- تفسير القرآن الكريم / ٠2التفسير المطول
- /
- (006)سورة الأنعام
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا، إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.
أيها الإخوة الكرام، مع الدرس الرابع والستين من دروس سورة الأنعام، ومع الآية السابعة والأربعين بعد المئة، وهي قوله تعالى :
﴿ فَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقُلْ رَبُّكُمْ ذُو رَحْمَةٍ وَاسِعَةٍ وَلَا يُرَدُّ بَأْسُهُ عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ(147) ﴾
معنى الآية :
في هذه الآية عدة معانٍ :
المعنى الأول:
﴿ فَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقُلْ رَبُّكُمْ ذُو رَحْمَةٍ وَاسِعَةٍ وَلَا يُرَدُّ بَأْسُهُ عَنْ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ ﴾
أنواع دعوة الله للعباد وأكمل المواقف لكل دعوة :
1 - الدعوة البيانية :
بالمناسبة أيها الإخوة، الله عز وجل لطيف يسلك في هداية خلقه مراحل، أول مرحلة؛ لطيفة، وسهلة، وواضحة، وسليمة، وأنت في صحتك، وأنت في قوتك، وأنت في شبابك، وأنت في غناك، ما عندك ولا مشكلة، لكن هناك تقصير، وهناك شرود، وهناك غفلة عن الله، الله عز وجل يدعوك إليه دعوة بيانية بالكلام، كهذا الدرس دعوة بيانية، هذه الدعوة البيانية تحفظ لك كرامتك، واستقرارك، وراحتك النفسية، وأنت صحيح، وقوي، وغني، وعندك زوجة، وأولاد، ولك عمل، ولك دخل، تأتيك دعوة لطيفة جداً بلسان عربي مبين، بآية، بحديث، بقصة، بحكم فقهي، بموعظة ... إلخ.
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ
يعني أكمل موقف تقفه من دعوة الله البيانية أن تستجيب، وأنت في صحتك، وفي قوتك، وفي أوج نشاطك، وفي مكانتك، وفي كرامتك، اسمها دعوة بيانية، يعني محاضرة، كتاب، خطبة، درس، ندوة.
﴿ فَإِنْ كَذَّبُوكَ ﴾
2 – المعالجة : المصائب والشدائد
الآن يخضعك إلى معالجة أقسى .
قال طبيب لمريض معه قرحة: هناك طريقان، إما أن تسلك حمية قاسية جداً وتشفى، أو لا بد من عملية جراحية يجب أن نستأصل قسم مصاب من المعدة، فأنت بالخيار، هناك معالجة سلمية لطيفة تعتمد على الحمية، وهناك معالجة جراحية .
فالذي لا يستجيب لدعوة الله البيانية يخضعه الله لمعالجة من نوع آخر .
﴿ وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ(21) ﴾
(( عَجِبَ اللَّهُ مِن قَوْمٍ يَدْخُلُونَ الجَنَّةَ في السَّلاسِلِ. ))
الآن تأتي المصائب والشدائد من أجل أن تُلجئ الإنسان الشارد الغافل إلى باب الله تعالى.
يعني مرة هناك أخ من باب المداعبة قال لي: ما ملخص هذه الدعوة التي أمضيت فيها ثلاثين عاماً؟ قلت له: كلمتان، لا ثالث لهما، بالتعبير الدارج: إما أن تأتيه طائعاً، أو أن يأتي بك قسراً، إمّا أن تأتيه ركضًا، وإمّا أن يأتي بك ركضًا .
إنسان قبل أن يكون أحد إخوة المسجد عنده مؤسسة صناعية ناجحة جداً، وفي السبعينات كان هناك رواج مذهل، جمع أرباحًا طائلة، قال لي بالحرف الواحد: هيأت مبلغ نصف مليون ليرة، يعني كان الدولار بثلاث ليرات، وأردت أن أذهب إلى أمريكا لأستمتع بالحياة من دون زوجتي، فهمكم كفاية، وذهب إلى هناك، شاب، ونجاحه بالعمل كبير جداً، دخله فلكي، شعر بالآم في ظهره، ذهب إلى طبيب قال له: سرطان بالنخاع الشوكي، قطع رحلته، وعاد إلى الشام من جامع إلى جامع .
فإما أن تأتيه طائعاً، أو أن يأتي بك قسراً ، فالتكذيب :
﴿رَبُّكُمْ ذُو رَحْمَةٍ وَاسِعَةٍ﴾
لذلك يا إخوان، هناك فرق بين عبيد وعباد، العبيد جمع عبد، والعباد جمع عبد، لكن العبيد جمع عبد القهر، بينما العباد جمع عبد الشكر، بين أن تأتي المصيبة القاسية، مرض عضال لا تنام الليل، قيام ليل، دعاء، وبين أن تكون صحيحاً، قوياً، معافىً، وأن تبحث عن الله، وأن تطلب رضاه، وأنت قوي، غني، معافى .
فأول دعوةٍ دعوةٌ بيانية درس، خطبة، شريط، محاضرة، ندوة، أي شيء دعوة بيانية، أو أن يخضع الإنسان للتأديب التربوي. إن لم تقبل أن تتبع حمية قاسية استعد للعملية الجراحية .
فأول دعوةٍ دعوةٌ بيانية، أكمل موقف فيها الاستجابة:
3 – الإكرام الاستدراجي :
الإكرام الاستدراجي: صحة، ومال، ودخل، ومعاصٍ، هذا شيء مُشاهَد، ضغطه 8 ـ 12 ـ نبضه ـ 80 ـ كل التحاليل جيدة، وعنده كل يوم معصيتان أو ثلاث، ماذا حصل؟ أريد أن أستمتع بشبابي، هذا الثالث إكرام استدراجي .
﴿ فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ
أكمل موقف في المرحلة الثالثة في الإكرام الاستدراجي أن تشكر، وأن تعود إلى الله وأنت خجل من هذا الإكرام، فإن لم تعد، ولم تخجل .
4 – القصم :
بقي القصم:
﴿ فَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقُلْ رَبُّكُمْ ذُو رَحْمَةٍ وَاسِعَةٍ وَلَا يُرَدُّ بَأْسُهُ عَنْ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ ﴾
﴿ فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ ﴾
﴿فَإِنْ كَذَّبُوكَ﴾
﴿ ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيداً(11) وَجَعَلْتُ لَهُ مَالاً مَمْدُوداً(12) وَبَنِينَ شُهُوداً(13) وَمَهَّدْتُ لَهُ تَمْهِيداً(14) ثُمَّ يَطْمَعُ أَنْ أَزِيدَ(15) كَلَّا إِنَّهُ كَانَ لِآيَاتِنَا عَنِيداً(16) سَأُرْهِقُهُ صَعُوداً(17) ﴾
إخواننا الكرام، أغبى إنسان على وجه الأرض الذي لا يُدخِل الله في حساباته، الله أحياناً يرخي الحبل، لدرجة أنك تتوهم أن كل شيء تمام .
ركب أحدهم سيارته، وهو في طلعة الحجاز، وزوجته إلى جانبه، فأصيب بأزمة قلبية حادة، من كرم الله عز وجل أن صديقه وراءه صدفة، حمله، وأخذه إلى المستشفى على العناية المشددة، حينما شعر أنه على وشك الموت قال: أعطوني المسجلة، وشريط كاسيت، المحل الفلاني أخذه اغتصابًا من حق أخيه الصغير، المحل الفلاني، البيت الفلاني، كل شيء اغتصبه من إخوته ذكره في هذا الشريط، يبدو أن الجلطة خرج منها بسلام، وعاد طبيعياً جداً ولا شيء فيه، قال: أين الشريط؟ كسره، بعد ثمانية أشهر جاءت القاضية، وكانت نهايته بها.
أول صحوة صحاها رئيس وزراء العدو من خثرة في الدماغ قال: تابعوا اغتيال قادة المنظمات الفلسطينية، أول كلمة قالها بعد الصحوة، بعد يومين كانت القاضية .
الله أحيانا يحدِث إنذارًا مبكرًا، فهل تستفيد ؟
أول معالجة إلهية الدعوة البيانية، وأنت صحيح، قوي، ما عندك مشكلة، الأجهزة تعمل بانتظام، وبيتك منتظم، بيتك، زوجتك أولادك .
ثاني معالجة تأديب تربوي، بالأولى استجابة، بالثانية توبة، بالثالثة شكر، بالرابعة قصم .
المعالجة رحمة من الله تعالى :
إذاً :
﴿فَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقُلْ رَبُّكُمْ ذُو رَحْمَةٍ وَاسِعَةٍ وَلَا يُرَدُّ بَأْسُهُ عَنْ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ﴾
يقول لي أحدهم: المسلمون وضعهم صعب جداً، ومهما دعوا لا يُستجاب لهم، مرة كان جوابي: هم في عملية جراحية، ولم تنتهِ بعد، فلو أن البطن مفتوح، والأحشاء خارج البطن، والعملية معقدة جداً، وقال ابن هذا المريض: ارحموه، كيف أرحمه؟ مما أنا به أرحمه، هذه العملية هي رحمة الطب .
﴿فَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقُلْ رَبُّكُمْ ذُو رَحْمَةٍ وَاسِعَةٍ وَلَا يُرَدُّ بَأْسُهُ عَنْ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ﴾
شعور الإنسان في أثناء المعالجة :
والله هناك أخ له أخ أكبر منه شارد عن الله شرودًا كبيرًا، يعني غارق في كل المعاصي والآثام، وغني، وله علاقات، وشبكة علاقات، أصيب بأزمة قلبية، أخذوه إلى المستشفى في العناية المشددة، يقول لي: أنا أناجي ربي، يا رب، أنا تحب أن ألقاك عارياً، أعطني مهلة لأرتدي ثوباً ألقاك به، يعني يقصد أنه لو أن الله عز وجل أمهله يتوب، الله عز وجل أمهله، فأصبح يزورني كل يوم تقريباً، قال لي: البارحة ناجيت ربي قلت له: يا رب، كل هذه السعادة من الرجوع إليك لمَ لمْ تأتنِي هذه الأزمة قبل عشر سنوات ؟
يعني الإنسان أثناء المصيبة يشعر بحالة قرب من الله كبيرة جداً، فلما يدخلك الله عز وجل في عنايته فافرح، لأنك ضمن عنايته، الذي عنده ابن منغولي تركه، الذي عنده ابن ذكي، ولكنه مقصر يعاقبه كل يوم، المعاقبة دليل وجود الأمل
هناك رجل معه التهاب معدة، أقام الطبيب عليه النكير، أعطاه أكلتين فقط، الحليب والتفاح، وأي شيء آخر يتفاقم مرضك، وعنّفه، ورفع صوته عليه، جاءه بعد دقائق مريض معه سرطان من الدرجة الخامسة، قال له: ماذا آكل ؟ قال له: كل ما شئت، أنت ليس عليك مشكلة، كلْ، لأنه ميؤوس منك، فحينما يكون الإنسان في عناية مشددة، في متابعة إلهية، هذا من فضل الله علينا جميعاً، لذلك :
لذلك أكبر إنجاز لك في الدنيا أن نصل إلى القبر ونحن سالمون .
﴿فَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقُلْ رَبُّكُمْ ذُو رَحْمَةٍ وَاسِعَةٍ وَلَا يُرَدُّ بَأْسُهُ عَنْ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ﴾
يعني لي قريب أظنه صالحاً، ولا أزكي على الله أحداً، عاش حياته كلها بالأمراض في جهازه الهضمي، فمرة في ساعة مناجاة بكى، قال: يا رب، أنا ما ارتحت يومًا، قال: وقع في قلبه، أن يا عبدي، لولا هذا لما كنت في هذا المقام، لولا هذه الشدائد التي سقتها إليك والتي طهرتك من ذنوبك، ومن عيوبك لما كنت في هذا الحال معي .
لذلك المؤمن دائماً راضٍ عن الله، راضٍ عن كل شيء ساقه الله له.
الآن ننتقل إلى آية أخرى، لكن في موضوع القضاء والقدر :
﴿ سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلَا آبَاؤُنَا وَلَا حَرَّمْنَا مِنْ شَيْءٍ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ حَتَّى ذَاقُوا بَأْسَنَا قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَخْرُصُونَ(148) ﴾
القضاء والقدر :
هذه الآية أصل في القضاء والقدر :
إخواننا الكرام، هذه الآية أصل في نفي الجبر، وحينما نعتقد عقيدة الجبر يُلغى الدين، ويُلغى الثواب والعقاب، وتُلغى الجنة والنار، ويُلغى التكليف، ويُلغى حمل الأمانة، وتصبح الحياة تمثيلية سمجة، أنت هل ترضى أن تُجرى مسابقة تقدم لها آلاف الناس والناجح معروف قبل إعلان المسابقة، والراسب معروف سلفاً؟ تقول: هذه تمثيلية إذاً، أيعقل أن يُخلق الإنسان في الأصل كافراً ؟ وأن يأتي إلى الدنيا ليحقق مشيئة الله بالكفر، ثم يعاقبه الله إلى أبد الآبدين بالنار، هل ترضى ؟ .
أثر عقيدة الجبر السيئ في المسلمين :
لذلك أيها الإخوة، ما شلّ المسلمين ولا أخّرهم إلا عقيدة الجبر، يكون الإنسان غارقًا في المعاصي، ترتيب سيدك يقول، ترتيب سيدك، الله ما هداه، عتره الله، مَن أطلعك على الغيب؟ من؟ لمَ لا تصلي يا أخي؟ الله ما هداني بعد، حتى الله يهديني، يا رب إن سيئاتنا من قضائك، بالدعاء، إن سيئاتنا من قضائك، ما لنا ذنب أبداً، أنت قدرت علينا هذه السيئات، ماذا نفعل ؟
هناك عقائد جبرية شلت هذه الأمة شللاً كاملاً، لذلك هذه العقيدة فاسدة أن تعتقد أن الله أجبرك على المعاصي، وأنه ألقاك في اليم مكتوفاً مقيدًا، هو ألقاك، وقال: إيّاك إياكَ أن تبتلّ بالماء، ما هذا الكلام، لذلك قال الله عز وجل :
﴿ وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ ۖ فَمَن شَاءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاءَ فَلْيَكْفُرْ
قال :
﴿ إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً(3) ﴾
﴿ وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ
الإنسان يعني ﴿وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا ۖ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ﴾
﴿ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ حَتَّى ذَاقُوا بَأْسَنَا قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَخْرُصُونَ﴾
الأصل في الإنسان الاختيار :
أيها الإخوة، الله عز وجل خيّرنا فيما كلّفنا، كلّفك أن تصلي وأنت مخيّر، كلّفك أن تصوم وأنت مخيّر، أليس هناك أناس يصومون، وأناس لا يصومون، يصلون أو لا يصلون يصدقون أو يكذبون، يتقنون أو لا يتقنون، يخلصون أو يخونون، يرحمون أو لا يرحمون؟ لقد خيرك الله عز وجل فيما كلّفك، والأدلة كثيرة جداً .
بل يقول الإمام الحسن:
سيدنا علي سُئل:
جوانب من تسيير الإنسان :
في الثانية التي تتوهم فيها أنك مُسيّر في كل شيء، طبعاً أنت مسير في أشياء كثيرة ، أنت مسير فيما إذا كنت ذكراً أو أنثى، أحد استشارك ؟ ماذا تحب ذكر أم أنثى؟ ما أحد استشارك، وأنت مسير في أمك وأبيك .
قال لي أحدهم: أمي تغلبني كثيراً، قلت له: طلقها، قال: أطلقها!! أمك قدرك، الله سيرك في كونك ذكراً أو أنثى، وسيّرك في أمك وأبيك، وسيّرك في وقت مولدك، أنت من مواليد 50 أو 60 لو أتيت قبل مئتي سنة هناك ترتيب ثانٍ .
لو أنّ إنساناً أنهضناه من قبره، وقلنا له: هناك قرص فيه 7700 كتاباً، أنا عندي قرص مدمج فيه 7700 كتاباً، ممكن أن تبحث في هذه الكتب في 13 ثانية، كل كتب التفسير، كل كتب الحديث، كل كتب الفقه، كل كتب السيرة، كل كتب المعاجم واللغة والتاريخ 7700 كتاب يعني أربع جدران للسقف، لو أنهضت إنساناً من قبره، وقلت له: عندنا قرص فيه كل هذه الكتب، ومضبوطة بالشكل، تختار الحرف، تكبره، تصغره، وفيه200 حرف، تختار الألوان، كله باختيارك، شيء لا يصدق، فكل إنسان ولد في عصر، لذلك مثلاً هناك نص قبل خمسين سنة لأحد الأدباء، قال :
يا ليت آباءنا استغنوا عن التــجارة وعن ذل البيع والشـــراء، وعن ترويج السعلة بالأقسام والأيمان فما العيش إلا عيش الموظفين.
قبل خمسين سنة كان الموظف أغنى إنسان، والتجارة كلها ذل وهوان، الآن هناك فتوى ببلد عربي أنه تجوز الزكاة على كل الموظفين عدا الوزراء فقط، اختلف الوضع اختلافاً كلياً ، يعني تصور أن رسالة من الشام إلى البصرة، أو من المدينة إلى البصرة تحتاج شهراً، الآن تخاطب العالم كله بأقل من ثانية، هناك تطور غريب، وكل عصر له سلبياته وإيجابياته .
إذاً أنت مسير في كونك ذكراً أو أنثى، مسير في أمك وأبيك، مسير في عصرك أحدهم ولد في الشام، وأحدهم ولد في بلد غارق في الانحلال والإباحية، هناك فرق كبير جداً .
أنت مُسير في قدراتك العامة، هناك إنسان وسيم، وإنسان غير وسيم، هناك إنسان عنده اتقاد ذهني كبير جداً، وهناك إنسان أقل اتقادًا .
مرة حدثنا داعية توفي ـ رحمه الله ـ يلقي درساً بالجامع، ألقى درسًا، وصلى العشاء، قال: إن هناك فساداً عريضاً في البلد، تأتي البنت الساعة الواحدة ليلاً، أين كانت؟ عند الحبيب، الكل صلى على الحبيب، قاموا ليصلوا قرأ آية كريمة :
﴿ قَالَ فَعَلْتُهَا إِذاً وَأَنَا مِنَ الضَّالِّينَ(20) ﴾
فالجميع قالوا : آمين بعدها .
الجوانب المسير فيها الإنسان هي أكملُ شيء :
فلذلك قضية أنت مسير في كونك ذكراً أو أنثى، مسير في أمك وأبيك، مسير في مدينتك، وفي زمن ولادتك، مسير في قدراتك العامة، لكن يجب أن تعلموا علم اليقين أن هذا الذي سيرك الله به ليس في إمكانك أبدع مما أعطاك، هو أكمل شيء لك، وسره ادُّخر ليوم القيامة، يكشف الله لك عن سره يجب أن تذوب محبة لهأ عز وجل، يجب أن تذوب محبة لهه على أنه أقامك بهذا الوضع، بهذا الشكل، بهذه القدرات، بهذه الوسامة، بهؤلاء الأهل، بهذه المدينة، إنسان يأتي من أب فقير جداً يشتهي أن يأكل.
مرة في بعض الأحياء الفقيرة شاهدت طفلا أتى بعلبة سردين، وثقبها، وربطها بخيط، وملأها تراباً، وجعلها سيارة، طفل آخر ريمونت كونترول وألعاب، وكمبيوترات، وغرفة خاصة له، هذا غير هذا، لكن لأن الدنيا مؤقتة، والآخرة دار جزاء.
فالبطولة أن تقف الموقف الكامل من أي شيء اختاره الله لك، يعني لو أن اثنين، أحدهم يتمنى أن يأكل لقمة لحم في الشهر، لا يوجد، والثاني تُخم من اللحم، وماتا، لو أن الفقير نجح بامتحان الفقر، فكان أديباً وصابراً، وعفيفاً، ومتجملاً، وعزيز النفس، مع أن دخله قليل جداً، والغني كِبر، وغطرسة، واستعلاء، وارتكاب للمعاصي والآثام، لو أن الاثنين عاشوا ستين سنة، أو ثمانين سنة، وماتوا، الآن هناك أبد إلى ما لا نهاية، تقول: مليار مليار، مليار، مليار ليوم القيامة، الأبد أطول، فإذا خسر أحدهم الثمانين سنة، وربح الأبد ألا يكون أكبر رابح؟ والذي ربح الثمانين سنة، وخسر الأبد يكون أكبر خاسر .
﴿ فَاعْبُدُوا مَا شِئْتُم مِّن دُونِهِ ۗ قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ
يعني أكبر خسارة أن تخسر الآخرة، لذلك لما يسوق الله للإنسان الشدائد من أجل أن يتوب، ويتوب، ويأتيه ملك الموت، ويرى مكانه في الجنة، قال يعرق عرق الخجل من الله عزوجل .
وبعضهم قال: يصيح صيحة ويقول: لم أرَ شراً قط، ينسى كل الخير، وإذا غرق الإنسان- والعياذ بالله - في نعيم الدنيا، ثم جاءه ملك الموت كيف يكون ؟
أحد الطغاة ببلد إسلامي بالشمال قبل يومين من وفاته يقول: حريق، أين مدير الإطفاء؟ ويسبه، عاش ثلاثة أيام في جو الحريق .
لذلك البطولة في النهاية، والبطولة بالخاتمة، والبطولة بالعاقبة، والبطولة بعد الموت، والغنى والفقر بعد العرض على الله، والوسامة والدمامة بعد العرض على الله، إذا كانت المرأة جميلة، وتفلتت، وعرضت مفاتنها على الناس، ولم تعبأ لا بدين، ولا بقيمة، وامرأة جمالها دون الوسط، لكنها مطيعة لله، هذه تكون يوم القيامة ملكة من ملكات الجمال في الآخرة، لأن ثمة تسوية حسابات .
هذه الدنيا فانية : " وتغر ، تضر ، وتمر " .
هذا المثل ضربته لكم كثيراً :
أعرف رجلاً توفي ـ رحمه الله ـ كان يعمل موظفًا بسيطاً جداً، وهو شاب في محل بالحمدية، وكان ذا دعابة، فكان يكنس المحل، يضع في علبة أنيقة القمامة يغلفها بغلاف هدايا فخم جداً، وشريط أحمر مع عقدة مكسرة أيضاً، ويضعها على الرصيف، يأتي إنسان ساذج يظنها علبة ماس، يحملها ويركض، هو لحق به، بعد 200 متر يفتح الشريط، 200 ثانية يفتح الغلاف، 200 ثالثة يفتح العلبة، تخرج قمامة المحل، يسب، ويقول كلاماً سيئاً جداً، هكذا الدنيا تغر، وتضر، وتمر .
﴿ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي(24) ﴾
ما من واحد ما دخل بيتاً فخماً جداً من بيوت دمشق، وصاحبه توفاه الله، أنت وازن هذا الجبصين، والرخام الأونكس، والثريات، وصاحبه بباب صغير، الذي مات، هو الذي نقى هذه الأشياء كلها من اختيار، ظل شهراً يختارها، الجبصين وغيره، أحضر الكتالوكات واختار، أين هو الآن؟ في باب الصغير. هذا واقع يا إخوان، هل هناك شيء بعيد عن الواقع أقوله! الدنيا تغر، وتضر، وتمر .
لذلك :
﴿سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلَا آبَاؤُنَا وَلَا حَرَّمْنَا مِنْ شَيْءٍ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ حَتَّى ذَاقُوا بَأْسَنَا قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَخْرُصُونَ﴾
إخواننا الكرام، أوضح مثل تعرفونه كثيراً، وذكرته كثيراً :
إن إنساناً جاء لسيدنا عمر، وهو شارب خمر، قال: أقيموا عليه الحد، قال له: والله يا أمير المؤمنين إن الله قدر عليّ ذلك، الله قدر عليك؟! الآن العوام يقولون: طاسات معدودة، بأماكن محدودة، هذه آية أم حديث؟ كلام لا معنى له إطلاقاً، فقال سيدنا عمر: أقيموا عليه الحد مرتين، مرة لأنه شرب الخمر، ومرة لأنه افترى على الله، قال له: ويحك يا هذا إن قضاء الله لم يخرجك من الاختيار إلى الاضطرار .
بين الآيات المحكمات والمتشابهات :
إخواننا الكرام، هناك قضية أصولية دقيقة، الآيات المحكمات، وهذه محكمة ما معنى مُحكَمة ؟ يعني لها معنى واحد، لا يختلف على معناها اثنان، لا تحتاج إلى تفسير ولا إلى زمخشري، ولا إلى قرطبي، ولا تحتاج إلى خلاف بين العلماء، ولا بين الفقهاء قضية محكمة، يعني لها معنى واحد، لا يختلف عليه اثنان، الآية المتشابهة :
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُّضَاعَفَةً
التحريم على الأضعاف المضاعفة أم على النسب القليلة؟ هذه آية متشابهة، هناك آيات متشابهة كثيرة، العلماء قالوا: الآيات المتشابهة مهما كثرت تُحمَل على الآيات المحكمة مهما قلّت، كيف ؟ لو أن هناك مئة آية من نوع :
﴿ أَفَمَن زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَنًا ۖ فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي مَن يَشَاءُ
يعني آية يُشتبه عليك معناها، لعل الله أضله؟ أما من يشاء الإنسان يضله الله ؟ تحتمل هكذا وهكذا، الآيات المتشابهات مهما كثرت تُحمل على الآيات المحكمات مهما قلّت .
مثلا: القمح مادة خطيرة في حياة الإنسان، افتح المعجم " خطيرة " ، تعني قنبلة؟ لغماً؟ أم أنه مادة أساسية في حياتنا، كلمة متشابهة، خطيرة كلمة متشابهة، بعد قليل قلت: القمح مادة أساسية، ما معنى خطيرة إذاً ؟ أساسية .
فلو عندنا مئة آية متشابهة وآية واحدة محكمة، الآيات المتشابهات مهما كثرت تُحمَل على الآيات المحكمات مهما قلت، وهذه الآية محكمة في نفي الجبر :
وجه الإعجاز العلمي في الآية :
﴿سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلَا آبَاؤُنَا وَلَا حَرَّمْنَا مِنْ شَيْءٍ﴾
رجل سفيه قلنا له: أنت سفيه، وسوف تقول هذا الكلام، بلغناه: أنت رجل سفيه، وستقول كذا وكذا، لو كان عنده ذرة ذكاء ماذا يفعل ؟ لا يتكلم، ظهر أن كلامنا غير صحيح، أليس كذلك ؟
﴿ سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنَ النَّاسِ مَا وَلَّاهُمْ عَن قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا
إن الله تعالى إذا أحب إنفاذ أمر سلب كل ذي لب لبه :
والآية نزلت، وقُرئت، وعُممت، والسفهاء الذي قاله الله في حقهم قالوه، لو سكتوا لأبطلوا القرآن، ، لكن لو أن رجلا يتمتع بذكاء عال جداً، وحكمة عالية جداً، وهو يؤذي الناس، كيف يعاقبه الله؟ يأخذ حكمته مؤقتاً، يأخذ ذكاءه، ويرتكب حماقة ما بعدها حماقة .
يعني مع الله ليس هناك ذكي، أحيانا يكون الإنسان بأعلى درجة من الذكاء، يرتكب حماقة لا يفعلها مجنون ، ما من إنسان مقطوع عن الله إلا ويُلهم الحماقة من أجل أن أطمئنكم، وهذه الحكمة من صفات المؤمنين .
﴿ يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَن يَشَاءُ ۚ وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا
تأكد أنه مستحيل أن تكون مقطوعاً عن الله إلا وترتكب حماقة يترفع عنها المجنون .
﴿ هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِن دِيَارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ ۚ مَا ظَنَنتُمْ أَن يَخْرُجُوا ۖ وَظَنُّوا أَنَّهُم مَّانِعَتُهُمْ حُصُونُهُم مِّنَ اللَّهِ فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا ۖ وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ ۚ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُم بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ
دائماً حينما يعتد القوي بقوته، وينسى ربه يكون غروره طريق إلى دماره، والضعيف حينما يتجه إلى الله يلهمه الله الحكمة، والموقف السليم، بحيث يصبح قوياً بعد ذلك، يعني القوة فيها بذور الضعف، والضعف فيه بذور القوة .
إذاً: ﴿سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا﴾
﴿ تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ(1) مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ(2) سَيَصْلَى نَاراً ذَاتَ لَهَبٍ(3) وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ(4) فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ(5) ﴾
والآية بلغت أبا لهب، لو ذهب إلى النبي، وقال: أشهد أن لا إله إلا الله، وأنك رسول الله نفاقاً، أبطل السورة كلها، إن أعطاك حرية الاختيار في أية ثانية يأخذ منك هذه الحرية، ومع الله لا ينفع الذكاء.
(( وَلا يَنْفَعُ ذَا الجَدّ مِنكَ الجَدُّ ))
الجد هو العقل والذكاء والحظ، الذكي والعاقل مع الله لا يجديه عقله، بل تجديه استقامته فقط.
لذلك قالوا: ما كل ذكي بعاقل، الذكي معه اختصاص نادر، يحتاج إلى طاقات فكرية عالية جداً، لكن لأنه لا يعرف الله ولا يصلي، وما فكر فيما بعد الموت يعد مجنوناً، لذلك المجنون من عصا الله.
﴿سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا﴾
﴿سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا﴾
﴿وَلَا آبَاؤُنَا وَلَا حَرَّمْنَا مِنْ شَيْءٍ﴾
﴿كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ حَتَّى ذَاقُوا بَأْسَنَا﴾
﴿سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلَا آبَاؤُنَا وَلَا حَرَّمْنَا مِنْ شَيْءٍ﴾
كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ حَتَّى ذَاقُوا بَأْسَنَا
﴿كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ حَتَّى ذَاقُوا بَأْسَنَا قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ﴾
يقولون هذا عندنا ليس جائز فمن أنتمُ حتى يكون لكم عندُ ؟
***
أنت مشرع ؟ أنت إنسان، أنت مشرع ؟ أنت نبي؟ لذلك من علامات آخر الزمان :
(( يا أبا ثَعلبةَ كيف تقولُ في هذهِ الآيةِ عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ قال : أمَّا واللهِ لقد سَألتَ عنها خبيرًا ، سألتُ عنها رسولَ اللهِ ؟ فقالَ : ( بلِ ) ائتَمِروا بالمَعروفِ ، وتَناهوا عن المنكَرِ ، حتَّى إذا رأيتَ شُحًّا مُطاعًا ، وهوًى مُتَّبعًا ، ودُنيا مؤثَرةً ، وإعجابَ كلِّ ذي رأيٍ بِرَأيِه ، فعَليكَ بنَفسِك ، ودَعْ عنكَ العوامَّ ))
الشح المطاع الماديّة المقيتة، إن أنفق المال أنفقه إسرافاً وتبذيراً، وإن منعه منعه بخلاً وتقتيراً
(وَهَوًى مُتّبَعاً)
نحن في زمن صعب، فيه أهواء، وضلالات ، وفسق، وفجور، وكذب ، وضلالات كبيرة جداً .
قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَخْرُصُون
﴿قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَخْرُصُون﴾
لآن هناك صرعة جديدة، أنه سعادتك مربوطة بحروف اسمك؟ الدين لا علاقة له، استقامتك، طهرك، عفافك، ورعك، لا قيمة لها، عندك ثلاثة حروف فيها شقاء، وهذه خاصة بالزواج ، يرى حروف خطيبته وحروفه، إذا ما اتفقوا لا يتزوجها، صاحبة دين، محجبة ، حافظة للقرآن ، ما لها قيمة، لا سعادة معها، حروف اسمها لا تتناسب مع حروف اسمه، دورات، كلام دجل بدجل بكذب بافتراء، لا أساس له من الصحة، عصر ضلالات .
﴿قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَخْرُصُونَ ﴾
﴿ قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ فَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ(149) ﴾
فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ
إخوانا الكرام، الله عز وجل حجته بالغة، والمؤمن معه حجة بالغة :
﴿ وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَىٰ قَوْمِهِ ۚ
والمؤمن له من هذه الآية نصيب، معه حجة قوية .
﴿قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ فَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ﴾
معنى : فَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ
الآن: لو أن الله عز وجل أرادك أن تكون مسيراً كبقية المخلوقات، الكون كله مسير إلا الإنس والجن، الكون كله الجماد، والحيوان، والنبات، والمَلَك مسير، غير مكلف، غير معاتب، غير محاسب، ما عنده جنة و نار إلا الإنس والجن، أودع فيهم الشهوات، أعطاهم حرية الاختيار، أعطاهم عقلاً وفطرة ومنهجاً، هم أخطؤوا، يا عبادي لو أردتكم أن تؤمنوا إيماناً قسرياً لهديتكم جميعاً.
الآن إذا أحب رئيس الجامعة أن ينجح كل الطلاب يعطي أمراً: اطبعوا على الأوراق الإجابة التامة، طُبعت بحروف المطبعة، وضعوا مئة على مئة بالأحمر، واكتب اسمك، واطلع، ألا يستطيع رئيس الجامعة أن ينجّح جميع الطلاب، إذا أعطاهم أوراقاً طُبع عليها الإجابة التامة، والعلامة مئة بالمئة ، طبعاً لكن هذا النجاح ما قيمته؟ لا قيمة له إطلاقاً، لا عند صاحبه، ولا عند المجتمع، ولا عند الجامعة.
أيها الإخوة، الإنسان هو المخلوق الأول، لأن الله كرمه بحرية الاختيار، والله عز وجل لا يريدنا أن نقبل عليه قسراً، نريد أن نأتيه طائعين مختارين، بمبادرة منا، لذلك: ﴿فَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ﴾ الهدى القسري لا يسعدنا .
لماذا كان الأنبياء ضعفاء ؟
لو أن إنساناً معه مسدس، قال لرجل: هات هذه الحاجة أو أقتلك، يعطيه إياها، لما قدم له هذه الحاجة أو القطعة هل يشعر الذي هُدد أنه قدم عملاً طيبًا؟ هو مقهور، هل يرقى بهذا العمل ؟ إطلاقاً، يمتلئ حقداً أساساً، أما حينما يأتي إنسان ، ويقدم لك شيئاً لوجه الله يتألق عند الله، يعني أنت لا ترقى إلا إذا كنت مخيراً، لا ترقى إلا إذا جئت طائعاً، لا ترقى إلا إذا جئت بمبادرة منك، لا ترقى إلا إذا كنت عن حب .
مثلاً: لماذا الأنبياء ما كانوا أقوياء؟ مثلاً ، الآن هناك أقوياء يعطون توجيهًا تجد مئة مليون نفذوا الأمر، لماذا كان النبي ضعيفًا؟ وقد رأى أحد أصحابه يُعذب أمامه فلم يستطيع أن يفعل له شيئاً ،
(( أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللَّهُ عليْهِ وسلَّمَ مرَّ بآلِ عمَّارٍ وَهم يعذَّبونَ فقالَ: أبشِروا آلَ عمَّارٍ فإنَّ موعدَكمُ الجنَّةُ ))
والنبي تخفى بغار ثور، وهاجر خفية، ودمه مهدور، لماذا كان النبي ضعيفاً؟ ضعيف لأن ما عنده شيء يعطيه، ولا يُخيف، لو كان قوياً هل تستطيع أن تقول عنه: مجنون وتنام في بيتك مطمئناً، وقلت عنه: مجنون، وكاهن، وساحر، هل تستطيع أن تقول عن قوي: مجنون، وتنام في بيتك؟ لا تستطيع، لماذا كان النبي ضعيفاً؟ حتى يكون الإيمان به عظيماً كثيراً، لا هناك مغانم، ولا هناك تهديدات، لذلك الإيمان بالنبي له أعلى قيمة، ما عنده شيء يعطينا إياه .
﴿ قُل لَّا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلَا ضَرًّا
لا أعلم الغيب .
﴿ قُلْ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ(13) ﴾
هذه البطولة، إنسان معه مبدأ، معه حق، ضعيف، محارب، مضطهد، خائف .
(( لقد أوذيت في الله وما يؤذى أحد ، وأخفت في الله وما يخاف أحد ، ولقد أتت علي ثلاثون من بين يوم وليلة وما لي ولبلال طعام يأكله ذو كبد إلا شيء يواريه إبط بلال. ))
المطلوب الهدى الطوعي لا الهدى القسري :
ما عنده شيء، كان إذا أراد أن يصلي الليل لا تتسع غرفته لنوم زوجته وصلاته، لا تكفي، الآن يقول لك 480 متر، وإطلالة، لا تتسع غرفته، وهو سيد الخلق لصلاته ونوم زوجته، ضعيف، لكن الإيمان به عظيم جداً، والآن إذا مشيت مستقيماً كل الناس ليسوا معك، معظم الناس ضدك أساساً، نحن عند أعدائنا إرهابيون، تحجّب زوجتك إرهابي، تصلي إرهابي، تطلق اللحية إرهابي، هل هذا الكلام صحيح؟ العالم كله يحارب الدين، هناك حرب عالمية ثالثة معلنة على الإسلام .
الآن إذا كان الشخص متدنياً لا مغانم إطلاقاً، بالعكس، الحياة كلها تصبح مغارم، ليست مغانم، لكن البطولة الآن، أنت مع الحق، لا تعبأ بالدنيا كلها، يعني ترون العالم كله منحازًا للباطل، يعني أوضح مثل ما يجري في فلسطين، يريدون ديمقراطية، هذه ديمقراطية، يريدون انتخابات مع إشراف من قبلهم، هذه إشراف من قبلهم، نجحت فئة تؤمن بالله، العالم كله يحاربها، أي بنك يحول لها يحاربونه، الآن هناك أزمة تحويل، ما في، شخص معه القليل من اليورو مسكوه على الحدود وأخذوه، العالم كله ضد الدين، لذلك الإيمان الآن غالٍ جداً، لا تنتظر مغنمًا، وبالعكس عليك مغارم كثيرة، لكن الله مع المؤمنين، إذا كان الله معك فمن عليك ؟ وإذا كان عليك فمن معك؟ لذلك: ﴿فَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ﴾
الهدى القسري سهل جداً على الله عز وجل، الله يريدنا أن نأتيه مختارين طائعين، يريد أن نحبه، لا أن ننصاع قسراً له، لذلك أعطانا حرية الاختيار، وقال :
﴿ لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ
الآن الإنسان يكفر، ويشتم الإله أحياناً، وجسمه تمام صحيح، مع أن الله عز وجل قادر بكن أن يصبح جثة هامدة بكلمة، نحن تحت رحمة الله كلنا، لذلك الإيمان الآن ثمين جداً، أنت تؤمن من غير مغانم أبداً، بل هناك مغارم، معنى ذلك أن الإيمان يرقى بك إلى أعلى عليين .
هذه معنى الآية :
﴿قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ فَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ﴾
الملف مدقق
والحمد لله رب العالمين