وضع داكن
28-03-2024
Logo
الدرس : 5 - سورة طه - تفسير الآيات 65 – 79 قصة موسى عليه السلام (4)
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين ، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم ، اللهم علمنا ما ينفعنا ، وانفعنا بما علمتنا ، وزدنا علماً ، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه ، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه ، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه ، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين .

 

السائر على طريق الحق لا يخاف البحث والمناظرة :


 أيها الإخوة المؤمنون ؛  مع الدرس الخامس من سورة طه .

وصلنا في قصَّة سيدنا موسى مع فرعون إلى قوله تعالى : ﴿ قَالُوا يَا مُوسَى إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَلْقَى﴾ .. سحرةُ فرعون خيّروا سيدَنا موسى ، إما أن يبدأ هو بإلقاء عصاه التي هي من آيات ربِّه ، وإما أن يبدؤوا هم ، فاختار هذا النبي الكريم أن يبدؤوا هم ، ويعلِّلُ بعض العلماء سبب اختياره أنه واثقٌ من أنه على حق ، والحق دائماً لا يخشى البحث ، والحق دائماً لا يعتمد على الكذب ، والحق دائماً واضحٌ جلي ، كان النبي عليه الصلاة والسلام يقول:

(( عَنْ الْعِرْبَاضِ بْنِ سَارِيَةَ قَالَ : وَعَظَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَوْعِظَةً ذَرَفَتْ مِنْهَا الْعُيُونُ ، وَوَجِلَتْ مِنْهَا الْقُلُوبُ ، قُلْنَا : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، إِنَّ هَذِهِ لَمَوْعِظَةُ مُوَدِّعٍ فَمَاذَا تَعْهَدُ إِلَيْنَا ؟ قَالَ : قَدْ تَرَكْتُكُمْ عَلَى الْبَيْضَاءِ لَيْلُهَا كَنَهَارِهَا لَا يَزِيغُ عَنْهَا بَعْدِي إِلَّا هَالِكٌ . ))

[ صحيح الجامع الصغير ]

إذا كنت مع الحق فلا تخشَ في الله لومة لائم ، البطولة أن تكون مع الحق لأن الحق أبدي أزلي سرمدي ، لأن الحق هو الله سبحانه وتعالى ، وليس في الكون حقيقةٌ إلا الله ، فإذا كنت مع الحق فلا تخشَ أحداً ، وإذا كان الإنسان مع الباطل فالباطل سريع الزوال . 

 

تعريف القرآن للحق :


 لذلك في القرآن الكريم آياتٌ دقيقةٌ تعرِّف الحق : 

﴿ وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَإِنَّ السَّاعَةَ لَآتِيَةٌ فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ (85) ﴾

[ سورة الحجر ]

خَلْقُ السماوات والأرض بالحق .

 في آية ثانية :

﴿ وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلًا ذَلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ (27)﴾

[  سورة ص ]

في آيةٍ ثالثة :

﴿ وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَاعِبِينَ (38)﴾

[ سورة الدخان ]

إذاً الحقُّ ضد اللَّعِب ، والحق ضد الباطل ، فالباطل هو الشيء الزائل ، واللعب هو الشيء العابث ، فالحقُّ إذاً هو الشيء الثابت ، والحق هو الشيء الهادف ، ثباتٌ وهدفٌ كبير ، هذا التعريف المستنبط من هذه الآيات الثلاثة  .

 

أكبر بطولة أن تكون مع الحق :


لذلك قال سيدنا موسى عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام : ﴿ قَالَ بَلْ أَلْقُوا ﴾ يعلم أنه نبيٌّ مُرْسَل ، ومعه آيةٌ كُبرى ، وأن هناك فرقاً بين آيته وبين صُنْعِ السحرة ، صنع السحرة نوعٌ من أنواع الكيد ، نوع أرضي ، وآيته سماويَّة ، نوعٌ فيه بطلٌ ، وآيته فيها حقٌّ .. ﴿ قَالَ بَلْ أَلْقُوا ﴾ أنت حينما تكون مع الحق فهذه أكبر بطولة ، ليس للإنسان حالةٌ ثالثة ، إما أن يكون مع الحق يدور معه حيث دار ، وإما أن يكون مع الباطل ، من صفات الحق أنه أزلي أبدي سَرْمَدِيّ ، من صفات الحقِّ الثبوت ، الديمومة ، القوَّة ، الاستقرار ، الاستمرار ؛ أما الباطل فمن صفاته الزوال ، الانهيار ، التلاشي ، إذا بُنِي الجدار بالباطل لابدَّ من  أن يَنْقض ، لابدَّ من أن يقع ، وإذا بني بالحق وَفْقَ الأصول الثابتة فسيبقى ، فالإنسان حينما يكون مع الباطل يكون قد قامر وغامر بمستقبله ، لأن الباطل له جولة ثم يضمَحل ، فإذا كنت مع الباطل كنت زاهقاً معه ، فلذلك هناك استنباطٌ لطيفٌ جداً هو أن سيدنا موسى عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام قال : ﴿بَلْ أَلْقُوا ﴾ الحقُّ لا يَخشى البحت ، والحق لا يحتاج إلى الكذب ، والحق لا يُلقى فيما بين الناس خِفيةٌ ، الحقُّ ما يُلقى أمام الناس جميعاً ، الحق معه الدليل العقلي ، والنقلي ، والواقعي ، الحق لا تستطيع جهةٌ على وجه الأرض أن تقف في وجهه ، هذا هو الحق ، والباطل يقوى ، ويَضْعُف ، ولكنَّه إلى الاضمحلال وإلى الزوال ..﴿ قَالَ بَلْ أَلْقُوا ﴾ .

 

البلاغة في الإيجاز :


 يوجد القرآن الكريم إيجازٌ رائع .. ﴿ فَإِذَا حِبَالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى﴾ كان من الممكن أن يقول الله عزَّ وجل : قال بل ألقوا فلمَّا ألقوا إذا حبالهم ، هذا الكلام الذي يُفْهَمُ من دون أن يذكر القرآن الكريم لا يذكره ، وهذه هي البلاغة ، والبلاغة في الإيجاز ، وفي القرآن الكريم ولاسيما في قصصه الرائعة قفزاتٌ فنيَّة ، أي: ﴿ قَالَ بَلْ أَلْقُوا ﴾   ثم ألقى السحرة حبالهم وعصيَّهم ، فإذا حبالهم وعصيِّهم ، كلامٌ فيه حشوٌ ، لذلك يعلمنا ربنا سبحانه وتعالى في كتابه الكريم أن البلاغة في الإيجاز ، وأن كل كلامٍ يُفْهَمُ من دون أن يُذْكر ينبغي أن يُحْذف ..﴿ فَإِذَا حِبَالُهُمْ﴾ .. إذا فجائيَّة ، يبدو أنهم صنعوا شيئاً عظيماً ، يقول الله عزَّ وجل في آياتٍ أخرى تتعلَّق بهذه القصَّة :

﴿ قَالَ أَلْقُوا فَلَمَّا أَلْقَوْا سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ وَجَاءُوا بِسِحْرٍ عَظِيمٍ (116)﴾

[ سورة الأعراف  ]

أي لم يكن هؤلاء السحرة من الغافلين أو من الأغبياء ، إنهم سخَّروا كل طاقاتهم ، كل إمكاناتهم ، كل تجاربهم ، كل خبراتهم وضعوها لأن فرعون وعدَهم أن يجزل لهم العطاء ، وأن يقرَّبهم منه ، لمعت أمامهم زخارف الدنيا ، سال لعابهم على مكانةٍ عليَّةٍ عند فرعون ، فلذلك سخَّروا كل طاقاتهم ليردوا آية العصا التي جاء بها سيِّدنا موسى عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام .


  الفرق بين الحقيقة والسحر :


﴿ فَإِذَا حِبَالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ ﴾ .. هنا الفرق بين الحقيقة والسحر ، الحقيقة تُرى رأي العين ، لكن السحر يُخَيَّل إليه ، يعبِّرون عن حالة الضعف النفسي التي تؤثِّر فيها أعمال السحَرَة بالتنويم المغناطيسي ، ولا يستطيع الساحر أو صاحب الحِيَل أن يؤثِّر في الإنسان إلا إذا كان ضعيف الشخصية ، فلذلك يفعل الساحر أحياناً أشياء ليس لها حقيقة ، ولكن يُخَيَّلُ إلى الناس من سحرهم أنها تسعى ، فلم يتأثَّر سيدنا موسى بها ، ولكنه رأى براعتهم في هذا الكيد فخاف على الناس أن يلتبس عليهم الأمر ، هنا المشكلة ، هو يعلم أنه نبي مُرْسَل ، وأن آيته هي الحق المبين ، وأن أعمال هؤلاء السحرة إنْ هي إلا كيدٌ بشري ، ولكن ما دامت على درجةٍ عاليةٍ من الإتقان خاف ألا يفرِّق الناس بين آيته الدالَّة على عظمة الله عزَّ وجل وبين أعمال السحرة ، من هنا : ﴿ فَإِذَا حِبَالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى﴾ جاء في بعض الكتب أنهم وضعوا داخل بعض الحبال وبعض العصي الزئبق ، وأُحْسِنَ تزيينها ، ورسمها ، ووضِعَت على مكانٍ حار ، فلمَّا تمدَّد الزئبق تحرَّك حركةً زئبقيَّة فتوهَّم الناس أن هذه الحبال وهذه العصي تسعى ، تتحرَّك .

 

صورة حيّة عن خوف موسى عليه السلام :


﴿ فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسَى﴾ .. الواجس هو الذي يسبق الهاجس ، هناك واجسٌ وهاجس ، تأتي الإنسان أحياناً فكرة لا يظهر أثرها على جلده ، هناك أفكار لها آثارٌ على السطح الخارجي ، قد تُلقي على إنسان خبراً فيصفر لونه ، أو ترتعد فرائصه ، أو يذهب اللُّعاب من فمه ، أو يشتد خفقان قلبه ، الأشياء التي تأتي على الإنسان ، وتغيِّر من طبيعته الخارجيَّة ، هذه ليست واجساً ، إنما هي هاجس ، هذا النبي الكريم أوجس أي خالطه بعض الخوف من ألا يفرِّق الناس- كما قلت قبل قليل- بين آيته وبين فعل السحرة ، أو أنه خاف أن يُعْجَبَ الناس بأعمال السحرة ، ثم ينصرفوا دون أن ينتظروا آية الله عزَّ وجل ، إنه بشكلٍ أو بآخر قَلِقٌ على إيمان الناس ، إنه يخشى ألا يستفيد الناس من هذه الآية ، إنه يخاف أن يذهب هذا العمل العظيم سُدى . 

 

الحكمة من أن كلمة خيفة جاءت نكرة هي التحقير والتقليل والتصغير :


النقطة الدقيقة في هذه الآية : ﴿ فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسَى﴾ ، ﴿ خِيفَةً ﴾ جاءت نكرة ، والتنكير أحياناً يفيد التحقير ، أو يفيد التقليل ، أو يفيد التصغير ، مثلاً يقول ربنا سبحانه وتعالى :

﴿ وَرَبُّكَ الْغَفُورُ ذُو الرَّحْمَةِ لَوْ يُؤَاخِذُهُمْ بِمَا كَسَبُوا لَعَجَّلَ لَهُمُ الْعَذَابَ بَلْ لَهُمْ مَوْعِدٌ لَنْ يَجِدُوا مِنْ دُونِهِ مَوْئِلًا (58)﴾

[ سورة الكهف ]

الرحمة كلُّها عنده ، ما أوتي النبي الكريم من رحمةٍ على عِظَمها الشيء الثابت أن في قلب النبي رحمةً لا تعدلها رحمة ، بل إن النبي عليه الصلاة والسلام أرحم الخلق بالخلق :

﴿ لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ (128)﴾

[ سورة التوبة  ]

إن النبي عليه الصلاة والسلام أوتي أكبر مقدارٍ من الرحمة ، ومع ذلك إذا قيست هذه الرحمة برحمة الله عزَّ وجل فهي لا شيء ، من هنا قال الله تعالى :

﴿ فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ (159)﴾

[ سورة آل عمران  ]

أما رحمة الله عزَّ وجل فجاءت مُعَرَّفة ..﴿ وَرَبُّكَ الْغَفُورُ ذُو الرَّحْمَةِ ﴾ قد يأتي التنكير للتصغير ، أو للتقليل ، أو للتحقير ، وقد يأتي التعريف للتعظيم ، فهذا النبي الكريم لم يُداخله خوفٌ كبير ، ولا خوفٌ أدَّى به إلى الجزع أو إلى الفزع ، لا ، ﴿ فَأَوْجَسَ﴾ والواجس قبل الهاجس ، واجسٌ دون الهاجس .. ﴿ فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً ﴾ .

 

الحق لا يقف في وجهه شيء :


ربنا سبحانه وتعالى طمأنه سريعاً ..﴿ مُوسَى﴾ ، أي يا موسى .. ﴿ قُلْنَا لَا تَخَفْ إِنَّكَ أَنْتَ الْأَعْلَى﴾ .. أنت مع الحق ..

﴿ وَقَالَ الَّذِي اشْتَرَاهُ مِنْ مِصْرَ لِامْرَأَتِهِ أَكْرِمِي مَثْوَاهُ عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ وَلِنُعَلِّمَهُ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (21)  ﴾

[ سورة يوسف  ]

بعض الآيات هذه لو تدبَّرها الإنسان حقَّ التدبُّر لقلبت حياته رأساً على عَقِبٍ ، إن الذي يدمِّر سعادة الناس الخوف والقلق ، إذا علم الإنسان علم اليقين أن الله سبحانه وتعالى هو كل شيء ، وبيده أمر كل شيء ، وإليه مصير كل شيء ، وما من دابَّةٍ إلا هو آخذٌ بناصيتها ، وإن كلمة الحق لا تقطع رزقاً ولا تقرِّب أجلاً ، إذا أيقن الإنسان هذا اليقين عرف أن أمره بيد الله فلذلك ﴿ قُلْنَا لَا تَخَفْ إِنَّكَ أَنْتَ الْأَعْلَى﴾ ، قال تعالى :

﴿ الَّذِينَ يَتَرَبَّصُونَ بِكُمْ فَإِنْ كَانَ لَكُمْ فَتْحٌ مِنَ اللَّهِ قَالُوا أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ وَإِنْ كَانَ لِلْكَافِرِينَ نَصِيبٌ قَالُوا أَلَمْ نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ وَنَمْنَعْكُمْ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فَاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا (141)﴾

[ سورة النساء ]

لن هذه لنفي المستقبل ، أي هكذا سُنَّةُ الله سبحانه وتعالى ، وهذه قوانينه ..﴿ وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلا(141)﴾

آيةٌ ثانية :

﴿ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ (128)﴾

[ سورة الأعراف ]

الأمور تدور ، وتدور ، وتدور ، ثم تستقر على أن تكون العاقبة للمتقين..

﴿ وَمَا أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَمَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَزِينَتُهَا وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى أَفَلَا تَعْقِلُونَ (60)﴾

[ سورة القصص  ]

انظر حينما وقف أبو جهلٍ وأبو لهبٍ في وجه الدعوة الإسلاميَّة هل أطفأا الدعوة الإسلاميَّة أم انطفأا هما ؟ التاريخ البشري كلُّه يؤكِّد أن الحق لا يستطيع أن يقف في وجهه شيء أبداً .

 

المؤمن هو الأعلى :


﴿ قُلْنَا لَا تَخَفْ إِنَّكَ أَنْتَ الْأَعْلَى﴾ .. في آيات أخرى ..

﴿ وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (139) ﴾

[ سورة آل عمران  ]

﴿ إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ (38)  ﴾

[  سورة الحج  ]

﴿ وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ (48) ﴾

[ سورة الطور ]

وقد قيل : " إذا كان الله معك فمن عليك ؟ وإذا كان عليك فمن معك ؟ ﴿ وَأَنْتُمْ الأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ(139)﴾ إذا كنت مع الله في كل علاقاتك الاجتماعيَّة ، في كل علاقاتك الإنسانيَّة فأنت الأعلى ، وإذا كنت مع غير الله فأنت الأدنى ، لكن هناك امتحاناتٍ قاسية ، قد يبدو لك أنك إذا كنت مع الله ستكون الأدنى ، وإذا كنت مع زيدٍ أو عُبيد ستكون الأعلى ، قد يبدو لك هكذا ، الله عزَّ وجل يمتحنك بهذا ، فإما أن تؤثر رضوان الله عزَّ وجل ، وإما أن تؤثر الدنيا ، وسوف نأتي على هذا الموضوع بالتفصيل بعد قليل .

 

اتصاف الشيء بصفاته لا يكون إلا بإرادة الله عزَّ وجل :


﴿ قُلْنَا لَا تَخَفْ إِنَّكَ أَنْتَ الْأَعْلَى * وَأَلْقِ مَا فِي يَمِينِكَ﴾ لِمَ لمْ يقل الله عزَّ وجل : وألق عصاك ؟ ألق الحيَّة ؟ ﴿وَأَلْقِ مَا فِي يَمِينِكَ﴾ .. قال علماء التوحيد : " إن هذه إشارةٌ رائعة إلى أن الشيء لا يكون على حقيقته إلا إذا أراد الله " ، هذه التي بيدِ سيدنا موسى ما هي ؟ إذا قلنا : هي عصا ؟ لا ، ليست عصا ، هل هي ثعبان ؟ لا ، إذاً اتصاف الشيء بصفاته لا يكون إلا بإرادة الله عزَّ وجل ، يجب أن نؤمن أن الحديد صُلْبٌ ، لأن الله أراد له ذلك ، وفي أية لحظة يصبح الحديد ليِّناً ، صفات المواد ، خصائص الأشياء ، إن اتصاف الأشياء بخصائصها ، واتصاف الأشياء بصفاتها ، إن هذه الطِباع التي أودعها الله في الحيوان إنها بإرادته ، وليست بذواتها ، فكل شيءٍ مخيفٍ لك يجب أن تعلم علم اليقين أنه بيَدِ الله ، اتصافه بهذه الصفة عائدٌ لأمر الله ولإرادته ، فألطف عبارةٍ يُعبَّر بها عن هذه العصـا : ﴿ وَأَلْقِ مَا فِي يَمِينِكَ﴾ أن تكون هذه التي في يمينك عصا بإرادة الله ، أو أن تكون هذه التي في يمينك أفعى بإرادة الله .. ﴿ وَأَلْقِ مَا فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ مَا صَنَعُوا ﴾ ، ﴿ تَلْقَفْ ﴾ أي ربنا سبحانه وتعالى لم يجعل آيته الكبرى أنهم جاؤوا بحبالٍ وعصي جوَّفوها ، ووضعوا في داخلها زئبقاً ، ولوَّنوها تلويناً بارعاً ، وجعلوها فوق مكانٍ حار ، هذا كله كذب ، هذا كله تزوير ، هذا كله حِيَل ، أما هذه التي ألقاها سيدنا موسى فهي أفعى بكل ما في هذه الكلمة من معنى ، لم يكتفِ ربنا سبحانه وتعالى أن جعلها ثعباناً ، أو أفعى ، أو حيَّةً كما تأتي بعض الآيات ، وهنالك تفسير لهذا التباين في الأوصاف ، لم يجعلها كذلك فقط ، بل جعلها تأكل حبالهم وعصيَّهم ، هذا أبلغ ، هل تستطيع أفعى أن تأكل عصا أو حبلاً ؟ 

 

من يتخلَّ عن الحق فلن يحقق هدفه أبداً :


﴿وَأَلْقِ مَا فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ مَا صَنَعُوا إِنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سَاحِرٍ وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى﴾ .. هل يقوى الباطل على أن يقف في وجه الحق ؟ هل يقوى صُنع نفرٍ من الناس بكيدٍ واضحٍ عن أن يُسْكِتَ الحق ؟ ﴿وَأَلْقِ مَا فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ مَا صَنَعُوا إِنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سَاحِرٍ وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى﴾ أي إذا تخليت عن الحق افعل ما شئت لن تفلح ، لن تحقِّق الهدف .

﴿ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنْفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ (36) ﴾

[ سورة الأنفال ]

هناك ما وراء السطور ، وما بين السطور ، الآيات واضحة ، لكن كل آية يمكن أن تقيس عليها أشياء كثيرة .. ﴿ وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى﴾ أي إذا أردت أن تُلفت نظر الناس إلى شيءٍ لا ينتمي إلى الحق إنك لن تفلح في هذا ، لن تُفلح إطلاقاً إذا أردت أن تستعيض عن شرع الله بشرعٍ وضعي ، لا يمكن أي تشريعٍ وضعي من صنع البشر أن ينجح ، لا يمكن أن يحقِّق أهدافه ، لا يمكن أن يُفْلِحَ أصحابه لأنهم بشر ، الإنسان مقيدٌ بمصالحه ، مقيدٌ بنزواته ، مقيدٌ بمحدوديَّته .. ﴿ وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى﴾ .

 

من لا يخفق قلبه للحق إنسانٌ ميِّتٌ :


حينما رأى السحرة وهم على علمٍ بالسحر وفنونه حينما رأى السـحرة العصا أصبحت أفعى وحيَّةً بكل ما في هذه الكلمة من معنى ..﴿ فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سُجَّداً ﴾ .. قد يسأل سائل : لِمَ لمْ يقل ربنا عزَّ وجل : فسجد السحرة ؟ قال : ﴿فَأُلْقِيَ ﴾ وكأن قوَّةً كبيرة ، خطيرةً ، عظيمةً ، أرغمتهم على السجود ، أُلقي فعل مبني للمجهول ، شيءٌ أرغمهم على أن يسجدوا ، وهو الحق ، هذا الذي فعلوه سحر ، أما هذه فهي آيةٌ عُظمى دالَّةٌ على عظمة الله عزَّ وجل ﴿ فَأُلْقِيَ﴾ وكأن شيئاً قد أرغمهم على أن يسجدوا ، إنه الحق ، لذلك الإنسان الذي لا يخفق قلبه للحق إنسانٌ ميِّتٌ ، الإنسان الذي لا يقشعّر جلده لآيةٍ دالَّةٍ على عظمة الله إنسانٌ ميِّت ..

ليس من مات فاستراح بميِّتٍ             إنمــا الـميِّت مـيِّتُ الأحياءِ

  * * *

 

حسبكم الكون معجزة :


يقول بعض العلماء الذين اكتشفوا أحدث نظريَّة في الفيزياء ، وهي النظرية النسبيَّة ، هذه النظريَّة معقَّدةٌ غاية التعقيد ، إنها تعطي الأشياء بعداً رابعاً ، ألا وهو الزمن ، إنها تؤكد أن الشيء إذا سار بسرعة الضوء أصبح ضوءاً ، وأن الشيء إذا تجاوز هذه السرعة عاد الزمن نحو الوراء ، موضوعٌ دقيقٌ لا مجال للحديث عنه ، لكن هذا العالِم يقول : "كل إنسانٍ لا يرى في هذا الكون قوَّةً هي أقوى ما تكون ، حكيمةً هي أحكم ما تكون ، رحيمةً هي أرحم ما تكون هو إنسانٌ حي ، ولكنَّه ميِّت " . أي هؤلاء السحرة سجدوا للـه عزَّ وجل بعد أن رأوا هذه الآية .

﴿ وَكَأَيِّنْ مِنْ آيَةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ (105)﴾

[ سورة يوسف ]

أليس ابنك الذي وُلِد من قريبٍ آية دالَّة على عظمة الله ؟ هذا الطفل الصغير الذي يأكل ويشرب مزوَّدٌ بكل الأجهزة الدقيقة ؛ دماغٌ ، وعظامٌ ، وعضلاتٌ ، وأوردةٌ ، وشرايين ، وقلبٌ ، ورئتان ، وكليتان ، وعضلات ، هذا الطفل صنع من ؟ من خلقه ؟ من كوَّنه ؟ من صوَّره بهذا الشكل ؟ أليس الطفل المولود حديثاً آيةٌ من آيات الله عزَّ وجل ؟ أليس في خلقكم  وفي خلق ما حولنا من حيوان ومن نبات آياتٌ دالَّةٌ على عظمة الله ؟ نحن المعنيون بهذه السورة أو هذه القصَّة ، هؤلاء السحرة حينما رأوا هذه الآية سجدوا لله عزَّ وجل ، وقد قيل : حسبكم الكون معجزة .

هذه البقرة التي تأكل الحشيش ، تعطي الحليب ، هل في الأرض كلِّها جهةٌ تستطيع تحويل هذا الطعام الذي تلتهمه إلى هذا الشراب السائغ الذي يخرج .

﴿ وَإِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعَامِ لَعِبْرَةً نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِهِ مِنْ بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَبَنًا خَالِصًا سَائِغًا لِلشَّارِبِينَ (66)﴾

[  سورة النحل  ]

أليس في هذا آية ؟ هذه الدجاجة تأكل كل شيء تعطيك هذه البيضة ، فيها كذا فيتامين ، كذا معدن ، كذا شعبه معدن ، غذاءٌ كامل ، الآيات التي حولنا لا تُعدُّ ولا تُحصى ، خلق الإنسان ، خلق الحيوان ، طباع الحيوان ، خلق النبات ، طباع النبات ، خلق الأرض ، اختلاف الليل والنهار ، الشمس والقمر ، المجرَّات ، الكواكب ، الهواء ، الماء ، آياتٌ لا تعدُّ ولا تحصى ، كأن الله عزَّ وجل يدعونا أن نسجد له .

 

إيمان السحرة بالله وبرسالة موسى وهارون :


﴿فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سُجَّداً قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ هَارُونَ وَمُوسَى﴾ أي هم آمنوا بالله وبرسله ، حينما قالوا : ﴿ بِرَبِّ هَارُونَ وَمُوسَى ﴾ أضافوا إلى إيمانهم بالله إيمانهم برسالة سيدنا موسى وسيدنا هارون ، هنا تدخَّل فرعون : ﴿قَالَ آمَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ ﴾ .. غاب عنه أن لهذا الكون إلهاً عظيماً ، وأن له آياتٍ دالَّةً على عظمته ، غاب عنه أن هؤلاء السحرة رأوا شيئاً جعلهم يوقِنون أن هذا الإنسان الذي ألقى العصا إنما هو رسول الله عزَّ وجل ، غاب عنه ذلك ، فكأنه ظنَّ أنهم آمنوا ليفتنوا الناس عنه .. ﴿ قَالَ آمَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ ﴾ لا يزال مُصِرًّا على أن هذا النبي العظيم هو ساحرٌ كبير ، وأنه إنما يهدِفُ من هذا العمل أن يصرف الناس عن فرعون ، وأن يحلَّ محلَّه في المُلك ﴿ فَلَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلَافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنَا أَشَدُّ عَذَاباً وَأَبْقَى﴾ لا يملك فرعون من سلطانٍ على هؤلاء الناس إلا أن يقتلهم ، وله أن يعذِّبهم قبل أن يقتلهم ، له أن يقطِّع أيديهم وأرجلهم من خِلاف ، يقطع اليد اليمنى والرجل اليسرى ، وله أن يصلِّبهم ، لا أن يَصْلِبَهُم ، أي يُكْثِرُ من صلبهم كقولك : قطَّعته أو قَطَعْتُهُ ، له أن يبالغ في صلبهم على جذوع النخل ، يضعهم على جذع النخل ، ويخرق فيهم المسامير ، وله أن يقطع أيديهم وأرجلهم من خِلاف ، ثم يؤكِّد فرعون : ﴿ وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنَا أَشَدُّ عَذَاباً وَأَبْقَى﴾ أنا أم ربُّ موسى ؟ عجيبٌ أمر هؤلاء السحرة ، قبل قليل ، قبل ساعة كانوا يقولون :

﴿ فَأَلْقَوْا حِبَالَهُمْ وَعِصِيَّهُمْ وَقَالُوا بِعِزَّةِ فِرْعَوْنَ إِنَّا لَنَحْنُ الْغَالِبُونَ (44) ﴾

[  سورة الشعراء ]

آمنوا بفرعون : ﴿ بِعِزَّةِ فِرْعَوْنَ إِنَّا لَنَحْنُ الْغَالِبُونَ (44)﴾ .

 

جرأة السحرة بعد إيمانهم برسالة موسى عليه السلام :


ماذا حصل ليؤمنوا بربِّ هارون وموسى ؟ جاء بهم فرعون ليقفوا في وجه هذا النبي الكريم فإذا هم معه ، هذه مشكلة ، أجابوه إجابةً دقيقةً جداً ، وجعل بعض العلماء من المفسِّرين من كل فقرةٍ من إجاباتهم رداً على كلام فرعون ﴿ قَالُوا لَنْ نُؤْثِرَكَ عَلَى مَا جَاءَنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ ﴾ .. أي عرفنا أن هناك إلهاً عظيماً أعظم منك ، وما عنده من خيراتٍ لا تملكها أنت ، وما عنده من عذاب لا تقوى على فعْله أنت ، لذلك : ﴿ لَنْ نُؤْثِرَكَ عَلَى مَا جَاءَنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ ﴾ هذه العصا التي أصبحت ثعباناً مبيناً دلَّتنا على أن لهذا الكون إلهاً عظيماً ، وهذا الإله العظيم عطاؤه عظيم ، وعذابه عظيم ، فإذا وازنا بين ما وعدتنا من أن نكون مقرَّبين إليك ، وأن تعطينا بعض الأموال ، أو إذا وازنا ما عند الله من عذابٍ عظيم ، وما تُوعدنا به من عذابٍ دنيوي ﴿ لَنْ نُؤْثِرَكَ عَلَى مَا جَاءَنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالَّذِي فَطَرَنَا فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ ﴾ أي افعل ما بدا لك ، إنك تملك شيئاً واحداً ، إنك تملك أن تقتلنا ، أو أن تقطع أيدينا وأرجلنا من خِلاف كما تقول ، أو أن تصلِّبنا في جذوع النخل ، أنك تملك هذا كلّه ، ولكنَّك لا تملك نفوسنا ، لا تملك قلوبنا إذا آمنت بالله عزَّ وجل ، ولا تملك بعد الموت ، تملك الحياة الدنيا فقط .. ﴿ لَنْ نُؤْثِرَكَ عَلَى مَا جَاءَنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالَّذِي فَطَرَنَا فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ ﴾ ماذا شاهدوا من هذه المعجزة حتى حملتهم مشاهدتهم على أن يقولوا لفرعون - وفرعون له في ذلك العصر رهبةٌ شديدة - أن يقولوا له : ﴿ فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا﴾ أي كل ما تملكه أن تنهي حياتنا ، وهذه حياةٌ دنيا ليست عُظمى، ليست عُليا ..

﴿ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي (24) ﴾

[  سورة الفجر ]

قال عليه الصلاة والسلام : عن المستورد بن شداد :

(( ما أخذتِ الدنيا من الآخرةِ إلا كما أخَذ مِخْيطٌ غُمِسَ في البحرِ من مائِه . ))

[ السلسلة الضعيفة : حكم المحدث :منكر بذكر المخيط ]

اغمس إبرةً في مياه البحر ثم اسحبها فانظرْ بِمَ ترجع ؟ هذا الذي أخذته الدنيا من الآخرة .

 

اللّهُ خيرٌ وأبقى :


لذلك : ﴿ إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا*إِنَّا آمَنَّا بِرَبِّنَا لِيَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا وَمَا أَكْرَهْتَنَا عَلَيْهِ مِنَ السِّحْرِ وَاللَّهُ خَيْرٌ وَأَبْقَى﴾ ردُّوا عليه ، ألمْ يقل فرعون قبل قليل : ﴿ وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنَا أَشَدُّ عَذَاباً وَأَبْقَى﴾ قالوا : ﴿وَاللَّهُ خَيْرٌ وَأَبْقَى﴾ .. أي ما عند الله من خير ليس بعده خير ، وما عند الله من خلود ليس بعده خلود ، لذلك وازنَّا فوجدنا أن الله خيرٌ وأبقى . وهذه الآية أيُّها الإخوة ؛ والله الذي لا إله إلا هو لو تمثَّلناها جميعاً لاتجهنا إلى الله بكليَّتنا .. ﴿وَاللَّهُ خَيْرٌ وَأَبْقَى﴾ من الدنيا وما فيها ، من زيدٍ أو عبيد ، كل مكاسب الدنيا تنتهي عند الموت ، وكل ما وعد الله به المؤمنين يبدأ بعد الموت ..﴿وَاللَّهُ خَيْرٌ وَأَبْقَى﴾ الدنيا زائلة ، والدنيا محدودة لكن الآخرة باقية وأبديَّة .

 

وعيد الله للمجرمين ووعده للمؤمنين :


ماذا قال فرعون ؟ قال :﴿ فَلَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلَافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنَا أَشَدُّ عَذَاباً وَأَبْقَى﴾ ردُّوا عليه .. ﴿ إِنَّهُ مَنْ يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِماً فَإِنَّ لَهُ جَهَنَّمَ لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحْيَا﴾ .. أنت إذا قتلتنا بثوان تنتهي هذه المصيبة وتبقى الجنَّة لنا ، أما الذي يأتي ربَّه مجرماً .. ﴿ فَإِنَّ لَهُ جَهَنَّمَ لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحْيَا﴾ لا يموت فيستريح ، ولا يحيا حياةً فيستريح ، حالةٌ لا توصف ، لا موت ولا حياة ..﴿ لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحْيَا﴾ ، وأنت حينما قلت لنا:

﴿ وَجَاءَ السَّحَرَةُ فِرْعَوْنَ قَالُوا إِنَّ لَنَا لَأَجْرًا إِنْ كُنَّا نَحْنُ الْغَالِبِينَ (113) قَالَ نَعَمْ وَإِنَّكُمْ لَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ (114)﴾

[ سورة الأعراف  ]

ردُّوا عليه : ﴿ وَمَنْ يَأْتِهِ مُؤْمِناً قَدْ عَمِلَ الصَّالِحَاتِ فَأُولَئِكَ لَهُمُ الدَّرَجَاتُ الْعُلَا﴾ أي مكانتنا عند الله إذا آمنا به وأطعناه أفضل بكثير من مكانتنا عندك لو تابعناك على باطلك ، أنت أوعدتنا بالقتل والتعذيب ، لكن .. ﴿مَنْ يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِماً فَإِنَّ لَهُ جَهَنَّمَ لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحْيَا﴾ ووعدتنا بالزلفى منك ، وأن تمدُّنا بما نشتهي ، لكن ..﴿وَمَنْ يَأْتِهِ مُؤْمِناً قَدْ عَمِلَ الصَّالِحَاتِ فَأُولَئِكَ لَهُمُ الدَّرَجَاتُ الْعُلَا﴾ .. شتَّان بين وعدك ووعد الله عزَّ وجل ، وبين وعيدك ووعيد الله عزَّ وجل ، من هنا قالوا : ﴿ لَنْ نُؤْثِرَكَ عَلَى مَا جَاءَنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالَّذِي فَطَرَنَا﴾ .

 

فضل التزكية وثوابها :


﴿جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاءُ مَنْ تَزَكَّى﴾ .. من زكَّى نفسه ، ألم يقل الله عزَّ وجل :

﴿ قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا (9) وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا (10) ﴾

[  سورة الشمس  ]

﴿ قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ(1)الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ(2) ﴾

[ سورة المؤمنون  ]

فلذلك هذا جزاء من تزكَّى ، من زكَّى نفسه ، طهَّرها من الأدران ، طهرها من الشرك ، طهرها من الكِبر ، طهرها من العُجب ، طهرها من الأنانية ، طهرها من القسوة ، جعلها تصطبغ بالكمال الإلهي ، هذا الذي تزكَّى هذا جزاؤه عند الله عزَّ وجل . 

 

شقّ البحر معجزة إلهية عظيمة أنقذت موسى ومن معه : 


﴿وَلَقَدْ أَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقاً فِي الْبَحْرِ يَبَساً ﴾ الأرض اليابسة بالتعريف الدقيق أرضٌ جَفَّ منها الماء .. ﴿ فَاضْرِبْ لَهُمْ ﴾ .. لا على وجه الحقيقة ، أي أشر بعصاك إلى البحر ينفلق طريقٌ كالطود العظيم ، كما جاء وصفه في سورةٍ أخرى .. ﴿ فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقاً فِي الْبَحْرِ يَبَساً لَا تَخَافُ دَرَكاً وَلَا تَخْشَى﴾ يبدو أن سيدنا موسى مع أصحابه كانوا قلَّة .

﴿ إِنَّ هَؤُلَاءِ لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ (54) وَإِنَّهُمْ لَنَا لَغَائِظُونَ (55)﴾

[  سورة الشعراء  ]

﴿ فَأَتْبَعُوهُمْ مُشْرِقِينَ (60)  ﴾

[ سورة الشعراء  ]

لا يوجد تكافؤ ، قلَّةٌ قليلة مضطهدة ، مستضعفة ، خائفة ، لا سلاح بيديها ، و فرعون وجنوده .

 

إيمان الأنبياء :


لذلك طمأن الله عزَّ وجل هذا النبي العظيم : ﴿ لَا تَخَافُ دَرَكاً وَلَا تَخْشَى ﴾ .. لن يُدركك فرعون ، لن يلحق بك ، لن يطولك ، حينما رأى أصحاب موسى أن البحر من أمامهم ، وأن فرعون من ورائهم خافوا ..

﴿ فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ (61) قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ (62)﴾

[  سورة الشعراء ]

هذا إيمان الأنبياء ، سيدنا الصديق رضي الله عنه قال وهو في الغار : " والله يا رسول الله لو نظر أحدهم إلى موطئ قدمه لرآنا " ، فقال عليه الصلاة والسلام : عن أبي بكر الصديق :

(( قلتُ : يا رسولَ اللهِ ! ونحن في الغارِ : لو أنَّ رجلًا اطَّلع لرآنا ، فقال : ما ظنُّك باثنَينِ اللهُ ثالثُهما ؟ وقال : أحدُهما في حديثِه : لو أنَّ أحدَهم نظر موضعَ قدمِه لأبصرَنا ، فقال : ما ظنُّك باثنَينِ اللهُ ثالثُهما ))

[ صحيح البخاري ]

تروي بعض الروايات أنه وقعت عين بعض المشركين على عين أبي بكر ، وقعت العينُ على العين ففزع هذا الصدِّيق فقال : " يا رسول الله لقد رأوني " ، قال : يا أبا بكر ألم تقرأ قوله تعالى :

﴿ وَإِنْ تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدَى لَا يَسْمَعُوا وَتَرَاهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ (198)﴾

[ سورة الأعراف  ]

فأصحاب سيدنا موسى خافوا ، في الخندق .

﴿ هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالًا شَدِيدًا (11) وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُورًا (12)  ﴾

[  سورة الأحزاب ]

أي حينما أحاط الكفَّار بالمسلمين ، وحينما خان اليهود العهد ، وحين انكشفت ظهورهم ، وحين كان الإسلام على وشك أن ينتهي ، بقيت المشكلة مشكلة الزمن فقط ، انتهى الإسلام ، وضعهم الله عزَّ وجل في تجربةٍ قاسية حتى قال الضعفاء : " أيعدنا صاحبكم أن تُفْتَح علينا بلاد قيصر وكسرى وأحدنا لا يأمن أن يقضي حاجته ؟! " ..

﴿ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً (23)﴾

[  سورة الأحزاب  ]

 

هلاك فرعون وشيعته :


أصحاب سيدنا موسى حينما رأوا فرعون وجنوده من خلفهم ، والبحر من أمامهم ، ولا أمل لهم بالنجاة ، ﴿ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ(61)قَالَ كَلا إِنَّ مَعِي رَبِّي سَيَهْدِينِ(62)﴾ طمأنه ربنا سبحانه وتعالى فقال : ﴿ لَا تَخَافُ دَرَكاً وَلَا تَخْشَى* فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ بِجُنُودِهِ ﴾ .. تبعهم في هذا الطريق البحري ، فلمَّا صار فرعون في منتصف المسافة بين البر والبحر ، وكان سيدنا موسى مع أصحابه قد خرج إلى الضفَّة الثانية من البحر الأحمر عاد البحر بحراً .. ﴿فَغَشِيَهُمْ مِنَ الْيَمِّ مَا غَشِيَهُمْ * وَأَضَلَّ فِرْعَوْنُ قَوْمَهُ وَمَا هَدَى﴾ هذا ردّ من الله عزَّ وجل على فرعون حينما قال :

﴿ يَا قَوْمِ لَكُمُ الْمُلْكُ الْيَوْمَ ظَاهِرِينَ فِي الْأَرْضِ فَمَنْ يَنْصُرُنَا مِنْ بَأْسِ اللَّهِ إِنْ جَاءَنَا قَالَ فِرْعَوْنُ مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ (29)﴾

[ سورة غافر  ]

 إذاً ليس هذا الذي هداهم به هو سبيل الرشاد ، إنه سبيل الهلاك ..﴿ وَأَضَلَّ فِرْعَوْنُ قَوْمَهُ وَمَا هَدَى﴾ وفي آيةٍ أخرى ..﴿إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ يُرِيدَانِ أَنْ يُخْرِجَاكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِمَا وَيَذْهَبَا بِطَرِيقَتِكُمُ الْمُثْلَى﴾ لا طريقته مُثلى ، ولم يهدهم سبيل الرشاد ، بل ﴿ وَأَضَلَّ فِرْعَوْنُ قَوْمَهُ وَمَا هَدَى﴾ يوم القيامة يلقي الإنسان التبعة على من أضلَّه ، فالشيطان يردُّ على هؤلاء :

﴿ وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلَا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (22) ﴾

[  سورة إبراهيم  ]

آياتٌ كثيرة فيها دعوى أنه : يا رب فلان قد أضلَّنا ، وهؤلاءِ قد أضلَّوني ، ولكنَّه في الحقيقة لا يضلُّ أحدٌ أحداً ، هذا الذي يبدو لك أن فلاناً قد أضلَّه هو في الأساس ضال ، لـو لم يكن ضالاً لما اتبع فلاناً ، إذاً : ﴿ وَأَضَلَّ فِرْعَوْنُ قَوْمَهُ وَمَا هَدَى﴾ وهكذا قُضِيَ على فرعون ، لأنه أراد أن يقف في وجه الحق ، إن شاء الله تعالى في درسٍ قادم نتابع هذه القصَّة .

  

كلمةٌ قصيرة : قصة موسى في حياة المسلمين اليوم :


كلمة قصيرة ؛ القصَّة وقعت وانتهت ، ولكنَّ المقصود نحن ، أي حينما أُلقي السحرة سجَّداً لما رأوا من آيات الله البينات ، نحن نرى في كل يوم ، وفي كل لحظة ، وفي كل ساعة آياتٍ لا حصر لها ، لأن الكون في حدِّ ذاته معجزة ، فيا ترى هل سجدنا لله عزَّ وجل سجود التعظيم ؟ وهل آثرنا جانب الله عزَّ وجل على جانب البشر ؟ هل آثرنا ما عند الله على ما عند الناس ؟ هل آثرنا الآخرة على الدنيا ؟ هل آثرنا طاعة الله على طاعة الشُرَكاء ؟ الإنسان أمام موقف صعب ، وأمام خيار صعب ، إما أن يكون مع الحق ، وإما أن يكون مع الباطل ، إما أن يكون مع الله ربِّ العالمين ، وإما أن يكون مع آلهةٍ لا تملك له نفعاً ولا ضرَّا ، إما أن يصبَّ اهتمامه على الدنيا الفانية أو على الآخرة الباقية ، فهذا الخيار نجح به سحرة فرعون أيَّما نجاح ، وتفوَّقوا ، فالمفروض أن يقول الإنسان : ﴿ وَاللَّهُ خَيْرٌ وَأَبْقَى ﴾ لا أن يؤثر الدنيا على الآخرة ، لا أن يؤثر رضا زوجته على طاعة الله عزَّ وجل ، لا أن يؤثر رضا أخيه أو أبيه أو صاحبته على ما عند الله من نعيمٍ مقيم ، الموضوع موضوع اختيار ، فإما أن تختار الأبقى ، وإما أن تختار الشيء الفاني .. ﴿وَاللَّهُ خَيْرٌ وَأَبْقَى﴾ أي الخير من حيث الكميَّة والنوعية ، وأبقى من حيث الأبديَّة ..

﴿ قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى(14)وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى(15)بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا(16)وَالآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى(17)إِنَّ هَذَا لَفِي الصُّحُفِ الأُولَى(18)صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى(19)﴾ ﴾

[ سورة الأعلى  ]

 والحمد لله رب العالمين 

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور