الأوامر والنواهي ليست قيداً لحريتك، ولكنها ضمان لسلامتك
قال تعالى :
﴿ قَالَا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنْ الْخَاسِرِينَ(23) ﴾
يعني كأن الله سبحانه وتعالى حينما ركّب الإنسان من عقل وشهوة طبيعي جداً أن يخطئ، ولكن العار لا أن تخطئ العار أن تبقى مخطئاً، ليس العار أن تكون جاهلاً، ولكن العار أن تبقى جاهلاً .
التوبة النصوح تمحو الذنب .
إذاً: حينما أودع الله فينا الشهوات أودعها كي نسمو بها إلى رب الأرض والسماوات، فلو زلّت القدم الصلح حاصل، والتوبة ممكنة، والعفو ممكن، والمغفرة ممكنة، والرجوع إلى الله ممكن.
عَنْ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى :
(( يَا ابْنَ آدَمَ ، إِنَّكَ مَا دَعَوْتَنِي وَرَجَوْتَنِي غَفَرْتُ لَكَ عَلَى مَا كَانَ فِيكَ وَلَا أُبَالِي ، يَا ابْنَ آدَمَ ، لَوْ بَلَغَتْ ذُنُوبُكَ عَنَانَ السَّمَاءِ ، ثُمَّ اسْتَغْفَرْتَنِي غَفَرْتُ لَكَ وَلَا أُبَالِي ، يَا ابْنَ آدَمَ ، إِنَّكَ لَوْ أَتَيْتَنِي بِقُرَابِ الْأَرْضِ خَطَايَا ، ثُمَّ لَقِيتَنِي لَا تُشْرِكُ بِي شَيْئًا لَأَتَيْتُكَ بِقُرَابِهَا مَغْفِرَةً ))
﴿ قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ(53) ﴾
للتقريب: عند إنسان مركبة غالية جداً، هناك مركبات بأربعين مليونًا، أمسك مطرقة، وكسر بلورها، وثمنه مئة ألف، ضرّ مَن ؟ أغضب مَن ؟ استفز مَن ؟ ضر نفسه، وأغضب نفسه، وخسّر نفسه.
أوامر الشرع ليست قيداً للحرية .
أنت حينما تؤمن أن أوامر الشرع ليست قيداً لحريتك، ولكنها ضمان لسلامتك، العلاقة بين الأمر والنهي علاقة علمية، أي علاقة سبب بنتيجة، الأمر نفسه في نتائجه والنهي نفسه في نتائجه، يعني إذا وضعت لك الحكومة لوحة أمام خط التوتر العالي ممنوع الاقتراب - دقق - من هو الأحمق؟ الذي يريد أن يعصي التعليمات، وهو يتأكد ليس هناك شرطي يراقبه، التيار يعاقبك، التيار يجعل المقترب منه فحمة سوداء بعد دقيقة، وحينما تقول: هل أحد يراني؟ هذا حمق، لأن التيار نفسه يعاقب .
لو كنتَ تقود مركبة شاحنة تحمل عشرين طناً، وصلت إلى جسر كُتب عليه: " الحمولة القصوى عشرة أطنان "، الأحمق يتلفت، هل هناك شرطة ؟ لا، الموضوع أعمق من هذا، الجسر سوف يخسف بك، بعد قليل تكون في النهر .
فلذلك حينما تؤمن أن العلاقة بين الأمر ونتائجه علاقة علمية، أي علاقة سبب بنتيجة تأتمر انطلاقاً من مصلحتك، تأتمر انطلاقاً من حبك لسلامتك، تأتمر انطلاقاً من حبك لسعادتك، من حبك لكمالك، من حبك لطمأنينتك لذلك :
﴿ وَظَلَّلْنَا عَلَيْكُمُ الْغَمَامَ وَأَنزَلْنَا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَىٰ ۖ كُلُوا مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ ۖ وَمَا ظَلَمُونَا وَلَٰكِن كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (57) ﴾