وضع داكن
20-04-2024
Logo
الدرس : 3 - سورة الدخان - تفسير الآيات 37- 50 يوم القيامة هو يوم الفصل بين الخلائق
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

الحمد لله رب العالمين، والصّلاة والسّلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين.

اللهم لا علم لنا إلا ما علّمتنا إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علّمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علّمتنا وزدنا علمًا وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.


 معنى العبودية لله -عزَّ وجلَّ-:


أيها الأخوة الكرام؛ مع الدرس الثالث من سورة الدخان، مع الآية السابعة والثلاثين وهي قوله تعالى:

﴿  أَهُمْ خَيْرٌ أَمْ قَوْمُ تُبَّعٍۢ وَٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ ۚ أَهْلَكْنَٰهُمْ ۖ إِنَّهُمْ كَانُواْ مُجْرِمِينَ (37)﴾

[ سورة الدخان ]

معنى (أَهُمْ خَيْرٌ أَمْ قَوْمُ تُبَّعٍ) أي أن قوم تُبّع كانوا أقوى منكم، وكانوا أشدَّ منكم، وملكوا أطراف الأرض ومع ذلك أهلكهم الله -عزَّ وجلَّ- فمن أنتم؟! هذا كلام دقيق، لو أردنا أن نسحبه على حياتنا المعاصرة؛ إن كنت قوياً فقد أهلك الله من هو أقوى منك، إن كنت غنياً فقد دمر الله مال من هو أغنى منك، إن كنت ذكياً فقد وقع الذكي في شر عمله، فالإنسان إذا توهم أنه على شيء فقد أشرك؛ لأن هذا الشيء لو أراد الله أن يمحقه محقه في طرفة عين وليس لك أي حول ولا أي طول؛ هذا المعنى هو معنى العبودية لله -عزَّ وجلَّ-، إذا كنت على شيء فمن فضل الله، إذا كنت على جانب من القوة فمن كرم الله، إن كنت على جانب من اليسر فمن إكرام الله لك.


قوة المال والعلم والسلطان من دون إيمان تحمل صاحبها على الطغيان:


﴿ كَلَّآ إِنَّ ٱلْإِنسَٰنَ لَيَطْغَىٰٓ (6) أَن رَّءَاهُ ٱسْتَغْنَىٰٓ (7)﴾

[ سورة العلق ]

الإنسان قبل أن يعرف الله متى يطغى؟ (أَن رَّءَاهُ ٱسْتَغْنَىٰ) أن رأى نفسه قد استغنى، فالقوة في المال، والقوة في العلم، والقوة في السلطان هذه من شأنها من دون إيمان أن تحمل صاحبها على العدوان؛ لهذا يقول عليه الصلاة والسلام:

((  الْمُؤْمِنُ القَوِيُّ خَيْرٌ وَأَحَبُّ إلى اللهِ مِنَ المُؤْمِنِ الضَّعِيفِ، وفي كُلٍّ خَيْرٌ. احْرِصْ علَى ما يَنْفَعُكَ، وَاسْتَعِنْ باللَّهِ وَلَا تَعْجِزْ، وإنْ أَصَابَكَ شَيءٌ، فلا تَقُلْ: لو أَنِّي فَعَلْتُ كانَ كَذَا وَكَذَا، وَلَكِنْ قُلْ: قَدَرُ اللهِ وَما شَاءَ فَعَلَ؛ فإنَّ (لو) تَفْتَحُ عَمَلَ الشَّيْطَانِ.))

[ أخرجه مسلم عن أبي هريرة  ]

معنى القوي: أي أن القوة من دون إيمان خطرة لأنها تهلك صاحبها، كيف تهلكه؟ توقعه في الغرور، القوة تحجب عن الحقائق، المال يحجب، التفوق العلمي في العلوم المادية تحجب، فهناك ثلاث قوى: قوة العلم وقوة المال وقوة السلطان، هذه من دون إيمان من شأنها أن تحمل صاحبها على الطغيان، لذلك الإنسان أحياناً بجهد جهيد يصل إلى قمة النجاح لكن بغفلة يسيرة يقع في الشرك، فيعتد بنفسه ويقول: 

﴿ قَالَ إِنَّمَآ أُوتِيتُهُۥ عَلَىٰ عِلْمٍ عِندِىٓ ۚ أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ ٱللَّهَ قَدْ أَهْلَكَ مِن قَبْلِهِۦ مِنَ ٱلْقُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعًا ۚ وَلَا يُسْـَٔلُ عَن ذُنُوبِهِمُ ٱلْمُجْرِمُونَ (78)﴾

[ سورة القصص ]

فبلحظة واحدة وبغفلة يسيرة يصبح في الحضيض، ما الذي أهلكه؟ شركه، إذا قال:" أنا" فقد هوى، إذا قال: نحن.

﴿ قَالُواْ نَحْنُ أُوْلُواْ قُوَّةٍۢ وَأُوْلُواْ بَأْسٍۢ شَدِيدٍۢ وَٱلْأَمْرُ إِلَيْكِ فَٱنظُرِى مَاذَا تَأْمُرِينَ (33)﴾

[ سورة النمل ]

فقد هووا.

﴿ قَالَ أَنَا۠ خَيْرٌ مِّنْهُ ۖ خَلَقْتَنِى مِن نَّارٍۢ وَخَلَقْتَهُۥ مِن طِينٍۢ (76)﴾

[ سورة ص ]

فقد هلك، (إِنَّمَآ أُوتِيتُهُۥ عَلَىٰ عِلْمٍ عِندِى) .

﴿ فَخَسَفْنَا بِهِۦ وَبِدَارِهِ ٱلْأَرْضَ فَمَا كَانَ لَهُۥ مِن فِئَةٍۢ يَنصُرُونَهُۥ مِن دُونِ ٱللَّهِ وَمَا كَانَ مِنَ ٱلْمُنتَصِرِينَ (81)﴾

[ سورة القصص ]

انتبه الله-عزَّ وجلَّ- يعطي ويمتحن، إن أعطاك شيئاً فلا تنس أن الله هو الذي تفضل عليك به.

﴿ وَلَوْلَا فَضْلُ ٱللَّهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُۥ لَهَمَّت طَّآئِفَةٌ مِّنْهُمْ أَن يُضِلُّوكَ وَمَا يُضِلُّونَ إِلَّآ أَنفُسَهُمْ ۖ وَمَا يَضُرُّونَكَ مِن شَىْءٍۢ ۚ وَأَنزَلَ ٱللَّهُ عَلَيْكَ ٱلْكِتَٰبَ وَٱلْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُن تَعْلَمُ ۚ وَكَانَ فَضْلُ ٱللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا (113)﴾

[ سورة النساء ]

إذا ملكت النعمة فلا تنس المنعم، إذا ملكت الذكاء فلا تنسَ أن الله -سبحانه وتعالى- بقطرة دم لا يزيد حجمها عن حجم رأس دبوس تفقد ذاكرتك، ويختل عقلك، ويتوسط أهلك كي يودعوك في مستشفى الأمراض العقلية، بوساطة وبجهد جهيد وكان قد اشترى هذا البيت ورتبه ونظمه، وأولاده يتوسطون الآن كي يضعوا أباهم في مستشفى الأمراض العقلية، نقطة دم إذا تجمدت في بعض أوعية المخ تنسى الذاكرة كلها، قد تكون تحمل دكتوراة فَتُمْحى المعلومات كلها، زالت شخصية الإنسان كلها، أردتُ من هذه الأمثلة أن أبين أن الله إذا أعطى الإنسان شيئاً وهو في نعمة القوة فعليه ألاّ ينسى الذي أنعم عليه بهذه القوة، وهو في نعمة المال لا ينسى الذي أنعم عليه بنعمة المال، وهو في نعمة الصحة لا ينسى أن الله سمح له أن يعيش صحيحًا، فإذا بقي في النعمة ونسي المُنعم فقد أشرك، وإذا أشرك يُؤدب، كيف يُؤدب؟ يريه الله النعمة بفقدها لا بدوامها، وكان عليه الصّلاة والسّلام يدعو ربه ويقول: " اللهم أرنا نعمك بدوامها لا بزوالها".

بالشكر تدوم النعم:

أيها الإخوة الكرام؛ بالشكر تدوم النعم، كان عليه الصلاة والسلام تعظُم عنده النعمة مهما دقّت، كم منا من يدخل إلى بيته، معه مفتاح البيت، عنده مأوى، وكم ممن لا مأوى له، لو ذهبت إلى شرق آسيا ملايين الأسر تنام على قارعة الطريق هو وزوجته وأولاده، أو في القوارب، فمعك مفتاح وعندك مأوى، لو وجدت ثمن الطعام فهذه نعمة كبرى أطعمك، سيدنا عمر استقبل رسول عامله على أذربيجان فلما استضافه في بيته قال: يا أم كلثوم ما عندك من طعام؟ قالت: "والله ما عندنا إلا خبز وملح" ، سيدنا عمر-عملاق الإسلام وخليفة المسلمين- فقال: "هاته لنا" ، أكل مع ضيفه خبزاً وملحاً ولما انتهى قال: "الحمد لله الذي أطعمنا فأشبعنا، وأسقانا فأروانا" ، أنت حينما تأكل كم نوعاً من الطعام؟ تأكل ألوانًا مختلفة في بعض الولائم، هل قلت: "الحمد لله" من أعماق أعماقك للذي أطعمنا فأشبعنا وأسقانا فأروانا، شكر النعمة فيه سعادة حينما تعرف قدر المنعم، أي شيء في الجسم لو تعطل يجعل الحياة جحيماً، الله -عزَّ وجلَّ- يحبك أن تشكره، يحبك ألا تنسى فضله، يحبك ألا تتعامى عن كرمه (وَكَانَ فَضْلُ ٱللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا) وأكبر فضل أنه هداك إليه، عرّفك بذاته، علم فيك الخير فأسمعك الحق هذا فضل كبير؛ فلذلك الإنسان لو وصل إلى شيء من القوة فالله يدمر من هو أقوى منه، كلكم يعلم ويرى أحياناً مدينة من أرقى المدن، مدينة سياحية جميلة جداً هي على البحر ودخلها كالبحر، زلزال في ثلاث ثوانٍ يجعلها قاعاً صفصفاً.

﴿  لَّا تَرَىٰ فِيهَا عِوَجًا وَلَآ أَمْتًا (107)﴾

[ سورة طه ]

الله كبير، إذا بلدة فسقت يدمرها، إذا إنسان فسق يزلزله، إذا إنسان تجاوز يرسل إليه مرضاً عضالاً.


من هم التبابعة؟


فيا أيها الإخوة الكرام، هذه الآية (أَهُمْ خَيْرٌ أَمْ قَوْمُ تُبَّعٍ) قوم تُبّع أي قوم سبأ، وتُبّع أي كان ملكهم تُبعًا، والتبابعة ملوك اليمن كما أن القياصرة ملوك الروم والأكاسرة ملوك الفُرس، كان من هؤلاء الملوك ملك صالح أراد أن يغزو الجزيرة العربية ووصل إلى المدينة، أعلمه بعض العلماء أن هذه المدينة مكان هجرة رسول سيأتي بعد حين فامتنع عن غزوها، فلما وصل إلى الكعبة، أُنبئ أيضاً أن هذه الكعبة بيت الله فكساها وأكرمها، فالنبي الكريم كان يثني عليه لأن الأخبار تواترت بأنه كان صالحاً، وبعض الروايات تؤكد أنه كان نبياً، بعضهم فسد (أحد ملوك اليمن) ، (أَهُمْ خَيْرٌ أَمْ قَوْمُ تُبَّعٍ) تُبّع الله دمرهم بسد مأرب لأنهم فسقوا.

﴿ فَقَالُواْ رَبَّنَا بَٰعِدْ بَيْنَ أَسْفَارِنَا وَظَلَمُوٓاْ أَنفُسَهُمْ فَجَعَلْنَٰهُمْ أَحَادِيثَ وَمَزَّقْنَٰهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ ۚ إِنَّ فِى ذَٰلِكَ لَءَايَٰتٍۢ لِّكُلِّ صَبَّارٍۢ شَكُورٍ (19)﴾

[ سورة سبأ ]


المعاصي تدمر:


أي الإنسان حينما يعصي لسان حاله يقول: يا ربِّ دمرني، هذه الآية حيرت العلماء، أمعقول أنّ إنسانًا يدعو على نفسه؟! بلادهم جنات، بساتين، أنهار، خيرات.

﴿ وَإِلَىٰ مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا ۚ قَالَ يَٰقَوْمِ ٱعْبُدُواْ ٱللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَٰهٍ غَيْرُهُۥ ۖ وَلَا تَنقُصُواْ ٱلْمِكْيَالَ وَٱلْمِيزَانَ ۚ إِنِّىٓ أَرَىٰكُم بِخَيْرٍۢ وَإِنِّىٓ أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍۢ مُّحِيطٍۢ (84)﴾

[ سورة هود ]

وفرة المواد ورخص الأسعار، (إِنِّىٓ أَرَىٰكُم بِخَيْرٍ) كانت البلاد متصلة لشدة الرخاء والعمران والبساتين والماء والأنهار والينابيع؛ العمران متصل (فَقَالُواْ رَبَّنَا بَٰعِدْ بَيْنَ أَسْفَارِنَا) أي يا ربِّ دمرنا، اجعل أرضنا قاحلة، دمر هذه البساتين، جفف هذه الأنهار؛ كلام غير معقول، هذه الآية حيرت علماء التفسير، بعضهم قال: الذي يعصي الله لسان حاله يقول: يا ربِّ دمرني، إذا كان البيت فيه معصية كأنك تقول: يا رب دمر هذه الأسرة، يا رب امحق هذا الرزق، إذا دكان فيها بيع طيب وصار فيها معاصٍ، صار فيها غش، صار فيها كذب، صار فيها تحرش بالنساء، كأن صاحب هذه الدكان يقول: يا ربِّ امحق هذا الرزق، يا ربِّ دمرني، هذا لسان حال العاصي شاء أم أبى.

﴿ فَٱلْتَقَطَهُۥٓ ءَالُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا ۗ إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهَٰمَٰنَ وَجُنُودَهُمَا كَانُواْ خَٰطِـِٔينَ (8)﴾

[  سورة القصص  ]

أيعقل أن يلتقط إنسان طفلاً ليكون له عدواً؟! هذه الآية أيضاً حيرت العلماء، هذه اللام لام التعليل فاخترع علماء النحو إعرابًا لهذه اللام، قالوا: هذه لام المآل، لا يُعقل لإنسان أن يلتقط طفلاً ليكون له عدواً، لكن في النهاية ما الذي حصل؟ أن هذا الطفل -سيدنا موسى- هو الذي قوّض عرش فرعون حينما دخل في البحر فتبعه فرعون فأغرقه الله -عزَّ وجلَّ-، إذًا أردت من هذا التفصيل أن الإنسان في بيته، مع زوجته، مع أولاده، في عمله عندما يعصي على علم- يعرف نفسه أنه يعصي- فكأن لسان حاله يقول: يا ربِّ دمرني، يا ربِّ امحق هذا الرزق، يا ربِّ أنشب خلافاً بيني وبين زوجتي، عندما يتطلع الإنسان إلى غير زوجته ويطلق بصره في الحرام كأنه يقول: يا ربِّ دمر سعادتي الزوجية، الله يخلق مشكلات يتصورها كل منهما وكلاهما يتجاوز حدوده إلى أن يقع الخلاف والخصومة ويدخل الشيطان فيحلف بالطلاق لأتفه سبب ويُشرَّد الأولاد، وكان بيتاً عامراً بذكر الله صار بيتًا خرباً من المعصية، المعاصي تدمر، فلذلك: (أَهُمْ خَيْرٌ أَمْ قَوْمُ تُبَّعٍ) هناك أقوى منك دمره الله، (ما من مخلوق يعتصم بي من دون خلقي، أعرف ذلك من نيته، فتكيده أهل السماوات والأرض، إلا جعلت له من بين ذلك مخرجاً، وما من مخلوق يعتصم بمخلوق دوني، أعرف ذلك من نيته، إلا جعلت الأرض هوياً تحت قدميه، وقطّعت أسباب السماء بين يديه) ، لذلك كلما ازددت خوفاً من الله معنى هذا أن عقلك كبير، كلما رجح عقلك ازداد خوفك، رأس كل الحكمة مخافة الله ، لا تبتعد فقط اسمع الأخبار ترى كيف أن الله يدمر مدناً،  يدمر أقواماً، يمحق أمماً، يمحق تجارات، شيء واضح جداً هذه الأخبار إذا سمعتها عليك أن تسمعها بأُذن موحدة، عليك أن ترى يد الله تعمل في الخفاء، عليك أن ترى:

﴿ إِنَّ ٱلَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ ٱللَّهَ يَدُ ٱللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ ۚ فَمَن نَّكَثَ فَإِنَّمَا يَنكُثُ عَلَىٰ نَفْسِهِۦ ۖ وَمَنْ أَوْفَىٰ بِمَا عَٰهَدَ عَلَيْهُ ٱللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا (10)﴾

[ سورة الفتح ]

عليك أن ترى أن الله:

﴿ وَهُوَ ٱلَّذِى فِى ٱلسَّمَآءِ إِلَٰهٌ وَفِى ٱلْأَرْضِ إِلَٰهٌ ۚ وَهُوَ ٱلْحَكِيمُ ٱلْعَلِيمُ(84)﴾

[ سورة الزخرف ]

عليك أن ترى:

﴿ قُلِ ٱللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُواْ ۖ لَهُۥ غَيْبُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلْأَرْضِ ۖ أَبْصِرْ بِهِۦ وَأَسْمِعْ ۚ مَا لَهُم مِّن دُونِهِۦ مِن وَلِىٍّۢ وَلَا يُشْرِكُ فِى حُكْمِهِۦٓ أَحَدًا (26)﴾

[ سورة الكهف ]

عليك أن ترى أن:

﴿ ٱللَّهُ خَٰلِقُ كُلِّ شَىْءٍۢ ۖ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَىْءٍۢ وَكِيلٌ (62)﴾

[ سورة الزمر ]

عليك أن ترى أنه:

﴿  وَعِندَهُۥ مَفَاتِحُ ٱلْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَآ إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِى ٱلْبَرِّ وَٱلْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِن وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِى ظُلُمَٰتِ ٱلْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِى كِتَٰبٍ مُّبِينٍ (59)﴾

[ سورة الأنعام ]

إذا سمعت الأخبار وقرأتها فافهمها بعقل موحد، افهمها بأن الله وراء كل شيء، وأنه بيده كل شيء، وأنه لا رادّ لمشيئته، ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن، افهم هكذا ترَ تفسيراً رائعاً.


التفسير الديني والقرآني هو التفسير الصحيح لكل شيء:


يمكن أن تشاهد مثلاً حرباً أهلية في بلد، تسمع أخباراً خلال عشر سنوات عن التدمير وعن القتل، وعن مئات الألوف، الأبنية كلها مدمرة، ويمكن أن تقرأ مئة تفسير لهذه الحرب لكن لا تنس تفسير الله لها:

﴿ وَضَرَبَ ٱللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ ءَامِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِّن كُلِّ مَكَانٍۢ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ ٱللَّهِ فَأَذَٰقَهَا ٱللَّهُ لِبَاسَ ٱلْجُوعِ وَٱلْخَوْفِ بِمَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ (112)﴾

[ سورة النحل ]

لا تغب عن تفسير الله -عزَّ وجلَّ-، لا تغب عن القرآن الكريم فهو يعطيك تفسير أي شيء، حتى لو رأيت أمة متقدمة تتحكم بمعظم الشعوب رخاء، بيوتًا رخيصة، مواصلات رخيصة، مركبات رخيصة، وكل شيء فيها جميل، كلها خضراء، لا تغتر بهؤلاء:

﴿ لَا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ فِى ٱلْبِلَٰدِ (196)﴾

[ سورة آل عمران ]

لا تنس القرآن الكريم:

﴿ مَتَٰعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْوَىٰهُمْ جَهَنَّمُ ۚ وَبِئْسَ ٱلْمِهَادُ (197)﴾

[ سورة آل عمران  ]

﴿ فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِۦ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَٰبَ كُلِّ شَىْءٍ حَتَّىٰٓ إِذَا فَرِحُواْ بِمَآ أُوتُوٓاْ أَخَذْنَٰهُم بَغْتَةً فَإِذَا هُم مُّبْلِسُونَ (44)﴾

[ سورة الأنعام  ]

لا تنس القرآن، لو قرأت القرآن كل يوم لعشت مع التفسير الصحيح لكل شيء، فلا تغترّ أبداً:

﴿ وَلَا تَحْسَبَنَّ ٱللَّهَ غَٰفِلًا عَمَّا يَعْمَلُ ٱلظَّٰلِمُونَ ۚ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍۢ تَشْخَصُ فِيهِ ٱلْأَبْصَٰرُ (42)﴾

[ سورة إبراهيم  ]

﴿ فَلَا تَحْسَبَنَّ ٱللَّهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِۦ رُسُلَهُۥٓ ۗ إِنَّ ٱللَّهَ عَزِيزٌ ذُو ٱنتِقَامٍۢ(47)﴾

[ سورة إبراهيم  ]

فهذا القرآن الكريم حينما تقرأه يطمئن قلبك، ترتاح نفسك، كلام خالق الكون يقول لك: أنا يا عبدي أفعل كذا وأفعل كذا، كن دائماً مع التفسير الديني للأشياء.

(أَهُمْ خَيْرٌ أَمْ قَوْمُ تُبَّعٍۢ وَٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ ۚ أَهْلَكْنَٰهُمْ ۖ إِنَّهُمْ كَانُواْ مُجْرِمِينَ) أي فسقوا وفجروا، من لوازم الفسق العدوان، عندما تتحكم بالإنسان شهوته لابد من أن يعتدي على حقوق الآخرين، لو ضبط شهوته وفق منهج الله لما كان معتدياً، لو ضبط شهوته في حبه للمال أو للنساء أو للعلو في الأرض وفق منهج الله ليس معتدٍ ساعتئذٍ. 


الفرق بين اللعب والباطل وبين الحق: 


ثم يقول الله -عزَّ وجلَّ-:

﴿ وَمَا خَلَقْنَا ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَٰعِبِينَ (38)﴾

[ سورة الدخان ]

ما هو اللعب؟ هو العبث؛ عمل لا طائل منه، يقول لك: لعبنا لعبة الطاولة، ما نتيجتها؟ هل حررت القدس؟ أسست مشروعاً؟ أخذت شهادة عليا؟ حللت مشكلة بلدك؟ ماذا عملت؟! ما معنى اللعب؟ عمل لا طائل منه ليس له ثمرة إطلاقاً؛ عبث، اللعب هو العبث، ربنا -عزَّ وجلَّ- ينفي أن يخلق الأرض والسماوات لاعباً، بالكون لا يوجد عبث، إله عظيم لا يعبث ولا يلعب، كمال الخلق يدل على كمال التصرف (وَمَا خَلَقْنَا ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلْأَرْضَ) يعني الكون، (وَمَا بَيْنَهُمَا لَٰعِبِينَ) الموضوع نجمعه من أطرافه، هناك آية أخرى:

﴿ وَمَا خَلَقْنَا ٱلسَّمَآءَ وَٱلْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَٰطِلًا ۚ ذَٰلِكَ ظَنُّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ ۚ فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ مِنَ ٱلنَّارِ (27)﴾

[ سورة ص ]

ربنا -عزَّ وجلَّ- نفى عن أن يكون خلق السماوات والأرض باطلاً، ونفى عن أن يكون خلق السماوات والأرض لعباً، فإذا عرفنا ما اللعب عرفنا ما يقابله، وإذا عرفنا ما الباطل عرفنا ما يقابله، أي أن الله -عزَّ وجلَّ- خلق السماوات والأرض بالحق، ما خلق السماوات والأرض باطلاً ولا لعباً، فالحق  ما يقابل اللعب وما يقابل الباطل، الباطل: الشيء الزائل ، أي ممكن أن ننشئ جناحاً بمعرض للقماش 20 يوماً فقط، أما إذا أردنا أن نبني بناء يبقى مئات السنين نبنيه من الحجر، فإنشاء بناء ليعيش مئات السنين غير إنشاء جناح في معرض ليعيش 20 يوماً فقط، فالباطل الشيء الزائل، أما الحق فالشيء الدائم الأبدي السرمدي، اللعب: الشيء العابث أما الحق: الشيء الجاد ، اجمع اللعب والبُطل وما يقابله  الدوام والجدية، معنى الحق أن تعمل عملاً نبيلاً ثابتاً؛ الثبات والسمو والاستمرار والعظمة هذا هو الحق.


الهدف من الدنيا:


أحياناً يحتار الإنسان فيقول لك: ما هذه الحياة؟ إلى أن استقر وضعه بالأربعين، ومن الأربعين للخمسين استكمال تثبيت مكانة واستكمال تركيز أوضاع، من الخمسين إلى الستين كلها متاعب صحية، الميزان نزل، معترك المنايا بين الستين والسبعين هذا إذا وصل إلى الستين، وغالبًا لم يعد يصل، فهل من المعقول ثلثا العمر إعداد وثلث العمر كله متاعب، كل هذا الكون من أجل عشر سنوات!! لا يتناسب الكون مع العشر سنوات، مجرة تبعد عن الأرض أربعاً وعشرين ألف مليون سنة ضوئية، يوجد في الكون مليون مليون مجرة، لكل مجرة مليون مليون كوكب، شيء لا يُصدق من أجل عشر سنوات!! انظروا إذا كنت مخطئاً هذه النعوات أمامكم، كلما رأيت نعوة اسأل: ما عمر صاحبها؟ إما 53، 42، 39، 47 ،62 -ما شاء الله -معمر؛ هذه الأعمار، فمتى استقر؟ متى تزوج؟ متى أصبح له دخل ثابت؟ متى رتب وضعه؟ متى رسّخ مكانته؟ بالأربعينات أو بالخامس والأربعين، كون من أجل عشر سنوات لا يتناسب، لا يتناسب أن تعمر غرفة ضمن معرض من الأسمنت المسلح عرض الحائط متر من أجل عشرة أيام ثم تهدمها بالمهدّة الآلية، إنه عمل غير عاقل، فإذا كان الشيء مديداً يجب أن يكون الهدف كبيراً، ربنا    -عزَّ وجلَّ- قال:

﴿ أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ (115)﴾

[ سورة المؤمنون ]

أي لعباً:

﴿ أَيَحْسَبُ ٱلْإِنسَٰنُ أَن يُتْرَكَ سُدًى (36)﴾

[ سورة القيامة  ]

حياة دنيا فقط تنتهي بالموت وانتهى كل شيء؟! هذا ظن الجاهل، الإنسان مخلوق ليحاسب، جاء الله بك إلى الدنيا لتعرفه وتعرف منهجه وتطبقه، وسوف تحاسب عن كل حركة وسكنة، وسوف تلقى جزاء العمل في جنة يدوم نعيمها أو في نار لا ينفد عذابها (وَمَا خَلَقْنَا ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَٰعِبِينَ) يوجد آية أخرى:

﴿ وَمَا خَلَقْنَا ٱلسَّمَآءَ وَٱلْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَٰطِلًا ۚ ذَٰلِكَ ظَنُّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ ۚ فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ مِنَ ٱلنَّارِ (27)﴾

[ سورة ص ]

الذي يؤمن بالعبثية والزوال وأن الموت نهاية الحياة وأنه لا شيء بعد الموت فهو كافر بأوسع معاني هذه الكلمة، الذي يؤمن بالعبثية وأن الكون بلا هدف وأن الموت نهاية الحياة هو كافر، لكن الموت بداية الحياة.

﴿ يَقُولُ يَٰلَيْتَنِى قَدَّمْتُ لِحَيَاتِى(24) فَيَوْمَئِذٍۢ لَّا يُعَذِّبُ عَذَابَهُۥٓ أَحَدٌ (25) وَلَا يُوثِقُ وَثَاقَهُۥٓ أَحَدٌ (26)﴾

[ سورة الفجر  ]


الحياة الآخرة هي الحيوان: 


الحياة الآخرة هي الحيوان؛ أي هي الحياة الحقيقية لو كانوا يعلمون، هي الحياة الحقيقية التي خُلقت من أجلها، حياة لا يوجد فيها قلق ولا حر ولا برد ولا هرم ولا مرض ولا تنافس ولا حزن ولا تقدم بالسن ولا حسد أبدًا، حياة خُلقنا من أجلها.

(( قالَ اللَّهُ تَبارَكَ وتَعالَى: أعْدَدْتُ لِعِبادِي الصَّالِحِينَ، ما لا عَيْنٌ رَأَتْ، ولا أُذُنٌ سَمِعَتْ، ولا خَطَرَ علَى قَلْبِ بَشَرٍ ))

[ أخرجه البخاري ومسلم عن أبي هريرة  ]

﴿ لِمِثْلِ هَـٰذَا فَلْيَعْمَلِ ٱلْعَـٰمِلُونَ (61)﴾

[ سورة الصافات  ]

﴿  خِتَٰمُهُۥ مِسْكٌ ۚ وَفِى ذَٰلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ ٱلْمُتَنَٰفِسُونَ (26)﴾

[ سورة المطففين ]

﴿ قُلْ بِفَضْلِ ٱللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِۦ فَبِذَٰلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ (58)﴾

[ سورة يونس ]

المؤمن الحق لا يفرح إلا بعطاء الله العطاء الأبدي السرمدي، أما العطاء الدنيوي زائل ولا يسمى هذا عطاء، (وَمَا خَلَقْنَا ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَٰعِبِينَ) أي خلقنا السماوات والأرض بالحق لهدف كبير وهو إسعاد الخلق ، فبالكون تتعرف إلى الله وإن عرفت الله وعرفت منهجه واتبعت منهجه سعدت بقربه في الدنيا والآخرة ، هذا ملخص الملخص.

﴿  مَا خَلَقْنَٰهُمَآ إِلَّا بِٱلْحَقِّ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (39)﴾

[ سورة الدخان ]

 لهدف كبير ودون عبث أو لعب: (وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ) 

جِئتُ لا أَعلَمُ مِن أَين وَلَكِنّي أَتَيتُ

وَلَقَد أَبصَرتُ قُدّامي طَريقاً فَمَشَيتُ

كَيفَ جِئتُ كَيفَ أَبصَرتُ طَريقي لَستُ أَدري

[ إيليا ابو ماضي    ]

كلمة (لا أدري) والقرآن بين يديك؟ هذا حمق، كلمة (لا أدري) والله -عزَّ وجلَّ- يبين لك: 

﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (56)﴾

[ سورة الذاريات ]

الآية واضحة كالشمس.

﴿ إِلَّا مَن رَّحِمَ رَبُّكَ وَلِذَٰلِكَ خَلَقَهُمْ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ ٱلْجِنَّةِ وَٱلنَّاسِ أَجْمَعِينَ (119)﴾

[ سورة هود ]

(يَٰلَيْتَنِى قَدَّمْتُ لِحَيَاتِى) الله يميز هذه الدنيا دنيا وهناك حياة عليا، الدنيا دار ابتلاء وتكليف وعمل وهناك دار تشريف واستقرار ونعيم مقيم، هنا الحياة نظامها الكسب والسعي وبذل الجهد والكدح.

﴿ يَٰٓأَيُّهَا ٱلْإِنسَٰنُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَىٰ رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلَٰقِيهِ (6)﴾

[ سورة الانشقاق  ]

هناك النظام:

﴿ لَّهُمْ فِيهَا مَا يَشَآءُونَ خَٰلِدِينَ ۚ كَانَ عَلَىٰ رَبِّكَ وَعْدًا مَّسْـُٔولًا (16)﴾

[ سورة الفرقان ]

اختيار فقط، لمجرد أن يقع في ذهنك طلب تراه أمامك (مَا خَلَقْنَٰهُمَآ إِلَّا بِٱلْحَقِّ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ) .


يوم القيامة هو يوم الفصل بين الخلائق:


﴿  إِنَّ يَوْمَ ٱلْفَصْلِ مِيقَٰتُهُمْ أَجْمَعِينَ (40)﴾

[ سورة الدخان ]

كم فرقة؟ وكم اتجاه؟ وكم مبدأ؟ وكم جماعة في الأرض الآن؟ خذ قارة قارة، مئات الجماعات كل جماعة لها مبدأ تدافع عنه وعندها أدلة، إذاً من على حق؟ أمر يحير، المسلمون آلاف الفرق، النصارى آلاف الفرق اليهود كذلك، الآن غير اليهود والنصارى والمسلمين البوذيين والسيخ والهندوس وشعوب إفريقيا وديانات إفريقيا وديانات أمريكا اللاتينية، كم دين يوجد في الأرض؟ وكم اتجاه؟ وكم فئة؟ وكم حزب؟ وكم طائفة؟ وكم جماعة؟ وكم مِلة؟ وكم نِحلة؟ حسنًا هؤلاء من على حق؟ الله -عزَّ وجلَّ-قال:(إِنَّ يَوْمَ ٱلْفَصْلِ مِيقَٰتُهُمْ أَجْمَعِينَ) يوجد يوم في هذا اليوم يُفرز فيه كل الخلق: أنت على حق وأنت على باطل (إِنَّ يَوْمَ ٱلْفَصْلِ مِيقَٰتُهُمْ أَجْمَعِينَ) الفصل بين الخلائق، كل يدعي أنه على حق، فمن هو صاحب الحق؟ 


المقاييس التي تدل الإنسان على الله -عزَّ وجلَّ- هي:


1 ـ الكون:

في الدنيا مقاييس، ولندخل الآن في هذا المقياس: الشيء الثابت الكون، قال ديكارت: " أنا أفكر فأنا موجود" ، لدينا شيء ثابت هو الكون، الشمس ثابتة، القمر، الليل، النهار، الأرض، الجبال، البحار، النباتات، الأسماك، الأطيار، جسمك، قلبك، رئتاك، أنت أمام آلاف الآيات الدالة على عظمة الله، يوجد لهذا الكون خالق، مربٍ، مسير، موجود، واحد، كامل، كل ما في الكون يدل عليه، يدل على وجوده، وعلى كماله، وعلى وحدانيته؛ هذه ثابتة، لا يستطيع إنسان كائناً من كان أن ينقض هذه الحقيقة، الصنعة تدل على الصانع، النظام يدل على المنظم، التسيير يدل على المسير، الخلق على الخالق، التربية على المربي، النعمة على المنعم؛ هذا شيء ثابت، هذا الإله العظيم كمال الخلق وكمال التصرف من لوازمه ، أيعقل لإله عظيم خلق فسوى وقدر فهدى أن يدع عباده بلا توجيه، بلا منهج، بلا نظام، أن ينساهم، أن يدعهم هملاً؟!

2 ـ القرآن الكريم:

دخلنا في موضوع المقياس: الكون ثابت، كل ما في الكون يدل على الله على أنه خالق، ومرب، ومسير، واحد وكامل وموجود، الله موجود وخلقه كامل ومعجز، من لوازم خلقه المعجز الكامل تصرفاته الكاملة، أيعقل أن يبقى الناس بلا منهج؟ بلا دليل؟ فمثلًا وزارة المواصلات تشق طريقاً وبعد فترة تضع إشارات: هنا منعطف خطر، هنا يوجد منزلق، هنا يوجد جسر، هنا تقاطع خطر...لوحات تحذيرية وإلا تكثر الحوادث، إذاً بعد أن شققنا الطريق وضعنا إشارات لتنبيه الناس، الله -عزَّ وجلَّ-:

﴿  ٱللَّهُ نُورُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلْأَرْضِ ۚ مَثَلُ نُورِهِۦ كَمِشْكَوٰةٍۢ فِيهَا مِصْبَاحٌ ۖ ٱلْمِصْبَاحُ فِى زُجَاجَةٍ ۖ ٱلزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّىٌّ يُوقَدُ مِن شَجَرَةٍۢ مُّبَٰرَكَةٍۢ زَيْتُونَةٍۢ لَّا شَرْقِيَّةٍۢ وَلَا غَرْبِيَّةٍۢ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِىٓءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ ۚ نُّورٌ عَلَىٰ نُورٍۢ ۗ يَهْدِى ٱللَّهُ لِنُورِهِۦ مَن يَشَآءُ ۚ وَيَضْرِبُ ٱللَّهُ ٱلْأَمْثَٰلَ لِلنَّاسِ ۗ وَٱللَّهُ بِكُلِّ شَىْءٍ عَلِيمٌ (35)﴾

[ سورة النور  ]

أي خلق الكون ونوّره بالوحي، يوجد معك كتاب، كتاب لا يقل عن الكون.

﴿ ٱلْحَمْدُ لِلَّهِ ٱلَّذِى خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلْأَرْضَ وَجَعَلَ ٱلظُّلُمَٰتِ وَٱلنُّورَ ۖ ثُمَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ (1)﴾

[ سورة الأنعام ]

﴿ ٱلْحَمْدُ لِلَّهِ ٱلَّذِىٓ أَنزَلَ عَلَىٰ عَبْدِهِ ٱلْكِتَٰبَ وَلَمْ يَجْعَل لَّهُۥ عِوَجَا ۜ (1)﴾

[ سورة الكهف ]

الكون في كفة والقرآن في كفة؛ منهج، حسنًا ما الدليل على أن هذا الكلام كلام الله؟ هنالك دليل قطعي: إعجازه: ففيه إعجاز إخباري لغيب الماضي وغيب الحاضر وغيب المستقبل، فيه إعجاز علمي ، إعجاز تشريعي، إعجاز بياني، إعجاز تربوي، إعجاز مستقبلي، فإذا كان الأمر يهمك هناك مليون دليل على أن هذا القرآن كلام الله، مستحيل لمخلوق مهما علا أن يأتي بمثله، ولو اجتمعت الأمة على ذلك، هذا شيء ثابت آخر. 

3 ـ السنة الشريفة:

الذي جاء بهذا الكتاب رسول قطعاً ما دام هذا معجزاً فالذي جاء به رسول، فأصبح لديك ثلاثة ثوابت: الكون ثابت، والقرآن ثابت، والنبي وكلامه ثابت؛ ما صح عنه بالتمام فهو ثابت، أصبح لديك قرآن وسنة، أي شيء تسمعه ولو كان مليون مقولة تعرضها على القرآن والسنة فإن وافقت الكتاب والسنة فهي صحيحة، يوجد لدينا أدلة قبل يوم الفصل، وأما إذا كان هناك تعنت (إِنَّ يَوْمَ ٱلْفَصْلِ مِيقَٰتُهُمْ أَجْمَعِينَ) إذا كان فيه تعنت وفيه مكابرة وجرّ الأمور لمصلحة جهة معينة، الإنسان يتحرك بعض الأحيان لا وفق قناعاته بل وفق مصالحه، فيزين فكرة لغاية في نفس يعقوب ويرفض فكرة لغاية في نفس يعقوب، هذا الرفض لا قيمة له والقبول لا قيمة له هذا قبول مصلحي ورفض مصلحي، أما لو أردت الحقيقة وأنت في الدنيا قبل أن تصل إلى يوم الفصل ستعرفها من الثوابت: الكون ثابت، القرآن ثابت، كلام النبي ثابت؛ هذا هو الحق، قال:

(( تركتُ فيكم أَمْرَيْنِ لن تَضِلُّوا ما تَمَسَّكْتُمْ بهما: كتابَ اللهِ وسُنَّةَ نبيِّهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ ))

[ أخرجه مالك في الموطأ عن مالك بن أنس  ]

بكل قضية؛ تسمع أحياناً فكرة، تقرأ مقالة في مجلة، تسمع محاضرة، اِعْرِضْ هذا على كتاب الله، لذلك أهم عمل تفعله قبل كل شيء، قبل أن تأكل أن تفهم كلام الله لأنه هو المقياس، هو الكتاب الذي: 

﴿  لَّا يَأْتِيهِ ٱلْبَٰطِلُ مِنۢ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِۦ ۖ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ (42)﴾

[ سورة فصلت ]

هو الكتاب المقرر، فيه النجاة، فلذلك عندما يجلس الإنسان في مجلس علم ليفهم كلام الله يقوم بأخطر عمل في حياته، ولا شيء يعلو على هذا العمل إطلاقاً، أنت الآن تتعلم كلام الله؛ منهجك، مقياسك، فلو أردت الحقيقة تعرفها في الدنيا قبل يوم الفصل، لو أردتها صادقاً، لو أردتها مخلصاً تعرفها قبل يوم الفصل، لكن لو ركب الإنسان رأسه وجر الحقائق إلى صالحه ولعب بالأفكار، وزوّر، ودجّل، وحاور لمصلحة يريدها، هذا يقول له حسابه يوم الفصل.


يوم القيامة يأتي كل إنسان ربه فرداً:


﴿  إِنَّ يَوْمَ ٱلْفَصْلِ مِيقَٰتُهُمْ أَجْمَعِينَ (40) يَوْمَ لَا يُغْنِى مَوْلًى عَن مَّوْلًى شَيْـًٔا وَلَا هُمْ يُنصَرُونَ (41)﴾

[ سورة الدخان ]

الحياة الدنيا مبنية على العلاقات والجماعات والتحزبات والكتل، وهذا من جماعتنا وهذا ضدنا وهذا معنا وهذا ليس معنا؛ هكذا الحياة الدنيا، لكن يوم القيامة: 

(( ...يا عَبَّاسُ بنَ عبدِ المُطَّلِبِ، لا أُغْنِي عَنْكَ مِنَ اللَّهِ شيئًا، ويَا صَفِيَّةُ عَمَّةَ رَسولِ اللَّهِ، لا أُغْنِي عَنْكِ مِنَ اللَّهِ شيئًا، ويَا فَاطِمَةُ بنْتَ مُحَمَّدٍ، سَلِينِي ما شِئْتِ مِن مَالِي، لا أُغْنِي عَنْكِ مِنَ اللَّهِ شيئًا. ))

[ أخرجه البخاري، ومسلم عن أبي هريرة  ]

(( إنَّ أوليائيَ يومَ القيامةِ المتَّقونَ، وإن كان نسبٌ أقربَ من نسَبٍ، فلا يأتيني الناسُ بالأعمالِ، وتأتوني بالدنيا تحمِلونها على رقابِكم، فتقولون: يا محمدُ! فأقولُ هكذا وهكذا: لا، وأعرضَ في كلا عِطْفَيه ))

[ أخرجه البخاري عن أبي هريرة  ]

(( ..... ومَنْ أبْطأَ بهِ عملُهُ لمْ يُسرِعْ بهِ نَسبُهُ ))

[ أخرجه أبو داود، والدارمي، وابن حبان عن أبي هريرة  ]

﴿ أَفَمَنْ حَقَّ عَلَيْهِ كَلِمَةُ ٱلْعَذَابِ أَفَأَنتَ تُنقِذُ مَن فِى ٱلنَّارِ (19)﴾

[ سورة الزمر ]

﴿ يَوْمَ لَا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِّنَفْسٍۢ شَيْـًٔا ۖ وَٱلْأَمْرُ يَوْمَئِذٍۢ لِّلَّهِ (19)﴾

[ سورة الانفطار ]

لذلك كل الدنيا مبنية على أن هناك جماعة محيطة بإنسان، يوم القيامة يأتي كل إنسان ربه فرداً. 

﴿ وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَٰدَىٰ كَمَا خَلَقْنَٰكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍۢ وَتَرَكْتُم مَّا خَوَّلْنَٰكُمْ وَرَآءَ ظُهُورِكُمْ ۖ وَمَا نَرَىٰ مَعَكُمْ شُفَعَآءَكُمُ ٱلَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكَٰٓؤُاْ ۚ لَقَد تَّقَطَّعَ بَيْنَكُمْ وَضَلَّ عَنكُم مَّا كُنتُمْ تَزْعُمُونَ (94)﴾

[ سورة الأنعام ]

الإنسان يسافر أحيانًا إلى بلد لا يعرفه فيه أحد؛ شخص عادي، قد يكون في بلده معروفاً ومخدوماً ومعززاً ومكرماً، بهاتف يحل ألف مشكلة، أما في بلد آخر لا أحد يعرفه والآخرة هكذا: (جِئْتُمُونَا فُرَٰدَىٰ كَمَا خَلَقْنَٰكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ) (إِنَّ يَوْمَ ٱلْفَصْلِ مِيقَٰتُهُمْ أَجْمَعِينَ) لا يوجد هناك تحزبات ولا جماعات ولا تكتلات ولا وساطات:

﴿ يَوْمَ لَا يُغْنِى مَوْلًى عَن مَّوْلًى شَيْـًٔا وَلَا هُمْ يُنصَرُونَ (41) إِلَّا مَن رَّحِمَ ٱللَّهُ ۚ إِنَّهُۥ هُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلرَّحِيمُ (42)﴾

[ سورة الدخان ]

إلا من رحم الله، طبعاً رحمة الله خير للإنسان من كل أهل الدنيا.

﴿ أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ ۚ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُم مَّعِيشَتَهُمْ فِى ٱلْحَيَوٰةِ ٱلدُّنْيَا ۚ وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍۢ دَرَجَٰتٍۢ لِّيَتَّخِذَ بَعْضُهُم بَعْضًا سُخْرِيًّا ۗ وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ (32)﴾

[ سورة الزخرف ]


بعض من مشاهد يوم القيامة:


1 ـ شجرة الزقوم:

﴿ إِنَّ شَجَرَتَ ٱلزَّقُّومِ (43) طَعَامُ الْأَثِيمِ (44)﴾

[ سورة الدخان ]

الآن مشهد من مشاهد النار، هذه الشجرة تنبت في البادية من أخبث أنواع الشجر، قال: هي طعام الأثيم، الذي وقع في الإثم والمعصية في الدنيا. 

2 ـ الزيت المغلي:

﴿ كَالْمُهْلِ يَغْلِى فِي الْبُطُونِ (45)﴾

[ سورة الدخان ]

المهل: عكر الزيت والزيت إذا غلى فدرجته عالية جداً، يحترق فيه الشيء فوراً، الزيت المغلي لا يُحتمل، قال: (كَالْمُهْلِ) وهو عكر الزيت (يَغْلِى فِي الْبُطُونِ)

﴿ كَغَلْىِ ٱلْحَمِيمِ (46)﴾

[ سورة الدخان ]

3 ـ سوق الكافر إلى منتصف الجحيم:

﴿ خُذُوهُ فَٱعْتِلُوهُ إِلَىٰ سَوَآءِ ٱلْجَحِيمِ (47)﴾

[ سورة الدخان ]

عتالة، أما المؤمن يأتي ربه كالوفد وأما الكافر يُعتل عتالة كأنه من سقط المتاع (خُذُوهُ فَٱعْتِلُوهُ إِلَىٰ سَوَآءِ ٱلْجَحِيمِ) أي إلى منتصف الجحيم. 

4 ـ عذاب الجحيم:

﴿ ثُمَّ صُبُّواْ فَوْقَ رَأْسِهِۦ مِنْ عَذَابِ ٱلْحَمِيمِ (48) ذُقْ إِنَّكَ أَنتَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْكَرِيمُ (49)﴾

[ سورة الدخان ]

أي كنت في الدنيا عزيزاً فأخذته العزة بالإثم، أي ما صلى، تبع جنازة والجنازة دخلت إلى المسجد ليُصلى عليها، هو أكبر من أن يصلي بالمسجد بل أكبر بكثير، وقف خارج المسجد ليدخن وينتظر إلى إن تخرج الجنازة، قال له: (ذُقْ إِنَّكَ أَنتَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْكَرِيمُ) ، وقد قيل: "أَلَا يا رُبَّ نفسٍ طاعمةٍ ناعمةٍ في الدنيا، جائعةٍ عاريةٍ يومَ القيامةِ، أَلَا يا رُبَّ نفسٍ جائعةٍ عاريةٍ في الدنيا، طاعمةٍ ناعمةٍ يومَ القيامةِ، أَلَا يا رُبَّ مُكْرِمٍ لنفسِه وهو لها مُهِينٌ، ألا يا رُبَّ مُهِينٍ لنفسِه وهو لها مُكْرِمٌ" .

أحياناً الإنسان يوضع في موقف حرج لو صدق لتزلزل، يُؤثر أن يصدق وأن يتزلزل على أن يُغضب الله -عزَّ وجلَّ-ولكن الله ينقذه ويكرمه، أحياناً الإنسان حفاظًا على ما يتوهم أنه سلامة وكرامة يعصي الله، حفاظًا على سلامته الموهومة وعلى كرامته المزعومة يعصي الله، فإذا عصى الله يقال له يوم القيامة: (ذُقْ إِنَّكَ أَنتَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْكَرِيمُ) أنت لكرامة مزعومة ولسلامة موهومة عصيتني؛ لذلك الله -عزَّ وجلَّ- يقول له هذه الكلمات كي يرى أنه اختار الأسوأ حينما كان في الدنيا.


الإيمان باليوم الآخر من لوازم الإيمان بالله:


﴿ إِنَّ هَٰذَا مَا كُنتُم بِهِۦ تَمْتَرُونَ (50)﴾

[ سورة الدخان ]

عندما يغرق الإنسان في المعاصي كيف يتوازن مع نفسه؟ يقول لك: من مات ورجع وقال لك أنه في آخرة؟ حتى يتوازن أكثر الأشياء راحة أن ينفي الدار الآخرة؛ لأنه إذا نفى الدار الآخرة نفى الجزاء والحساب، عندئذ يتحرك حركة عشوائية، ويأكل مال هذا، يشتم هذا، يعتدي على هذا، يغتصب، يطغى، يبغي، صعب على الإنسان أن يتطاول ويأخذ ما ليس له إذا كان عنده يقين بأن هناك حساباً، لذلك أركان الإسلام خمسة: الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، أكثر ركنين بالإيمان متلازمين الإيمان بالله واليوم الآخر، إذا ألغيت اليوم الآخر يقيناً عندها لا توجد استقامة، وتصبح الدنيا كل شيء، فالحقيقة الإيمان باليوم الآخر من لوازم الإيمان بالله ، عندئذ كل عمل يُقيّم وفق ساعة الحساب يوم القيامة. 

أيها الإخوة-كما قلت قبل قليل- الإيمان بالله واليوم الآخر يتلازمان في أكثر سور القرآن، الإيمان باليوم الآخر أن تؤمن أن هناك حياة أبدية سرمدية هي الحياة الحقيقية، وهي الحياة التي خُلقت من أجلها؛ لذلك إذا آمنت باليوم الآخر تجعل هذه الحياة الدنيا مدرسة للآخرة، حياة إعدادية لحياة عليا أبدية فلذلك التناقض من أين يأتي؟ يأتي التناقض والهم والحزن من اعتبار الدنيا هي الحياة الأساسية؛ لذلك النقص مزعج؛ نقص المواد، ارتفاع الأسعار، شيء من الصحة فقده الإنسان، عدم التوفيق في زواجه أو في عمله، هذه الهموم يراها أكبر هموم، ساحقة؛ لأن آماله كلها في الدنيا، لو أنه نقل أهدافه وآماله واهتماماته إلى الآخرة، كل شيء في الدنيا يرضيه لأن الحياة مؤقتة، عش في الدنيا كأنك مسافر، عندما يسكن الإنسان في بيت شهراً واحداً بمصيف يكون فيه أخطاء كثيرة جداً ونواقص كثيرة جداً لا يعبأ بها أبداً، هو جاء استجماماً فأي شيء فيه نقص أو خلل أو خطأ يتجاوزه، لو أردت أن تعيش الدنيا كما تعيش شهراً في مصيف تُحل كل المشكلات؛ لأن الحياة مؤقتة، والشيء الذي يلفت النظر أن الإنسان يهيئ بيتًا لا يسكنه، ينال شهادة لا يستفيد منها فالمنايا بالمرصاد، لا يوجد إنسان لديه ضمانة أن يعيش بعد ساعة، وكل إنسان يموت يوجد في ذهنه أمل أن يعيش عشرين سنة قادمة فالموت يأتي بغتة، والقبر صندوق العمل، الدنيا ساعة اجعلها طاعة والنفس طماعة عودها القناعة، أي لابد من نقل الاهتمامات لليوم الآخر، لابد من الإيمان باليوم الآخر إيماناً حقيقياً، أن تجعل هذا اليوم هو محط الرحال ونهاية الآمال لذلك الدنيا مقبولة بأي وضع، اخشوشنوا فإن النعم لا تدوم، لكن تلاحظ إنساناً  الحياة الدنيا هي أكبر همه؛ لذلك أي نقص في المواد أو بالدخل يخرجه من جلده، تجده ناقماً دائماً، يشكو دائمًا، يرى أن المال كل شيء، والطعام الطيب كل شيء، والبيت الواسع كل شيء، الزوجة، النزهة...؛ هذا مبلغه من العلم، أما لو نقل أهدافه الحقيقية للدار الآخرة يسعده كل شيء ويرضى بكل شيء؛ مؤقتة، إن هذه الدنيا دار التواء لا دار استواء، ومنزل ترح لا منزل فرح، من عرفها لم يفرح برخاء ولم يحزن لشقاء، قد جعلها الله دار بلوى وجعل الآخرة دار عقبى، فجعل بلاء الدنيا لعطاء الآخرة سبباً وجعل عطاء الآخرة من بلوى الدنيا عوضاً فيأخذ ليعطي ويبتلي ليجزي.

في درس قادم إن شاء الله تعالى نتابع تفسير هذه الآيات، أما من حكمة ربنا -عزَّ وجلَّ- بعد كل مشهد من مشاهد العذاب هناك مشهد من مشاهد أهل الجنة.

﴿ إِنَّ ٱلْمُتَّقِينَ فِى مَقَامٍ أَمِينٍۢ(51)  فِى جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (52) يَلْبَسُونَ مِن سُندُسٍۢ وَإِسْتَبْرَقٍۢ مُّتَقَٰبِلِينَ(53)  كَذَٰلِكَ وَزَوَّجْنَٰهُم بِحُورٍ عِينٍۢ(54)﴾

[ سورة الدخان ]

والحمد لله رب العالمين.

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور