وضع داكن
23-09-2025
Logo
أسماء الله الحسنى - إصدار 2008 - الدرس : 010 أ - اسم الله الجميل 1
رابط إضافي لمشاهدة الفيديو اضغط هنا
×
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات.
 

الجميل اسم من أسماء الله الحسنى:


أيها الإخوة الكرام؛ مع اسم جديد من أسماء الله الحسنى، والاسم اليوم الجميل، وقد ورد هذا الاسم في صحيح مسلم من حديث

(( ابن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا يَدْخُل الجَنَّةَ مَنْ في قَلْبِهِ مِثْقالُ ذَرَّةٍ مِنْ كِبْرٍ، فقال رجلٌ: إن الرجلَ يُحبّ أن يكون ثوبُه حسناً ونعلُه حسنةً، قال عليه الصلاة والسلام: إنَّ اللَّهَ جَمِيلٌ يُحِبُّ الجَمالَ الكِبْرُ بَطَرُ الحَقِّ وَغَمْطُ النَّاسِ. ))

[ صحيح مسلم  ]

 

تناقض الكبر مع العبودية لله عز وجل:


بالمناسبة أيها الإخوة؛ لو عندك كمية قليلة من اللبن، وجاءك ضيوف كُثر، يمكن أن تضيف لهذا اللبن خمسة أضعافه ماءً ويكون شراباً سائغاً، تحمَّل هذا اللبن خمسة أضعافه ماء، لكنه لا يتحمّل قطرة بترول، إن أضيفت إليه قطرة واحدة من البترول تلقيه في المهملات، لأن البترول يتناقض في طعمه مع اللبن، أما الماء لا يتناقض، كذلك الكِبر يتناقض مع العبودية لله، ((لا يَدْخُل الجَنَّةَ مَنْ في قَلْبِهِ مِثْقالُ ذَرَّةٍ مِنْ كِبْر)) لذلك قال عليه الصلاة والسلام:

(( عن أنس بن مالك: لولم تكونوا تُذْنِبونَ، لخِفْتُ عليكم ما هو أكبرُ من ذلِكَ؛ العُجْبُ العُجْبُ. ))

[ صحيح الجامع: أخرجه البزار وابن والبيهقي ]

ما الذي هو أكبر من الذنب؟ قال: ((العُجْبُ العُجْبُ)) ورُبّ معصية أورثت صاحبها ذلاً وانكساراً خير من طاعة أورثت صاحبها عزاً واستكباراً، لذلك الكِبر يتناقض مع العبودية لله عز وجل، ((لا يَدْخُل الجَنَّةَ مَنْ في قَلْبِهِ مِثْقالُ ذَرَّةٍ مِنْ كِبْرٍ، فقال رجلٌ: إن الرجلَ يُحبّ أن يكون ثوبُه حسناً ونعلُه حسنةً، قال عليه الصلاة والسلام: إنَّ اللَّهَ جَمِيلٌ يُحِبُّ الجَمالَ)) .
 

الكِبْرُ بَطَرُ الحَقِّ وَغَمْطُ النَّاس:


أما الكبر شيء آخر، بطر الحق أي ردّ الحق، وغمط الناس؛ أن تبخسهم مكانتهم، أن ترُدّ الحق، أن ترى نفسك أكبر من الحق، أن تتكبر عن أن تنصاع للحق، أن تتأبى، وهذه معصية إبليس.

﴿ وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ (34)﴾

[ سورة البقرة ]

فلمجرد أن ترُدّ الحق، وأن ترفضه، وأن تتعنت، وأن يركب الإنسان رأسه، وأن تأخذه العزة بالإثم، إذاً هو الكبر، ولمجرد أن تحتقر الناس، وأن تستهين بهم، وأن ترى نفسك فوقهم، وغمط الناس، المؤمن يعترف بفضل الآخرين، يعترف بقيمة الآخرين، يعترف بإنجازات الآخرين، هناك من يُسَلّط الضوء على ذاته فقط، ويضع مَن حوله في التعتيم، هذا هو غمط الناس، فتعريف الكبر عند رسول صلى الله عليه وسلم: ((الكِبْرُ بَطَرُ الحَقِّ -أي رد الحق-وَغَمْطُ النَّاسِ -أن تزدري الناس-)) لذلك ليس من صفات المؤمن أن يزدري أخاه،

(( عن أبي هريرة رضي اللّه عنه: لا تَحاسَدُوا، ولا تَناجَشُوا، ولا تَباغَضُوا، ولا تَدابَرُوا، ولا يَبِعْ بَعْضُكُمْ علَى بَيْعِ بَعْضٍ، وكُونُوا عِبادَ اللهِ إخْوانًا. المُسْلِمُ أخُو المُسْلِمِ، لا يَظْلِمُهُ، ولا يَخْذُلُهُ، ولا يَحْقِرُهُ. التَّقْوَى هاهُنا. ويُشِيرُ إلى صَدْرِهِ ثَلاثَ مَرَّاتٍ. بحَسْبِ امْرِئٍ مِنَ الشَّرِّ أنْ يَحْقِرَ أخاهُ المُسْلِمَ، كُلُّ المُسْلِمِ علَى المُسْلِمِ حَرامٌ؛ دَمُهُ، ومالُهُ، وعِرْضُهُ. ))

[ صحيح البخاري ]

أن يرى نفسه فوقه. 
 

النبي أشدّ الناس تواضعاً:


من علامات الإيمان التواضع، دخل على النبي الكريم رجل أصابته رِعدة، من هيبة النبي، كان عليه الصلاة والسلام له هيبة، من رآه بديهة هابه، ومن عامله أحبه،

(( فعَنْ أَبِي مَسْعُودٍ قَالَ: أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلٌ فَكَلَّمَهُ، فَجَعَلَ تُرْعَدُ فَرَائِصُهُ، فَقَالَ لَهُ: هَوِّنْ عَلَيْكَ، فَإِنِّي لَسْتُ بِمَلِكٍ، إِنَّمَا أَنَا ابْنُ امْرَأَةٍ تَأْكُلُ الْقَدِيدَ.  ))

[ ابن ماجه: إسناده جيد ]

كان مع أصحابه في سفر، أرادوا أن يعالجوا شاة، فقال عليه الصلاة والسلام بعد أن قال أحدهم: عليّ طبخها، والثاني عليّ سلخها، وقال عليه الصلاة والسلام: وعليّ جمع الحطب، تواضعاً لله عز وجل، حديث دقيق جداً: ((لا يَدْخُل الجَنَّةَ مَنْ في قَلْبِهِ مِثْقالُ ذَرَّةٍ مِنْ كِبْرٍ، فقال رجلٌ: إن الرجلَ يُحبّ أن يكون ثوبُه حسناً ونعلُه حسنةً، قال عليه الصلاة والسلام: إنَّ اللَّهَ جَمِيلٌ يُحِبُّ الجَمالَ)) الله يحبك أن تكون أنيقاً، ثيابك نظيفة، ومتعطراً، شعرك معالجاً، يحبك كذلك، ((إنَّ اللَّهَ جَمِيلٌ يُحِبُّ الجَمالَ))
 

الإنسان مفطور على حبّ الجمال:


بالمناسبة إخواننا الكرام؛ الإنتاج العقلي والشعوري للبشرية لا يزيد عن علم وفلسفة وفن، فالعلم ما هو كائن، والفلسفة ما يجب أن يكون، والفن ما هو ممتع، من الفن ما هو مباح، كأن تكون أديباً، الأدب جمال الكلمة، التعبير المثير عن حقائق الحياة، أو أن يكون الفعل جميلاً هو الكمال، لذلك قالوا: الإنسان فُطِر على حبّ الكمال، وحبّ الجمال، وحبّ النوال، الإنسان يحبّ الجميل، أحياناً يكون هناك طفل جميل الصورة، يدع في قلب أبيه تعلقاً شديداً، وأحياناً يكون هناك عطاء خالص كريم، فالإنسان يحب المحسن، يا داود ذكر عبادي بإحساني إليهم، فإن النفوس جبلت على حبِّ مَن أحسن إليها، والإنسان يحب النوال، العطاء، والجمال، والكمال،  موقف كامل، الوفاء، الرحمة، التواضع.
أحياناً تقرأ قصة، أو تقرأ سيرة، تجد صحابياً جليلاً كان أديباً أدباً جماً، أيّكما أكبر أنت أم رسول الله؟ عمه العباس، فقال: أنا ولدت قبله، وهو أكبر مني، هناك كلمات رائعة جداً، هناك تصرفات رائعة، هناك شكل رائع. 
 

ورودُ اسم الجميل في الحديث الصحيح:


أيها الإخوة؛ هذا الحديث ورد فيه اسم الجميل، وهو حديث صحيح في صحيح مسلم، ورد هذا الاسم مطلقاً، منوناً، مُراداً به العلميّة، دالاً على كمال الوصفيّة، ورد أيضاً في رواية أحمد في مسند ابن مسعود،

(( فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَا يَدْخُلُ النَّارَ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ حَبَّةٍ مِنْ إِيمَانٍ، وَلَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ حَبَّةٍ مِنْ كِبْرٍ، فَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ –هنا يوجد تفصيل-إِنِّي لَيُعْجِبُنِي أَنْ يَكُونَ ثَوْبِي غَسِيلًا-أي نظيفًا-وَرَأْسِي دَهِينًا، وَشِرَاكُ نَعْلِي جَدِيدًا، وَذَكَرَ أَشْيَاءَ، حَتَّى ذَكَرَ عِلَاقَةَ سَوْطِهِ، أَفَمِنْ الْكِبْرِ ذَاكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: لَا، ذَاكَ الْجَمَالُ، إِنَّ اللَّهَ جَمِيلٌ يُحِبُّ الْجَمَالَ، وَلَكِنَّ الْكِبْرَ مَنْ سَفِهَ الْحَقَّ، وَازْدَرَى النَّاسَ. ))

[ مسلم: مرفوع صحيح لغيره ]

هذا الكبر، الأمر واضح تماماً، الكبر ردّ الحق وازدراء الناس، بطر الحق وغمط الناس، أمّا أن تكون أنيقاً، أن يكون بيتك مرتباً، منظماً، فيه تناسب ألوان، أن تكون مركبتك نظيفة، أن يكون ثوبك حسناً، أن يكون كلامك فصيحاً، أن تكون تصرفاتك رائعة، هذا هو الجمال: ((إنَّ اللَّهَ جَمِيلٌ يُحِبُّ الجَمالَ)) .
 

على الإنسان أن يشتق من كمال الله كمالاً يكون وسيلة للإقبال على الله:


دائماً وأبداً أقول لكم: يجب أن تشتق من كمالات الله كمالاً يكون هذا الكمال وسيلة للإقبال على الله.

﴿ وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (180)﴾

[ سورة الأعراف ]

أي يُتَقرب إلى الجميل بالجمال، يُتَقرب إلى الرحيم بالرحمة، يُتَقرب إلى العدل بالإنصاف، يُتَقرب إلى اللطيف باللطف، يُتَقرب إلى الكريم بالكرم، ﴿وَلِلّهِ الأَسْمَاء الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا﴾ أي تقربوا إليه بأن تتخلقوا بهذا الكمال الإلهي، هذا محور هذه الدروس، ﴿وَلِلّهِ الأَسْمَاء الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا﴾ ما من شيء يُقربك من الله عز وجل كأن تكون متخلّقاً بكمالات الله. 

  معنى الجمال:


أيها الإخوة؛ الجميل في اللغة مأخوذ من الجمال، وهو الحُسن في الخَلْق والأخلاق، نحن كلما ذكرنا الجمال ننطلق إلى تصور جمال الشكل، لكن أحياناً هناك أعمال، هناك تصرفات تستمع إليها تبقى شهراً غارقاً في نشوتها، عمل، كما حدثتكم عن بعض القصص، هناك مواقف فيها وفاء، مواقف فيها رحمة، مواقف فيها إنصاف، مواقف فيها حب، هذه المواقف جميلة جداً، وقد يكون الذي يفعلها ليس جميلاً.
مثلاً ورد في صفة بعض التابعين وهو الأحنف بن قيس أنه كان قصير القامة، أسمر اللون، غائر العينين، ناتئ الوجنتين، أحنف الرِّجل، ليس شيء من قُبح المنظر إلا وهو آخذ منه بنصيب، وكان مع ذلك سيد قومه، إذا غَضِبَ غَضِب لغضبته مئة ألف سيف، لا يسألونه فيم غضب؟ وكان إذا علم أن الماء يُفسد مروءته ما شرب، كمال رائع جداً مع دمامة لا توصف.
 

أحاديث مهمة في بيان أهمية جمال الأخلاق:


لذلك الرجل جماله بفصاحته، جماله بأخلاقه، جماله بكرمه، جماله بتواضعه، جماله برحمته، لعل المرأة تتوهم أن كل قيمتها في جمالها الجسدي، يمكن وهذا خطأ.

(( عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ لِأَرْبَعٍ: لِمَالِهَا، وَلِحَسَبِهَا، وَجَمَالِهَا، وَلِدِينِهَا، فَاظْفَرْ بِذَاتِ الدِّينِ تَرِبَتْ يَدَاكَ. ))

[ متفق عليه ]

يجب أن نحرر مفهوم الجمال مما تراكم من أذهان الناس أنه جمال الشكل فقط، لا أبداً، هناك مواقف جميلة، أحياناً تعيش مع امرأة في أعلى درجة من الوفاء، والحب، والتفاني، والخدمة، تسعد بها سعادة أيّما سعادة، وقد يعيش المرء مع امرأة بارعة الجمال يكرهها من أعماقِ أعماق قلبه، لأن جمال الأفعال من أعلى مستويات الجمال، بل إن النبي عليه الصلاة والسلام يقول: عَنْ مَعْقِلِ بْنِ يَسَارٍ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: إِنِّي أَصَبْتُ امْرَأَةً ذَاتَ حَسَبٍ وَمَنْصِبٍ، إِلَّا أَنَّهَا لَا تَلِدُ، أَفَأَتَزَوَّجُهَا؟ فَنَهَاهُ، ثُمَّ أَتَاهُ الثَّانِيَةَ، فَنَهَاهُ، ثُمَّ أَتَاهُ الثَّالِثَةَ، فَنَهَاهُ، فَقَالَ: تَزَوَّجُوا الْوَلُودَ الْوَدُودَ فَإِنِّي مُكَاثِرٌ بِكُمْ.

[ صحيح ابن حبان ]

هذه أذواق النبي، ((تَزَوَّجُوا الْوَلُودَ الْوَدُود)) مودتها تُقَرّبها من زوجها، فالجميل مأخوذ من الجمال، وهو الحُسن في الخَلْق والخُلُق، وكان عليه الصلاة والسلام حَسَنَ الخَلق والخُلق، والإنسان إذا رأى صورته في المرآة كان عليه الصلاة والسلام يقول:

(( عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُولُ: اللَّهُمَّ أَحْسَنْتَ خَلْقِي فَأَحْسِنْ خُلُقِي.  ))

[ أحمد: إسناده حسن ]

قال بعض الشعراء: 

جمال الجسم مع قُبح النفوس               كقنديل على قبر المجوس

[ علي بن أبي طالب ]

* * *

مرة إنسان جميل الصورة، أنيق الثياب جداً، تكلم كلاماً بذيئاً، فقال أحدهم له: إما أن تتكلم وَفق ثيابك، أو البس وَفق كلامك، التناسب رائع جداً، أحياناً إنسان أنيق، حسن الصورة ثيابه أنيقة، جميلة لكن كلامه بذيء، فهذا الجمال وهذه الأناقة يناسبهما علم، يناسبهما كلام منضبط، لذلك:

(( عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَا يَسْتَقِيمُ إِيمَانُ عَبْدٍ حَتَّى يَسْتَقِيمَ قَلْبُهُ، وَلَا يَسْتَقِيمُ قَلْبُهُ حَتَّى يَسْتَقِيمَ لِسَانُهُ، وَلَا يَدْخُلُ رَجُلٌ الْجَنَّةَ لَا يَأْمَنُ جَارُهُ بَوَائِقَهُ. ))

[  صحيح الترغيب : خلاصة حكم المحدث : حسن ]

وبعض العلماء، منهم الإمام الغزالي عدّ من آفات اللسان أكثر من عشرين آفة، وهناك علماء آخرون منهم الشيخ عبد الغني النابلسي عدّ آلاف أمراض اللسان،

(( عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ قَالَ: كُنْتُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَفَرٍ، فَأَصْبَحْتُ يَوْمًا قَرِيبًا مِنْهُ، وَنَحْنُ نَسِيرُ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَخْبِرْنِي بِعَمَلٍ يُدْخِلُنِي الْجَنَّةَ، وَيُبَاعِدُنِي عَنْ النَّارِ، قَالَ: لَقَدْ سَأَلْتَنِي عَنْ عَظِيمٍ، وَإِنَّهُ لَيَسِيرٌ عَلَى مَنْ يَسَّرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ، تَعْبُدُ اللَّهَ وَلَا تُشْرِكْ بِهِ شَيْئًا، وَتُقِيمُ الصَّلَاةَ، وَتُؤْتِي الزَّكَاةَ، وَتَصُومُ رَمَضَانَ، وَتَحُجُّ الْبَيْتَ، ثُمَّ قَالَ: أَلَا أَدُلُّكَ عَلَى أَبْوَابِ الْخَيْرِ؟ الصَّوْمُ جُنَّةٌ، وَالصَّدَقَةُ تُطْفِئُ الْخَطِيئَةَ كَمَا يُطْفِئُ الْمَاءُ النَّارَ، وَصَلَاةُ الرَّجُلِ مِنْ جَوْفِ اللَّيْلِ، قَالَ: ثُمَّ تَلَا: ﴿ تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنْ الْمَضَاجِعِ ﴾ حَتَّى بَلَغَ ﴿يَعْمَلُونَ﴾ ، ثُمَّ قَالَ: أَلَا أُخْبِرُكَ بِرَأْسِ الْأَمْرِ كُلِّهِ، وَعَمُودِهِ، وَذِرْوَةِ سَنَامِهِ؟ قُلْتُ: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: رَأْسُ الْأَمْرِ الْإِسْلَامُ، وَعَمُودُهُ الصَّلَاةُ، وَذِرْوَةُ سَنَامِهِ الْجِهَادُ، ثُمَّ قَالَ: أَلَا أُخْبِرُكَ بِمَلَاكِ ذَلِكَ كُلِّهِ؟ قُلْتُ: بَلَى يَا نَبِيَّ اللَّهِ، فَأَخَذَ بِلِسَانِهِ، قَالَ: كُفَّ عَلَيْكَ هَذَا، فَقُلْتُ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ، وَإِنَّا لَمُؤَاخَذُونَ بِمَا نَتَكَلَّمُ بِهِ؟ فَقَالَ: ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ يَا مُعَاذُ، وَهَلْ يَكُبُّ النَّاسَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ، أَوْ عَلَى مَنَاخِرِهِمْ إِلَّا حَصَائِدُ أَلْسِنَتِهِمْ. ))

[ الترمذي: إرواء الغليل: إسناده حسن ]

(( عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: حَكَيْتُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلًا فَقَالَ: مَا يَسُرُّنِي أَنِّي حَكَيْتُ رَجُلًا، وَأَنَّ لِي كَذَا وَكَذَا، قَالَتْ: فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ صَفِيَّةَ امْرَأَةٌ، وَقَالَتْ بِيَدِهَا هَكَذَا، كَأَنَّهَا تَعْنِي قَصِيرَةً، فَقَالَ: لَقَدْ مَزَجْتِ بِكَلِمَةٍ لَوْ مَزَجْتِ بِهَا مَاءَ الْبَحْرِ لَمُزِجَ. ))

[ صحيح الترمذي ]

(( عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ الرَّجُلَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ لَا يَرَى بِهَا بَأْسًا يَهْوِي بِهَا سَبْعِينَ خَرِيفًا فِي النَّارِ. ))

[ صحيح الترمذي ]

والكلمة الطيبة صدقة، وقد ترقى بكلمة رقياً لا يعلمه إلا الله، كلمة تواضع، كلمة مؤانسة، كلمة اعتراف بالحق، هذا كله في ميزان حسنات الإنسان. 
 

من الأخلاق الجميلة:

 

1 – الصبر الجميل:

إذاً الجميل مأخوذ من الجمال، وهو الحُسن في الخَلق وفي الخُلق، هنالك صبر جميل، قال تعالى:

﴿ فَاصْبِرْ صَبْرًا جَمِيلًا (5)﴾

[ سورة المعارج ]

هناك صبر مع الضيق، مع التوتر، مرجل يغلي، كلام قاسٍ، الأبواب تُغلق بقوة، البلور يكسر، هذا ليس صبراً جميلاً، يجب أن تصبر صبراً جميلاً: ﴿فَاصْبِرْ صَبْرًا جَمِيلًا﴾ . 

2 – الصفح الجميل:

هناك صفح جميل، أنا سامحتك، لا تنس، كل خيرك من خيري، لا، لا تسامحه، قال تعالى:

﴿ وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَإِنَّ السَّاعَةَ لَآتِيَةٌ فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ (85)﴾

[ سورة الحج ]

سامحته انتهى كل شيء، لا تذكره بخطئه، مثلاً: أيهما أخطر أن يتآمر إنسان على إنسان فيضعه في السجن أم يضعه في البئر؟ البئر الموت محقق، إخوة يوسف وضعوه في البئر، والموت محقق، أما امرأة العزيز وضعته في السجن، لما التقى يوسف بإخوته ماذا قال؟  

﴿ وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّوا لَهُ سُجَّدًا وَقَالَ يَا أَبَتِ هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقًّا وَقَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ وَجَاءَ بِكُمْ مِنَ الْبَدْوِ مِنْ بَعْدِ أَنْ نَزَغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِمَا يَشَاءُ إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (100)﴾

[ سورة يوسف ]

ما ذكّرهم بجريمتهم، أما الخروج من البئر نعمة أكبر، الموت بالبئر مُحقق، السجن غير محقق، من كماله ما ذكّرهم بجريمتهم: ﴿وَقَدْ أَحْسَنَ بَي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ﴾
إخواننا الكرام؛ إن قرأتم قصص الأنبياء تخلَّقوا بأخلاقهم، الأنبياء مدارس، كل نبي له مدرسة، وعلى رأسهم سيد الخلق وحبيب الحق، إذاً هناك صبر جميل، وهناك صفح جميل، وهناك فعل جميل، وهناك عفو جميل، وهناك عطاء جميل، أنا أتمنى الإنسان إذا فعل خيراً أن ينساه، وإذا فُعِل معه خير لا ينساه حتى الموت، أتمنى أنك إذا فعلت خيراً يجب أن تناساه وكأنك لم تفعله، أما إذا أُسدِي إليك معروف ينبغي ألا تنساه ما حييت. 
 

مراتب الجمال الربّاني؛ جمال الذات والصفات والأفعال والأسماء:


الله عز وجل جميل، قال: جماله على أربع مراتب، جمال الذات، وجمال الصفات، وجمال الأفعال، وجمال الأسماء، أسماؤه كلها حسنى: ﴿وَلِلّهِ الأَسْمَاء الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا﴾ قطعاً، حتى لو توهمت أن الأسماء الحسنى منها المنتقم، لو تبحرت في معنى المنتقم لذابت نفسك تعظيماً لله، لو تبحرت في معنى المُتكبر لذابت نفسك تعظيماً لله: ﴿وَلِلّهِ الأَسْمَاء الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا﴾ فالله عز وجل جماله على أربع مراتب، جمال الذات، وجمال الصفات، وجمال الأفعال، وجمال الأسماء، أسماؤه كلها حسنة، وصفاته كلها صفات كمال، وأفعاله كلها حكمة.
لذلك لما قال بعض العلماء: الشريعة عدل كلها، لأنها منهج الله، رحمة كلها، حكمة كلها، مصلحة كلها، وأية قضية خرجت من الحكمة إلى خلافها، ومن العدل إلى الجَور، ومن المصلحة إلى المفسدة، فليست من الشريعة، ولو أُدخلت عليها بألف تأويل وتأويل.
حتى إن علماء العقيدة قالوا: الحَسَن ما حسّنه الشرع، والقبيح ما قبّحه الشرع، فالله عز وجل ذاته جميلة، وصفاته جميلة، وأفعاله جميلة، وأسماؤه جميلة.
لكن المشكلة أن جمال الذات لا يدركه أحد في الكون، لا يعرف الله إلا الله، جمال الذات لا يدركه أحد في الكون ولا الأنبياء، لكن جمال الصفات تدل على جمال الذات، وجمال الصفات محجوبة بأفعاله، فأفعاله الجميلة تدل على جمال صفاته، وجمال صفاته تدل على جمال ذاته، ذات، صفات، أفعال، أنت ترى أفعاله، ترى الربيع، ترى العصفور، ترى الوردة، ترى الزهرة، ترى طفلاً جميل الصورة، هذه كلها أفعاله، أحياناً تأكل طعاماً طيباً، مَن أودع في الطعام هذا الطعم؟ أحياناً يهب نسيم عليل تنتعش به، مَن ساق هذا النسيم؟ أحياناً ترى مرجاً أخضر، مَن أعطى هذا اللون الجمال؟ ترى السماء الزرقاء، البحر الصافي، الجبال الخضراء، الأطفال الذين وهبهم الله مسحة جمال، هناك إنسان قد يُفتن بابنه من جماله، هذه كلها أفعاله، أفعاله تُشير إلى صفاته، وصفاته تُشير إلى ذاته، جمال الذات لا يعلمه أحد في الكون ولا الأنبياء.
لذلك قال بعض العارفين: لا يعرف الله إلا الله، حصراً، نحن مع جمال الأفعال نرى المطر تُنعش الأرض، نرى النبع، الماء الزلال، نرى الفاكهة الجميلة، منظر الفاكهة جميل جمالاً رائعاً جداً، أحيانًا يزينون بعض الغرف بصور فاكهة، فاكهة جميلة، البساتين جميلة، الماء الرقراق جميل، أنت يجب أن تخترق جمال الكون إلى جمال الخالق. 
 

آية خطيرة فافهم معناها: وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلّهِ جَمِيعاً :


إخواننا الكرام؛ 

﴿ وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا وَأَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ (165)﴾

[ سورة البقرة ]

من أجل امرأة عصى الله، ما الذي فتنه بها؟ جمالها، من أجل المال عصى الله، ما الذي فتنه بالمال؟ أن المال يعطيك الجمال، يعطيك بيتاً جميلاً جداً واسعاً، له إطلالة، يعطيك مركبة فارهة جداً، يدعك تختار أجمل زوجة أيضاً، ﴿وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ﴾ لماذا هو في العذاب؟ ما الذي أغواه وعصى ربه؟ الجمال، هذا الذي أغواه الجمال فعصى ربه من أجله، ﴿وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلّهِ جَمِيعاً﴾ هنا قوة الجمال.

فـلو شاهدت عيناك من حسننــــا             الذي رأوه لما وليت عنـــــــا لغـيرنـــا

ولو سمعت أذناك حسن خطابــنا             خلعت عنك ثياب العجب وجئتنـــــــــا

ولو ذقت مـن طعم المحبـــة ذرة             عذرت الذي أضحى قتيلاً بحبنـــــــــــا

ولو نسمت من قربنا لك نسمــــة             لمــــت غريباً واشتيـــــــــاقاً لقربنــــا

ولـو لاح مـِــن أنـوارنا لك لائـحٌ              تـركــت جـمـيــع الـكـائـنـات لأجـلـنــا

[ علي بن محمد بن وفا ]

* * *

 

الفائز من أحبّ الله:


هؤلاء الذين أحبوا الله هم الفائزون، هم عرفوا أن يختاروا الجمال المطلق، الجمال الأبدي. 

﴿ كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ (26)﴾

[ سورة الرحمن ]

لو أحبّ الإنسان زوجته، لابدّ من أن يتركها في الموت، أو أن تتركه إن ماتت قبله، أبداً، إلا أنك إذا أحببت الله فأنت معه إلى أبد الآبدين.
أيها الإخوة؛ لهذا الموضوع تتمة.

الملف مدقق

والحمد لله رب العالمين 

الاستماع للدرس

00:00/00:00

نص الزوار

نص الدعاة

اللغات المتوافرة

إخفاء الصور