وضع داكن
19-04-2024
Logo
محاضرات خارجية - مقتطفات من برنامج سواعد الإخاء - الموسم 3 لعام 2015 - تركيا : من الحلقة (04) - فقرة تعامل النبي مع أعدائه - تلاوة للقارئ أبو بكر الشاطري.
رابط إضافي لمشاهدة الفيديو اضغط هنا
×
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

عظمة شخصية النبي الكريم :

الدكتور عبد الوهاب الطريري:
 الحقيقة المشايخ وهم يتحدثون عن تعامل النبي صلى الله عليه وسلم مع أعدائه لاحظت أنهم يتحدثون عن شخصية واحدة من شخصية النبي صلى الله عليه و سلم، لكن لم ينكر أحد منهم ما قاله الآخر لعظمة هذه الشخصية، و اتساع آفاقها، فكلنا نتحدث، و كلنا نغترف من هذا البحر، و كل لا يجد أنه بحاجة إلى أن ينكر أخاه.
أريد أن أقف الحقيقة عند موقف نحتاج الحقيقة للعمق فيه، أنا تجولت في رحاب معركة أُحد، الذي جرى للنبي في أحد شيء مؤلم مؤلم جداً، ليس فقط الجراحات التي أصابته في وجهه، ليس التنكيس الذي سمعه من أبي سفيان، ليست وقوفه على جثمان عمه، كأنه أبوه، و عمه، و أخوه، وقد كان أخاه في الرضاعة، و صديقه، و صاحبه، أن يقف على جثمانه ممثلاً به، فيقول: لن أصاب بعد اليوم بمصيبة هي أشد عليّ من ذلك، و لم أسمع أن النبي صلى الله عليه وسلم أو أقرأ أن النبي في بكائه نشج إلا في هذا الموقف، فقد كان بكاء النبي ذرفاً، إلا في هذا المكان غلبه البكاء حتى سمع له نشيج، عندما وقف على حمزة.
 هي مجموعة آلام، عائشة رضي الله عنها كانت مع النبي في أُحد، و كانت تشارك بدق الكلام، فهي رأت المشهد، لم يتسع عمرها ليرى مصاباً للنبي أعظم من هذا المصاب، فجاءت تسأل النبي صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله، هل مرّ بك يوم أشد من يوم أحد؟ هي لم ترَ أشد من يوم أُحد، عمرها لم ير أشد من هذا اليوم، هل مر عليك يا رسول الله فيما لم أدرك ما هو أشد؟ فذكر لها النبي صلى الله عليه وسلم ما أشار به الشيخ النابلسي ذهابه إلى الطائف.
السؤال الذي أسأله أنا: لو لم تسأل عائشة النبي صلى الله عليه وسلم ما كنا علمنا بهذا الموقف، لو لم تسأل عائشة النبي صلى الله عليه وسلم بهذا السؤال، هل كنا سنعلم أن النبي مرّ عليه ما هو أشد من يوم أُحد وتحمله؟ أريد أن أصل من هذا إلى شيء يبين عظمة هذه الشخصية، أن آلام العداوات لم تكن تعيش في قلب النبي صلى الله عليه وسلم، لولا عائشة سألت هذا السؤال ما علمنا، هذا الأمر لو تأملناه أن النبي صلى الله عليه وسلم لم تكن تعمر العداوات في وجدانه الطيب المبارك، ما كان يستصعبها، ما كان يحييها، ما كان يذكرها، ما كان يذكّر بها، لذلك تأمل حياة النبي في المدينة، هل تجد في حديث قال: يوم كنا كذا، يوم المشركين، يوم كذا فعل بنا المشركون، استئناف كامل للحياة، ليس فيه استصحاب للعداوات، وانشغال بالمشروع الذي هو للأمام، هذا المعنى إذا تأملناه عرفنا كيف تضمر العداوات، تضمر في نفس من هو مشغول بما هو أعظم منها، و تكبر في نفس الفارغ لها، أما المشغول بمشروع مستقبلي ضخم فالعداوة تضمر وتقلص.
 لذلك تكلمنا عن أُحد، وأعظم مصاب فيها مقتل حمزة، عندما جاء وحشي، الذي هرب من النبي و ذهب للطائف، و أسلم أهله بالطائف، و ضاقت عليه الأرض، فلم يجد من يهرب به إليه- من رسول الله صلى الله عليه وسلم- إلا رسول الله، فجاء ووقف بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأسلم، فقال الصحابة: وحشي وحشي، ساعتك، خذ بالثأر، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: دعوه فإسلام رجل واحد أحب إليّ من قتل ألف مشرك.
 إذاً الذي جعل العداوات تضمر، ولا تتمدد، العداوات في حياة النبي غير نامية، واستقبل عكرمة بن أبي جهل الذي هرب من النبي صلى الله عليه وسلم فأرسل إليه بالأمان، عندنا عاد لم يقل له: جاء الهارب، الحقيقة التوصيف فعلاً أنه هارب، قال: مرحباً بالراكب المهاجر.

تحويل المثاليات الجميلة المبهرة إلى آلية عملية مهم جداً :

 الحقيقة تحويل هذه المثاليات الجميلة المبهرة إلى آلية عملية مهم جداً، فلذلك أختصر في نقاط ثلاثة.
النقطة الأولى: ما أشرت إليها قبلاً أن الإنسان الذي يتفاعل مع العداوات، هو الذي تفرغ حياته من المشاريع الضخمة، أما النبي صلى الله عليه وسلم فقد كان مشغولاً بمشروع ضخم، وهو هداية البشرية، ولذلك ضمرت العداوات.
 ثانياً: لماذا كل إنسان يتعرض إلى أذى و عداوة لا يجعل الهدف عنده مقلوباً هو ألا يكون الانتقام، وإنما يكون كسب الشخص الآخر، و هذا هو الذي كان النبي صلى الله عليه وسلم يفعله، تحويل الأعداء إلى أولياء قريبين، حميمين، و نجح فيه مع كل الأعداء باستثناء من كانت عداوته عداوة حسد، هذا لا يفيد فيهم، مثل عبد الله بن أبي، وأبو جهل، وحيي بن أخطب.
 النقطة الثالثة و الأخيرة: إن أعظم لذائذ الدنيا هي التشفي و الانتقام، أقوى من الشهوة الجنسية، و من كسب المال، لكن أقوى منها في نفوس النبلاء هو الإحسان إلى الأعداء، وهذا كان صلى الله عليه وسلم يفعله، و لذلك فإذا أردت أن تنسل السخيمة من قلبك فاخطُ خطوة في الإحسان إلى من أساء إليك، سيجد أن العداوات تنسل، تقول: لا تواتيني الفرصة أن أكون في موقف أحسن إليه، أقول لك: ادع له في ظهر الغيب، فتجد مدداً إلهياً يستل هذه السخيمة من قلبك.

كيفية إحسان الإنسان إلى عدوه :

الدكتور سلمان العودة:
 التطبيق العملي للشاعر عبد الوهاب، أي كيف تحسن إلى عدوك؟ يمكن صيغ الإحسان تحتاج إلى وقت طويل، أنا أعرف بعض الأصدقاء عنده شخص دائماً يهاجمه، فتعمد أن يتابعه في تويتر كنوع من التواصل و التسامح مثلاً، تعود أنه مثلاً قد يجد له كتاباً يثني عليه، و الكتاب هذا يستحق الثناء، الزيارة، هذه المستويات التي قد تكون عملية بسيطة لكنها مؤثرة.

ربط المواقف بالآيات القرآنية :

الدكتور علي الصلابي:
 بسم الله، والصلاة والسلام على رسول الله، الحقيقة عندما تكلم الشيخ عائض، و الشيخ سلمان أرى أنا المواقف و أحاول أن أربطها بالآيات القرآنية، فوجدت أمامي قول الله تعالى:

﴿ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ * وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ ﴾

[ سورة فصلت: 43 ـ 44]

﴿ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ﴾

[ سورة فصلت: 43 ـ 44]

منهج رباني، كلام واضح، عندما يكون القلب متعلقاً بالله، و يعيش مع كلام الله سبحانه وتعالى، يبقى لهذا آثار منعكسة كما رأينا من هدي النبوة، ومن أفعال النبي عليه الصلاة والسلام:

﴿ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ﴾

[ سورة فصلت: 43 ـ 44]

 مجال صبر، مقام الصبر.

﴿ وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ ﴾

[ سورة فصلت: 43 ـ 44]

 أي احتجت توفيقاً من الله سبحانه و تعالى، و توفيق الله يحتاج إلى التجاء، و انكسار، و تضرع، و دعاء لله سبحانه وتعالى:

﴿ وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ ﴾

[ سورة الأعراف: 200]

 هذه الطريق تكثر فيها الشياطين، والوساوس.

﴿ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ للَّهِ ﴾

[ سورة الأعراف: 200]

 السميع بأقوالنا، والسميع بأحوالنا.

﴿ وَمِنْ آيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ ﴾

[ سورة فصلت: 37]

 ربطها بالتأمل بعظمة الله، وبالشمس والقمر، وبسجودها لله تعالى، فالمنظومة متكاملة، منظومة متعلقة بالعقائد، منظومة متعلقة بالعبادة، منظومة متعلقة بمعرفة الله سبحانه وتعالى تنعكس هذه الأخلاق، و هذه القيم، و هذه المبادئ منطلقة من قوله الله سبحانه وتعالى:

﴿ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ﴾

[ سورة فصلت: 43 ـ 44]

التمسك بالتوجيهات الإلهية :

 شدتني الآية الثانية:

﴿ وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ﴾

[ سورة العنكبوت: 46]

 هذا مع النصارى، و مع أهل الكتاب منهج كامل، شدتني الآية الأخرى:

﴿ وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً ﴾

[ سورة البقرة: 83]

 هذا توجيه رباني عظيم:

﴿ وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً ﴾

[ سورة البقرة: 83]

 إذاً الآية الأخرى نحن نعيش بها كثيراً بحكم المشاكل، و الثروات، و الصراع بين الشعوب، وننتمي لشعب يمر بظروف صعبة، ونسأل الله أن يصلح حالنا، قال الله تعالى:

﴿ لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً ﴾

[ سورة النساء: 114]

هدي النبي في التعامل مع الخصوم :

 هنا التأمل في قول الله تعالى:

﴿ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ ﴾

[ سورة النساء: 114]

 الإصلاح بين الناس، بين اليهود، بين النصارى، بين المشركين، بين الأعداء، الإصلاح يدخل فيه كل الناس.

﴿ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً ﴾

[ سورة النساء: 114]

 في كلام الرسول صلى الله عليه وسلم:

(( اذهبوا فأنتم الطلقاء ))

هذا الحدث بينا وبين الأخوة في ليبيا جدل طويل حول هذه المسألة، ومن اللفتات الجميلة إن الرسول عليه الصلاة و السلام لم يشترط عليهم التوبة، و لم يشترط عليهم الدخول بالإيمان، و لم يشترط عليهم الاعتذار، و لم يشترط شيئاً، قال:

(( أنت أخ كريم، و ابن أخ كريم، قال: فاذهبوا فأنتم الطلقاء ))

 فكان هذا الفعل وهذا العمل هو المفتاح بالدفع بالتي هي أحسن.

﴿ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ ﴾

[ سورة فصلت: 43 ]

 وبالتالي أنا وجهة نظري كيف نعيش مع القرآن الكريم؟ نجد أنفسنا قريبين من النبي عليه الصلاة والسلام، فالبعد عن هدي النبوة نتيجة البعد عن كتاب الله، و عن العيش معه، سواء بالحفظ، أما بالتأمل، أو بالتفكر، أو باستخراج الدروس و العبر، هذا الكتاب:

﴿ لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ ﴾

[ سورة فصلت: 42 ]

 فأحببت أن أشير إلى أهمية الآيات التي رأيناها في هدي النبي صلى الله عليه وسلم في التعامل مع الأعداء، ومع الخصوم.
 و بارك الله فيكم.
 القارئ أبو بكر الشاطري:

﴿ تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوّاً فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَاداً وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ *مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْهَا وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلَا يُجْزَى الَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئَاتِ إِلَّا مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾

[ سورة القصص: 83 ـ 84 ]

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور