وضع داكن
29-03-2024
Logo
محاضرات خارجية - مقتطفات من برنامج سواعد الإخاء - الموسم 3 لعام 2015 - تركيا : من الحلقة (06) - وسطية المنهج النبوي - اسأل أخاك.
رابط إضافي لمشاهدة الفيديو اضغط هنا
×
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

معاني الوسطية :

الدكتور عصام البشير:
 الحمد لله، و الصلاة و السلام على رسول الله.
 بادئ ذي بدء ينبغي أن نحرر دلالة المصطلح لأن أكثر ما يشيع البلبلة بين أبناء الأمة أن تختل الدلالات، و أن تختلف المفاهيم.
 الوسطية كلمة تدور في لغة العرب على ثلاثة معان، المعنى الأول: أن الوسطية بمعنى العدل، قال: أوسطهم أعدلهم.

هم وسط يرضى الأنام بحكمهم
***

 أي؛ هم عدول.

﴿ وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً َ﴾

[ سورة البقرة: 143]

 عدولاً.
المعنى الثاني: الخيرية، كان رسول صلى الله عليه وسلم أوسط العرب نسباً.
 المعنى الثالث: إنها الفضيلة بين الرذيلتين، أو الحسنة بين السيئتين، قال الله تعالى:

﴿ وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ ﴾

[ سورة الإسراء: 29]

﴿ وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَاماً َ﴾

[ سورة الفرقان: 67]

 قال معاوية رضي الله عنه لعمرو بن العاص رضي الله عنه: أعياني أن أعرف أشجاع أنت أم جبان؟ فإنك تقدم حتى أقول: أنت أشجع الناس، ثم تحجم فأقول: أنت أجبن الناس، قال شجاع إذا أمكنتني فرصة، فإن لم تكن لي فرصة فجبان.
 قال ابن القيم رحمه الله: و هذا حد الاعتدال، أن تقدم حيث يتطلب الأمر إقداماً، و أن تحجم حيث يتطلب الأمر إحجاماً، فإن الإقدام في موطن الإحجام يعتبر تهوراً، وإن الإحجام في موطن الأقدام يعتبر خوراً، و ضعفاً، و جبناً.
 إذاً تعود هذه الكلمة في أصولها إلى هذه المعاني الثلاث.
 كذلك أشار القرآن إلى معنى الاستقامة، و أشار إلى النهي عن الغلو في الدين، الغلو مثل الغلاء، و الغلاء يقال في الأسعار، و الغلو تجاوز الحد المشروع، الوقوع في الحد الممنوع، غلا الشيء غلواً، أو غلاءً.

﴿ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ َ﴾

[ سورة النساء: 171]

 والنبي عليه الصلاة والسلام عبر عن هذه الوسطية أيضاً:

(( وإياكم والغلو في الدين ))

[ابن حبان عن عبد الله بن عباس ]

((هَلَكَ المُتَنَطِّعُون ))

[مسلم وأبو داود عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه ]

 وهلك إشارة إلى معنيين، هلك دعاء يهلك الله أهل التنطع، وهو التعمق في غير موضعه، أو الإخبار بأن عاقبة التنطع تكون هلاكاً، هذا المعنى المجمل للوسطية نستطيع أن نقول بأن هذه الوسطية في الهدي النبوي ليست وسطية داجنة، وليست وسطية ساجنة، وليست وسطية ماجنة، وليست وسطية آجنة.
 ليست وسطية داجنة أنها تستجيب لضغطين، ضغط الحكام، أو أهواء العوام، إنما تتحرر من كلا الضغطين، كما قال الله تعالى لنبيه الكريم:

﴿ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ َ﴾

[ سورة المائدة: 49]

 و ليست وسطية ساجنة أنها رهينة المحبسين، محبس الجمود على القديم، و لا العبودية للجديد، تأخذ من كل قديم نافع، و من كل جديد صالح.
 و ليست ماجنة أنها تتميع، و تتلون، و تتحور كما تحور العجينة، و تتشكل حسب مقتضيات ضغط الواقع، و مطارق العصر.
 و ليست كذلك آجنة تتغير فيما من شأنه أن يكون ثابتاً، أو تثبت فيما من شأنه أن يكون متغيراً، فالشريعة جاءت في الثبات في المقاصد الكلية، وفي الأحكام القطعية، وفي الفرائض الركنية، جاءت في الضروريات الكبرى التي دلّ الاستقراء على أن الشريعة جاءت لرعايتها، جاءت بالثبات في الأهداف و الغايات، و بالمرونة في الوسائل و الآليات، ذلك ليكون استيعاباً لمشكلات العصر و قضاياه.

الوسطية في الهدي النبوي :

 إذا أردنا أن نعبر عن هذه الوسطية بعبارة جامعة، نقول: إن الوسطية في الهدي النبوي هي أن نقدم الإسلام منهجاً هادياً للزمان، و المكان، و الإنسان، موصولاً بالواقع، مشروحاً بلغة العصر.

﴿ وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ َ﴾

[ سورة إبراهيم: 4]

جامع من النقل الصحيح، و العقل الصريح، منفتحاً على الحضارات دون ذوبان، مراعياً الخصوصية بلا انغلاق، منتفعاً بكل قديم صالح، مرحباً بكل جديد نافع، ميسراً في الفتوى، مبشراً في الدعوة.
 النبي صلى الله عليه وسلم كذلك في هديه في هذه الوسطية وهو يعلم أن الإنسان مركب من عنصرين، من عنصر قبضة الطين، و نفخة الروح، الطين تعبير عن حواء الجسد، ونفخة الروح هي التي تسمو به إلى الملأ الأعلى، أعطى كل شيء حقه من الواجب و الاهتمام، و لو أراد الله تعالى أن يكون الإنسان روحياً لحلق كالملائكة، و لو أراده أن يكون طينياً لكان شأن البهائم التي تستجيب لغرائزها، و لكن جاء مركباً بين هذين العنصرين.
 ومن هنا كان هديه عليه الصلاة و السلام أن يجعل من هذه الوسطية بناء متوازناً، العقل بالعلم، و الجسد بالعافية و النشاط، و الروح بالتزكية، و الوجدان بالقيم، ليظل بناء الإنسان متماسكاً، متكاملاً، متناغماً، منسجماً، متوازناً، فهو الذي عبد ربه حتى تورمت قدماه، و كان يمزح ويمازح، يسابق عائشة تسبقه مرة، ويسبقها مرة، هذه بتلك.

 

الوسطية هي إعطاء كل شيء حقه :

 أختم بنقطة أخيرة: إن من هذه الوسطية أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يرتب الأسبقيات، لأن كثيراً من الناس اليوم لا يقبل أن تقول له: هنالك قشور و لباب، وهنالك جوهر و مظهر، وهنالك أدنى و أعلى، يريد أن تقدم حقائق الدين جملة واحدة، و لكن نحن نعلم أن الإيمان في الهدي النبوي شعب أعلى وأدنى، و الذنوب كبائر و صغائر، و الواجبات فرائض ومندوبات، وهكذا في كل هذه القضايا.
إذاً الوسطية هنا أيضاً أن نعطي كل شيء حقه وفق تسعيرته المحددة التي جاء بها من الشرع الحنيف، فلا نقدم ما حقه التأخير، و لا نؤخر ما حقه التقديم، لا نهون العظيم، ولا نعظم الهين، إنما نعطي حسب الاهتمام، ونوازن بين هذه الدوائر.
 إذاً الوسطية تقوم على الاستيعاب المتكامل لنحقق من خلال هذا الهدي النبوي للوسطية مقام الشهادة على الناس.

﴿ وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ َ﴾

[ سورة البقرة : 143]

 و لكن قبل أن نشكل شهادتنا على الناس نحقق الشهادة على أنفسنا قياماً بالقسط و الحق و العدل و الخير و الجمال.
الدكتور عائض القرني:
 الشيخ الدكتور عمر و أنت طبعاً أبونا، و خاصة أنا في مقام خطاب الرحمة و النكتة و المزاح، أنا أسألك سؤالاً و أنت قد طعنت في التسعين، أثابك الله، بما أنك قضيت ربيع شبابك وفتوتك و نشاطك الدعوي أكثر من خمسين سنة في التحدث عن عذاب القبر للأمة، ألا تفكر أن تختم حياتك بالحديث عن نعيم القبر؟ فالكتب و الأشرطة وجهودك من أندونيسيا إلى نواكشوط في عذاب القبر قد وصلت، فأنت تفكر إن شاء الله في نعيم القبر، لأن عند سنن الجماعة نعيماً و عذاباً، فأنت إن شاء الله تختمها وقد بذلت هذا الجهد.

 

أحاديث الدار الآخرة تعطي المسلم شيئاً من الأمل الكبير :

الدكتور عمر عبد الكافي:
و الله هذه نصيحة غالية بارك الله بك، و ندعو الله سبحانه وتعالى أن يعمنا و إياكم في القبر إن شاء الله.
 و الله أحاديث الدار الآخرة أعطت لجمهرة المسلمين الذين استمعوا إليها شيئاً من الأمل الكبير على خلاف ما يقوله العلمانيون، أو غير ذلك أنتم تؤيسون الناس، نحن كنا نريد أن يعيش الإنسان المسلم في الدنيا بمنطق الآخرة، و إذا عاش الدنيا بمنطق الآخرة عُمرت له الدنيا، و استقبلته الآخرة استقبالاً حسناً إن شاء الله، أي ندعو الله سبحانه و تعالى حتى في حديث الدار الآخرة عملت أربع حلقات عن النار، واثنتي عشرة حلقة عن الجنة، نسأل ربنا أن يعيذنا و إياكم من عذاب القبر، ويبارك بكم يا رب.
الدكتور سلمان العودة:
 كان في بالي سؤال، توقعت أن يسألك عنه أحد الأخوة فأنا أسألك إياه الآن، مواقف في حياتك فيها حرج، قصص تحكيها لنا ما تيسر.

مواقف محرجة في حياة الدكتور عمر عبد الكافي :

الدكتور عمر عبد الكافي:
 هذه كثيرة، على الهواء مرة اتصلت متصلة تقول: عندي مشكلة أن زوجي ليس له في الدين نصيب، و لا التزام، و هو يبغض الدعاة، و إذا رآني يحاول أن يغلق التلفاز، أو يحول المحطة، و حقيقة عنده بغض للدعاة غريب، و بالذات لفضيلتك، و هو جالس إلى جانبي ويريد أن يكلمك، قلت لها: هو جانبك ما شاء الله، قلت له: السلام عليكم، قال: عليكم السلام، قلت: يا أخي بارك الله بك على صبرك، و احتسابك في أن تعيش مع من يخالفك في الطريقة و الحياة، و هذا تحمد عليه، و أنا حقيقة أحمدك و أشكرك حقيقة على صبرك عليها، هذا صبر إن شاء الله تؤجر عليه، و أنت تحمل نصف الإيمان بصدرك، قال: و الله بدأت أحبك يا شيخ، ما شاء الله عليك.
 أما الموقف الأكثر حرجاً كنت في دولة لا أذكرها، عربية، فالأخ المذيع الذي يحاورني له مسلك معين، مذهب معين، جاء سؤال على الهواء، ما رأي الشيخ في الصوفية؟ وإذا المذيع ينسى أنني بجواره، ويكيل اتهامات للصوفية، و تاريخ الصوفية، و كيف أنها كذا و كذا، و أنا كلما اختفت الكاميرا عني أحاول أن أهدئه، المذيع انطلق، المهم قلت: يا أخي بارك الله بك السؤال الذي بعده، بعد سؤالين جاءه سائل يسأل، قال: يا أستاذ سئل الشيخ سؤالاً فما أعطيته فرصة ليجيبك، قال له: ما هو هذا السؤال؟ قال: يا أخي سألك عن الصوفية، وأنت ما أعطيته فرصة، قال: هذا السؤال خارج الحلقة، وليس موضوعنا، نحن نتكلم عن الشباب، قال: ممكن أسأل سؤالاً داخل الحلقة؟ و لو سمحت اترك لي الشيخ يسمعني و يجيبني، قال له: تفضل الشيخ معك، يا شيخ ما رأيك بالمذيع الذي جانبك؟ قلت له: و الله حدث لأستاذ من أساتذتنا منذ خمس عشرة أو عشرين سنة أنه كان في بلد ما، و المذيع تعود على الشيخ في طريقة إجاباته، فجاء سؤال تسرع المذيع وأجاب بدل الشيخ، ثاني مرة جاءه سؤال، فقام الشيخ وكان أعزك الله قد وضع العباءة على الكرسي فأخذها، قال له: يا فضيلة الشيخ، قال له: أنت فضيلة الشيخ، فأجب عني، فقطع الحلقة على الهواء، و رجع إلى البيت، وزير الإعلام في هذه الدولة ذهب إلى الشيخ في البيت و اعتذر له، و قال له: هذا مثل ولدك، و استسمحه، وعاد الشيخ، فالمهم أول لقاء بعد ذلك سُئل الشيخ هذا السؤال: ما رأيك في المذيع الذي إلى جانبك؟ قال له: والله يا ولدي هذا المذيع يذكرني بزوجتي، قال له: كيف ذلك؟ قال: أنا متزوج من اثنتين و أربعين سنة، فعرفت طريقة إجاباتي، واقف أصلي ركعتي السنة، تجاوب على السؤال هذا جائز، هذا غير جائز، هذا لا يجوز، و أصبحت دار الإفتاء.
فنسأل الله أن يخرجنا من الحرج.
 عملت لجنة وساطة سنة ألف و تسعمئة و اثنتين و تسعين برئاسة الشيخ الشعراوي و الشيخ الغزالي للإصلاح بين الحكومة و الجماعات الإسلامية، كنا نجتمع في مسجد بعد صلاة العشاء بساعة، فنغلق الباب، و نجلس نتحاور، قعد الشيخ الشعراوي و الشيخ الغزالي، وسبعة عشر عالماً من كبار العلماء، و أنا أصغرهم علماً، و شأناً، و سناً، فدخل أعزكم الله حارس بناء يطرق الباب ففتحنا له، صلى العشاء وجد الجمع فجاء وقعد، فالشيخ الغزالي يقول له: خير يا ولدي تريد شيئاً؟ قال: الشيخ عمر لا يعطيكم درساً؟

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور