وضع داكن
24-04-2024
Logo
الدرس : 4 - سورة الحشر - تفسير الآيات 18-21
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد لله رب العلمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد، الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا، إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علما، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.
 أيها الإخوة الكرام، مع الدرس الرابع من سورة الحشر، ومع الآية الثامنة عشرة.

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ﴾

 يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا

 1 ـ أهمية الخطاب بـ: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا

 هذا خطاب الله للذين آمنوا، والمؤمن يُدرك أهميَّة هذا الخِطَاب، خالق السماوات والأرض الذي خلق الإنسان في أحسنِ تقويم، وكرَّمه أعظم تكريم يُخاطِبه فيقول: يا أيها المؤمن افعل كذا، ولا تفعل كذا..

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ ﴾

 2 ـ اتَّقُوا اللَّهَ

 اتقوا الله أي توبوا إليه، وأصلحوا ما مضى، وتقرَّبوا إليه، اتقوا أن تغضِبوه، اتقوا عقابه، اتقوا ناره، اتقوا أن تعصوه، اتقى من وقى، والوقاية من الخطر، والعاصي في خطر، الذي لا يفكِّر في منهج الله وتطبيقه فهو في خطر، والذي لا يطبِّق تعليمات الصانع هو في خطر، والذي لا يعرف لماذا خلقه الله هو في خطر.

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ ﴾

 3 ـ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ

 العاقل يعيش مستقبله:

 الحقيقة أن الإنسان الجاهل يتغنَّى بماضيه، والأقلُّ جهلا يبحث في حاضره، لكن العاقل هو الذي يعيش مستقبله، هو الذي يعيش غده، حياتنا كيف تسير ؟ هناك خطٌ إجباري نسير عليه ؛ نولد، نترعرع، ندرس، نتعلَّم، نتزوج، ننجِب، نُزَوِّج، ثم لابدَّ من اللقاء مع الله، لابدَّ من مغادرة الدنيا، لابدَّ من أن نغادر دون أن نعود، ولكن هذه ساعة المغادرة ألا تستدعي أن نفكِّر فيها ؟ حينما ينتقل الإنسان من كل شيء إلى لا شيء.. فيما يبدو للعين.. من بيتٍ فخم إلى حفرةٍ تحت الأرض، من فراشٍ وثير إلى أرضٍ صلبة، من غرفٍ منوَّرة إلى قبرٍ مظلم، من طعامٍ وشراب إلى حسابٍ وعقاب، هذه النقلة من الدنيا إلى الآخرة ؛ هذه إن لم نفكِّر فيها، إن لم ندخلها في حساباتنا اليومية، إن لم ندخلها في مواقفنا، في حركاتنا وسكناتنا فنحن في خطرٍ عظيم..

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ ﴾

 اتقوا أن تعصوه، اتقوا أن تغضبوه، اتقوا ناره.

﴿ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ ﴾

 هل فكَّرت في العمل الذي تلقى الله به:

 أحيانا أيها الإخوة يُستَهْلَك الإنسان من قِبَلِ دنياه، مستهلَكٌ من عمل إلى عمل، من لقاء إلى لقاء، من موعد إلى موعد، من صفقة إلى صفقة، يأتيه ملَك الموت فجأةً، وهو صفر اليدين من العمل الصالح، فلذلك من أفضل أو من أهمِّ ما ينبغي أن تفعله أن تقف فجأةً في زحمة العمل، وفي زحمة القيل والقال، وفي زحمة المُشكلات، وهموم العمل، والمعاش والأسرة، أن تقتطع وقتاً ثميناً، وتتأمَّل ماذا قدَّمت لغدٍ ؟ إذا جئتُ الله عزَّ وجل يوم القيامة، وطلب منّي أن يا عبدي بماذا أتيت ؟ ما العمل الذي جئت به ؟ بعثت بك إلى الدنيا من أجل أن تعرفني، من أجل أن تطيعني، من أجل أن تتقرَّب إليّ، جعلتك خليفةً في الأرض، أعطيتك كل شيء، سَخَّرت لك السماوات والأرض، بماذا أتيتني ؟ الحقيقة إنه سؤال خطير، وسؤال مهم جداً.
 أنت أيها الأخُ الكريم الجالس في هذا المسجد، هل فكَّرت في العمل الذي ينبغي أن تقدِّمه لله يوم القيامة ؟ هل يعقل أن تمضي الحياة الدنيا في المُباحات ؟ أكلنا، وشربنا، ولهونا، وسافرنا، وعدنا، واستقبلنا الضيوف، وودَّعنا، وتنزَّهنا، وربحنا، وأنفقنا، وأقمنا الحفلات، يا عبدي ما العمل الذي تأتي به يوم القيامة ؟ هل واليت فيَّ وليَّاً ؟ هل عاديت فيَّ عدوَّاً ؟ هل أمرت بالمعروف ؟ هل نهيت عن المُنكر ؟ هل علَّمت القرآن ؟ هل نصحت لله ولرسوله ولكتابه ولأئمة المسلمين وعامَّتهم ؟ هل ربّيت أولادك ؟ هل دللت زوجتك على الله ؟ هل أقمت الإسلام في بيتك ؟ هل كسبت المال الحلال ؟ هل نفعت المسلمين في عملك وهل، نصحتهم ؟ هل دعوت إلى الله ؟ هل نشرت الحق ؟ هل نصرت دين الله ؟
ما العمل الذي يمكن أن تنطق به يوم القيامة ؟ هل وظَّفت اختصاصك في الحق ؟ هل وظَّفت عملك في خدمة المسلمين ؟ هل كنت في خندق الإيمان أم في الخندق المعادي ؟ مع من عملت ؟ من نصرت ؟ لمن سخَّرتَ نفسك ؟ لمن وهبت عمرك ؟ لمن وهبت شبابك ؟ ما العمل الذي يمكن أن تقدِّمه بين يدي الله يوم القيامة ؟
 إذا أرسل أب ابنه إلى بلدٍ غربي، وحوَّل له كل شهر ألف دولار.. خمسين ألف ليرة.. بعد أربع سنوات ألا ينبغي أن يسأل الأبُ ابنه: ماذا فعلت يا بني ؟ أين الشهادة ؟ أين الوثيقة ؟ ماذا حصَّلت ؟ هل نلت الدرجة الجامعية ؟ وبأي تقدير نلتها ؟ هل صدَّقتها في الجهات الرسمية ؟ من أي جامعة أخذتها ؟ هذا الذي يُرسل إلى بلدٍ أجنبي، وتُدفَع له النفقات كاملةً ألا يُسأل عن عمله، ماذا فعلت ؟

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ ﴾

 أنت أب أنجبت الأولاد فهل ربيتهم ؟ هل عرَّفتهم بكتاب الله وبسنَّة رسول الله ؟ هل أدَّبتهم على حبِّ نبيِّ الله، وعلى حبِّ أصحابه الكرام ؟ هل أدبتهم بأدب الإسلام، أم تركتهم لأجهزة اللهو يستقون منها كل طَيِّبٍ وخبيث، وكل حقٍّ وباطل، وكل خيرٍ وشر ؟ هؤلاء الذين أنجبتهم مَن قدوتهم ؟ الملاكم الفلاني ؟ أم لاعب الكرة الفلاني ؟ أم الصحابي الفلاني ؟ من قدوتهم ؟ هذه الزوجة التي في بيتك ماذا فعلت من أجلها ؟ هل دللتها على الله ؟ هل رحمتها ؟ هل أخذت بيدها إلى الله ؟

 

﴿ اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ ﴾

 أي عبدي بمَ أتيتني ؟ ما العمل الذي يصلح أن تعرضه علي ؟ ما العمل الذي يمكن أن تقدِّمه بين يدي ربك ؟ يا رب فعلت كذا، كنت بارَّاً بوالدي، هذا عمل جيد، يا رب، اخترت زوجةً مؤمنةً لأولادي، هذا عمل جيد، ربّيت أولادي على طاعتك وعلى حبِّ نبيك، أدبتهم بأدب الإسلام، هذا العمل جيد ومقبول، يا رب كانت لي حرفة فنصحت بها المسلمين، وما غششتهم، ما كذبت عليهم، ما ابتززت أموالهم، ما بخستُهم أموالهم بالباطل، يا رب كنت طبيباً نصحت المسلمين، ما كبَّرت الوهم على المرضى، ما كلَّفته ما لا يطيق، ما كلَّفته من الأمور ما لا يحتمل، كنت نصوحاً له، هذا سؤال يجب أن تسأله كل يوم، لابدَّ من ساعةٍ تخلو بها مع ربك.
 أيها الإخوة الكرام، كلنا بحاجةٍ إلى مغارتين، أو إلى غارين، كلنا بحاجة إلى غار حِراء، ولكن مجزَّأ لكل يوم خمس دقائق، أو عشر دقائق، وكلنا بحاجة إلى غار ثور، نحن بحاجة إلى غار حراء كي نتفكَّر، ونحن بحاجة إلى غار ثور كي نلجأ إلى الله، كي نلوذ بحماه.
فيا أيها الإخوة الأكارم، هذه آية ينبغي أن تفعل فعلها في نفوس المؤمنين.

 

﴿ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ ﴾

 اسأل تاجرًا فإنه يبيع ويشتري، ويحاسب، ويشحن البضاعة، ويستقدم بضاعة، ويقبض الثمن، هل فكَّرت في أن هذه التجارة ترضي الله أم لا ترضي الله ؟ هل أدَّيت زكاة مالك ؟ هل نصحت المسلمين في هذه التجارة ؟ هل استغللت حاجتهم إلى هذه البضاعة فرفعت السعر ؟ ماذا قدَّمت لله عزَّ وجل ؟

 إذا ضاقت الأمور فابحث لك عن عمل صالح ادَّخرتَه:

 إخواننا الكرام، النبي عليه الصلاة والسلام علَّمنا أن الإنسان إذا ضاقت به الأمور عليه أن يذكر صالح عمله، فلو كنت في أزمةٍ، أو في ملمَّةٍ، أو في نازلةٍ لا سمح الله، وأردت أن تدعو الله بصالح عملك، ما العمل الصالح الذي تتذكَّره ؟ أردت أن تدعو الله بصالح عملك، يا رب أنا فعلت هذا في سبيلك..
 مرَّة حدَّثني أخ وهو من تجَّار الغنم، كان في البادية، ومعه قطيع غنم كبير، وأصابهم عطش شديد، كاد يموت هو وغنمه، فناجى ربه، وقال: يا رب، إنك تعلم أنني ما عرفت الحرام في حياتي، ولا أكلت درهماً حراماً، إن كان هذا العمل عندك مقبولاً فَفَرِّج عنَّا.. النبي علَّمنا إذا كنَّا في ضائقة، في مشكلة، في أزمة أن نذكر صالح أعمالنا، وإذا سألت نفسك ما العمل الذي سأُقدِّمه لله يوم القيامة ؟ من خلال أسرتك، أنت ابن من بنوّتك، أنت أب من أبوَّتك، أنت أخت مستمعة أم من أمومتها، الزوج من كونه زوجاً، إذا كانت زوجة هل أدَّت حقَّ زوجها ؟

((اعلمي أيتها المرأة وأعلمي من دونك من النساء أن حسن تبعُّل المرأة زوجها يعدل الجهاد في سبيل الله))

[ كنز العمال عن أسماء بنت يزيد الأنصارية ]

 لو أنَّ الزوجة سألت نفسها: هل قمت بحقِّ الزوج ؟ هل كنت زوجةً طَيّعةً ؟ هل كنت زوجةً صالحةً ؟ هل جعلته يسكن إليّك أم كنت منفِّرةً له ؟ كنت عبئاً عليه ؟ أم كنت تبحثين عما يغيظه ؟ إن كنتِ زوجةً فاسألي نفسك هذا السؤال، وإن كنتَ زوجاً فاسأل نفسك هذا السؤال: هل رحمتها ؟ هل أدَّيت حقَّها ؟ هل دللتها على الله ؟ هل أكرمتها، وإن كنتَ ابناً فاسأل نفسك هذا السؤال: هل كنت بارَّاً بوالديك ؟ وإن كنت جاراً فهل أديت حق الجار ؟ إن كنت صاحب معمل فهل أديت بضاعةً للمسلمين جيدة، بسعر معتدل ؟ أم وضعت مواد غير جيدة، مواد مسرطنة لأنها رخيصة ولا أحد يعلم ؟ هذه دقَّة بالغة، والسؤال هو: ما العمل الذي قدَّمته لله عزَّ وجل: من خلال الأسرة، من خلال المهنة، من خلال العبادة، هل دعوت إلى الله ؟ هل كنت قدوةً ؟
 هل كنت مرغِّباً في الدين أم منفِّراً منه ؟ هذا سؤال كبير، هل كنت واصلاً أم قاطعاً ؟ هناك من يقطع الناس عن سبيل الله، هل وصلتهم أم قطعتهم ؟ وعمل سيء واحد يقطعهم، قال بعضهم: " إنَّ ألف سلوكٍ ذكيٍّ يشد الناس إلى شيءٍ ما، وسلوكٍ أحمق واحد ينفِّرهم منه "، وألف سلوكٍ ذكيٍّ صادقٍ ومخلصٍ يجذب الناس إلى مبدأٍ ما، وسلوكٌ أحمقٌ واحدٌ ينفِّرهم منه.

 

﴿ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ ﴾

 ماذا قدَّمت ؟ هناك مدرِّس، أو مهندس، أو طبيب، أو صانع، أو صاحب حرفة، يا ترى هل أتقن الحرفة ؟ هل تعلم أن إتقان العمل جزءٌ من الدين ؟ هل تعلم أن الناس لا يحترمون دينك إذا كنت مهملاً لعملك ؟ هل تعلم أنك تنتزع إعجاب الناس بدينك من خلال إعجابهم باستقامتك والتفوِّق في عملك ؟ ماذا قدَّمت ؟ هل استعملت المواد المُحَرَّمة دولياً في تنمية النبات من أجل أن تربح، ولم تعبأ بصحَّة الناس ؟ هؤلاء الذين يستخدمون الهرمونات في تنمية النبات عند العقد هؤلاء لا يبالون بصحَّة الناس، هل استخدمت موادّ مضرَّة من أجل أن تربح ؟
 إخواننا الكرام، هناك مسؤولية كبيرة، وقد قالوا عن كاتب أدبه سخيف: " إنك تقرأ قصَّته وتتثاءب وتنام، بينما الكاتب الخطير تقرأ قصَّته وتنتهي من قراءتها فتبدأ متاعبك مع نفسك ".
 هذا كلام خطير، هذا كلام ربِّ العالمين، هذا كلام خالق الأكوان، هذا كلام الذي سيسألنا وسيُحاسبنا.

 

 

﴿ فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ(92)عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ(93) ﴾

 

( سورة الحجر)

﴿ فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَه(7)وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَه(8) ﴾

(سورة الزلزلة )

 قال: قد كُفيت.. أعرابي سأل النبي الكريم قال: عِظني ولا تطل، فتلا عليه هذه الآية، فقال: قد كفيت، فقال عليه الصلاة والسلام:

((فَقُهَ الرجل ))

[ ورد في الأثر ]

 لم يقل: فَقِهَ، بل إنه قال: فَقُهَ، أي صار فقيهاً.
 هذا سؤال كبير، لك بيت، لك زوجة، لك أولاد، لك عمل، لك حرفة، لك لقاءات، وسهرات، ونُزُهات، وعلاقات، وسفر، ماذا فعلت في السفر ؟ هل لأعمالك هدفٌ بعيد ترضي الله عزَّ وجل به ؟

﴿ اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ ﴾

 بالأمثلة البسيطة القريبة منا: الطالب في العام الدراسي: مَن هو الذي سيأخذ الدرجة الأولى على مستوى القطر ؟ هو الذي لم تغادر لحظة الامتحان مخيّلته ثانية واحدة، ماذا سأكتب في الامتحان ؟ لو جاءتنا مسألة ماذا سأجيب، وكيف سأحلُّها ؟ هذا الذي يفكِّر في ساعة الامتحان ينال الدرجة الأولى.

﴿ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ ﴾

 لا أحدَ يضمن أن يعيش ساعة قادمة:

 هل يستطيع أحد أن يُلغي الموت من حياته ؟ هل منَّا واحد يستطيع أن يضمن حياةً لساعةٍ قادمة ؟
 كنَّا مرَّةً في احتفال المولد في جامع قريب منَّا، دخلت إلى المسجد، أحد أفراد الجمعية استقبلني، ورَحَّب، وابتسم، فدخلت، وبعدما جلست بدقائق رأيت أن هناك حركة غير طبيعية في المسجد، فلم أعرف ما السبب، اضطراب، وعريف الحفلة اضطرب، ولكن الحفل استمر، ثم أُنبئت أن هذا الذي استقبلني ورَحَّب بي توفي بعد دقائق، إنه كان قبل دقيقة واقفا يرتدي أجمل الثياب.. فمن منَّا يضمن أن يعيش ساعة، " من عدَّ غداً من أجله فقد أساء صحبة الموت ".
 هناك قصص كبيرة ومؤثِّرة جداً، فهذا السؤال إخواننا الكرام يجب أن نطرحه على أنفسنا، لأن الله أمرنا أن نطرحه على أنفسنا، إنه أمر إلهي.

﴿ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ ﴾

 أحياناً أخ كريم شاب ابن ثمانية عشر عاما، أو عشرين، أو خمسة وعشرين يقول: أنا ما زلت صغيراً على الموت، هل يراعي الموت عمراً ؟ لا، أبداً، إن الشباب يموتون في سنٍ مبكر، وهناك جلطات في سن الثلاثين، والخمسة وعشرين، واثنين وثلاثين، الموت لا أحد يعلم متى يأتي.
 أيها الإخوة الكرام، يجب أن تعدَّ للآخرة عملاً صالحاً، فإن الله لا يقبل من العمل إلا ما كان خالصاً وصواباً، هكذا قال الفُضَيْل، خالصاً، أي ما ابتغي به وجه الله، وصواباً ما وافق السنَّة، فإذا اقتطعت من وقتك الثمين، من زحمة المشاغل، من الانهماك في الأعمال واللقاءات، والمواعيد والصفقات، إذا انتزعت من وقتك الثمين وقتاً من نوع غار حِراء، تقول فيه: من أنا ؟ لماذا خلقني الله عزَّ وجل ؟ ماذا ينبغي عليَّ أن أفعل في الدنيا ؟ ماذا بعد الموت ؟ اتخذ قرارا، هذا الذي لا يفكِّر، ويعيش على هامش الحياة إلى أن يأتيه الموت بغتةً هذا إنسان جاهل.

 

﴿ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ ﴾

 

 مرة ثانية: وَاتَّقُوا اللَّهَ

 بعض علماء التفسير قال: " الأولى.. اتقوا الله في التوبة والإصلاح عن ما مضى.. والثانية للمستقبل "، أي اعقدوا العزم على أن لا تعصوا الله أبداً في المستقبل، والأولى اعقدوا توبةً نصوحاً مع الله عزَّ وجل.

 احذروا فـ: إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ

 لكن قد تقول أيها الأخ الكريم: أنا فعلت كذا، وفعلت كذا، وقدَّمت كذا، ودفعت كذا، وتكلَّمت كذا، وألقيت كلمة في الوقت الفلاني، لكن هذا العمل من يعرف حقيقته ؟ الله وحده.

﴿ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ﴾

((إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ ))

[ البخاري عن عمر ]

 احذر ألاّ يكون عملُك خالصا وصوابًا:

 عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ:

((إِنَّ أَوَّلَ النَّاسِ يُقْضَى يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَيْهِ رَجُلٌ اسْتُشْهِدَ، فَأُتِيَ بِهِ، فَعَرَّفَهُ نِعَمَهُ فَعَرَفَهَا، قَالَ: فَمَا عَمِلْتَ فِيهَا ؟ قَالَ: قَاتَلْتُ فِيكَ حَتَّى اسْتُشْهِدْتُ، قَالَ: كَذَبْتَ، وَلَكِنَّكَ قَاتَلْتَ لِأَنْ يُقَالَ: جَرِيءٌ، فَقَدْ قِيلَ، ثُمَّ أُمِرَ بِهِ فَسُحِبَ عَلَى وَجْهِهِ حَتَّى أُلْقِيَ فِي النَّارِ، وَرَجُلٌ تَعَلَّمَ الْعِلْمَ، وَعَلَّمَهُ، وَقَرَأَ الْقُرْآنَ، فَأُتِيَ بِهِ، فَعَرَّفَهُ نِعَمَهُ فَعَرَفَهَا، قَالَ: فَمَا عَمِلْتَ فِيهَا ؟ قَالَ: تَعَلَّمْتُ الْعِلْمَ، وَعَلَّمْتُهُ، وَقَرَأْتُ فِيكَ الْقُرْآنَ، قَالَ: كَذَبْتَ، وَلَكِنَّكَ تَعَلَّمْتَ الْعِلْمَ لِيُقَالَ: عَالِمٌ، وَقَرَأْتَ الْقُرْآنَ لِيُقَالَ: هُوَ قَارِئٌ، فَقَدْ قِيلَ، ثُمَّ أُمِرَ بِهِ فَسُحِبَ عَلَى وَجْهِهِ حَتَّى أُلْقِيَ فِي النَّارِ، وَرَجُلٌ وَسَّعَ اللَّهُ عَلَيْهِ، وَأَعْطَاهُ مِنْ أَصْنَافِ الْمَالِ كُلِّهِ، فَأُتِيَ بِهِ، فَعَرَّفَهُ نِعَمَهُ فَعَرَفَهَا، قَالَ: فَمَا عَمِلْتَ فِيهَا ؟ قَالَ: مَا تَرَكْتُ مِنْ سَبِيلٍ تُحِبُّ أَنْ يُنْفَقَ فِيهَا إِلَّا أَنْفَقْتُ فِيهَا لَكَ، قَالَ: كَذَبْتَ، وَلَكِنَّكَ فَعَلْتَ لِيُقَالَ: هُوَ جَوَادٌ، فَقَدْ قِيلَ، ثُمَّ أُمِرَ بِهِ فَسُحِبَ عَلَى وَجْهِهِ، ثُمَّ أُلْقِيَ فِي النَّارِ ))

[ مسلم ]

 إنه شيءٌ مخيف، وإن الله لا يقبل من الأعمال إلا ما كان خالصاً وصواباً.. خالصاً ما ابتغي به وجه الله، وصواباً ما وافق السنَّة، امتحن دائماً عملك، هل هو وفق السنَّة ؟ ماذا تبتغي منه ؟ أن تنتزع إعجاب الناس ؟ أن يقول الناس عنك: إنسان صالح ؟ إنسان كريم، محسن كبير ؟ رجل فقيه، رجل عالم ؟ أم أنك تبتغي وجه الله عزَّ وجل ؟ " إن الله لا يقبل من الأعمال إلا ما كان خالصاً وصواباً ".. خالصاً ما ابتغي به وجه الله، وصواباً ما وافق السنَّة.

﴿ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ﴾

 حجم العمل، مؤدَّى العمل، غاية العمل، بواعث العمل، خلفيات العمل، ملابسات العمل، حجم التضحية، كله محسوبٌ بدقَّةٍ بالغةٍ عند الله عزَّ وجل، هذا كله يعلمه الله عزَّ وجل، لذلك اتَّقِ الله أن تماري أحداً، اتَّقِ الله أن تعرض عملك على الناس كي تنتزع إعجابهم.

﴿ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ﴾

 حينما تبيّن للخبير تكون إنسانا أحمق، أنت أمام خبير مثلاً بالماس، أو بالذهب، إن قلت له: هذا ذهب عيار أربعة وعشرين، هذا كلامٌ ليس له معنى إطلاقاً، لأن الخبير يعلم كل شيء، لذلك أنت أمام الخبير فعليك أن تلوذ بالصمت.

 

﴿ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ﴾

 أيها الإخوة الكرام.

 

﴿ وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ ﴾

( سورة الحشر: الآية 19)

 وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُوْلَئِكَ هُمْ الْفَاسِقُونَ

 1 ـ نَسُوا اللَّهَ

 وهذه آية من أدق الآيات، نسوا الله، نسي الإنسان ربَّه، ليس معنى نسي الله أنه أنكر وجوده، لا، لم ينكر وجوده.

﴿ وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ ﴾

( سورة العنكبوت: الآية 61 )

 لكنه لم يُقبِل عليه، لم يعبأ بأمره ونهيه، لم يتوجَّه إليه، لم يجعله هدفاً لأعماله، فهو قد سمع الناس يقولون شيئاً فقاله، عاش في مجتمعٍ إسلامي، سمع خُطَب الجمعة، عرف أن لهذا الكون خالقاً هو الله، لكن أمره ونهيه لم يدخله في حساباته اليومية، لم يُقِم بيته على مبدأ الإسلام، لم يربِّ أولاده تربيةً إسلامية، لم يُقِم عمله على منهج الله عزَّ وجل، إنه نسي الله، نسي أمره، ونسي نهيه، نسي منهجه، ونسي أنه هو الهدف، نسي أن الحياة الدنيا مؤقَّتة، نسي الآخرة.

 

﴿ وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ ﴾

 

 2 ـ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ

 نسيان الله أنساهم أنفسهم، حينما تنسى الله لا تعرف لماذا خلقك ؟ حينما لا تعرف أن الله خلق السماوات والأرض، وأن الله سبحانه وتعالى هو الأول والآخر، والظاهر والباطن، وأنَّه إليه يرجع الأمر كله، بيده كل شيء، الله عزَّ وجل يقول:

﴿ مَا يَفْتَحْ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلا مُمْسِكَ لَهَا ﴾

( سورة فاطر: الآية 2 )

 حينما نسيت الله فنسيانك لله أنساك هويَّتك، من أنت ؟ أنت المخلوق المكرَّم، لم يعرف نفسه، أنت مخيَّر، لم يعرف نفسه، أنت مكلَّف، لم يعرف نفسه، أنت في دنيا محدودة، الدنيا إعدادية لحياةٍ أبديةٍ عُليا، لم يعرف، جعل الدنيا أكبر همِّه، ومبلغ علمه، جعل الدنيا نهاية آماله، ومحطَّ رحاله، حينما نسي الله، ونسي سرَّ الخلق نسي نفسه، نسيانه لله عزَّ وجل أنساه نفسه، لذلك الكافر نفسه هَينةٌ عليه، لا قيمة لنفسه عنده.
 إخواننا الكرام، هناك أشياء ترفضها، لأنك تحتقرها، إلا أنك إذا رفضت الدين إنما تحتقر نفسك.

 

﴿ وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ ﴾

 

( سورة البقرة: الآية 130 )

 أنت حينما ترفض دين الله عزَّ وجل أن تعتنقه، ترفض منهج الله أن تطبقه، ترفض هذا الدين القويم أن تتمسَّك به، ترفض هذا التفسير الدقيق المُطْلَق في صحَّته أن تعتنقه فأنت تحتقر نفسك.

﴿ وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُوْلَئِكَ هُمْ الْفَاسِقُونَ ﴾

 3 ـ أُوْلَئِكَ هُمْ الْفَاسِقُونَ

 كأنها سلسلة، حينما فسق عن أمر ربه حُجِب عن الله عزَّ وجل فما عرفه، وحينما لم يعرف الله عزَّ وجل لم يعرف من هو، القضية مترابطة، إن عرفت أن لهذا الكون خالقاً، خلقنا من أجل أن يسعدنا، من أجل أن يرحمنا، خلقنا لجنَّةٍ عرضها السماوات والأرض، جاء بنا إلى الدنيا لتكون إعداداً للجنَّة، أعطانا العقل، أعطانا الكون، أعطانا حرِّية الاختيار، أودع فينا الشهوات، أعطانا قوَّةً في ما يبدو كي نحقق اختيارنا، قلت: فيما يبدو، أعطانا المنهج الكتاب والسنَّة، جعلنا المخلوق المكرَّم، سخِّرت لنا السماوات والأرض، كلَّفنا بالأمر والنهي، أنت إن لم تعرف هذا فلا تعرف مَن أنت، فالقضية مترابطة..

﴿ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ ﴾

 لم يعرف نفسه، من أنت ؟ يقول لك: نحن نعيش، لماذا أنت تعيش ؟ مِن قلَّة الموت، ماذا تفعل ؟ إننا نزاحم في الدنيا، والله شيء جميل، هذا كلام الناس، لماذا أنت عايش ؟ قال:

 

((كالناقة عقلها أهلها، فلا تدري لمَ عُقِلَت ؟ ولمَ أُطلِقَت ؟ ))

 

[ ورد في الأثر ]

 لماذا هناك موت ؟ إنه لا يعرف، لماذا هناك مصائب ؟ يقول لك: هكذا الله قدّر علينا، فما السبب ؟ أين قوله تعالى:

 

﴿ وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ ﴾

 

( سورة الشورى )

 وأين..

﴿ مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ ﴾

( سورة النساء: الآية 147 )

 لماذا لا يوجد رزق وفير ؟ لأن ثمة جفافا، الله عنده جفاف ؟ الإنسان يقنن تقنين عجز، أما هل الله يقنن تقنين عجز ؟ إنه يقنن تقنين تأديب.

﴿ وَأَلَّوْ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا(16) لنَفْتِنَهُمْ فِيهِ ﴾

( سورة الجن )

﴿ وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتقوا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنْ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ ﴾

( سورة الأعراف: الآية 96 )

 هذا كلام ربنا.

 

﴿ فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا(10) يُرْسِلْ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا(11) وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا(12) مَا لَكُمْ لا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا(13) ﴾

( سورة نوح )

 اعرف الحقيقة قبل فوات الأوان:

 فلذلك الآية الكريمة فيها سلسلة، حينما يفسق الإنسان يُحجَب بمعصيته عن الله، إن حُجِبَ عنه ما عرفه، وإن لم يعرف الله لم يعرف نفسه.
 إن الإنسان إذا عرف أن هناك جامعة، وهذه جامعة من يتخرَّج منها ينال أعلى المرتبات.. مثلاً.. إذا عرف قيمة هذه الجامعة، وعرف أنها تعطي مرتبةً عُليا لمن ينجح في امتحاناتها، وأن مستقبله يصبح زاهراً، وهو طالبٌ فيها، متى عرف قيمته ؟ حينما عرف قيمة جامعته، متى عرف قيمته كطالب في هذه الجامعة ؟ حينما عرف قيمة جامعته، لو لم يعرف قدرها لم يعرف قدره، هذا مثل للتوضيح..

﴿ وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ ﴾

 فاعل أنساهم: نسيان الله أنفسهم، فنسيان الله أنساهم أنفسهم.

 

﴿ أُوْلَئِكَ هُمْ الْفَاسِقُونَ ﴾

 الفسق خطير، ومضاعفاته خطيرة، والإنسان يفسُق فيحجَب، ويحجَب فيجهل، ويجهل فيجهل نفسه، جهل نفسه فجهل حقيقته، جهل هويّته، جهل دوره، جهل تكليفه، جهل أمانته، جهل مصيره، يأتيه الموت فجأةً..

 

﴿ فَذَرْهُمْ حَتَّى يُلاقُوا يَوْمَهُمْ الَّذِي فِيهِ يُصْعَقُونَ ﴾

( سورة الطور )

 ماذا قولك عن رجلٍ.. للتقريب.. يبيع أرضه خمسمائة دنم، وبيته في حي المالكي، ومعمله، وفيلا راقية، وسيارته، ويقبض ثمنها عملة صعبة، ثم يكتشف فجأةً أن العملة كلّها مزوَّرة، هذا الخبر كيف وقعه عليه ؟ كل شيء يملكه باعه بعملة صعبة، ثم اكتشف فجأةً أنها كلّها مزوَّرة، هذا هو الصَعْق، عندما يأتي الإنسان يوم القيامة يجد أن كل شيءٍ فعله في الدنيا..

 

﴿ وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا ﴾

 

( سورة الفرقان )

 إخواننا الكرام... كل إنسان يندم فهذا يدلّ على وجود قصور في تفكيره، والعاقل ينبغي أن لا يندم، لأنه عرف الحقائق المستقبلية، وانسجم معها من الآن.
 تصوَّر طالبًا عرف خطورة الامتحان، واستعدَّ له أعلى استعداد، فإذا جاء الامتحان والأسئلة واضحة، يعرف الأجوبة الكاملة، وهو يكتبها، فإنه في الامتحان هو في أسعد لحظات حياته، لأن الحقيقة المستقبلية انسجم معها من الحاضر، حتى إنهم يقولون في علم النفس: " من أرقى الذكاء التكيُّف ".

 ساعة المغادرة:

 أنت إنسان، أنت بضعة أيام، كلَّما انقضى يومٌ انقضى بضعٌ منك، هل يوجد أحد ليس له عمر عندنا في الأرض ؟ ضع رقمًا كمثال: ثلاث وسبعون سنة، وخمسة أشهر، وأسبوع، وخمسة أيام، وثماني ساعات، وأربع دقائق، وثلاث ثوان، هذا هو عمره، كل ساعة بل كل ثانية تقرَّبنا إلى الأجل، أنت كائن متحرِّك لهدف ثابت، لملاقاته، كلَّما تمضي ثانية في الساعة معنى هذا أنها ذهبت من عمرك، الإنسان بضعة أيام كلَّما انقضى يومٌ انقضى بضعٌ منه، أما عندما يأتي مَلَك الموت فلا رجعة.
 إذا كان الإنسان مقيمًا في دولة نفطية، ومعه إقامة، وكتبوا له: مغادرة بلا عودة، يمكن أن يصاب بجلطة، وكلنا سوف نغادر ولا نعود، فعندما يأتي ملك الموت تكون المغادرة بلا عودة، وإذا مات الإنسان، وشُيِّع، ودفن، هل يقول أهله مساءً: لماذا لم يأت فلان ؟ لا، إنه لن يرجع، غرفته انتهت، وملابسه يوزِّعونها، هذه الساعة الحرجة.. ساعة مغادرة الدنيا.. ينبغي أن نعرف خطورتها، ينبغي أن نستعدَّ لها من الآن.
 والله أيها الإخوة، إن الإنسان المؤمن الذي يستعدُّ لهذه الساعة بالتوبة والطاعة والاستقامة والعمل الصالح، والله حينما يأتي ملك الموت ليس في الأرض كلِّها إنسانٌ أسعد منه.. << وا كربتاه يا أبتا، قال: لا كرب على أبيك بعد اليوم، غداً نلقى الأحبَّة محمَّداً وصحبه >>..
 تصوَّر لو أن طالبا يدرس في بلد أجنبي، يعمل في مطعم خادما يغسل الصحون، ويدرس، وهو ساكن في غرفة قميئة إلى أن نال الدكتوراه، إنه موعود في بلده بأعلى منصب، وأجمل بيت، وأجمل زوجة، وأجمل مركبة، أخذ الشهادة، وصَدَّقها، ووضعها في حقيبته، وقطع تذكرة السفر، وصعد إلى الطائرة، وهو يصعد الطائرة هو في أسعد لحظات حياته.. كيف القدوم على الله يا أبا حازم ؟ قال: " كالغريب عاد إلى أهله ".
 سيدنا رسول الله تفقَّد أحد أصحابه اسمه سعد بن الربيع، بحث عنه أصحابه، فإذا هو بين الموت والحياة في ساحة المعركة، قيل له: "يا سعد بن الربيع، إن النبي قد أمرنا أن نتفقَّد حالك، هل أنت مع الأحياء أم مع الأموات ؟ أي هل هناك أمل ؟ فقال: بل أنا مع الأموات، ولكن بلِّغوا نبي الله مني السلام، وقولوا له ـ وهو في الرمق الأخير ـ: جزاك الله عنَّا خير ما جزى نبيّاً عن أمَّته، وقولوا لأصحابه: لا عُذْرَ لكم إذا خُلِص إلى نبيكم وفيكم عينٌ تطرف ".
 ما حالة هذا الإنسان ؟ حالة هذا الإنسان في أعلى درجات السعادة، لأنه أدَّى ما عليه.
 عندما نظر النبي صلى الله عليه وسلم إلى أصحابه قبل أن يتوفَّاه الله عزَّ وجل لأول مرَّة يبتسم حتى رأى الناس نواجذه، قال:

((علماء حكماء كادوا من فقههم أن يكونوا أنبياء ))

[ تخريج أحاديث الإحياء ]

 إنه أدَّى الأمانة.. اللهمَّ إني أديت الأمانة، وبلَّغت الرسالة، ونصحت الأمة، هكذا أنت تقول أمام قبر النبي: " نشهد أنك بلغت الرسالة، وأدّيت الأمانة، ونصحت الأمة، وكشفت الغُمَّة، وجاهدت في الله حقّ الجهاد، وهديت العباد إلى سبيل الرشاد ".
 إذا كان الرجلُ منَّا الله خلقه في الدنيا، ثم كبر، وصار أبًا، تزوج امرأة صالحة، وأنجب أولادا، ربَّاهم تربية إسلامية، له عمل ابتغى به خدمة المسلمين، له دعوة إلى الله، له سَمْتُه الحسن، له أعماله الصالحة، له إنفاقه، ثم جاء ملَك الموت فإنه يقول له: أهلاً بك، الله يسلِّم عليه.

﴿ سَلامٌ قَوْلا مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ ﴾

( سورة يس )

﴿ قِيلَ ادْخُلْ الْجَنَّةَ قَالَ يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ (26) بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي ﴾

( سورة يس )

 لَا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ

 لا يستوي الصنفان:

 لابد للإنسان أن يكون على منهج الله، ويعرف حقيقة هذا الدين..

﴿ أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِنًا كَمَنْ كَانَ فَاسِقًا لا يَسْتَوُونَ ﴾

( سورة السجدة )

 مَن عنده قطعة من الماس صغيرة، ثمنها ثمانية ملايين ليرة، وآخر عنده قطعة فحم كبيرة، هل هما مثل بعضهما ؟ قطعة الماس ثمنها ثمانية ملايين، وقطعة فحم للحم المشوي وكبيرة، ويفتخر بكبرها، إنه أحمق..

﴿ أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِنًا كَمَنْ كَانَ فَاسِقًا لا يَسْتَوُونَ(18) ﴾

( سورة السجدة )

﴿ أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ(35)مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ ﴾

( سورة القلم)

﴿ أَفَمَنْ وَعَدْنَاهُ وَعْدًا حَسَنًا فَهُوَ لاقِيهِ كَمَنْ مَتَّعْنَاهُ مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ هُوَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ الْمُحْضَرِينَ ﴾

( سورة القصص )

﴿ أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ ﴾

( سورة الجاثية )

﴿ لَا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ ﴾

( سورة الحشر: الآية 20)

 أين الثرى من الثُريّا ؟ لا توجد نسبة، إنسان جاهل جهلا مطلقا، وإنسان يحمل أعلى شهادة في العالم، لو جلسا جنبًا جنب وتحدَّثا، فلا توجد نسبة.
 أبو حنيفة النعمان رضي الله عنه كان يدرِّس، يبدو أن هناك ألما في رجله، وتلاميذه يحبونه.. مع أن النبي ما رئي ماداً رجليه قط.. يبدو أنه معذور فمدَّ رجله، دخل إنسان طويل القامة، عظيم الهيئة، يرتدي عمامة وجبَّة، فظنَّه عالماً، فاستحيا، فرفع رجله، وجلس، وكان الدرس عن صلاة الفجر، بعد أن أتمَّ الدرس سأله الرجل: وقال له: كيف نصلي الفجر إذا طلعت الشمس قبل الفجر ؟ فقال له: عندئذٍ يمدُّ أبو حنيفة رجله.
 شتَّان بين العالم والجاهل، هناك عالم وهناك جاهل، هناك إنسان رحيم، وهناك إنسان قلبه كالصخر، شتان بين الرحمة والقسوة، وبين العدل والجَوْر، وبين الإحسان والإساءة، وبين الاستقامة والانحراف، وبين الصدق والكذب، وبين الإخلاص والخيانة، لا يوجد شيء يجمع بينهما، الدنيا فيها مراتب، هل بائع متجوّل يشبه أكبر مستورد ؟ إنسان يعمل بأعلى منصب في الجيش، هل هو مثل جندي غر ؟ هناك فرق كبير في كل شيء، هل الأستاذ في الجامعة كإنسان يحمل شهادة ابتدائية ؟ هناك فرق كبير جداً..

﴿ لَا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ ﴾

 لو أن قطعتين من اللحم، قطعة لحم مشوية، وهي من أجود الأنواع، وقطعة لحم متفسِّخة من خمسة أيام، وريحها تصل إلى ما بعد خمسين مترًا، إنَّ هذه لحم، وهذه لحم، فهل يستويان ؟ والله البونُ شاسع بينهما، وأنا أعتقد أنه لا توجد رائحة على وجه الأرض أكثر إيذاء للإنسان من اللحم المتفسِّخ، وكلكم سافرتم، فإذا كان هناك حيوان ميت متفسِّخ من مئتي متر تجد أنك لا تتحمَّل الرائحة، فتسد أنفك، وتضاعف السرعة لكي تتخلَّص من هذه الرائحة، وهناك لحم مشوي، وكلاهما لحم..

﴿ لَا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ ﴾

 لا يستوي، المؤمن عالم.. ما اتخذ الله ولياً جاهلاً ولو اتخذه لعلَّمه.. الكافر جاهل، إنه كتلة جهل، وقد يكون يحمل أعلى شهادة، ولكن لأنه لم يعرف الله فهو جاهل، قد يكون في اختصاصه متفوِّقا، هذا يسمى ذكيا ولا يسمى عاقلاً، بالمعاملة ؛ هذا مستقيم وهذا منحرف، هذا وفيّ وهذا خائن، هذا حيي وهذا وقح، هذا عفوّ وهذا منتقم، هذا صبور وهذا لجوج، هذا منصف وهذا ظالم، هذا سامٍ وهذا دنيء، هذا وديع وهذا فيه غلظة، هذا مؤنس وهذا موحش، لا يستويان، المؤمن متصل بالله فاشتقّ من كماله، وأي مؤمن إن اتصل بالله عزَّ وجل اشتقَّ من كماله، فتجد فيه الوداعة واللطف، والأدب والحياء، والرحمة والشفقة، والعدل والإنصاف، والورع والخوف، والافتقار والتواضع ؛ وابتعد عن الكبر والغطرسة، والعنجهية والسيطرة، والدناءة والأنانية، والأثرة والقسوة والجحود..

 

﴿ لَا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ ﴾

 والله لو عشت مع مؤمنٍ، وعشت مع عاصٍ أو كافر لو لم ينطق كلاهما بكلمة لرأيت البون شاسعاً بينهما.
 حدَّثني طبيب يعمل في مستشفى قال لي: زارنا مريض معه ورم خبيث في أمعائه، وهو مؤمن، لكن العجب أنه كلَّما دخلنا عليه استأنسنا به، كلَّما دخل عليه إنسان يقول له: أتشهد أنني راضٍ عن الله ؟ اشهد على أنني راضٍ على ما ساقه الله لي، يا رب لك الحمد، قال لي: حينما يضغط على كبسة الجرس يتنافس الممرضون لخدمته، ويتنافس الأطبَّاء لخدمته، واضطروا أن يفتحوا أمعاءه، وأن يخرج الغائط من طرف أمعائه، قال لي: والله.. وهو صادق.. إذا دخلنا لغرفته فهي برائحة المسك، وجه منير، تسبيح وذكر وصبر، واعتراف بالفضل، ويا رب، إني راضٍ عن فعلك، فارض عني، ويُشهِد كل الناس أنه راضٍ عن الله، ثم توفي هذا المريض، وانصرف إلى رحمة الله، قال لي: لحكمةٍ أرادها الله ولدرسٍ تأديبيٍّ لنا جاءنا مريض بالمرض نفسه، ورم خبيث في الأمعاء، قال لي: لا يوجد نبي لم يسبَّه، رائحة الغرفة لا تطاق، كلَّما قرع الجرس لا أحد يستجيب له، يتكلَّم كلامًا غير معقول، نفس غليظة، اعتراض على حكم الله، يتكلَّم بالكفر، انظر الشاهد:

 

﴿ لَا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ ﴾

 المرض نفسه، هذا تلقَّاه بالصبر، والثاني بالضجر، هذا بالشكر، وهذا بالجحود، هذا بالهدوء، وهذا بالضجيج، هذا بالعرفان بالجميل، وهذا بإنكار الفضل.

 

﴿ لَا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ الْفَائِزُونَ ﴾

 

 أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ الْفَائِزُونَ

 قد يفوز الكافر في الدنيا.

﴿ لا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلادِ(196) مَتَاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ(197)لَكِنْ الَّذِينَ اتقوا رَبَّهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ ﴾

( سورة آل عمران )

 لابد من استخدام مقاييس القرآن للفوز:

 ينبغي أن تستخدم مقاييس كتاب الله، أن تقيّم الناس لا بحجمهم المالي، ولا بقوَّتهم، بل بطاعتهم لله..

﴿ وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ﴾

( سورة الأحزاب )

 هذا كلام ربنا.

﴿ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ﴾

 أحياناً يقول لك أحدُهم: أخذنا أرضا الدنم بعشرين ألف ليرة، الآن بستة ملايين لا أبيع هذا الدنم، خير إن شاء الله ؟ يظن أنه فاز فوزاً عظيماً، اشترى بيتا بثلاثين ألفًا فأصبح ثمنه ثمانية ملايين، يظن نفسه فاز فوزاً عظيماً، وكيل شركة حصرية أرباحها طائلة، ومركزه مكين في الشركة، يظن أنه قد فاز فوزاً عظيماً، وصل إلى منصبٍ رفيع، يظن أنه قد فاز فوزاً عظيماً، لكن الله يقول:

﴿ وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ﴾

﴿ وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنْ الْمُسْلِمِينَ ﴾

( سورة فصلت )

﴿ لَا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ الْفَائِزُونَ ﴾

 أي إن الإنسان إذا كان في طريق الجنَّة فهذا من أسعد الناس، وفي الكون حقيقة: أن الله جلَّ جلاله هو كل شيء، هو الأول والآخر، والظاهر والباطن، وأيّ شيء يقرِّبك منه فهو الحق، وأيّ شيءٍ يبعدك عنه فهو الباطل، فلذلك:

﴿ لَا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ الْفَائِزُونَ ﴾

 هم الفائزون بنصِّ القرآن الكريم، وهناك مليون نص آخر غير قرآني يبين أن الغني هو الفائز، القوي هو الفائز، الذكي هو الفائز، المنتمي إلى فئة معيَّنة هو الفائز، لا..

﴿ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ الْفَائِزُون ﴾

 وأصحاب الجنَّة هم الطائعون، الجنَّة لكل الناس، لكن لها ثمن، سلعة الله غالية، وثمنها طاعة الله عزَّ وجل.

﴿ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ الْفَائِزُون ﴾

 ثم يقول الله عزَّ وجل:

﴿ لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ ﴾

 لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ

 هذه الآية لها تفسيرات عدَّة:

 1 ـ معنى الآية:

 أحد تفسيراتها: أن النبي صلى الله عليه وسلَّم أنزل الله عليه القرآن، وكان ثابتاً..

﴿ مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى ﴾

( سورة النجم )

 إذاً: النبي عليه الصلاة والسلام كان أشدَّ رسوخاً من الجبال، وحي السماء ينزل على إنسان ويتحمَّله !!

﴿ لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ ﴾

 2 ـ كيف يخشع الجبل ولا يخشع الإنسانُ ؟!!

 القرآن فيه الحق، فيه وعد خالق الكون، فيه وعيده، فيه حلالٌ وحرام، فيه أمر ونهي، فيه تاريخ البشرية، فيه مستقبل البشرية، فيه غيب الماضي، فيه غيب الحاضر، فيه غيب المستقبل، قرآن، إذا أنزِل على جبلٍ، وكان لهذا الجبل عقلٍ لاستوعبه، وآمن به، وخشع له، فكيف إذا أُنزل على البشر العقلاء الذين وهبهم الله أعظم نعمةٍ على الإطلاق، نعمة العقل، ومع ذلك لا يتأثَّرون، ولا يعبؤون به، ولا يلقون له بالاً، بل اتخذوه وراء ظهورهم، وأهملوه.

 3 ـ القرآن مهجورٌ في حياة المسلمين:

 الآن في حياة المسلمين، ادخلْ إلى بيت مسلم تجد أنه لا يطبِّق منهج الله، طبعاً القرآن موجود، معلَّق في غرفة، وتوجد لوحات كثيرة قرآنية، آية الكرسي في كل البيوت تقريباً، لكن العلاقات، اللقاءات، الاجتماعات، السهرات، الندوات، الحفلات، الكسب، الإنفاق، خروج الزوجة، خروج البنات، كله غير إسلامي، إذاً: هذا القرآن لا يحكَّم في بيوتنا، ولا في أعمالنا، بل مكاسبنا ربوية، وهناك غش، وكذب ودجل، وإخفاء عيوب، وبيعة في بيعتين، آلاف المخالفات في أعمالنا، وفي بيوتنا، إذاً: هذا القرآن لا يحكِّم في حياتنا اليومية.
 أيها الإخوة الكرام، هذا القرآن الكريم إذا أنزل على جبلٍ لرأيته:

﴿ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا ﴾

 أي متشقِّقا ً..

﴿ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ ﴾

 4 ـ كتاب الله منهج للمسلمين:

 فكيف إذا أُنزل على إنسان من لحمٍ ودم، له عقل وله نفس، وله قوةٌ إدراكية، وقد كُلِّف حمل الأمانة، واختاره الله على علم، وجعله سيد المخلوقات، وسخَّر له الأرض والسماوات ؟ فهذا مثَلٌ يحثُّنا على أن نتمسَّك بهذا الكتاب، هذا منهج الله، هذه تعليمات الصانع، هذا حبل الله المتين، هذا ركنٌ ركين، هذا الملجأ، هذا المنهج، هذا الدستور، هذا الطريق القويم، هذا الصراط المستقيم، هذا كما يقول بعض الناس: المنهج الذي إن تمسَّكنا به وصلنا إلى سعادتنا في الدنيا والآخرة، فعلينا أن نقرأه، علينا أن نفهمه، علينا أن نتدبَّره، علينا أن نطبِّقه..

﴿ لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ ﴾

 وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ

 إذا كان الإنسان م

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور