وضع داكن
16-04-2024
Logo
الدرس : 06 - سورة الزمر - تفسير الآية 10 العبودية لله والتوحيد.
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا، إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.

 

الله عزَّ وجل نسب العِباد إلى ذاته تكريماً لهم وتشريفاً:


أيها الأخوة الأكارم؛ مع الدرس السادس من سورة الزُّمَر، ومع الآية العاشرة وهي قوله تعالى:

﴿ قُلْ يَا عِبَادِ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا رَبَّكُمْ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَأَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةٌ إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ(10)﴾

[ سورة الزمر ]

أولاً: كلمة قل، أي يا محمد قل لهم إنما أنت مُبلِّغ.

الشيء الثاني: ﴿يَا عِبَادِ﴾ طبعاً هناك ياء محذوفة تخفيفاً، بالأساس يا عبادي، ﴿قُلْ يَا عِبَادِ﴾ الله عزَّ وجل نسب العِباد إلى ذاته تكريماً لهم، تكريماً وتشريفاً، ﴿قُلْ يَا عِبَادِ﴾ ، وكلكم يعلم أن كل إنسان عبدٌ لله شاء أم أبى، من العبودية بمعنى أنه مقهور، أي حياة الإنسان ليست ذاتية، حياته متوقفة على ظروف كثيرة جداً بيد الله عزَّ وجل، أي ما من عضوٍ، ما من حاسةٍ، ما من جهازٍ، ما من غُدةٍ، ما من عضلةٍ، ما من خليةٍ، ما من نسيجٍ إلا بيد الله، والأمراض لا تعدُّ ولا تحصى، النسُج بيد الله، هذه النسج قد تنمو نمواً عشوائياً، وحتى هذه الساعة لا يزال العِلم عاجزاً عن إدراك سبب هذا المرض، هذه الغدد الصمَّاء أوزانها ضئيلة، لها أعمالٌ خطيرة، فلو أن غدةً تعطَّلت لانقلبت حياة الإنسان إلى جحيم، هذه الأعضاء؛ القلب، الرئتان، الكليتان، المعدة، الأمعاء، الدماغ، العمود الفقري، الأعصاب، آلاف آلاف الأمراض، آلاف آلاف أنواع الخَلَل التي إذا أصابت أحد الأعضاء، أو أحد الأجهزة، أو أحد الأطراف، أو أحد النسُج، أو إحدى الخلايا انقلبت حياة الإنسان إلى جحيم.

 

كلّ إنسانٍ هو عبد لله بمعنى أنه مقهور:


هذا الجهاز، جهاز المناعة الذي يكثر الحديث عنه اليوم لوجود مرضٍ يضعف هذا الجهاز، نقصٌ في جهاز المناعة المُكْتَسَب، هذا المرض يجعل حياة الإنسان جحيماً، إذاً كل إنسان عبد لله عزَّ وجل، لكن الإنسان إذا عرف الله؛ عرفه من خلال الكون، من خلال القرآن، من خلال أفعال الله عزَّ وجل، من خلال الاتصال بالله عزَّ وجل، إذا عرف الله عزَّ وجل وقدَّره حقّ قدره، وأتى إليه طائعاً، منيباً، راجعاً، مقبلاً، تائباً، هذا عبدٌ من نوعٍ آخر، هذا العبد جمعه عباد، وذاك العبد جمعه عبيد، فكل إنسانٍ سواء أكان مؤمناً أم كافراً هو عبد لله بمعنى أنه مقهور:

﴿ وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَيُرْسِلُ عَلَيْكُمْ حَفَظَةً حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لَا يُفَرِّطُونَ (61)﴾

[ سورة الأنعام ]

العباد مقهورون بالموت، ما من إنسان إلا ويموت؛ عظيماً كان أو حقيراً، غنياً كان أو فقيراً، عالماً كان أو جاهلاً، قوياً كان أو ضعيفاً، كل مخلوقٍ يموت، فالإنسان مقهور بالموت، لكن العبد الذي أراده الله عزَّ وجل هو ذلك العبد الذي أتاه طائعاً، الذي عرفه وهو في صحةٍ تامَّة، وفي بحبوحة، وفي مقتبل حياته، في شبابه، ريح الجنة في الشباب، إن الله ليباهي الملائكة بالشاب المؤمن، يقول: انظروا عبدي ترك شهوته من أجلي، ذاك هو العبد، فربنا عزَّ وجل إذا قال: ﴿قُلْ يَا عِبَادِ﴾ أي يا محمد خاطب هؤلاء الذين آمنوا بي. 

 

المؤمن كلما ارتقى إيمانه تعامل مع الله تعاملاً صادقاً وأصغى أذنه:


﴿ قُلْ يَا عِبَادِ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا رَبَّكُمْ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَأَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةٌ إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ (10)﴾

[ سورة الزمر ]

 الله عزَّ وجل كما تعرفون يُخاطب الناس بأصول الدين، ويُخاطب المؤمنين بفروع الدين؛ يا من آمنت بالله خالقاً، يا من آمنت به مُرَبِّيَاً، يا من آمنت به مسيِّراً، يا من آمنت بوحدانيِّته، يا من آمنت بكماله، يا من آمنت بعظمته، بحكمته، بلطفه، برحمته، بقوته، بعدله، بغناه، يا من آمنت بأنه أعدّ لك حياةً:

(( أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : قالَ اللَّهُ تَبارَكَ وتَعالَى: أعْدَدْتُ لِعِبادِي الصَّالِحِينَ، ما لا عَيْنٌ رَأَتْ، ولا أُذُنٌ سَمِعَتْ، ولا خَطَرَ علَى قَلْبِ بَشَرٍ. قالَ أبو هُرَيْرَةَ: اقْرَؤُوا إنْ شِئْتُمْ: {فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ} [السجدة: 17]. قال أبو مُعاويةَ، عن الأعمَشِ، عن أبي صالِحٍ: قرَأ أبو هُريرةَ: (قُرَّاتِ أعْيُنٍ) .))

[ متفق عليه ]

هذا الذي آمن: ﴿قُلْ يَا عِبَادِ الَّذِينَ آمَنُوا﴾ ، لا أعرف أحد من إخواننا إذا كان ماشياً في الطريق وقال له شخص: يا أخ، أو يا فلان الفلاني ألا يلتفت؟ ألا يتَّجه إليه؟ إنسان إذا خاطبك، أحياناً طفلٌ صغير يقول لك: يا عم كم الساعة؟ تستحي أن تسكت، تستحي ألا تردّ عليه، وقد تكون حاملاً في يدك اليسرى حاجةً ثقيلة تنقلها إلى اليد الأخرى وتقول له: الساعة كذا، إلهٌ عظيم خالق الأكوان يخاطبك هنا السؤال: يا أيها المؤمن إذا قرأت هذه الآية ألا تشعر بشيء؟ ألا تشعر أنك معنيّ بالخطاب؟ ألا تشعر أن الله يخاطبك؟ يطلب منك إلهك، ربك، خالقك، مرَبِّيك: ﴿قُلْ يَا عِبَادِ الَّذِينَ آمَنُوا﴾ لذلك فالمؤمن كلما ارتقى إيمانه أُرْهِفَت أحاسيسه، كلما ارتقى إيمانه تعامل مع الله تعاملاً صادقاً، كلما ارتقى إيمانه أصغى أذنه.

 

علامة إصغائك إلى نداء الله توبتك:


الآية الكريمة التالية هي من أروع الآيات:

﴿ إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا وَإِنْ تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلَاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلَائِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ (4)﴾

[ سورة التحريم  ]

علامة إصغائك إلى نداء الله توبتك، علامة الإصغاء التوبة، فإن لم تتب أنت لم تصغِ إلى الله عزَّ وجل ﴿إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا﴾ والذي يستمع إلى الحق ولا يستجيب كأنه ما استمع إليه، وتراهم يستمعون إليك وهم لا يسمعون:

﴿ وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ قَالُوا سَمِعْنَا وَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ (21)﴾

[ سورة الأنفال ]

مرة ضربت مثلاً أن إنساناً يقف على كتفه عقرب، والعقرب لدغتها قاتلة في أغلب الأحيان، قاتلة، أجل لدغتها قاتلة، وقال لك رجل: انتبه أيها الأخ العقرب العقرَب على كتفك، فأنت استمعت إلى كلامه وبقيت هادئاً متوازناً، وابتسمت في وجهه، وقلت له: أنا أشكرك على هذه الملاحظة القيَّمة، وأنا ممتنٌ من حرصك على سلامتي، يا ترى هذا الكلام يدل على أن المتكلم سمع ماذا قال المُنَبِّه؟ لا والله، ما دام بقي هادئاً، وبقي مطمئناً، وابتسم ابتسامة مجاملةٍ، وقال للذي نبَّهَهُ: أشكرك على حرصك على سلامتي ما عرف معنى العقرب، ولا عرف أين هي العقرب؟ لو أنه استمع إلى الكلام لكنه لم يدرك محتواه، فنحن مقياس صحة السماع الاستجابة، فهنا: ﴿إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا وَإِنْ تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلَاهُ﴾ .

 

علامة إيمان أحدكم أنه إذا قرأ أية آيةٍ مُصَدَّرَةٍ بـ (يا أيها الذين آمنوا) يصغي ويستجيب:


طبعاً هنا: ﴿قُلْ يَا عِبَادِ الَّذِينَ آمَنُوا﴾ أنتم معنيّون بالخطاب، بل إن علامة إيمان أحدكم أنه إذا قرأ هذه الآية، أو أية آيةٍ مُصَدَّرَةٍ بـ: (يا أيها الذين آمنوا) يصغي ويستجيب، أما إن لم يستجب فهو لم يصغِ، وإن لم يصغِ فما قرأ القرآن، رب تالٍ للقرآن والقرآن يلعنه، تعلموا ما شئتم فوالله لن تؤجروا حتى تعملوا بما علمتم، كل علمٍ وبالٌ على صاحبه ما لم يعمل به، فالعلم علمان: علم في القلب، وعلم على اللسان، أما علم اللسان فهو حجة  على ابن آدم، حجةً عليه، إذاً: ﴿قُلْ يَا عِبَادِ الَّذِينَ آمَنُوا﴾ الآن ما هو الأمر؟ الأمر: ﴿اتَّقُوا رَبَّكُمْ﴾ اتقوا فعل أمر، والمضارع يتَّقي، والماضي اتَّقى، واتّقى فعل ماضٍ مزيد، على وزن افتعل، مجرَّده وقى، أي قِ نفسك من عذاب الدنيا وعذاب الآخرة بطاعة الله، كلمة وقى يوجد فيها شيئان، فيها خوف من خطر، وفيها حركة لدرء هذا الخطر، نفهم من كلمة وقى أن إنساناً أدرك خطراً وبحث عن سبيلٍ للخلاص من هذا الخطر، ﴿اتَّقُوا رَبَّكُمْ﴾ أي أطيعوه كي تسلموا من عذاب الدنيا، اتقوا عذابه بطاعته، ولك أن توسِّع هذه الآية؛ أي اتقِ الاضطراب النفسي بطاعته، اتقِ الشرك بالتوحيد، اتقِ الكُفر بالإيمان، اتقِ اضطراب النفس بوجهتها إلى الله، اتقِ خسارةً محققةً في التجارة بتطبيق منهج الله، اتقِ شقاءً زوجياً بتحكيم القرآن والسنة في زواجك، اتقِ سقوطك بين الناس بتعلُّقِكَ بمكارم الأخلاق، هكذا، فكلما أطعت ربك في جهةٍ حصَّلت نتائج باهرة من جهةٍ أخرى.


  يجب ألا نخالف قوانين وسنن الله عز وجل بل نحترمها ونتخذها مقياساً:


بالمناسبة نحن على أبواب رمضان، ورمضان شهر التقوى.

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (183)﴾

[  سورة البقرة ]

لعلكم تتقون الله، لعلكم تطيعونه فتستحقون سلامة الدنيا وسعادتها، وسلامة الآخرة وسعادتها، ﴿قُلْ يَا عِبَادِ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا رَبَّكُمْ﴾ واسعة، الأمر واسع جداً، اتقِه في صحتك، مستحيل أن ترى إنساناً يطلب من الله الصحة وهو يخالف القوانين التي قنَّنها الله عزَّ وجل، من يعرف هذه القوانين؟ الطبيب، أسمع أحياناً من أخوان كرام أن والده يدخِّن تدخيناً كثيفاً، أسمع من بعض الأخوان أن والده لا يعبأ بكل تعليمات الطبيب، ثم يصاب فجأةً بمرضٍ عضال، يا رب ماذا فعلت؟ لم تفعل شيئاً، فعلت كل شيء، خالفت القوانين التي قننها الله عزَّ وجل، أنت خالفت السنَن التي سَنَّها الله عزَّ وجل، حتى في أمر صحتك ما لم تأخذ بهذه القوانين، وتحترمها، وتتخذها مقياساً فأنت لست متقياً الله عزَّ وجل، لذلك النبي علمنا أن الإنسان إذا نام على سطح غير مسوَّر، فوقع فدقت عنقه مات عاصياً، والنبي عليه الصلاة والسلام مرةً قال لأصحابه: من كان جَمَلُهُ حروناً فلا يصحبنا. ركب صحابي ناقةً حروناً رمته من على ظهرها فدقت عنقه، النبي لم يصلِّ عليه لأنه مات عاصياً، الله عزَّ وجل يقول:

﴿ وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (195)﴾

[ سورة البقرة ]

ويقول أيضاً:

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا (29)﴾

[ سورة النساء ]

 

بعض توجيهات النبي الكريم في الطعام والشراب والزواج والنظافة وما إلى ذلك:


الآن نبدأ بالجسم، فإذا لم يطبق الإنسان تعليمات الطبيب، ولم يعتنِ بصحته، لأن رأسماله صحته، رأسماله في الدنيا، مطيَّتُهُ إلى الآخرة، إذاً اتقوا ربكم أي نفذوا التعليمات النبوية، النبي الكريم له طب نبوي، توجيهات النبي عليه الصلاة والسلام في الطعام والشراب والزواج والنظافة وما إلى ذلك، مثلاً النبي الكريم قال: عن أبي سعيد:

(( أبن القدح عن فيك ثم تنفس. ))

[ صحيح الجامع ]

(( عن أنس: كان إذا شرب تنفس ثلاثاً وقال: هو أهنأ وأمرأ وأبرأ. ))

[ صحيح أبو داود ]

التعليمات النبوية دقيقة جداً، قال: إذا شرب أحدكم فليمص مصاً، ولا يعب عباً، فإن الكباد من العب، قال: المقدام بن معدي كرب:

(( ما ملأ ابنُ آدمَ وعاءً شرًّا من بطنِه حسْبُ ابنِ آدمَ أُكلاتٌ يُقمْنَ صلبَه فإن كان لا محالةَ فثُلثٌ لطعامِه وثلثٌ لشرابِه وثلثٌ لنفسِه. ))

[ النوافح العطرة : خلاصة حكم المحدث : حسن :أخرجه الترمذي ]

التعليمات النبوية واسعة جداً، تعليمات متعلِّقة بصحتك، تعليمات متعلقة بزواجك، تعليمات متعلقة بتربية أولادك: سووا بين أولادكم في العطية، تعليمات متعلقة بجيرانك، تعليمات متعلقة بمن هم فوقك، بمن هم دونك، بمن هم حولك، تعليمات متعلِّقة بالمخلوقات. عن شداد بن أوس:

(( إِنَّ اللهَ كتبَ الإحسانَ على كلِّ شيءٍ فَإِذا قَتلتُم فأحسِنُوا القِتلة، وَإِذا ذَبحتُم فأحْسِنُوا الذَّبحَ. ))

[ صحيح مسلم ]

 

إذا عرفت الله وآمنت به فلا شيء يقدم على معرفة أمره:


تجد الشرع كيفما تحرَّكت يوجد أحكام شرعية، يوجد أوامر، يوجد نواهٍ، يوجد مباحات، يوجد مندوبات، يوجد فروض، يوجد سنن، فالله يخاطبك: ﴿قُلْ يَا عِبَادِ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا رَبَّكُمْ﴾ أنا أرى من السذاجة وضيق الأفق أن يُمسخ الدين عند بعض الناس إلى صلاةٍ وصيامٍ وحجٍ وزكاة، الدين آلاف التعليمات، الدين منهج تفصيلي دقيق جداً، يعلِّمك كيف تقلِّم أظافرك، يعلِّمك كيف تدخل على أهلك بعد سفر، يعلِّمك كيف تتاجر، كيف تُعامل، كيف تجاور، كيف تلهو، كيف تُعامل أولادك، لذلك العلم، طلب الفقه حتم واجب على كل مسلم، كيف تطيع الله إن لم تعرف أمر الله؟ بعد أن آمنت بالله لا شيء يُقَدَّمُ على معرفة أمره، معرفته مقدمةٌ على معرفة أمره، لكن إذا عرفته وآمنت به لا شيء يُقدم على معرفة أمره، إنك بالكون تعرفه، وبالشرع تعبده، أنت آمنت بالله، آمنت به، طبعاً لم تؤمن الإيمان الكامل لكن آمنت به، ما دمت قد آمنت به ابحث عن أمره كي تُطيعه، هكذا الآيات: ﴿قُلْ يَا عِبَادِ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا رَبَّكُمْ﴾ ، اتقِ:

﴿ إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا (9)﴾

[ سورة الإسراء ]

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ وَلَا يَأْبَ كَاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَمَا عَلَّمَهُ اللَّهُ فَلْيَكْتُبْ وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ وَلَا يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئًا فَإِنْ كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهًا أَوْ ضَعِيفًا أَوْ لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى وَلَا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا وَلَا تَسْأَمُوا أَنْ تَكْتُبُوهُ صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا إِلَى أَجَلِهِ ذَلِكُمْ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ وَأَقْوَمُ لِلشَّهَادَةِ وَأَدْنَى أَلَّا تَرْتَابُوا إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً حَاضِرَةً تُدِيرُونَهَا بَيْنَكُمْ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَلَّا تَكْتُبُوهَا وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ وَلَا يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلَا شَهِيدٌ وَإِنْ تَفْعَلُوا فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (282)﴾

[ سورة البقرة ]

 

الإنسان إذا آمن بالله لا شيء في حياته يعلو على معرفة منهج الله:


ابحث عن آلاف الحالات، آلاف المآسي التي سببها دَينٌ غير مكتوب، خصومات، حالات طلاق، فساد أُسَر، لأن الناس خالفوا هذه التعليمات، شارك بلا عقد، ديَّن بلا سند، اتفق اتفاقاً شفهياً بلا وثيقة خطِّية، فالأيام كشفت خسارة هذا المشروع، فالشريك غير المكلَّف بأعباء مالية ينسحب، يقول لك: أنا ليس لي علاقة، تنشأ الخصومات والدعاوى والقضاء، كل شيء سجِّله، أنت بعد أن آمنت بالله لا شيء يعلو على معرفة منهج الله، بعد أن آمنت بالله لا شيء يعلو على معرفة الأحكام الفقهية، وكيف تعرفها من دون أن تأتي إلى بيوت الله؟ كيف تكون طبيباً وأنت لم تعرف أين كلية الطب؟ كيف تكون مهندساً زراعياً ولا تعرف أنت أين مكان كلية الزراعة؟ كيف؟ بيت الله فيه تعليمٌ، وفيه عبادةٌ، وفيه ذكرٌ، لذلك الإنسان إذا آمن بالله لا شيء في حياته يعلو على معرفة منهج الله، معرفة أمر الله، معرفة نَهي الله، معرفة دستور الله، معرفة قانون الله، معرفة سُنَّة الله، منهج، ﴿قُلْ يَا عِبَادِ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا رَبَّكُمْ﴾ اتقِ الله في علاقتك به، اتقِ الله في علاقتك بالناس، اتقِ الله في علاقتك بالمخلوقات جميعاً، النبي الكريم عليه أتمّ الصلاة والتسليم رأى رجلاً يذبح شاةً أمام أختها، فغضب غضباً شديداً وقال: هلا حجبتها عن أختها؟ أتريد أن تميتها مرتين؟ 

أحياناً بائعو السمك الطازج يأخذون هذا السمك مباشرةً ينظفونه، لا تزال هذه السمكة حيةً تتحرَّك، يفتح بطنها ويخرج أحشاءها، هذا خلاف المنهج الإلهي، هذا خلاف السنَّة، بائع الدجاج أحياناً يذبح الفروج ويضعه في طبقٍ من الماء الذي يغلي لكي ينتف ريشه، عذبه مرتين لأنه جاهل، فالإنسان عندما يؤمن بالله عزَّ وجل يوجد منهج، اللحم إن لم يذكَّ فيه الدم، كل المواد السامَّة والموبوءة والمجرثمة في الدم، فالذبيحة إن لم تذكَّ لا ينبغي أن نأكلها، لذلك لحم لا تعرف مصدره، ذُبِح في بلادٍ أجنبيةٍ لا يعرفون الله عزَّ وجل، الدابَّة تُصعق صعقاً كهربائياً ليزداد وزنها اثنين أو ثلاثة كيلو وزن الدم، وتأتينا بعلب، مفروض على الإنسان أن يعرف ماذا يُدخِل لفمه، منهج.

 

الحد الأدنى أن نعرف أمر الله سبحانه:


أصعب شيء بالحياة أن يمسخ الدين إلى صلاةٍ وصيام وحجٍ وزكاة، الدين منهج تفصيلي، تعليمات الصانع واسعة جداً، بالقرآن أولاً، بالسنَّة ثانياً، باجتهاد الفقهاء ثالثاً، بالقياس رابعاً، هناك مصادر تشريعية، وهناك علماء فطاحل أفذاذ، الإمام أبو حنيفة صلَّى صلاة الفجر بوضوء العشاء واستنبط من قول النبي: عن أنس:

(( يا عُمير ما فعل النُغَير. ))

[ صحيح البخاري ]

استنبط سبعين حكماً فقهياً، كيف يزهد الإنسان في أحكام الفقه؟! ذكرت لكم في درس الفقه يوم الأحد موضوع الكفاءة في الزواج، أنا الذي أعرفه أن معظم حالات الشقاق الزوجي والخصومات أساسها عدم الكفاءة بين الزوجين، فالكفاءة بحث مُهم، ثم يأتي الحكم الشرعي، أن امرأةً إذا تزوجها شابٌ غير كفء لها، من حقها أن تطالب القاضي بالتفريق بينه وبينها، إلا في حالةٍ واحدة إذا حملت منه، إذاً كم هذا المخلوق الذي في بطنها غالٍ على الله؟ كم في الطلاق بعد إنجاب الأولاد جريمةٍ بحقّ الأولاد؟ إذا حملت الأم أُلغي موضوع الكفاءة حفاظاً على صحة هذا الجنين، صحته النفسية، إذا نشأ في الدنيا وأمه مطلقة وأبوه مشغولٌ عنه، هذا تضييعٌ للإنسان، الحقيقة موضوع الفقه موضوع خطير جداً، فالإنسان عندما يحضر مجلس علم يتعلم أمور دينه، نحن في درس الأحد بفضل الله عزَّ وجل نتكلَّم في موضوعات الخطبة، موضوعات الطلاق، موضوعات ستر العورة، موضوعات الوصية، موضوعات الإرث، موضوعات النَفَقَة، هذه كلها موضوعات يعاني الناس منها جميعاً، فالحد الأدنى أن تعرف أمر الله، بماذا يأمر الله سبحانه؟ ما هو حكم الله عزَّ وجل؟ لأنه:

﴿ وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا (36)﴾

[  سورة الأحزاب  ]

أنت ليس لك خيار مع طبيب يقول لك: تحليل، ولا تجرؤ أن تناقشه أساساً، اثنا عشر تحليلاً، كلهم يجب أن أجريهم؟ يعبس بوجهك، ولا كلمة ، أنت مع طبيب لا تجرؤ أن تناقشه، خالق الكون، مع مهندس قال لك: أحضر طنين من الحديد محلزن، اثنا عشر ميلي، تقول لك: اكتفِ بثلاثة ميلي؟! يطردك من مكتبه، يقول لك: هذا علم، بناء سيبنى، ينهار البناء، لماذا أنت مع طبيب، مع مهندس، تتأدب بتعليماته ولا تناقشه؟ ومع خالق الكون، مع الذي خلقك ولم تكُ شيئاً، مع الذي صوَّرك، مع الذي أودع فيك العقل والنفس والشهوة والاختيار، مع الذي صممك بهذا الخلق الكامل.

 

ما من مخالفةٍ لمنهج الله إلا ووراءها جهل:


قال تعالى:

﴿ لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ (4)﴾

[  سورة التين  ]

أنت آلة، بأبسط معنى، المعنى البسيط البديهي الساذج، أنت آلة معقدة، ولك صانع ومعه تعليمات، لماذا إذا اشتريت آلةً معقدة، جهاز كمبيوتر، تقول للبائع: أريد التعليمات؟ لأترجمها أولاً، لماذا معك هذا الحرص الشديد على ترجمة التعليمات؟ يجيبك: الجهاز ثمين ولا مجال للتهاون، إذا استعملناه خلاف التعليمات نخربه، نترجمها، تنتظر شهراً لكي تترجم التعليمات، أخي أريد أن أحافظ على سلامته، باهظ الثمن. هل أنت رخيص على الله؟ تُطْلق بصرك في الحرام، تتزوج زواجاً غير إسلامي، أخي خطبة ثم قرأنا الفاتحة صار عقد، وصار الخطيب يدخل متى يشاء ويجالس الخطيبة ويتحدث إليها بما يريد، هذا خلاف الشرع، مآس، اذهب إلى القصر العدلي، اذهب إلى السادة المحامين وانظر كم مشكلة عندهم، ستة آلاف أو سبعة آلاف قضية في كل محكمة كلها من مخالفة الشرع، إن كان الأمر بالزواج، وإن كان بعقود الشراكة، فإنك تجد تساهلاً، أحياناً تجد أخوين اشتركا في معمل، مصروفهما غير مسجَّل، هذا أخذ سيارة كبيرة وهذا أصغر، النساء اختلفن، لماذا اشترى أخوك هذه السيارة بهذا الثمن؟ سجلوا مسحوبات، ثم تنشأ خصومة كبيرة في الأسرة، ثم قطيعة كاملة، بعد ذلك انهيار الشركة، لأنه تمّ خلاف الشرع. 

أكاد أقول أيها الأخوة، والله الذي لا إله إلا هو، ما من مأساةٍ على وجه الأرض إلا وراءها مخالفة لمنهج الله، وما من مخالفةٍ لمنهج الله إلا وراءها جهل، لذلك اعتبر الجهل عدوك الأول.

 

كل مشكلات الأمة أساسها الجهل الذي يؤدي إلى عدم تطبيق منهج الله عزَّ وجل:


نحن لنا أعداء تقليديون، اللهم اهزم الصهاينة، نسأل الله أن يهزمهم، ولكن نحن إذا طبقنا منهج الله عزَّ وجل هزمناهم.

كل مشكلات الأمة أساسها الجهل، عدم تطبيق منهج الله عزَّ وجل، المرأة إذا خرجت من بيتها متزيِّنة فسدت وأفسدت.

﴿ وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا (33)﴾

[  سورة الأحزاب ]

أي إذا خرجتُنَّ: ﴿وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى﴾ كم مشكلة الآن تقع في المحلات التجارية من تساهل المرأة في حديثها مع البائع؟

﴿ يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفًا (32)﴾

[  سورة الأحزاب ]

﴿ وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (31)﴾

[  سورة النور ]

الثياب التي تبرز مفاتن المرأة هذه كلها محرمة.

 

من علامات قيام الساعة أن يرفع الحياء من وجوه النساء:


حدثنا أخ طبيب مؤمن قال: أنا أعمل في مجال الأمراض التناسلية، في العشر السنوات الأخيرة ارتفعت الإصابات عشرة أضعاف لأنه يوجد إثارة في الطريق وسُبُل الزواج مغلقة، خالفنا منهج الله عزَّ وجل، لذلك كِدت أقول: كلما رَخُص لحم النساء ارتفع لحم الضأن، وكلما قلَّ ماء الحياء قلّ ماء السماء، من علامات قيام الساعة أن يُرْفع الحياء من وجوه النساء، لا حياء، تُحِدُّ النظر إليك، عليك أن تتحجب أنت منها، هذا الذي بقي عليك، تُحِدُّ النظر إليك، يُرفع الحياء من وجوه النساء، وتُرفع النخوة من رؤوس الرجال، يمشي مع زوجته وهي في أبهى زينة ويفتخر بها، وكأنه أحسن انتقاءها أمام أصدقائه، هذا اختياري، ليس لديه نخوة، وتُرفع الرحمة من قلوب الأمراء، لا نخوة في رؤوس الرجال ولا حياء في وجوه النساء ولا رحمة في قلوب الأمراء.

أنا أشعر أن كلمة: 

﴿ قُلْ يَا عِبَادِ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا رَبَّكُمْ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَأَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةٌ إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ (10)﴾

[ سورة الزمر ]

 أنت الآن تعمل في عمل تجاري، هل تعرف حكم الله في هذا العمل؟ هل تبيع بضاعةً محرمةً في الأصل؟ أخي هذا عملي والعمل عبادة، من قال لك ذلك؟ أن تبيع أشياء فاسدة تفسد الأخلاق وأن تقول لي: الشغل عبادة؟! أن تبيع مجلات مثلاً كلها تغضب الله عزَّ وجل فيها صور منحرفة، أخي أنا لدي مكتبة ومضطر، ما معنى مضطر، هذا كلام فارغ، نحن نريد بيتاً مسلماً، تحتاج إلى حرفة صحيحة شرعية، راجع حساباتك، حرفتك التي أنت فيها هل ترضي الله أم تغضبه؟ نحن إذا لم نبع الدخان في المكتبة تنخفض الغلة للنصف، فنحن مضطرون لبيع دخان، يجب أن تجد لنا فتوى لهذه، يقول ابن عباس: "أيرتكب أحدكم أحموقته ويقول: يا بن عباس يا بن عباس". هذا الأمر ليس من شأننا، راجع نفسك هل في بيتي غلط؟ هل بخروج زوجتي غلط؟ هل بلباس بناتي غلط؟ هل بتجارتي غلط؟ هل بعملي غلط؟ هل بوظيفتي غلط؟ أنا يا ترى هل أعين الظالم؟ أنا هل أقبض مالاً حراماً؟ هل بتجارتي بضاعة محَرَّمة؟ هل في بيتي انحراف؟ هل فيه شيء لا يرضي الله؟!!

يدعو: عن أبي هريرة رضي الله عنه:

(( يا أيُّها النَّاسُ إنَّ اللَّهَ طيِّبٌ لا يقبلُ إلَّا طيِّبًا، وإنَّ اللَّهَ أمرَ المؤمنينَ بما أمرَ بِه المرسلينَ، فقالَ: يَا أيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ، وقالَ: يَا أيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ قالَ وذَكرَ الرَّجلَ يُطيلُ السَّفرَ أشعثَ أغبرَ يمدُّ يدَه إلى السَّماءِ يا ربِّ يا ربِّ، ومطعمُه حرامٌ، ومشربُه حرامٌ، وملبسُه حرامٌ، وغذِّيَ بالحرامِ، فأنَّى يستجابُ لذلِك؟ ))

[ صحيح الترمذي: خلاصة حكم المحدث : حسن  أخرجه الترمذي واللفظ له، وأخرجه مسلم ]

 

المؤمن إنسان كامل وأمين ومُخلص ويطبِّق منهج الله في كل حياته:


لذلك تجد دعاء عريقاً، أدعية منمَّقة، أدعية بليغة على السجع، صوت نبراته حادَّة ولكن لا يوجد استجابة، ندعو ويعلو صوتنا لكن لا استجابة، سيدنا زكريا حدثنا الله عنه قال:

﴿ إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَاءً خَفِيًّا (3)﴾

[ سورة مريم ]

أنت لو كنت صادقاً بإمكانك ألا تحرِّك شفتيك، بإمكانك أن تتوجه إلى الله بقلبك، تقول له: يا رب افعل كذا، أعنِّ، ارزقني، ويستجيب لك، أي إذا لم يكن تعاملك مع الله مباشرةً، إن لم تدعه سراً وعلانيةً، ليلاً ونهاراً، في أعقاب الصلوات، في السجود، إن لم تسأله سلامة الدنيا والآخرة، فكيف تشعر أنك مؤمن؟ أنا الذي أركز عليه الآن أنت لا شك أنك مؤمن، ما الذي جاء بك إلى هذا البيت بيت الله؟ إيمانك، إيمانك جاء بك إلى هذا البيت، إلى هذا المسجد، إذاً أنت ينبغي أن تستمع لقول الله عزَّ وجل: ﴿قُلْ يَا عِبَادِ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا رَبَّكُمْ﴾ ، أحد أخواننا الكرام المحامين، والله أنا أُكْبِرُهُ وأعجب به، قال لي: جاءني رجل يطلب توكيلي في قضية، قلت له: يا أخي هذه القضية شملها قانون العفو وأنت لا تحتاج إلى محام إطلاقاً، يكفيك أن تقدم طلباً إلى المحكمة الفلانية فيصدر الحكم لصالحك، ما إن انتقل إلى محامٍ آخر حتى أوهمه أن القضية خطيرة جداً وهذا الذي قال لك ذلك لا يفهم شيئاً، إلى أن ابتزَّ منه عشرين ألف ليرة، طبعاً القضية منتهية بالعفو، فجاءني هذا المحامي من بعد وقال لي: يقولون عني إنني ساذج، قلت له: والله هذا وسام شرف بحقك، هذا هو المؤمن.

 

سبب تخلّي الله عنا أنه قد هان أمر الله علينا فهنا على الله:


المؤمن لا يكذب، المؤمن لا يغش، المؤمن لا يحتال، المؤمن لا يأكل مالاً حراماً، هذا المؤمن، كلمة مؤمن صفة كبيرة بالتعبير التجاري، شيء عظيم، إنسان صادق، إنسان كامل، إنسان أمين، إنسان مُخلص، يطبِّق منهج الله في كل حياته، لا يوجد والله لا أستطيع، يليق بها، قال: إن هذا يليق بابنته فتكون بالنتيجة كافرة، كلام فارغ، من هنا تخلى الله عنا، هان أمر الله علينا فهنا على الله، هذا مختصر مفيد.

إذا أردتم أن تفهموا السبب الذي يبدو أن الله تخلى عن المسلمين في العالم هو أنه هان أمر الله علينا فهنا على الله، ألفٌ ومئتا مليون مسلم، أكثر من خمس سكان العالم، وكلمتنا ليست هي العُليا، ليست عليا، المعنى معروف، مُقَدَّراتنا ليست بأيدينا، هان أمر الله علينا فهنا على الله..

﴿ فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا (59)﴾

[  سورة مريم  ]

وقد لقينا هذا الغَي ﴿فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا (59)﴾ اصدق الله يَصْدُقْك، لله رجالٌ إذا أرادوا أراد، أنت مؤمن تخاطب الله، استقم على أمره واسأله المعونة والتوفيق، ولكن يوجد تقصير كثير، على كلّ الإنسان إن رأى حوله المقصرين كُثُراً فعليه أن يستقيم، عليه أن يتلو قوله تعالى:

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (105)﴾

[ سورة المائدة ]

 

المؤمن يطبق شرع الله تعالى في كل أفعاله:


هناك سؤال كبير أيها الأخوة، أليس في القرآن الكريم وعود كثيرة جداً للمؤمنين؟ ألم يقل الله عزَّ وجل:

﴿ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (55)﴾

[  سورة النور  ]

كل هذا على الله، وعلى العباد: ﴿يَعْبُدُونَنِي﴾ لا يوجد عبادة، مصمم أزياء يهودي بفرنسا، إذا صمم زياً للنساء يكشف كل مفاتنهم، نحن نتبعه خطوةً خطوة، هؤلاء مسلمون؟! اقرأ عليهم السلام، مصمم أزياء يهودي يتحكم بأعراضنا؟! يتحكم بزي نسائنا؟! يفرض علينا الانحراف تحت اسم الموضة؟! يقول لك: هكذا الموضة في هذه السنة، أما المؤمنة فلا تبالي بكل هذا، طاعة الله فوق كل شيء، هذه الموضات تحت قدمها، ليقل عنها الناس ما يقولون، طاعة الله فوق كل شيء، هكذا كانت الصحابيات، "يا فلان اتقِ الله بنا نحن بك نصبر على الجوع ولا نصبر على الحرام" قرش من حلال هذا يبارك الله لك فيه، فيه بركة، بين التجار وكلهم مسلمون: أخي إذا لم نكذب لا نبيع، هذه آية أم حديث؟ من قال هذا الكلام؟ إذا لم نكذب لا نربح؟ كذلك بعض المحامين: أخي إذا لم نكذب لا يأتينا بدل الأتعاب، هذا كله كلام الشرك، على الله رزقك، هناك محل بمدينة بالشمال، فإذا كان بالمدينة تلك مئة مطعم فتسعون من هذه المطاعم تقدم الخمور، إلا هذا المحل كتب صاحبه عند مدخله: الخمر ممنوعٌ بأمر الرب والرزق على الله، تأتي إلى المحل الساعة العاشرة مليء، الثانية عشرة مليء!! كذلك الساعة الواحدة مليء، والثانية ظهراً، والرابعة عصراً كذلك ثم الخامسة تجد الازدحام ملموساً، والآن أكثر محلات الأرمن صار أصحابها يكتبون: ممنوع شرب الخمر بأمر الرب، فالجماعة يريدون أن يربحوا، الله ينسى؟ تحت قدمك الغلة كلها، ونحن نريد مؤمناً هكذا، نريد مؤمناً يطبق.

 

على المؤمن أن يلغي الغش والكذب من حياته:


﴿ قُلْ يَا عِبَادِ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا رَبَّكُمْ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَأَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةٌ إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ (10)﴾

[ سورة الزمر ]

 للذين أحسنوا في هذه الدنيا، يا ترى الحسنة في الدنيا مطلقة، والمطلق على إطلاقه، ومعنى مطلقة أن الحسنة في الدنيا والآخرة: ﴿لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا﴾ محسن، أخ يلف محركات، يأتيه محرك أجرته خمسة آلاف، فتحه فرأى فيه طاقاً مقطوعاً، لحمه في خمس دقائق، جاء صاحبه فطلب منه صاحب المحل خمساً وعشرين ليرة فقط، وهو لا يعلم، موطِّن نفسه أن يعطيه خمسة آلاف ليرة أجرة لفه، فتبين لصاحب المحل أنه ليس محروقاً بل مقطوعاً فلحمه وقال له: أجرته خمس وعشرون ليرة فقط، هذا المؤمن، هذا أخوك، كيف تأكل ماله بالباطل؟ لو ألغينا الكذب في حياتنا، ألغينا الغش في تعاملنا، حتى في المهن الراقية أصبح فيها غش، حتى في المهن التي لا يرقى إلى صاحبها الشك صار فيها ابتزاز بسبب ضعف الإيمان، طبيب ووراءه ممرضة فقال لها: قولي له: عملية قيصرية لصالح المستشفى، ولادة عادية تكلِّف ثلاثة آلاف، والقيصرية بستة عشر ألفاً، لصالح المستشفى، صار الإنسان يشك لعل هذه الولادة غير قيصرية؟ هي عادية ولكن هكذا جاء التوجيه، حتى في المهن الراقية التي أصحابها فوق الشبهات إن لم نؤمن بالله انزلقنا إلى الابتزاز، فكيف يرضى الله عنا؟ كيف يرحمنا جميعاً؟ كيف ينصرنا ونحن نعادي بعضنا بعضاً؟ نبتز بعضنا أموال الآخرين؟ نغش بعضنا بعضاً؟

 

الإنسان المؤمن لا يزهد ببلاد الإسلام بل يبقَى في هذه البلاد محافظاً على دينه:


﴿ قُلْ يَا عِبَادِ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا رَبَّكُمْ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَأَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةٌ إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ (10)﴾

[ سورة الزمر ]

أي طاعة الله لا يعلو عليها شيء، فإذا كان هذا المكان لا تستطيع أن تطيع الله فيه فتحوَّل إلى مكانٍ آخر، التعلق بالأرض على حساب دينك هذا سلوك وثني، سلوك غير صحيح، الأرض التي ترفع رأسك بها، الأرض التي تطيعُ الله بها هي أرضك، فنحن والحمد الله في بلدٍ تقام فيه شعائر الله، من أجل دُريهمات يغادر الإنسان المؤمن الطيِّب بلده إلى بلدٍ آخر تنتهك فيه الحرمات على قارعة الطريق..ومن أقام مع المشركين فقد برئت منه ذمة الله، يفرح أن البلاد رخيصة وخضراء كلها، يقول لك: الحاجات متوافرة بشكل عجيب، المواصلات، البيوت الجاهزة للإيجار، كله ميسَّر، لكن حينما يرى أن ابنته مثلاً أحبت يهودياً في بلاد الغرب، وأنها تنحرف انحرافاً خطيراً، عندئذٍ يعتصر قلبه من الألم، ولكن لات ساعة مندم بعد فوات الأوان، فالإنسان لا يزهد ببلاد المسلمين، لا يزهد ببلاد الإسلام، ليبقَ في هذه البلاد، ليبق محافظاً على دينه، ليجعل خبرته في خدمة هذه البلاد، ليجعل ذكاءه في خدمة هذه البلاد، أما يقولون لك: مئتان وسبعون ألف طبيب يعملون في بلاد الغرب من أصل عربي، هؤلاء نخبة المجتمع، الأدمغة تعمل لصالح الغرب، فشيء مؤلم أن الإنسان يسخر طاقته، وعلمه، وذكاءه، وخبرته، وينقل أمواله إلى هناك كي تعود علينا مؤامراتٍ وأسلحة فتاكة.


  الصابر يرى أن يد الله تعمل في الخفاء والأمر كله بيده وأفعاله كلها يحمد عليها:


يا أيها الأخوة الأكارم؛ 

﴿ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَأَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةٌ إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ(10)﴾

[ سورة الزمر ]

 من هو الصابر؟ هو إنسان يعرف الله، يعرف أن الله يعالجه، مثلاً بشكل أو بآخر، راقب طفلاً صغيراً على كرسي طبيب الأسنان، تجده يبكي، يتحرك حركات عشوائية، يمسك يد الطبيب، أحياناً إذا كان بلا تربية يسب الطبيب، راقب إنساناً راشداً تجده ساكتاً، الآلام شديدة، البنج ممنوع بالنسبة له لأسباب معينة، يُعالج من دون بنج، يشد على الكرسي ولا يصيح، وبعد ذلك يشكر الطبيب، ويعطيه أجرته كما يريد، انظر إلى العقل، الطفل يصيح ويسخط ويغضب، والكبير يسكت ويصبر، أي الصبر علم، لمَا الكبير صبر لأنه يعرف أن العملية لمصلحته، يعرف أن الطبيب عالم، والطبيب خبير، والطبيب دقيق، وهذا العمل بمجمله مع آلامه لصالحه، ويقول: وجع ساعة ولا كل ساعة، هذا الراشد، فكل إنسان لا يصبر معنى هذا أنه أحمق، لا يعرف الله أبداً؛ أما الصابر فهو يرى أن يد الله تعمل في الخفاء، يرى أن الأمر كله بيد الله، يرى أن أفعال الله كلها يُحمَد عليها، لذلك قالوا: الحمد لله الذي لا يُحْمَد على مكروهٍ سواه، عن صهيب بن سنان الرومي:

(( عجبًا لأمرِ المؤمنِ، إنَّ أمرَه كلَّهُ له خيرٌ، و ليس ذلك لأحدٍ إلا للمؤمنِ، إن أصابتْهُ سرَّاءُ شكر وكان خيرًا لهُ، وإن أصابتْهُ ضرَّاءُ صبرَ فكان خيرًا له. ))

[ أخرجه مسلم : صحيح الجامع:  خلاصة حكم المحدث : صحيح ]

المؤمن شيء عجيب، مثل المنشار على الحالتين مسرور، إذا أكرمه الله يقول: يا رب لك الحمد هذا فضلك عليّ، وإذا الله سلبه نعمة يا رب لك الحمد أنا أستحق، وأنت مربٍّ، وأنت عالم، وأنت عادل، وأنت رحيم، وأنا طوعُ إرادتك، إن لم يكن بك غضبٌ عليّ فلا أبالي ولك العتبى حتى ترضى ولكن عافيتك أوسع لي. والله شيء جميل، لا تجد عند المؤمن حالات انهيار عصبي، تجد بالغرب أن أعلى نسب الانتحار في السويد، جهل، إن لم تأت الدنيا كما يريد الإنسان ينتحر، المؤمن تجده ينقصه مليون قضية ومع ذلك يرجو الله، ويدعوه، ويصبر على قضائه وقدره، فلذلك: ﴿إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ﴾ .

 

معنى التوحيد:


من هو الصابر؟ هو الذي يعرف الله، يعرف أن الأمر كله بيد الله، لا يوجد زيد ولا يوجد عُبيد، ولا يوجد فلان ولا يوجد علان، لا يوجد إلا الله، هؤلاء صور، مثلاً إن تلقى أحدٌ ضربةً بعصا، والعصا بيد إنسان، هل يصب نقمته على العصا؟ يحقد عليها؟ والله لأقسمك قسمين بالمنشار، لا، يجب أن يحقد على من ضربه بها، فإذا كان من ضربه بها إنسان عظيم وعادل ورحيم، معنى هذا أنه هو الغلطان، انظر كيف التسلسل، إن جاءتك مصيبةٌ على يد إنسان، هذا الإنسان أداة بيد الله، عصا بيد الله، الله عزَّ وجل عادل ورحيم وحكيم، معنى ذلك أن شيئاً ما من عند نفسي أنا، المؤمن دائماً يتَّهم نفسه، ليس عنده حقد إطلاقاً، يعلم أن الله بيده كل شيء، الإمام الشعراني قال: "أعرف مقامي عند ربي من أخلاق زوجتي" ، معنى هذا أن الإنسان أموره كلها بيد الله، عليه أن يصدق مع الله، عليه أن يصطلح معه، عليه أن يتوب إليه، عليه أن يصلح فيما بينه وبين الله، اعمل لوجهٍ واحد يكفك الوجوه كلها، من جعل الهموم هماً واحداً كفاه الله الهموم كلها، هذا هو التوحيد، وما تعلمت العبيد أفضل من التوحيد، راقب الله عزَّ وجل، ناجه، اسأله، ادعه، اقرأ كتابه، احضر مجالس العلم، تعلَّم أحكام الفقه، تعلم مواقف الصحابة من أجل أن تهتدي بهديهم، أن تستنير بنورهم، أن تقفُو أثرهم، أن تخطو خطوهم، إذاً: 

﴿ إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ (10) قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ (11) وَأُمِرْتُ لِأَنْ أَكُونَ أَوَّلَ الْمُسْلِمِينَ (12) قُلْ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (13) قُلِ اللَّهَ أَعْبُدُ مُخْلِصًا لَهُ دِينِي (14) فَاعْبُدُوا مَا شِئْتُمْ مِنْ دُونِهِ قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلَا ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ (15)﴾

[ سورة الزمر ]

أيها الأخوة الأكارم؛ نحن مقدِمون على شهرٍ فَضيل، على شهرٍ كريم، ما من شهرٍ في القرآن الكريم ذُكِر اسمه إلا رمضان حصراً، هذا الشهر دورةٌ سنوية، دورةٌ سنوية روحية لقفزةٍ إيمانية، لقفزة، فأنا أتمنى على كل أخ كريم أن يفرغ نفسه في هذا الشهر لله عزَّ وجل.

والحمد لله رب العالمين 

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور