وضع داكن
23-09-2025
Logo
أسماء الله الحسنى - إصدار 2008 - الدرس : 010 ب - اسم الله الجميل 2
رابط إضافي لمشاهدة الفيديو اضغط هنا
×
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات.

  تجلّي الله على بعض مخلوقاته باسم الجميل:


أيها الإخوة الأكارم؛ لا زلنا مع اسم الجميل، وهذا الاسم أيها الإخوة، يتجلى الله به على بعض مخلوقاته، فإذا هو جمال أخّاذ، فالذي ينظر إلى الورود والرياحين والنباتات يأخذه العجب العجاب، إن الله سبحانه وتعالى يتجلّى على هذه المخلوقات باسم الجميل، هناك عصافير لها ألوان أخّاذة، لذلك يُعدّ مهندسو الألوان يقتبسون ألوانهم مِن خَلق الله عز وجل.
 

الله عز وجل أصلُ الجمال:


أيها الإخوة؛ الجميل هو الله عز وجل، هو أصل الجمال، فإذا منح الله العبد مسحةً من الجمال تعلق الخلقُ به فكيف بأصل الجمال؟ لذلك جاء حينما قال عليه الصلاة والسلام: أبيت عند ربي يطعمني ويسقين، وحينما جاء تعريف العبادة: هي طاعة طوعية، ممزوجة بمحبة قلبية، أساسها معرفة يقينية، تُفضي إلى سعادة أبدية، يوجد بالدين عنصر جمالي، يوجد بالدين عنصر معرفي، يوجد بالدين عنصر سلوكي، يوجد بالدين عنصر جمالي، بلا مبالغة لو شققت على قلب المؤمن لرأيت في قلبه من السعادة ما لو وزِّعت على أهل بلد لكفتهم، لذلك

(( في صحيح مسلم من حديث أَبِي مُوسَى قَالَ: قَامَ فِينَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِخَمْسِ كَلِمَاتٍ، فَقَالَ: إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لَا يَنَامُ، وَلَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَنَامَ، يَخْفِضُ الْقِسْطَ وَيَرْفَعُهُ، يُرْفَعُ إِلَيْهِ عَمَلُ اللَّيْلِ قَبْلَ عَمَلِ النَّهَارِ، وَعَمَلُ النَّهَارِ قَبْلَ عَمَلِ اللَّيْلِ، حِجَابُهُ النُّورُ، لَوْ كَشَفَهُ لَأَحْرَقَتْ سُبُحَاتُ وَجْهِهِ مَا انْتَهَى إِلَيْهِ بَصَرُهُ مِنْ خَلْقِهِ. ))

[ صحيح مسلم ]

وحينما قال الله عز وجل:

﴿ وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ (22) إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ (23)﴾

[ سورة القيامة ]

ورد في بعض الكتب أن أهل الجنة ينظرون إلى وجه الله الكريم فيغيبون خمسين ألف عام من نشوة النظرة. 

الإنسان حينما يجهل حقيقة الواحد الديان يظلم نفسه:


الذي ينبغي أن يكون واضحاً أن هذا الإنسان حينما يجهل حقيقة الواحد الديان، حينما يجهل أسماء الله الحسنى، وصفاته الفضلى، حينما يُغويه جمال بعض المخلوقات، حينما من أجل جمال امرأة، أو جمال قصر، أو جمال مركبة، أو جمال موقع يعصي الله، فيظلم نفسه، ويستحق اللعن والبعد عن الله عز وجل، يُخاطب:

﴿ وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا وَأَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ (165)﴾

[ سورة البقرة ]

وكلمة قوة هنا واسعة جداً، جاء التنكير تنكير شمول، هناك قوة الجمال، هناك قوة العلم، هناك قوة المال، صاحب المال قوي، وصاحب العلم قوي، والجميل قوي يأخذ جماله الألباب، هؤلاء الذين عصوا ربهم، وخسروا آخرتهم من أجل جمال مخلوق لو عرفوا أن هذا الجمال مسحة من جمال الله عز وجل، ولو أنهم تعرفوا إلى الله لكانوا مع أصل الجمال.
 

تجلِّي الله على المؤمنين سعادة لهم ولو فقدوا الدنيا:


هناك من يتوهم أنّ المؤمن فاتته مباهج الدنيا، أن المؤمن باستقامته حَرم نفسه أشياء كثيرة، العكس هو الصحيح، يتجلى الله على قلب المؤمن تجلياً، سمّه إن شئت رحمة، وسمّه إن شئت سكينة، هذا التجلي يُسعده-دققوا-ولو فقد كل شيء، ويشقى بفقده ولو مَلَك كل شيء، أيعقل أن يكون الذي في بطن الحوت نبي كريم وهو يناجي ربه حينما قال:

﴿ قَالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (16)﴾

[ سورة القصص ]

فيتجلى الله عليه وينقذه، وأن النبي عليه الصلاة والسلام كان في أسعد حالاته وهو في غار ثور، وأن إبراهيم تجلّى الله عليه وهو في النار، هذه السعادة التي تُلقى في قلب المؤمن يشقى بفقدها الإنسان ولو ملك كل شيء.
 

الأغنياء الشاردون أشقياء ولو ملكوا الدنيا:


يوجد فراغ بنفس الإنسان لا يملؤه المال، ولا يملؤه جمال الأرض، الأقوياء والأغنياء يعيشون حياة ناعمة جداً، بيوتهم قطعة من الجمال، مركباتهم، مائدتهم، مَن حولهم، ومع ذلك هم أشقى الخلق لأنهم ابتعدوا عن الله عز وجل، أنت حينما تؤمن أن كل السعادة باتصالك بالله:

﴿ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ (28)﴾

[ سورة الرعد ]

وأن كل الشقاء بالبعد عنه، قال تعالى:

﴿ وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى (124) قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا (125) قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى (126)﴾

[ سورة طه ]

أنت حينما تؤمن أن سعادتك المطلقة باتصالك بالله، لأنه جميل، لأن الجمال جزء أساسي من حياة الناس، وأن الشقاء كل الشقاء في البعد عن الله: ﴿وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا﴾ .
قال بعض العلماء: ـدققوا، ما بال الأقوياء والأغنياء هم أشقياء؟ فجاء الجواب: نعم، شقاؤهم ليس في نقص المال، ولكن في ضيق القلب.
أحياناً يتجلّى الله على قلب المؤمن باسم الجميل فهو في جنة، من هنا قيل: في الدنيا جنة من لم يدخلها لم يدخل جنة الآخرة.
مساكين أهل الدنيا، جاؤوا إلى الدنيا وغادروها، ولم يذوقوا أطيب ما فيها.
أنت حينما ترى أناساً مجتمعين في ملهى اسأل نفسك سؤالاً عقائدياً: لماذا أقبل الناس على هذا المكان؟ ماذا يوجد في هذا المكان؟ يوجد فيه امرأة، لعلها ترقص، فيه مغنٍّ، فيه طعام، رأوا سعادتهم في هذا، ولو كُشِف لهم أنهم إذا أقبلوا على الله كانوا في نشوة ما بعدها نشوة، وفي سعادة ما بعدها سعادة، لسفهوا أعمالهم، ولاحتقروا ذواتهم، إذاً: ((حِجَابُهُ النُّورُ، لَوْ كَشَفَهُ لَأَحْرَقَتْ سُبُحَاتُ وَجْهِهِ مَا انْتَهَى إِلَيْهِ بَصَرُهُ مِنْ خَلْقِهِ)) . 
 

لا شقاء في الدنيا مع معرفة الله:


أيها الإخوة؛ قيل: حُجِبت الذات بالصفات، وحُجبت الصفات بالأفعال، فما ظنك بجمال حُجِب بأوصاف الكمال، وسُتِر بنعوت العظمة والجلال، أنت تتعامل مع الله، مع ذات كاملة، مع قوي، مع جميل، مع غني، مع قدير، مع رحيم، مع لطيف.
صدقوا أيها الإخوة؛ مستحيل وألف ألف ألْف مستحيل أن يكون هناك شقاء في الدنيا مع معرفة الله، لا يجتمعان أبداً، ولا أقول: إن المؤمن إذا كان مع الله كان في بحبوحة، قد يكون في يسر، وقد يكون في عسر، وقد يكون في فقر، وقد يكون في مرض، لكن لأنه مع الله هو في سعادة لا تُوصف.
 

جمالُ الله وكماله المطلق:


نحن في حياتنا قد نلتقي بإنسان عالم كبير، أستاذ في الجامعة مثلاً، لكن لا يرحم الطلاب، يقسو عليهم، يتفنن في إحراجهم في الامتحانات، فالطلاب يُكْبِرون علمه، ولا يحبونه، وقد تلتقي بإنسان تحبه كثيراً، لكن لا تُقدِّر علمه، معلوماته محدودة جداً، لكنه طيب جداً، ففي حياة الإنسان إنسان يُكْبِره ولا يحبه، وإنسان يحبه ولا يُكْبره، لكنك إذا أقبلت على الواحد الديان بقدر ما تُعظّمه تحبه، بقدر ما تُدهَش بكماله تُدهَش بجماله، بقدر ما يرحمك بقدر ما ينتزع إعجابك، فلذلك هذا المعنى ورد في قوله تعالى:

﴿ كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ (26) وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ (27)﴾

[ سورة الرحمن ]

قد يكون الشيء كبيراً وليس كاملاً، و قد يكون كاملاً وليس كبيراً، لكن الله سبحانه وتعالى في آية أخرى قال:

﴿ تَبَارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ (78)﴾

[ سورة الرحمن ]

إذاً أيها الإخوة، الإنسان إذا أقبل على الله وصل إلى كل شيء، ابن آدم اطلبني تجدني، فإذا وجدتني وجدت كل شيء، وإن فتك فاتك كل شيء وأنا أحبّ إليك من كل شيء.
 

سعادة الدنيا غير متنامية ولا مستمرة:


حينما يختار الإنسان هدفاً محدوداً، والإنسان في أصل تصميمه لا نهائي، لا يملأ طموحه إلا الله، فإذا اختار هدفاً أرضياً؛ اختار المال، يسعى إليه جاهداً، فإذا حصّله، وأحاط به يكتشف حقيقة مُرّة أنه شيء، وليس كل شيء، فإذا اقترب من مغادرة الدنيا يراه لا شيء.
قد يُقبل الإنسان على المرأة في مُقتبل حياته، إن كان شارداً عن الله يظنها كل شيء، في منتصف حياته هي شيء، وليست كل شيء، في وقت مغادرة الدنيا يراها ليست بشيء، سبحان الله! ما من شيء في الدنيا يمكن أن يُمِدّ الإنسان بسعادة متنامية، ولا بسعادة مستمرة، بل بسعادة متناقصة، والدليل إنسان يشتري بيتاً يلفت النظر، بعد شهر أصبح كأي بيت عنده، قد يقتني مركبة من أعلى مستوى، بعد حين تصبح هذه المركبة شيئاً عادياً، كل ما يحيط بالإنسان من مظاهر الجمال المادي بعد حين هذا البريق يخبو، هذا الاهتمام يضعُف، هذه الدهشة تقلّ إلا إذا أردت أن تعرف الله.
الأصل في الموضوع أنك أنت تتمتع بنفس طموحة لا يملؤها إلا معرفة الله، أما إذا اخترت هدفاً أرضياً، هذا الهدف ما إن تصل إليه حتى يبدأ الملل والسأم، لذلك انظر إلى أهل الدنيا الناجحين في حياتهم، بعد أن ينجحوا حياتهم مملة، النجاح أصبح مألوفاً، أحاطوا بالشيء الذي أرادوه، لكنهم إذا اختاروا الذات الكاملة، إنهم إن اختاروا الله عز وجل هم في شباب دائم.
أنا أؤكد لكم أن المؤمن في شباب دائم، لسبب بسيط، لأنه اختار هدفاً يفوق كل إمكاناته، لذلك إن أردت أن تعرف الله فأنت في طريق السعادة، من هنا نؤمن أن المؤمن لا يشيخ أبداً، شاب دائماً.
والله كان في الشام رجل من علماء دمشق، بلغ السادسة والتسعين، وكان منتصب القامة، وكان حاد البصر، وكان مرهف السمع، وأسنانه في فمه كاملة، وكأنه شاب، يُسأل من حين لآخر: يا سيدي، ما هذا؟ قال: يا بني حفظناها في الصغر فحفظها الله علينا في الكبر، من عاش تقياً عاش قوياً.
 

على المسلم أن يتجمَّل ماديًّا:


أيها الإخوة؛ النقطة الدقيقة أن الإنسان ما موقفه من هذا الاسم؟ لمَ لا يكون جميلاً في ثيابه؟ في بيته؟ أنا إذا قلت: جميل، لا أقصد الفخامة، ولا البذخ، ولا الترف، ولا الإسراف أبداً.
لكن أحياناً يكون هناك بيت مسحة جمالية، بيت مريح، المكتب التجاري فيه مسحة جمالية، الدكان فيها مسحة جمالية، الثياب فيها ألوان متناسقة، لماذا ترى الجمال الصارخ في الطرف الآخر في بلاد أخرى وهم بعيدون عن الله بُعد الأرض عن السماء؟ لماذا هناك الجمال وعندنا الإهمال؟ هذه مشكلة كبيرة، يجب على المؤمن أن يتجمل،

(( قَالَ أَبُو الدَّرْدَاءِ: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ لَنَا: إِنَّكُمْ قَادِمُونَ عَلَى إِخْوَانِكُمْ فَأَصْلِحُوا رِحَالَكُمْ وَلِبَاسَكُمْ حَتَّى تَكُونُوا فِي النَّاسِ كَأَنَّكُمْ شَامَةٌ، فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لَا يُحِبُّ الْفُحْشَ وَلَا التَّفَحُّشَ. ))

[ أبو داود ]

المؤمن نظيف، وهناك أذواق عالية في حياته، الأذواق العالية تجذب الناس إليه، أما إذا أهمل ثيابه، أهمل مركبته، أهمل بيته، أهمل دكانه، أحيانا تدخل إلى دكان صاحبها مؤمن، فترى النظافة، والترتيب، والنظام، تؤخذ به، وأحياناً تجد إنساناً مقصراً، فوضى، وغبار، وإهمال، هذا شيء منفّر، أهل الدنيا اكتشفوا هذه الحقيقة، تأنّقوا في حياتهم، تأنّقوا في نظام حياتهم، هذا التأنق وهذا الجمال في حياتهم يجذب الناس إليهم، تذهب إلى بلاد العناية بالبلاد منقطعة النظير.
مرة سافرت لبلد، سرت مسافة طويلة جداً لم أرَ إلا اللون الأخضر، الطرقات منظمة، محددة، الشاخصات، اللافتات، الحدائق، أنا أقول: الإنسان بحاجة ماسة إلى الجمال، وهذا مُودع في أصل فطرة الإنسان، فإذا لبّى هذه الحاجة، وتخلّق بكمالات الله،

(( عن عبد الله بن عمرو: إنَّ اللَّهَ جَمِيلٌ يُحِبُّ الجَمالَ. ))

[ صحيح مسلم ]

تغدو حياتنا جميلة، تغدو حياتنا برّاقة، ما الذي يمنع أن نعتني بمساجدنا؟ بنظافة مساجدنا؟ بأناقة مساجدنا؟ ما الذي يمنع أن نعتني ببيوتنا؟ والله مرة دخلت إلى بيت متواضع بشكل لا يوصف، بيت عربي، لكن لا تجد فيه خطأ جمالياً، لا شيء فيه يمكن أن تنتقده، مع أنه بيت متواضع جداً، أنا أرى أنك إذا اعتنيت بدنياك عناية تجذب الناس إليك هذا جزء من الدين، النبي كان كذلك عليه الصلاة والسلام كان نظيفاً، كانت ثيابه حسنة، يتعطر دائماً.
 

الدعاء باسم الجميل:


لذلك أيها الإخوة؛ ممكن أن تدعو الله بهذا الاسم، ألم يقل الله عز وجل:

﴿ وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (180)﴾

[ سورة الأعراف ]

يقول النبي عليه الصلاة والسلام في بعض أدعيته:

(( عن عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: صَلَّى بِنَا عَمَّارُ بْنُ يَاسِرٍ صَلَاةً فَأَوْجَزَ فِيهَا، فَقَالَ لَهُ بَعْضُ الْقَوْمِ: لَقَدْ خَفَّفْتَ، أَوْ أَوْجَزْتَ الصَّلَاةَ، فَقَالَ: أَمَّا عَلَى ذَلِكَ فَقَدْ دَعَوْتُ فِيهَا بِدَعَوَاتٍ سَمِعْتُهُنَّ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمَّا قَامَ تَبِعَهُ رَجُلٌ مِنْ الْقَوْمِ، هُوَ أُبَيٌّ، غَيْرَ أَنَّهُ كَنَى عَنْ نَفْسِهِ، فَسَأَلَهُ عَنْ الدُّعَاءِ، ثُمَّ جَاءَ فَأَخْبَرَ بِهِ الْقَوْمَ: اللَّهُمَّ بِعِلْمِكَ الْغَيْبَ، وَقُدْرَتِكَ عَلَى الْخَلْقِ أَحْيِنِي مَا عَلِمْتَ الْحَيَاةَ خَيْرًا لِي، وَتَوَفَّنِي إِذَا عَلِمْتَ الْوَفَاةَ خَيْرًا لِي، اللَّهُمَّ وَأَسْأَلُكَ خَشْيَتَكَ فِي الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ، وَأَسْأَلُكَ كَلِمَةَ الْحَقِّ فِي الرِّضَا وَالْغَضَبِ، وَأَسْأَلُكَ الْقَصْدَ فِي الْفَقْرِ وَالْغِنَى، وَأَسْأَلُكَ نَعِيمًا لَا يَنْفَدُ، وَأَسْأَلُكَ قُرَّةَ عَيْنٍ لَا تَنْقَطِعُ، وَأَسْأَلُكَ الرِّضَاءَ بَعْدَ الْقَضَاءِ، وَأَسْأَلُكَ بَرْدَ الْعَيْشِ بَعْدَ الْمَوْتِ، وَأَسْأَلُكَ لَذَّةَ النَّظَرِ إِلَى وَجْهِكَ، وَالشَّوْقَ إِلَى لِقَائِكَ، فِي غَيْرِ ضَرَّاءَ مُضِرَّةٍ، وَلَا فِتْنَةٍ مُضِلَّةٍ، اللَّهُمَّ زَيِّنَّا بِزِينَةِ الْإِيمَانِ، وَاجْعَلْنَا هُدَاةً مُهْتَدِينَ. ))

[ النسائي: صحيح ]

 هذا من أدعية النبي: اللهم أغنني بالعلم، وزيّني بالحلم، وجمّلني بالتقوى، وأكرمني بالعافية، هذه أدعية النبي عليه الصلاة والسلام، أنا لا أستطيع أن أبتعد عن الواقع، الحاجة إلى الجمال مودعة في كل إنسان، فإن لبّاها وفق منهج الله كانت حياته كاملة، وإن أهملها يشقى.
 

المعاني الحسية والأخلاقية والأدبية للجمال:


أحياناً تتألم ألماً شديداً، تزور قرية مسلمة فترى فيها إهمالاً، فيها فوضى، فيها مناظر مُخرّشة للعين، وأحياناً تزور بلدة أخرى غير مسلمة ترى الأناقة في البيوت، الورود على الشرفات، الطرقات النظيفة، الحدائق الغنّاء، شيء يلفت النظر، ويؤلم أشدّ الألم، من قال: إن الجمال وقفٌ على هؤلاء؟ من قال؟ الإسلام جميل، وربنا جميل، ويحبّ الجمال، لكن سبحان الله! الإنسان أحياناً يفهم من هذا الموضوع شيئًا آخر ما أراده الله، يفهم أن يتعلق بالمرأة، يقول لك: ((إنَّ اللَّهَ جَمِيلٌ يُحِبُّ الجَمالَ)) يُطلق بصره في الحرام، ويُخالف الواحد الدّيّان ويقول: ((إنَّ اللَّهَ جَمِيلٌ يُحِبُّ الجَمالَ)) ليس هذا هو المعنى، الجمال معانٍ لا تنتهي، ولاسيما أن الجمال له معانٍ حسية، وله معان أخلاقية، والله موقف أخلاقي تذكره وكأنك تستمتع بالجمال، هناك مواقف أخلاقية، مواقف الوفاء، مواقف الرحمة، مواقف التواضع، مواقف العفو، مواقف الإنصاف، الجمال كلمة واسعة جداً، يوجد عندنا فعل جميل، يوجد عندنا إنسان قوي، ومتواضع، يوجد عندنا إنسان غني وسخي، يوجد عندنا إنسان متفوق في علمه، ومع ذلك يحبه كل مَن حوله، فالجمال معناه واسع جداً.
لعلي أقول: إن أقلّه الجمال الحسي، لكن اتّساع المفهوم يشمل كل شيء، هناك كلمة جميلة، الأدب أدب، الأدب فن، مثلاً قال أحدهم: تكاثرت عليّ المصائب، هذا كلام، لكن غيره قال:

رماني الدهر بالأرزاء حتى            فؤادي في غشاء مـن نبــــال

فصرت إذا أصابتني سهـام            تكسرت النصال على النصال

[ المتنبي ]

 * * *

هذا أدب، فالكلمة الجميلة أدب، والحركة الجميلة رشاقة، والصوت الجميل نغم، فالجمال واسع جداً يشمل كل حياتنا، وهناك جوانب منها كثيرة جداً مباح بل مطلوب،

(( عن عبد الله بن زيد: فَقُمْ مَعَ بِلَالٍ فَأَلْقِ عَلَيْهِ مَا رَأَيْتَ فَلْيُؤَذِّنْ بِهِ، فَإِنَّهُ أَنْدَى صَوْتًا مِنْكَ. ))

[  صحيح أبو داود ]

كلام النبي عليه الصلاة والسلام ((أَنْدَى صَوْتًا مِنْكَ)) أنا أتمنى أن يكون في حياتنا مسحة من الجمال، لأننا مسلمون، لا ينبغي أن يوازن الحيادي بين مسلم بيته مضطرب، فيه مناظر مؤذية، وبين غير مسلم يوجد أناقة في بيته، كلما ذكرت الأناقة والجمال لا أقصد المال إطلاقاً، قد تكون أفقر الناس، لكن هناك أذواق، هناك تناسب ألوان، هناك طلاء رخيص، لكن الطلاء يملأ القلب بهجة.
أحيانا يسكن إنسان في بيت من دون طلاء، المناظر مؤذية، منظر الإسمنت مؤذٍ، لو طلاه بطلاء رخيص أبيض، لون سماوي، لون زهري، يشعر براحة، الآن علم الألوان له علاقة بسلوك الإنسان، هناك مكان ينتحر فيه الغربيون، طلوه باللون الأخضر خفّت نسبة الانتحار، أنت انظر إلى السماء زرقاء، الحقول خضراء، ألوان مريحة جداً، الله جميل، انظر إلى العصافير، والله يوجد ألوان تأخذ بالألباب، انظر إلى الفراشات، انظر إلى الحقول، انظر إلى الفواكه، دعك أنها فاكهة تؤكل، لها منظر رائع جداً، اسم الجميل تجلّى على هذا فكان جميلاً، يجب أن تكون حياتك جميلة، في بيتك، في عملك، في هندامك، في مركبتك، والنظافة أصل في الجمال، وتناسب الألوان أصل في الجمال، ورقة العبارة أصل في الجمال.
كان سيدنا عمر إذا مرّ على أُناس يشعلون النار، يقول: السلام عليكم يا أهل الضوء، ولم يقل: السلام عليكم يا أصحاب النار، يوجد باللغة عبارات جميلة جداً فيها ذكاء، فيها لطف.
جاءت امرأة تشكو زوجها إلى سيدنا عمر، متألمة جداً منه، أهملها إهمالاً كلياً، قالت: يا أمير المؤمنين، إن زوجي صوّام قوّام، ما انتبه سيدنا عمر، قال لها: بارك الله لكِ بزوجك، سيدنا علي قال له: لا، إنها تشكو زوجها، انظر إلى الأدب، تشكو زوجها، فلما أقبل عليها زوجها جاءت إلى السيدة عائشة عطِرة نضرة، قالت: ما الذي حلّ بك؟ قالت: أصابنا ما أصاب الناس، انظر إلى عبارتها الأديبة، والله يوجد بأقوال الصحابة أدب، أنا أساساً أرفض أن تقول: لا حياء في الدين، الدين كله حياء، قال تعالى:

﴿ وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ (29) إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ (30)﴾

[ سورة المعارج ]

دقق: 

﴿ فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ (31)﴾

[ سورة المعارج ]

كل أنواع الانحراف الجنسي دخل في هذه الآية، ﴿فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاء ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ﴾ لذلك الكلمة جميلة، والثياب جميلة، والبيت جميل، والمحل التجاري جميل، والحركة جميلة، والله يوجد جلسة وراء مقود السيارة فيها أدب، وفيها جمال، وهناك جلسة فيها غطرسة، أحياناً جلستك بمركبتك فيها أدب، وأحياناً جلستك بمركبتك فيها غطرسة، ((إنَّ اللَّهَ جَمِيلٌ يُحِبُّ الجَمالَ)) .

  وجوب أن يكون الجمال جزءاً أساسياً في حياتنا:


أتمنى أن يكون الجمال جزءاً أساسياً في حياتنا، تنظيم البيت يريح، وقالوا: الجمال في البساطة، ترى مركبة أحياناً كلها زينات، وكلها تعليقات، وكلها كلمات، شيء مُنفّر، دعها طبيعية المركبة، أجمل بكثير، فنحن بحاجة إلى الجمال، لأن حياتنا كلها دم، وكلها قهر، وكلها قتل، وكلها تدمير، وكلها خراب، هذه مشكلة كبيرة، والله أتمنى عليكم ألا تسمحوا لأولادكم أن يتابعوا الأخبار، من شدة ما تترك هذه الأخبار من انعكاسات سيئة في نفوس الصغار.

الملف مدقق

والحمد لله رب العالمين 

الاستماع للدرس

00:00/00:00

نص الزوار

نص الدعاة

اللغات المتوافرة

إخفاء الصور