وضع داكن
19-04-2024
Logo
الدرس : 11 - سورة الأنفال - تفسير الآيات 30 - 35 ، مكر الله ردّ على كيد ومكر الكفار ـ ما دمنا نتبع سنة نبينا فلن يعذبنا ربنا
رابط إضافي لمشاهدة الفيديو اضغط هنا
×
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين ، وعلى صحابته الغر الميامين ، أمناء دعوته ، وقادة ألويته  ، وارضَ عنا وعنهم يا رب العالمين ، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم ، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات .

 

اجتماع قريش في دار الندوة للتشاور في مصالحها :


أيها الأخوة الأكارم ؛ لا زلنا في سورة الأنفال ومع الآية الثلاثين وهي قوله تعالى :

﴿ وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ ﴾ 

أولاً بعد أن بيّن الله نعمه على المؤمنين ، بيّن بعد ذلك نعمته الخاصة على رسوله الكريم ، وكيف أن قريشاً اجتمعت في دار الندوة ، وهي الدار التي بناها قصي بن كلاب لتكون مكاناً للتشاور في مصالح قريش ، وأن هؤلاء الصناديد صناديد الكفر اجتمعوا في دار الندوة ، وتداولوا أمر النبي عليه الصلاة والسلام ، واقترح بعضهم أن يوضع في غرفة ، وأن يقيد ، وأن تبقى كوة لهذه الغرفة يلقى من خلالها بطعامه وشرابه إلى أن يموت ، هذا اقتراح أحد صناديد قريش ، لكن بعضهم قال له : إن قومه سوف يأتون ، وسوف يحاربونكم ، فهذا ليس برأي .

فاقترح آخر بأن يدفع بناقته إلى خارج هذه البلاد كلها ، ويستراح منه ، فقال قائل آخر : لعله ينقل هذه الرسالة إلى قوم آخرين ، فيأتون بعد حين فيحاربونكم ، لكن أحدهم وهو أخبثهم اقترح أن يؤخذ من كل قبيلة فتىً ، ومعه سيف ، فيشتركون جميعاً في قتل النبي عليه الصلاة والسلام حتى تضيع دماؤه بين كل القبائل ، وعندئذٍ ينتهي هذا الإنسان الذي أقلق عليهم مصالحهم في قريش ، هذا الرأي كان هو المعتمد ، واعتمدوه كرأي صائب ، أن توزع دماؤه بين كل القبائل فإن طلبوا دية دفعوها جميعاً واستراحوا منه .

 

إخبار الله عز وجل نبيه بما تآمر عليه أهل قريش :


أيها الأخوة ، ورد في السيرة بشكل خاص أن الله سبحانه وتعالى أخبر نبيه بما تآمر عليه أهل قريش ، فالقصة معروفة أمسك قبضة من تراب ، ورماها بهؤلاء الذين يحرسون بيته تمهيداً لقتله ، فشاهت وجوههم ، وخرج إلى بيت أبي بكر ، ومن بيت أبي بكر إلى غار ثور ، الذي حصل أنه أبقى ابن عمه وقد أمره أن يرتدي برده - ثوبه - وأن يسجى على سريره ، هم توهموا أن النبي في البيت ، تابعوا حراسته تمهيداً لقتله ، فلما دخلوا عليه ليقتلوه وجدوا علياً مكانه ، أين محمد ؟ قال : لا أدري ، سيدنا محمد كان قد ذهب إلى بيت أبي بكر ، ومن بيت أبي بكر إلى غار ثور ، تتبعوا الأثر وصلوا إلى غار ثور ، رأوا العنكبوت في مدخل هذا الغار فقال قائلهم : مستحيل أن يكون في داخل هذا الغار ، وخيوط العنكبوت قديمة ! فانصرفوا ، وتابع النبي هجرته إلى المدينة المنورة ، قال تعالى : ﴿ وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا ﴾   المكر تدبير من ضعيف ، تدبير محكم ، تدبير غير معلن ، تدبير سري .

 

المكر الذي نُسب إلى الذات العلية ليس مكراً لكنه مكر مشاكلة :


﴿ وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ ﴾ ليجمد في غرفة ، ويقيد ، ويلقى إليه طعامه وشرابه إلى أن يموت ، ﴿أَوْ يَقْتُلُوكَ﴾ بضربة من سيوف عدة يضيع الدم فيها بين كل القبائل . ﴿ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ ﴾ هذا المكر الذي نُسب إلى الذات العلية ليس مكراً ، لكنه مكر كما يقولون علماء البلاغة مكر مشاكلة ، الله لا يمكر ، وليس من أسمائه أنه ماكر ، لكن ردّ الله على مكرهم بتدبير أنقذ به نبيه ، ﴿ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ ﴾ أي إله عظيم بيده كل شيء ، بالتعبير المعاصر الخيارات لا تعد ولا تحصى ، فإما أن ينصرك ، أو أن يضعف خصمك ، أو أن يوهم خصمك أنك قوي ، أو أن يعتم عليك ، الخيارات التي بيد الله عز وجل لهذا الإنسان لا تعد ولا تحصى ، أحياناً يسمح لقومك أن يلقوك في النار .

﴿  قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْداً وَسَلَاماً عَلَى إِبْرَاهِيمَ (69) ﴾

[  سورة الأنبياء  ]

تصور إنساناً مع الله ، عدوك بيده ، القوي بيده ، الصحة يده ، المال بيده  ، التفكير بيده ، العقل بيده ، إذا كنت مع الله فمن عليك ؟ إذا كان الله معك فمن عليك ؟ والله الآن قوى الشر ، قوى البغي ، قوى العدوان ، أسلحة فتاكة ، قنابل ذرية ، أقمار صناعية ، ثلاثون دولة حديثة ، طائرات من أعلى مستوى تنطلق من البلاد البعيدة في آخر بلاد الدنيا ، وتتجه إلى شرق الدنيا ، وتقصف وتعود دون أن تحتاج إلى التزود بالوقود ، طيران ، وصواريخ ، وقنابل نووية ، وأقمار صناعية ، ومراقبة دقيقة جداً ، الأقمار تراقب الأرض .

مرة وقعت تحت يدي مجلة ألمانية ، فإذا فيها تحقيق عن الأقمار الصناعية ، الأرض بأكملها بصورة واحدة ، كما ترونها في بعض الصور العلمية ، الأرض بأكملها من القمر الصناعي ، على الأرض مربع صغير جداً كبر في الصورة الثانية فإذا أمريكا الشمالية ، على هذه الخارطة مربع صغير جداً كُبر في الصورة الثالثة فإذا هي فلوريدا ، على فلوريدا مربع صغير جداً كُبر في الصورة الرابعة فإذا هو ساحل بحر في فلوريدا ، عليه مربع صغير كُبر في الصورة الخامسة فإذا حقل أخضر مضطجع عليه شخص يقرأ كتاباً يمكن أن تقرأ عنوان الكتاب من القمر ، وبيده ساعة ، وإلى جانبه صحن فيه تفاحات ثلاثة ، هذه من القمر ، أحياناً يقول لك : ممنوع التصوير مثلاً .

 

التقدم الذي أحرزه الغرب يفوق حدّ الخيال :


التقدم الذي أحرزه الغرب يفوق حدّ الخيال ، كل أقمارهم ، وتجسسهم ، وأسلحتهم ، وقنابلهم ، تارةً القنبلة الذكية ، والقنبلة العنقودية ، والقنبلة الانشطارية ، والحارقة والخارقة  ، وقنبلة الليزر ، والشيء الحديث عن الوسائل الحديثة في التدمير يفوق حدّ الخيال ، أي قصف قصر في العراق في غرفة النوم من إيطاليا ، تصور صاروخاً يخرج من إيطاليا ليصل إلى غرفة النوم بالذات ، تقدم الغرب مذهل ، الله عز وجل قال :

﴿  وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِنْدَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ (46)﴾

[  سورة إبراهيم  ]

بربكم هل بإمكان دول الأرض مجتمعة أن تنقل هذا الجبل الصغير المتواضع جبل قاسيون إلى درعا ؟ دول الأرض مجتمعة ، الله عز وجل أثبت في القرآن الكريم أن مكرهم يزيل الجبال ، ﴿ وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِنْدَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ ﴾ .


  من كان مع الله ربح الدنيا والآخرة معاً :


لكنك إذا كنت مع الله كنت أقوى منهم ، إذا كان الله معك فمن عليك ؟ وإذا كان عليك فمن معك ؟ الدليل ، يقول الله عز وجل صدقوا ولا أبالغ هذه الآية تحل بها مشكلات العالم الإسلامي بأكمله  .

﴿ إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِهَا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ (120) ﴾

[ سورة آل عمران  ]

بحاملات طائراتهم ، حاملة الطائرات مدينة ، بطوابق ، مئة طائرة مخزنة في جوف الحاملة ، مدينة بأكملها ، ثمنها يقترب من ثمن مدينة ، حاملات الطائرات ، والصواريخ العابرة للقارات ، والأقمار الصناعية ، والأموال الطائلة ، والدول الحليفة ، ﴿ وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِنْدَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ ﴾ ، ﴿ وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً ﴾ لأنك مع الله ، وهم في قبضته ، من هو العاقل ؟ من هو الذكي ؟ من هو الموفق ؟ من هو السعيد ؟ من هو الذي حقق الهدف من وجوده ؟ من هو الذي ربح الدنيا والآخرة معاً ؟ المؤمن ، لأنه كان مع الله :

كن مـع الله تر الله معك        واترك الكل وحاذر طمـعــــــــك

وإذا أعطاك من يمـنـــعه         ثم من يعطـي إذا ما منعك؟

* * *

 

الله تعالى لا يمكر لكنه يكيد كرد على كيد الكفار ويدبر تدبيراً حكيماً لينتقم منهم :


الآية الكريمة : ﴿ وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ ﴾  ، الله لا يمكر ، لكن هذا مكر مشاكلة .

للتوضيح : سُئل أحدهم أنطبخ لك طعاماً ؟ هو بحاجة إلى ثياب ، قال : اطبخوا لي جبة وقميصاً ، قالوا : أنطبخ ؟ قال : اطبخوا لي جبة وقميصاً ، هذا اسمه باللغة : مشاكلة ، فالله عز وجل لا يمكر ، وليس ماكراً ، وليس من أسمائه أنه ماكر ، ولا يكيد ، وليس كائداً ، وليس من أسمائه أنه كائد ، لكنه يكيد كرد على كيد الكفار ، أي يدبر تدبيراً حكيماً ، يقمعهم ، وينتقم منهم ، ويكف أذاهم عن المؤمنين ، ﴿ وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ ﴾ .

أيها الأخوة ؛ التاريخ بين أيديكم ، هؤلاء القرشيون ، الأقوياء ، الأغنياء ، الصناديد ، الشجعان ، قمم المجتمع القرشي ، هؤلاء عارضوا النبي عليه الصلاة والسلام ، وكذبوه ، وائتمروا على قتله ، أو على حبسه ، أو على إخراجه ، أين هم الآن ؟ هم الآن في مزبلة التاريخ ، وأين هؤلاء الصحابة الصغار الشباب الضعاف ؟ هم في لوحة الشرف ، تقف أمام سيدنا الصديق تسلم عليه ، تقف أمام سيدنا عمر في مقامه في المدينة تسلم عليه ، تقف أمامهما بأدب جم ، هؤلاء الذين نصروا النبي ، رفع الله ذكرهم . 

 

كل صفة يتصف بها النبي الكريم لكل مؤمن منها نصيب :


بالمناسبة قال تعالى :

﴿ أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ (1) وَوَضَعْنَا عَنْكَ وِزْرَكَ (2) الَّذِي أَنْقَضَ ظَهْرَكَ (3) وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ (4)﴾

[  سورة الشرح  ]

وكل صفة يتصف بها النبي لكل مؤمن منها نصيب .

أنا أقول لكم جميعاً : لا يوجد إنسان من الأخوة الكرام الحاضرين إذا أخلص لله ، وأقبل عليه ، واستقام على أمره ، واصطلح معه ، لا بد من أن يرفع الله له ذكره ، ويعلي قدره ، هذا أبداً قانون .

يا سعد ! لا يغرنك أنه قد قيل خال رسول ، فالخلق كلهم عند الله سواسية ليس بينه وبينهم قرابة إلا طاعتهم له . . 

﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (13)﴾

[ سورة الحجرات  ]

 

الناس على اختلاف مللهم ونحلهم وانتماءاتهم لا يزيدون عن رجلين :


﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (13)﴾

[ سورة الحجرات  ]

هذه الحقيقة ، هذا كلام مطمئن ، نحن جميعاً على اختلاف مللنا ، ونحلنا  ، وانتماءاتنا ، وأعراقنا ، وأنسابنا ، ومذاهبنا ، وطوائفنا أضف إلى هذه المصطلحات ما شئت  ، نحن عند الله أحد رجلين ، رجل عرف الله ، فانضبط بمنهجه ، وأحسن إلى خلقه ، فسلم ، وسعد في الدنيا والآخرة ، رجل آخر غفل عن الله ، وتفلت من منهجه ، وأساء إلى خلقه ، فشقي وهلك في الدنيا والآخرة ، ولن تجد نموذجاً ثالثاً .

﴿ فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى (5) وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى (6)﴾

[ سورة الليل  ]

صدق أنه مخلوق للجنة فاتقى أن يعصي الله ، بنى حياته على العطاء .

﴿ فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى (7)﴾

[ سورة الليل  ]

﴿ وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى (8) وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى (9)﴾

[ سورة الليل  ]

كذب بالآخرة ، آمن بالدنيا ، استغنى عن طاعة الله ، بنى حياته على الأخذ ﴿ فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى ﴾ هذان النموذجان في حياة أهل الأرض ، ولن تجد نموذجاً ثالثاً ، وكل التقسيمات الأرضية دول الشمال ، دول الجنوب ، العرق الملون ، العرق الأبيض ، العرق الأصفر ، الشعوب السامية ، الأنغلوسكسون ، دول متخلفة ، دول نائمة ، دول نامية ، دول متقدمة ، دول صناعية ، كل هذه التقسيمات ما أنزل الله بها من سلطان : ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا﴾ والله هذه الآية يجب أن يضعها الإنسان في أي مكان في بيته ، ﴿ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ﴾ .

 

الأحمق هو من يريد إلغاء الدين والوقوف في خندق يعادي الحق من خلاله :


أيها الأخوة ؛ ﴿ وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ ﴾ ماذا أقول لكم ؟ مرة ضربت مثلاً : هذا الرسام الدانمركي الذي أراد بسذاجة وغباء بلا حدود أنه إذا شوه صورة النبي تهتز مكانته في العالم الإسلامي ، أنا خطر في بالي مثل أنه بسذاجة عجيبة أراد إطفاء الشمس ببصقة من فمه ، فتوجه نحوها ، وأطلق بصقة بكل عزمه فانطلقت مسافة تقدر بثلاثين سنتمتراً ثم عادت إلى وجهه ، وبين وجهه والشمس مئة وستة وخمسون مليون كيلو متر ، والشمس لسان اللهب منها يزيد عن مليون كيلو متر ، وحجم الشمس يزيد عن حجم الأرض بأكملها بمليون وثلاثمئة ألف مرة ، وحرارة الشمس في وسطها عشرون مليون درجة ، فهذا الإنسان الساذج أراد إطفاء الشمس ، والدليل يوجد آية قرآنية :

﴿ يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ (32)﴾

[ سورة التوبة ]

أحمق من الذي يريد أن يلغي الدين ، ليس هناك أحمق منه .

كنت مرة في قصر كبير جداً في بلد إسلامي ، قصر مذهل ، قاعة الاستقبال مساحتها تقدر بألفي متر مربع ، مزينة باثنين طن من الذهب ، من أجمل قصور العالم ، وجدت ساعة ثابتة على التاسعة وخمس دقائق ، سألت عن هذه الساعة لماذا لا تعمل ؟ قال : هي ثبتت يوم وفاة صاحب القصر هذا الطاغية ، الذي أراد إلغاء الإسلام كلياً ، منع الثياب الإسلامية ، منع الحرف العربية ، أراد أن يجعل من بلده بلداً غربياً إباحياً ، والله ذكرت كلمة ترنمت لها ، قلت : كم إنسان جاء إلى الأرض أراد إلغاء الإسلام يموت والإسلام باق ! والآن من فضل الله هذا البلد يتحرك نحو الإسلام حركة رائعة . 

﴿ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ ﴾ أحمق إنسان ، أغبى إنسان من وقف في خندق يعادي الحق من خلاله .


  الله جلّ جلاله مع الحق دائماً :


هل تعلم من مع الحق ؟ الله جلّ جلاله ، الآية الكريمة :

﴿ إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا وَإِنْ تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلَاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلَائِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ (4)﴾

[ سورة التحريم  ]

من أجل فتاتين ، امرأتين ، السيدة عائشة ، والسيدة حفصة . ﴿ إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا وَإِنْ تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلَاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلَائِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ ﴾ معنى الآية أي إذا فكرت أن تقف في خندق معادٍ للحق ، هل تعلم من هو الطرف الآخر ؟ 

 

من آمن بعد فوات الأوان خسر الدنيا والآخرة :


أيها الأخوة : ﴿ وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا قَالُوا قَدْ سَمِعْنَا لَوْ نَشَاءُ لَقُلْنَا مِثْلَ هَذَا إِنْ هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ ﴾ تأتي لإنسان بدليل قوي ، بآية كونية ، بآية قرآنية رائعة ، بإشارة دقيقة جداً ، بدليل ناصع ، يقول لك : هذا شيء أعرفه ، دائماً الطرف الآخر غير المؤمن يسخر ، يستهزئ ، لكن حينما يكتشف بعد فوات الأوان أنه كان يستهزئ بالحقيقة العظمى في الكون ، فرعون هو أكفر كفار الأرض ، فرعون الذي قال :

﴿ وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي فَأَوْقِدْ لِي يَا هَامَانُ عَلَى الطِّينِ فَاجْعَلْ لِي صَرْحًا لَعَلِّي أَطَّلِعُ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ مِنَ الْكَاذِبِينَ (38)﴾

[ سورة القصص  ]

فرعون الذي قال : 

﴿ فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى (24) ﴾

[  سورة النازعات  ]

فرعون وهو يغرق قال :

﴿ وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ بَغْيًا وَعَدْوًا حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ (90)﴾

[ سورة يونس ]

متى آمن ؟ بعد فوات الأوان .

 

خيار الإنسان مع الإيمان خيار وقت فقط :


لذلك أيها الأخوة ؛ استمعوا لهذه الحقيقة : أنت مخير ، ولك ملايين الخيارات في أي شيء عُرض عليك بيت رفضته ، صغير ، وغير مشمس ، وسعره مرتفع ، فتاة للزواج لم يعجبك شكلها ، ولا من حولها ، فرفضت الزواج ، لك أن ترفض مليون موضوع ، إلا أنك إذا رفضت الإيمان تحتقر نفسك .

﴿ وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ (130)﴾

[ سورة البقرة ]

وخيارك مع الإيمان خيار وقت فقط ، لأنه لا بدّ من أن تؤمن بعد فوات الأوان ، ولا قيمة لهذا الإيمان إطلاقاً :

﴿ آمَنْتُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ (90) آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ (91) ﴾

[ سورة يونس ]

فكل البطولة أن تؤمن قبل فوات الأوان ، أن تؤمن وأنت صحيح .

 

الحياة والصحة والحرية نعم ينبغي أن نستفيد منها في أمر ديننا لأنها لا تقدر بثمن :


ذكرت لكم كثيراً أن بعض الشيوخ يأخذون إخوانهم صبيحة يوم العيد إلى المقابر ليعرفوا قيمة الحياة ، أنت حيّ بإمكانك أن تتوب ، بإمكانك أن تنفق المال ، بإمكانك أن تلتمس ممن ظلمته عذراً ، بإمكانك أن تؤدي ما عليك من واجبات ، نعمة الحياة لا تعدلها نعمة ، فإذا جاء الأجل خُتم العمل ، وأُغلق باب التوبة ، فأنت حيّ ، هذه أول نعمة .

وفي اليوم التالي يأخذهم إلى المستشفيات ليعرفوا قيمة الصحة ، يوجد تشمع كبد ، يوجد فشل كلوي ، يوجد خثرة بالدماغ ، يوجد شلل ، هناك أمراض تهز الجبال ، أنت معافى ، الأجهزة سليمة ، الحواس سليمة ، صحتك طيبة ، هذه نعمة لا تعدلها نعمة .

في اليوم الثالث إلى السجون ليعرفوا نعمة الحرية ، أنت حر ، لست معتقلاً ، معتقل والحكم عشر سنوات ، اليوم لا يمضى معه ، أين ؟! أول أسبوع ، ثاني أسبوع ، ثالث أسبوع ، رابع أسبوع ، تمضي سنة يشعرها دهراً ، كيف ستمضي عشر سنوات ؟ فنعمة الحياة ، ونعمة الصحة ، ونعمة الحرية ، هذه نعم ينبغي أن نستفيد منها في أمر الدين ، لذلك قال تعالى : 

﴿ أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ (1) حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ (2) كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ (3) ثُمَّ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ (4) كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ (5) لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ (6) ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ الْيَقِينِ (7) ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ (8)﴾

[ سورة التكاثر ]

نعمة الصحة ، نعمة الأمن ، نعمة الفراغ ، نعمة المال ، معك مال ، عندك وقت فراغ لِمَ لم تطلب العلم ؟ عندك نعمة الأمن ، لِمَ لم تبادر إلى أعمال صالحة ؟ لذلك من أدق الأحاديث الشريفة : 

(( عن عبد الله بن عباس قال  : قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لرجلٍ وهو يَعِظُه  : اغتنِمْ خمسًا قبل خمسٍ  : شبابَك قبل هَرَمِك ، وصِحَّتَك قبل سَقَمِك ، وغناك قبل فقرِك ، وفراغَك قبل شُغلِك ، وحياتَك قبل موتِك ))

[ أخرجه المنذري الترغيب والترهيب إسناده صحيح أو حسن أو ما قاربهما  ]

 

الأحمق من يعاند الخالق ويتحداه :


﴿ وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا ﴾ الآيات الباهرة ، الآيات الكونية ، الآيات القرآنية ، التكوينية ، ﴿ وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا قَالُوا قَدْ سَمِعْنَا ﴾ يقول لك  : هذا شيء معروف . ﴿ لَوْ نَشَاءُ لَقُلْنَا مِثْلَ هَذَا إِنْ هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ ﴾ أي القصص الخيالية الخرافية ، التي سُطرت في كتب الأولين هذه مثلها ﴿ إِنْ هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ ﴾ بل بلغ عنادهم وتحديهم وكفرهم مبلغاً عجيباً : 

﴿ وَإِذْ قَالُوا اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ  ﴾

[ سورة الأنفال ]

إن كانت بعثة النبي حقاً ليعذبنا ربك .

﴿ تَرْمِيهِمْ بِحِجَارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ (4)﴾

[  سورة الفيل  ]

أو بأي عذاب أليم ، الإنسان متى يتحدى الخالق يكون أحمق حمقاً لا حدود له .

أيها الأخوة ، المؤمن أديب مع الله ، أديب أدباً جماً ، المؤمن مفتقر إلى فضل الله ، المؤمن تعيش معه ثلاثين سنة لا يتكلم كلمة واحدة لا ترضي الله عز وجل ، أدبه ، وسمته الحسن ، وتواضعه ، كلنا جميعاً نقول هذا ، الله جلّ جلاله ، جلّ وعز ، عز وجلّ ، هكذا المؤمن يعظم الله عز وجل .

 

اجتماع التعظيم والمحبة والخوف من الله في قلب المؤمن :


النقطة الدقيقة جداً :

﴿ وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ فَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيَهْ (25) وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيَهْ (26) يَا ‎لَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةَ (27) مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيَهْ (28) هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ (29) خُذُوهُ فَغُلُّوهُ (30) ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ (31) ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعًا فَاسْلُكُوهُ (32) إِنّهُ كَانَ لَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ (33)﴾

[ سورة الحاقة  ]

بالله ! إبليس آمن بالله ، قال :

﴿ قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (82)﴾

[ سورة ص  ]

خلقتني :

﴿ قَالَ أَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (14) ﴾

[  سورة الأعراف  ]

﴿ إِنّهُ كَانَ لَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ (33) ﴾

[ سورة الحاقة  ]

ما لم تؤمن بعظمة الله لن تستقيم على أمر الله ، قال :

(( يا رب أي عبادك أحب إليك حتى أحبه بحبك ؟ قال : أحب عبادي إليّ تقي القلب ، نقي اليدين ، لا يمشي إلى أحد بسوء ، أحبني ، وأحب من أحبني ، وحببني إلى خلقي ، قال : يا رب إنك تعلم أني أحبك ، وأحب من يحبك ، فكيف أحببك إلى خلقك ؟ قال : ذكرهم بآلائي ، ونعمائي ، وبلائي ، ذكرهم بآلائي كي يعظموني ، وذكرهم بنعمائي كي يحبوني ، وذكرهم ببلائي كي يخافوني  . ))

[ هذا الحديث لا يصح فيه إسحاق بن عبد الرحمن أبي فروة ، وهو متروك كما في التقريب وقد رواه عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس وروايته عنه منقطعة ومن ثم حكم عليه محقق الشعب بالانقطاع . ]

إذاً لا بدّ من أن يجتمع في قلب المؤمن تعظيم لله من خلال التفكر في آيات الله الكونية ، ولا بدّ من أن يكون في قلب المؤمن محبة لله بسبب نعمه التي لا تنتهي ، ولا بدّ من أن يكون في قلب المؤمن خوف من الله من خلال البلاء الذي لا ينتهي ، تعظيم ، محبة ، وخوف .

 

تطبيق سنة رسول الله تجعلنا في مأمن من عذاب الله :


ثم يقول الله عز وجل : 

﴿ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ ﴾

الحقيقة الآية في حياة النبي واضحة جداً ، ليس من المنطق ، وليس من المألوف أن النبي بين ظهراني أمته ويأتي العذاب الماحق ، هم في بحبوحة أن النبي بينهم ، لكن بعد انتقال النبي إلى الرفيق الأعلى ما معنى الآية ؟ دقق في المعنى الدقيق هو في الجواب للعالم الإسلامي لماذا يعذب المسلمين ؟ لماذا تحتل أراضيهم ؟ لماذا تنهب ثرواتهم ؟ لماذا يقتل أبناؤهم ؟ من الخمسينات إلى الآن كل سنتين أو ثلاث هناك حرب ، أبداً ، خمس دول إسلامية محتلة ، الثروات نهبت ، الأموال نهبت ، مواقع ، قواعد ، لماذا يا رب ؟! قال الله تعالى : ﴿ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ ﴾ من أدق معاني هذه الآية : يا محمد ما دامت سنتك مطبقة في حياتهم هم في مأمن من عذاب الله ، أي مستحيل وألف ألف ألف مستحيل أن نُعذب ونحن نُطبق سنة رسول الله ، مستحيل ! 

﴿ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ ﴾ هذه ﴿ وَمَا كَانَ اللَّهُ ﴾ أشد أنواع النفي في اللغة ، هذا اسمه : نفي الشأن ، قل لواحد : هل أنت جائع ؟ يقول لك : لا ، قل له : هل أنت سارق ؟ هذا وضع ثان ، ليس معقولاً أن يقول لك : لا ، يقول لك : ما كان لي أن أسرق ، بعض النحاة عدوا أكثر من عشرين فعلاً ينفى بهذه الصيغة ، لا أسرق ، ولا أرغب ، ولا أتمنى ، ولا أقبل ، ولا أبارك ، ولا أرضى ، ولا أدعم ، مستحيل ! ما كان لي أن أسرق ، هذا أشد أنواع النفي ، والله عز وجل يقول : ﴿ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ ﴾ أي مستحيل وألف ألف مستحيل أن يعذب المسلمون ومنهج النبي مطبق في حياتهم ، يوجد مساجد ؟ نعم ، صلوات ؟ نعم ، آذان ؟ نعم ، حج ؟ نعم ، أما التعامل اليومي يا ترى في الأسواق هل منهج الله عز وجل مطبق ؟ هل هناك أيمان كاذبة ؟ هل هناك بضاعة محرمة ؟ هل هناك معاص و آثام ؟ هل هناك مواد محرمة ؟ هل هناك طريقة محرمة أو ربا ؟ ﴿ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ ﴾ هذا تفسير لما هم عليه المسلمون اليوم ، لو أنهم طبقوا منهج رسول الله يستحيل أن يعذبوا . 

 

لن تُعذب بإحدى حالتين ؛ تطبيق منهج رسول الله أو الاستغفار :


﴿ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ ﴾   ، معنى ذلك نحن في مأمنين ، أو في بحبوحتين ، لا يمكن أن نُعذب ومنهج النبي مطبق في حياتنا ، في التفاصيل ، في البيع ، في الشراء ، في الحفلات ، في الفرح ، في الترح ، في السفر ، في الحضر ، في الإقامة ، في الدراسة ، في المعالجة ، في الطب ، في الولائم ﴿ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ ﴾ لا تُعذب بإحدى حالتين ؛ إن كنت مطبقاً لمنهج رسول الله ، أو استغفرت . 

﴿ وَمَا لَهُمْ أَلَّا يُعَذِّبَهُمُ اللَّهُ وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَمَا كَانُوا أَوْلِيَاءَهُ إِنْ أَوْلِيَاؤُهُ إِلَّا الْمُتَّقُونَ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ﴾ حينما تدفع المسلمين ليهاجروا إلى الحبشة ، أو ليهاجروا إلى المدينة ، أنت ماذا فعلت ؟ صددتهم عن بيت الله الحرام 

﴿ وَمَا لَهُمْ أَلَّا يُعَذِّبَهُمُ اللَّهُ وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَمَا كَانُوا أَوْلِيَاءَهُ إِنْ أَوْلِيَاؤُهُ إِلَّا الْمُتَّقُونَ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ﴾

 

الدين الإسلامي دين محفوظ من الخالق وبقية الأديان عبادتهم رقص وغناء :


والله حضرت مؤتمراً في واشنطن للأديان ، المؤتمر فيه ممثلون من ثماني عشر ديناً ، أديان سماوية وغير سماوية ، إلا أن هذا المؤتمر له طريقة خاصة ، ليس فيه إلقاء كلمات أبداً ، فيه العبادات ، كل دين له ثماني دقائق ليظهر عباداته ، أُقسم لكم بالله عدا الدين الإسلامي الذي قام طبيب قرأ صفحة من آل عمران ، وقام إنسان آخر فسرها بثماني دقائق طبعاً الصفحة اختاروها بعناية فائقة ، وكان تفسيراً جيداً جداً ، وبدأت فقرة المسلمين بأداء إسلامي ، وبكينا جميعاً ، وقالوا في التقديم لهذا الأذان : يرجى عدم التصفيق لأن هذا الأذان من عبادة المسلمين ، وهو دعوة إلى الصلاة ، والله الذي لا إله إلا هو وبقية الأديان عباداتهم كلها رقص ، وغناء ، وموسيقا ، ذكرني هذا بالآية الكريمة : ﴿ وَمَا كَانَ صَلَاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إِلَّا مُكَاءً وَتَصْدِيَةً فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ ﴾ المكاء هو الصفير ، والتصدية هي التصفيق ﴿ وَمَا كَانَ صَلَاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إِلَّا مُكَاءً وَتَصْدِيَةً فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ ﴾   عدا الدين الإسلامي الذي بدأ بأذان ، وقرأت صفحة من القرآن ، وفُسرت هذه الصفحة ، وما سوى هذا الدين ما كانت العبادات إلا غناء ورقصاً وموسيقا .

﴿ وَمَا كَانَ صَلَاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إِلَّا مُكَاءً وَتَصْدِيَةً ﴾ المكاء هو الصفير ، والتصدية هي التصفيق ، ﴿ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ ﴾   . .

والحمد لله رب العالمين 

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور