قال تعالى :
﴿ يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ(31) ﴾
إخواننا الكرام ؛ الإنسان حجمه عند الله بحجم عمله الصالح، يسلم بالاستقامة، لكن لا يسعد إلا بالقرب من الله، والإنسان إذا اقترب من الله، اقترب من الرحيم، اقترب من العليم، اقترب من الحكيم، اقترب من الجميل، المؤمن جميل، جميل بأفعاله، بكلامه قيل للعباس: << أيّكما أكبر أنت أم رسول الله؟ عمه أكبر منه سنًّا، فقال لهم: هو أكبر مني، وأنا وُلدت قبله >> .
الجمال يعم البدن والخُلق والمعاملات .
نحن مِن ضعف تفكيرنا نظن الجميل في الشكل فقط، قد يكون الكلام جميلاً، جمال الرجل فصاحته، وأحيانا يكون الاعتذار جميلاً، وأحياناً يكون في المشي جمال، وهناك مشي مع الكِبْر، وأحياناً هناك جلسة على المقعد بأدب، إنسان يجلس ويباعد بين رجليه هكذا، أو يضع رجلاً فوق رجل استعلاءً، هناك جلسة جميلة، وهناك حركة جميلة، وهناك مشي جميل، وهناك استقبال جميل، وهناك وداع جميل، وهناك إغلاق باب بنعومة، أحيانا يركب الإنسانُ سيارة عامة، ويمسك الباب ويغلقه بقوة شديدة، فيخرج صاحب المركبة من جلده من قوتها، أغلقه بهدوء، بهدوء، وأحياناً هناك مشي مع جَلبة لا تحتمل .
دخل رجل ليصلي مع النبي الكريم ليلحق معه الركعة الأولى فأحدث جَلَبة في المسجد فقال له :
(( زادك الله حرصاً ولا تعد ))
[ أخرجه أحمد و البخاري وأبو داود والنسائي عن أبي بكرة ]
قد يكون الإنسان ساكناً في بيت في طابق ثالث، أحب أن يصلي قيام الليل، يجب أن يوقظ البناية كلها بالحركة والضجيج .
لذلك هناك حركة جميلة، وهناك كلام جميل، وهناك استقبال جميل، يأتيك ضيف تقول له: تفضل هل هناك موضوع معين؟ أهلاً وسهلاً نورت، أنا مشتاق إليك، هناك استقبال جميل، وهناك وداع جميل، وهناك إقامة مأدبة مع جمال.
النبي عليه الصلاة والسلام قمة الجمال الأدبي .
يعني الجمال واسع جداً، المؤمن قمة في الجمال، قمة في الأدب، قمة من الحياء:
(( كانَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أشَدَّ حَيَاءً مِنَ العَذْرَاءِ في خِدْرِهَا. ))
[ صحيح البخاري عن أبي سعيد الخدري ]
الموضوع واسع جداً، أنا أؤكد لكم أن المؤمن قمة في الجمال، قمة في الأدب، قمة في الاعتذار، قمة في الحديث، يستمع، وتراه يصغي للحديث بقلبه وبسمعه، ولعله أدرى به.
أحياناً يشكو لك إنسان أن ابنه سيء، فتقول أنت عن ابنك: والله عندي ابن الله يرضى عليه لا مثيل له، هذا الموطن موطن مواساة، لا موطن افتخار عليه بابنك.
(( عَنْ حَنْظَلَةَ الْأُسَيِّدِيِّ وَكَانَ مِنْ كُتَّابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : لَقِيَنِي أَبُو بَكْرٍ فَقَالَ : كَيْفَ أَنْتَ يَا حَنْظَلَةُ ؟ قَالَ : قُلْتُ : نَافَقَ حَنْظَلَةُ ، قَالَ : سُبْحَانَ اللَّهِ ! مَا تَقُولُ ؟ قَالَ : قُلْتُ : نَكُونُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُذَكِّرُنَا بِالنَّارِ وَالْجَنَّةِ حَتَّى كَأَنَّا رَأْيُ عَيْنٍ ، فَإِذَا خَرَجْنَا مِنْ عِنْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَافَسْنَا الْأَزْوَاجَ وَالْأَوْلَادَ وَالضَّيْعَاتِ فَنَسِينَا كَثِيرًا ، قَالَ أَبُو بَكْرٍ : فَوَاللَّهِ إِنَّا لَنَلْقَى مِثْلَ هَذَا ، فَانْطَلَقْتُ أَنَا وَأَبُو بَكْرٍ حَتَّى دَخَلْنَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُلْتُ : نَافَقَ حَنْظَلَةُ يَا رَسُولَ اللَّهِ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
وَمَا ذَاكَ ؟ قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، نَكُونُ عِنْدَكَ تُذَكِّرُنَا بِالنَّارِ وَالْجَنَّةِ حَتَّى كَأَنَّا رَأْيُ عَيْنٍ ، فَإِذَا خَرَجْنَا مِنْ عِنْدِكَ عَافَسْنَا الْأَزْوَاجَ وَالْأَوْلَادَ وَالضَّيْعَاتِ نَسِينَا كَثِيرًا ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنْ لَوْ تَدُومُونَ عَلَى مَا تَكُونُونَ عِنْدِي وَفِي الذِّكْرِ لَصَافَحَتْكُمْ الْمَلَائِكَةُ عَلَى فُرُشِكُمْ وَفِي طُرُقِكُمْ ، وَلَكِنْ يَا حَنْظَلَةُ ، سَاعَةً وَسَاعَةً ، ثَلَاثَ مَرَّاتٍ ))
منتهى الأدب، الجمال واسع جداً، وأعظم جمال جَمال الروح، أعظم جمال التواضع، أعظم جمال الحكمة، أعظم الجمال العطف على الآخرين، من علامات نبوة النبي عليه الصلاة والسلام أنه من رآه بديهة هابه، ومن عامله أحبه .
﴿ وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍ (4) ﴾