعدم التحريم :
مرة ثانية: الأصل في الأشياء الإباحة، ولا يُحرّم شيء إلا بالدليل قطعي الثبوت وقطعي الدلالة، وينبغي أن نعلم أن النبي عليه الصلاة والسلام حينما عصاه الرماة في أحد صلّى عليهم، هم عاصون، قال علماء السيرة: إنهم عصوا رسول الله في أمر تنظيمي، ولم يعصوه في أمر تشريعي، يعني الحلال ما أحله الله، والحرام ما حرمه الله .
أحياناً يكون للإنسان دعوة فرضاً، عنده إخوان كثر، واثقون من علمه، يُحرِّم بتسرع، هذا التحريم لا يجوز، يجب أن تحلل ما أحله الله، وأن تحرم ما حرمه الله .
مرة النبي عليه الصلاة والسلام أرسل سرية، وأمّر عليها أنصارياً، قرأت أنه ذو دعابة، يحب الطُّرَف، فلما سار بأصحابه قال: أضرموا ناراً عظيمة، أضرموا ناراً عظيمة قال: اقتحموها، ما هذا الأمر؟ فلما تعجبوا، قال: ألست أميركم؟ قالوا: بلى، قال : أليس طاعتي طاعة رسول الله، قالوا: بلى، قال: اقتحموها، ترددوا، قال بعضهم: كيف نقتحمها وقد آمنا بالله فراراً منها؟ فلما عرضوا هذا على النبي صلى الله عليه وسلم قال عليه الصلاة والسلام :
(( لو اقتحمتموها لازلتم فيها إلى يوم القيامة إنما الطاعة في معروف ))
والدليل أن الله سبحانه وتعالى حينما قال في كتابه العزيز :
﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَىٰ أَن لَّا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئًا وَلَا يَسْرِقْنَ وَلَا يَزْنِينَ وَلَا يَقْتُلْنَ أَوْلَادَهُنَّ وَلَا يَأْتِينَ بِبُهْتَانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ وَلَا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ
الآن لو قلت: ولا يعصينك، أي شيء قاله فمخالفته معصية، أما حينما قال الله عزوجل: ﴿وَلَا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ﴾
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ
وفي رواية: فتثبتوا.
﴿ قَالَ سَنَنْظُرُ أَصَدَقْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْكَاذِبِينَ(27) ﴾
قبل أن تحرم زوجتك على نفسك، وقبل أن تمنعها من أهلها، وقبل أن تطلق الأيمان التي لا تُحتمل، تريث، تكون زوجته، وهو زوجها، ومباحة له، وكل شيء مُيسر، يحلف يمينًا غير معقول، فالذي يفتي له بأن هذا اليمين يمين قسمي يشك في علمه، والذي يقول له: طلُقت يتألم منه، أنت كنت في غنى عن كل هذا، لذلك الطلاق كما قال ابن عباس: << أيرتكب أحدكم أحموقته ثم يقول: يا ابن عباس، يا ابن عباس >>
الملف مدقق
والحمد لله رب العالمين