وضع داكن
26-04-2024
Logo
الدرس : 01 - سورة العنكبوت - تفسير الآيات 1 - 3 سبب تسميتها
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، وعلى وآله وصحبه أجمعين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.

 

الهدف من الحروف المقطعة:


أيها الإخوة المؤمنون؛ مع الدرس الأول من سورة العنكبوت، وقد سميَّت بهذا الاسم لورود آيةٍ في هذه السورة تتحدَّث عن العنكبوت.

﴿الم (1) أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ (2) وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ (3) أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ أَنْ يَسْبِقُونَا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ(4)﴾

 أيها الإخوة الأكارم؛ ﴿الم﴾ .. إذا قُلت كما قال بعض المفسِّرين: الله أعلم بمراده، فهذا حق، وإذا قلت: هي أوائل أسماء الله الحُسنى فقد قُلت حقاً، وإذا قلت: هي أوائل أسماء النبي عليه الصلاة والسلام فقد قلت حقاً، وإذا قلت: إن القرآن الكريم المعجز من هذه الحروف كان إعجازه، وهذه الحروف متداولةٌ بين أيديكم..

﴿ وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (23)﴾

[  سورة البقرة  ]

فهو حق.

وقد مرَّ بنا سابقاً في مرَّاتٍ عديدة تفسير هذه الحروف التي افتُتِحَتْ بها بعض السور.

 

أصل الاستفهام واستعمالاته اللغوية:


قول الله عزَّ وجل: ﴿أَحَسِبَ﴾ .. هذه الهمزة همزة استفهام، تقول: أفلانٌ حضر؟ أأنت قلت لفلان كذا؟ الاستفهام كما تعلمون طلب العلم مجهولة، ما اسْمُكَ؟ كم الساعة؟ ما المبلغ الذي تملك مثلاً؟ هذا هو الاستفهام، ولكن الاستفهام يخرج عن غرضه الأساسي إلى أغراض كثيرة، من هذه الأغراض التقرير.. ﴿أَحَسِبَ النَّاسُ﴾ ..بمعنى حسِبَ الناسُ، هذا استفهام تقريري، وهناك استفهامٌ إنكاري، وهناك استفهامٌ توبيخي، وهناك استفهامٌ تَعَجُّبي، وأنواع الاستفهامات كثيرةٌ جداً، كلُّها خرجت عن مقصد الاستفهام الأول. 

على كلٍّ هذا الاستفهام في مطلع هذه الآية استفهامٌ تقريري، أي: ﴿أَحَسِبَ النَّاسُ﴾ تعني لقد حَسِبَ الناس، هذا هو المعنى، أما معنى حَسِبَ بمعنى ظنَّ، وليس غريباً عنكم أن تعرفوا أن الوهم، والشك، والظن، وغلبة الظن، واليقين، والقطع، هذه مستويات قبول الحقيقة، قد تتوهَّم، وقد تشك، وقد تظن، وقد يغلب على ظنِّك، وقد تتيقَّن، وقد تَقْطَع، أعلى درجات اليقين هو القَطع، لذلك القرآن قطعيُّ الثبوت، قطعي الدلالة وظنيُّ الدلالة..﴿أَحَسِبَ النَّاسُ﴾ بمعنى أظنَّ الناس، حَسِبَ بمعنى ظنَّ، عندنا فعل حَسِبَ، وعندنا فعل حَسُبَ، أي افتخر بحسبه، وعندنا كذلك فعل حَسَبَ، أي عَدَّ، وعندنا أيضاً اسم (حَسْبُكَ)، وهذه الكلمة اسم فعل أمر بمعنى يكفي، اللغة العربيَّة دقَّتها تأتي من أن السين إذا حركتها فلكل حركة معنى، حَسَبَ، وحَسُبَ، وحَسِبَ، وحَسْبُ، حَسُبَ أي افتخر بحسبه ونسبه، وحَسِبَ بمعنى ظنَّ، وحَسَبَ بمعنى عدَّ، وحَسْبُكَ هذا أي يكفيك هذا..﴿أَحَسِبَ النَّاسُ﴾ أي أيظنُّ الناس ﴿أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ﴾ قل ما شئت، قْل: أنا مؤمن، أي هل تُتْرَك بلا امتحان؟ قل: أنا أحمل شهادة دكتوراه، هكذا؟ الدولة أتدع إنساناً يضع على غرفة بيته لقب دكتور من دون أن تُحاسبه؟ من دون أن تطالبه بالشهادة؟ بالترخيص؟ هكذا؟ إنسانٌ مثلك لا يقبل منك أن تدَّعي شيئاً لست في مستواه.

 

لا بدّ للمؤمن من امتحان وفتنة :


﴿ أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا ﴾ ..أن تقول: أنا مؤمن، تأتي ظروف ضاغطة، وظروف مُغرية، ماذا تفعل؟ لو أن الأمر بسيط يكفي أن تقول: أنا مؤمن والحمد لله، وأن تصلي هذه الصلوات الخَمْس، وأن تصوم رمضان، وأن تحجَّ البيت، وأن تؤدي زكاة مالك، وانتهى الأمر، القضية سهلة جداً، ولكن إذا قلت: أنا مؤمن، هناك امتحاناتٌ لا نهاية لها، لابدَّ من أن تكشف من أنت.

﴿ مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَجْتَبِي مِنْ رُسُلِهِ مَنْ يَشَاءُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا فَلَكُمْ أَجْرٌ عَظِيمٌ (179)﴾

[ سورة آل عمران ]

 

ليس الإيمان بالادّعاء:


تقول: أنا أحبُّ الخير، لكنَّك قاعدٌ في البيت، يأتي من يطرق بابك، يقول لك: هل لك في خيرٍ ساقه الله إليك؟ تعتذر، إذاً هذه دعوى، هذا الكلام كذب، أنا أحبُّ الخير، أنا أحبّ التضحية، أنا أحبّ الفداء، أنا أحبّ الصدقات، أنا أحبّ مجالس العلم، يأتيك زائرٌ قليل الشأن من غير موعدٍ تُضَحِّي بمجلس العلم من أجله، أين حبُّك لمجالس العلم؟ قل له: اذهب معي يا رجل، جئتني على غير موعد، وأنا عندي موعد، أيُّ شيءٍ تدَّعيه، أي شيءٍ تقوله لابدَّ من أن تُكْشَفَ حقيقتك فيه، أنا أُحبُّكِ يا أمي حباً جمّاً، والله إن تزوَّجت لأفعلنّ كذا وكذا، ولأفعلنَّ كذا وكذا، هذا كلام، فإذا تزوَّج قلب لأمِّه ظهر المِجَن، وكره بقاءها، واستثقَّل حياتها، وتمنَّى أن تموت، إذاً هذه دعوى وكلامٌ باطل، أنا أحبّ الله، ولن أعصيه أبداً، يأتيك إغراءٌ شديد تنهار قِواك، تنهار مقاوماتك فتعصي الله عزَّ وجل. إذاً: لو أن القضيَّة بالادعاء لكانت القضيَّة سهلة جداً، لو أن الإنسان إذا قال: أنا مؤمن فهو مؤمن؟ وإذا قال: أنا محسن فهو محسن؟ إذا قال: أنا تقي فهو تقيً؟ إذا قال: أنا طائع فهو طائع؟ القضيَّة سهلة جداً، ولكن الله سبحانه وتعالى يقول: ﴿أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا﴾ أن تقول: أنا مؤمن، وتُتْرَكْ بلا امتحان؟ بلا ابتلاء؟ بلا ظروف كاشفة؟ بلا ظروف تُلقي ضوءاً على حقيقتك؟ على نواياك ؟ يقول الإنسان لزوجته: والله لن أتخلَّى عنكِ ما حييت، فإذا أصابها مرضٌ عُضال استثقل حياتها، وتمنَّى لو يطلقها، ويرتاح منها، إذاً هو كاذب بهذا الكلام، لك أن تقول ما تشاء، قل ما شئت، وعلى الله أن يكشفك على حقيقتك، ادَّعِ الورع، هناك ظروفٌ تكشف ما إذا كنت ورعاً أو غير ورع، ادَّعِ الطاعة، هناك ظروفٌ تكشف حقيقتك، ادَّعِ برَّك لوالديك، هناك ظروفٌ تكشف حقيقتك. ذات مرَّة سُئل الإمام الشافعي: يا إمام، " أندعو الله بالتمكين أم بالابتلاء؟ فتبسَّم وقال: لن تُمَكَّنَ قبل أن تُبْتَلَى ". يقول ربنا سبحانه وتعالى:

﴿ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ وَإِنْ كُنَّا لَمُبْتَلِينَ (30)﴾

[  سورة المؤمنين  ]

 

أنواع الفتن والبلاء: 


1 ـ الزوجة:

الزواج ابتلاء، الله عزَّ وجل يريد أن يرى طاعتك بعد الزواج هل تفتر؟ التزامك في المسجد هل يَضْعُف؟ اندفاعك للعمل الصالح هل يخبو بعد الزواج؟ إذاً الزوجة كانت لك فتنة، امتُحِنْتَ بها فرسبت، أم أن الزواج لم يُغَيِّر في التزامك نحو المسجد، ولا في أعمالك الصالحة، ولا في اندفاعك للخير، ولا في طاعتك لله عزَّ وجل، ولا شيء غير طاعة الله تحرص عليها، والزوجة إن رضيتْ أو لم ترض سيَّان، مادام الله راضياً، الزواج فتنة.  

2 ـ المال:

أما بالنسبة للمال فقد يقول أحد الناس: والله لو آتاني الله مالاً لأفعلنَّ كذا وكذا، ولأنفقنَّ منه على كل محتاجٍ ومسكين، ولأبنينَّ المساجد والمستوصفات، ولأنفّقنه على الأقارب والأيتام، آه! لو أن معي مالاً كثيراً، ربنا عزَّ وجل يؤتيه مالاً، فإذا هو يبخل، ويضنُّ به، إذاً رسب في الامتحان. ثعلبة كلكم يعلم أمر ثعلبة، قال: " يا رسول الله ادعُ الله أن يغنيني "، قال: يا ثعلبة، قليلٌ تشكره خيرٌ من كثيرٌ تكفره "، قال: ادع الله أن يرزقني مالاً؟ النبي عليه الصلاة والسلام كأنه رأى أن هذا الإنسان إذا وُضِعَ على مِحَكِّ الامتحان فلن ينجح، أصرَّ ثعلبة إصراراً شديداً فدعا النبي له بالغنى، فتوالدت أغنامه حتَّى ملأت شِعابَ مكَّة، واغتنى غنىً شديداً، أول شيء كان ثعلبة حمامة المسجد، هكذا سمَّاه الصحابة، لأنه ما فاتته تكبيرةُ الإحرام خلف سيِّد الأنام. فلمَّا اغتنى، وملأتْ غنمه شِعاب مكَّة غاب عن مسجد رسول الله، تغيَّر، ثم أبتْ نفسه أن يقعد على أرض المسجد، بعد عامٍ بعث إليه النبي عليه الصلاة والسلام من يأخذ زكاة ماله، فقال ثعلبة لرسول رسول الله: " قل لصاحبك لا زكاة في الإسلام"، فقال هذا الرسول: " أو ما تراه صاحباً لك؟!.. صاحبي لي.. أجمعت مع منع الزكاة كفرك بمحمَّد؟ ". وربنا عزَّ وجل قال: 

﴿ وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ (75) فَلَمَّا آتَاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ (76) فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُوا اللَّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ (77)﴾

[  سورة التوبة ]

المال امتحان، والزواج امتحان، تسمع درساً في المسجد عن الصبر، فتقول: يا أخي، الصبر، والله لئن ابتلاني الله بمرض لأصبِرَن، ولأمرّغنّ وجهي في أعتاب الله عزَّ وجل، ولأسألنَّه أن أكون هكذا، فيأتيه المرض فيكفر، ويتبرَّم، يقول: يا رب، ماذا فعلت أنا؟ فالمشكلة أنك تستطيع أن تقول ما تشاء، أو قل ما تشاء، ولكن الله عليه أن يكشفك على حقيقتك، كيف أنت في الفقر؟ وكيف أنت في الغنى؟ هل أنت في الفقر صابر؟ وهل أنت في الغنى شاكر؟  

3 ـ المرض:

كيف أنت في الصحَّة؟ هل هذه القوَّة توظِّفها في طاعة الله أم في نيل شهواتك؟ وكيف أنت في المرض؟ هل ترى أن هذا المرض علاجٌ إلهيٌ رحيم وأن الله بيده كل شيء؟ 

4 ـ السفر:

يمتحنك في الإقامة وفي السفر، إذا سافرت خارج بلدك، هل تضعُف استقامتك تقول: لا أحد يعرفني هنا؟ إذا كانت استقامتك في بلدك بسبب خوفك على مكانتك الاجتماعيَّة أو الدينيَّة، يبتليك الله بالسفر، بالسفر ماذا تعمل؟ تنظر إلى النساء الكاسيات العاريات؟ تقف مَلِيَّاً أمام الحانات؟ تقرأ ما لا يُسمح لك أن تقرأه وأنت في السفر؟ السفر ابتلاء، امتحنك الله عزَّ وجل، إذاً استقامتك في بلدك ليست حباً بالله عزَّ وجل بل حفاظاً على مكانتك، فالله عزّ وجل يتولَّى أن يكشف كل إنسانٍ على حقيقته بشكلٍ دقيق، ربنا عزَّ وجل يقول: ﴿وَإِنْ كُنَّا لَمُبْتَلِينَ﴾ لابدَّ من أن يُبْتَلى الإنسان، قد يكون في وضع ليس مُضطراً أن يدخل عليه مالٌ حرام، له دخلٌ مشروعٌ ويكفيه، قد تضيق الأمور ويقلُّ دخله، أو تقلُّ قوَّته الشرائيَّة، عنده أولادٌ كُثُر، عنده عيال، الراتب لا يكفي، السلع غالية، قبل سنوات كان يقول: والله لو قَطَّعوا يدي إرْبَاً إرباً لا آكل درهماً حراماً، كلام طَيِّب، ولكن حينما ضاقت به سُبُلَ المعيشة مدَّ يده إلى الحرام، إذاً هو ما كان صادقاً بهذا الكلام بل كان كاذباً، إذاً: ﴿أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ﴾ هل تدَع وزارة الصحَّة إنساناً يكتب على بيته: الدكتور فلان، يحمل شهادة بورد الأمريكيَّة، ويكون كاذباً بهذا الكلام؟ أين الشهادة؟ أين التصديق؟ أين الترخيص؟ في أي جامعة درست؟ ما الثبوتيَّات؟ ما الدلائل؟ وزارة الصحَّة لا تسمح لإنسان أن يتلاعب، خالق الكون الذي بيده كل شيء يدَّعي هذا الإنسان الإيمان، وهو ينطوي على ضعفٍ في الإيمان، يُوْضَع في ظروفٍ صعبة، هذه الظروف الصعبة لابدَّ من أن يوضع فيها كي يُكْشَفَ على حقيقته. ﴿أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ﴾ قد يقول: أنا تقي، أنا لا أتأثَّر بالنساء الأجنبيَّات إطلاقاً، هذا كلام، يضعه الله في ظرفٍ عصيب فإذا قَدَمَهُ تزل، لماذا؟ لأنه كان كاذباً في دعواه، فالإنسان كلَّما كَبُرَ عقله كلَّه ضبط لسانَهُ، لم يتكلَّم كلماتٍ ليس في مستواها.

 

تعريف الفتنة:


﴿أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ﴾ .. ما هي الفتنة؟ بعض العوام يفهمون الفتنة بمعنىً محدود، الفتنة لا تعني الشر، الفتنة تعني أن تُكْشَفَ حقيقتك، فلان مثلاً معه مبلغٌ يسير، وجاءه صديقٌ حميم، وطلب منه هذا المبلغ، فأنفقه، نقول: هذا الإنسان فُتِنَ فنجح في هذا الافتتان، أي دُعِيَ إلى عملٍ صالح، معه مبلغٌ يسير استجاب سريعاً ودفع هذا المبلغ، الله عزَّ وجل فتنه، أي أظهر كماله، أظهر حبَّه للخير، أظهر حُبَّه للإحسان، أظهر مؤاثرته لأخيه، أظهر اندفاعه للعمل الصالح، ليس معنى الفتنة أن تَسْقُط، الفتنة تعني أن تنجح، أو أن تسقط.

﴿ إِذْ تَمْشِي أُخْتُكَ فَتَقُولُ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى مَنْ يَكْفُلُهُ فَرَجَعْنَاكَ إِلَى أُمِّكَ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلَا تَحْزَنَ وَقَتَلْتَ نَفْسًا فَنَجَّيْنَاكَ مِنَ الْغَمِّ وَفَتَنَّاكَ فُتُونًا فَلَبِثْتَ سِنِينَ فِي أَهْلِ مَدْيَنَ ثُمَّ جِئْتَ عَلَى قَدَرٍ يَا مُوسَى (40)﴾

[ سورة طه ]

أيْ أظهرْنا ما في نفسك، لذلك الإنسان له مظهر وله مَخْبَر، له كلمات يَدَّعيها، وله حقيقة ينطوي عليها، له علاقات خارجيَّة منضبطة وله علاقات خاصَّة غير منضبطة، الله سبحانه وتعالى لابدَّ من أن يكشف هذا الإنسان. 

حدَّثني أخ عنده موظَّف، قال لي: أغدقت عليه مبلغاً أي راتباً جيِّداً يكفيه وأسرته، كان صاحب المتجر يشعر أن هناك نقصاً في المواد التي في الدكان، أو نقصاً في المبالغ، قال لي: ذات يومٍ أرسلت له شخصاً من قِبَلي بعد الساعة الثامنة ليشتري حاجات، وأنا جئت إلى مكتبي في الساعة الحادية عشرَة، سألته: هل جاء أحد؟ قال له: لا، هل اشترى أحد؟ قال له: لا، وأمرت هذا الإنسان أن يأتيني بعد الظهر ليرُدَّ البضاعة أمامي، جاء بعد الظهر فلمَّا دخل إلى المحل، ومعه البضاعة قال لي: اصطبغ وجه الموظف باللون الغامق، شعر بخيانته، هذا إنسانٌ امتحن إنساناً ورسب، أعطاه معاشاً معقولاً ويكفيه ؛ لكنَّ نفس هذا الموظَّف في هذا المحل التجاري حدَّثته أن يأخذ ما ليس له، أن يأخذ من غَلَّة الصندوق، وأن يأخذ من بعض البضاعة، فلمَّا شكَّ صاحب هذا المحل لجأ إلى هذا الموقف الذكي، ورسل من يشتري بضاعةً قبل أن يأتي هو، وسأله هو وأكَّد عليه: هل جاء أحد؟ هل اشترى أحد؟ قال له: لا، أمر الشاري ثانيةً أن يعود بعد الظهر ليردَّ البضاعة فكُشِفَ، إنسان يكشف فكيف خالق الأكوان؟ ادّعِ ما شئت، قل ما شئت، أسبغ على نفسك ما شئت من الصفات، الله عزَّ وجل متكفِّلٌ أن يكشف كل إنسانٍ على حقيقته.. 

 

الامتحان يكشف جوهر المؤمن الثمين:


﴿أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ﴾ ، يقول لك أحدهم: أنا لا أتأثَّر بالنظر إلى النساء، هذا كلام كاذب، التقوى أقوى، الشرع أقوى وأحوط، هذه الدعوى تعقبها زَلَّةُ قدمٍ كبيرة، إذاً هو كان كاذباً في هذا الإدعاء، فلك أن تدَّعي مع الله الصلة، ولك أن تدّعي مع الناس الإحسان، ولك أن تدعي مع نفسك الورع، ولك أن تدعي ما شئت، والله سبحانه وتعالى لابدَّ من أن يكشف حقيقة الإنسان في هذه الدنيا قبل أن يموت، هذه آيةٌ خطيرةٌ جداً ، العباد مكشوفون أمام الله عزَّ وجل، نفسك صفحةٌ بيضاء، الدخائل، الصراعات، المشاعر، الخواطر، الطموحات، النوايا العميقة، النوايا البعيدة، قد تعقد شراكةً، وتقسم لشريكك أن هذه الشراكة أبديَّة، وأن الموت وحده يفرِّق بيننا، وأنت في أعماق نفسك تخطِّط لهذه الشركة أن تستولي عليها بعد أمدٍ طويل، بعد أن تكتشف سرَّ هذه المصلحة من شريكك، الله عزَّ وجل..

﴿ يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ (19)﴾

[ سورة غافر ]

فلذلك ليحرص الإنسان حِرصاً بليغاً على ألا يتكلَّم بما ليس فيه، والمؤمن لا يكذب، وصادق، ويتكلَّم الحقيقة، فإذا أَنِسَ الله منك صدقاً، واستقامةً كان الامتحان يسيراً، الامتحان عملية كشف هذا المعدن الطيِّب، لذلك المؤمن لا تزيده الأيَّام إلا رفعةً، لأن حقيقته عالية جداً، فما على الامتحان إلا أن يكشف جوهره الثمين، أما غير المؤمن فحقيقته متدنيَّة، مظهره مقبول، له مظهر طيِّب، له مظهر صالح، أما حقيقته غير طيِّبة، لذلك الأيَّام تفضحُهُ وتكشفه على حقيقته، نسأل الله عزَّ وجل أن يثبِّت أقدامنا، وأن يسترنا بستره الجميل.

 

الله تعالى كفيل بأن يكشف كل إنسان على حقيقته:


﴿أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ﴾ أي أيها العباد! لا تحسبوا أنني غافلٌ عنكم، أيها العباد! لا تحسبوا أنكم بدعواكم تكذبون على الناس، وتفعلون ما تريدون، إنني كفيلٌ أن أكشفكم على حقيقتكم..﴿أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا ﴾ تقول: أنا كذا ومتروك بلا امتحان؟ لو أن طالباً قال: أنا أقوى الطلاب في الرياضيات، هكذا الأب  يصدِّق؟ يقول له من خلال سؤال بسيط: أين مذاكراتك؟ أين علامات الامتحان؟ ائتني بها؟ أين جلاؤك؟ طالب هل بإمكانه من أن يدَّعي أنه أقوى الطلاب في الرياضيات بلا دليل؟ بلا امتحان؟ بلا أوراق مذاكرات؟ بلا أوراق امتحان؟ أنا أقوى الطلاب في اللغة العربيَّة، أنا الأولي في المدرسة، كلامٌ لابدَّ من أن يُكْشَف مضمونه، قد يذهب طلابٌ إلى بلاد الغرب ليتلقَّوا العلوم، يكذبون على أوليائهم: لقد نجحنا إلى الصف الثاني، لقد... وبعد أربع سنوات تأتي وثيقتهم بالطرد من الجامعة، إذاً مع إنسان مثلك لا تستطيع أن تكذب، مع إنسان عادي لابدَّ من أن يكشف الكذب فهل مع خالق الأكوان تنطلي عليه هذه الدعوى؟‍

لذلك لما ورد في الحديث: عن عبدالله بن مسعود:

(( إنَّ أحدَكُم يُجمَعُ خلقُهُ في بَطنِ أمِّهِ في أربعينَ يومًا ثمَّ يَكونُ علقةً مثلَ ذلِكَ، ثمَّ يَكونُ مضغةً مثلَ ذلِكَ، ثمَّ يرسلُ اللَّهُ إليهِ الملَكَ فينفُخُ فيهِ الرُّوحَ ويؤمرُ بأربعٍ، يَكْتبُ رزقَهُ وأجلَهُ وعملَهُ وشقيٌّ و سعيدٌ، فوالَّذي لا إلَهَ غيرُهُ إنَّ أحدَكُم ليعملُ بعملِ أَهْلِ الجنَّةِ حتَّى ما يَكونُ بينَهُ وبينَها إلَّا ذراعٌ ثمَّ يسبِقُ علَيهِ الكتابُ فيُختَمُ لَهُ بعملِ أَهْلِ النَّارِ فيدخلُها، وإنَّ أحدَكُم ليعملُ بعملِ أَهْلِ النَّارِ حتَّى ما يَكونَ بينَهُ وبينَها إلَّا ذراعٌ ثمَّ يسبِقُ علَيهِ الكتابُ فيُختَمُ لَهُ بعملِ أَهْلِ الجنَّةِ فيَدخلُها. ))

[ صحيح الترمذي ]

لم يقل: إنه من أهل الجنَّة، يعمل بعمل أهل الجنَّة، أي يتمسَّح بالمؤمنين، يقلِّدهم لينتزع إعجاب الناس، كي تروج تجارته، كي تزداد مبيعاته، كي يثق الناس به، كي يعطونه الأموال الضخمة، إذاً: ((إنَّ أحدَكُم ليعملُ بعملِ أَهْلِ الجنَّةِ حتَّى ما يَكونُ بينَهُ وبينَها إلَّا ذراعٌ ثمَّ يسبِقُ علَيهِ الكتابُ – وهو كشف حقيقته- فيُختَمُ لَهُ بعملِ أَهْلِ النَّارِ فيدخلُها)) هذا معنى الحديث، إنه منافقٌ كبير، إنه يعمل صالحاً لينتزع إعجاب الناس، ليحقِّق مصالحه، ليروِّج بضاعته، ليرفع مستوى مبيعاته، هكذا. 

 

كلَّما ازدادت معرفتك بالله عزَّ وجل ازداد خوفك منه وازداد قلقك:


ربنا سبحانه وتعالى يقول: ﴿وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ﴾ .. اقرأ التاريخ، اقرأ تاريخ الأنبياء والمرسلين، اقرأ تاريخ الذين عاصروا الأنبياء، اقرأ تاريخ الأمم والشعوب، ماذا ترى؟ ترى أن الله سبحانه وتعالى كشف كل إنسان، الخائن كشف خيانته، والصادق كشف صدقه، والمستقيم كشف استقامته، والدجَّال كشف دَجَلَهُ، وأحياناً يقع حدث في العالَم فيكشف أوراق الجميع، حدث واحد، هذا الإنسان كان يدَّعي كذا فانكشف على حقيقته، وهذا الإنسان، وهذا الإنسان، وهذه الجهة، وهذه الجهة، أحياناً تقع الأحداث لتكشف الأوراق، وهذا من فتنة الله عزَّ وجل.. ﴿أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ﴾ أي هذا الذي ينفق أموالاً طائلةً على ملذَّاته، والأمور مغطَّاة، ولا أحد يعرف عنه شيئاً، فجأةً ينكشف أمره، وتفضح دخائله..﴿أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ﴾ أحياناً الإنسان يتخذ من المظاهر الدينيَّة ستراً له، فجأةً يُكْشَفُ أمره، يُضْبَط بعمل شائن، بعمل قذر، بعمل منحرف، ﴿أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ﴾ أي كلَّما ازدادت معرفتك بالله عزَّ وجل يزداد خوفك منه، ويزداد قلقك، لأن الله عزَّ وجل لابدَّ من أن يكشف الإنسان.. ﴿مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنْ الطَّيِّبِ﴾ لابدَّ من كشف الأوراق، لابدَّ من كشف الدخائل، الله يسترك مرَّةً ومرَّةً ومرَّةً، ثمَّ يفضحك لتبدو على حقيقتك، لئلا يُغَشَّ الناس فيك، لئلا تُغَشَّ أنت بنفسك، هذه من سنة الله في خلقه، فالإنسان أحياناً تكون له علاقات شائنة، تكون له أعمال خَفِيَّة.. 

﴿ بَلْ قُلُوبُهُمْ فِي غَمْرَةٍ مِنْ هَذَا وَلَهُمْ أَعْمَالٌ مِنْ دُونِ ذَلِكَ هُمْ لَهَا عَامِلُونَ (63)﴾

[ سورة المؤمنون  ]

أحياناً يكون للإنسان مخالفات في بيته بعد أن يُغَلِّق الأبواب، ويبدو أمام الناس بمظهرٍ تقيٍّ ورعٍ، تشاء الأقدار وبطرائق عجيبة أن يُكشف في عُقْر بيته، يكشفه أهله في عقر بيته، أصدقاؤه، فلذلك هذه الآية خطيرة، وهذه الآية عامَّة، ما قال: أحسب المؤمنون، ماذا قال؟ ﴿أَحَسِبَ النَّاسُ﴾ .. وكلمة الناس شائعة،عامَّة، بمعنى أيَّ إنسانٍ لابدَّ من أن يُكشف على حقيقته، قل ما شئت، ادَّعِ ما شئت، اظهر أمام الناس بأعلى مظهر، بأكرم مظهر، بأتقى مظهر، إذا كان لك أعمال من دون هذه الأعمال لها عامل فهذه تُكْشَف، ولكن الله ستِّير يسترك المرَّة تلو المرَّة، فإذا علمَ أنك مقيمٌ على هذه المعصية لابدَّ من أن يفضحك كي تتوب منها، وكي تظهر حقيقتك، ولئلا تَغُشَّ الناس، حتى إن بعضهم يقول: الأجانب لهم مثل، قالوا: " تستطيع أن تخدع الناس جميعاً لبعض الوقت، وتستطيع أن تخدع إنساناً لطول الوقت، أما أن تخدع جميع الناس لطول الوقت فهذا مستحيل " .


علاقة الإنسان مع الله وحده فعليه أن يبنيها على الصدق والوضوح والصفاء: 


لذلك أحياناً حدث واحد يكشف أوراق الجميع، يفضح الجميع، ذات مرَّة تواجدت أسرة، وأسرة، وأسرة في حفل في فندق، تكلَّم إنسان من الأغنياء في ساعة غيبوبة، وقال: فلانة وفلانة وفلانة، فضح كل زوجات هؤلاء على رؤوس الأشهاد، هذه العلاقات الراقية فيما يبدو كلُّها كُشِفَت، علاقات خيانة زوجية في ساعة غيبوبة عن الوعي فضح كل شيء، ﴿أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ﴾ ، الله عزَّ وجل قال: 

﴿ ذَلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي كَيْدَ الْخَائِنِينَ (52)﴾

[  سورة يوسف  ]

أي خائن، إذا خنت صاحب هذا المتجر، إذا خنت زوجتك، إذا خانتك زوجتك، إذا خُنت شريكك، إذا خانك شريكك، إذا خنت جارك، إذا خانك جارك، أية خيانةٍ على الإطلاق إنَّ الله لابدَّ من أن يكشفها..﴿وَأَنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي كَيْدَ الْخَائِنِينَ﴾ والقصص التي تقرؤونها، وتسمعون عنها لا تُعَدُّ ولا تُحْصَى، فهذه آية كما يقول بعض العلماء: تقصم الظهور، أنت علاقتك مع الخالق، لا مزح مع الخالق، ولا تغطية، ولا تعمية، ولا ذكاء، لا خداع مع الله، ولا مخادعة.

﴿ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ (9)﴾

[ سورة البقرة  ]

مع الله ليس هناك ماكر، مع الله ليس هناك دَجَّال، الله يكشف الناس جميعاً، فلذلك إذا كانت علاقة الإنسان مع الله وحده فعليه أن يبني هذه العلاقة على الصدق، وعلى الوضوح، وعلى الصفاء، وعلى الطهر، وعلى الاستقامة، وعلى الخضوع لله عزَّ وجل ؛ وإلا فأية علاقةٍ أخرى تبنى على غير هذه العلاقة لابدَّ من أن تُفْضَح، ﴿أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ﴾ هذه الآية كلها بدأت شرحها بمثل: إنسان اشترى عيادة، وضع لافتة بأحلى مظهر، كتب عليها: الدكتور فلان الفلاني، اختصاصي في أمراض القلب، يحمل شهادة بورد من جامعة كذا، هكذا الأمور بلا محاسبة؟ بلا كشف أوراق؟ بلا سؤال؟ بلا ترخيص؟ بلا إبراز شهادة؟ مستحيل، أنت مع إنسان يكشفك فكيف مع خالق الأكوان؟ 

 

الإيمان الحقيقي يظهر في الشدائد:


﴿أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ﴾ لابدَّ من أن تُفْتَن، أحد الحُجَّاج يطوف بالبيت ويقول: " يا رب، هل أنت راضٍ عني؟ "، كان وراءه الإمام الشافعي، فقال له: " يا هذا، هل أنت راضٍ عن الله حتَّى يرضى عنك؟ " فقال: " يرحمك الله من أنت؟ قال: " أنا محمدٌ بن إدريس "، قال: " كيف أرضى عنه، وأنا أتمنَّى رضاه، ما هذا الكلام؟ "، قال: " يا هذا، إذا كان سرورك بالنِقمة كسرورك بالنعمة فقد رضيت عن الله ".

تلاحظ أكثر الناس في الرخاء يقول لك: الحمد لله، يا رب، لك الحمد، الله متفضِّل، هل هذا هو الإيمان؟ لا والله، الإيمان أن تأتي الشدائد وأن تقول معها: يا ربي لك الحمد، هذا فعلك، وهذه يدك الكريمة، وهذا قدرك، وهذا قضاؤك، وهذه حكمتك، وهذه رحمتك وأنا راضٍ بها، البطولة في الضرَّاء لا في السرَّاء، معظم الناس إذا جاءهم الإكرام الإلهي يحمدون الله عزَّ وجل: 

﴿ وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ (11)﴾

[  سورة الحج  ]

لذلك أنا دائماً أقول للإخوان الأكارم: البطولة أن يبدو حمدك وشكرك، وأن تبدو معرفتك بالله عزَّ وجل في الشدائد، فليس من المعقول لإنسان أن يمتحن سيارة بالطريق الهابطة، مستحيل، أية سيارة مهما كانت رديئة الصناعة، مهما كانت قديمة، مهما كانت ضعيفةً، مهما كان فيها خلل إنها في الطريق الهابطة تهوي سريعاً، لكن المركبة لا تُمْتَحَن إلا في الصعود، وأنت أيها المؤمن لا تُمْتَحن إلا في الشدائد، لذلك قال له: إني أحبُّك يا رسول الله، قال: انظر ما تقول، قال: والله إني أحبُّك، قال: انظر ما تقول، قال: والله إني أحبُّك، قال: إن كنت صادقاً فيما تقول للفقر أسرع إليكَ من شراك نعليك، ليس معنى هذا الفقر المادي، لكن هناك شدائد، تدَّعي حبَّاً لله عزَّ وجل، تدعي طاعةً له، تدعي شوقاً إليه، تدَّعي فناءً في ذاته، تدَّعي هياماً به، فقد تفْتِن هذا المدَّعي فتاةٌ، قد تفتِن هذا المدَّعي دُرَيْهماتٌ، قد يفتن هذا المدعي أصدقاء، الإنسان لا يدعي، يعامل خالق الأكوان.

 

سلعة الله غالية:


 إذاً هذه الآية كما أقول لكم وأنا والله صادقٌ في هذا الكلام تقصم الظهر: ﴿أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا﴾ .

﴿ أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى (36)﴾

[ سورة القيامة  ]

بلا امتحان، مثلاً جامعة؛ قاعات التدريس، المدرَّجات، الملاعب، المكتبات، المَطعم، المقاصف، الحدائق، قد كلِّفت ألوف الملايين، والمخابر؛ لكل طالب مجهر، وكل طالب له مخبر كيميائي صغير، ولكل أربعة طلاب أستاذ مشرف، ولكل عشرين طالباً أستاذ مدرِّس، وأستاذ مصحِّح، وأستاذ باحث، وقد كلّفت هذه الجامعة الدولة ألوف الملايين، وقد قُبِلَ الطلاب فيها، تصوَّر لا يوجد امتحان؟! هكذا تأتي وتحضر، وتسمع المحاضرات، وتفتخر أمام المجتمع أنك طالب جامعي، وتحمل قميصاً أبيض، وتمشي فيه بالطريق، وبعد ذلك تُعْطَى شهادة بلا امتحان؟ أتفعل هذا جهةٌ أرضيَّةٌ؟ هذه الجامعة الضخمة لها امتحانٌ قاسٍ، لها امتحانٌ صعب، أي أحسب الطلاب أن ينالوا الشهادات العُليا بلا امتحان؟ بلا سؤال؟! امتحان شفهي، وامتحان عملي، وامتحان تحريري، وامتحان لياقة، وامتحان مقابلة، والمواد كثيرة، مواد للفصل الأول، وأخرى للفصل الثاني، ونجاح ورسوب وإكمال، هكذا جامعة صغيرة لا ترضى أن تمنحك شهادة بلا امتحان، وخالق الأكوان تريد أن تدخل الجنَّة إلى الأبد، هكذا بركعتين تصليهما، وليرتين تتصدق بهما، وانتهى الأمر، ركعتين قمت بهما، وليرتين ألقيت بهما إلى فقير، وانتهى الأمر؟ تستنفذ العمر مع شهواتك على هواك، واختلاط، وذهاب وإياب، هكذا؟ هذه سذاجة هذه، ألا إن سلعة الله غالية، ألا إن سلعة الله غالية، ألا إن سلعة الله غالية.. عن أبي هريرة :

((  من خافَ أدلَجَ ، ومن أدلَجَ بلغَ المنزلَ ، ألا إنَّ سلعةَ اللَّهِ غاليةٌ ، ألا إنَّ سلعةَ اللَّهِ الجنَّةُ. ))

[ صحيح الترمذي ]

تخطب ودَّ الله عزَّ وجل، تطلب جنَّةً عرضها السماوات والأرض، تريد أن تكون من النُخْبَة، من صفوة الناس؛ مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين بلا عمل؟ بلا جهد؟ بلا مؤاثرة؟ بلا صبر؟ بلا تحمّل للمشاق؟! 

﴿ أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ (142)﴾

[  سورة آل عمران  ]

هكذا ببساطة؟ بسذاجة؟ واللهِ إنسان ذو ذكاء متوسِّط لن تستطيع أن تحتال عليه، يقول لك: أين التوقيع؟ أين شهادة المنشأ؟ أين تصديق السفارة على صحَّة هذا البيان؟ تفضل قدِّم الثبوتيات، مع إنسان لا تستطيع أن تتلاعب؛ أتتلاعب مَعَ خالق الأكوان؟ ﴿أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا﴾ أخي أنا مؤمن، وأحسن منك إيماناً، خير إن شاء الله لسان. ﴿ وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ﴾ .

 

سنة الامتحان بين الرسوب والنجاح:


﴿وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ﴾ .. هذه سنَّتنا في العباد، هكذا نفعل مع كل إنسان، ظروف يخلقها الله عزَّ وجل، الشريف الذي يدَّعي الشرف ينجح أو يرسُب، والعفيف ينجح أو يرسب، والقوي ينجح أو يرسب، والغني ينجح أو يرسب، والمتزوج ينجح أو يرسب، والأعزب ينجح أو يرسب، والمريض ينجح أو يرسب، المرض امتحان، والصحَّة امتحان، والغنى امتحان، والفقر امتحان، والقوة امتحان، والضعف امتحان، والذكاء امتحان، والغباء امتحان، والوسامة امتحان، والدمامة امتحان، والزوجة امتحان، والولد امتحان، والبيت امتحان، كله امتحان. 

 

أنواع الصدق:


﴿أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ (2) وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا﴾ .. الله يريد الصادق، القضية بالصدق، الصدق نوعان، إما أن يأتي الخبر مطابقاً للحدث، هذا صدق الأقوال، معروف عند الناس، فلان صادق، فلان كاذب، أما الصدق الذي يقول عنه الله عزَّ وجل فنوعٌ آخر، مطابقة الحدث للقول، تقول: أنا أحبّ الله، هذا قول، هل أفعالك مطابقةٌ لهذا الادّعاء؟ تقول: أنا أطيع الله عزَّ وجل، هل أفعالك مطابقةٌ لهذا الادعاء؟ تقول: أنا أكره الدنيا وأحب الآخرة، هل عملك يؤكِّد هذا الادعاء؟ إذا مشى إنسان في الطريق بلا ثياب، هل هناك موقف أشد حرجاً على إنسان معروف له قيمته يمشي في الطريق بلا ثياب؟ شيء لا يحتمل أساساً، والله الذي لا إله إلا هو هذا الذي يدَّعي ما ليس عنده، ويتبجَّح، يفعل أفعالاً ذات وقعٍ مُزْعِجٍ كما لو سار عارياً.. ﴿أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ﴾ أنت متى آمنت؟ تقول: أنا آمنت، متى آمنت؟ أنا لا أحمل أي شهادة عُليا، فهل أستطيع أن أقول: أنا معي دكتوراه، هكذا كلمة تقولها؟ هذه الشهادة كلمة تقولها؟ أم أنها سبع سنوات بعد الليسانس تدرسها، وتؤلِّف أطروحة، وهناك من يقرأ هذه الأطروحة ويراجعها، ويأمرك أن تعيد كتابة فصولها مرَّاتٍ عديدة، ويحاسبك على كل كلمةٍ، وعلى كل مرجعٍ، وتؤلَّف لجنة كبيرة من أستاذ مشرف، ومن ثلاثة دكاترة لمناقشة هذه الأُطروحة، وقد تنجح أو لا تنجح، أن تقول: أنا أحمل دكتوراه هل العمليَّة سهلة؟ أهذه الدكتوراه كلمة أم جهود جبَّارة؟ هذه الشهادة للدنيا، فهل يكفي على صعيد الإيمان أن تقول: أنا مؤمن؟ متى آمنت؟ على يد من آمنت؟ ما المجالس التي حضرتها؟ ما الكتب التي قرأتها؟ من عَلَّمك القرآن؟ على يد من قرأته؟ على يد من تعلَّمت تفسيره؟ هكذا مؤمن بلا مقدِّمات؟ بلا أسباب؟ بلا دراسات؟ بلا جهود؟ بلا إنفاق؟ مستحيل.. ﴿ أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ (2) وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ ﴾ .

 

العبرة من كتاب الله أن نكون في مستواه:


أيها الإخوة؛ لو أننا أمضينا هذا الدرس كلَّه في آيةٍ أو آيتين العبرة من كتاب الله أن نكون في مستواه، أن نطبِّقه، فالقضية قضيَّة مصيريَّة، وقضيَّة خطيرة، القضيَّة ليست أن تقرأ سوراً طويلة، وأن تقرأ آياتٍ كثيرة، القضيَّة أن تكون في مستوى كل آية، يجب أن توقن أنك إذا فعلت شيئاً لا يرضاه الله عزَّ وجل لابدَّ من أن يكشفك للناس، لابدَّ من أن تُفضح، فأية دعوى لابدَّ من أن تُكْشَف، أي ادعاءٍ لابدَّ من أن يُكْشَف، إذاً الآية الكريمة ينبغي أن نحياها كل هذا الأسبوع، وأن نشعر أين نحن منها، لأن الصحابة الكرام كانوا يقرؤون عشر آيات ولا يقرؤون غيرها حتَّى يتمُّوا تطبيقها، هكذا كان الصحابة. فهذا كتاب العُمر، وهذا كتابٌ مقرَّر، وهذا منهج كل مسلم، إذاً الله عزَّ وجل يقول: أنا لن أتركك تدَّعي كما تشاء، لابدَّ من أن أمتحنك، فالامتحان لا أٌقول: صعب، ولكن لابدَّ منه، إذاً يجب أن نُهَيِّئ أنفسنا أن نجعل من باطننا موافقاً لظاهرنا، من سرائرنا موافقةً لعلانيَّتنا، أن نجعل ما نقول كما نفعل، وما نفعل كما نقول، حتَّى ننجو من امتحان الله الصعب، ومن الفتنة التي لابدَّ منها لكل إنسان. 

 

غزوة الخندق بين التمحيص وكشف الحقائق:


كلمة ﴿أَحَسِبَ النَّاسُ﴾ ، لم يقل: أحسبَ المؤمنون..﴿أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ﴾ يجب أن تعلم أيها الأخ أن هذه سُنَّة الله في خَلْقِهِ، والدليل: ﴿وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ﴾ .

مثلاً: أصحاب رسول الله.. هذا مثل أخير يؤكِّد هذه الآية.. أصحاب رسول الله كلهم يعرفون أنه رسول، وكلهم يُحِبُّه، الكلام واحد، الانتماء واحد، الالتصاق واحد، المعاونة واحدة، كلُّهم مع النبي، جاءت معركة الخندق، جاء عشرة آلاف مقاتل ليستأصلوا المسلمين، ليبيدوهم عن آخرهم، واليهود نقضوا العهد، كُشِفَ ظهر المسلمين، وأصبح الإسلامُ قضية ساعاتٍ معدودات، هؤلاء المؤمنون في درجة واحدة؟ لا، بعضهم قال: " لقد وعدنا صاحبكم أن تُفْتَح علينا بلاد قيصر وكسرى، وأحدنا لا يأمنُ أن يقضي حاجته "، لم يقل: لقد وعدنا رسول الله، أما أصحاب النبي الصادقون فقال الله عنهم: 

﴿ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً (23)﴾

[  سورة الأحزاب  ]

الله ماذا قال؟ قال: 

﴿ هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالًا شَدِيدًا (11)﴾

[  سورة الأحزاب ]

هناك زلزال يكشف المؤمن، والمنافق، والكافر، والفاسق، والفاجر، وكثير الإيمان وضعيف الإيمان، والمحب والمبغض،﴿هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ﴾ حدث واحد يقع في بلد يكشف حقيقة الناس كلِّهم، هذا يخاف، هذا لا يخاف، هذا يترك هذه الطاعة، هذا لا يتركها، هذا يتمسَّك بها أكثر، هذا يتبرَّأُ منها، حدث واحد يكشف الناس. 

 

وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالأُنْثَى:


لذلك مرَّة في بعض الجامعات الإسلاميَّة دُعِيَ كبار المفكِّرين، والعلماء، والكتَّاب إلى مناظرة في مساواة المرأة بالرجل، وكل هذه المحاضرات مُفادها أن المرأة مساويةٌ للرجل تماماً، ورأي الإسلام أن المرأة مساويةٌ للرجل من حيث التكليف والتشريف، مكلَّفةٌ كالرجل بالإسلام والإيمان وطاعة الله عزَّ وجل، ومشرَّفةٌ كالرجل بالضبط، والدليل: 

﴿ إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا (35)﴾

[  سورة الأحزاب ]

﴿ مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (97)﴾

[ سورة النحل ]

﴿ فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ فَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَأُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأُوذُوا فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُوا وَقُتِلُوا لَأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ثَوَابًا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الثَّوَابِ (195)﴾

[  سورة آل عمران ]

آيات كثيرة جداً، فالمرأة مساويةٌ للرجل من حيث التكليف، ومساويةٌ له من حيث التشريف، لكن المرأة ليست كالرجل لقول الله عزَّ وجل: 

﴿ فَلَمَّا وَضَعَتْهَا قَالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنْثَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثَى وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ (36)﴾

[ سورة آل عمران ]

﴿ وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى (1) وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى (2) وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى (3)﴾

[  سورة الليل  ]

كيف أن الليل ليل والنهار نهار، وأن بينهما بَوْنًا شاسعًا، كذلك المرأة امرأةٌ ببنيتها، وطبعها، وأنوثتها، ونفسيَّتها، وعقليَّتها، وعلاقاتها الاجتماعيَّة، وكذلك الرجل، هناك بنيَّةٌ مختلفة، كل بنية تشابه وظيفتها التي خُلِقَت من أجلها، ففي هذه الندوة التي أُقيمت في الجامعة، وحضرها كبار المفكِّرين، والباحثين، والعلماء، والأساتذة، وتُلْقَى فيها المحاضرات عن أن المرأة مساويةٌ للرجل تماماً، جاء إنسان ببضعة فئران، وألقاها في هذه المحاضرة، فإذا بالنساء يَصْرَخْنَ، ويخرجن من القاعة مذعورات، انظر البنية مختلفة، هذه أبلغ من كل هذه المحاضرات، البنية مختلفة، فالله عزَّ وجل قال: ﴿أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ (2) وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ(3)﴾ على قصة هذه المرأة التي شَكَت إلى النبي قالت: " يا رسول الله إن فلاناً - أي زوجها - تزوجني وأنا شابَّة ذات أهلٍ ومالٍ وجمال؛ فلمَّا ذهب جمالي، ونثرت بطني، وكبرت سني، وتفرَّق أهلي، قال: أنتِ عليّ كظهرِ أمي، ولي منه أولاد إن تركتهم إليه ضاعوا - أنا المربية - وإن ضممتهم إليَّ جاعوا - هو الذي يكسب الرزق - المرأة امرأةٌ والرجل رجلٌ، له وظيفةٌ خطيرةٌ ولها وظيفةٌ أخطر، له كرامته ولها كرامتها، له مهمَّته ولها مهمتها، مكلَّفٌ ومكلَّفةٌ، مشرَّفٌ ومشرَّفةٌ، ولكن المرأة بطبيعتها، وبنيتها، وعقليَّتها، ونفسيتها، وما حباها الله من رقَّة عاطفةٍ، ومن سرعة استجابةٍ، ومن حدسٍ سريع تناسب وظيفتها الخطيرة في تربية الأولاد، فإذا تداخلت الأوراق ضاع المجتمع.

إذاً هذه الآية التي تلوناها على مسامعكم أرجو الله عزَّ وجل أن ينفعنا بها. 

والحمد لله رب العالمين 

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور